حقوق الإنسان في مجال إقامة العدل

القواعد النموذجية الدنيا لمعاملة السجناء:

اعتمدها مؤتمر الأمم المتحدة الأول لمنع الجريمة ومعاملة المجرمين، المعقود في جنيف عام 1955، وأقرها المجلس الاقتصادي والاجتماعي بقرار به 663 جيم (د-24) المؤرخ في 31 تموز / يونيه 1957، و 2067 (د-62) المؤرخ في 13 أيار - مايو 1977.

ملاحظات تمهيدية

1ـ ليس الغرض من القواعد التالية وصف تفصيلي لنظام نموذجي للسجون، بل أن كل ما تحاوله هو أن تحدد، على أساس التصورات المتواضع على قبولها عموما في أيامنا هذه والعناصر الأساسية في الأنظمة المعاصرة الأكثر صلاحا، ما يعتبر عموما خير المبادئ والقواعد العملية في معاملة المسجونين وإدارة السجون.

2ـ ومن الجلي، نظرا لما تتصف به الظروف القانونية والاجتماعية والجغرافية في مختلف أنحاء العالم من تنوع بالغ، أن من غير الممكن تطبيق جميع القواعد في كل مكان وفي أي حين. ومع ذلك يرجى أن يكون فيها ما يحفز على بذل الجهد باستمرار للتغلب على المصاعب العملية التي تعترض تطبقها، انطلاقا من كونها تمثل، في جملتها، الشروط الدنيا التي تعترف بصلاحها الأمم المتحدة.

3ـ ثم إن هذه القواعد، من جهة أخرى، تتناول ميدانا يظل الرأي فيه في تطور مستمر.

وهي بالتالي لا تستبعد إمكانية التجربة والممارسة مادامت متفقتين مع المبادئ التي تستشف من مجموعة القواعد في جملتها ومع السعي لتحقيق مقاصدها. وبهذه الروح يظل دائما من حق الإدارة المركزية للسجون أن تسمح بالخروج الاستثنائية على هذه القواعد.

4-1) والجزء الأول من هذه المجموعة يتناول القواعد المتعلقة بالإدارة العامة للمؤسسات الجزائية، وهو ينطبق على جميع فئات المسجونين، سواء كان سبب حبسهم جنائيا أو مدنيا، وسواء كانوا متهمين أو مدانين، وبما في ذلك أولئك الذين تطبق بحقهم تدابير أمنية أو تدابير إصلاحية أمر بها القاضي.

2)أما الجزء الثاني فيتضمن قواعد لا تنطبق إلا على فئات المسجونين الذين يتناولهم كل فرع فيه. ومع ذلك فإن القواعد الواردة في الفرع ألف منه بشأن السجناء المدانين تنطبق أيضا على فئات السجناء الذين تتناولهم الفروع "باء" و "جيم" و "دال" في حدود عدم تعارضها مع القواعد الخاصة بهذه الفئات وكونها في صالح هؤلاء السجناء.

5-1)ولا تحاول القواعد تنظيم إدارة المؤسسات المخصصة للأحداث الجانحين (مثل الإصلاحيات أو معاهد التهذيب وما إليها)، ومع ذلك فإن الجزء الأول منها يصلح أيضا، على وجه العموم، للتطبيق في هذه المؤسسات.

2)ويجب اعتبار فئة الأحداث المعتقلين شاملة على الأقل لجميع القاصرين الذين يخضعون لصلاحية محاكم الأحداث. ويجب أن تكون القاعدة العامة ألا يحكم على هؤلاء الجانحين الصغار بعقوبة السجن.

الجزء الأول: قواعد عامة التطبيق

المبدأ الأساسي

6-1)تطبق القواعد التالية بصورة حيادية. ولا يجوز أن يكون هنالك تمييز في المعاملة بسبب العنصر أو اللون أو الجنس أو الدين، أو الرأي سياسيا أو غير سياسي، أو المنشأ القومي أو الاجتماعي أو الثروة أو المولد أو أي وضع آخر.

2)وفي الوقت نفسه، من الضروري احترام المعتقدات الدينية والمبادئ الأخلاقية للفئة التي ينتسب إليها السجين.

السجل

7-1)في أي مكان يوجد فيه مسجونين، يتوجب مسك سجل مجلد ومرقم الصفحات، تورد فيه المعلومات التالية بشأن كل معتقل:

أ)تفاصيل هويته؛

ب)أسباب سجنه والسلطة المختصة التي قررته؛

ج)يوم وساعة دخوله وإطلاق سراحه.

2)لا يقبل أي شخص في أية مؤسسة جزائية دون أمر حبس مشروع تكون تفاصيله قد دونت سلفا في السجل.

الفصل بين الفئات

8-توضع فئات السجناء المختلفة في مؤسسات مختلفة أو أجزاء مختلفة من المؤسسات مع مراعاة جنيهم وعمرهم وسجل سوابقهم وأسباب احتجازهم ومتطلبات معاملتهم. وعلى ذلك:

أ)يسجن الرجال والنساء، بقدر الإمكان، في مؤسسات مختلفة. وحين تكون هناك مؤسسة تستقبل الجنسين على السواء، يتحتم أن يكون مجموع الأماكن المخصصة للنساء منفصلا كليا؛

ب)يفصل المحبوسون احتياطيا عن المسجونين المحكوم عليهم؛

ج)يفصل المحبوسون لأسباب مدنية، بما في ذلك الديون، عن المسجونين بسبب جريمة جزائية؛

د)يفصل الأحداث عن البالغين.

أماكن الاحتجاز

9-1)حينما وجدت زنزانات أو غرف فردية للنوم لا يجوز أن يوضع في الواحدة منها أكثر من سجين واحد ليلا. فإذا حدث لأسباب استثنائية، كالاكتظاظ المؤقت، إن اضطرت الإدارة المركزية للسجون إلى الخروج عن هذه القاعدة، يتفادى وضع مسجونين اثنين في زنزانة أو غرفة فردية.

2)وحيثما تستخدم المهاجع، يجب أن يشغلها مسجونون يعتنى باختيارهم من حيث قدرتهم على التعاشر في هذه الظروف، ويجب أن يظل هؤلاء ليلا تحت رقابة مستمرة، موأدمة لطبيعة المؤسسة.

10-توفر لجميع الفرق المعدة لاستخدام المسجونين، ولا سيما حجرات النوم ليلا، جميع المتطلبات الصحية، مع الحرص على مراعاة الظروف المناخية، وخصوصا من حيث حجم الهواء والمساحة الدنيا المخصصة لكل سجين والإضاءة والتدفئة والتهوية.

11-في أي مكان يكون على السجناء فيه أن يعيشوا أو يعملوا:

أ)يجب أن تكون النوافذ من الاتساع بحيث تمكن السجناء من استخدام الضوء الطبيعي في القراءة والعمل، وأن تكون مركبة على نحو يتيح دخول الهواء النقي سواء وجدت أم لم توجد تهوية صناعية.

ب)يجب أن تكون الإضاءة الصناعية كافية لتمكين السجناء من القراءة والعمل دون إرهاق نظرهم.

12-يجب أن تكون المراحيض كافية لتمكين كل سجين من تلبية احتياجاته الطبيعية في حين ضرورتها وبصورة نظيفة ولائقة.

13-يجب أن تتوفر منشآت الاستحمام والاغتسال بالدش بحيث يكون في مقدور كل سجين ومفروضا عليه أن يستحم أو يغتسل، بدرجة حرارة متكيفة مع الطقس، بالقدر الذي تتطلبه الصحة العامة تبعا للفصل والموقع الجغرافي للمنطقة، على ألا يقل ذلك عن مرة في الأسبوع في مناخ معتدل.

14-يجب أن تكون جميع الأماكن التي يتردد عليها السجناء بانتظام في المؤسسة مستوفاة الصيانة والنظافة في كل حين.

النظافة الشخصية

15-يجب أن تفرض على السجناء العناية بنظافتهم الشخصية، ومن أجل ذلك يجب أن يوفر لهم الماء وما تتطلبه الصحة والنظافة من أدوات.

16-بغية تمكين السجناء من الحفاظ على مظهر مناسب يساعدهم على احترام ذواتهم، يزود السجن بالتسهيلات اللازمة للعناية بالشعر والذقن، ويجب تمكين الذكور من الحلاقة بانتظام.

17-1)كل سجين لا يسمح له بارتداء ملابسه الخاصة يجب أن يزود بمجموعة ثياب مناسبة للمناخ وكافية للحفاظ على عافيته. ولا يجوز في أية حال أن تكون هذه الثياب مهنية أو حاطة بالكرامة.

2)يجب أن تكون جميع الثياب نظيفة وأن يحافظ عليها في حالة جيدة. ويجب تبديل الثياب الداخلية وغسلها بالوثيرة الضرورية للحفاظ على الصحة.

3)في حالات استثنائية، حين يسمح للسجين، بالخروج من السجن لغرض مرخص به، يسمح له بارتداء ثيابه الخاصة أو بارتداء ملابس أخرى لا تسترعي الأنظار.

18-حين يسمح للسجناء بارتداء ثيابهم الخاصة، تتخذ لدى دخولهم السجن ترتيبات لضمان كونها نظيفة وصالحة للارتداء.

19-يزود كل سجين، وفقا للعادات المحلية أو الوطنية، بسرير فردي ولوازم لهذا السرير مخصصة له وكافية، تكون نظيفة لدى تسليمه إياها، ويحافظ على لياقتها، وتستبدل في مواعيد متقاربة بالقدر الذي يحفظ نظافتها.

الطعام

20-1)توفر الإدارة لكل سجين، في الساعات المعتادة، وجبة طعام ذات قيمة غذائية كافية للحفاظ على صحته وقواه، جيدة النوعية وحسنة الإعداد والتقديم.

2)توفر لكل سجين إمكانية الحصول على ماء صالح للشرب كلما احتاج إليه.

التمارين الرياضية

21-1)لكل سجين غير مستخدم في عمل في الهواء الطلق حق في ساعة على الأقل في كل يوم يمارس فيها التمارين الرياضية المناسبة في الهواء الطلق، إذا سمح الطقس بذلك.

2)توفر تربية رياضية وترفيهية، خلال الفترة المخصصة للتمارين، للسجناء الأحداث وغيرهم ممن يسمح لهم بذلك عمرهم ووضعهم الصحي. ويجب أن توفر لهم، على هذا القصد، الأرض والمنشآت والمعدات اللازمة.

الخدمات الطبية

22-1)يجب أن توفر في كل سجين خدمات طبيب مؤهل واحد على الأقل، يكون على بعض الإلمام بالطب النفسي، وينبغي أن يتم تنظيم الخدمات الطبية على نحو وثيق الصلة بإدارة الصحة العامة المحلية أو الوطنية. كما يجب أن تشتمل على فرع للطب النفسي بغية تشخيص حالات الشذوذ العقلي وعلاجها عند الضرورة.

2)أما السجناء الذين يتطلبون عناية متخصصة فينقلون إلى سجون متخصصة أو إلى مستشفيات مدنية. ومن الواجب، حين تتوفر في السجن خدمات العلاج التي تقدمها المستشفيات، أن تكون معداتها وأدواتها والمنتجات الصيدلانية التي تزود بها وافية بغرض توفير الرعاية والمعالجة الطبية اللازمة للسجناء المرضى، وأن تضم جهازا من الموظفين ذوي التأهيل المهني المناسب.

3)يجب أن يكون في وسع كل سجين أن يستعين بخدمات طبيب أسنان مؤهل.

23-1)في سجون النساء، يجب أن تتوفر المنشآت الخاصة الضرورية لتوفير الرعاية والعلاج قبل الولادة وبعدها. ويجب، حيثما كان ذلك في الإمكان، اتخاذ ترتيبات لجعل الأطفال يولدون في مستشفى مدني، وإذا ولد الطفل في السجن، لا ينبغي أن يذكر ذلك في شهادة ميلاده.

2)حين تكون من المسموح به بقاء الأطفال الرضع إلى جانب أمهاتهم في السجن، تتخذ التدابير اللازمة لتوفير دار حضانة مجهزة بموظفين مؤهلين، يوضع فيها الرضع خلال الفترات التي لا يكونون أثناءها في رعاية أمهاتهم.

24-يقوم الطبيب بفحص كل سجين في أقرب ممكن بعد دخوله السجن، ثم بفحصه بعد ذلك كلما اقتضت الضرورة، وخصوصا بغية اكتشاف أي مرض جسدي أو عقلي يمكن أن يكون مصابا به واتخاذ جميع التدابير الضرورية لعلاجه، وعزل السجناء الذين يشك في كونهم مصابين بأمراض معدية أو سارية، واستبانة جوانب القصور الجسدية أو العقلية التي يمكن أن تشكل عائقا دون إعادة التأهيل، والبث في الطاقة البدنية على العمل لدى كل سجين.

25-1)يكلف الطبيب بمراقبة الصحة البدنية، والعقلية للمرضى. وعليه أن يقابل يوميا جميع السجناء المرضى، وجميع أولئك الذين يشكون من اعتلال، وأي سجين استرعى انتباهه إليه على وجه خاص.

2)على الطبيب أن يقدم تقريرا إلى المدير كلما بدا أن الصحة الجسدية أو العقلية لسجين ما قد تضررت أو ستتضرر من جراء استمرار سجنه أو من جراء أي ظرف من ظروف هذا السجن.

26-1)على الطبيب أني قوم بصورة منتظمة بمعاينة الجوانب التالية وأن يقدم النصح إلى المدير بشأنها:

أ)كمية الغذاء ونوعيته وإعداده؛

ب)مدى اتباع القواعد الصحية والنظافة في السجن ولدى السجناء؛

ج)حالة المرافق الصحية والتدفئة والإضاءة والتهوية في السجن؛

د)نوعية ونظافة ملابس السجناء ولوازم أسرتهم؛

هـ)مدى التقيد بالقواعد المتعلقة بالتربية البدنية والرياضة، حين يكون منظمو هذه الأنشطة غير متخصصين.

22)يضع المدير في اعتباره التقارير والنصائح التي يقدمها له الطبيب عملا بأحكام المادتين 25 (2) و26، فإذا التقى معه في الرأي عمد فورا إلى اتخاذ التدابير اللازمة لوضع هذه التوصيات موضع التنفيذ. أما إذا لم يوافقه على رأيه أو كانت التوصيات المقترحة خارج نطاق اختصاصه فعليه أن يقدم فورا تقريرا برأيه الشخصي، مرفقا بآراء الطبيب، إلى سلطة أعلى.

الانضباط والعقاب

27-يؤخذ بالحزم في المحافظة على الانضباط والنظام، ولكن دون أن يفرض من القيود أكثر مما هو ضروري لكفالة الأمن وحسن انتظام الحياة المجتمعية.

28-1)لا يجوز أن يستخدم أي سجين، في خدمة المؤسسة، في عمل ينطوي عل صفة تأديبية.

2)إلا أنه لا يجوز تطبيق هذه القاعدة على نحو يعيق نجاح أنظمة قائمة على الحكم الذاتي، تتمثل في أن تناط أنشطة أو مسؤوليات اجتماعية أو تثقيفية أو رياضية محددة، تحت إشراف الإدارة، بسجناء منظمين في مجموعات لأغراض العلاج.

29-تحدد النقاط التالية، دائما، إما بالقانون وإما بنظام تضعه السلطة الإدارية المختصة:

أ)السلوك الذي يشكل مخالفة تأديبية؛

ب)أنواع ومدة العقوبات التأديبية التي يمكن فرضها؛

ج)السلطة المختصة بتقرير إنزال هذه العقوبات.

30-1)لا يعاقب أي سجين إلا وفقا لأحكام القانون أو النظام المذكورين، ولا يجوز أبدا أن يعاقب مرتين على المخالفة الواحدة.

2)لا يعاقب أي سجين إلا بعد إعلامه بالمخالفة وإعطائه فرصة فعلية لعرض دفاعه. وعلى السلطة المختصة أن تقوم بدراسة مستفيضة للحالة.

3)يسنح للسجين، حين يكون ذلك ضروريا وممكنا، بعرض دفاعه عن طريق مترجم.

31-العقوبة الجسدية والعقوبة بالوضع في زنزانة مظلمة، وأية عقوبة قاسية أو لا إنسانية أو مهنية، محظورة كليا كعقوبات تأديبية.

32-1)لا يجوز في أي حين أن يعاقب السجين بالحبس المنفرد أو بتخفيض الطعام الذي يعطى له إلا بعد أن يكون الطبيب قد فحصه وشهد خطيا بأنه قادر على تحمل مثل هذه العقوبة.

2)ينطبق الأمر بنفسه على أية عقوبة أخرى يحتمل أن تلحق الأذى بصحة السجين الجسدية أو العقلية . ولا يجوز في أي حال أن تتعارض هذه العقوبات مع المبدأ المقرر في القاعدة 31 أو أن تخرج عنه.

3)على الطبيب أن يقوم يوميا بزيارة السجناء الخاضعين لمثل هذه العقوبات، وأن يشير على المدير بوقف العقوبة أو تغييرها إذا رأى ذلك ضروريا لأسباب تتعلق بالصحة الجسدية أو العقلية.

أدوات تقييد الحرية

33-لا يجوز أن تستخدم أدوات تقييد الحرية، كالأغلال والسلاسل والأصفاد وثياب التكبيل كوسائل للعقاب. وبالإضافة إلى ذلك لا يجوز استخدام السلاسل أو الأصفاد كأدوات لتقييد الحرية. أما غير ذلك من أدوات تقييد الحرية فلا تستخدم إلا في الظروف التالية:

أ)كتدبير للاحتراز من هرب السجين خلال نقله، شريطة أن تفكك بمجرد مثوله أمام سلطة قضائية أو إدارية؛

ب)لأسباب طبية، بناء على توجيه الطبيب؛

ج)يأمر من المدير، إذا أخفقت الوسائل الأخرى في كبح جماح السجين لمنعه من إلحاق الأذى بنفسه أو بغيره أو من تسبيب خسائر مادية. وعلى المدير في مثل هذه الحالة أن يتشاور فورا مع الطبيب وأن يبلغ الأمر إلى السلطة الإدارية الأعلى.

34-الإدارة المركزية للسجون هي التي يجب أن تحدد نماذج أدوات تقييد الحرية وطريقة استخدمها. ولا يجوز استخدامها أبدا لمدة أطول من المدة الضرورية كل الضرورة.

تزويد السجناء بالمعلومات وحقهم في الشكوى

35-1)يزود كل سجين، لدى السجن، بمعلومات مكتوبة حول الأنظمة المطبقة على فئته من السجناء، وحول قواعد الانضباط في السجن، والطرق المرخص بها لطلب المعلومات وتقديم الشكاوى، وحول أية مسائل أخرى تكون ضرورية لتمكينه من معرفة حقوقه وواجباته على السواء ومن تكييف نفسه وفقا لحياة السجن.

2)إذا كان السجين أميا وجب أن تقدم له هذه المعلومات بصورة شفوية.

36-1)يجب أن تتاح لكل سجين إمكانية التقدم، في كل يوم عمل من أيام الأسبوع، بطلبات أو شكاوى إلى مدير السجن أو إلى الموظف المفوض بتمثيله.

2)يجب أن يستطيع السجناء التقدم بطلبات أو شكاوى إلى مفتش السجون خلال جولته التفتيشية في السجن. ويجب أن تتاح للسجين فرصة للتحدث مع المفتش أو مع أي موظف آخر مكلف بالتفتيش دون أن يحضر حديثه مدير السجن أو غيره من موظفيه.

3)يجب أن يسمح لكل سجين بتقديم طلب أو شكاوى إلى الإدارة المركزية للسجون أو السلطة القضائية أو إلى غيرهما من السلطات، دون أن يخضع الطلب أو الشكوى للرقابة من حيث الجوهر ولكن على أن يتم وفقا للأصول وعبر الطرق المقررة.

4)ما لم يكن الطلب أو الشكوى جلي التفاهة أو بلا أساس، يتوجب أن يعالج دون إبطاء، وأن يجاب عليه في الوقت المناسب.

