مرة واحدة فقط لممارسة الطعون

من إعداد: النقيب الطيب بن لمقدم

محام بهيئة الرباط (الخميسات)

إن الطعون ضد الأحكام والقرارات القضائية بجميع أنواعها من طعون عادية وطعون غير عادية وطعون استثنائية

(1),

لا تمارس أمام القضاء إلا مرة واحدة, سواء في ظل التشريع الذي لا يسمح بأكثر من مرة واحدة للطعن (/) أو في ظل الاجتهاد القضائي الذي كرس هذه القاعدة في مختلف الطعون (//).

(/) ممارسة الطعون مرة واحدة تشريعا:

فبالرغم من أن المشرع المغربي في قانون المسطرة المدنية أورد نصا يتيما على هذا المنع بشأن ممارسة طرق الطعن وهو الفصل 133 من قانون المسطرة في ما يخص عدم قبول تعرض جديد من الشخص المتعرض الذي حكم عليه غيابيا مرة ثانية, إلا أنه يمكن الإشارة في هذا الصدد إلى أن هذه القاعدة اتسعت دائرتها نوعا ما بصور قانون المسطرة الجنائية الجديد

(2)

بحيث ورد النص على هذه القاعدة في مجال الطعن بالتعرض حيث نصت الفقرة 5 من المادة 394 منه على أنه لا يقبل التعرض على الحكم بناء على تعرض سابق, وكذلك وردت القاعدة بشأن الطعن بالنقض في المادة 531 من نفس القانون حيث جاء فيها أنه لا يمكن لأي سبب ولا بناء على أية وسيلة للطرف الذي سبق رفض طلبه الرامي إلى النقض, أن يطلب من جديد نقض نفس القرار.

وفي مجال التشريع المقارن نلاحظ أن تشريع بعض الدول العربية قد وسعت من دائرة هذه القاعدة... فالتشريع المصري نص في المادة 247 من قانون المرافعات المدنية على أن الحكم الذي يصدر برفض الالتماس أو الحكم الذي يصدر في موضوع الدعوى بعد قبوله لا يجوز الطعن في أيهما بالالتماس. ونص في المادة 272 من نفس القانون على أنه لا يجوز الطعن في أحكام محكمة النقض بأي طريق من طرق الطعن.

أما التشريع السوري فقد حذا حذو التشريع المصري بشأن توسيع هذه القاعدة, فنص في المادة 249 من قانون أصول المحاكمات المدنية على أنه لا يجوز طلب إعادة المحاكمة بشأن الحكم الذي يصدر برفض طلب إعادة المحاكمة أو الحكم في موضوعه.

(//) ممارسة الطعون مرة واحدة قضاءا:

هذا وأن القضاء كرس هذه القاعدة بالنسبة لمختلف طرق الطعن: كالطعن بالاستئناف والطعن بالنقض والطعن بإعادة النظر والطعن بتعرض الغير الخارج عن الخصومة والطعن بالاستئناف الفرعي. يومكن تطبيق هذه القاعدة على سبيل القياس بالنسبة لباقي أنواع الطعون الأخرى كالطعن بالاستئناف المقابل والطعن بالإحالة في قضاء الجماعات والمقاطعات, والطعن بالإحالة على المجلس لتجاوز القضاة سلطاتهم, والإحالة لمخالفة الحكم للقانون أو لقواعد المسطرة...

1-في الطعن بالاستئناف:

في قرر صادر عن المجلس الأعلى بتاريخ 23/2/1977 قرر فيه من أن طرق الطعن في الأحكام لا تمارس إلا مرة واحدة وأضاف فيما يخص الطعن بالاستئناف أن الشخص الذي خسر الطعن بالاستئناف في حكم بسبب عدم احترام شروط القبول ـ عدم بيان أسباب الاستئناف ـ لا يجوز له أن يعود إلى استئناف نفس الحكم من جديد بمقال مستوفي للشروط, والمحكمة عندما تقبل استئناف حكم سبق التصريح بعدم قبول استئنافه تكون قد خرقت قاعدة جوهرية تتعلق بممارسة طرق الطعن في الأحكام

(3).

كما قرر المجلس الأعلى من أن عدم جواز الطعن بالاستئناف مرة ثانية مشروطة بما إذا كانت هناك وحدة الطعنين شكلا وموضوعا

(4).

وتجدر الملاحظة في هذا الخصوص أن المجلس الأعلى خالف قاعدة عدم جواز الطعن مرة ثانية بخصوص الطعن بالاستئناف, وذلك عندما قرر ولاحظ عدم تبليغ الحكم المطعون فيه بالاستئناف للمرة الأولى, كما لاحظ أن الطعن بالاستئناف مرة أخرى يقدم ضد من كان خصما له في مرحلة الاستئناف الأول,' حيث جاء قراره كما يلي: "لكن حيث تبين من تنصيصات القرار أنه ليس في الملف ما يفيد تبليغ الحكم المستأنف إلى المستأنف لذا فإن أجل الاستئناف يبقى مفتوحا في وجهه إلى أن تنصرم مدة ثلاثين يوما من تاريخ التبليغ طبقا للفصل 134 من قانون المسطرة المدنية, وما دام أن التبليغ طبقا للفصل 134 من قانون المسطرة المدنية قدم داخل أجله القانوني من كان خصما له في الدعوى, لهذا تكون محكمة الاستئناف عندما قضت بقبول الاستئناف قد طبقت الفصل 134 م.م. ولم تخرقه

(5).

2- في الطعن بالنقض:

وفي الطعن بالنقض فإنه بالرغم من عدم وجود أي نص يمنع تقديم عدة طلبات للنقض من نفس الطرف مادام القرار المطعون فيه لم يبلغ بعد, وما دام لم يصدر بعد أي قرار عن المجلس بخصوصه (6) فإن المجلس الأعلى قرر من أن الطرف الذي رفع إلى المجلس الأعلى طلبا بالنقض يستنفذ حقه في استعمال هذه الطريقة من طرق الطعن ولا يجوز له تقديم طلب آخر بالنقض ضد نفس الحكم (7). كما قرر أيضا وفي هذا الخصوص من أن الطعن بالنقض لا يكون إلا مرة واحدة, ويكون الطلب من أجل النقض مرة أخرى تكرارا للطلب الأول المعرض لعدم القبول (8).

وفي نفس هذا الاتجاه سار قرار المجلس الأعلى عدد 4525 بتاريخ 1/7/1998

(9).

3- في الطعن بإعادة النظر:

وفي ما يتعلق بالطعن بطريقة إعادة النظر فإنه لا يمكن ممارسة دعوى إعادة النظر إلا مرة واحدة ولا يجوز قبول إعادة النظر في قرار صادر عن المجلس الأعلى برفض طعن سابق بإعادة النظر لأن القرارات الصادرة من المجلس الأعلى في إعادة النظر لا تقب الطعن لانعدام نص يجيز ذلك (10).

هذا وإن كل من القضاء المصري والسوري لهما نفس التوجه بشأن قاعدة عدم جواز الطعن بالتماس إعادة النظر بالتماس إعادة النظر مرة ثانية, حيث قضت محكمة النقض المصرية من أن قاعدة عدم جواز الطعن بالتماس إعادة النظر في الحكم الذي سبق الطعن فيه بهذا الطريق هي قاعدة عدم جواز الطعن فيه بهذا الطريق هي قاعدة أساسية واجبة الاتباع على إطلاقها ولو يجر بها نص خاص في القانون, وتقوم على أصل جوهري من قواعد المرافعات يهدف إلى استقرار الأحكام ووضع حد للتقاضي

(11). وفي قرار آخر لها جاء فيه من أن ما تقتضي به المادة 247 من قانون المرافعات من أن الحكم الذي يصدر برفض الالتماس وكذلك الحكم الذي يصدر في موضوع الدعوى بعد قبول الالتماس للقواعد العامة (12) وقضت محكمة النقض السورية من أن إعادة المحاكمة طريق استثنائية من طرق الطعن لا يسوغ سلوكها ثانية ولو ظهرت أسباب جديدة جواز تعدد طريقة الطعن عن ذات الحكم

(13).

4- في الطعن بتعرض الغير الخارج عن الخصومة:

أما بالنسبة للطعن بتعرض الغير الخارج عن الخصومة فإن القضاء المغربي في بداية الأمر كان اتجاهه هو السماح بالطعن عدة مرات, على أساس أن الفصل 203 من قانون المسطرة المدنية لا يشترط أن يكون هذا الحكم الذي مس بحقوق الغير قد سبق أن تعرض عليه شخص آخر, فلكل من لم يكن طرفا في الدعوى أن يتعرض على الحكم الذي مس بحقوقه ولا يمنع من ممارسة هذا الحق أن يكون قد سبق أحد من الأغيار إلى ممارسته (14). ولكن المجلس الأعلى في قرار حديث له قرر فيه: زنه لا يجوز أن يرد طعن على طعن احتراما لاستقرار الحقوق والمراكز القانونية للطرفين... وذلك أن محكمة الاستئناف مصدرة القرار المطعون فيه التي قضت بعدم قبول طلب تعرض الغير الخارج عن الخصومة بعدما ثبت لها أن الطاعن سبق له أن تقدم بطلب آخر ضد نفس انتهى بعدم قبول الطلب لعدم إرفاقه بالوصل المثبت لإيداع مبلغ الغرامة في حده الأقصى عملا بالفصل 304 من ق.م.م. تكون قد سايرت المبدأ المذكور, اعتبارا منها على أن سبب عدم قبول طلب التعرض الأول راجع لإهمال الطاعن مما لا يجوز معه فسح المجال له ممارسة الطعن على نفس القرار المطعون فيه, فأتى قرارها معللا بما فيه الكفاية ومرتكزا على أساس قانوني سليم (15).

5-

في الطعن بالاستئناف الفرعي:

وفي الطعن بالاستئناف الفرعي قررت محكمة الاستئناف بالدار البيضاء بتاريخ 16/12/1999 من أن الطعن لا يمارس إلا مرة واحدة ومن تم فإنه لا يسوغ تقديم الاستئناف الفرعي بعد تقديم الاستئناف الأصلي

(16).

هذا وأنه يمكن اعتماد هذه القاعدة أيضا على القياس بشأن باقي الطعون الاستثنائية, كالطعن بالاستئناف المثار والطعن باستئناف مستأنف عليه على مستأنف عليه

(17),

والطعن بالإحالة بالنسبة لأحكام قضاء الجماعات والمقاطعات (ف,20 من ظ 15/1974 المتعلق بتنظيم محاكم المقاطعات وتحديد اختصاصاتها) والطعن بإحالة الأحكام على المجلس الأعلى من طرف الوكيل العام وكذا بأمر من وزير العدل (ف.381 و 382 من ق.م.م.).

النقيب الطيب بن لمقدم

الخميسات في 05/09/2004

الهوامش

(1)

انظر كتابي الطعون المدنية في التشريع المغربي ج 1 مطبعة ديديكو سلا 1996 ص 7 وما بعدها.

(2) قانون رقم 22/01 الصادر بتاريخ 03/10/2002 (ج.ر. 5078 بتاريخ 30/01/2003 ص 315 وما بعدها.

(3) قرار ع 141 مجلة المحاماة عدد 13 ص 130.

(4) قرار تاريخ 9/3/1994 مجلة الإشعاع عدد 11 ص 107.

(5) قرار ع 2527/87 منشور في كتاب د. أحمد زوكاعي. تنازع القوانين من خلال بعض الأحكام الصادرة عن المجلس الأعلى طبع ونشر مكتبة دار السلام 5 بالرباط 1998 ص 138 وما بعدها.

(6) قرار المجلس الأعلى ع 661 بتاريخ 31/5/1988 مجلة المحاكم المغربية عدد 62 ص 86.

(7) قرار ع 74 بتاريخ 31/3/1972 مجلة المحاكم المغربية عدد 62 ص 86.

(8) قرار المجلس الأعلى ع 3744 بتاريخ 17/6/1997 مجلة رسالة المحاماة عدد 15 ص 88.

(9) مجلة قضاء المجلس الأعلى عدد 56 ص 124.

(10) قرار المجلس الأعلى بتاريخ 25/11/1978 مجلة المحاكم المغربية 22 أكتوبر ـ نوفمبر 81 ص 67.

(11) نقض 22/1/77 طعن 385 س 42 ق.ذ. أنور طلبة بالاستئناف والتماس إعادة النظر دار المطبوعات الجامعية الإسكندرية 77 ص 630.

(12) نقض 21/12/1977 طعن 13 س 46 ق. أنور طلبة م.س.ص 630.

(13) نقض مدني أساس 452 قرار 330 بتاريخ 13/6/1963 قاعدة رقم 1127 ذ. أديب استانبولي قانون 13 أصول المحاكمات المدنية دار الأنوار للطباعة دمشق 1989 ص278.

(14) قرار المجلس الأعلى ع 1995 بتاريخ 25/6/1990 مجلة قضاء المجلس الأعلى عدد 46 ص20.

(15) قرار المجلس الأعلى ع 1205 بتاريخ 29/10/2003 المجلة المغربية لقانون الأعمال والمقاولات عدد 5

ص 108.

(16)

قرار ع 11888 مجلة المحاكم المغربية عدد 84 ص 173.

(17) للمزيد من التفاصيل حول الاستئنافيات العارضة يراجع كتابنا أبحاث وتعاليق قانونية مطبعة النجاح الجديدة الرباط 89 ص 233.

المصدر مجلة المرافعة

الفصل الثالث : الطبيعة القانونية للقرارات الصادرة عن قاضي تطبيق العقوبات

إن تحديد الطبيعة القانونية للقرارات التي يصدرها قاضي تطبيق العقوبات وقوتها الإلزامية ، سواء من حيث حجيتها أو طرق بالطعن المتعلقة بها، يقتضي ابتداء بيان خصائص هذه القرارات (أ) وأنواعها (ب) ليتأتى لنا بعد ذلك مناقشة إمكانية الطعن فيها(ج ).

أ / خصائص القرارات الصادرة من قاضي تطبيق العقوبات :

إن قانون المسطرة الجنائية جاء خاليا من أية إشارة في هذا الشأن، غير أن ما ورد في الفقرة الأخيرة من المادة 640 من أن وكيل الملك لا يأمر أعوان القوة العمومية بإلقاء القبض على المدين "إلا بعد صدور قرار بالموافقة على ذلك، عن قاضي تطبيق العقوبات "يسعفنا على الأقل في القول بأن ما يصدر عن قاضي تطبيق العقوبات يسمى قرارا وليس حكما .

كما أن الانطلاق من الكيفية المسطرية العملية التي يمارس بها قاضي تطبيق العقوبات اختصاصاته ، وكذا نموذج القرار الصادر عنه الذي أعدته وزارة العدل في هذا الشأن ، يسعف في بيان الخصائص التالية :

1- أنه قرار يصدر عن جهة قضائية .

لكون قاضي تطبيق العقوبات يعين من بين قضاة المحكمة الابتدائية (المادة 599

من ق .م .ج )، لذلك فإنه يخضع لبعض شكليات وبيانات الأحكام القضائية ، ومن ذلك :

ـ صدوره باسم جلالة الملك

ـ يجب أن يكون معللا سواء كان بتطبيق الإكراه البدني أو بعدم تطبيقه .

ـ يجب أن يكون وقعا من طرف القاضي والكاتب .....

2- أنه قرار يصدر مسألة غير نزاعية :

وبالتالي فهو لا ينشئ ولا يقرر حقا لطرف معين، ولا تأثير له على المراكز القانونية

لأطراف المقرر القضائي موضوع مسطرة الإكراه البدني، ومترتب على ذلك :

ـ صدور قرار قاضي تطبيق العقوبات في إطار مسطرة غير تواجهية وفي غيبة الأطراف

ـ عدم جواز إدلاء الأطراف بمذكرات أو أوجه دفاع أمام قاضي تطبيق العقوبات ، لأنه يضطلع بوظيفة المراقبة وليس البت في النزاعات ، وبالتالي فلا جدوى من طرح المذكرات أمامه، وكذلك لأن المنازعات التي قد تثار أمام قاضي تطبيق العقوبات تعتبر منازعات سابقة لأوانها، لكونها إما تتعلق بصحة إجراءات الإكراه البدني والحال أن هذه الإجراءات لم تستوف بعد، كما أنها ستكون موضوع مراقبة من قبل قاضي تطبيق العقوبات، وإما أن ترتبط بنزاعات عارضة تستلزم تأويلا وهو ما يخرج عن نطاق اختصاص قاضي تطبيق العقوبات ويرجع للمحكمة المصدرة للمقرر القضائي، وكذلك لأن العوارض الشكلية أو الموضوعية لمسطرة الإكراه البدني يرجع لقاضي تطبيق العقوبات إمكانية إثارتها تلقائيا، ومن ثم فلا محل لتدخل الأطراف في هذه المرحلة من المسطرة . وأن القول بغير ذلك سيضعنا أمام أوضاع إجرائية في غاية التعقيد، ومن ذلك :

- هل المسطرة شفوية أم كتابية ومن تم ضرورة الاستعانة بالمحامي من عدمها .