الاتصال بالعالم الخارجي

37-يسمح للسجين، في ظل الرقابة الضرورية، بالاتصال بأسرته وبذوي السمعة الحسنة من أصدقائه، على فترات منتظمة، بالمراسلة وبتلقي الزيارات على السواء.

38-1)يمنح السجين الأجنبي قدرا معقولا من التسهيلات للاتصال بالممثلين الدبلوماسيين والقنصليين للدولة التي ينتمي إليها.

2)يمنح السجناء المنتمون إلى دول ليس لها ممثلون دبلوماسيون أو قنصليون في البلد واللاجئون وعديمو الجنسية، تسهيلات مماثلة للاتصال بالممثل الدبلوماسي للدولة المكلفة برعاية مصالحهم أو بأية سلطة وطنية أو دولية تكون مهمتها حماية مثل هؤلاء الأشخاص.

39-يجب أن تتاح للسجناء مواصلة الاطلاع بانتظام على مجرى الأحداث ذات الأهمية عن طريق الصحف اليومية أو الدورية أو أية منشورات خاصة تصدرها إدارة السجون أو بالاستماع إلى محطات الإذاعة أو إلى المحاضرات، أو بأية وسيلة مماثلة تسمح بها الإدارة أو تكون خاضعة لإشرافها.

الكتب

40-يزود كل سجن بمكتبة مخصصة لمختلف فئات السجناء تضم قدرا كافيا من الكتب الترفيهية والتثقيفية على السواء، ويشجع السجناء على الإفادة منها إلى أبعد حد ممكن.

الدين

41-1)إذا كان السجن يضم عددا كافيا من السجناء الذين يعتنقون نفس الدين، يعين أو يقر تعيين ممثل لهذا الدين مؤهل لهذه المهمة. وينبغي أن يكون هذا التعيين للعمل كل الوقت إذا كان عدد السجناء يبرر ذلك وكانت الظروف تسمح به.

2)يسمح للممثل المعين أو الذي تم إقرار تعيينه وفقا للفقرة (1) أن يقيم الصلوات بانتظام وأن يقوم، كلما كان ذلك مناسبا، بزيارات خاصة للمسجونين من أهل دينه رعاية لهم.

3)لا يحرم أي سجين من الاتصال بالممثل المؤهل لأي دين. وفي مقابل ذلك، يحترم رأي السجين كليا إذا هو اعترض على قيام أي ممثل ديني بزيارة له.

42-يسمح لكل سجين، بقدر ما يكون ذلك في الإمكان، بأداء فروض حياته الدينية بحضور الصلوات المقامة في السجن، وبحيازة كتب الشعائر والتربية الدينية التي تأخذ بها طائفته.

حفظ متاع السجناء

43-1)حين لا يسمح نظام السجن للسجين بالاحتفاظ بما يحمل من نقود أو أشياء ثمينة أو ثياب أو غير ذلك من متاعه، يوضع ذلك كله في حرز أمين لدى دخوله السجن. ويوضع كشف بهذا المتاع يوقعه السجين، وتتخذ التدابير اللازمة للإبقاء على هذه الأشياء في حالة جيدة.

2)لدى إطلاق سراح السجين تعاد إليه هذه النقود والحوائج، باستثناء ما سمح له بإنفاقه من مال أو ما أرسله إلى الخارج من متاع أو ما دعت المقتضيات الصحية إلى إتلافه من ثياب. ويوقع السجين على إيصال بالنقود والحوائج التي أعيدت إليه.

3)تطبق هذه المعاملة ذاتها على أية نقود أو حوائج ترسل إلى السجين من خارج السجن.

4)إذا كان السجين، لدى دخوله السجن، يحمل أية عقاقير أو أدوية، يقرر مصيرها طبيب السجن.

الإخطار بحالات الوفاة أو المرض أو النقل، إلخ...

44-1)إذا توفي السجين أو أصيب بمرض خطير أو بحادث خطير أو نقل إلى مؤسسة لعلاج الأمراض العقلية، يقوم المدير فورا، إذا كان السجين متزوجا، بإخطار زوجه، وإلا فأقرب انسبائه إليه، وفي أية حال أي شخص آخر يكون السجين قد طلب إخطاره.

2)يخطر السجين فورا بأي حادث وفاة أو مرض خطير لنسيب قريب له. وإذا كان مرض هذا النسيب بالغ الخطورة يرخص للسجين، إذا كانت الظروف تسمح بذلك، بالذهاب لعيادته إما برفقة حرس وإما بمفرده.

3)يكون لكل سجين حق إعلام أسرته فورا باعتقاله أو بنقله إلى سجن آخر.

انتقال السجناء

45-1)حين ينقل السجين إلى السجن أو منه، يجب عدم تعريضه لأنظار الجمهور إلا بأدنى قدر ممكن، ويجب اتخاذ تدابير لحمايته من شتائم الجمهور وفضوله ومن العلنية بأي شكل من أشكالها.

2)يجب أن يحظر نقل السجناء في ظروف سيئة من حيث التهوية والإضاءة، أو بأية وسيلة تفرض عليهم عناء جسديا لا ضرورة له.

3)يجب أن يتم نقل السجناء على نفقة الإدارة، وأن تسود المساواة بينهم جميعا.

موظفو السجن

46-1)على إدارة السجون أن تنتقي موظفيها على اختلاف درجاتهم بكل عناية، إذ على نزاهتهم وإنسانيتهم وكفاءتهم المهنية وقدراتهم الشخصية للعمل يتوقف حسن إدارة المؤسسات الجزائية.

2)على إدارة السجون أن تسهر باستمرار على إيقاظ وترسيخ القناعة، لدى موظفيها ولدى الرأي العام، بأن هذه المهمة هي خدمة اجتماعية بالغة الأهمية، وعليها، طلبا لهذا الهدف، أن تستخدم جميع الوسائل المناسبة لتنوير الجمهور.

3)بغية تحقيق الأهداف السابقة الذكر، يعين موظفو السجون على أساس العمل طوال ساعات العمل المعتادة، بوصفهم موظفي سجون محترفين، ويعتبرون موظفين مدنيين يضمن لهم بالتالي أمن العمل دون أن يكون مرهونا إلا بحسن السلوك والكفاءة واللياقة البدنية. ويجب أن تكون الأجور من الكفاية بحيث تجتنب الأكفاء من الرجال والنساء، كما يجب أن تحدد مزايا احترافهم وظروف خدمتهم على نحو يراعي طبيعة عملهم المرهقة.

47-1)يجب أن يكون الموظفون على مستوى كاف من الثقافة والذكاء.

2)قبل الدخول في الخدمة، يعطى الموظفون دورة تدريبية على مهامهم العامة والخاصة، وعليهم أن يجتازوا اختبارات نظرية وعملية.

3)على الموظفين، بعد مباشرتهم العمل وطوال احترافهم المهنة، أن يرسخوا ويحسنوا معارفهم وكفاءتهم المهنية بحضور دورات تدريبية أثناء الخدمة تنظم عل فترات مناسبة.

48-على جميع الموظفين أن يجعلوا سلوكهم وأن يضطلعوا بمهامهم على نحو يجعل منهم قدوة طيبة للسجناء ويبتعث احترامهم لهم.

49-1)يجب أن يضم جهاز الموظفين، بقدر الإمكان، عددا كافيا من الأخصائيين كأطباء الأمراض العقلية وعلماء النفس والمساعدين الاجتماعيين والمعلمين ومدرسي الحرف.

2)يكفل جعل خدمات المساعدين الاجتماعيين والمعلمين ومدرسي المهن الحرة على أساس دائم، ولكن دون استبعاد العاملين لبعض الوقت أو العاملين المتطوعين.

50-1)يجب أن يكون مدير السجن على حظ واف من الأهلية لمهمته، من حيث طباعه وكفاءته الإدارية وتدريبه المناسب وخبرته.

2)وعليه أن يكرس كامل وقته لمهامه الرسمية، فلا يعين على أساس العمل بعض الوقت فحسب.

3)وعليه أن يجعل إقامته داخل السجن أو على مقربة مباشرة منه.

4)حين يوضع سجنان أو أكثر تحت سلطة مدير واحد، يكون عليه أن يزور كلا منهما أو منها في مواعيد متقاربة، كما يجب أن يرأس كلا من هذه السجون بالنيابة موظف مقيم مسؤول.

51-1)يجب أن يكون المدير ومعاونه وأكثرية موظفي السجن الآخرين قادرين على تكلم لغة معظم السجناء، أو لغة يفهمها معظم هؤلاء.

2)يستعان، كلما اقتضت الضرورة ذلك، بخدمات مترجم.

52-1)في السجون التي تبلغ من الاتساع بحيث تقتضي خدمات طبيب أو أكثر كامل الوقت، يجب أن تكون إقامة واحد منهم على الأقل داخل السجن أو على مقربة مباشرة منه.

2)أما في السجون الأخرى فعلى الطبيب أن يقوم بزيارات يومية، وأن يجعل إقامته على مقربة كافية من السجن بحيث يستطيع الحضور دون إبطاء في حالات الطوارئ.

53-1)في السجون المختلطة، المستخدمة للذكور والإناث معا، يوضع القسم المخصص للنساء من مبنى السجن تحت رئاسة موظفة مسؤولة تكون في عهدتها مفاتيح جميع أبواب هذا القسم.

2)لا يجوز لأي من موظفي السجن الذكور أن يدخل قسم النساء ما لم يكن مصحوبا بموظفة أنثى.

3)تكون مهمة رعاية السجينات والإشراف عليهن من اختصاص موظفات السجن النساء حصرا. على أن هذا لا يمنع الموظفين الذكور، ولا سيما الأطباء والمعلمين، من ممارسة مهامهم المهنية في السجون أو أقسام السجون المخصصة للنساء.

54-1)لا يجوز لموظفي السجون أن يلجئوا إلى القوة، في علاقاتهم مع المسجونين، إلا دفاعا عن أنفسهم أو في حالات محاولة الفرار أو المقاومة الجسدية بالقوة أو بالامتناع السلبي لأمر يستند إلى القانون أو الأنظمة. وعلى الموظفين الذين يلجأون إلى القوة ألا يستخدموها إلا في أدنى الحدود الضرورية وأن يقدموا فورا تقريرا عن الحادث إلى مدير السجن.

2)يوفر لموظفي السجن تدريب جسدي خاص لتمكينهم من كبح جماح السجناء ذوي التصرف العدواني.

3)لا ينبغي للموظفين الذين يقومون بمهمة تجعلهم في تماس مباشر مع السجناء، أن يكونوا مسلحين، إلا في ظروف استثنائية. وبالإضافة إلى ذلك لا يجوز، أيا كانت الظروف، تسليم سلاح لأي موظف ما لم يكن قد تم تدريبه على استعماله.

التفتيش

55-يجب أن يكون هناك تفتيش منتظم لمؤسسات السجون وخدماتها، يكلف به مفتشون مؤهلون ذوو خبرة تعينهم سلطة مختصة. وعلى هؤلاء المفتشين بوجه خاص واجب الاستيقان من كون هذه المؤسسات تدار طبقا للقوانين والأنظمة وعلى قصد تحقيق أهداف الخدمات التأديبية والإصلاحية.

الجزء الثاني : قواعد تنطبق على فئات خاصة

ألف ـ السجناء المدانون

مبادئ توجيهية

56-تهدف المبادئ التوجيهية التالية إلى تبيان الروح التي ينبغي أن يؤخذ بها في إدارة السجون والأهداف التي يجب أن تسعى إليها، طبقا للبيان الوارد في الملاحظة التمهيدية رقم 1 من هذا النص.

57-إن الحبس وغيره من التدابير الآيلة إلى عزل المجرم عن العالم الخارجي تدابير مؤسسية بذات كونها تسلب الفرد حق التصرف بشخصه بحرمانه من حريته. ولذلك لا ينبغي لنظام السجون، إلا في حدود مبررات العزل أو الحفاظ على الانضباط، أن يفاقم من الآلام الملازمة لمثل هذه الحال.

58-والهدف الذي يبرر عقوبة الحبس وغيرها من تدابير الحرمان من الحرية هو في نهاية المطاف حماية المجتمع من الجريمة. ولا سبيل إلى بلوغ مثل هذا الهدف إلا إذا استخدمت فترة الحبس للوصول، حتى أقصى مدى مستطاع، إلى جعل المجرم وهو يعود إلى المجتمع لا راغبا في العيش في ظل احترام القانون وتدبر احتياجاته بجهده فحسب، بل قادرا أيضا على ذلك.

59-وطلبا لهذه الغاية، ينبغي لنظام السجون أن يستعين بجميع الوسائل الإصلاحية والتعليمية والأخلاقية والروحية وغيرها وبجميع طاقات وأشكال المساعدة المناسبة المتاحة له، ساعيا إلى تطبيقها على هدى مقتضيات العلاج الفردي للسجناء.

60-1)ينبغي إذن لنظام السجون أن يلتمس السبل إلى تقليص الفوارق التي يمكن أن تقوم بين حياة السجن والحياة الحرة، والتي من شأنها أن تهبط بحس المسؤولية لدى السجناء أو بالاحترام الواجب لكرامتهم البشرية.

2)ومن المستحسن أن يعمد، قبل انتهاء مدة العقوبة، إلى اتخاذ التدابير الضرورية لكي تضمن للسجين عودة تدريجية إلى الحياة في المجتمع. وهذا هدف يمكن بلوغه ، تبعا للحالة، من خلال مرحلة تمهد لإطلاق سراح السجين تنظم في السجن نفسه أو في مؤسسة أخرى ملائمة أو من خلال إطلاق سراح تحت التجربة مع إخضاعه لضرب من الإشراف والرقابة لا يجوز أن يعهد به إلى الشرطة بل ينبغي أن يشتمل على مساعدة اجتماعية فعالة.

61-ولا ينبغي، في معالجة السجناء، أن يكون التركيز على إقصائهم عن المجتمع، بل ـ على نقيض ذلك ـ على كونهم يظلون جزءا منه. وعلى هذا الهدف ينبغي اللجوء، بقدر المستطاع، إلى المؤازرة التي يمكن أن توفرها هيئات المجتمع المحلي لمساعدة جهاز موظفي السجن على إعادة التأهيل الاجتماعي للسجناء. ويجب أن يكون هناك مساعدون اجتماعيون يتعاونون مع كل مؤسسة احتجاز وتناط بهم مهمة إدامة وتحسين كل صلات السجين المستعصية بأسرته وبالمنظمات الاجتماعية الجزيلة لفائدة. كما يجب أن تتخذ، إلى أقصى الحدود المتفقة مع القانون ومع طبيعة العقوبة، تدابير لحماية ما للسجين من حقوق تتصل بمصالحه المدنية وبتمتعه بالضمان الاجتماعي وغير ذلك من المزايا الاجتماعية.

62-وعلى الخدمات الطبية في مؤسسة السجن أن تحاول رصد أي علل أو أمراض جسدية أو عقلية لدى السجين، وأن تعالجها حتى لا تكون عقبة دون إعادة تأهيله. ويجب، على هذا الهدف، أن توفر للسجين جميع الخدمات الطبية والجراحية والنفسانية الضرورية.

63-1)أن الإنفاذ الكامل لهذه المبادئ يتطلب إفرادية المعالجة، وبالتالي يقتضي الأخذ بنظام مرن لتصنيف السجناء في فئات. وعلى ذلك يستصوب أن توزع هذه الفئات على مؤسسات منفصلة تستطيع كل فئة أن تجد فيها العلاج الذي يناسبها.

2)وليس من الضروري أن يتوفر في كل مؤسسة نفس القدر من متطلبات الأمن بالنسبة لكل فئة، بل أن المستصوب أن تتفاوت درجات هذا المن تبعا لاحتياجات مختلف الفئات، ولسجون المفتوحة الأبواب، بسبب كونها لا تقيم حواجز أمن مادية تحلو دون الهرب، بل تعتمد في ذلك على انضباط السجين نفسه، توفر، في حالة انتقاء السجناء المرشحين لهذه التجربة بعناية، أفضل الظروف مواتاة لإعادة تأهيلهم.

3)ويستصوب، في حالة السجون المغلقة الأبواب، ألا يكون عدد المسجونين في كل منها من الكثرة بحيث يعرقل إفرادية المعالجة. والرأي في بعض البلدان أنه لا ينبغي لهذا العدد في السجون المذكورة أن يتجاوز الخمسمائة أما في السجون المفتوحة الأبواب فيجب أن يكون عدد المسجونين صغيرا بقدر المستطاع.

4)على أنه ليس من المستصوب إقامة سجون تكون من فرط ضآلة الحجم بحيث لا يستطاع أن توفر فيها التسهيلات المناسبة.

64-ولا ينتهي واجب المجتمع بإطلاق سراح السجين. ولذلك ينبغي أن تكون هناك هيئات حكومية أو خاصة قادرة على أن توفر للسجين الذي استرد حريته رعاية ناجعة، تهدف إلى تخفيض مواقف العداء العفوية ضده وتسمح بتأهيله للعودة إلى مكانه من المجتمع.

المعالجة

65-إن الهدف من معالجة المحكوم عليهم بالسجن أو بتدبير مماثل يحرمهم من الحرية يجب أن يكون، بقدر ما تسمح بذلك مدة العقوبة، إكسابهم العزيمة على أن يعيشوا في ظل القانون وأن يتدبروا احتياجاتهم بجهدهم، وجعلهم قادرين على إنفاذ هذه العزيمة، ويجب أن يخطط هذا العلاج بحيث يشجع احترامهم لذواتهم وينمي لديهم حس المسؤولية.

66-1)وطلبا لهذه المقاصد، يجب أن تستخدم جميع الوسائل المناسبة، ولا سيما الرعاية الدينية في البلدان التي يستطاع فيها ذلك، والتعليم، والتوجه والتكوين على الصعيد المهني، وأساليب المساعدة الاجتماعية الإفرادية، والنصح في مجال العمالة، والرياضة البدنية وتنمية الشخصية، تبعا للاحتياجات الفردية لكل سجين، مع مراعاة تاريخه الاجتماعي والجنائي، وقدراته ومواهبه الجسدية والذهنية، ومزاجه الشخصي، ومدة عقوبته، ومستقبله بعد إطلاق سراحه.

2)ويجب أن يتلقى مدير السجن، بصدد كل واقد على السجن محكوم عليه بعقوبة طويلة بعض الطول، وفي أقرب موعد ممكن بعد وصوله، تقارير كاملة حول مختلف الجوانب المشار إليها في الفقرة السابقة، يتوجب دائما أن تشمل تقريرا يضعه طبيب، متخصص في الأمراض النفسانية إذا أمكن، حول حالة السجين الجسدية والذهنية.

3)توضع التقارير وغيرها من الوثائق المناسبة المتعلقة بالسجين في ملف فردي. ويجب أن يستكمل هذا الملف بكل جديد، وأن يصنف على نحو يجعل الموظفين المسؤولين قادرين على الرجوع إليه كلما طرأت حاجة إلى ذلك.

التصنيف الفئوي وإفرادية العلاج

67-تكون مقاصد التصنيف الفئوي:

أ)أن يفصل عن الآخرين أولئك المسجونون الذين يرجع بسبب ماضيهم الجنائي أو شراسة طباعهم، أن يكونوا ذوي تأثير ما عليهم؛

ب)أن يصنف المسجونون في فئات، بغية تيسير علاجهم على هدف إعادة تأهيلهم الاجتماعي.

68-تستخدم لعلاج مختلف فئات المسجونين، بقدر الإمكان، سجون مختلفة أو أقسام مختلفة في السجن الواحد.

69-يوضع من أجل كل سجين محكوم عليه بعقوبة طويلة بعض الطول، في أقرب وقت ممكن بعد وصوله وبعد دراسة شخصيته، برنامج علاج يتم إعداده في ضوء المعلومات المكتسبة حول احتياجاته الفردية وقدراته ومزاجه النفسي.

الامتيازات

70-تنشأ في كل سجن أنظمة امتيازات توائم مختلف فئات المسجونين ومختلف مناهج العلاج بغية تشجيع السجناء على سحن السلوك وتنمية حس المسؤولية لديهم وحفزهم على الاهتمام بعلاجهم والمؤازرة فيه.

العمل

71-1)لا يجوز أن يكون العمل في السجن ذات طبيعة مؤلمة.

2)يفرض العمل على جميع السجناء المحكوم عليهم، تبعا للياقتهم البدنية والعقلية كما يحددها الطبيب.

3)يوفر للسجناء عمل منتج يكفي لتشغيلهم طوال يوم العمل العادي.

4)يكون هذا العمل إلى أقصى الحدود المستطاعة، من نوع يصون أو يزد قدرة السجين على تأمين عيشه بكسب شريف بعد إطلاق سراحه.

5)يوفر تدريب مهني نافع للسجناء القادرين على الانتفاع به، ولا سيما الشباب.

6)تتاح للسجناء، في حدود ما يتماشى مع الاختيار المهني السليم ومتطلبات إدارة السجن والانضباط فيه، إمكانية اختيار نوع العمل الذي يرغبون القيام به.

72-1)يتم تنظيم العمل وطرائقه في السجن على نحو يقترب به بقدر الإمكان من الأعمال المماثلة خارج السجن، بغية إعداد السجناء لظروف الحياة العملية الطبيعية.

2)إلا أن مصلحة السجناء وتدريبهم المهني لا يجوز أن يصيرا خاضعين لمقصد تحقيق ربح مالي من وراء العمل في السجن.

73-1)يفضل أن تقوم إدارة السجن مباشرة، لا المقاولون الخاصون، بتشغيل مصانعه ومزارعه.

3)حين يستخدم السجناء في أعمال لا تخضع لسلطان الإدارة، يتوجب أن يكونوا دائما تحت إشراف موظفي السجن. وما لم يكن العمل لحساب إدارات حكومية أخرى، يتوجب على الأشخاص الذين يقدم لهم أن يدفعوا للإدارة كامل الأجر الذي يتقاضى عادة عنه، ولكن مع مراعاة إنتاجية السجناء.

74-1)تتخذ في مؤسسات السجون نفس الاحتياطات المفروضة لحماية سلامة وصحة العمال الأحرار.

2)تتخذ تدابير لتعويض السجناء عن إصابات العمل والأمراض المهنية، بشروط لا تكون أقل مواتاة من تلك التي يمنحها القانون للعمال الأحرار.

75-1)يحدد العدد الأقصى لساعات العمل اليوم ي والأسبوعي بالقانون أو بنظام إداري، مع مراعاة الأنظمة أو العادات المحلية المتبعة في مجال استخدام العمال الأحرار.

2)يشترط في تحديد الساعات المذكورة أن يترك وما للراحة الأسبوعية ووقتا كافيا للتعليم وغيره من الأنشطة المقتضاة كجزء من علاج السجناء وإعادة تأهيلهم.

76-1)يكافأ السجناء على عملهم وفقا لنظام أجور منصف.

2)يجب أن يسمح النظام للسجناء بأن يستخدموا جزءا على الأقل من أجرهم في شراء أشياء مرخص بها لاستعمالهم الشخصي وأن يرسلوا جزءا آخر منه إلى أسرتهم.

3)ويجب أن ينص النظام أيضا على احتجاز الإدارة لجزء من الأجر بحيث يشكل كسبا مدخرا يتم تسليمه للسجين لدى إطلاق سراحه.

التعليم والترفيه

77-1)تتخذ إجراءات لمواصلة تعليم جميع السجناء القادرين على الاستفادة منه، بما في ذلك التعليم الديني في البلدان التي يمكن فيها ذلك. ويجب أن يكون تعليم الأميين والأحداث إلزاميا، وأن توجه إليه الإدارة عناية خاصة.

2)يجعل تعليم السجناء، في حدود المستطاع عمليا، متناسقا مع نظام التعليم العام في البلد، بحيث يكون في مقدورهم، بعد إطلاق سراحهم، أن يواصلوا الدراسة دون عناء.

78-تنظم في جميع السجون، حرصا على رفاه السجناء البدني والعقلي، أنشطة ترويحية وثقافية.

العلاقات الاجتماعية والرعاية بعد السجن

79-تبذل عناية خاصة لصيانة وتحسين علاقات السجين بأسرته، بقدر ما يكون ذلك في صالح كلا الطرفين.

80-يوضع في الاعتبار، منذ بداية تنفيذ الحكم، مستقبل السجين بعد إطلاق سراحه ويشجع ويساعد على أن يواصل أو يقيم، من العلاقات مع الأشخاص أو الهيئات خارج السجن، كل ما من شأنه خدمة مصالح أسرته وتيسير إعادة تأهيله الاجتماعي.

81-1)على الإدارات والهيئات الحكومية أو الخاصة، التي تساعد الخارجين من السجن على العودة إلى احتلال مكانهم في المجتمع، أن تسعى بقدر الإمكان لجعلهم يحصلون على الوثائق وأوراق الهوية الضرورية، وعلى المسكن والعمل المناسبين، وعلى ثياب لائقة تناسب المناخ والفصل، وأن توفر لهم من الموارد ما يكفي لوصولهم إلى وجهتهم ولتأمين أسباب العيش لهم خلال الفترة التي تلي مباشرة إطلاق سراحهم.

2)يجب أن تتاح للممثلين الذين تعتمدهم الأجهزة المذكورة إمكانية دخول السجن والالتقاء بالسجناء، ويجب أن يستشاروا بشأن مستقبل السجين منذ بداية تنفيذ عقوبته.

3)يستصوب أن تكون أنشطة الهيئات المذكورة ممركزة أو منسقة بقدر الإمكان كي ينتفع بجهودها على أفضل وجه.

باء ـ المصابون بالجنون والشذوذ العقلي

82-1)لا يجوز احتجاز الشخص في السجن إذا ظهر أنه مختل العقل، بل يجب اتخاذ ترتيبات لنقله إلى مستشفى للأمراض العقلية بأسرع ما يمكن.

2)يوضع المصابون بأمراض أو ظواهر شذوذ عقلية أخرى تحت المراقبة والعلاج في مصحات متخصصة تحت إدارة طبية.

3)يوضع هؤلاء الأشخاص، طوال بقائهم في السجن، تحت إشراف طبي خاص.

4)على الإدارة الطبية أو النفسانية في السجون أن تكفل علاج جميع السجناء الآخرين الذين يحتاجون إلى مثل هذا العلاج.

83-1)من المستحسن أن تتخذ، بالاتفاق مع الأجهزة المختصة، تدابير لمواصلة العلاج النفساني للسجين ولتقديم مساعدة اجتماعية نفسانية له بعد إطلاق سراحه عند الضرورة.

جيم ـ الموقوفون والمحتجزون رهن المحاكمة

84-1)في الفقرات التالية تطلق صفة "متهم" على أي شخص تم توقيفه أو حبسه بسبب مخالفة لقانون العقوبات ووضع في عهدة الشرطة أو السجن ولكنه لم يحاكم ولم يحكم عليه بعد.

2)يفترض في المتهم أنه بريء ويعامل على هذا الأساس.

3)دون المساس بالقواعد القانونية المتعلقة بحماية الحرية الفردية أو التي تنص على الإجراءات الواجبة الاتباع إزاء المتهمين، يجب أن يتمتع هؤلاء بنظام معاملة خاص تحدد القواعد الواردة أدناه عناصره الأساسية.

85-1)يفصل المتهمون عن السجناء المحكوم عليهم.

3)يفصل المتهمون الأحداث عن البالغين، ويجب من حيث المبدأ أن يحتجزوا في مؤسسات منفصلة.

86)يوضع المتهمون في غرف نوم فردية، ولكن رهنا بمراعاة العادات المحلية المختلفة تبعا للمناخ.

87)للمتهمين إذا رغبوا في ذلك، في الحدود المتفقة مع حسن سير النظام في المؤسسة، أن يأكلوا ما يريدون على نفقتهم بأن يحصلوا على طعامهم من الخارج إما بواسطة الإدارة أو بواسطة أسرتهم أو أصدقائهم. فإذا لم يطلبوا ذلك كان على الإدارة أن تتكفل بإطعامهم.

88-1)يسمح للمتهم بارتداء ثيابه الخاصة إذا كانت نظيفة ولائقة.

2)أما إذا ارتدى ثياب السجن فيجب أن تكون هذه مختلفة عن اللباس الموحد الذي يرتديه المحكوم عليهم.

89)يجب دائما أن يعطى المتهم فرصة للعمل، ولكن لا يجوز إجباره عليه. فإذا اختار العمل وجب أن يؤجر عليه.

90ـ يرخص لكل متهم بأن يحصل، على نقته أو نفقة آخرين، وفي الحدود المتفقة مع صالح إقامة العدل ومع أمن السجن وانتظام إدارته، على ما يشاء من الكتب والصحف وأدوات الكتابة وغيرها من وسائل قضاء الوقت.

91ـ يرخص للمتهم بأن يزوره ويعالجه طبيبه أو طبيب أسنانه الخاص، إذا كان لطلبه مبرر معقول وكان قادرا على دفع النفقات المقتضاة.

92ـ يرخص للمتهم بأن يقوم فورا بإبلاغ أسرته نبأ احتجازه، ويعطى كل التسهيلات المعقولة للاتصال بأسرته وأصدقائه وباستقبالهم، دون أن يكون ذلك مرهونا إلا بالقيود والرقابة الضرورية لصالح إقامة العدل وأمن السجن وانتظام إدارته.

93ـ يرخص للمتهم، بغية الدفاع عن نفسه، بأن يطلب تسمية محام تعينه المحكمة مجانا حين ينص القانون على هذه الإمكانية، وبأن يتلقى زيارات محاميه إعدادا لدفاعه وأن يسلمه تعليمات سرية. وعلى هذا القصد يحق له أن يعطى أدوات للكتابة إذا طلب ذلك. ويجوز أن تتم مقابلات بين المتهم ومحاميه على مرمى نظر الشرطي أو موظف السجن، ولكن دون أن تكون على مرمى سمعه.

دال ـ السجناء المدنيون

94ـ في البلدان التي يجيز فيها القانون السجن من أجل الديون أو بقرار من المحكمة في أية دعوى أخرى غير جزائية، لا يجوز إخضاع المسجونين على هذا النحو لأية قيود أو لأية صرامة تتجاوز ما هو ضروري لضمان عدم هربهم وللحفاظ على الأمن. ويجب ألا تكون معاملتهم أقل يسرا من تلك الممنوحة للسجناء غير المحاكمين باستثناء أنه يمكن إجبارهم على العمل.

هاء ـ الأشخاص الموقوفون أو المحتجزون دون تهمة

95ـ دون الإخلال بأحكام المادة 9 من العهد الدولي الخاص بالحقوق المدنية والسياسية يتمتع الأشخاص الموقوفون أو المحتجزون دون توجه إليهم التهمة بذات الحماية التي يتضمنها الجزء الأول والفرع "جيم" من الجزء الثاني كذلك تنطبق عليهم الأحكام المناسبة من الفرع "ألف" من الجزء الثاني حيثما كان من الممكن أن يعود تطبيقها بالفائدة على هذه الفئة الخاصة من المحتجزين، شريطة ألا يتخذ أي تدبير يفترض ضمنا أن إعادة التعليم أو إعادة التأهيل يمكن على أي نحو أن يكونا مناسبين لأشخاص لم يدانوا بأية جريمة جزائية.

مجلة المرافعة

العمليات والالتزامات القانونية المنصبة على الأصل التجاري بيع ورهن الأصل التجاري:

ذ.عبد العاطي بوجمعة

محام لدى هيئة المحامين بأكادير

تمهيد:

تعريف الأصل التجاري:

أحجمت كثير من التشريعات عن تعريف الأصل التجاري ومرد ذلك أن وضع التعريفات هو عمل من أعمال الفقه والقضاء.

فالفقه عمد إلى تحديد مفهوم الأصل التجاري بالارتكاز على عناصره المعنوية والمادية المميزة لطبيعته.

وفي هذا الإطار فقد عرف كل من الفقيهين "ريبير" و"رولبو" الأصل التجاري "بأنه ملكية غير عادية تتجسد في حق التاجر في الزبائن المرتبطين بالمحل عن طريق العناصر اللازمة لاستثماره".

ويذهب كل من نهاد والأنطاكي وهما فقيهان سوريان على أن التعريف السابق ناقص لاعتماده على أحد العناصر الجوهرية المميزة المنظمة له ذلك ومنذ اللحظة التي يفتح فيها التاجر محلا لنفسه ويتخذ له عنوانا وشعارا ويعرض البضائع ويتلقى الزبائن يكون قد أسس لنفسه متجرا.

والمشرع المغربي وبخلاف ما كان عليه الأمر في ظهير 31/12/1914 فإن مدونة التجارة وفي مادتها 79 عرفت الأصل التجاري "على أنه مال منقول معنوي يشمل جميع الأموال المنقولة المخصصة لممارسة نشاط تجاري أو عدة أنشطة تجارية".

ومهما اختلفت التعريفات فإن الأصل التجاري وإن كان يتكون من عناصر مادية ومعنوية فإنه يشكل وحدة قائمة بذاتها تخضع لكل التصرفات القانونية أي أن الأصل التجاري يمكن أن يكون موضوع بيع أو رهن.

بعد هذه المقدمة التي كان لابد منها وإن كان الأصل التجاري بعناصره موضوع بعض العروض فإن الموضوع الذي سيتناوله هذا الغرض هو: بيع ورهن الأصل التجاري الشروط والآثار.

الفصل الأول:

بيع الأصل التجـاري

إذ كان ظهير 31/12/1914 أول قانون في الأقطار العربية بين الضمانات الممنوحة لبائع الأصل التجاري على الأصل المبيع ووضع شروط وكيفية ممارسة هذه الضمانات فإن القانون رقم 15.95 المنشور بالجريدة الرسمية عدد 4418 بتاريخ 03/10/1996 قد سار على نفس المنوال وأكد هذه الامتيازات وذلك بابتداعه لأحكام جديدة غير تلك الواردة في قانون الالتزامات والعقود والقانون التجاري ونخص بالذكر حق الامتياز الوارد على الأصل التجاري المبيع لفائدة بائعه على سائر الدائنين ولو كانوا مرتهنين وحق الفسخ الممنوح له كذلك وحق الأولوية على جميع الدائنين.

المبحث الأول:

انعقاد البيع: شروطه.

ينص الفصل 81 من مدونة التجارة على ما يلي: "يتم بيع الأصل التجاري أو تفويته وكذا تقديمه حصة في شركة أو تخصيصه بالقسمة أو بالمزاد بعقد رسمي أو عرفي ويودع ثمن البيع لدى جهة مؤهلة قانونا للاحتفاظ بالودائع وينص العقد على:

1 ـ اسم البائع وتاريخ عقد التفويت ونوعيته وثمنه مع تمييز ثمن العناصر المعنوية والبضائع والمعدات.

2 ـ حالة تقييد الامتيازات والرهون المقامة على الأقل.

3 ـ وعند الاقتضاء الكراء وتاريخه ومدته ومبلغ الكراء الحالي واسم وعنوان المكري.

4 ـ مصدر ملكية الأصل التجاري.

وبيع الأصل التجاري تنطبق عليه القواعد العامة لعقد البيع الواردة في قانون الالتزامات والعقود فلابد من توافر أركان عقد البيع من أهلية وحل ورضا وسبب

المطلب الأول: الأهلية.

إن بيع الأصل التجاري كغيره من التصرفات القانونية لابد ليكون صحيحا وتاما وأن يصدر عن شخص يتمتع بكامل أهليته.

وهنا تثور مشكلة القاصر المرشد أو القاصر المأذون له في التجارة.

فقانون الأحوال الشخصية بالمغرب في المادة يسمح لمن بلغ 18 سنة كاملة وظهرت عليه معالم النجابة والرشد أن يأذن له وليه أو الوصي عليه أو المقدم عليه بعد إذن القاضي في ممارسة التجارة والأعمال الناتجة عنها. كما أن الفصل 13 من مدونة التجارة نص على أنه يجب تقييد الإذن بالاتجار الممنوح للقاصر في السجل التجاري.

وهنا لابد من الإشارة ونحن بصدد الحديث عن الأهلية إلى أن مدونة التجارة وبخلاف ما كان عليه الأمر سابقا تناولت بعض أوجه الأهلية بالتفصيل والتوضيح.

*فهي منحت المرأة المتزوجة الحرية الكاملة لممارسة التجارة دون حاجة لموافقة زوجها بل ذهبت إلى حد اعتبار كل اتفاق مخالف يعتبر لاغيا (المادة 17).

وهذا ما يتماشى مع الشريعة الإسلامية إذ لا ولاية ولا وصاية في الإسلام للزوج على مال زوجته.

*أرجعت تحديد أهلية التاجر الأجنبي إلى قانون البلد الذي تم فيه إبرام العقد (المادة 15).

*اعتبرت أن الأجنبي غير البالغ لسن الرشد المنصوص عليه في القانون المغربي لا يجوز له ممارسة التجارة إلا بالإذن من رئيس المحكمة التي ينوي ممارسة التجارة في دائرتها ولو كان راشدا حسب قانون جنسيته.

وهذا الإذن كسابقه المتعلق بالقاصر يسجل بالسجل التجاري (المادة 16).

المطلب الثاني: المحل

محل العقد في بيع الأصل التجاري هو الثمن من جهة والأصل التجاري من جهة ثانية ويتفق الطرفان على تحديد الأشياء المبيعة في الأصل التجاري على قدر كاف من العناصر التي يتكون فيها.

وكما سبقت الإشارة إلى ذلك فالمادة 81 من المدونة حددت البيانات الواجب الإشارة إليها وتسجيلها في عقد البيع.

أما الثمن فهو المبلغ الذي يدفعه المشتري ثمنا للأصل التجاري ويتعين أن يحدد في عقد البيع ثمن كل من العناصر المادية والمعنوية التي يتكون منها الأصل التجاري بل أن المادة 81 المذكورة نصت على تمييز ثمن العناصر المعنوية والبضائع والمعدات.

المطلب الثالث: الرضا

الرضا هو اتفاق إرادتين حرتين على إحداث أثر قانوني تلتزمان به ولا يكفي وجود الرضا ليعتبر العقد مبرما ما بل لابد من أن يكون رضا الطرفين خاليا من أي عيب من عيوب الرضا المعروفة وهي: الغلط والإكراه والتدليس والغبن.

ولعل أهم العيوب التي توجد في الحياة العملية في عقد بيع الأصل التجاري والتي يمكن أن تلحق بإرادة أحد المتعاقدين فتجعل عقد البيع قابلا للإبطال هي الغلط والتدليس.

أما الإكراه والغبن فلا يكادان يوجدان، وحتى إذا وجد أي منهما فيصعب إثباته.

ويمكن تحديد حالات الغلط التي قد يقع فيها المشتري في:

ـ الغلط في حجم المعاملات.

ـ الغلط في نوع التجارة.

ـ الغلط في عقد الكراء وشروطه.

أما الغلط الذي يقع فيه البائع فلا يمكن تصوره إلا في حالة واحدة ألا وهي الغلط في شخص المشتري.

أما العيب الثاني المتعلق بالتدليس فلكي يحق لمن وقع فيه المطالبة بإبطال العقد عليه أن يثبت أن الحيل المستعملة من الجسامة بحيث لولاها لما تعاقد من جهة، وأن تكون هذه الحيل قد استعملت من الطرف المتعاقد أو شخص متواطئ معه من جهة ثانية.

المطلب الرابع: السبب.

إن سبب عقد بيع الأصل التجاري لا يخرج عن سبب العقد بصفة عامة وبالتالي يشترط في سببه ما يشترط في سبب بقية العقود.

وإذا كانت الشروط المذكورة سابقا تتعلق بعقد بيع الأصل التجاري والمتعاقدين فيه فإن مدونة التجارة قد تعرضت لعدة شروط أخرى ابتداء من المادة 81 إلى المادة 103.