- مراعاة حقوق الدفاع من عدمها وما يدخل ضمنها من منح المهل للجواب والتعقيب والرد .

- هل يمكن لقاضي تطبيق العقوبات الحكم بعدم الاختصاص في حالة ما إذا تمت المنازعة أمامه في مدة الإكراه المحددة في المقرر المراد تنفيذه ، مادام أن هذه الصلاحية ترجح للمحكمة المصدرة للمقرر المراد تنفيذه المادة 643 ، 599 ، 600 من ق .م .ج ؟

- هل يمكن الطعن في قرار قاضي تطبيق العقوبات بإعادة النظر في حالة إغفال البت في أحد الطلبات، هل يمكن تجريح قاضي تطبيق العقوبات في حالة ثبوت أحد أسباب التجريح؟ وهل يعتبر ذلك مانعا يخول رئيس المحكمة تعيين من ينوب عنه، رغم أن المشرع في المادة 596 لم يتحدث إلا عن المانع المادي حيث نص على أنه "إذا حدث مانع لقاضي تطبيق العقوبات حال دون قيامه بمهامه" والحال أنه لا يبت، وبالتالي ينتفي موجب التجريح؟

- هل يمكن لقاضي تطبيق العقوبات تأجيل إصداره لقراره في حالة الإدلاء لديه بما يفيد الطعن (بالطعون غير العادية ) في المقرر موضوع مسطرة الإكراه أو بما يفيد الطعن بالزور في شهادة العوز أو الإغفاء من الضريبة المدلى بها من طرف المدين ..؟، وغيرها من المسائل التي يطول عرضها، والتي لا نضن أنها تحقق غاية المشرع من إقرار الرقابة القبلية على مسطرة الإكراه البدني،

- اقتصار رقابة قاضى تطبيق العقوبات على الوثائق المتضمنة بالملف كما أحيل من طرف وكيل الملك، دون غيرها من الوثائق التي قد يدلي بها الأطراف ، غير أنه يجب الإشارة إلى أنه بإمكان وكيل الملك الإدلاء بوثائق أخرى بعد إحالة الملف على قاضي تطبيق العقوبات مادام أن هذا الأخير لم يصدر قراره بعد .

3 - أنه قرار يشكل ركنا أساسيا في تطبيق مسطرة الإكراه البدني :

على الأقل بالنسبة للديون الخاضعة في استخلاصها لقانون المسطرة الجنائية ،وهذا ما يبرز بوضوح من خلال ما نص المشرع في المادة 640 من ق .م .ج . على أنه "لا يمكن تطبيق الإكراه البدني في جميع الأحوال ولو نص عليه مقرر قضائي، إلا بعد موافقة قاضي تطبيق العقوبات ..." كما نص في الفقرة الأخيرة من نفس المادة على أن وكيل الملك لا يأمر "أعوان القوة العمومية بإلقاء القبض على الشخص المطلوب تطبيق الإكراه البدني في حقه، إلا بعد صدور قرار بالموافقة على ذلك عن قاضي تطبيق العقوبات"، ويستثنى من هذه الموافقة الحالة المنصوص عليها في المادة 641 من ق .م .ج . وذلك عندما يكون المدين المطلوب إكراهه ما يزال معتقلا وأصبح الحكم الصادر في حقه مكتسبا لقوة الشيء المقضي (29) ويترتب على ذلك أن تطبيق الإكراه البدني رهين بالأساس بصدور قرار بالموافقة من قاضي تطبيق العقوبات تحت طائلة عدم صحة إجراءات الإكراه البدني.

ولقد أثيرت في هذا الصدد مسألة في بالغ الأهمية ، وهو مد ى إلزامية موافقة قاضي تطبيق العقوبات في حالة المدين المطلوب إكراهه الصادرة في حقه مذ كرة بحث قبل دخول قانون المسطرة الجنائية الجد يد حيز التنفيذ :

أعتقد أنه ليس هناك من ضرورة قانونية تفرض إلزامية الحصول على موافقة قاضي تطبيق العقوبات بالنسبة لطلبات الإكراه البدني التي استوفيت إجراءاته التي كانت محددة في المادة 680 من قانون المسطرة الجنائية الملغى (توجيه إنذار . طلب اعتقال )، وصدر أمر بإلقاء القبض على المدين ، ثم مذكرة بحث عنه بعد تعذر إلقاء القبض عليه من طرف الضابطة القضائية ، وكل ذلك قبل دخول المقتضيات الجديدة حيز التنفيذ أي قبل فاتح أكتوبر2003، وذلك للاعتبارات التالية :

ـ لأن الإجراءات المسطرية التي كانت واجبة قانونا ثم إنجازها قبل دخول القانون الجديد حيز التنفيذ، وأننا دخلنا في مرحلة تنفيذ الإكراه البدني بعد صدور أمر بالاعتقال الذي لا يكون في ظل الوضع الراهن إلا بعد صدور قرار بالموافقة - وبذلك نكون قد تجاوزنا مرحلة الإجراءات .

ـ أن استلزام ضرورة موافقة قاضي تطبيق العقوبات ، يعني بالتبعية استلزام ضرورة الإدلاء بما يثبت عدم إمكانية التنفيذ على أموال المدين ، الذي يتوجب قانونا على قاضي تطبيق العقوبات التثبت من توفره ، تحت طائلة عدم قبول طلب تطبيق الإكراه البدني، ومادام أن هذا الشرط لم يكن واجبا في ظل القانون القديم ، فإن جميع ملفات الإكراه سيكون مآلها عدم القبول لهذه العلة ، اللهم إلا إذا بادر طالبي الإكراه إلى ممارسة إجراءات التنفيذ على الأموال قبل إلقاء القبض على المدينين .

ـ أن اشتراط موافقة قاضي تطبيق العقوبات في هذه الحالة سيفضي إلى إعادة إجراءات صحيحة ، ذلك أن صدور قرار بالموافقة عن قاضي تطبيق العقوبات يوجب على السيد وكيل الملك إصدار أمر جديد بالإيداع في السجن تطبيقا للمادة 640 من ق .م .ج التي تنص في فقرتها الأخيرة على أنه "لا يأمر وكيل الملك أعوان القوة العمومية بإلقاء القبض على الشخص المطلوب تطبيق الإكراه البدني إلا بعل صدور قرار بالموافقة على ذلك عن قاضي تطبيق العقوبات. .." وهو ما يعتبر مخالفة واضحة للمادة 754من ق .م .ج . التي قضت على أنه " تبقى إجراءات المسطرة التي أنجزت قبل تاريخ تطبيق هذا القانون صحيحة ولا داعي لإعادتها"، وبالتالي فما دام الأمر بالاعتقال المنجزة على ضوئه مذكرة البحث صحيحا، فلا داعي لإعادته ، ومن ثم لا حاجة لموافقة قاضي تطبيق العقوبات .

ب /- أنواع القرارات التي يصدرها قاضي تطبيق العقوبات :

يصدر قاضي تطبيق العقوبات ثلاثة أنواع من القرارات :

1/-

قرار بتطبيق الإكراه البدني

2/- وقرار بتطبيق الإكراه البدني مع تحديد المدة

3/- وقرار بعدم تطبيق الإكراه البدني.

1-

القرار بتطبيق الإكراه البدني : ويصدر هذا القرار بعد تأكد قاضي تطبيق العقوبات من استيفاء الملف، للأحكام الإجرائية والموضوعية للإكراه البدني، وانتفاء أي مانع من الموانع المقررة قانونا ، فهذا القرار لا يشكل إضافة إجرائية نوعية في مسطرة الإكراه البدني، وإنما يقتصر فقط على التصريح بمطابقة الإجراءات المتخذة من قبل طالب الإكراه

للمقتضيات المنصوص عليها قانونا.

2/-

القرار بتطبيق الإكراه البدني مع تحديد مد ة الإكراه : ويصدر هذا القرار في نطاق المادة 999 من ق .م .ج ، التي تنص على أنه " يحدد قاضي العقوبات مدة الإكراه البد ني المتعلقة بالمد ين المطلوب الإكراه في حقه و في حالة الحكم بتضامن المدينين، وتراعي في ذلك حصة المد ين المعني بالأمر من الد ين "، وتثار بخصوص هذا القرار مسألتين على جانب كبير من الأهمية .

ـ الأولى:

وهي هل اختصاص قاضي تطبيق العقوبات بتحديد مدة الإكراه البدني إنما ينحصر فقط في الحالة التي يكون فيها طلب الإكراه البدني يتعلق بأحد المدينين المتضامنين دون الباقي كما قد يفهم من خلال اشتراط المشرع ضرورة مراعاة حصة "المدين المعني بالأمر"؟ أم يشمل حتى الحالة التي يكون فيها طلب الإكراه البدني يهم كل المدينين المتضامنين؟

إن الارتباط بالمعنى الحرفي لنص المادة 644 أعلاه ، يسعف في ترجيح الاحتمال الأول ، إلا أن مراعاة غاية المشرع في إسناد هذه الصلاحية لقاضي تطبيق العقوبات، وتجاوزا للمشاكل التي كان يطرحها الفراغ التشريعي بخصوص هذه المسألة في قانون المسطرة الجنائية السابق ، حيت كان وكيل الملك هو الذي يقوم بهذه المهمة ، لكون المحكمة المصدرة للمقرر المراد تنفيذه لا تختص إلا إذا كانت مدة الإكراه غير محددة، أوهناك منازعة في هذا التحديد، وهو الأمر غير الوارد في حالة المدينين المتضامنين المحددة في حقهم جميعا مدة الإكراه ، وإعمالا لقاعدة أنه (لا تضامن في الإكراه البدني)، نرى أن اختصاص قاضي تطبيق العقوبات يتحقق حتى في الحالة التي يكون فيها طلب الإكراه البدني موجها ضد كل المدينين المتضامنين ، حيت يحدد مدة الإكراه الخاصة بكل مدين اعتبارا لحصته من الدين ، وهو الأمر الذي تبرز فعاليته في الديون المدنية، حيت يتعدد الكفلاء وتختلف المبالغ موضوع الكفالة ...

ـ الثانية :

وهي أن عددا كبيرا من المقررات القضائية التي يؤسس عليها طلب الإكراه البدني، في حق أحد المدينين المتضامنين ، حازت قوة الشيء المقتضى به قبل دخول قانون المسطرة الجنائية الجديد حيز التنفيذ، بالتالي فهي تتضمن مدد إكراه أطول من المدد المنصوص عليها في قانون المسطرة الجنائية الساري المفعول ، وذلك إما صراحة بتحديد مدة الإكراه ، وإما ضمنيا بتحديدها في الأدنى، ففي هذه الحالة، هل يراعى قاضي تطبيق العقوبات في تحديده لمدة الإكراه في حق المد ين المتضامن ء المد ة التي كانت سارية في ظل القانون الذي صدرت فيه المقررات القضائية المطلوب على ضوئها الإكراه ، أم يأخذ بعين الاعتبار المدة المحددة في القانون النافذ المفعول عند إصداره لقراره ؟

إن التقيد بمبدأ عدم رجعية القوانين ، يقتضي تطبيق المدد المنصوص عليها في القانون القديم، والذي صدرت المقررات القضائية وحازت قوة الشيء المقضي به في ظله، والقول بغير هذا سيفرغ المبدأ المذكور من مدلوله القانوني، وسيؤول إلى تعديل جميع المقررات القضائية الباتة المحددة لمدة الإكراه البدني، والحال أن من القواعد المسلم بها في أحكام التنفيذ، أن القوة التنفيذية للأحكام القضائية لا يجوز تعديلها أو تغييرها إلا عبر طرق الطعن الممكنة قانونا، أومن خلال العفو بنوعيه الخاص والشامل .

وينبني على هذا التحليل :

ـ أنه لا مجال للتمسك بمبدأ الأثر الفوري للمقتضيات القانونية الإجرائية ، لأن الأثر الفوري إنما يشمل فقط القضايا التي لازالت رائجة ، والمراكز القانونية التي لم تنته بعد، ولا أثر له على الأوضاع التي نشأت وانتهت في ظل القانون القديم، كما أنه من المعلوم كذلك أن التطبيق الفوري للمقتضيات المسطرية الجديدة مشروط كذلك بعدم الإضرار بالحقوق المكتسبة للأطراف في ظل القانون القديم ، ولعل هذا ما يفسر ما جاء في المادة 754. من ق م .ج . من أنه تبقى إجراءات المسطرة التي أنجزت قبل تاريخ تطبيق هذا القانون صحيحة ولا داعي لإعادتها"، والفقرة الثانية من المادة 755 من ق م .ج . من أن "المقررات الصادرة قبل تاريخ دخوله (أي ق .م .ج ) حيز التطبيق تظل خاضعة من حيت الطعون وآجالها للمقتضيات المضمنة في القوانين المنسوخة.

ـ أنه لا محل لتطبيق مقتضيات المادة 6 من القانون الجنائي بخصوص القانون الأصلح للمتهم ، والتي تنص على أنه "في حالة وجود عدة قوانين سارية المفعول، بين تاريخ ارتكاب الجريمة والحكم النهائي بشأنها، يتعين تطبيق القانون الأصلح للمتهم" ، لكون المادة المذكورة إنما تهم العقوبة والحال أن الإكراه البدني ليس عقوبة ، وإنما وسيلة من وسائل الإجبار على التنفيذ، شأنه في ذلك شأن الغرامة التهديدية ، كما تهم المتهم والحال أن المكره بدنيا ليس متهما، كما تشترط وجود قانونين موضوعيين ساريي المفعول، في حين أننا أمام قانون واحد ساري المفعول ،......

3. القرار بعدم تطبيق الإكراه البدني : ويصدر هذا القرار في الحالة التي يتأكد فيها قاضي تطبيق العقوبات من وجود مانع من موانع الإكراه ، أو تخلف أحد الشروط الشكلية .

ج / الطعن في القرارات الصادرة عن قاضي تطبيق العقوبات :

واضح من خلال الخصائص التي بيناه أعلاه ، للقرارات الصادرة عن قاضي تطبيق العقوبات أن الطبيعة القانونية لهذه القرارات ، تتراوح بين الطابع القضائي الولائي (كقرار صادر عن جهة قضائية )، وبين الطابع الإجرائي (باعتبارها إجراء من إجراءات الإكراه البدني )، بحيث يبرز الطابع الإجرائي أكثر في القرارين المتعلقين بتطبيق الإكراه البدني، وبتطبيق الإكراه البدني مع تحديد المدة ، في حين يغلب الطابع القضائي في القرار بعدم تطبيق الإكراه البدني، لتمحوره حول عنصر التعليل أكثر، وهو الأمر الذي ينعكس على مستوى التصور القانوني لإمكانية الطعن في هذه القرارات ، وبالتالي التساؤل حول إمكانية الطعن في قرارات قاضي تطبيق العقوبات استقلالا عن باقي إجراءات الإكراه البد ني؟

وبهذا الخصوص، وانطلاقا مما خلصنا إليه حول الطبيعة القانونية للقرارات الصادرة عن قاضي تطبيق العقوبات، فإنه يتعين في اعتقادنا التمييزبين نوعي القرارين الصادرين عن قاضي تطبيق العقوبات؟ بتطبيق الإكراه البدني أو عدم تطبيقه ، وهكذا :

1/ فإذا تعلق الأمر بقرار بتطبيق الإكراه البدني، أو بتطبيق الإكراه البدني مع تحديد المدة، فإننا نميل إلى تأكيد عدم قابليتها لأي طعن استقلالا عن الطعن في باقي إجراءات الإكراه البدني، وذلك للاعتبارات التالية :

مراعاة لصبغة النظام العام التي تلحق المقتضيات الجنائية الإجرائية والموضوعية ، والتي من مقتضاها أنه لا طعن ألا بنص ، ولا وجود لنص يجيز إمكانية الطعن في القرارات الصادرة عن قاضي تطبيق العقوبات .

أن قرار قاضي تطبيق العقوبات بتطبيق مسطرة الإكراه البدني، ما هو إلا إجراء جديد من إجراءات مسطرة الإكراه البدني، وبالتالي فهو يخضع من حيت المنازعة فيه لنفس مسطرة المنازعة في باقي إجراءات مسطرة الإكراه البدني.

أن المشرع حدد الجهات التي لها صلاحية البت في المنازعات المتعلقة بمسطرة الإكراه البدني، وهي رئيس المحكمة الابتدائية لمحل اعتقال أو إلقاء القبض على المدين، إذا تعلق الأمر بمنازعة في صحة إجراءات الإكراه البدني، كعدم توجيه إنذار للمدين أو لكون المقرر القضائي مطعون فيه بأحد طرق الطعن غير العادية ، أو لتوفر المدين على ما يحجز...، (المادة 643 من ق .م .ج )(30)،

والمحكمة المصدرة للحكم المراد تنفيذه إذا تعلق الأمر بنزاع عارض يستلزم تفسيرا ، كما إذا تم تحديد مدة الإكراه البدني في أكثر من الحد الأقصى أو تم إغفال تحديد مدة الإكراه ، أو لوجود منازعة في سن المحكوم عليه ..،(المواد 599. 600. 643) (31)، ومن المعلوم أن المنازعة المحتملة في قرار قاضي تطبيق العقوبات بتطبيق الإكراه البدني، لن تخرج عن هذا الإطار، وبالتالي فإن الطعن يتم أمام هذه الجهات بحسب نوع المنازعة ، أما إذا انصبت المنازعة على القرار الصادر عن قاضي تطبيق العقوبات نفسه، بسبب بعض الاختلالات التي تعتريه ، كتضمينه اسما غير اسم المدين المطلوب ضده الإكراه ، أو لكون مدة الإكراه التي حددت في حق المدين المتضامن تتجاوز الحد الأقصى أو لا تتناسب كليا مع حصته من الدين...، ... فإن اختصاص البت في هذه المنازعة يرجع لنفس الجهتين أعلاه بحسب نوع الإخلال المثار بشأن القرار الصادر عن قاضي تطبيق العقوبات .

ومن تم فما دام إذن باب الطعن مفتوحا على هذا النحو، فلا ضرورة تدعو لتمييز القرار الصادر عن قاضي تطبيق العقوبات بمسطرة منازعة خاصة أو تقرير طرق طعن خاصة به ، وما يترتب عن ذلك من تطويل في الإجراءات وتعدد في المساطر، وهكذا فإن طرق المنازعة في إجراءات الإكراه البدني التي كانت متاحة في الوضع القانوني السابق ، هي نفسها التي تظل سارية في الوضع الراهن.

2) أما إذا تعلق الأمر بقرار بعدم تطبيق الإكراه البدني: ففي هذه الحالة فإن طالب الإكراه :

إما أن يقتنع بصحة المانع من تطبيق مسطرة الإكراه البدني المبين بقرار قاضي تطبيق العقوبات ، وهنا يكون من حقه إعادة الطلب من جديد بعد تصحيح الإجراءات أو تدارك المانع السابق ، ودون أن يحتج على ذلك بسبقية البت، اعتبارا لما أسفلناه بخصوص الطابع الإجرائي الولائي لقرارات قاضي تطبيق العقوبات، ونظرا لكونه يراقب ولا يبت .

وإما أن ينازع في السبب المبني عليه قرار بعدم تطبيق الإكراه البدني : وفي هذه الفرضية تتعقد المسألة ، حيث يبرز الطابع القضائي لقرار قاضي تطبيق العقوبات مجسدا في عنصر التعليل ، فتتحول المنازعة من منازعة في إجراء من إجراءات الإكراه البدني، إلى منازعة في تعليل قانوني، وهنا لا يمكن إسناد البت في هذا النزاع لا لرئيس المحكمة ولا المحكمة المصدرة للمقرر المراد تنفيذه ، لأن اختصاص هاتين الجهتين إنما يرتبط بالمنازعات المتعلقة بتنفيذ الإكراه البدني، بدليل اشتراط المشرع في المادة 643 من ق .م .ج وجود المدين في وضعية اعتقال حتى يتحقق اختصاص رئيس المحكمة للبت في النزاع ، كما يستشف كذلك من خلال تخويل المحكمة التي تبت في النزاعات العارضة ، صلاحية توقيف التنفيذ المتنازع فيه ، والحال في هذه الوضعية أن مسطرة الإكراه البدني لم يبدأ في تنفيذها، كما أن الحديث عن طعن إداري بالإلغاء، يبقى محل نظر، لكون القرار الصادر عن قاضي تطبيق العقوبات ، لا يعتبر قرارا إداريا بأي حال من الأحوال ، ولا تتوفر فيه خصائص القرارات الإدارية ، كما أن اللجوء إلى الطعن بالاستيناف في القرار بعدم تطبيق الإكراه البدني سيفتح المجال أمام تضخم الطعون في المسطرة الواحدة ، مما سيجعلنا أمام أوضاع معقدة ، من قبيل أجل الإستيناف ، وقابلية القرار اللإستنافي طعن فيه بالطرق غير العادية ... .، وهي أمور لا نعتقد أن غاية المشرع انصرفت إليها، وعموما فالمسألة تبقى في رحاب النقاش القانوني المفتوح ، في انتظار التعديل المرتقب لمدونة القانون الجنائي التي من المحتمل أن توسع من الصلاحيات المخولة لقاضي تطبيق العقوبات، وأن تتعرض لطرق الطعن في القرارات الصادرة عنه ، كما هو الحال في النظام القانوني الفرنسي، الذي حدد كيفية الطعن في القرارات الصادرة عن قاضي تطبيق العقوبات ، وذلك حتى نكون فعلا أمام قاض لتطبيق العقوبات ، وليس لإثارة العقبات .

هذه عموما بعض من كثير، وفيض من غزير المسائل التي يثيرها اختصاص قاضي تطبيق العقوبات في مراقبة صحة إجراءات الإكراه البدني، على المستويين العملي والنظري، عملنا ما وسعنا النظر على إخراجها من المستوى المهني الممارس ، إلى مستوى النقاش القانوني العام الذي تلتقي فيه على صعيد واحد كافة مصادر القانون الحية، فتضع تحت إمرة التشريع مرة ثانية ما سيفصح عنه التطبيق العملي من مواطن القصور، فعسانا بهذا أن نكون قد وفقنا في هذا المسعى، وأن لا نكون قد أثينا على ذكر أشياء من قبيل القول المنمق الذي لا يرجع إلى معنى محقق ، كما جاء في كتاب الإمتاع والمؤانسة لأبي حيان التوحيدي، آملين بعد ذلك في أن نكون قد وضعنا بين يدي السادة الباحثين أرضية لتعميق النقاش ، أو بالأحرى الحديث حول هذه المسائل ، فكما قال ابن الرومي :

لقد سئمت مآربي *** فكان أطيبها خبيث

إلا الحديث فإنه *** مثل اسمه أبدا حديث

والحمد لله العلي الذي لا يحصى نعيمه

حرر بتاريخ 18 مارس 2004

الهوامش

(1)

عبد العزيز العنزي: نظام العقوبات وتنفيذها في قانون الجزاء الكويتي والقوانين المقارنة ، مجلة الحقوق ملحق العدد الرابع ، السنة 26 شوال 1423 ، دجنبر 2002 ص 58.

(2)

فنجاح سياسة إدارة السجون هو المظهر الأساسي لفعالية قانون العقوبات .

(3)

انظر في تفصيلات هذه الأنظمة: عبد الحميد الشواربي : التنفيذ الجنائي في ضوء القضاء والفقه ، مشأة المعارف بالإسكندرية طبعة 2003، ص 194 وما يليها .

(4)

أما في فرنسا فيعين قاضي تطبيق العقوبات بمرسوم لرئيس الجمهورية بعد استشارة المجلس الأعلى للقضاء، إلا أن الملاحظ أن المشرع لم يحدد نوعية العلاقة بين قضاة تطبيق العقوبات في حالة تعددهم فيما يتعلق بالنيابة عن بعضهم البعض ، وتوزيع العمل بينهم ، وفي تحديد القاضي الذي تحال عليه ملفات الإكراه البدني من بين باقي القضاة ، وغيرها من التساؤلات التي قد تثيرها هذه الوضعية ...

(5)

القانون رقم 98-23 المتعلق بتنظيم وتسيير المؤسسات السجنية الصادر بتنفيذه الظهير الشريف رقم 200- 99-1- المؤرخ في 13 جمادى الأولى 1420 موافق 25 غشت 1999 والمنشور بالجريدة الرسمية عدد: 4726 الصادرة بتاريخ 16/09/1999 الصفحة 2248 وما يليها .

المرسوم رقم 485 -00-2 الصادر في 6 شعبان 1421 (03 نونبر 2000) المتعلق بكيفية تطبيق القانون رقم 98-23 الخاص بتسيير المؤسسات السجنية.

(6)

والملاحظ من خلال هذه الصلاحية أن قاضي تطبيق العقوبات لا يملك أي اختصاص في تصحيح وضعية المعتقل في حالة التثبت من عدم قانونية الاعتقال سوى إنجاز تقرير بذلك يرفع إلى النيابة العامة التي ترجع إليها تلك الصلاحية .

(7)

تنص الفقرة الثامنة من المادة 596 على أن قاضي تطبيق العقوبات "يمكنه تقديم مقترحات حول العفو والإفراج المقيد بشروط " وتنص المادة 625 على أنه "يعد رئيس المؤسسة السجنية التي يقضي بها المحكوم عليه عقوبته اقتراحات الإفراج المقيد بشروط إما تلقائيا أو بناء على طلب من المعني بالأمر أو عائلته أو بتعليمات من وزير العدل أو مدير إدارة السجون أو بمبادرة من قاضي تطبيق العقوبات طبقا لمقتضيات المادة 155 من المرسوم رقم 485-00-2..." وتنص الفقرة الأخيرة من المادة 528 على أنه توجه "نسخة من قرار الإفراج المقيد بشروط إلى القاضي المكلف بتطبيق العقوبات" .

(8) إن هذا التوجه الذي سلكه المشرع المغربي في إخضاع تطبيق مسطرة الإكراه البدني للرقابة القضائية المسبقة نجد له مقابلا في قانون التنفيذ العراقي رقم 45 لسنة 1980 الذي نص في المادة 40 منه على انه أولا: لا يجوز حبس المدين في جميع الأحوال إلا بناء على طلب من الدائن وقرار من المنفذ له العدل (يقابل قاضي التنفيذ في الأنظمة القضائية التي أخذت بهذه المؤسسة ) ثانيا: إذا لم يكن المنفذ العدل قاضيا عرض الأمر على قاضي البداءة الأول (يقابل رئيس المحكمة الابتدائية في التنظيم القضائي المغربي) ليقرر الحبس من عدمه وفقا لأحكام القانون" .

(9) وفي هذا السياق فقد صدر مؤخرا قرار للمجلس الأعلى وضع حدا للتضارب القضائي والفقهي الذي كان مثارا بخصوص هذه المسألة خاصة بالنسبة للأحكام الصادرة في الدعاوى المدنية ، وأكد بأنه لا يمكن تنفيذ الإكراه البدني في حق المحكوم عليه قبل صيرورة الحكم به باتا سواء كان التعويض محل الإكراه محكوما به بمقتضى دعوى مدنية أصلية أو تابعة وهكذا جاء في قرار المجلس الأعلى عدد 3969 الصادر في الملف مدني عدد 3245/2001 بتاريخ 26/12/2002 "ومن جهة أخرى فإن موضوع النزاع يتعلق بالمنازعة في صحة إجراءات تنفيذ الإكراه البدني الذي نظم بموجب قانون المسطرة الجنائية وظهير20/02/1961 وكلاهما ينصان صراحة على أنه لا يمكن التنفيذ بطريق الإكراه البدني لم لا إذا اكتسب الحكم موضوع التنفيذ قوة الشيء المقضي به بصفة لا تقبل الرجوع" (* ) منشور بمجلة قضاء المجلس عدد 59-60 السنة 24 يناير - يوليوز 2002 ص 141-144 .

(3) أنظر للمزيد من الإطلاع حول هذا النقاش :1) مصطفى التراب : نظام الإكراه البدني كوسيلة للإجبار على التنفيذ، مجلة لقسطاس العدد 1997 ص 28ومايليها -2) عبد الإله المستاري: ظهير 20/20/1961 المتعلق بتطبيق الإكراه البدني في الديون المدنية والحالات التي ترد عليه : مجلة المحامي العدد 40 ص 16 وما يليها . إلا أنه تجب الإشارة إلى كون أن المشرع خرج عن هذه القاعدة فيما يخص تطبيق الإكراه البدني بشأن العقوبات المالية المتعلقة بالجنح والمخالفات الجمركية وذلك بمجرد ما يصبح الحكم غير قابل لطرق الطعن العادية، وهكذا جاء في المادة 264 من مدونة الجمارك على انه "ينفذ الإكراه البدني بشأن جنحة أو مخالفة جمركية رغم الطعن بالطرق غير العادية، بمجرد صدور الحكم النهائيي" وهو نفس المقتضى الذي نصت عليه الفقرة الثانية من المادة 132 من مدونة تحصيل الديون العمومية وهو الأمر الذي يطرح اكثر من تساؤل حول مبررات هذا الاستثناء؟

الذي يشمل حتى الأحكام الصادرة في إطار ظهير 3 أبريل 2003

الذي نقل الاختصاصات التي كانت مخولة لشركة التبغ الى إدارة الجمارك وفق ما نصت عليه المادة 26 من الظهير المذكور، كما يطرح التساؤل حول مدى إلزامية موافقة قاضي تطبيق العقوبات لإعمال مسطرة الإكراه البدني في شأن المقررات القضائية الصادرة في هذا الإطار، مادام أن المادة 641 من ق م .ج . لا تستثني من موافقة قاضي تطبيق العقوبات إلا حالة وحيدة ، وهي أن يكون المدين معتقلا، وأن يكون سند الاعتقال هو نفسه المقرر المؤسس عليه طلب الإكراه البدني، وأن يصبح الحكم حائزا لقوة الشيء المقضي به والمدين لازال في وضعية اعتقال .

(10) الملاحظ أن هناك تعددا في الجهات التي لها صلاحية البث في المنازعات والإغفالات المرتبطة بمسطرة الإكراه البدني وكذا في طبيعة المقررات الصادرة عنها، وهو ما كان يمكن توضيعه إزاء الجدول الآتي:

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

نوع المنازعة أو الإغفال الجهة المختصة طبيعة الحكم الصادر الأساس القانوني

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

- النزاعات المتعلقة بصحة رئيس المحكمة الابتدائية بمحل مشمول بالنفاذ المعجل

إجراءات الإكراه عندما يكون المدين إلقاء القبض أو الاعتقال رغم الطمن بالاستئناف

المادة 643

المدين مقبوضا عليه أو في حالة ( يبت فيه بشكل استعجالي)

من ق. م. ج

اعتقال

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

ـ النزاعات العارضة التي تستلزم تفسيرا لا يقبل أي طعن ما عدا الطعن بالنقض

ـ لأخطاء المادية الصرفية المؤثرة المحكمة المصدرة للحكم ( بيت فيه بغرفة المشورة ) المواد 599-600

في مسطرة الإكراه البدني المراد تنفيذه 643 من ق م ج

ـ إغفال البت في طلب الإكراه البدني أو

تحديد مدته

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

تحديد مدة الإكراه البدني في حالة تضامن قاضي تطبيق العقوبات سكوت المشرع المادة 644

المدينين

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

(11)- انظر بخصوص مفهوم النزاعات العارضة التي تستلزم تفسيرا وكذا المنازعات المتعلقة بصحة إجراءات الإكراه البدني، إدريس بلمحجوب : قواعد تنفيذ العقوبات ، الجزء الأول العقوبات السالبة للحرية والعقوبات المالية ، مطبعة بابل 1988، ص 242 وما يليها .

(12)- تنص المادة 134 من مدونة تحصيل الديون العمومية على أنه "يبقى الإكراه البدني فر ميدان تحصيل الغرامات والإدانات النقدية خاضعا للفصول 675 إلى 687 من قانون المسطرة الجنائية، ويتعين إثارة الانتباه في هذا الصدد، إلى أن المصاريف والرسوم القضائية لا تتدخل ضمن مفهوم الإدانات النقدية ، وإن كانت تخضع فيما يخص مسطرة الإكراه البدني إلى قانون

المسطرة الجنائية (المادة 135من مدونة التحصيل)، والدليل على ذلك أن مدونة تحصيل الديون العمومية ، في العديد من مقتضياتها تميز بين الإدانات النقدية ، وبين الصوائر والمصاريف القضائية ، ومن ذلك المادة 131 التي تنص على انه تستخلص الغرامات والإدانات النقدية والصوائر والمصاريف القضائية من طرف المحاسبين المكلفين بالتحصيل التابعين لإدارة المالية ومن طرف مأموري كتابات الضبط بمحاكم المملكة ..."، وهو نفس التمييز الوارد في المواد 10 و137، . . . أما مفهوم الإدانات النقدية الوارد في المادة 134 ، فيشمل بالخصوص العقوبات المالية الصادرة بشأن الجنح والمخالفات الجمر كية ، حيث تنص الفقرة الثانية من المادة 132 من مدونة التحصيل على أن "الإدانات النقدية في ميدان الجمرك والضرائب غير المباشرة التي تكتسي طابع تعويض مدني، تكون قابلة للتنفيذ بمجرد ما يصبح نهائيا القرار المتعلق بها والذي لا يقبل أي طريق من طرق الطعن العادية .

كما تشمل العقوبات المالية الصادرة في مادة التبغ والمخالفات الغابوية وفي مادة الصرف . ...، أما الغرامات فتشمل الغرامات الصادرة في الجنايات والجنح والمخالفات المنصوص عليها في القانون الجنائي وفي بعض النصوص الخاصة كجرائم المخدرات والغش في البضائع ....، وهذه الإحالة على مقتضيات المسطرة الجنائية ، جاءت انسجاما مع موقف المشرع في مدونة تحصيل الديون العمومية ، في منع الإكراه البدني فيما يخص الديون التي تقل عن 8000 درهم، إذ الغالب في الغرامات والإدانات النقدية ألا تتجاوز هذا المبلغ ، فكانت الإحالة لهذه العلة ، غير أن هذا الانسجام القانوني ينطوي على نوع من التمايز بين الملزمين أمام القانون ، إذ الملزم بدين عمومي- غير الغرامات والإدانات النقدية يستفيد من الضمانات المنصوص عليها في مدونة تحصيل الديون العمومية، ومن ذلك: - عدم جواز اللجوء إلى الإكراه البدني إذا كان الدين يقل عن 8000 درهم، (م77).- محضر عدم وجود ما يحجز يثبت به العسر،(م 57) .- استثناء سكنى الملزم من الحجر إذا كانت قيمتها لا تتعدى 200.000 درهم، (م 46) .....