ويمكن إجمال هذه الشروط فيما يلي:

وجوب إيداع نسخة من العقد الرسمي أو نظير من العقد العرفي لدى كتابة ضبط المحكمة التي يستغل في دائرتها الأصل التجاري وكل ذلك داخل أجل خمسة عشر يوما من تاريخ العقد.

يقوم كاتب الضبط بنشر المستخرج المقيد بالسجل التجاري في الجريدة الرسمية أو إحدى الجرائد المخول لها نشر الإعلانات.

ويجدد هذا النشر بسعي من المشتري بين اليوم الثامن والخامس عشر بعد النشر الأول.

وتجدر الإشارة إلى أن المدونة في مادتها 82 اعتبرت أن البيانات المذكورة في العقد إذا كانت غير صحيحة جاز للمشتري أن يطلب التصريح بإبطال العقد أو تخفيض الثمن.

وفي كلتا الحالتين أوجب على مقيم الدعوى أن يقيمها داخل أجل سنة من تاريخ إبرام العقد.

المبحث الثاني:

آثار البيع

بمجرد اتفاق الطرفين على العناصر الأساسية والبيانات الضرورية لصحة العقد ينعقد البيع ويحدث أثره الكامل بين طرفي العقد فتنتقل ملكية الأصل التجاري إلى المشتري ويلتزم هذا الأخير بدفع الثمن ويلتزم البائع بتسليم المبيع وضماناته.

المطلب الأول: نقل ملكية الأصل التجاري.

بمجرد انعقاد البيع يصبح من حق المشتري التصرف في الأصل التجاري الذي اشتراه بكل أنواع التصرفات المخولة له قانونا من بيع ورهن وكراء إلى غير ذلك.

إلا أنه ونظرا لطبيعة العناصر التي يتكون منها الأصل التجاري فإن إجراءات خاصة تتطلبها نقل ملكية كل عنصر من عناصره.

فالأثاث والبضائع مثلا تنقل ملكيتها بمجرد حيازتها والاسم التجاري والزبناء والعلاقة التجارية تنقل بمجرد إبرام العقد.

أما حق الكراء فلا ينقل إلى المشتري إلا بعد إشعار مالك العقار المؤسس عليه الأصل التجاري.

أما بقية العناصر الأخرى التي تحتاج إلى إذن خاص من السلطة الإدارية التي منحتها كرخصة النقل ورخصة المقاهي والملاهي والمطاعم ورخص التنقيب على المعادن فإن ملكيتها لا تنقل إلا بموافقة الجهة المختصة وعند موافقة هذه الجهة تعتبر ملكية هذه العناصر انتقلت إلى المشتري من تاريخ العقد.

المطلب الثاني: التزامات المشتري

إن عقد بيع الأصل التجاري يجعل على عاتق المشتري التزامات تجاه البائع ويمكن إجمال هذه الالتزامات فيما يلي:

ـ تسليم المبيع؛

ـ دفع الثمن؛

ـ دفع المصاريف.

فبمجرد إبرام البيع يصبح المشتري مالكا للأصل التجاري المبيع وبالتالي يتعين عليه أن يبادر إلى تسلمه وذلك بحيازة الأشياء المادية كالبضاعة والأثاث والأدوات، والعمل على شهر عقد البيع وتسجيله بالسجل التجاري التابع للمحكمة الابتدائية التي يقع الأصل التجاري في دائرتها القضائية.

أما الالتزام الثاني الذي هو دفع الثمن فإنه يتعين على المشتري دفع الثمن حسب ما هو وارد في العقد، وإذا لم يحدد في العقد أجل للدفع اعتبر أن الثمن يدفع معجلا (الفصل 577 من ق.ل.ع) أما إذا كانت كيفية أداء الثمن محددة في العقد كأن تكون لأجل أو على أقساط اعتبر العقد ناجزا والثمن أو ما بقي منه في ذمة المشتري.

والثمن في بيع الأصل التجاري وكما سبقت الإشارة إلى ذلك يحدد لكل من العناصر المادية والمعنوية على حدة.

أما الالتزام الثالث فإن مصروفات عقد البيع من كتابة وتسجيل ورسوم يتحملها المشتري وحده كما يتحمل مصروفات التمبر اللازمة لرسم الشراء وعليه أيضا مصروفات التغليف والشحن والإفراغ (الفصل 511 من ق.ل.ع).

المطلب الثالث: التزامات البائع.

إن عقد بيع الأصل التجاري من العقود التبادلية أي الملزمة للجانبين والتي تجعل التزامات متبادلة على عاتق كل واحد من المتعاقدين.

والالتزامات التي يضعها عقد بيع الأصل التجاري على عاتق البائع هي:

ـ الالتزام بتسليم الشيء المبيع،

ـ الالتزام بضمانه.

الالتزام بتسليم الشيء المبيع:

إن هذا الالتزام هو الالتزام المقابل لتسلم المشتري للشيء المبيع وبذلك فإنه بمجرد إبرام عقد البيع يتعين على البائع أن يسلم للمشتري الشيء المبيع.

وبما أن الأصل التجاري يتكون من عناصر مادية ومعنوية، فإن تسليم عناصره يختلف باختلاف نوعها فتسليم البضائع يتم بعرضها على المشترى ووضعها تحت تصرفه وإذا كانت مخازن فإن تسليمها يتم بتسليم مفاتيح المخزن للمشتري.

أما الالتزام الثاني الملقى على عاتق البائع والمتمثل في ضمان الشيء المبيع فإنه لا يخرج عن القاعدة المعروفة في كافة أنواع البيع ونخص بالذكر منها في هذا الخصوص ما جاء في الفصل 533 من ق.ل.ع. وهو الالتزام بالكف عن كل فعل أو مطالبة ترمي إلى التشويش على المشتري وحرمانه من المزايا التي كان له الحق في أن يعول عليها بحسب ما أعد له المبيع والحالة التي كان عليها وقت البيع.

بقي أن أشير في ما يتعلق بمدونة التجارة على أن هذه الأخيرة تناولت بيع الأصل التجاري ابتداء من المادة 81 إلى غاية المادة 103.

الفصل الثاني:

رهن الأصل التجـاري

إذا كان لمالك الأصل التجاري الحق في بيعه لسبب من الأسباب كأن يريد تغيير التجارة التي يمارسها أو الانتقال إلى جهة أخرى أو اعتزال التجارة نهائيا؛

فإنه قد يضطر إلى توسيع تجارته أو تنشيطها فلا يجد أمامه إلا الاقتراض وليست له أية ضمانة تشجع المقرض على قرض التاجر إلا أصله التجاري،

مما يحتم عليه رهنه مقابل المبالغ التي تسلمها من المقرض سواء كان شخصا عاديا أو اعتباريا كبنك من الأبناك مثلا؛

وبما أن الأصل التجاري وكما سبقت الإشارة هو عبارة عن منقول وأن رهن المنقول يتطلب نقل حيازته إلى الدائن المرتهن؛

فإن نقل هذه الحيازة فيه عرقلة لتسيير الأصل التجاري من طرف مالكه الذي أصبح مدنيا.

لهذا تدخل المشرع سواء في ظهير 31/12/1914 وكذلك في القانون رقم 95-15 المتعلق بمدونة التجارة الجديدة وابتدع رهنا شبيها بالرهن الرسمي يسمح للمدين الراهن بحيازة المرهون واستغلاله مع حفظ حق الدائن المرتهن على المرهون وذلك بتقييد هذا الرهن في السجل التجاري على غرار التقييد الممنوح للدائن المرتهن على العقار المحفظ وهذا ما نصت عليه الفقرة الثانية من المادة 106 من المدونة التي أكدت على أن رهن الأصل التجاري لا يخول للدائن المرتهن الحق في الحصول على الأصل التجاري مقابل ماله من ديون.

المبحث الأول:

شروط الرهن

إن رهن الأصل التجاري شأنه شأن بيع الأصل التجاري بحيث أنه يخضع لنفس الإجراءات التي سبق التطرق إليها في باب بيع الأصل التجاري ماعدا الإشهار بالجرائد.

وهذا ما أكدت عليه المادة 108 من المدونة التي نصت على أنه بعد التسجيل يثبت الرهن بعقد يحرر ويقيد كعقد البيع ولا يخضع هذا التقييد للنشر في الجرائد.

ولعل أهم الشروط التي يتطلبها رهن الأصل التجاري هي: الكتابة والتسجيل في السجل التجاري.

المطلب الأول: الكتابة.

يجب أن يوثق الرهن في عقد رسمي أو عرفي يتضمن هوية طرفي العقد وتاريخه وبيان العناصر التي يشملها الرهن.

وفي هذا الإطار نصت المادة 107 من المدونة على أنه لا يجوز أن يشمل رهن الأصل التجاري سوى العناصر المحددة في المادة 80 باستثناء البضائع.

وبالرجوع إلى المادة 80 المذكورة فإنها تتضمن جميع الحقوق المتعلقة بالأصل التجاري أدبيا كانت أو فنيا.

فهي تنص على أن الأصل التجاري يشمل الزبناء وسمعة تجارية والاسم التجاري والشعار والحق في الكراء والأثاث التجاري والمعدات والأدوات وبراءات الاختراع والرخص وعلامات الصنع والتجارة والخدمة والرسوم والنماذج الصناعية.

إلا أن المدونة في إحدى فقرات المادة 107 المذكورة اعتبرت أنه إذا لم يبين العقد محتوى الرهن بصفة صريحة ودقيقة فإن الرهن لا يشمل إلا الاسم التجاري والشعار والحق في الكراء والزبناء والسمعة التجارية.

المطلب الثاني: التسجيل في السجل التجاري

عقد رهن الأصل التجاري كعقد بيعه فلابد من تسجيله بالسجل التجاري ويتكرر هذا التسجيل بكتابة ضبط كل محكمة يوجد بدائرتها فرع من فروع الأصل التجاري المشمول بالرهن.

ويجدر التذكير على أن المادة 109 من المدونة أكدت على إنشاء الامتياز المترتب عن الرهن تحت طائلة البطلان بمجرد قيده في السجل التجاري بطلب من الدائن المرتهن داخل أجل 15 يوما تبتدئ من تاريخ العقد المنشأ للرهن.

المبحث الثاني:

آثار الرهــن

إذا سجل الرهن وفق الطريقة والشروط المذكورة أعلاه فإنه يعطي حق الأفضلية للدائن المرتهن في استيفاء دينه قبل غيره من الدائنين العاديين والدائنين المرتهنين الذين يجلوا رهنهم في تاريخ لاحق.

أما المرتهنون الذين سجلوا رهنهم في نفس اليوم فيكونوا متساويين في الأفضلية وهذا ما نصت عليه المادة 110 من المدونة حيث أكدت على أن مرتبة الدائنين المرتهنين تحدد فيما بينهم حسب تاريخ تقييدهم في السجل التجاري ويكون للدائنين المرتهنين المقيدين في يوم واحد نفس الرتبة.

وقبل أن أختم هذا العرض وأنا بصدد الحديث عن امتياز الدائنين المرتهنين لابد من الإشارة إلى الامتياز الذي خصت به المدونة بائع الأصل التجاري حيث أن هذا الأخير يتمتع بالأفضلية حتى على الدائنين المرتهنين شريطة أن يقيد امتيازه في السجل التجاري داخل أجل خمسة عشر يوما تبتدئ من تاريخ (المادتين 91-92).

مجلة المرافعة

رفض التبليغ

رفض التبليغ

(الفصل 39 من ق م م)

الأستاذ الحسن بويقين

الرئيس الأول لمحكمة الاستئناف بسطات

رغم أن أغلب أوراق التبليغ معيبة شكلا بل وموضوعا في معظم الأحيان، إلا أن الأطراف وخاصة من لهم المصلحة في التمسك ببطلان تلك الأوراق كثيرا ما لا يفطنون إلى ما فيها من عيوب، ولو تنبهوا إليها لكثرت الطعون أو على الأقل الدفوع بإبطال التبليغات، ولتعرضت حقوق المستفيدين من التبليغ للضياع، وتعرض القائمون بالتبليغ لعواقب المسؤولية المدنية ولربما المسؤولية الجنائية في بعض الحالات. ومن الإشكاليات التي تطرحها عملية التبليغ ما يواجه به أحيانا عون التبليغ من رفض التوصل سواء من طرف المراد إعلانه شخصيا أو من طرف من له الصفة نيابة عنه بحكم القانون، ورفض التبليغ بصفة عامة قد يكون في شكل امتناع عن التوصل بالإجراء بعد الإفصاح عن الهوية، وقد يكون في شكل الامتناع عن الإفصاح عن الهوية مع تعذر التثبت منها من طرف عون التبليغ، وقد اعتبرت بعض التشريعات رفض التوقيع باستلام الإجراء بمثابة رفض التبليغ عكس التشريع المغربي الذي يقرر بأن رفض التوقيع أو العجز عنه يعتبر تبليغا نظاميا وعلى العون أو السلطة المكلفة بالتبليغ الإشارة إلى ذلك والتوقيع على شهادة التسليم وإرجاعها إلى كتابة الضبط.

ومن أهم المشكلات العملية التي يطرحها رفض التوصل بالتبليغ، واختلف حولها العمل القضائي امتناع من وجده عون التبليغ بموطن المراد إعلانه عن الإدلاء باسمه أو صفته أو بهما معا، هل يمكن اعتبار هذا الموقف بمثابة رفض التوصل الذي يترتب عنه التبليغ الصحيح وفق مقتضيات الفصل 39 من ق م م أم أن مقتضيات هذا الفصل لا تسمح بالقول بهذا الاستنتاج ذلك ما سنحاول مناقشته في هذا الموضوع.

الامتناع عن الإفصاح عن الهوية أثناء التبليغ:

قد يكون رفض توصل الشخص الموجود بالموطن المراد إنجاز الإعلان فيه في شكل الامتناع عن الإفصاح عن الهوية مما يحول دون معرفة ما إذا كانت للمخاطب معه صفة في استلام التبليغ أم لا، وهذا الامتناع قد يشمل فقط عدم ذكر الاسم مع الإفصاح عن الصفة وهي الحالة الغالبة في الحياة العملية، والتي ترتب عنها نوع من التضارب في العمل القضائي بالمغرب كما سنرى، وقد يشمل الامتناع الاسم والصفة معا، وإذا كانت التشريعات لم تنظم إشكالية رفض الإفصاح عن الهوية عند التبليغ فإن ذلك راجع إلى أن من الخطوات الأساسية التي يجب على عون التبليغ القيام بها بعد التأكد من موطن المراد إعلانه البدء بسؤال من وجد به عن اسمه وصفته إذ بالاسم يمكن التثبت من الصفة وبالصفة يمكن التثبت من صلاحية أو عدم صلاحية الشخص المخاطب في استلام الإجراء، ويترتب عن ذلك أنه بدون الإفصاح عن الاسم والصفة لا يجوز تسليم التبليغ لمن وجد بموطن المراد إعلانه إذ يعد ذلك بمثابة عدم وجود أحد يصح له قانونا تسلم الإعلان بالموطن، ولا ينبغي للمكلف بالتبليغ الإصرار على معرفة اسم وصفة الموجود بموطن المراد إعلانه لما في ذلك من تدخل في شؤون الأفراد الخاصة فضلا عن أن النصوص القانونية المنظمة لعملية التبليغ لا تسمح له بذلك، ولا يجب الخلط بين ما ذكر، ومبدأ مسؤولية صاحب الموطن عمن يوجد به إذ هذا المبدأ يعني أنه عندما ينتقل عون التبليغ إلى موطن المراد إعلانه ويجد به شخصا ادعى أن له الصفة في استلام الإعلان نيابة عن المعلن إليه، وصرح بتلك الصفة وباسمه وسلمه العون الورقة القضائية فإن هذا التبليغ يكون صحيحا دون أن يترتب عن ذلك بطلان التبليغ ولا مسؤولية القائم به إذا ما ثبت عدم صحة الإعلان المتمثل في انعدام صفة من تسلم الإجراء، بخلاف ما إذا امتنع عن التصريح باسمه وصفته فلا يمكن القول باعتبار ذلك بمثابة رفض التبليغ إذ أن هذا الرفض لكي يعتبر تبليغا صحيحا يجب أن يصدر عن الطرف، أو من له الصفة في استلام الإعلان وهذا لا يتأتى إلا بالإدلاء بالاسم والصفة من طرف الشخص المخاطب معه بالموطن المراد إنجاز الإعلان فيه.

وفي موضوع الامتناع عن الإفصاح عن الهوية قضت محكمة النقض المصرية بأنه إذا كان امتناع من يوجد من الأشخاص في موطن المطلوب إعلانه من ذكر اسمه أو صفته التي تميزه. له استلام الصورة هو بمثابة عدم وجود من يصح قانونا تسليم الورقة إليه فإنه إذا امتنع المخاطب معه عن ذكر اسمه فلا يبطل الإعلان إغفال المحضر إثبات صفة الشخص، إذ لا جدوى من إثبات الصفة ما دام أنه لا يمكن التثبت منها متى كان الاسم غير معلوم ولا يكون للمحضر في هذه الحالة إلا أن يسلم الورقة لجهة الإدارة، وإذ خالف الحكم المطعون فيه هذا النظر وقضى ببطلان إعلان المطعون عليه بالصورة التنفيذية للحكم المنفذ به استنادا إلى خلو الإعلان من ذكر صفة المخاطب معها رغم أنها امتنعت من ذكر اسمها فإنه يكون قد أخطأ في تطبيق القانون(1).

وذهبت محكمة الاستئناف العليا البحرينية إلى أن الإدلاء بالاسم وحده دون ذكر الصفة يجعل التبليغ مخالفا للقانون إذ قضت، بأن التبليغ الذي تم لمن تدعى فائزة محمد عبد الله، وخلت الأخضارية من بيان صفتها وما إذا كانت من أقارب المعلن إليه الذين يقيمون معه في معيشة واحدة يكون تبليغا مخالفا للقانون، وبالتالي باطلا...(2).

ولكن ما موقف المشرع المغربي من المبادئ السابقة؟ وبعبارة أخرى في حالة رفض الإفصاح عن الاسم والصفة أو أحدهما أثناء محاولة إنجاز التبليغ هل يعد بذلك بمثابة رفض التوصل المعتبر بمثابة تبليغ صحيح بعد مرور أجل 10 أيام على تاريخ الرفض أم أن الامتناع عن الإدلاء بالاسم والصفة يعد بمثابة عدم وجود من يصح التبليغ إليه؟

بالرجوع إلى مقتضيات الفصل 39 من ق م م (فقرة 4) والتمعن فيها يتبين أنها تشترط الرفض الذي يعتبر توصلا صحيحا أن يصدر عن الطرف أو الشخص الذي له الصفة في استلام الاستدعاء ومعلوم أن نعت الشخص بالطرف يستوجب أن يكون معلوم الهوية ولا يتأتى ذلك إلا بمعرفة اسمه ولقبه وما يثبت أنه الشخص المستهدف من التبليغ، وامتناعه عن الإفصاح عن هويته مع تعذر التثبت منها من طرف المكلف بالتبليغ يفتقد معه رفض التوصل أحد شروطه الأساسية، ولا يمكن اعتباره بالتالي توصلا صحيحا.