(13)- ويمكن التساؤل في هذا الصدد عن العلة وراء استبعاد الإكراه البدني في الديون العمومية من رقابة قاضي تطبيق العقوبات، هل لكون القانون قد أحاط تحصيل الديون العمومية بالكثير من الضمانات على النحو الذي يجعل من تدخل قاضي تطبيق العقوبات مجرد عبء إجرائي قد يؤثر في سرعة الاستخلاص ، وبالتالي ينعكس على السيولة المالية المفترض ضخها في ميزانية الدولة ، أم أن إسناد صلاحية تحديد مدة الإكراه البدني في الديون العمومية لقاضي المستعجلات بالمحكمة الابتدائية بمقتضى المادة 80 من مدونة تحصيل الديون العمومية التي تنص على أنه "يتم اللجوء في الإكراه البدني بناء على طلب يعين المدين إسميا" ويوجه هذا الطلب إلى المحكمة الابتدائية من طرف المحاسب المكلف بالتحصيل بعد التأشير عليه من لدن رئيس الإدارة التابع لها المحاسب المكلف بالتحصيل أو الشخص الذي يفوضه لذلك ....، يبت قاضي المستعجلات في الطلب العروض عليه داخل أجل ثلاثين يوما، ويحد مدة الحبس وذلك طبق الأحكام الواردة في هذا الفرع تقوم مقام الرقابة المخولة لقاضي تطبيق العقوبات في هذا الشأن، وإن كان اختصاص رئيس المحكمة في هذا الصدد يطرح نفس الإشكالية بخصوص نطاق الصلاحيات المخولة له وهل هي صلاحيات شكلية أم حتى موضوعية أيضا؟ وكذا بالمسطرة المتبعة أمامه هل يبت في إطار الفصل 148من ق. م. م. أم في إطار مسطرة تواجهية في نطاق الفصل 149 من ق م م . كما قد يستفاد من استعمال المشرع لتعبير قاضي المستعجلات ، وبالتالي ضرورة حضور المدين ، بالإضافة إلى المسائل المثارة بخصوص كيفية الطعن في قراره برفض التحديد؟ وهل يخضع في هذا الصدد لقواعد الطعن في الأوامر الإستعجالية أم لا ؟ انظر في تفصيل بعض هذه المسائل، محمد قصري: قراءة في المدونة الجديدة لتحصيل الديون العمومية لقانون رقم 97-15، منشورات المجلة المغربية للإدارة المحلية والتنمية، سلسلة مواضيع الساعة العدد 31/2001 يوم دراسي ص 50 وما يليها . (14)- لقد حدد المشرع في الفقرة الثالثة من المادة 364 من ق م .ج . مفهوم المقرر القضائي بكونه "كل حكم أو قرار أو أمر صادر عن جهة قضائية".

(15) الملاحظ بعض التشريعات العربية قد خرجت عن هذه القاعدة وأجازت حبس المحكوم عليه حتى ولو لم يكن من أجل أداء مالي، كما فعل المشرع العراقي في قانون التنفيذ رقم 95 لسنة 1980 في حق المحكوم عليه الذي يمتنع من تسليم صفير إلى من له الحق فيه أو من تسليم شيء، وهكذا جاء في المادة 48 على أنه "إذا امتنع المحكوم عليه عن تسليم الصغير فيجب حبسه مهما بلغت المدة حتى يسلمه، على أنه لا يجوز الحبس عندما يكون عدم التسليم خارجا عن إرادة المحكوم عليه" وجاء في المادة 49 من نفس القانون على أنه " إذا امتنع المدين عن تنفيذ الحكم أو المحرر التنفيذي المتضمن تسليم شيء معين ليس بحكم الدين ، ولم يكن ذلك الشيء ظاهرا للعيان وعجز عن تقديم أدلة مقنعة عن تلفه أو ضياعه جاز التحري عنه بقرار من المنفذ العدل، وحبس المدين وفق أحكام هذا القانون" أما في إطار القانون المغربي فإن الوضعية الأولى تمت معالجتها جنائيا بمقتضى جريمة الامتناع عن تسليم طفل لمن له حق الحضانة عليه .

(16) أنظر لمزيد من الإيضاح بخصوص هذه الأحكام ، أحمد الخمليشي: شرح قانون المسطرة الجنائية ، الجزء الأول ، مطبعة النجاح الجديدة ، الطبعة الخامسة 1999، ص 172وما يليها.

(17) تجدر الإشارة في هذا السياق إلى عدم وجود انسجام بين المقتضي القانوني الذي لا يجيز تطبيق الإكراه البدني ضد مدين لفائدة زوجه أو أصوله أو فروعه (المادة 636 من ق م .ج .) وبين حبس المحكوم عليه بالنفقة في إطار جريمة الامتناع عن أداء النفقة المحكوم بها (الفصل 480 من القانون الجنائي) فالغاية التي روعي تحقيقها بإلغاء الإكراه البدني في ديون النفقة ثم الرجوع عنها بالإبقاء على جرائم إهمال الأسرة، وكان الأصوب لو أن العكس هو الحاصل بالنظر لاختلاف آثار كل من العقوبة والإكراه على الزوج المخل، وذلك سيرا على نهج العديد من الدول العربية التي أجازت الإكراه البدني في ديون النفقة كمصر والعراق وسوريا .

(18) أنظر في تفصيل الأموال غير القابلة للحجز في القانون المغربي، الطيب برادة : التنفيذ الجبري في التشريع المغربي، شركة بابل للطباعة ، 1988، ص 217 وما يليها .

(19) ظهير شريف رقم 280.57.1 المؤرخ في 23 جمادى الثانية 1377 بشان مصلحة الدرك الملكي، منشور بالجريدة الرسمية عدد 2366 وتاريخ 28 فبراير 1958 ص 498.

(20) قرار منشور بمجلة الإشعاع عدد 4 ص 158، ومشار إلى ملخصه بمجلة القصر العدد 7 يناير 2004 ص124.

(21) والملاحظ أن المشرع لم يمنع المحكوم عليه الموجود رهن الاعتقال بمزية الأجل المخول للمدين الموجود في حالة سراح ، كما لم يستلزم ضرورة الإدلاء بما يثبت عدم إمكانية التنفيذ على أمواله، بل إن تطبيق الإكراه البدني في هذه الحالة لا يخضع لموافقة قاضي تطبيق العقوبات وإنما لمراقبة السيد وكيل الملك ، وهو وضع لا يخلو من نظر، خاصة وأن الفقرة الأخيرة من المادة 641 نفسها تحيل على الفقرة الأخيرة من المادة 635 من ق م .ج بخصوص إثبات العسر المانع من أعمال مسطرة الإكراه البدني، مما كان من اللازم معه تخويل المدين أجلا للوفاء أو حتى لإثبات العسر، وكل ذلك مع مراعاة أن المادة 641 من ق م .ج لا تطبق إلا في حالة وحيدة وهي أن يكون المقرر الذي ينبني عليه الإكراه البدني هو نفسه سند اعتقال المدين وفق ما سنوضحه لاحقا .

(22) الملاحظ أن المشرع حدد أجل الإنذار في أكثر من شهر، وكان من المحبذ أن تحدد بالأيام مراعاة لتمايز عدد أيام شهور السنة بين 29، 30 و 31 يوما، كما أن كلمة واحد المقترنة بكلمة "شيء" لا لزوم لها، فكلمة الشهر لا تحمل التعدد حتى تقيد بعدد معين .

(23) فالوقف في الاستعمال القانوني في إطار المسطرة الجنائية لم يرتب عليه المشرع بطلان الإجراءات السابقة لحدوثه ، ومن ذلك الوقف في التقادم ( المادة 6من ق م .ج ) ووقف الدعوى العمومية لوجود مسطرة صلح جارية أو بعد صدور أمر قضائي عن رئيس المحكمة بالتصديق على الصلح (المادة 41 من ق .م .ج .

(24) وهو نفس الغموض الذي ورد في المادة 82 من مدونة تحصيل الديون العمومية التي جاء فيها بأنه، "يمكن ......... المدين (وكان الأولى استعمال عبارة إلقاء القبض أو اعتقال) جديد من أجل المبالغ المتبقية، إذا لم يف بتعهداته التي أدت إلى إيقاف مفعول الإكراه البدني "وكذا بالمادة 83 التي جاء فيها بأنه لا يسقط الدين بحبس المدين، إلا أنه لا يمكن اعتقاله من جديد. وكان الأدق استعمال عبارة إكراهه ) من أجل نفس الدين باستثناء الحالة المنصوص عليها في المادة السابقة" .

(25) هناك حالة ثالثة لوقف إجراءات الإكراه البدني، وهي التي تنتج عن قرار المحكمة المصدرة للمقرر المراد تنفيذه بإيقاف التنفيذ المتنازع عليه عند نظرها في النزاعات العارضة التي تستلزم تفسيرا، والمثارة بشان إجراءات الإكراه البدني، حيت تنص الفقرة الثانية من المادة 641 من ق م .ج على أنه "يمكن للمحكمة أن تأمر بتوقيف التنفيذ المتنازع عليه " .

(26) وإن كان إسناد هذه الصلاحية لوكيل الملك يثير مسألتين في بالغ الأهمية ، الأولى وهي إمكانية الطعن في هذا التحديد في حالة ما إذا كانت المدة الجديدة لا تتناسب وما بقي من مبلغ الدين بعد الأداء الجزئي، الثانية: وهي الجهة المختصة للبت في هذا الطعن ، وفي اعتقادنا فإن المحكمة المصدرة للمقرر الجاري تنفيذه، هي التي لها هذه الصلاحية، مادام أن النزاع يدخل ضمن صنف النزاعات العارضة، وما دام أنها هي الجهة التي لها أصلا صلاحية تحديد مدة الإكراه البدني وهو الحل الذي نرجعه فيما يخص الطعن في قرار قاضي تطبيق العقوبات بتحديد مدة الإكراه البدني في حق المدين المطلوب إكراهه ، في حالة تضامن المدينين (المادة 644 من ق م .ج ).

(27) تنص المادة 81 من مدونة تحصيل الديون العمومية على أنه "يمكن للمدينين الذين صدر في حقهم الأمر بالإكراه البدني أن يتجنبوا أو يوقفوا آثاره إما بالإدلاء الكلي لديونهم، وإما بعد موافقة المحاسب المكلف بالتحصيل الذي طلب الاعتقال.

(28) هذه المادة هي تقنين تشريعي للقاعدة المتداولة من كون أنه " لا يجوز إكراه المدين من أجد نفس الدين مرتين "، لكن إعمال هذه القاعدة - كما هو واضح من خلال المادة 647 نفسها - مرتبط ببعض الشروط وهي:

*-خضوع المدين الإكراه البدني سابق انتهى بالوفاء أو قضاء مدة الإكراه أو تنازل الدائن، ويستثني من ذلك الأداء الجزئي، فلا يمنع من إعادة اعتقال المدين ، وان كنا في الواقع لسنا أمام إكراه جديد، وإنما فقط استئناف مسطرة الإكراه السابقة التي توقفت بسبب الأداء الجزئي...

*- تعلق طلب الإكراه الجديد بنفس الدين موضوع الإكراه السابق أو بأحكام صدرت قبل تنفيذه ، ولا تتضمن مبالغ تستلزم بسبب مجموعها مدة إكراه أطول من المدة التي سبق تنفيذها، وهكذا فإذا كانت الأحكام صادرة بعد تنفيذ الإكراه البدني الأول ، أو قبل تنفيذه لكنها اشتملت على مبالغ توجب في مجموعها مدة إكراه أطول من المدة التي تم تنفيذها، أو كان الدين ناتجا عن سند تنفيذي غير الحكم القضائي، أمكن إكراه المدين من جديد .

(29)

تثير صياغة المادة 641 من ق .م .ج . مسألة على جانب كبير من الأهمية، وهي هل عدم لزوم موافقة قاضي تطبيق العقوبات على تطبيق الإكراه البدني تستلزم بالضرورة أن يكون المقرر القضائي المؤسس عليه طلب الإكراه هو نفسه سند اعتقال المدين بدليل نص المشرع في نفس المادة على صيرورة الحكم الصادر في حق المحكوم عليه المعتقل مكتسبا لقوة الشيء المقضي به، أم فقط وجود المدين المطلوب إكراهه في وضعية اعتقال ولو كان الدين موضوع طلب الإكراه لا علاقة له باعتقال المدين ؟ أعتقد أن التأويل الأول هو الأولى بالترجيح وقوفا عند صريح المادة 641 نفسها، وتقيدا بمبدأ التفسير الضيق للمقتضيات الجنائية ، وحتى لا يرحم المدينين المعتقلين من ضمانات الرقابة المخولة لقاضي تطبيق العقوبات وما يرتبط بها من ضرورة البدء بالتنفيذعلى أموال المدين ....

(30)

تنص المادة 643 من ق م .ج . على أنه "إذا وقع نزاع، أحضر المحكوم عليه بالإكراه البدني المقبوض عليه أو الموجود في حالة اعتقال إلى المحكمة الابتدائية الكائن مقررها بمحل إلقاء القبض أو الاعتقال ويقدم إلى رئيس المحكمة للبت في النزاع إذا كان النزاع يتعلق بصحة إجراءات الإكراه البدني، بت الرئيس في الخلاف بشكل استعجالي، وينفذ أمره رغم الطعن بالاستيناف في حالة نزاع عارض يستلزم تفسيرا تطبق مقتضيات المادتين 599 و 600 اعلاه".

(31)

تنص المادة 599 من ق . م .ج . على أنه "يرجع النظر في النزاعات العارضة المتعلقة بالتنفيذ إلى المحكمة التي أصدرت المقرر المراد تنفيذه ويمكن لهذه المحكمة أيضا أن تقوم بتصحيح الأخطاء المادية الصرفة الواردة فيه" تنص المادة 600 من ق م .ج . على أنه "تنظر المحكمة في النزاعات العارضة بغرفة المشورة بناء على ملتمس من النيابة العامة أو بناء على طلب يرفعه الطرف الذي يهمه الأمر، ويستمع إلى ممثل النيابة العامة وإلى محامي الطرف الذي طلب ذلك والى الطرف شخصيا إن اقتضى الحال. يمكن المحكمة أن تأمر بتوقيف التنفيذ المتنازع عليه لا يقبل المقرر الفصل في النزاع أي طعن ما عدا الطعن بالنقض".

مجلة المرافعة

صلاحيات قاضي تطبيق العقوبات في مراقبة سلامة إجراءات الإكراه البدني

من إعداد: عبد العلي حفيظ

قاضي تطبيق العقوبات بالمحكمة الابتدائية بإمنتانوت

باحث بكلية الحقوق أكدال- الرباط

من المستجدات البارزة التي جاء بها قانون المسطرة الجنائية الجديد، إحداث مؤسسة قاضي تطبيق العقوبات في توجه واضح نحو إقرار "مبدأ الرقابة القضائية على التنفيذ الجنائي"، وذلك بإعطاء القضاء صلاحيات مهمة حتى بعد صدور الحكم ، ذلك أن مرحلة التنفيذ تعتبر من أخطر مراحل الدعوى الجنائية وأهمها، فعلى مستواها تتجسد فعالية الضمانات القانونية المخولة للمحكوم عليه ، وتبرز عناصر تحقق الهدف الإصلاحي والاجتماعي للعقوبة من عدمه، كما أن الحاجة إلى هذه المؤسسة تنبع من واقع الروابط الإجرائية التي تنشأ في محيط التنفيذ العقابي (1)، لذلك كان من اللازم أن لا يبقى أمر التنفيذ منوطا بجهاز إداري قد يكون هو نفسه مصدر القلق ، وأن يشرك القضاء في تتبع تفاصيل تنفيذ العقوبة ليس فقط في مظهرها القانوني المحض من خلال مراقبة سند الاعتقال أو السجن، ومدة العقوبة ومسك السجلات ، ... وإنما من خلال الحرص على ضمان أداء العقوبة لأغراضها المرجوة في إصلاح وتقويم وإعادة تأهيل الجناة، فهو دور مستمد من (مبدأ تفريد الجزاء الجنائي) المخول للقاضي الجنائي أثناء النضر في الدعوى العمومية في أفق السعي نحو تكريس (مبدأ تفريد التنفيذ الجنائي) من خلال تتبع وضعية المعتقلين ، وهو شأن قضائي محض .

ولقد ارتبط ظهور مبدأ الإشراف القضائي على التنفيذ الجنائي، بالأفكار التي جاء بها أنصار مدرسة الدفاع الاجتماعي، وخاصة الفقيه الفرنسي مارك أنسل والفقيه الإيطالي فيليبوكر اماتيكا، والتي كانت تدعو إلى توجيه العناية أكثر نحو شخصية المذنب ودراسة الوسائل الكفيلة بتأهيله وإعادة إدماجه الاجتماعي، وزيادة الاهتمام بالأحكام الإجرائية وليس فقط القواعد الموضوعية الجزائية (2)، الأمر الذي ساهم في تطوير مبادئ العدالة الجنائية من خلال تحسين الضمانات والحقوق المخولة للمعتقلين والسجناء أثناء تواجدهم بالمؤسسات العقابية ، والتي سعت العديد من الاتفاقيات والمعاهدات الدولية والجهوية نحو حصرها وتوضيحها ، كالإعلان العالمي لحقوق الإنسان (المواد 5، 9، 11، 12) والاتفاقية الدولية للحقوق المدنية والسياسية لسنة 1966 والاتفاقية الأوروبية لحقوق الإنسان والحريات الأساسية المؤرخة في 4 نونبر 1950 ومجموعة القواعد الدنيا لمعاملة السجناء والتي كرست العديد من الحقوق كالحق في التشكي وفي الإطلاع على النظام الداخلي للسجن ، وحق الزيارة وحق العناية الطبية وأداء الشعائر الدينية، والحق في التعليم والحق في العمل...، فهذه الضمانات والحقوق هي التي يجب أن تكون وعاء للإشراف القضائي، إذ هي الأدوات اللازمة للتأهيل وإعادة ا لإدماج الاجتماعي.

وقد استشعرت العديد من الدول منذ وقت مبكر، أهمية دور القضاء في مرحلة التنفيذ الجنائي، فاعتمدت أنظمة مختلفة لتأمين التدخل القضائي في ميدان تنفيذ العقوبة، سواء فيما يخص تحديد هذه الجهة (هل قاض منفرد أم لجنة مشتركة ) أو تعيين حجم الصلاحيات المخولة لها (وهل بدور إيجابي تدخلي، أم فقط بدور رقابي تفتيشي.

إلا أن الملاحظ هو أن غالبية الدول أناطت مهمة الإشراف على التنفيذ بقاض منفرد، لما يوفره ذلك من استقلالية في اتخاذ القرار، وتصور موحد في تحديد العناصر الأساسية في التعامل مع المحكوم عليهم ، لكن دون إغفال دور المختصين في العديد من المجالات المهمة كهيئة الدفاع وهيئة الأطباء وجمعيات المجتمع المدني وغيرهم من المهتمين في مجال العقوبة، وهذا هو التوجه الذي أخذ به المشرع الفرنسي الذي أحدث منذ سنة 1958 قاضي تطبيق العقوبات ، وذلك بمقتضى المادة 722 من قانون المسطرة الجنائية والتي عرفت عدة تعديلات وصلت إلى حدود عشر تعديلات ، وكذا القانون الإيطالي والذي أطلق عليه اسم "قاضي الإشراف أو قاضي الرقابة (

Juge de Surveillance)، والقانون التونسي بمقتضى تعديل سنة 2002، بالإضافة إلى أنظمة أخرى تنطبع بخصوصيات النظام القانوني السائد كما هو الحال في الولايات المتحدة الأمريكية، وفي الاتحاد السوفيتي سابقا ... والتي يضيق المجال عن استعراضها (3)

.

أما بخصوص الاختصاصات المخولة لهذا الجهاز فهي تنحصر إجمالا في ثلاث اختصاصات :

أ/ اختصاصات إدارية ولائية : كالسماح للسجين بالعمل خارج السجن ، أو بنقله من مؤسسة سجنية إلى أخرى، وعموما الإشراف على المؤسسات السجنية ومراقبة مدى احترام حقوق السجناء، ...

ب / اختصاصات قضائية : وهي التي تمنح لقاضي تطبيق العقوبات سلطات واسعة، تصل إلى حد التدخل بتعديل المقرر القضائي الصادر بالإدانة أو بالتدابير الوقائية غير محكوم بها أو تغيير التدبير المحكوم به بتدبير آخر أشد أو أقسى بحسب وضعية المحكوم عليه واستعداده الصحي والعقلي ...

ج / اختصاصات استشارية أو اقتراحية: تعتبر استكمالا أو تتويجا للاختصاصات القضائية في حدها الأقصى، كاقتراح الإفراج المقيد بشروط أو العفو، ويجد هذا الاختصاص أساسه في الإطلاع المباشر لقاضي تطبيق العقوبات على وضعية المحكوم عليه ، ولتقديره الموضوعي لأثر الإفراج المقيد أو العفو على إعادة إدماج المحكوم عليه في المحيط الاجتماعي.

ويبدو جليا من خلال هذه الاختصاصات أنها تتخذ طابعا تدريجيا أو تصاعديا، يرتبط إعمالها باستعدادات المحكوم عليه للإصلاح ، بحيث تضع بيد قاضي تطبيق العقوبات كل الوسائل القانونية الضرورية لتحقيق الهدف الإصلاحي للعقوبة ، ولإعادة إدماج المحكوم عليه في الحياة الاجتماعية .

وقاضي تطبيق العقوبات في إطار القانون المغربي يعين من بين قضاة المحكمة الابتدائية بقرار لوزير العدل لمدة ثلاث سنوات قابلة للتجديد، وإذا حدث له مانع حال دون قيامه بمهامه يعين رئيس المحكمة قاضيا للنيابة عنه مؤقتا، ويمكن أن يعين أكثر من قاض لتطبيق العقوبة بنفس المحكمة (المادة 596 من ق .م .ق .)

(4).

غير أن المقتضيات القانونية المحددة لصلاحيات هذه المؤسسة في إطار قانون المسطرة الجنائية المغربي، يبعث على القول بأن اختصاصات قاضي تطبيق العقوبات تنحصر في حدود مهام إدارية واقترا حية فقط دون أية اختصاصات قضائية، ويمكن تبرير هذا التوجه بمنهج ( التشريع التدريجي) لضمان فعالية هذه المؤسسة وعدم الوقوع في سلبيات التضخم الإجرائي، وكذلك مراعاة لكون الاختصاصات القضائية المنوطة بهذه المؤسسة إنما تستند إلى أحكام موضوعية تجد مجالها في مقتضيات القانون الجنائي، وهكذا فسوف تتعزز هذه الاختصاصات مع صدور مجموعة القانون الجنائي الجديد، ولعل هذا ما يفهم من خلال نص المشرع في الفقرة الأخيرة من المادة 596 من قانون المسطرة الجنائية على أن قاضي تطبيق العقوبات (يمارس مهامه حسب هذا القانون وكذا بموجب أي نصوص أخرى).

وهو ما يستفاد كذلك من خلال تنصيص المشرع في ديباجة قانون المسطرة الجنائية، على أنه قد عهد قاضي تطبيق العقوبة باختصاصات لتتبع تنفيذ العقوبة بكيفية تسمح بإعادة إدماج المحكوم عليه في المجتمع، وهو ما يكشف عن غاية المشرع من إحداث هذه المؤسسة ، وهي تحقيق الهدف الإصلاحي للعقوبة ، وهي غاية لن تسعف الصلاحيات المسندة لها حاليا في الوصول إليها، إلا بتعزيزها باختصاصات تسهل إعادة إدماج المحكوم عليهم في المجتمع .

وهكذا يمكن تحديد أهم اختصاصات المنوطة بقاضي تطبيق العقوبات في قانون المسطرة الجنائية المغربي في المسائل التالية :

1/- تتبع مدى سلامة تطبيق القانون المتعلق بتنظيم وتسيير المؤسسات االسجنية الصادر بتاريخ 25 غشت 1999 والمرسوم التطبيقي له الصادر في 03 نونبر2000

(5)

وذلك من خلال .

مراقبة قانونية وصحة الاعتقال وهو ما يأتي من خلال الإطلاع على سجلات الاعتقال والتأكيد من حسن مسكها وإعداد محضر بكل تفتيش يضمنه ملاحظاته ويوجه فورا إلى وزير العدل ويحيل نسخة منه إلى النيابة العامة (المادة 596- 616 من قانون المسطرة الجنائية )

(6).

مراقبة مدى مراعاة حقوق السجناء وذلك بمسك بطاقات خاصة بالسجناء الذين يتتبع وضعيتهم تتضمن بيانات حول هويتهم ورقم اعتقالهم والمقررات القضائية والتأديبية الصادرة في شأنهم وملاحظات القاضي (المادة 596 من ق.م.ج).

2. تقديم مقترحات بشأن الإفراج المقيد بشروط والعفو(الفصول 596-625-628

)(7):

والملاحظ أنه لم يتم تحديد الكيفية التي يقدم وفقها مقترح العفو، على خلاف الإفراج المقيد بشروط ، ولعل الأمر ترك في انتظار تعديل مرتقب للظهير المنظم للعفو.

التثبت من سلامة الإجراءات المتعلقة بالإكراه البدني (المادتين 640 و 644 من ق م .ج)

(8):

وهكذا تنص المادة 640 من قانون المسطرة الجنائية على أنه " لا يمكن تطبيق مسطرة الإكراه البدني في جميع الأحوال ولو نص ولو نص عليه مقرو قضائي إلى بعد موافقة قاضي تطبيق العقوبات الذي يتحقق من توفر الشروط الآتية بعد توصله بالملف من وكيل الملك :

1. توجيه إنذار من طرف طالب الإكراه إلى الشخص المطلوب تطبيق الإكراه البدني في حقه يبقى دون نتيجة بعد توصله بالملف اكثر من شهر واحل من تاريخ التوصل به .

2. تقديم ملف كتابي من المطالب بالإكراه البدني يرمي إلى الإيداع في السجن .

3. الإدلاء بما يثبت عدم إمكانية التنفيذ على أموال المدين.

لا يأمر وكيل الملك أعوان القوة العمومية بإلقاء القبض على الشخص المطلوب تطبيق الإكراه البدني في حقه، إلا بعد صدور قرار بالموافقة على ذلك عن قاضي تطبيق العقوبات ... كما نص في المادة 644 من ق م .ج . على أنه "يحدد قاضي تطبيق العقوبات مدة الإكراه البدني المتعلقة بالمدين" المطلوب تطبيق الإكراه في حقه في حالة الحكم بتضامن المدينين وتراعي في ذلك حصة المدين المعني بالأمر من الدين".

فبهذين المقتضيين حدد المشرع الصلاحيات المخولة لقاضي تطبيق العقوبات في مراقبة سلامة الإجراءات المرتبطة بتطبيق مسطرة الإكراه البدني، بالرغم من الغرابة التي قد يثيرها إسناد هذه المهمة لقاضي تطبيق العقوبات ، بالنظر لكون الإكراه البدني لا يعتبر عقوبة ، لكنه اختصاص قد يجد تبريره في كون الإكراه كوسيلة لإجبار المدين على أداء الدين المتخلد بذمته يتم بإيداع المدين بالسجن، من هنا فهو يقترب من العقوبة السالبة للحرية، لما فيه من حرمان الشخص المكره من حريته ، ولكونه ينفذ في نفس الإطار الذي تنفذ فيه العقوبات السالبة للحرية، وهو المؤسسة السجنية التي تخضع لرقابة قاضي تطبيق العقوبات ، ومن تم فإن اختصاصه هذا يندرج ضمن عموم اختصاصه في شأن مراقبة حسن تطبيق المقتضيات المنظمة للمؤسسة السجنية بحيث يبرز كشكل من أشكال الرقابة القبلية .

ونظرا لكون هذا الاختصاص ، يبقى الاختصاص الأكثر أهمية في عمل قاضي تطبيق العقوبات في الوضع الحالي للتشريع ، بسبب كثرة اللجوء إلى إعمال مسطرة الإكراه البدني سواء فيما يتعلق باستيفاء الديون العمومية أو الخصوصية، وبالنظر لما ينجم عن هذه المسطرة من مساس بحريات الأفراد في وقت تنامى فيه الحرص على حماية الحريات، فإننا سنحاول في هذا السياق مناقشة بعض المسائل العملية والإجرائية والتشريعية التي يثيرها هذا الاختصاص في ارتباط مع التعديل التشريعي لبعض الأحكام الموضوعية والمسطرية في نظام الإكراه البدني سواء في قانون المسطرة الجنائية أو مدونة تحصيل الديون العمومية ، وذلك إزاء الفصول التالية :

الفصل الأول : نطاق اختصاص قاضي تطبيق العقوبات في مراقبة سلامة إجراءات الإكراه البدني

الفصل الثاني : الوثائق التي يتحقق منها قاضي تطبيق العقوبات .

الفصل الثالث : الطبيعة القانونية للقرار الصادر عن قاضي تطبيق العقوبات .

الفصل الأول :

نطاق اختصاص قاضي تطبيق العقوبات في مراقبة سلامة إجراءات الإكراه البدني

إن أول ما يمكن إثارة الانتباه إليه قبل تفصيل الحديث في هذه المسألة هو التكريس التشريعي الواضح للطابع الاحتياطي أو الاستثنائي لمسطرة الإكراه البدني وهذا ما يتجلى من خلال الأحكام التالية :

أ- مسطرة الإكراه البدني بمآل إجراءات التنفيذ على أموال المدين :

وهذا ما يستنتج صراحة من خلال اشتراط المشرع في المادة 640 من ق .م .ج .ضرورة إدلاء طالب الإكراه بما يثبت عدم إمكانية التنفيذ على أموال المدين تحت طائلة عدم الموافقة على طلب تطبيق الإكراه البدني، وهو ما يتحقق عمليا في الغالب من خلال إنجاز محضر بعدم وجود ما يحجز، وهو ما يستخلص ضمنيا كذلك من خلال نص المشرع في المادة 635 من ق .م .ج . على أنه "يمكن تطبيق مسطرة الإكراه البدني في حالة عدم تنفيذ الأحكام الصادرة بالغرامة ورد ما يلزم رده والتعويضات والمصاريف، إذا تبين أن الإجراءات الرامية إلى الحصول على الأموال المنصوص عليها في المادة السابقة بقيت بدون جدوى أو أن نتائجها غير كافية" ما دام أن مصطلح الإجراءات الوارد بهذه المادة يحتمل معنى التحصيل أو التنفيذ الرضائي من قبل المدين كما يحتمل معنى التنفيذ الجبري على أمواله في حالة امتناعه ، وهذا على خلاف الوضع التشريعي السابق الذي كان لا يشترط لإعمال مسطرة الإكراه البدني سوى توجيه إنذار للمدين يبقى بدون جدوى بعد مرور عشرة أيام وطلب اعتقال (فصل 688 من ق .م .ج .) وإن كان السائد عمليا في السابق هو اشتراط إدلاء طالب الإكراه بمحضر بعدم وجود ما يحجز عملا بمناشير صادرة عن وزارة العدل في هذا الشأن .

ب / جعل إثبات العسر مانعا من تطبيق الإكراه البني:

بحيث نص المشرع في المادة 635 (الفقرة الثالثة ) على أنه " لا يمكن تنفيذ الإكراه البدني" على المحكوم عليه الذي يدلي لإثبات عسره بشهادة عوز يسلمها له الوالي أو العامل أو من ينوب عنه وبشهادة عدم الخضوع للضريبة تسلمها مصلحة الضرائب بموطن المحكوم عليه "خلاف ما كان ينص عليه الفصل 679 من قانون المسطرة الجنائية الملغي الذي كان يجعل من إثبات العسر وفق نفس الشروط أعلاه سببا لتخفيض مدة الإكراه البدني إلى النصف فقط.