كما تشترط نفس المقتضيات أن يكون من صدر عنه رفض التوصل ذا صفة في استلام الاستدعاء، والصفة لا تثبت إلا بالتصريح بها في حالة تعذر التثبت منها من طرف عون التبليغ، وعلى فرض التصريح بها فلابد من الإدلاء بالاسم إذ به يمكن التثبت من الصفة عند المنازعة فيها، ولذا نميل إلى القول بأن مقتضيات الفصل 39 من ق م م تستوجب لاعتبار رفض التوصل تبليغا صحيحا الإدلاء بالهوية بالنسبة للطرف المراد إعلانه والتصريح بالاسم والصفة بالنسبة للشخص الذي يصح التبليغ إليه بالموطن نيابة عن المراد إعلانه، هذا ما لم تكن هناك قرائن يمكن التثبت بواسطتها من الصفة المصرح بها من طرف المخاطب معه بالموطن كصدور الرفض من الأب أو الأم أو الزوج أو الابن أو البنت أو الزوجة بحيث لا يمكن أن يكون للمرء إلا أب واحد وأم واحدة وللمرأة زوج واحد، كما لا يكون للشخص سوى زوجة واحدة في حالة عدم إثبات التعدد، كما قد لا يكون للمعلن إليه سوى ابن واحد أو بنت واحدة ففي كل هذه الحالات إذا صرح الموجود بالموطن بصفته ورفض التوصل والإفصاح عن اسمه اعتبر ذلك بمثابة توصل صحيح متى تأكدت المحكمة من تلك الصفة ولو لم يصرح باسمه إذا التثبت من الصفة في كل تلك الحالات غير متوقف على الإدلاء بالاسم.

لكن ما موقف القضاء المغربي من إشكالية رفض الإفصاح عن الاسم والصفة؟

موقف العمل القضائي من إشكالية الامتناع عن ذكر الاسم والصفة:

ينقسم العمل القضائي بشأن مشكلة امتناع من وجد بموطن المراد تبليغه عن ذكر اسمه أو صفته إلى اتجاهين:

1 ـ الاتجاه الأول:

يشترط هذا الاتجاه لاعتبار الرفض بمثابة تبليغ صحيح أن يصدر عن شخص معلوم الهوية بتصريحه باسمه وصفته للتثبت من صلاحيته لاستلام الإجراء موضوع التبليغ فإذا رفض الإفصاح عن هويته، اعتبر ذلك بمثابة عدم وجود من يصح تسليم التبليغ إليه، ومن أمثلة القرارات الصادرة في هذا الاتجاه قرار المجلس الأعلى عدد 617 الذي جاء فيه:" حقا تبين من مراجعة وثائق الملف والقرار المطلوب نقضه صحة ما عابه الطاعن عليه ذلك أن الطاعن أثار أن التبليغ غير قانوني لأن من امتنع عن تسليم طي التبليغ لم تكتب هويته حتى يمكن التأكد من كونه ضمن الأشخاص المنصوص عليهم في الفصل 39 من ق م م، الذين يعتبر توصلهم محل المعني بالأمر توصلا قانونيا بعد عشرة أيام من تاريخ الرفض غير أن المحكمة ردت على دفعه بما لخص في الوسيلة أعلاه.

أن المحكمة المصدرة للقرار باعتبارها طي التبليغ الذي يحمل امتنعت بنته من التوصل بمثابة التوصل بعد عشرة أيام مطبقة مقتضيات الفصل 39/3 من ق م م مع أن طي التبليغ لم يحمل هوية البنت الممتنعة حتى نتأكد من علاقتها بالمعني بالتبليغ، وبالتالي صفتها، واعتبار التوصل حاصلا بعد العشرة أيام الموالية لتاريخ الامتناع قد جعلت قضاءها غير معلل ومطبقا مقتضيات الفقرة الثالثة من الفصل 39 من ق م م تطبيقا غير سليم لأنها تتعلق بمن عرفت هويته وبالتالي عرضته للنقض(3).

وفي نفس السياق جاء في قراره عدد 572 ما يلي: يجب أن تتضمن شهادة التسليم بيان اسم من سلم له الاستدعاء، فلا يكفي الإشارة إلى أن عائلة المعني بالتبليغ رفضت تسلم الاستدعاء، لهذا تكون المحكمة قد خرقت الفصل 39 من ق م م لما اعتبرت شهادة تبليغ الحكم الابتدائي التي ورد فيها أن عائلة المعني بالأمر رفضت تسلم الطي، ورتبت على ذلك التصريح بعدم قبول الاستئناف لوقوعه خارج الأجل(4).

وجاء في قرار آخر بأن رفض الشخص الذي يقدم له الطي إعطاء اسمه لعون التبليغ ليس من بين الحالات الواردة في الفصل 39 من ق م م التي يعتبر فيها الرفض تبليغا صحيحا لأن مقتضيات هذا الفصل تقتضي ضرورة تعيين الشخص الذي تسلم الطي بتسجيل هويته الكاملة بشهادة التسليم(5).

وجاء في قرار آخر للمجلس الأعلى " أنه يتضح من وثائق الملف الابتدائي أن الطالبة استدعيت بجلسة 2/3/1987، وأرجعت شهادة التسليم بملاحظة اسم مجهول بشركة صوفاك وحسب قول ممثل الشركة، والذي صرح بأنه ينقص الاسم واللقب، وبالنسبة للاستدعاء المتعلق بجلسة 6/4/1987 أرجعت شهادة التسليم بملاحظة لا يوجد هذا الاسم بشركة صوفاك حسب قول كاتبة الشركة التي امتنعت عن ذكر اسمها، وأن الطالبة رغم إثارتها لهذا الدفع أمام محكمة الاستئناف لم تجب عليه، وأن عدم جوابها يجعل قرارها قد خرق الفصل 39 من ق م م، وعرضته للنقض"(6).

ويبدو أن الغرفة الجنائية بالمجلس الأعلى كانت تسير على نفس النهج حيث جاء في أحد قراراتها أن التبليغ الذي يقع للغير بموطن إليه إذا كانت شهادة التسليم لا تتضمن ما يوضح هوية هذا المتسلم يكون التبليغ غير صحيح(7).

2 ـ الاتجاه الثاني:

يكتفي هذا الاتجاه بتصريح من يخاطبه عون التبليغ بموطن المراد إعلانه بصفته كخادم أو قريب أو من الساكنين مع المعني بالتبليغ، وإن لم يفصح عن اسمه حيث يعتبر ذلك بمثابة رفض التوصل الذي يعد تبليغا صحيحا في اليوم العاشر الموالي لتاريخ الرفض، ومما جاء في أحد قرارات المجلس الأعلى في هذا الصدد "حيث لئن كان الفصل 39 من ق م م يقضي بصيغة الوجوب على ضرورة تضمين شهادة التسليم توقيع الطرف المبلغ إليه أو توقيع الشخص الذي تسلمها في موطنه، فإن الفقرة الرابعة من نفس الفصل تنص على أنه إذا رفض الطرف أو الشخص الذي له الصفة تسلم الاستدعاء أشير إلى ذلك في الشهادة، وتضيف الفقرة الخامسة... ويعتبر الاستدعاء مسلما تسليما صحيحا في اليوم العاشر الموالي للرفض من الطرف أو الشخص الذي له الصفة في تسلم الاستدعاء، وبالرجوع إلى شهادة التسليم يتضح منها أن عون التبليغ أشار فيها إلى أن أخت المعني بالأمر رفضت التسليم والتوقيع كما رفضت الإدلاء باسمها، وأن القرار المطعون فيه لما اعتبر هذا الرفض بمثابة التبليغ الصحيح طبق مقتضيات الفصل 39 من ق م م تطبيقا سليما ولم يخرق أي مقتضى(8).

وجاء في قرار آخر "بأن المحكمة استندت فيما عللت به قرارها على ما دونه مأمور التبليغ من أن خادم المطلوب في النقض امتنع عن تسليم الظرف وذكر اسمه، واعتبرت ذلك تبليغا قانونيا طبقا للفصل 39 من ق م م مشيرا إلى أن التبليغ قامت به جهة رسمية، ولا يمكن الطعن فيه إلا بالزور مما يجعل قرارها معللا بما فيه الكفاية، ومرتكزا على أساس"(9).

ويبدو أن الغرفة الاجتماعية بالمجلس الأعلى بدورها تسير على هذا النهج حيث ورد في أحد قراراتها ما يلي:" حيث إنه ثبت من وثائق الملف (شهادة التسليم المتعلقة بجلسة 20/12/1995) أن المحكمة الابتدائية وجهت الاستدعاء للطاعنة، وضمن العون في شهادة التسليم أن الحارس امتنع عن تسليم الاستدعاء وعن التوقيع، وبالتالي فإن الحكم الابتدائي المؤيد بالقرار المطعون فيه لم يخرق حق الدفاع"(10).

ويلاحظ أن هذا الاتجاه هو السائد لدى القسم المدني الرابع الذي أصبح بعد إحداث المحاكم التجارية يكون القسم الأول للغرفة التجارية بالمجلس الأعلى، وكذا القسم المدني الخامس الذي أصبح بدوره يشكل حاليا القسم الثاني للغرفة التجارية، كما تسير على نفس النهج الغرفة الاجتماعية، ولذا فلا غرابة إذا وجدنا بعض محاكم الموضوع تعتنق نفس الاتجاه فقد ورد في أحد قرارات محكمة الاستئناف بسطات ما يلي:

"وحيث أن تضمين شهادة التسليم لرفض والدة المعني بالأمر التوصل والتوقيع ليس من شأنه أن يؤثر على صحة التبليغ حسب ما استقر عليه المجلس في العديد من قراراته منها القرار عدد 3933/90 بتاريخ 17/12/1990 الذي جاء فيه لما أثار المبلغ في محضر التبليغ أن التبليغ وقع بتاريخ 20/11/1987، وأن والدة المعني بالأمر رفضت حيازة الطي، والإدلاء باسمها، ولم يطعن المطالب في هذا المحضر الرسمي بأي طعن قانوني مما يكون معه التبليغ موافقا للفصول 37 و38 و39 من ق م م وفي قرار آخر بتاريخ 16/11/1993 تحت عدد 268 جاء فيه أن الإشارة إلى صفة الأم تغني عن بيان اسمها مما يكون معه التبليغ صحيحا"(9).

تقييم الاتجاهين:

إذا كان الاتجاه الأول يتفق وما عليه العمل القضائي المقارن، ويسير في نفس الوقت مع التفسير الصحيح لظاهر مقتضيات الفصل 39 من ق م م التي تفيد كما بينا سابقا أن رفض التوصل بالتبليغ لا يعتبر تبليغا صحيحا إلا إذا صدر من الطرف أو الشخص الذي له الصفة في استلام الإجراء، وبديهي أن الطرف وكذا من له الصفة في الاستلام لا يمكن التأكد من صلاحيتها في استلام التبليغ إلا بالإدلاء بهويتهما بواسطة ذكر الاسم الكامل، فإن الاتجاه الثاني يعتبر كرد فعل على تعنت بعض المتعاملين مع الإجراءات القضائية بسوء نية، وكمحاولة للحيلولة دون عرقلة أولئك لتوصل ذوي الحقوق إلى حقوقهم خاصة وأن يتعذر في كثير من الأحيان على المكلف بالتبليغ التثبت بوسائله الخاصة من هوية من يجده بموطن المراد إعلانه فضلا عن أنه لا يجوز له المبالغة في ذلك حتى لا يتدخل في الشؤون الخاصة للأفراد فيكون معرضا للمساءلة إلا أن الاتجاه الثاني يخالف مقتضيات الفصل 39 المذكور ويتعارض مع المنطق ذلك أنه بدون الإدلاء بالاسم لا يمكن التثبت من الصفة إلا في حالات خاصة كما سبقت الإشارة إلى ذلك مثل تصريح الممتنع من التبليغ إليه بصفته كأب أو أم أو زوج إذ لا يتصور أن يكون للمرء سوى أب واحد وأم واحدة كما لا يتصور شرعا أن يكون للزوجة سوى زوج واحد، في حين يتصور أن يكون للمراد إعلامه أكثر من خادم أو قريب أو زوجة، ولابد من ذكر اسم من رفض من هؤلاء التوصل بالإجراء حتى يكون التبليغ إليهما صحيحا لذا نميل إلى تأييد الاتجاه الأول الذي يستوجب الإفصاح عن الاسم والصفة معا.

الهوامش:

(1)نقض بتاريخ 31/05/1979 طعن رقم 934 س 46 ف أنور طلبة الموسوعة ص: 186 وكذا أحمد مليجي التعليق على المرافعات ص: 261 ونقض بتاريخ 2/12/1987 طعن رقم 571 بسنة 52 ف أحمد هندي الإعلان القضائي طبعة 1999 ص: 179.

(2)قضية رقم 1636/م/84 بتاريخ 5/3/85 المجلة العربية للفقه والقضاء، الأمانة العامة لمجلس وزراء العدل العرب عدد 3 أبريل 1986.

(3)بتاريخ 6/3/91 ملف مدني عدد 4496/88 غير منشور.

(4)بتاريخ 23/3/1983 قضاء المجلس الأعلى عدد 35-36 ص 11.

(5)قرار مدني عدد 442 بتاريخ 25/2/1987 ملف مدني عدد 129/96 مجلة المحاكم المغربية عدد 49 ص 48.

(6)قرار عدد 2466 بتاريخ 29/2/1993 ملف مدني عدد 237/89 غير منشور وفي هذا السياق صدر قرار آخر بتاريخ 18/7/1963 قضى بإلغاء قرار محكمة الاستئناف بالرباط لعد ثبوت هوية مستلم التبليغ، عمل كتابة الضبط ندوات 81/1982 ص 269.

وكذا قراره عدد 16 بتاريخ 28/2/1977 ملف اجتماعي عدد 57794 نفس المرجع ص: 358.

وقرار عدد 188 بتاريخ 15/3/1978 ملف اجتماعي عدد 5580 نفس المرجع ص: 359.

(7)قرار عدد 104 بتاريخ 5/1/1994 ملف مدني عدد 897 القسم المدني الرابع غير منشور.

(8)قرار عدد 2621 2621 بتاريخ 20/06/1994 القسم المدني الرابع غير منشور.

ومن نفس المعنى قرار آخر عدد 283 بتاريخ 30/01/1991 عبد العزيز توفيق، التنظيم القضائي الجزء الأول ص 151 وقرار بتاريخ 9/12/1998 ملف مدني عدد 382 القسم المدني الخامس غير منشور وقرار عدد 3933 بتاريخ 17/12/1990 ملف مدني عدد 3051/89 عبد الله العبدوني مسطرة بطلان إجراءات التبليغ مداخلة ألقيت في اليوم الدراسي حول الإصلاح القضائي لسنة 1974 بعد مرور ربع قرن أقامته محكمة الاستئناف بالرباط بالمعهد الوطني للدراسات القضائية.

(9)قرار عدد 802 بتاريخ 28/7/1998 ملف اجتماعي عدد 658 /97 غير منشور.

(10)قرار بتاريخ 26/04/2000 ملف عقاري عدد 2551/99/3 غير منشور.

مجلة المرافعة

مرة واحدة فقط لممارسة الطعون

من إعداد: النقيب الطيب بن لمقدم

محام بهيئة الرباط (الخميسات)

إن الطعون ضد الأحكام والقرارات القضائية بجميع أنواعها من طعون عادية وطعون غير عادية وطعون استثنائية

(1),

لا تمارس أمام القضاء إلا مرة واحدة, سواء في ظل التشريع الذي لا يسمح بأكثر من مرة واحدة للطعن (/) أو في ظل الاجتهاد القضائي الذي كرس هذه القاعدة في مختلف الطعون (//).

(/) ممارسة الطعون مرة واحدة تشريعا:

فبالرغم من أن المشرع المغربي في قانون المسطرة المدنية أورد نصا يتيما على هذا المنع بشأن ممارسة طرق الطعن وهو الفصل 133 من قانون المسطرة في ما يخص عدم قبول تعرض جديد من الشخص المتعرض الذي حكم عليه غيابيا مرة ثانية, إلا أنه يمكن الإشارة في هذا الصدد إلى أن هذه القاعدة اتسعت دائرتها نوعا ما بصور قانون المسطرة الجنائية الجديد

(2)

بحيث ورد النص على هذه القاعدة في مجال الطعن بالتعرض حيث نصت الفقرة 5 من المادة 394 منه على أنه لا يقبل التعرض على الحكم بناء على تعرض سابق, وكذلك وردت القاعدة بشأن الطعن بالنقض في المادة 531 من نفس القانون حيث جاء فيها أنه لا يمكن لأي سبب ولا بناء على أية وسيلة للطرف الذي سبق رفض طلبه الرامي إلى النقض, أن يطلب من جديد نقض نفس القرار.

وفي مجال التشريع المقارن نلاحظ أن تشريع بعض الدول العربية قد وسعت من دائرة هذه القاعدة... فالتشريع المصري نص في المادة 247 من قانون المرافعات المدنية على أن الحكم الذي يصدر برفض الالتماس أو الحكم الذي يصدر في موضوع الدعوى بعد قبوله لا يجوز الطعن في أيهما بالالتماس. ونص في المادة 272 من نفس القانون على أنه لا يجوز الطعن في أحكام محكمة النقض بأي طريق من طرق الطعن.

أما التشريع السوري فقد حذا حذو التشريع المصري بشأن توسيع هذه القاعدة, فنص في المادة 249 من قانون أصول المحاكمات المدنية على أنه لا يجوز طلب إعادة المحاكمة بشأن الحكم الذي يصدر برفض طلب إعادة المحاكمة أو الحكم في موضوعه.

(//) ممارسة الطعون مرة واحدة قضاءا:

هذا وأن القضاء كرس هذه القاعدة بالنسبة لمختلف طرق الطعن: كالطعن بالاستئناف والطعن بالنقض والطعن بإعادة النظر والطعن بتعرض الغير الخارج عن الخصومة والطعن بالاستئناف الفرعي. يومكن تطبيق هذه القاعدة على سبيل القياس بالنسبة لباقي أنواع الطعون الأخرى كالطعن بالاستئناف المقابل والطعن بالإحالة في قضاء الجماعات والمقاطعات, والطعن بالإحالة على المجلس لتجاوز القضاة سلطاتهم, والإحالة لمخالفة الحكم للقانون أو لقواعد المسطرة...

1-في الطعن بالاستئناف:

في قرر صادر عن المجلس الأعلى بتاريخ 23/2/1977 قرر فيه من أن طرق الطعن في الأحكام لا تمارس إلا مرة واحدة وأضاف فيما يخص الطعن بالاستئناف أن الشخص الذي خسر الطعن بالاستئناف في حكم بسبب عدم احترام شروط القبول ـ عدم بيان أسباب الاستئناف ـ لا يجوز له أن يعود إلى استئناف نفس الحكم من جديد بمقال مستوفي للشروط, والمحكمة عندما تقبل استئناف حكم سبق التصريح بعدم قبول استئنافه تكون قد خرقت قاعدة جوهرية تتعلق بممارسة طرق الطعن في الأحكام

(3).

كما قرر المجلس الأعلى من أن عدم جواز الطعن بالاستئناف مرة ثانية مشروطة بما إذا كانت هناك وحدة الطعنين شكلا وموضوعا

(4).

وتجدر الملاحظة في هذا الخصوص أن المجلس الأعلى خالف قاعدة عدم جواز الطعن مرة ثانية بخصوص الطعن بالاستئناف, وذلك عندما قرر ولاحظ عدم تبليغ الحكم المطعون فيه بالاستئناف للمرة الأولى, كما لاحظ أن الطعن بالاستئناف مرة أخرى يقدم ضد من كان خصما له في مرحلة الاستئناف الأول,' حيث جاء قراره كما يلي: "لكن حيث تبين من تنصيصات القرار أنه ليس في الملف ما يفيد تبليغ الحكم المستأنف إلى المستأنف لذا فإن أجل الاستئناف يبقى مفتوحا في وجهه إلى أن تنصرم مدة ثلاثين يوما من تاريخ التبليغ طبقا للفصل 134 من قانون المسطرة المدنية, وما دام أن التبليغ طبقا للفصل 134 من قانون المسطرة المدنية قدم داخل أجله القانوني من كان خصما له في الدعوى, لهذا تكون محكمة الاستئناف عندما قضت بقبول الاستئناف قد طبقت الفصل 134 م.م. ولم تخرقه

(5).