والملاحظ أن المشرع في إطار مدونة تحصيل الديون العمومية ، قد توسع في تحديد وسائل إثبات العسر بحيث اعتبر بأن تحرير محضر بعدم وجود ما يحجز في حق الملزم دليل على عسره (المادة 57 من مدونة تحصيل الديون العمومية) ، أما بالنسبة لقانون المسطرة الجنائية فإن محضر بعدم وجود ما يحجز لا يدخل ضمن وسائل إثبات العسر، وبالتالي فهو لا يشكل حتى مجرد قرينة على عدم توفر المدين على أموال قابلة للحجز، وهو تباين يمكن تبريره بعدم توفر الدائن العادي على الوسائل القانونية الكافية للتثبت من حقيقة الذمة المالية للمدين الذي يسارع إلى إخفاء أمواله بمجرد علمه بوجود مطالبة قضائية في مواجهته، ولعل هذا ما يفسر توجه المجلس الأعلى الذي اعتبر بأن عسر المدين لا يفترض وإنما عليه إثبات ذلك، فقد جاء في قرار المجلس الأعلى عدد 1971 الصادر بتاريخ 13/12/2000 لكن حيث إنه من جهة فإن المحضور طبقا للفصل 11 من الاتفاقية الدولية بشأن الحقوق المدنية والسياسية المؤرخة في16 دجنبر1996 والمصادق عليها في المغرب بتاريخ 18 نونبر1979 هو سجن شخص على أساس عدم قدرته فقط على الوفاء بالتـزام تقاعدي، أما إذا كان قادرا على الوفاء بالتزامه ومع ذلك امتنع من الوفاء يجوز سجنه لإجباره على الوفاء مادامت عدم قدوته على الوفاء غير مفترضة لوجوبه إثباته لذلك، الشيء الذي لم يقع على النازلة(منشور بمجلة المحامي العدد 43 ص 165)، وذلك على عكس الصلاحيات الواسعة التي يتوفر عليها المحاسبين المكلفين بالتحصيل من أجل استخلاص الديون العمومية، كحق الإطلاع على جميع الوثائق والمعلومات المتعلقة بالمدينين، سواء اتجاه المدينين أو اتجاه أية جهة أخرى ذات علاقة بالمدينين، مع إلزام هذه الأخيرة بالإدلاء بالمعلومات المطلوبة داخل أجل 15 يوما من تاريخ الطلب تحت طائلة غرامة تهديدية قدرها خمسمائة درهم عن كل يوم تأخير وفي حدود خمسين ألف درهم (باستثناء الإدارات العمومية والجماعات المحلية ) (المواد 128 -129- 130 من مدونة تحصيل الديون العمومية) وكمباشرة إجراءات العجز بحضور السلطة الإدارية ، ومن أجل تعزيز هذه الصلاحيات ثم تجريم افتعال العسر وعرقلة تحصيل الديون العمومية (المواد من 84 إلى 89) ....، وهكذا فإن إنجاز محضر بعدم وجود ما يحجز لا يتم إلا بعد تحريات دقيقة تضفي عليه نوعا من المصداقية والمطابقة للوضعية المالية الفعلية للمدينين .

ج / تخويل المدين فرصا أكبر لتفادي الخضوع لمسطرة الإكراه البدني وذلك من خلال :

أ) تقييد مفعول مسطرة الإكراه البدني بالأحكام الباتة غير القابلة لأي طريق من طرق الطعن عاديا كان أو غير عادي، وهكذا فقد نصت المادة 598 (الفقرة الثانية ) من ق .م .ج .على أنه " لا يجوز تطبيق الإكراه البدني إلا إذا اكتسب المقرر المذكور قوة الشيء المقضى به"، وذلك احترازا من المساس بحرية الأفراد في حالة صدور حكم لا حق يلغي الحكم الذي كان أساسا لإعمال مسطرة الإكراه البدني، وما يترتب على ذلك من أوضاع غير قابلة للتصحيح

(9)

وهذا ما يوفر للمدين وقتا مهما لتدبير أمر الوفاء بالمبالغ المحكوم بها عليه أو لإثبات عسره .

2) اشتراها مدة أطول في الإنذار الموجه للمدين بالوفاء بحيث أصبحت أكثر من شهر واحد، بعدما كانت في القانون القديم لا تتجاوز عشرة أيام (المادة 640 من ق .م .ج ).

3) تمتيع المدين بإمكانية إيقاف مفعول الإكراه البدني بالأداء الجزئي للدين مع الالتزام بأداء الباقي في تاريخ محدد، (المادة 645 من ق ،م ،ج ).

4) عدم جواز إكراه المدين من أجل نفس الدين (أومن أجل أحكام سابقة تتضمن ديونا لا تستلزم في مجموعها مدة أطول من المدة التي أكره من أجلها) مرتين (المادة 647) . 5) التخفيض من مدة الإكراه بحيث أصبحت لا تتجاوز 5أ شهرا (المادة 638 من ق .م .ج ) في حين كانت في القانون القديم تصل إلى حدود سنتين (المادة 678 من ق .م .ج .الملغى).

وتبقى أكبر ضمانة مخولة للمدين، هي إقرار مسطرة الموافقة المسبقة لقاضي تطبيق العقوبات على طلب تطبيق الإكراه البدني وما يعنيه ذلك من التثبت من تحقق شروط أعمال مسطرة الإكراه البدني، غير أن هذه الضمانة تظل مرتبطة بحجم الصلاحيات المخولة لقاضي تطبيق العقوبات في هذا الصدد، وهل الأمر يتعلق بمجرد رقابة شكلية إجرائية أم هي رقابة موضوعية شاملة تنسحب على الشروط الشكلية والموضوعية لمسطرة الإكراه الباني ؟

في اعتقادنا فإن الإشكالية الجوهرية التي يثيرها اختصاص قاضي تطبيق العقوبات في مجال مراقبة صحة إجراءات الإكراه البدني، هي تحديد نطاق الصلاحيات المخولة له أثناء النظر في طلبات تطبيق مسطرة الإكراه البدني، هل تنحصر فقط في حدود التثبت من توفر الوثائق المنصوص عليها في المادة 640من ق .م .ج . دون غيرها وفق ما قد يفهم من صياغة هذه المادة ، والتي جاء فيها بأنه لا يمكن تطبيق الإكراه البدني في جميع الأحوال ولو نص عليه مقرر قضائي إلا بعد موافقة قاضي تطبيق العقوبات الذي يتحقق من توفر الشروط الآتية بعد توصله بالملف من وكيل الملك ..." وهذه الشروط تتمثل في وجود إنذار موجه للمدين وطلب من الدائن يرمي إلى الإيداع في السجن وما يثبت عدم إمكانية التنفيذ على أموال المدين . وبالتالي الحديث عن رقابة شكلية " وثائقية" من المفروض أن يطلع بها السيد وكيل الملك قبل إحالة الملف على قاضي تطبيق العقوبات ، أم تتصرف حتى إلى الأحكام الموضوعية لمسطرة الإكراه البدني فتنصب رقابته على التحقق من انتفاء موانع الإكراه البدني (المادة 636)، وكون مقرر الإدانة أصبح حائزا لقوة الشيء المقضي به (المادة 598) وتبليغ مقرر الإدانة إلى المدين قبل توجيه الإنذار (المادة 642) .؟

ومن جهة أخرى أليس من شأن توسيع نطاق الرقابة على هذا النحو، أن يقيم تداخلا في الاختصاص مع جهات أخرى أنيط بها أمر البت في النزاعات المثارة بشأن تطبيق مسطرة الإكراه البدني؟ كالسيد رئيس المحكمة الابتدائية إذا كان النزاع يتعلق بصحة إجراءات الإكراه البدني وكان المدين معتقلا (المادة 643) أو المحكمة المصدرة للحكم المراد تنفيذه إذا تعلق الأمر بنزاع عارض يستلزم تفسير المواد 599- 600- 643) (10)، أو حتى إثارة لمسائل يرجع للمطلوب إكراهه وحده أمر إثارتها ؟

أعتقد أن تقصي الغاية من إسناد هذا الاختصاص لقاضي تطبيق العقوبات يسعفنا في ترجيح فكرة الرقابة الشاملة التي تستغرق التثبت من تحقق الشروط الموضوعية والإجرائية في طلبات تطبيق الإكراه البدني، وذلك للاعتبارات الآتية :

أن الجدوى من الرقابة السابقة أو القبلية في أي تدبير تشريعي، هو تفادي إثارة المنازعات اللاحقة أو على الأقل حصرها في أضيق الحدود، حرصا على استقرار المعاملات وعدم المساس بالمراكز القانونية ، وخاصة إذا كان الإجراء المأمور به من شأنه إنشاء أوضاع غير قابلة للتصحيح كما هو الحال في مسطرة الإكراه البدني، ومن تم فلا مجال للقول بوجود أي تداخل للاختصاص في هذا الصدد، نظرا لاختلاف زمن ولاية النظر، فقاضي تطبيق العقوبات يبت في طلبات تطبيق مسطرة الإكراه في إطار غير نزاعي وفي غيبة الأطراف، في حين أن باقي الجهات ( رئيس المحكمة الابتدائية لمكان الاعتقال أو إلقاء القبض، والمحكمة المصدرة للحكم المراد تنفيذه ) فهي تبث في النزاعات الناشئة أثناء تنفيذ مسطرة الإكراه البدني، فتنازع الاختصاص كما هو معلوم بشقيه الإيجابي أو السلبي، يفترض وجود نزاع حال تتقاسم جهتين صلاحية البت فيه على خلاف ما نحن بصدده ، وهكذا فإن تفعيل الرقابة على هذا النحو من شأنه تطهير مسطرة الإكراه البدني من المنازعات المثارة أثناء التنفيذ سواء تعلقت بصحة إجراءات الإكراه البدني (وهو ما تقره الرقابة الشكلية ) أ و بالنزاعات العارضة التي تستلزم تفسيرا (وهو ما تتيحه الرقابة الموضوعية )

(11).

أن القول بغير هذا سيجعلنا نطرح أكثر من تساؤل حول الغاية من إسناد هذا الاختصاص لقاضي تطبيق العقوبات، ما دام أن مجرد الرقابة الشكلية الوثائقية هو دور كان يطلع به السيد وكيل الملك حيث يتأكد ما أمكن من تحقق شروط إعمال مسطرة الإكراه البدني الشكلية منها والموضوعية قبل إحالة الملف على قاضي تطبيق العقوبات، كما أن القول بمثل هذا الفهم سيجعل عمل قاضي تطبيق العقوبات مجرد مراجعة شكلية، وهو فهم لا يحلو من حبت، ويضع عمل المشرع وبالتالي الإدارة العامة موضع تساؤل، حبت تصبح عملية التشريع غير مرتبطة بغايات وأهداف محددة ، ونسقط مرة أخرى في متاهات التضخم الإجرائي وتعقيد المساطر وهو خلل يجب ألا يكون في تشريعات الألفية الثالثة .

- كيف يمكن عمليا لقاضي تطبيق العقوبات ، أن يتغاضى عن إثارة بعض العوارض الظاهرة لمسطرة الإكراه البدني في إطار الملف المعروض عليه "كوفاة المطلوب إكراهه أو عدم توفر السن القانوني، أو عدم الإدلاء بما يفيد تبليغ الحكم الصادر بالإدانة (المادة 640 من ق .م .ج )....."، أو حتى كون الدين موضوع طلب الإكراه لا يخضع في استخلاصه لقانون المسطرة الجنائية ، كتعلق الأمر بدين عمومي (غير الغرامات والإدانات النقدية

(12) يرجع في إجراءات استيفائه لمدونة تحصيل الديون العمومية التي لا تستلزم موافقة قاضي تطبيق العقوبات في سلوك مسطرة الإكراه البدني، حيث تنص الفقرة الأخيرة من المادة 80 من مدونة تحصيل الديون العمومية على أنه "....يتم تطبيق الإكراه الباني فورا، ويعمل على تنفيذه بمجرد توصل وكيل الملك لدى المحكمة المختصة بالقرار المحدد لمدة الحبس

(13).

- أنه ليس في توسيع صلاحيات قاضي تطبيق العقوبات في هذا الصدد،أي حلول محل المدين في إثارة المنان عات الخاصة به ، وإنما هو حلول محل القانون ممثلا في الإدارة العامة التي تسعى لعدم المساس بحرية أفرادها إلا في نطاق القانون ، وإلا لكان في إثارة المحكمة تلقائيا للمسائل المتعلقة بالنظام العام ، والتي تلتقي مع مصلحة أحد الخصوم في الدعوى حلولا محله .

انطلاقا من هذه الأسانيد وغيرها نصل إلى قناعة أن نطاق اختصاص قاضي تطبيق العقوبات لا ينحصر فقط في حدود التثبت من وجود الوثائق المحددة في المادة 990 من ق .م .ج . وإنما ينصرف إلى التحقق من توفر الشروط الموضوعية لأعمال مسطرة الإكراه البدني، وذلك في حدود ما تتيحه الوثائق المرفقة بالملف المحال عليه ويترتب على القبول بهذه النتيجة الآثار العملية التالية:

أن يحال الملف على قاضى تطبيق العقوبات من طرف السند وكيل الملك مشتملا على الحكم المراد تنفيذه، أو مستخرج للحكم كما هو الحال في استخلاص بعض الديون العمومية وخاصة المصاريف القضائية والإذانات النقدية كما تجيز ذلك المادة 633 من ق .م .ج ، وكذا ما يفيد صيرورته باتا وتبليغه للمدين المطلوب إكراهه ، بالإضافة إلى الوثائق المبينة في المادة 640من ق .م .ج .

امتداد الرقابة إلى تصفح مضمون الوثائق المدلى بها، وليس الاكتفاء بشكلها الظاهري فقط ، فغالبا ما يعنون المحضر بكونه محضر بعدم وجود ما يحجز وهو في الحقيقة محضر امتناع ....، وهكذا يجب مراجعة الحكم المراد تنفيذه من حبت تعلقه بالأطراف (الصفة في طلب تطبيق الإكراه البدني)، ومن حيث المبلغ المحكوم به في حالة الحكم بتضامن المدينين ، والوقوف من خلاله على سن المحكوم عليه، بالإضافة إلى مطابقة البيانات الواردة به مع تلك المبينة في الشهادة بعدم النقض .....

جواز تعليل القرار بعدم تطبيق الإكراه البدني بتخلف شرط موضوعي كعدم توفرالمحكوم عليه على السن القانوني، أو غيره من موانع الإكراه البدني وليس بعدم وجود أحد الوثائق المحددة في المادة 640 من ق .م .

غير أن تفعيل الرقابة على النحو الذي أشرنا إليه يبقى رهينا بنوعية الوثائق التي يتكون منها ملف الإكراه المحال على قاضي تطبيق العقوبات، وهل تسعفه في تدقيق النظر حول تحقق شروط إعمال مسطرة الإكراه البدني أم لا، وهذا ما يدفعنا إلى التساؤل حول الوثائق التي يتشكل منها ملف الإكراه البدني وهل يقتصر الأمر على الوثائق المنصوص عليها في المادة 640 من ق . م .ج . أم يشمل غيرها ؟

الفصل الثاني

الوثائق آلتي يتحقق منها قاضى تطبيق العقوبات

الملاحظ أن المشرع لم يتعرض لتحديد الوثائق التي يتكون منها الإكراه البدني، إلا أن النص في المادة 640 من ق .م .ج . على كون موافقة قاضي تطبيق العقوبات على طلب تطبيق الإكراه البدني مرتبطة بالتحقق من توفر شروط ثلاثة وهي: 1- توجيه إنذار، 2- تقديم طلب كتابي يرمي إلى إيداع المدين في السجن ، 3- والإدلاء بما يثبت عدم إمكانية التنفيذ على أموال المدين ، قد توحي للبعض على أن هذه الشروط - والتي هي في حد ذاتها - هي المكون الأصلي لملف الإكراه البدني، مادام أن رقابة قاضي تطبيق العقوبات تنحصر في حدودها، ومادامت هي المدخل للحصول على قرار الموافقة ، وهذا فهم لا يقوم على أساس اعتبار لما أسلفناه سابقا بخصوص نطاق الرقابة المخول لقاضي تطبيق العقوبات ، وكذلك لكون أن تلك الوثائق ما هي إلا خطوات إجرائية لتحقيق القوة التنفيذية (لوثيقة أساسية )، وهي المقرر القضائي المراد تنفيذه والذي يتعين الإدلاء به والإدلاء بما يفيد صيرورته باتا، وكذا بما يفيد تبليغه للمدين ....، بهذا يتضح بأن الوثائق المحددة في المادة 640 من ق .م .ج ليست هي الكل الذي يتكون منه ملف الإكراه البدني وإنما هناك وثائق أخرى جوهرية يتعين الإدلاء بها والتي تخضع بدورها لرقابة قاضي تطبيق العقوبات ، وأن تخلفها يترتب عليه عدم الاستجابة لطلب تطبيق الإكراه البدني.

وهكذا يمكن القول بأن الوثائق الأساسية التي يتكون منها ملف الإكراه البدني تتمثل فيما يلي:

وجود مقرر قضائي (14) يلزم المدين بأداء مبلغ مالي :

في مواجهة طالب الإكراه سواء كانت في شكل تعويضات مدنية أو غرامات أو مصاريف قضائية (15)، وسواء كان المقرر صادرا عن محكمة زجرية أو مدنية ، وهذا ما تنص عليه المادة 635 من ق .م .ج . التي جاء فيها على أنه يمكن تطبيق الإكراه البدني في حالة عدم تنفيذ الأحكام الصادرة بالغرامة ورد ما يلزم وده والتعويضات والمصاريف...:

فهذه المادة حاولت استقصاء كل صور الجزاء المالي في الدعوى المدنية التابعة ، والتي يجوز تطبيق الإكراه البدني بشأنها ، غير أن عبارة - رد ما يلزم رده - الواردة ضمنها تثير بعض الاضطراب ، لكون الرد كما تعرفه المادة 106 من القانون الجنائي، إنما ينصب على الأشياء أو المبالغ أو الأمتعة المنقولة الموضوعة تحت يد العدالة ، فكيف إذن يمكن أن يكره شخص من أجل مبالغ مالية لا توجد في حوزته؟ كما أن الرد كما يجوز لفائدة الضحية يجوز كذلك لفائدة الغير بل وحتى لفائدة المتهم نفسه ، كما إذا حجزت لديه نقود أو أشياء تبين فيما بعد أنها لا علاقة لها بالفعل الجرمي أو صدر حكم ببراءته ... حيث تقرر المحكمة رد الأموال والأشياء المحجوزة تلقائيا، فالرد إذن هو إجراء يستهدف تصحيح الأوضاع الظاهرة غير المنازع فيها الناتجة عن الجريمة ، لذلك فإن المشرع أسند صلاحية الرد لعدة جهات، ابتداء من النيابة العامة (المادتين 40 و49 من ق .م .ج .) وقاضي التحقيق (المادتين 106 و107 من ق . م .ج .) وانتهاء بهيئة الحكم (المادة 366 من ق .م .ج .) حيث يبقى باب الرد مفتوحا في سائر مراحل الدعوى العمومية (البحث التمهيدي، التحقيق الإعدادي والمحاكمة )، لهذا فإن الرد لا يتضمن أي إلزام مالي ضد شخص معين يوجب سلوك مسطرة الإكراه البدني لإجباره على الأداء، وهذا ما دفع البعض إلى التأكيد على أن الرد لا يعتبر موضوعا للدعوى المدنية التابعة ، ولا علاقة له بالتعويض وخاصة إذا كان الرد تلقائيا أو لفائدة المتهم نفسه أو الغير، حيث لا يترتب عنه اكتساب صفة المطالب بالحق المدني وما تخوله من آثار.

فهذه العبارة يبقى مضمونها مثار غموض ، اللهم إلا إذا اعتبرنا أن مفهوم الوضع تحت يد العدالة يستغرق الوضع الفعلي والوضع الحكمي (أي في حكم الموضوع تحت يد العدالة ) وبشرط أن يتعلق الأمر بمبالغ مالية توجد بحوزة المحكوم عليه ، انسجاما مع مبدأ أن الإكراه لا يجوز إلا في إلزام مالي، وذلك مسايرة لما ورد بالمادة 326 من مدونة التجارة من أنه "....يجوز للقضاء الزجري في حالة عد م انتصاب الطرف المدني، وعد م استخلاص ما يثبت وفاء الشيك إضافة إلى مصاريف تنفيذ الحكم ، مبلغا يعادل قيمة الشيك ، وتضاف له عند الاقتضاء الفوائد ابتداء من يوم التقديم وفقا للمادة 288 وكذا المصاريف الناتجة عن عدم الوفاء إذا لم يتم تظهير الشيك ، إن لم يكن ذلك لتحصيل قيمته وكان أصله بالملف . في حالة تطبيق مقتضيات الفقرة السابقة ، يجوز للمستفيد من الشيك الحصول على نسخة تنفيذية من الحكم ضمن الشروط المتطلبة في حالة تنصبه طرفا مدنيا بصورة صحيحة" .

فالمشرع في هذه المادة اعتبر مبلغ الشيك غير المؤدى وكذا المصاريف المترتبة عن عدم الوفاء والفوائد بمثابة مبالغ موضوعة تحت يد العدالة ، يخول للمحكمة صلاحية ردها إلى أصحاب الحق فيها تلقائيا

(16) ويمكن أن نلحق بهذه الحالة طلبات الإرجاع التي ترد في مطالب إدارة المياه والغابات أو المتعلقة بالمبالغ المسروقة أو المتحصلة من عملية نصب ، وان كانت هذه الحالات تقترب من التعويض أكثر من الرد، وهكذا فإنه يجب على قاضي تطبيق العقوبات مراقبة منطوق الحكم المطلوب إجبار المدين على تنفيذه ، وهل من النوع الذي يجوز فيه الإكراه البدني أم لا، كأن يكون صادرا في دين نفقة بين الأزواج ..(17)

وكذا التثبت من صفة طالب الإكراه البدني وهل هو طرف في الحكم أم لا ؟.

وجود ما يثبت صيرورة المقرر القضائي حائزا لقوة الشيء المقضى به ، وذلك عن طريق الإدلاء بشهادة بعدم النقض ، أو قرار المجلس الأعلى بعدم قبول أو برفض طلب النقض ..، والعمل على مطابقة البيانات الواردة في هذه الوثائق مع المقرر القضائي.

وجود ما يثبت تبليغ المقرر القضائي للمدين، وذلك تحت طائلة عدم الاعتداد بالإنذار اللاحق ، وفي هذا تنص المادة 642 من ق .م .ج . على أنه "إذا لم يتم تبليغ مقرر الإدانة مسبقا للمدين، فإنه يتعين تبليغه قبل توجيه الإنذار، غير المسبوق بتبليغ مقرر الإدانة"، لهذا فإنه يجب الحرص على مراقبة استيفاء هذا الإجراء من قبل طالب الإكراه .

فهذه الشروط كما يتضح ، ولو لم يسند المشرع صراحة في المادة 640 من ق .م .ج. لقاضي تطبيق العقوبات أمر التحقق من توفرها فهذا لا يعني أنها غير مشمولة بالرقابة، أو أنه لا ضرورة لوجودها ضمن ملف الإكراه المحال من طرف وكيل الملك، خاصة وأنها مقررة بنصوص صريحة وتحت طائلة جزاءات ، كما باقي الوثائق المنصوص عليها في المادة 640 ترتبط صحتها بوجود هذه الوثائق .

ومادام أن الوثائق المنصوص عليها في المادة 640 من ق .م .ج . تعتبر بمثابة المقدمة المباشرة لسلوك مسطرة الإكراه البدني، ومادام أن التعديل التشريعي الأخير قد أضاف بعض الوثائق مقارنة مع قانون المسطرة الجنائية الملغى، فإننا سنحاول تفصيل الحديث حولها وذلك ببيان الأحكام القانونية المتعلقة بهذه الوثائق ونقصد بالذكر:

1) توجيه إنذار

2) طلب كتابي يرمي إلى الإيداع في السجن

3) ما يثبت عدم إمكانية التنفيذ على أموال المدين .

والملاحظ أن الترتيب الذي وردت به هذه الوثائق ضمن المادة 640 من ق .م .ج لا يقابل الترتيب الإجرائي الواقع عمليا بحيث يتم المبادرة أولا إلى التنفيذ على أموال المدين ، فإذا لم تفض إلى نتيجة أو أن نتائجها ضلت غير كافية ، يتم توجيه إنذار للمدين ، فإذا لم يستجب يتم التقدم بطلب كتابي يرمي إلى إيداع المدين في السجن ، لذلك فإننا سنحاول معالجتها وفقا لهذا الترتيب :

أ/ الإدلاء بما يثبت عد م إمكانية التنفيذ أموال المد ين :

لقد قصد المشرع من إيراد هذا الشرط ضمن التعديلات الجديدة التي جاء بها قانون المسطرة الجنائية، تكريس الوضع الذي كان سائدا عمليا بخصوص اشتراط النيابات العامة على طالب الإكراه ضرورة الإدلاء بما يفيد إجراء مسطرة الحجز على أموال المدين وخاصة (محضر بعدم وجود ما يحجز)، وهو ما يعكس الطابع الاستثنائي لمسطرة الإكراه البدني ويخول المدين وقتا مهما للوفاء بالديون المترتبة بذمته ، إلا أن التساؤل قل يثار بخصوص المقصود من هذا الشرط، إذ كيف تتحقق عدم إمكانية التنفيذ على أموال المدين؟ وماهي وسائل إثبات ذلك ؟

إن تصفح المقتضيات القانونية المنظمة لأحكام التنفيذ الجبري في إطار قانون المسطرة المدنية ، باعتبارها الشريعة العامة لقواعد التنفيذ يفضي بنا إلى التأكيد على أن عدم إمكانية التنفيذ على أموال المدين إما أن ترجع لمانع قانوني أو تتأسس على مانع مادي.

1) المانع القانوني من التنفيذ على أموال المد ين .

قد يستثني القانون لاعتبارات مختلفة بعض الأموال من التنفيذ الجبري، ويخرجها بالتالي من نطاق الضمان العام المخول للدائن على كل أموال المدين (الفصل 1248 من ق .ل .ع .) سواء كانت أموالا منقولة أو عقارية ومن ذلك مثلا:

ـ المنقولات المنصوص عليها في الفصل 458 من ق .م .م (فراش النوم ، الملابس، أواني الطبخ ، الخيمة ، الكتب والأدوات اللازمة لمهنة المحجوز عليه ...)

ـ الأموال المحددة في الفصل 488 من ق .م .م (النفقات ، التعويضات العائلية ، رأسمال الوفاة ، المعاشات المدنية والعسكرية ...)

ـ الأملاك المحبسة أو الأعيان الموقوفة (الفصل 75 من ظهير 02 يونيو 1915 المحدد للتشريع المطبق على العقارات المحفظة ...)

ـ أراضي الجموع ( الفصل من ظهير 1919 المنظم لأراضي الجموع ...)

ـ الأجور والمرتبات في حدود معينة (ظهير 7 يونيو 1941 (وظهير 14 يونيو 1941

..(18)

ففي هذه الحالة إذا ثبت أن الأموال المملوكة للمدين تدخل ضمن هذه الطائفة ، فإن عون التنفيذ يحرر محضرا بعدم وجود ما يحجز، فيصار بعد ذلك إلى استيفاء باقي إجراءات إعمال مسطرة الإكراه البدني.

2) المانع المادي من التنفيذ على أموال المدين .

يشمل هذا المانع كل الأسباب التي تحول دون وضع اليد على أموال المدين ، أو حتى استخلاص حصيلة تنفيذ كافية لتغطية مصاريف التنفيذ ومبلغ الدين ، ومن ذلك الأسباب التالية :

ـ عدم توفر المدين أصلا على أية أموال يمكن حجزها .

ـ إذا لم تسفر إجراءات الحجز على أموال المدين إلى أية حصيلة إيجابية ، أو أن نتائجها غير كافية ( المادة 635 من ق .م .ج .) وذلك نظرا لوجود ديون ممتازة أو رهن رسمي لفائدة الدائنين وغيره من أسباب الأولوية عند التوزيع بالمحاصة . ..، وبإزاء هذه الحالة فإن التساؤل يثار حول وقت تقدير القيمة الإئتمانية للأموال المملوكة للمدين وهل تفي بمبلغ الدين أم لا، هل بمجرد معرفة وضع الممدين المالي ومكونات ذمته المالية الإيجابية ، أم لابد أن ننتظر مآل إجراءات التنفيذ، حتى ولو كان مثلا العقار الوحيد المملوك للمد ين موضوع حجز من قبل دائنين مرتهنين من أجل ديون تفوق بكثير جدا قيمة العقار المحجوز، فهل يعتبر ذلك مانعا ماديا من التنفيذ يخول للدائن سلوك مسطرة الإكراه البدني دون انتظار نتيجة التنفيذ؟

أعتقد أن وجود عقار مملوك للمدين ومهما كانت التكاليف الواردة عليه ، يحول دون مباشرة إجراءات الإكراه البدني، وإنما يلزم التدخل في إجراءات الحجز وانتظار حصيلة التنفيذ، وذلك للعلل التالية :

أن ما يستخلصه المدين من عملية التنفيذ - ما لم تكن سلبية- ومهما قلت قيمتها سيكون لها تأثير على تحديد مدة الإكراه البدني بعد خصمها من المبلغ الإجمالي للدين .

مراعاة لما قد تعرفه مرحلة التنفيذ على أموال المدين من تنازل بعض الدائنين أو وقوع صلح أو غيره من الأسباب التي قد تحسن المركز المالي للمدين وبالتالي حظوظ الدائنين في استخلاص كل مبلغ الدين .

تأسيسا على ما ورد في المادة 635 من ق .م .ج . من أنه "يمكن تطبيق مسطرة الإكراه البدني ...، إذا تبين أن الإجراءات الرامية إلى الحصول على الأموال المنصوص عليها في المادة السابقة بقيت بد ون جدوى أو أن نتائجها غير كافية"، ولفظ الإجراءات المنصوص عليه في هذه المادة كما ينصرف كذلك إلى إجراءات الاستخلاص الحبية ينصرف كذلك إلى إجراءات التنفيذ الجبري.

استئناسا كذلك بتوجه المشرع في إطار مدونة تحصيل الديون العمومية حيث نص صراحة في المادة 76 من المدونة على أنه " إذا لم تؤد طرق التنفيذ على أموال المدين إلى نتيجة، يمكن أن يتابع التحصيل الجبري للضرائب والرسوم والديون العمومية الأخرى بواسطة الإكراه البدني" .

وهكذا فمهما قلت قيمة المال المملوك للمدين والقابل للحجز وجب انتظار مآل الحجز عليه، وذلك ما لم تكن الأشياء المحجوزة غير كافية حتى لتسديد مصاريف التنفيذ الجبري كما جاء في الفصل 459 من ق م .م .

وجدير بالذكر أن نسبة كبيرة من الأحكام ، وخاصة المتعلقة بالغرامات والمصاريف القضائية تتعثر مسطرة تنفيذها نظرا لتواجد محل سكنى المحكوم عليهم بأماكن نائية جذا يستلزم الوصول إليها مصاريف باهضة قد تتجاوز بكثير المبالغ المحكوم بها، إلا أن بعد محل إقامة المدين لا يعتبر بحال سببا مثبتا لعدم إمكانية التنفيذ على أمواله .

ولتجاوز هذا العارض والتثبت من إمكانية أو عدم إمكانية التنفيذ على أموال المدين، لا مانع من الاستعانة بعناصر الدرك الملكي الذين يتوفرون على الوسائل المادية وكذا الصلاحية القانونية للقيام بأعمال التنفيذ، وهو ما ينص عليه صراحة الفصل 36 من ظهير 4 1 يناير 1958 بشأن مصلحة الدرك الملكي والذي جاء فيه للدرك الأهلية في أن يقوم مباشرة بأعمال التبليغ والتنفيذ المنصوص عليها في المقتضيات المعمول بها في المرافعة المد نية، غير أنه لا تسند هذه المهمة للدرك إلا إذا لم يتأت للمصالح المكلفة عادة بالإعلانات والتنفيذات القضائية القيام بها نظرا لحالة الاستعجال أو بعد المسافات "(19)، وهو ما قد يساهم في تسريع عملية التنفيذ أو حتى إثبات عدم إمكانية التنفيذ على أموال المدين إذا كانت نتيجة التنفيذ سلبية قبل سلوك مسطرة الإكراه البدني، تبتدئ بتوجيه إنذار للمدين بالوفاء .

ب / توجيه إنذار بالوفاء للمد ين المطلوب إكراهه :

لقد استلزم المشرع لمباشرة إجراءات الإكراه البدني، ضرورة توجيه إنذار للمدين المطلوب إكراهه يبقى بدون نتيجة بعد مرور أكثر من شهر على تاريخ التوصل به (المادة 640 من ق .م .ج )، ويخضع توجيه الإنذار المذكور لمجموعة من الأحكام (19) كما تنبني عليه مجموعة من الآثار (20) .

1)

الأحكام القانونية للإنذار بالوفاء في إطار مسطرة الإكراه البد ني.

الملاحظ أن المشرع لم يفرد لهذا الموضوع إلا مادتين هما المادة 641 والمادة 642 والفقرة الأولى من المادة 640 من ق .م .ج ، والتي يمكن من خلالها استخلاص الأحكام التالية :

ـ تبليغ الحكم الصادر بالإدانة لا يغني عن توجيه إنذار للمدين ، وفي هذا الصدد فقد جاء في قرار صادر عن محكمة الاستئناف بني ملال بتاريخ 20/06/1990 في الملف عدد 115/90 بأنه " لا يمكن تطبيق الإكراه البدني إلا بعد توجيه إنذار بالأداء، ويبقى دون جارى، لمدة 10 أيام طبقا للفصل 680 من قانون المسطرة الجنائية، وأن هذا الإنذار ليس هو الإنذار الموجه في إطار مسطرة التبليغ " (20) وهكذا فلا يعتد بالإعذار المضمن عادة في محضر الإمتتاع أو محضر بعدم وجود ما يحجز والذي يتم تطبيقا للمادة 440 من ق .م .م التي تنص على أنه " يبلغ عون التنفيذ إلى الطرف المحكوم عليه الحكم المكلف بتنفيذه ويعذره بأن يفي بما قضى به الحكم حالا أو بتعريفه بنواياه" ومن تم فلا علاقة له بالإنذار الموجه في إطار مسطرة الإكراه البدني .

ـ لا يعتد بالإنذار إذا لم يكن مسبوقا بتبليغ مقرر الإدانة ، وهذا ما نصت عليه المادة 642 من ق م .ج ، والتي جاء فيها بأنه " إذا لم يتم تبليغ مقرر الإدانة مسبقا للمدين، فإنه يتعين تبليغه قبل توجيه الإنذار، ولا يعتد بالإنذار غير المسبوق بتبليغ مقرر الإدانة".

ـ العبرة في توجيه الإنذار بإشعار المدين بمضمون الإجراء وليس بالكيفية المسطرية التي يتم بها ، لهذا فإن المشرع لم يحدد كيفية توجيه الإنذار وكذا شكلياته وخاصة إذا كان المدين المطلوب إكراهه في حالة سراح ، أما إذا كان معتقلا فإن المادة 641 من ق .م .ج نصت على أن " رئيس المؤسسة السجنية المقام إليه الطلب من طالب الإكراه يوجه إلى المحكوم عليه إنذارا كتابيا لأداء دينه، ويجب أن يشمل هذا لإنذار إضافة إلى التذكير بموجز مقرر الإدانة مبلغ العقوبة المالية ومبلغ المصاريف وكذا مدة الإكراه المأمور به

"(21)

.