2- في الطعن بالنقض:

وفي الطعن بالنقض فإنه بالرغم من عدم وجود أي نص يمنع تقديم عدة طلبات للنقض من نفس الطرف مادام القرار المطعون فيه لم يبلغ بعد, وما دام لم يصدر بعد أي قرار عن المجلس بخصوصه (6) فإن المجلس الأعلى قرر من أن الطرف الذي رفع إلى المجلس الأعلى طلبا بالنقض يستنفذ حقه في استعمال هذه الطريقة من طرق الطعن ولا يجوز له تقديم طلب آخر بالنقض ضد نفس الحكم (7). كما قرر أيضا وفي هذا الخصوص من أن الطعن بالنقض لا يكون إلا مرة واحدة, ويكون الطلب من أجل النقض مرة أخرى تكرارا للطلب الأول المعرض لعدم القبول (8).

وفي نفس هذا الاتجاه سار قرار المجلس الأعلى عدد 4525 بتاريخ 1/7/1998

(9).

3- في الطعن بإعادة النظر:

وفي ما يتعلق بالطعن بطريقة إعادة النظر فإنه لا يمكن ممارسة دعوى إعادة النظر إلا مرة واحدة ولا يجوز قبول إعادة النظر في قرار صادر عن المجلس الأعلى برفض طعن سابق بإعادة النظر لأن القرارات الصادرة من المجلس الأعلى في إعادة النظر لا تقب الطعن لانعدام نص يجيز ذلك (10).

هذا وإن كل من القضاء المصري والسوري لهما نفس التوجه بشأن قاعدة عدم جواز الطعن بالتماس إعادة النظر بالتماس إعادة النظر مرة ثانية, حيث قضت محكمة النقض المصرية من أن قاعدة عدم جواز الطعن بالتماس إعادة النظر في الحكم الذي سبق الطعن فيه بهذا الطريق هي قاعدة عدم جواز الطعن فيه بهذا الطريق هي قاعدة أساسية واجبة الاتباع على إطلاقها ولو يجر بها نص خاص في القانون, وتقوم على أصل جوهري من قواعد المرافعات يهدف إلى استقرار الأحكام ووضع حد للتقاضي

(11). وفي قرار آخر لها جاء فيه من أن ما تقتضي به المادة 247 من قانون المرافعات من أن الحكم الذي يصدر برفض الالتماس وكذلك الحكم الذي يصدر في موضوع الدعوى بعد قبول الالتماس للقواعد العامة (12) وقضت محكمة النقض السورية من أن إعادة المحاكمة طريق استثنائية من طرق الطعن لا يسوغ سلوكها ثانية ولو ظهرت أسباب جديدة جواز تعدد طريقة الطعن عن ذات الحكم

(13).

4- في الطعن بتعرض الغير الخارج عن الخصومة:

أما بالنسبة للطعن بتعرض الغير الخارج عن الخصومة فإن القضاء المغربي في بداية الأمر كان اتجاهه هو السماح بالطعن عدة مرات, على أساس أن الفصل 203 من قانون المسطرة المدنية لا يشترط أن يكون هذا الحكم الذي مس بحقوق الغير قد سبق أن تعرض عليه شخص آخر, فلكل من لم يكن طرفا في الدعوى أن يتعرض على الحكم الذي مس بحقوقه ولا يمنع من ممارسة هذا الحق أن يكون قد سبق أحد من الأغيار إلى ممارسته (14). ولكن المجلس الأعلى في قرار حديث له قرر فيه: زنه لا يجوز أن يرد طعن على طعن احتراما لاستقرار الحقوق والمراكز القانونية للطرفين... وذلك أن محكمة الاستئناف مصدرة القرار المطعون فيه التي قضت بعدم قبول طلب تعرض الغير الخارج عن الخصومة بعدما ثبت لها أن الطاعن سبق له أن تقدم بطلب آخر ضد نفس انتهى بعدم قبول الطلب لعدم إرفاقه بالوصل المثبت لإيداع مبلغ الغرامة في حده الأقصى عملا بالفصل 304 من ق.م.م. تكون قد سايرت المبدأ المذكور, اعتبارا منها على أن سبب عدم قبول طلب التعرض الأول راجع لإهمال الطاعن مما لا يجوز معه فسح المجال له ممارسة الطعن على نفس القرار المطعون فيه, فأتى قرارها معللا بما فيه الكفاية ومرتكزا على أساس قانوني سليم (15).

5-

في الطعن بالاستئناف الفرعي:

وفي الطعن بالاستئناف الفرعي قررت محكمة الاستئناف بالدار البيضاء بتاريخ 16/12/1999 من أن الطعن لا يمارس إلا مرة واحدة ومن تم فإنه لا يسوغ تقديم الاستئناف الفرعي بعد تقديم الاستئناف الأصلي

(16).

هذا وأنه يمكن اعتماد هذه القاعدة أيضا على القياس بشأن باقي الطعون الاستثنائية, كالطعن بالاستئناف المثار والطعن باستئناف مستأنف عليه على مستأنف عليه

(17),

والطعن بالإحالة بالنسبة لأحكام قضاء الجماعات والمقاطعات (ف,20 من ظ 15/1974 المتعلق بتنظيم محاكم المقاطعات وتحديد اختصاصاتها) والطعن بإحالة الأحكام على المجلس الأعلى من طرف الوكيل العام وكذا بأمر من وزير العدل (ف.381 و 382 من ق.م.م.).

النقيب الطيب بن لمقدم

الخميسات في 05/09/2004

الهوامش

(1)

انظر كتابي الطعون المدنية في التشريع المغربي ج 1 مطبعة ديديكو سلا 1996 ص 7 وما بعدها.

(2) قانون رقم 22/01 الصادر بتاريخ 03/10/2002 (ج.ر. 5078 بتاريخ 30/01/2003 ص 315 وما بعدها.

(3) قرار ع 141 مجلة المحاماة عدد 13 ص 130.

(4) قرار تاريخ 9/3/1994 مجلة الإشعاع عدد 11 ص 107.

(5) قرار ع 2527/87 منشور في كتاب د. أحمد زوكاعي. تنازع القوانين من خلال بعض الأحكام الصادرة عن المجلس الأعلى طبع ونشر مكتبة دار السلام 5 بالرباط 1998 ص 138 وما بعدها.

(6) قرار المجلس الأعلى ع 661 بتاريخ 31/5/1988 مجلة المحاكم المغربية عدد 62 ص 86.

(7) قرار ع 74 بتاريخ 31/3/1972 مجلة المحاكم المغربية عدد 62 ص 86.

(8) قرار المجلس الأعلى ع 3744 بتاريخ 17/6/1997 مجلة رسالة المحاماة عدد 15 ص 88.

(9) مجلة قضاء المجلس الأعلى عدد 56 ص 124.

(10) قرار المجلس الأعلى بتاريخ 25/11/1978 مجلة المحاكم المغربية 22 أكتوبر ـ نوفمبر 81 ص 67.

(11) نقض 22/1/77 طعن 385 س 42 ق.ذ. أنور طلبة بالاستئناف والتماس إعادة النظر دار المطبوعات الجامعية الإسكندرية 77 ص 630.

(12) نقض 21/12/1977 طعن 13 س 46 ق. أنور طلبة م.س.ص 630.

(13) نقض مدني أساس 452 قرار 330 بتاريخ 13/6/1963 قاعدة رقم 1127 ذ. أديب استانبولي قانون 13 أصول المحاكمات المدنية دار الأنوار للطباعة دمشق 1989 ص278.

(14) قرار المجلس الأعلى ع 1995 بتاريخ 25/6/1990 مجلة قضاء المجلس الأعلى عدد 46 ص20.

(15) قرار المجلس الأعلى ع 1205 بتاريخ 29/10/2003 المجلة المغربية لقانون الأعمال والمقاولات عدد 5

ص 108.

(16)

قرار ع 11888 مجلة المحاكم المغربية عدد 84 ص 173.

(17) للمزيد من التفاصيل حول الاستئنافيات العارضة يراجع كتابنا أبحاث وتعاليق قانونية مطبعة النجاح الجديدة الرباط 89 ص 233.

المصدر مجلة المرافعة

الفصل الثالث : الطبيعة القانونية للقرارات الصادرة عن قاضي تطبيق العقوبات

إن تحديد الطبيعة القانونية للقرارات التي يصدرها قاضي تطبيق العقوبات وقوتها الإلزامية ، سواء من حيث حجيتها أو طرق بالطعن المتعلقة بها، يقتضي ابتداء بيان خصائص هذه القرارات (أ) وأنواعها (ب) ليتأتى لنا بعد ذلك مناقشة إمكانية الطعن فيها(ج ).

أ / خصائص القرارات الصادرة من قاضي تطبيق العقوبات :

إن قانون المسطرة الجنائية جاء خاليا من أية إشارة في هذا الشأن، غير أن ما ورد في الفقرة الأخيرة من المادة 640 من أن وكيل الملك لا يأمر أعوان القوة العمومية بإلقاء القبض على المدين "إلا بعد صدور قرار بالموافقة على ذلك، عن قاضي تطبيق العقوبات "يسعفنا على الأقل في القول بأن ما يصدر عن قاضي تطبيق العقوبات يسمى قرارا وليس حكما .

كما أن الانطلاق من الكيفية المسطرية العملية التي يمارس بها قاضي تطبيق العقوبات اختصاصاته ، وكذا نموذج القرار الصادر عنه الذي أعدته وزارة العدل في هذا الشأن ، يسعف في بيان الخصائص التالية :

1- أنه قرار يصدر عن جهة قضائية .

لكون قاضي تطبيق العقوبات يعين من بين قضاة المحكمة الابتدائية (المادة 599

من ق .م .ج )، لذلك فإنه يخضع لبعض شكليات وبيانات الأحكام القضائية ، ومن ذلك :

ـ صدوره باسم جلالة الملك

ـ يجب أن يكون معللا سواء كان بتطبيق الإكراه البدني أو بعدم تطبيقه .

ـ يجب أن يكون وقعا من طرف القاضي والكاتب .....

2- أنه قرار يصدر مسألة غير نزاعية :

وبالتالي فهو لا ينشئ ولا يقرر حقا لطرف معين، ولا تأثير له على المراكز القانونية

لأطراف المقرر القضائي موضوع مسطرة الإكراه البدني، ومترتب على ذلك :

ـ صدور قرار قاضي تطبيق العقوبات في إطار مسطرة غير تواجهية وفي غيبة الأطراف

ـ عدم جواز إدلاء الأطراف بمذكرات أو أوجه دفاع أمام قاضي تطبيق العقوبات ، لأنه يضطلع بوظيفة المراقبة وليس البت في النزاعات ، وبالتالي فلا جدوى من طرح المذكرات أمامه، وكذلك لأن المنازعات التي قد تثار أمام قاضي تطبيق العقوبات تعتبر منازعات سابقة لأوانها، لكونها إما تتعلق بصحة إجراءات الإكراه البدني والحال أن هذه الإجراءات لم تستوف بعد، كما أنها ستكون موضوع مراقبة من قبل قاضي تطبيق العقوبات، وإما أن ترتبط بنزاعات عارضة تستلزم تأويلا وهو ما يخرج عن نطاق اختصاص قاضي تطبيق العقوبات ويرجع للمحكمة المصدرة للمقرر القضائي، وكذلك لأن العوارض الشكلية أو الموضوعية لمسطرة الإكراه البدني يرجع لقاضي تطبيق العقوبات إمكانية إثارتها تلقائيا، ومن ثم فلا محل لتدخل الأطراف في هذه المرحلة من المسطرة . وأن القول بغير ذلك سيضعنا أمام أوضاع إجرائية في غاية التعقيد، ومن ذلك :

- هل المسطرة شفوية أم كتابية ومن تم ضرورة الاستعانة بالمحامي من عدمها .

- مراعاة حقوق الدفاع من عدمها وما يدخل ضمنها من منح المهل للجواب والتعقيب والرد .

- هل يمكن لقاضي تطبيق العقوبات الحكم بعدم الاختصاص في حالة ما إذا تمت المنازعة أمامه في مدة الإكراه المحددة في المقرر المراد تنفيذه ، مادام أن هذه الصلاحية ترجح للمحكمة المصدرة للمقرر المراد تنفيذه المادة 643 ، 599 ، 600 من ق .م .ج ؟

- هل يمكن الطعن في قرار قاضي تطبيق العقوبات بإعادة النظر في حالة إغفال البت في أحد الطلبات، هل يمكن تجريح قاضي تطبيق العقوبات في حالة ثبوت أحد أسباب التجريح؟ وهل يعتبر ذلك مانعا يخول رئيس المحكمة تعيين من ينوب عنه، رغم أن المشرع في المادة 596 لم يتحدث إلا عن المانع المادي حيث نص على أنه "إذا حدث مانع لقاضي تطبيق العقوبات حال دون قيامه بمهامه" والحال أنه لا يبت، وبالتالي ينتفي موجب التجريح؟

- هل يمكن لقاضي تطبيق العقوبات تأجيل إصداره لقراره في حالة الإدلاء لديه بما يفيد الطعن (بالطعون غير العادية ) في المقرر موضوع مسطرة الإكراه أو بما يفيد الطعن بالزور في شهادة العوز أو الإغفاء من الضريبة المدلى بها من طرف المدين ..؟، وغيرها من المسائل التي يطول عرضها، والتي لا نضن أنها تحقق غاية المشرع من إقرار الرقابة القبلية على مسطرة الإكراه البدني،

- اقتصار رقابة قاضى تطبيق العقوبات على الوثائق المتضمنة بالملف كما أحيل من طرف وكيل الملك، دون غيرها من الوثائق التي قد يدلي بها الأطراف ، غير أنه يجب الإشارة إلى أنه بإمكان وكيل الملك الإدلاء بوثائق أخرى بعد إحالة الملف على قاضي تطبيق العقوبات مادام أن هذا الأخير لم يصدر قراره بعد .

3 - أنه قرار يشكل ركنا أساسيا في تطبيق مسطرة الإكراه البدني :

على الأقل بالنسبة للديون الخاضعة في استخلاصها لقانون المسطرة الجنائية ،وهذا ما يبرز بوضوح من خلال ما نص المشرع في المادة 640 من ق .م .ج . على أنه "لا يمكن تطبيق الإكراه البدني في جميع الأحوال ولو نص عليه مقرر قضائي، إلا بعد موافقة قاضي تطبيق العقوبات ..." كما نص في الفقرة الأخيرة من نفس المادة على أن وكيل الملك لا يأمر "أعوان القوة العمومية بإلقاء القبض على الشخص المطلوب تطبيق الإكراه البدني في حقه، إلا بعد صدور قرار بالموافقة على ذلك عن قاضي تطبيق العقوبات"، ويستثنى من هذه الموافقة الحالة المنصوص عليها في المادة 641 من ق .م .ج . وذلك عندما يكون المدين المطلوب إكراهه ما يزال معتقلا وأصبح الحكم الصادر في حقه مكتسبا لقوة الشيء المقضي (29) ويترتب على ذلك أن تطبيق الإكراه البدني رهين بالأساس بصدور قرار بالموافقة من قاضي تطبيق العقوبات تحت طائلة عدم صحة إجراءات الإكراه البدني.

ولقد أثيرت في هذا الصدد مسألة في بالغ الأهمية ، وهو مد ى إلزامية موافقة قاضي تطبيق العقوبات في حالة المدين المطلوب إكراهه الصادرة في حقه مذ كرة بحث قبل دخول قانون المسطرة الجنائية الجد يد حيز التنفيذ :

أعتقد أنه ليس هناك من ضرورة قانونية تفرض إلزامية الحصول على موافقة قاضي تطبيق العقوبات بالنسبة لطلبات الإكراه البدني التي استوفيت إجراءاته التي كانت محددة في المادة 680 من قانون المسطرة الجنائية الملغى (توجيه إنذار . طلب اعتقال )، وصدر أمر بإلقاء القبض على المدين ، ثم مذكرة بحث عنه بعد تعذر إلقاء القبض عليه من طرف الضابطة القضائية ، وكل ذلك قبل دخول المقتضيات الجديدة حيز التنفيذ أي قبل فاتح أكتوبر2003، وذلك للاعتبارات التالية :

ـ لأن الإجراءات المسطرية التي كانت واجبة قانونا ثم إنجازها قبل دخول القانون الجديد حيز التنفيذ، وأننا دخلنا في مرحلة تنفيذ الإكراه البدني بعد صدور أمر بالاعتقال الذي لا يكون في ظل الوضع الراهن إلا بعد صدور قرار بالموافقة - وبذلك نكون قد تجاوزنا مرحلة الإجراءات .

ـ أن استلزام ضرورة موافقة قاضي تطبيق العقوبات ، يعني بالتبعية استلزام ضرورة الإدلاء بما يثبت عدم إمكانية التنفيذ على أموال المدين ، الذي يتوجب قانونا على قاضي تطبيق العقوبات التثبت من توفره ، تحت طائلة عدم قبول طلب تطبيق الإكراه البدني، ومادام أن هذا الشرط لم يكن واجبا في ظل القانون القديم ، فإن جميع ملفات الإكراه سيكون مآلها عدم القبول لهذه العلة ، اللهم إلا إذا بادر طالبي الإكراه إلى ممارسة إجراءات التنفيذ على الأموال قبل إلقاء القبض على المدينين .

ـ أن اشتراط موافقة قاضي تطبيق العقوبات في هذه الحالة سيفضي إلى إعادة إجراءات صحيحة ، ذلك أن صدور قرار بالموافقة عن قاضي تطبيق العقوبات يوجب على السيد وكيل الملك إصدار أمر جديد بالإيداع في السجن تطبيقا للمادة 640 من ق .م .ج التي تنص في فقرتها الأخيرة على أنه "لا يأمر وكيل الملك أعوان القوة العمومية بإلقاء القبض على الشخص المطلوب تطبيق الإكراه البدني إلا بعل صدور قرار بالموافقة على ذلك عن قاضي تطبيق العقوبات. .." وهو ما يعتبر مخالفة واضحة للمادة 754من ق .م .ج . التي قضت على أنه " تبقى إجراءات المسطرة التي أنجزت قبل تاريخ تطبيق هذا القانون صحيحة ولا داعي لإعادتها"، وبالتالي فما دام الأمر بالاعتقال المنجزة على ضوئه مذكرة البحث صحيحا، فلا داعي لإعادته ، ومن ثم لا حاجة لموافقة قاضي تطبيق العقوبات .

ب /- أنواع القرارات التي يصدرها قاضي تطبيق العقوبات :

يصدر قاضي تطبيق العقوبات ثلاثة أنواع من القرارات :

1/-

قرار بتطبيق الإكراه البدني

2/- وقرار بتطبيق الإكراه البدني مع تحديد المدة

3/- وقرار بعدم تطبيق الإكراه البدني.

1-

القرار بتطبيق الإكراه البدني : ويصدر هذا القرار بعد تأكد قاضي تطبيق العقوبات من استيفاء الملف، للأحكام الإجرائية والموضوعية للإكراه البدني، وانتفاء أي مانع من الموانع المقررة قانونا ، فهذا القرار لا يشكل إضافة إجرائية نوعية في مسطرة الإكراه البدني، وإنما يقتصر فقط على التصريح بمطابقة الإجراءات المتخذة من قبل طالب الإكراه

للمقتضيات المنصوص عليها قانونا.

2/-

القرار بتطبيق الإكراه البدني مع تحديد مد ة الإكراه : ويصدر هذا القرار في نطاق المادة 999 من ق .م .ج ، التي تنص على أنه " يحدد قاضي العقوبات مدة الإكراه البد ني المتعلقة بالمد ين المطلوب الإكراه في حقه و في حالة الحكم بتضامن المدينين، وتراعي في ذلك حصة المد ين المعني بالأمر من الد ين "، وتثار بخصوص هذا القرار مسألتين على جانب كبير من الأهمية .