وفي هذا الصدد يستوي أن يوجه الإنذار بالوفاء في إطار الفصل 148 من ق .م .ج ، أو عن طريق البريد المضمون مع الإشعار بالتوصل أو بناء على استجواب يقوم به أحد ضباط الشرطة القضائية بناء على طلب من النيابة العامة ، أو بأية وسيلة مكتوبة أخرى، وأنه في حالة وجود منازعة في صحة الإنذار فإن الأمر يرجع لتقدير رئيس المحكمة الذي يتحقق من مدى تحقق الغاية من الإنذار عن طريق الوسيلة المنازع فيها أم لا، غير أنه يجب التأكيد على أن الوسيلة التي يقع بها تبليغ الإنذار يجب أن تكون مكتوبة ، ولا يغني في هذا الشأن الإنذار الشفوي، وذلك حتى يتأتى لقاضي تطبيق العقوبات مراقبة تحقق هذا الشرط وفق ما تستلزمه المادة 640 من ق .م .ج وخاصة مرور الأجل المخول للمدين ، بل وحتى التأكد من كون تاريخ توجيه الإنذار لاحق لتاريخ تبليغ المقرر الصادر بالإدانة ، وهي أمور لا تتحقق إلا إذا كان الإنذار كتابيا .

ـ العبرة في أجل الإنذار بمرور أكثر من شهر، ولو بيوم واحد، وهكذا فإن كان الأجل لا يتجاوز الشهر فإن هذا الإجراء يبقى غير متحقق قانونيا

(22)،

وتجدر الإشارة في هذا الصدد إلى أن أجل الإنذار هو أجل كامل ، بحيث لا يشمل اليوم الأول ولا اليوم الأخير، وفي هذا تنص المادة 750 من ق .م .ج على أن "جميع الآجال المنصوص عليها في هذا القانون آجال كاملة لا تشمل اليوم الأول ولا اليوم الأخير وتستثنى من ذلك الآجال التي تكون محددة بالساعة . إذا كان اليوم الأخير للأجل يوم عطلة امتد الأجل إلى أول يوم عمل بعده" .

ـ العبرة بمرور الأجل القانوني للإنذار (أي أكثر من شهر واحد) ما بين تاريخ توصل المدين بالإنذار وتاريخ المطالبة بتطبيق الإكراه البدني، وليس بالأجل الذي يضمنه طالب الإكراه في الإنذار الموجه للمدين ، ولو كان يقل عن المدة المحددة قانونا، ولا يترتب على ذلك القول ببطلان أو عدم قانونية الإنذار، مادام أن المشرع لم يشترط في المادة 640 من ق .م .ج ضرورة تضمين الأجل بالإنذار، وإنما فقط مرور أكثر من شهر واحد على تاريخ التوصل بالإنذار.

العبرة بالأجل المضمن بالإنذار إذا كان يفوق المدة المحددة قانونا ، مادام أن هذا التحديد القانوني يمثل الحد الأدنى الذي لا يجوز النزول عنه ، فالدائن مادام يملك حق التنازل عن مسطرة الإكراه البدني بل وحتى عن الحق الذي يجري الإكراه البدني اقتضاء له ، فإنه بالضرورة يملك حق تمديد الأجل ومنح المهلة للمدين للوفاء اختيارا ، وكذلك تأجيل سلوك مسطرة الإكراه البدني رغم مرور الأجل المحدد في الإنذار، كما أن توجه المشرع يسير نحو تشجيع مساطر الصلح والتسوية الحبية والوفاء الاختياري، وحصر اللجوء إلى الإكراه البدني في نطاق ضيق ، وهذا ما يستفاد بوضوح من خلال تحديد المشرع لأجل الإنذار في ( اكثر من شهر)، بمعنى أنه أجاز الدائن إمكانية تخويل المدين أجلا أطول وذلك بتقدير المدى الزمني الذي يتجاوز الحد القانوني، وبعبارة أخرى تقدير حدود هذه الأكثرية بحسب قيمة الدين وعلاقته بالمدين وغيرها من الاعتبارات الشخصية والإنسانية . غير أنه في المقابل يمتنع على الدائن المطالبة بإيداع المدين في السجن قبل مرور الأجل المحدد في الإنذار تفاديا لأية مباغتة محتملة للمدين .

ـ العبرة في ترتيب الإنذار لآثاره بالتوصل القانوني للمدين وليس بالتوصل الشخصي، وهكذا فإن التوصل بالإنذار يعتبر توصلا قانونيا إذا تم بواسطة أقارب المدين أو خدمه أو أي شخص آخر يسكن معه حسب التفصيل الوارد في الفصول 37 ، 38، و 39 من ق .م .م .

وهكذا فإذا وود الإنذار مستوفيا للأحكام المبنية أعلاه ، ترتبت عنه مجموعة من الآثار القانونية .

2) الآثار القانونية المترتبة عن الإنذار.

تختلف الآثار القانونية المترتبة عن الإنذار بالوفاء بحسب موقف المدين استجابة أو تعنتا، أداء أو امتناعا .

ـ حالة مبادرة المدين للأداء : في هذه الحالة فإن الأمر لا يخلو من فرضيتين فإما أن يتم الأداء بمجرد التوصل بالإنذار وقبل صدور الأمر بالاعتقال ، وفي هذه الصورة يكون الإنذار قد أنتج مفعوله عن طريق الوفاء اختيارا ، فتقف الإجراءات عن هذا الحد، وإما أن لا يقع الأداء إلا بعد صدور قرار الموافقة عن قاضي تطبيق العقوبات واعتقال المدين وقبل قضاء مدة الإكراه المحكوم بها، فيترتب عن ذلك وقف سيران مفعول الإكراه البدني والإفراج عن المدين المعتقل، ما لم يكن الأداء جزئيا وفي هذه الحالة يمكن إكراه المدين من جديد فيما يخص المبالغ الباقية بذمته، والى هذا تشير المادة 645 من ق .م .ج التي تنص على أنه "يمكن للمحكوم عليهم بالإكراه البدني أن يتجنبوا مفعوله أو أن يوقفوا سريانه إما بأداء مبلغ من المال كاف لانقضاء الدين من أصل وفوائد وصوائر برضا الدائن الذي سعى في اعتقالهم أو بأداء قسط من الدين مع الالتزام بأداء الباقي في تاريخ محدد. يفرج وكيل الملك عن المدين المعتقل بناء على ثبوت انقضاء الدين أو بطلب من الدائن" كما تنص المادة 646 من ق .م .ج على أنه "إذا لم ينفا المدين الالتزامات التي أدت إلى إيقاف الإكراه البدني أمكن إكراهه من جديد فيما يخص المبالغ الباقية بذمته" .

ويتضح من هاتين المادتين أن تعطيل أو إيقاف مفعول الإكراه البدني يتم بأحد الأمور التالية :

الأداء الكلي الناجز : وذلك بإيداع مبلغ كاف لتسديد مبلغ الدين والفوائد والمصاريف ، ولا يغني عن ذلك تقديم كفالة شخصية لعدم جواز الحلول في الإكراه البدني، أو حتى كفالة عينية لكون المشرع تحدث في المادة 645 من ق .م .ج عن مبلغ من المال وليس عن ضمانة .

ـ الأداء الجزئي مع الالتزام بأداء باقي مبلغ الدين في تاريخ محدد:

والملاحظ في هذا الصدد أن المشرع في ق .م .ج لم يحدد بالنسبة من مبلغ الدين التي يحصل بها الأداء الجزئي، غير أنه يجب ألا تكون زهيدة ، وذلك حرصا على توفر الجدية لدى المدين ، وضمانا للوفاء بباقي مبلغ الدين ، وحتى نتفادى تكرار الاعتقال من أجل نفس الدين ، كما أن المشرع لم يبين كذلك شكل التزام المدين بأداء باقي الدين ، وهل يكون شفويا أو كتابيا، وهو عكس التوجه الذي سلكه المشرع في إطار مدونة تحصيل الديون العمومية ، حيث ورد في الفقرة الثانية من المادة 81 على أنه "يفرج عن المدين المعتقل بأمر من وكيل الملك بعد إثبات انقضاء الديون أو بطلب من المحاسب المكلف بالتحصيل بعل أداء قسط يعادل على الأقل نصف المبالغ الواجبة وتعهد المدين كتابة بد فع المبلغ الباقي داخل أجل لا يتعدى ثلاثة أشهر مع تقديم الضمانات المنصوص عليها في المادة 118 أدناه"، إلا أن التساؤل الذي يثيره موضوع الأداء الجزئي في مسطرة الإكراه البدني هو أن تخلف المدين عن أداء باقي مبلغ الدين في التاريخ المحدد يفتح المجال أمام إكراهه من جديد كما جاء في المادة 646 من ق .م .ج ، فهل يخضع الإكراه الجد يد لنفس مسطرة الإكراه الأول أم يكتفي فيه فقط بصدور أمر بإلقاء القبض من طرف وكيل الملك وإيداع المدين بالسجن لقضاء ما تبقى من مدة الإكراه؟ نعتقد أن الحل الثاني هو الأولى بالترجيح لأن الأداء الجزئي لا يترتب عليه سوى وقف سريان الإكراه البدني كما جاء في المادة645 من ق م .ج المشار إليها أعلاه ولا أثر له على صحة إجراءات الإكراه البدني التي تظل صحيحة (23)، وكان جديرا بالمشرع أن يستعمل عبارة (أمكن اعتقاله من جديد) بدل عبارة (أمكن إكراهه من جديد)، رفعا لأي غموض في هذا الصدد(24).

وهناك حالة أخرى لوقف سريان الإكراه البدني لم ينص عليها المشرع لكن المنطق الإجرائي يقتضيها، وهي حالة نشوء حمل بالمرأة المطلوب إكراهها بعد صدور أمر باعتقالها أو إيداعها بالسجن ، بحيث يفرج عن المرأة المعتقلة ، فيتوقف الإكراه البدني ولا يستأنف بخصوص المدة المتبقية إلا بعد مرور سنتين من تاريخ الولادة . .. وفي هذا تنص المادة 637 من ق .م .ج على أنه "لا ينفذ الإكراه البدني امرأة حامل ولا على امرأة مرضعة في حدود سنتين من تاريخ الولادة" بمعنى أنه إذا بدء في التنفيذ توجب إيقاف مفعوله ، وإلا تم تعطيل هذا المقتضى القانوني، وهو نفس الأمر الذي أكدته المادة 77 من مدونة تحصيل الديون العمومية (25).

وتجدر الإشارة كذلك إلى حدوث أي مانع من موانع الإكراه أثناء المدة التي التزم المدين خلالها بالأداء يضع حدا لتطبيق مسطرة الإكراه البدني كبلوغ سن 60 عاما أو تحقق مصاهرة بين الدائن وأحد أقرباء المدين في حدود الدرجة التي تجعله صهرا للدائن أو حتى إثبات العسر أو غيرها من الموانع .

والملاحظ أيضا أن المشرع لم يبين الجهة التي تحدد مدة الإكراه البدني فيما يخص المبالغ الباقية بذمة المدين في حالة عدم الأداء داخل الأجل المحدد، لكن الواضح من خلال الإجراءات المسطرية وللصلاحيات المخولة لوكيل الملك في قبول الأداء الجزئي بخصوص مبلغ الأداء ولتحديد المدة المخولة للمدين لأداء باقي الأقساط ، أن هذا الأخير هو الذي ترجع له الصلاحية في تحديد مدة الإكراه عن المبالغ الباقية بذمة المدين (26).

ـ برضى الدائن طالب الإكراه : سواء تعلق الأمر بدين عمومي(27) أو خصوصي، وهكذا فإنه يجوز للدائن وخاصة في الديون الخصوصية أن يتنازل سواء عن إجراءات الإكراه البدني أو عن الحق الذي يجري الإكراه البدني اقتضاء له ، إلا أن التساؤل يشار بخصوص إمكانية إعادة طلب الإكراه البدني من جديد في حالة التنازل عن الإكراه البدني؟

في نظرنا فإنه يجب التمييز في هذا الصدد بين حالتين :

*

حالة التنازل عن الإكراه البدني قبل اعتقال المدين : وفي هذه الحالة فليس هناك ما يمنع الدائن من إعادة طلب الإكراه البدني مرة ثانية لكن شريطة استيفاء إجراءات الإكراه البدني من جديد، فالتنازل في هذه الحالة يؤدي حسب المادة 645 من ق .م .ج إلى تجنيب المدين مفعول الإكراه البدني فقط، ولا يمكن في هذا الصدد الاحتجاج بما ورد في المادة 647 من ق .م .ج التي تنص على أنه "إذا انتهى الإكراه البدني لسبب ما، باستثناء الحالة المنصوص عليها في المادة السابقة، لايمكن بعدئذ تنفيذه نفس الدين ولا من أجل أحكام أخرى صدرت قبل تنفيذه ، ما لم تكن هذه الأحكام تستلزم بسبب مجموعها مدة إكراه أطول من المدة التي تم تنفيذها على المحكوم عليه، وفي هذه الحالة يتعين دائما إسقاط مدة الاعتقال الأول الحل" (28) فهذه المادة صريحة في منع إكراه المدين من أجل دين سبق إكراهه من أجله وقضى مدة الإكراه ، بدليل تكرار كلمة تنفيذ في متن المادة نفسها، كما أن التنازل في هذه الحالة لا ينهى الإكراه البدني وإنما يضع حدا للسير في إجراءاته ، لكون الإكراه البدني وبالتالي الإجبار على التنفيذ - لا يبتدئ إلا من يوم الإيداع في السجن ، وبالتالي لا يمكن القول بأن تنازل الدائن يحمل على كونه تنازلا عن الحق ، لأن التنازل يجب تفسيره تفسيرا ضيقا .

*

حالة التنازل عن الإكراه البدني بعد اعتقال المدين : ولو بيوم واحد، هذه هي الحالة المقصودة في المادة 645 بصريح هذه المادة نفسها والتي أكدت على أنه يمكن للمحكوم عليهم بالإكراه البدني أن يتجنبوا مفعوله أو أن يوقفوا سريانه إما بأداء مبلغ من المال ... " وإما برضا الدائن الذي سعى في اعتقالهم ..." وعلى أن وكيل الملك يفرج عن المدين المعتقل "بناء على ثبوت انقضاء الدين أو بطلب من الدائن" مما يستفاد منه أن المدين المطلوب إكراهه في وضعية اعتقال ، وأن هذه الحالة هي المشمولة بحكم المادة 647، وهكذا فإنه لا يمكن إكراه المدين من أجل هذا الدين بعد تنازل الدائن، كما أن التنازل في هذه الحالة لا يحمل بالضرورة على كونه تنازلا عن الحق ، بدليل أن المشرع نص على التنازل بعد النص على الإفراج عن المعتقل بناء على ثبوت انقضاء الدين ، بمعنى أن التنازل لا يثبت به الوفاء ولا مانع من التنفيذ على أموال المدين في حالة ظهورها، ما لم يكن تنازلا صريحا عن الحق فتنتهي خصومة التنفيذ كليا سواء عن طريق الإكراه البدني أو غيرها من وسائل التنفيذ .

*

حالة نكول المدين عن الأداء بعد توصله القانوني بالإنذار: في هذه الحالة يتم إيداع المدين بالسجن بعد صدور قرار الموافقة عن قاضي تطبيق العقوبات ، وصدور أمر بإلقاء القبض عن وكيل الملك ، وكل ذلك على إثر تقديم طلب كتابي من المطالب بالإكراه البدني إلى وكيل الملك يرمي إلى إيداع المدين في السجن .

ج / تقديم طلب كتابي من ا لدائن يرمي إيداع المدين في السجن :

يعتبر هذا الإجراء آخر إجراء يقوم به الدائن في إطار مسطرة الإكراه البدني، وعلى إثره يشكل ملف الإكراه البدني الذي يتأكد وكيل الملك من احترامه للمقتضيات القانونية المنظمة للإكراه البدني قبل إحالته على قاضي تطبيق العقوبات لطلب الموافقة ، بحيث لا يشرع في تنفيذ الإكراه البدني إلى بعد صدور القرار المذكور.

لكن هل صدور قرار بالموافقة على تطبيق الإكراه البدني من طرف قاضي تطبيق العقوبات بالضرورة اعتقال المدين وإيداعه بالسجن، وتجريد وكيل الملك من أية سلطة في هذا الصدد أنه مجرد شكلية أو إجراء قانوني من إجراءات مسطرة الإكراه البدني وأن أمر اعتقال المدين يرجع لسلطة وكيل الملك الذي له صلاحية عدم إيداع المدين بالسجن رغم صدور قرار قاضي تطبيق العقوبات؟، وهذا ما يجرنا إلى التساؤل عن الطبيعة القانونية للقرارات الصادرة عن قاضي تطبيق العقوبات ؟ وعن حدود الإلزام فيها ؟.

المصدر مجلة المرافعة