ـ الأولى:

وهي هل اختصاص قاضي تطبيق العقوبات بتحديد مدة الإكراه البدني إنما ينحصر فقط في الحالة التي يكون فيها طلب الإكراه البدني يتعلق بأحد المدينين المتضامنين دون الباقي كما قد يفهم من خلال اشتراط المشرع ضرورة مراعاة حصة "المدين المعني بالأمر"؟ أم يشمل حتى الحالة التي يكون فيها طلب الإكراه البدني يهم كل المدينين المتضامنين؟

إن الارتباط بالمعنى الحرفي لنص المادة 644 أعلاه ، يسعف في ترجيح الاحتمال الأول ، إلا أن مراعاة غاية المشرع في إسناد هذه الصلاحية لقاضي تطبيق العقوبات، وتجاوزا للمشاكل التي كان يطرحها الفراغ التشريعي بخصوص هذه المسألة في قانون المسطرة الجنائية السابق ، حيت كان وكيل الملك هو الذي يقوم بهذه المهمة ، لكون المحكمة المصدرة للمقرر المراد تنفيذه لا تختص إلا إذا كانت مدة الإكراه غير محددة، أوهناك منازعة في هذا التحديد، وهو الأمر غير الوارد في حالة المدينين المتضامنين المحددة في حقهم جميعا مدة الإكراه ، وإعمالا لقاعدة أنه (لا تضامن في الإكراه البدني)، نرى أن اختصاص قاضي تطبيق العقوبات يتحقق حتى في الحالة التي يكون فيها طلب الإكراه البدني موجها ضد كل المدينين المتضامنين ، حيت يحدد مدة الإكراه الخاصة بكل مدين اعتبارا لحصته من الدين ، وهو الأمر الذي تبرز فعاليته في الديون المدنية، حيت يتعدد الكفلاء وتختلف المبالغ موضوع الكفالة ...

ـ الثانية :

وهي أن عددا كبيرا من المقررات القضائية التي يؤسس عليها طلب الإكراه البدني، في حق أحد المدينين المتضامنين ، حازت قوة الشيء المقتضى به قبل دخول قانون المسطرة الجنائية الجديد حيز التنفيذ، بالتالي فهي تتضمن مدد إكراه أطول من المدد المنصوص عليها في قانون المسطرة الجنائية الساري المفعول ، وذلك إما صراحة بتحديد مدة الإكراه ، وإما ضمنيا بتحديدها في الأدنى، ففي هذه الحالة، هل يراعى قاضي تطبيق العقوبات في تحديده لمدة الإكراه في حق المد ين المتضامن ء المد ة التي كانت سارية في ظل القانون الذي صدرت فيه المقررات القضائية المطلوب على ضوئها الإكراه ، أم يأخذ بعين الاعتبار المدة المحددة في القانون النافذ المفعول عند إصداره لقراره ؟

إن التقيد بمبدأ عدم رجعية القوانين ، يقتضي تطبيق المدد المنصوص عليها في القانون القديم، والذي صدرت المقررات القضائية وحازت قوة الشيء المقضي به في ظله، والقول بغير هذا سيفرغ المبدأ المذكور من مدلوله القانوني، وسيؤول إلى تعديل جميع المقررات القضائية الباتة المحددة لمدة الإكراه البدني، والحال أن من القواعد المسلم بها في أحكام التنفيذ، أن القوة التنفيذية للأحكام القضائية لا يجوز تعديلها أو تغييرها إلا عبر طرق الطعن الممكنة قانونا، أومن خلال العفو بنوعيه الخاص والشامل .

وينبني على هذا التحليل :

ـ أنه لا مجال للتمسك بمبدأ الأثر الفوري للمقتضيات القانونية الإجرائية ، لأن الأثر الفوري إنما يشمل فقط القضايا التي لازالت رائجة ، والمراكز القانونية التي لم تنته بعد، ولا أثر له على الأوضاع التي نشأت وانتهت في ظل القانون القديم، كما أنه من المعلوم كذلك أن التطبيق الفوري للمقتضيات المسطرية الجديدة مشروط كذلك بعدم الإضرار بالحقوق المكتسبة للأطراف في ظل القانون القديم ، ولعل هذا ما يفسر ما جاء في المادة 754. من ق م .ج . من أنه تبقى إجراءات المسطرة التي أنجزت قبل تاريخ تطبيق هذا القانون صحيحة ولا داعي لإعادتها"، والفقرة الثانية من المادة 755 من ق م .ج . من أن "المقررات الصادرة قبل تاريخ دخوله (أي ق .م .ج ) حيز التطبيق تظل خاضعة من حيت الطعون وآجالها للمقتضيات المضمنة في القوانين المنسوخة.

ـ أنه لا محل لتطبيق مقتضيات المادة 6 من القانون الجنائي بخصوص القانون الأصلح للمتهم ، والتي تنص على أنه "في حالة وجود عدة قوانين سارية المفعول، بين تاريخ ارتكاب الجريمة والحكم النهائي بشأنها، يتعين تطبيق القانون الأصلح للمتهم" ، لكون المادة المذكورة إنما تهم العقوبة والحال أن الإكراه البدني ليس عقوبة ، وإنما وسيلة من وسائل الإجبار على التنفيذ، شأنه في ذلك شأن الغرامة التهديدية ، كما تهم المتهم والحال أن المكره بدنيا ليس متهما، كما تشترط وجود قانونين موضوعيين ساريي المفعول، في حين أننا أمام قانون واحد ساري المفعول ،......

3. القرار بعدم تطبيق الإكراه البدني : ويصدر هذا القرار في الحالة التي يتأكد فيها قاضي تطبيق العقوبات من وجود مانع من موانع الإكراه ، أو تخلف أحد الشروط الشكلية .

ج / الطعن في القرارات الصادرة عن قاضي تطبيق العقوبات :

واضح من خلال الخصائص التي بيناه أعلاه ، للقرارات الصادرة عن قاضي تطبيق العقوبات أن الطبيعة القانونية لهذه القرارات ، تتراوح بين الطابع القضائي الولائي (كقرار صادر عن جهة قضائية )، وبين الطابع الإجرائي (باعتبارها إجراء من إجراءات الإكراه البدني )، بحيث يبرز الطابع الإجرائي أكثر في القرارين المتعلقين بتطبيق الإكراه البدني، وبتطبيق الإكراه البدني مع تحديد المدة ، في حين يغلب الطابع القضائي في القرار بعدم تطبيق الإكراه البدني، لتمحوره حول عنصر التعليل أكثر، وهو الأمر الذي ينعكس على مستوى التصور القانوني لإمكانية الطعن في هذه القرارات ، وبالتالي التساؤل حول إمكانية الطعن في قرارات قاضي تطبيق العقوبات استقلالا عن باقي إجراءات الإكراه البد ني؟

وبهذا الخصوص، وانطلاقا مما خلصنا إليه حول الطبيعة القانونية للقرارات الصادرة عن قاضي تطبيق العقوبات، فإنه يتعين في اعتقادنا التمييزبين نوعي القرارين الصادرين عن قاضي تطبيق العقوبات؟ بتطبيق الإكراه البدني أو عدم تطبيقه ، وهكذا :

1/ فإذا تعلق الأمر بقرار بتطبيق الإكراه البدني، أو بتطبيق الإكراه البدني مع تحديد المدة، فإننا نميل إلى تأكيد عدم قابليتها لأي طعن استقلالا عن الطعن في باقي إجراءات الإكراه البدني، وذلك للاعتبارات التالية :

مراعاة لصبغة النظام العام التي تلحق المقتضيات الجنائية الإجرائية والموضوعية ، والتي من مقتضاها أنه لا طعن ألا بنص ، ولا وجود لنص يجيز إمكانية الطعن في القرارات الصادرة عن قاضي تطبيق العقوبات .

أن قرار قاضي تطبيق العقوبات بتطبيق مسطرة الإكراه البدني، ما هو إلا إجراء جديد من إجراءات مسطرة الإكراه البدني، وبالتالي فهو يخضع من حيت المنازعة فيه لنفس مسطرة المنازعة في باقي إجراءات مسطرة الإكراه البدني.

أن المشرع حدد الجهات التي لها صلاحية البت في المنازعات المتعلقة بمسطرة الإكراه البدني، وهي رئيس المحكمة الابتدائية لمحل اعتقال أو إلقاء القبض على المدين، إذا تعلق الأمر بمنازعة في صحة إجراءات الإكراه البدني، كعدم توجيه إنذار للمدين أو لكون المقرر القضائي مطعون فيه بأحد طرق الطعن غير العادية ، أو لتوفر المدين على ما يحجز...، (المادة 643 من ق .م .ج )(30)،

والمحكمة المصدرة للحكم المراد تنفيذه إذا تعلق الأمر بنزاع عارض يستلزم تفسيرا ، كما إذا تم تحديد مدة الإكراه البدني في أكثر من الحد الأقصى أو تم إغفال تحديد مدة الإكراه ، أو لوجود منازعة في سن المحكوم عليه ..،(المواد 599. 600. 643) (31)، ومن المعلوم أن المنازعة المحتملة في قرار قاضي تطبيق العقوبات بتطبيق الإكراه البدني، لن تخرج عن هذا الإطار، وبالتالي فإن الطعن يتم أمام هذه الجهات بحسب نوع المنازعة ، أما إذا انصبت المنازعة على القرار الصادر عن قاضي تطبيق العقوبات نفسه، بسبب بعض الاختلالات التي تعتريه ، كتضمينه اسما غير اسم المدين المطلوب ضده الإكراه ، أو لكون مدة الإكراه التي حددت في حق المدين المتضامن تتجاوز الحد الأقصى أو لا تتناسب كليا مع حصته من الدين...، ... فإن اختصاص البت في هذه المنازعة يرجع لنفس الجهتين أعلاه بحسب نوع الإخلال المثار بشأن القرار الصادر عن قاضي تطبيق العقوبات .

ومن تم فما دام إذن باب الطعن مفتوحا على هذا النحو، فلا ضرورة تدعو لتمييز القرار الصادر عن قاضي تطبيق العقوبات بمسطرة منازعة خاصة أو تقرير طرق طعن خاصة به ، وما يترتب عن ذلك من تطويل في الإجراءات وتعدد في المساطر، وهكذا فإن طرق المنازعة في إجراءات الإكراه البدني التي كانت متاحة في الوضع القانوني السابق ، هي نفسها التي تظل سارية في الوضع الراهن.

2) أما إذا تعلق الأمر بقرار بعدم تطبيق الإكراه البدني: ففي هذه الحالة فإن طالب الإكراه :

إما أن يقتنع بصحة المانع من تطبيق مسطرة الإكراه البدني المبين بقرار قاضي تطبيق العقوبات ، وهنا يكون من حقه إعادة الطلب من جديد بعد تصحيح الإجراءات أو تدارك المانع السابق ، ودون أن يحتج على ذلك بسبقية البت، اعتبارا لما أسفلناه بخصوص الطابع الإجرائي الولائي لقرارات قاضي تطبيق العقوبات، ونظرا لكونه يراقب ولا يبت .

وإما أن ينازع في السبب المبني عليه قرار بعدم تطبيق الإكراه البدني : وفي هذه الفرضية تتعقد المسألة ، حيث يبرز الطابع القضائي لقرار قاضي تطبيق العقوبات مجسدا في عنصر التعليل ، فتتحول المنازعة من منازعة في إجراء من إجراءات الإكراه البدني، إلى منازعة في تعليل قانوني، وهنا لا يمكن إسناد البت في هذا النزاع لا لرئيس المحكمة ولا المحكمة المصدرة للمقرر المراد تنفيذه ، لأن اختصاص هاتين الجهتين إنما يرتبط بالمنازعات المتعلقة بتنفيذ الإكراه البدني، بدليل اشتراط المشرع في المادة 643 من ق .م .ج وجود المدين في وضعية اعتقال حتى يتحقق اختصاص رئيس المحكمة للبت في النزاع ، كما يستشف كذلك من خلال تخويل المحكمة التي تبت في النزاعات العارضة ، صلاحية توقيف التنفيذ المتنازع فيه ، والحال في هذه الوضعية أن مسطرة الإكراه البدني لم يبدأ في تنفيذها، كما أن الحديث عن طعن إداري بالإلغاء، يبقى محل نظر، لكون القرار الصادر عن قاضي تطبيق العقوبات ، لا يعتبر قرارا إداريا بأي حال من الأحوال ، ولا تتوفر فيه خصائص القرارات الإدارية ، كما أن اللجوء إلى الطعن بالاستيناف في القرار بعدم تطبيق الإكراه البدني سيفتح المجال أمام تضخم الطعون في المسطرة الواحدة ، مما سيجعلنا أمام أوضاع معقدة ، من قبيل أجل الإستيناف ، وقابلية القرار اللإستنافي طعن فيه بالطرق غير العادية ... .، وهي أمور لا نعتقد أن غاية المشرع انصرفت إليها، وعموما فالمسألة تبقى في رحاب النقاش القانوني المفتوح ، في انتظار التعديل المرتقب لمدونة القانون الجنائي التي من المحتمل أن توسع من الصلاحيات المخولة لقاضي تطبيق العقوبات، وأن تتعرض لطرق الطعن في القرارات الصادرة عنه ، كما هو الحال في النظام القانوني الفرنسي، الذي حدد كيفية الطعن في القرارات الصادرة عن قاضي تطبيق العقوبات ، وذلك حتى نكون فعلا أمام قاض لتطبيق العقوبات ، وليس لإثارة العقبات .

هذه عموما بعض من كثير، وفيض من غزير المسائل التي يثيرها اختصاص قاضي تطبيق العقوبات في مراقبة صحة إجراءات الإكراه البدني، على المستويين العملي والنظري، عملنا ما وسعنا النظر على إخراجها من المستوى المهني الممارس ، إلى مستوى النقاش القانوني العام الذي تلتقي فيه على صعيد واحد كافة مصادر القانون الحية، فتضع تحت إمرة التشريع مرة ثانية ما سيفصح عنه التطبيق العملي من مواطن القصور، فعسانا بهذا أن نكون قد وفقنا في هذا المسعى، وأن لا نكون قد أثينا على ذكر أشياء من قبيل القول المنمق الذي لا يرجع إلى معنى محقق ، كما جاء في كتاب الإمتاع والمؤانسة لأبي حيان التوحيدي، آملين بعد ذلك في أن نكون قد وضعنا بين يدي السادة الباحثين أرضية لتعميق النقاش ، أو بالأحرى الحديث حول هذه المسائل ، فكما قال ابن الرومي :

لقد سئمت مآربي *** فكان أطيبها خبيث

إلا الحديث فإنه *** مثل اسمه أبدا حديث

والحمد لله العلي الذي لا يحصى نعيمه

حرر بتاريخ 18 مارس 2004

الهوامش

(1)

عبد العزيز العنزي: نظام العقوبات وتنفيذها في قانون الجزاء الكويتي والقوانين المقارنة ، مجلة الحقوق ملحق العدد الرابع ، السنة 26 شوال 1423 ، دجنبر 2002 ص 58.

(2)

فنجاح سياسة إدارة السجون هو المظهر الأساسي لفعالية قانون العقوبات .

(3)

انظر في تفصيلات هذه الأنظمة: عبد الحميد الشواربي : التنفيذ الجنائي في ضوء القضاء والفقه ، مشأة المعارف بالإسكندرية طبعة 2003، ص 194 وما يليها .

(4)

أما في فرنسا فيعين قاضي تطبيق العقوبات بمرسوم لرئيس الجمهورية بعد استشارة المجلس الأعلى للقضاء، إلا أن الملاحظ أن المشرع لم يحدد نوعية العلاقة بين قضاة تطبيق العقوبات في حالة تعددهم فيما يتعلق بالنيابة عن بعضهم البعض ، وتوزيع العمل بينهم ، وفي تحديد القاضي الذي تحال عليه ملفات الإكراه البدني من بين باقي القضاة ، وغيرها من التساؤلات التي قد تثيرها هذه الوضعية ...

(5)

القانون رقم 98-23 المتعلق بتنظيم وتسيير المؤسسات السجنية الصادر بتنفيذه الظهير الشريف رقم 200- 99-1- المؤرخ في 13 جمادى الأولى 1420 موافق 25 غشت 1999 والمنشور بالجريدة الرسمية عدد: 4726 الصادرة بتاريخ 16/09/1999 الصفحة 2248 وما يليها .

المرسوم رقم 485 -00-2 الصادر في 6 شعبان 1421 (03 نونبر 2000) المتعلق بكيفية تطبيق القانون رقم 98-23 الخاص بتسيير المؤسسات السجنية.

(6)

والملاحظ من خلال هذه الصلاحية أن قاضي تطبيق العقوبات لا يملك أي اختصاص في تصحيح وضعية المعتقل في حالة التثبت من عدم قانونية الاعتقال سوى إنجاز تقرير بذلك يرفع إلى النيابة العامة التي ترجع إليها تلك الصلاحية .

(7)

تنص الفقرة الثامنة من المادة 596 على أن قاضي تطبيق العقوبات "يمكنه تقديم مقترحات حول العفو والإفراج المقيد بشروط " وتنص المادة 625 على أنه "يعد رئيس المؤسسة السجنية التي يقضي بها المحكوم عليه عقوبته اقتراحات الإفراج المقيد بشروط إما تلقائيا أو بناء على طلب من المعني بالأمر أو عائلته أو بتعليمات من وزير العدل أو مدير إدارة السجون أو بمبادرة من قاضي تطبيق العقوبات طبقا لمقتضيات المادة 155 من المرسوم رقم 485-00-2..." وتنص الفقرة الأخيرة من المادة 528 على أنه توجه "نسخة من قرار الإفراج المقيد بشروط إلى القاضي المكلف بتطبيق العقوبات" .

(8) إن هذا التوجه الذي سلكه المشرع المغربي في إخضاع تطبيق مسطرة الإكراه البدني للرقابة القضائية المسبقة نجد له مقابلا في قانون التنفيذ العراقي رقم 45 لسنة 1980 الذي نص في المادة 40 منه على انه أولا: لا يجوز حبس المدين في جميع الأحوال إلا بناء على طلب من الدائن وقرار من المنفذ له العدل (يقابل قاضي التنفيذ في الأنظمة القضائية التي أخذت بهذه المؤسسة ) ثانيا: إذا لم يكن المنفذ العدل قاضيا عرض الأمر على قاضي البداءة الأول (يقابل رئيس المحكمة الابتدائية في التنظيم القضائي المغربي) ليقرر الحبس من عدمه وفقا لأحكام القانون" .

(9) وفي هذا السياق فقد صدر مؤخرا قرار للمجلس الأعلى وضع حدا للتضارب القضائي والفقهي الذي كان مثارا بخصوص هذه المسألة خاصة بالنسبة للأحكام الصادرة في الدعاوى المدنية ، وأكد بأنه لا يمكن تنفيذ الإكراه البدني في حق المحكوم عليه قبل صيرورة الحكم به باتا سواء كان التعويض محل الإكراه محكوما به بمقتضى دعوى مدنية أصلية أو تابعة وهكذا جاء في قرار المجلس الأعلى عدد 3969 الصادر في الملف مدني عدد 3245/2001 بتاريخ 26/12/2002 "ومن جهة أخرى فإن موضوع النزاع يتعلق بالمنازعة في صحة إجراءات تنفيذ الإكراه البدني الذي نظم بموجب قانون المسطرة الجنائية وظهير20/02/1961 وكلاهما ينصان صراحة على أنه لا يمكن التنفيذ بطريق الإكراه البدني لم لا إذا اكتسب الحكم موضوع التنفيذ قوة الشيء المقضي به بصفة لا تقبل الرجوع" (* ) منشور بمجلة قضاء المجلس عدد 59-60 السنة 24 يناير - يوليوز 2002 ص 141-144 .

(3) أنظر للمزيد من الإطلاع حول هذا النقاش :1) مصطفى التراب : نظام الإكراه البدني كوسيلة للإجبار على التنفيذ، مجلة لقسطاس العدد 1997 ص 28ومايليها -2) عبد الإله المستاري: ظهير 20/20/1961 المتعلق بتطبيق الإكراه البدني في الديون المدنية والحالات التي ترد عليه : مجلة المحامي العدد 40 ص 16 وما يليها . إلا أنه تجب الإشارة إلى كون أن المشرع خرج عن هذه القاعدة فيما يخص تطبيق الإكراه البدني بشأن العقوبات المالية المتعلقة بالجنح والمخالفات الجمركية وذلك بمجرد ما يصبح الحكم غير قابل لطرق الطعن العادية، وهكذا جاء في المادة 264 من مدونة الجمارك على انه "ينفذ الإكراه البدني بشأن جنحة أو مخالفة جمركية رغم الطعن بالطرق غير العادية، بمجرد صدور الحكم النهائيي" وهو نفس المقتضى الذي نصت عليه الفقرة الثانية من المادة 132 من مدونة تحصيل الديون العمومية وهو الأمر الذي يطرح اكثر من تساؤل حول مبررات هذا الاستثناء؟

الذي يشمل حتى الأحكام الصادرة في إطار ظهير 3 أبريل 2003

الذي نقل الاختصاصات التي كانت مخولة لشركة التبغ الى إدارة الجمارك وفق ما نصت عليه المادة 26 من الظهير المذكور، كما يطرح التساؤل حول مدى إلزامية موافقة قاضي تطبيق العقوبات لإعمال مسطرة الإكراه البدني في شأن المقررات القضائية الصادرة في هذا الإطار، مادام أن المادة 641 من ق م .ج . لا تستثني من موافقة قاضي تطبيق العقوبات إلا حالة وحيدة ، وهي أن يكون المدين معتقلا، وأن يكون سند الاعتقال هو نفسه المقرر المؤسس عليه طلب الإكراه البدني، وأن يصبح الحكم حائزا لقوة الشيء المقضي به والمدين لازال في وضعية اعتقال .

(10) الملاحظ أن هناك تعددا في الجهات التي لها صلاحية البث في المنازعات والإغفالات المرتبطة بمسطرة الإكراه البدني وكذا في طبيعة المقررات الصادرة عنها، وهو ما كان يمكن توضيعه إزاء الجدول الآتي:

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

نوع المنازعة أو الإغفال الجهة المختصة طبيعة الحكم الصادر الأساس القانوني

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

- النزاعات المتعلقة بصحة رئيس المحكمة الابتدائية بمحل مشمول بالنفاذ المعجل

إجراءات الإكراه عندما يكون المدين إلقاء القبض أو الاعتقال رغم الطمن بالاستئناف

المادة 643

المدين مقبوضا عليه أو في حالة ( يبت فيه بشكل استعجالي)

من ق. م. ج

اعتقال

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

ـ النزاعات العارضة التي تستلزم تفسيرا لا يقبل أي طعن ما عدا الطعن بالنقض

ـ لأخطاء المادية الصرفية المؤثرة المحكمة المصدرة للحكم ( بيت فيه بغرفة المشورة ) المواد 599-600

في مسطرة الإكراه البدني المراد تنفيذه 643 من ق م ج

ـ إغفال البت في طلب الإكراه البدني أو

تحديد مدته

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

تحديد مدة الإكراه البدني في حالة تضامن قاضي تطبيق العقوبات سكوت المشرع المادة 644

المدينين

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

(11)- انظر بخصوص مفهوم النزاعات العارضة التي تستلزم تفسيرا وكذا المنازعات المتعلقة بصحة إجراءات الإكراه البدني، إدريس بلمحجوب : قواعد تنفيذ العقوبات ، الجزء الأول العقوبات السالبة للحرية والعقوبات المالية ، مطبعة بابل 1988، ص 242 وما يليها .

(12)- تنص المادة 134 من مدونة تحصيل الديون العمومية على أنه "يبقى الإكراه البدني فر ميدان تحصيل الغرامات والإدانات النقدية خاضعا للفصول 675 إلى 687 من قانون المسطرة الجنائية، ويتعين إثارة الانتباه في هذا الصدد، إلى أن المصاريف والرسوم القضائية لا تتدخل ضمن مفهوم الإدانات النقدية ، وإن كانت تخضع فيما يخص مسطرة الإكراه البدني إلى قانون

المسطرة الجنائية (المادة 135من مدونة التحصيل)، والدليل على ذلك أن مدونة تحصيل الديون العمومية ، في العديد من مقتضياتها تميز بين الإدانات النقدية ، وبين الصوائر والمصاريف القضائية ، ومن ذلك المادة 131 التي تنص على انه تستخلص الغرامات والإدانات النقدية والصوائر والمصاريف القضائية من طرف المحاسبين المكلفين بالتحصيل التابعين لإدارة المالية ومن طرف مأموري كتابات الضبط بمحاكم المملكة ..."، وهو نفس التمييز الوارد في المواد 10 و137، . . . أما مفهوم الإدانات النقدية الوارد في المادة 134 ، فيشمل بالخصوص العقوبات المالية الصادرة بشأن الجنح والمخالفات الجمر كية ، حيث تنص الفقرة الثانية من المادة 132 من مدونة التحصيل على أن "الإدانات النقدية في ميدان الجمرك والضرائب غير المباشرة التي تكتسي طابع تعويض مدني، تكون قابلة للتنفيذ بمجرد ما يصبح نهائيا القرار المتعلق بها والذي لا يقبل أي طريق من طرق الطعن العادية .

كما تشمل العقوبات المالية الصادرة في مادة التبغ والمخالفات الغابوية وفي مادة الصرف . ...، أما الغرامات فتشمل الغرامات الصادرة في الجنايات والجنح والمخالفات المنصوص عليها في القانون الجنائي وفي بعض النصوص الخاصة كجرائم المخدرات والغش في البضائع ....، وهذه الإحالة على مقتضيات المسطرة الجنائية ، جاءت انسجاما مع موقف المشرع في مدونة تحصيل الديون العمومية ، في منع الإكراه البدني فيما يخص الديون التي تقل عن 8000 درهم، إذ الغالب في الغرامات والإدانات النقدية ألا تتجاوز هذا المبلغ ، فكانت الإحالة لهذه العلة ، غير أن هذا الانسجام القانوني ينطوي على نوع من التمايز بين الملزمين أمام القانون ، إذ الملزم بدين عمومي- غير الغرامات والإدانات النقدية يستفيد من الضمانات المنصوص عليها في مدونة تحصيل الديون العمومية، ومن ذلك: - عدم جواز اللجوء إلى الإكراه البدني إذا كان الدين يقل عن 8000 درهم، (م77).- محضر عدم وجود ما يحجز يثبت به العسر،(م 57) .- استثناء سكنى الملزم من الحجر إذا كانت قيمتها لا تتعدى 200.000 درهم، (م 46) .....

(13)- ويمكن التساؤل في هذا الصدد عن العلة وراء استبعاد الإكراه البدني في الديون العمومية من رقابة قاضي تطبيق العقوبات، هل لكون القانون قد أحاط تحصيل الديون العمومية بالكثير من الضمانات على النحو الذي يجعل من تدخل قاضي تطبيق العقوبات مجرد عبء إجرائي قد يؤثر في سرعة الاستخلاص ، وبالتالي ينعكس على السيولة المالية المفترض ضخها في ميزانية الدولة ، أم أن إسناد صلاحية تحديد مدة الإكراه البدني في الديون العمومية لقاضي المستعجلات بالمحكمة الابتدائية بمقتضى المادة 80 من مدونة تحصيل الديون العمومية التي تنص على أنه "يتم اللجوء في الإكراه البدني بناء على طلب يعين المدين إسميا" ويوجه هذا الطلب إلى المحكمة الابتدائية من طرف المحاسب المكلف بالتحصيل بعد التأشير عليه من لدن رئيس الإدارة التابع لها المحاسب المكلف بالتحصيل أو الشخص الذي يفوضه لذلك ....، يبت قاضي المستعجلات في الطلب العروض عليه داخل أجل ثلاثين يوما، ويحد مدة الحبس وذلك طبق الأحكام الواردة في هذا الفرع تقوم مقام الرقابة المخولة لقاضي تطبيق العقوبات في هذا الشأن، وإن كان اختصاص رئيس المحكمة في هذا الصدد يطرح نفس الإشكالية بخصوص نطاق الصلاحيات المخولة له وهل هي صلاحيات شكلية أم حتى موضوعية أيضا؟ وكذا بالمسطرة المتبعة أمامه هل يبت في إطار الفصل 148من ق. م. م. أم في إطار مسطرة تواجهية في نطاق الفصل 149 من ق م م . كما قد يستفاد من استعمال المشرع لتعبير قاضي المستعجلات ، وبالتالي ضرورة حضور المدين ، بالإضافة إلى المسائل المثارة بخصوص كيفية الطعن في قراره برفض التحديد؟ وهل يخضع في هذا الصدد لقواعد الطعن في الأوامر الإستعجالية أم لا ؟ انظر في تفصيل بعض هذه المسائل، محمد قصري: قراءة في المدونة الجديدة لتحصيل الديون العمومية لقانون رقم 97-15، منشورات المجلة المغربية للإدارة المحلية والتنمية، سلسلة مواضيع الساعة العدد 31/2001 يوم دراسي ص 50 وما يليها . (14)- لقد حدد المشرع في الفقرة الثالثة من المادة 364 من ق م .ج . مفهوم المقرر القضائي بكونه "كل حكم أو قرار أو أمر صادر عن جهة قضائية".

(15) الملاحظ بعض التشريعات العربية قد خرجت عن هذه القاعدة وأجازت حبس المحكوم عليه حتى ولو لم يكن من أجل أداء مالي، كما فعل المشرع العراقي في قانون التنفيذ رقم 95 لسنة 1980 في حق المحكوم عليه الذي يمتنع من تسليم صفير إلى من له الحق فيه أو من تسليم شيء، وهكذا جاء في المادة 48 على أنه "إذا امتنع المحكوم عليه عن تسليم الصغير فيجب حبسه مهما بلغت المدة حتى يسلمه، على أنه لا يجوز الحبس عندما يكون عدم التسليم خارجا عن إرادة المحكوم عليه" وجاء في المادة 49 من نفس القانون على أنه " إذا امتنع المدين عن تنفيذ الحكم أو المحرر التنفيذي المتضمن تسليم شيء معين ليس بحكم الدين ، ولم يكن ذلك الشيء ظاهرا للعيان وعجز عن تقديم أدلة مقنعة عن تلفه أو ضياعه جاز التحري عنه بقرار من المنفذ العدل، وحبس المدين وفق أحكام هذا القانون" أما في إطار القانون المغربي فإن الوضعية الأولى تمت معالجتها جنائيا بمقتضى جريمة الامتناع عن تسليم طفل لمن له حق الحضانة عليه .

(16) أنظر لمزيد من الإيضاح بخصوص هذه الأحكام ، أحمد الخمليشي: شرح قانون المسطرة الجنائية ، الجزء الأول ، مطبعة النجاح الجديدة ، الطبعة الخامسة 1999، ص 172وما يليها.

(17) تجدر الإشارة في هذا السياق إلى عدم وجود انسجام بين المقتضي القانوني الذي لا يجيز تطبيق الإكراه البدني ضد مدين لفائدة زوجه أو أصوله أو فروعه (المادة 636 من ق م .ج .) وبين حبس المحكوم عليه بالنفقة في إطار جريمة الامتناع عن أداء النفقة المحكوم بها (الفصل 480 من القانون الجنائي) فالغاية التي روعي تحقيقها بإلغاء الإكراه البدني في ديون النفقة ثم الرجوع عنها بالإبقاء على جرائم إهمال الأسرة، وكان الأصوب لو أن العكس هو الحاصل بالنظر لاختلاف آثار كل من العقوبة والإكراه على الزوج المخل، وذلك سيرا على نهج العديد من الدول العربية التي أجازت الإكراه البدني في ديون النفقة كمصر والعراق وسوريا .

(18) أنظر في تفصيل الأموال غير القابلة للحجز في القانون المغربي، الطيب برادة : التنفيذ الجبري في التشريع المغربي، شركة بابل للطباعة ، 1988، ص 217 وما يليها .

(19) ظهير شريف رقم 280.57.1 المؤرخ في 23 جمادى الثانية 1377 بشان مصلحة الدرك الملكي، منشور بالجريدة الرسمية عدد 2366 وتاريخ 28 فبراير 1958 ص 498.

(20) قرار منشور بمجلة الإشعاع عدد 4 ص 158، ومشار إلى ملخصه بمجلة القصر العدد 7 يناير 2004 ص124.

(21) والملاحظ أن المشرع لم يمنع المحكوم عليه الموجود رهن الاعتقال بمزية الأجل المخول للمدين الموجود في حالة سراح ، كما لم يستلزم ضرورة الإدلاء بما يثبت عدم إمكانية التنفيذ على أمواله، بل إن تطبيق الإكراه البدني في هذه الحالة لا يخضع لموافقة قاضي تطبيق العقوبات وإنما لمراقبة السيد وكيل الملك ، وهو وضع لا يخلو من نظر، خاصة وأن الفقرة الأخيرة من المادة 641 نفسها تحيل على الفقرة الأخيرة من المادة 635 من ق م .ج بخصوص إثبات العسر المانع من أعمال مسطرة الإكراه البدني، مما كان من اللازم معه تخويل المدين أجلا للوفاء أو حتى لإثبات العسر، وكل ذلك مع مراعاة أن المادة 641 من ق م .ج لا تطبق إلا في حالة وحيدة وهي أن يكون المقرر الذي ينبني عليه الإكراه البدني هو نفسه سند اعتقال المدين وفق ما سنوضحه لاحقا .

(22) الملاحظ أن المشرع حدد أجل الإنذار في أكثر من شهر، وكان من المحبذ أن تحدد بالأيام مراعاة لتمايز عدد أيام شهور السنة بين 29، 30 و 31 يوما، كما أن كلمة واحد المقترنة بكلمة "شيء" لا لزوم لها، فكلمة الشهر لا تحمل التعدد حتى تقيد بعدد معين .

(23) فالوقف في الاستعمال القانوني في إطار المسطرة الجنائية لم يرتب عليه المشرع بطلان الإجراءات السابقة لحدوثه ، ومن ذلك الوقف في التقادم ( المادة 6من ق م .ج ) ووقف الدعوى العمومية لوجود مسطرة صلح جارية أو بعد صدور أمر قضائي عن رئيس المحكمة بالتصديق على الصلح (المادة 41 من ق .م .ج .

(24) وهو نفس الغموض الذي ورد في المادة 82 من مدونة تحصيل الديون العمومية التي جاء فيها بأنه، "يمكن ......... المدين (وكان الأولى استعمال عبارة إلقاء القبض أو اعتقال) جديد من أجل المبالغ المتبقية، إذا لم يف بتعهداته التي أدت إلى إيقاف مفعول الإكراه البدني "وكذا بالمادة 83 التي جاء فيها بأنه لا يسقط الدين بحبس المدين، إلا أنه لا يمكن اعتقاله من جديد. وكان الأدق استعمال عبارة إكراهه ) من أجل نفس الدين باستثناء الحالة المنصوص عليها في المادة السابقة" .

(25) هناك حالة ثالثة لوقف إجراءات الإكراه البدني، وهي التي تنتج عن قرار المحكمة المصدرة للمقرر المراد تنفيذه بإيقاف التنفيذ المتنازع عليه عند نظرها في النزاعات العارضة التي تستلزم تفسيرا، والمثارة بشان إجراءات الإكراه البدني، حيت تنص الفقرة الثانية من المادة 641 من ق م .ج على أنه "يمكن للمحكمة أن تأمر بتوقيف التنفيذ المتنازع عليه " .

(26) وإن كان إسناد هذه الصلاحية لوكيل الملك يثير مسألتين في بالغ الأهمية ، الأولى وهي إمكانية الطعن في هذا التحديد في حالة ما إذا كانت المدة الجديدة لا تتناسب وما بقي من مبلغ الدين بعد الأداء الجزئي، الثانية: وهي الجهة المختصة للبت في هذا الطعن ، وفي اعتقادنا فإن المحكمة المصدرة للمقرر الجاري تنفيذه، هي التي لها هذه الصلاحية، مادام أن النزاع يدخل ضمن صنف النزاعات العارضة، وما دام أنها هي الجهة التي لها أصلا صلاحية تحديد مدة الإكراه البدني وهو الحل الذي نرجعه فيما يخص الطعن في قرار قاضي تطبيق العقوبات بتحديد مدة الإكراه البدني في حق المدين المطلوب إكراهه ، في حالة تضامن المدينين (المادة 644 من ق م .ج ).

(27) تنص المادة 81 من مدونة تحصيل الديون العمومية على أنه "يمكن للمدينين الذين صدر في حقهم الأمر بالإكراه البدني أن يتجنبوا أو يوقفوا آثاره إما بالإدلاء الكلي لديونهم، وإما بعد موافقة المحاسب المكلف بالتحصيل الذي طلب الاعتقال.

(28) هذه المادة هي تقنين تشريعي للقاعدة المتداولة من كون أنه " لا يجوز إكراه المدين من أجد نفس الدين مرتين "، لكن إعمال هذه القاعدة - كما هو واضح من خلال المادة 647 نفسها - مرتبط ببعض الشروط وهي:

*-خضوع المدين الإكراه البدني سابق انتهى بالوفاء أو قضاء مدة الإكراه أو تنازل الدائن، ويستثني من ذلك الأداء الجزئي، فلا يمنع من إعادة اعتقال المدين ، وان كنا في الواقع لسنا أمام إكراه جديد، وإنما فقط استئناف مسطرة الإكراه السابقة التي توقفت بسبب الأداء الجزئي...

*- تعلق طلب الإكراه الجديد بنفس الدين موضوع الإكراه السابق أو بأحكام صدرت قبل تنفيذه ، ولا تتضمن مبالغ تستلزم بسبب مجموعها مدة إكراه أطول من المدة التي سبق تنفيذها، وهكذا فإذا كانت الأحكام صادرة بعد تنفيذ الإكراه البدني الأول ، أو قبل تنفيذه لكنها اشتملت على مبالغ توجب في مجموعها مدة إكراه أطول من المدة التي تم تنفيذها، أو كان الدين ناتجا عن سند تنفيذي غير الحكم القضائي، أمكن إكراه المدين من جديد .

(29)

تثير صياغة المادة 641 من ق .م .ج . مسألة على جانب كبير من الأهمية، وهي هل عدم لزوم موافقة قاضي تطبيق العقوبات على تطبيق الإكراه البدني تستلزم بالضرورة أن يكون المقرر القضائي المؤسس عليه طلب الإكراه هو نفسه سند اعتقال المدين بدليل نص المشرع في نفس المادة على صيرورة الحكم الصادر في حق المحكوم عليه المعتقل مكتسبا لقوة الشيء المقضي به، أم فقط وجود المدين المطلوب إكراهه في وضعية اعتقال ولو كان الدين موضوع طلب الإكراه لا علاقة له باعتقال المدين ؟ أعتقد أن التأويل الأول هو الأولى بالترجيح وقوفا عند صريح المادة 641 نفسها، وتقيدا بمبدأ التفسير الضيق للمقتضيات الجنائية ، وحتى لا يرحم المدينين المعتقلين من ضمانات الرقابة المخولة لقاضي تطبيق العقوبات وما يرتبط بها من ضرورة البدء بالتنفيذعلى أموال المدين ....

(30)

تنص المادة 643 من ق م .ج . على أنه "إذا وقع نزاع، أحضر المحكوم عليه بالإكراه البدني المقبوض عليه أو الموجود في حالة اعتقال إلى المحكمة الابتدائية الكائن مقررها بمحل إلقاء القبض أو الاعتقال ويقدم إلى رئيس المحكمة للبت في النزاع إذا كان النزاع يتعلق بصحة إجراءات الإكراه البدني، بت الرئيس في الخلاف بشكل استعجالي، وينفذ أمره رغم الطعن بالاستيناف في حالة نزاع عارض يستلزم تفسيرا تطبق مقتضيات المادتين 599 و 600 اعلاه".

(31)

تنص المادة 599 من ق . م .ج . على أنه "يرجع النظر في النزاعات العارضة المتعلقة بالتنفيذ إلى المحكمة التي أصدرت المقرر المراد تنفيذه ويمكن لهذه المحكمة أيضا أن تقوم بتصحيح الأخطاء المادية الصرفة الواردة فيه" تنص المادة 600 من ق م .ج . على أنه "تنظر المحكمة في النزاعات العارضة بغرفة المشورة بناء على ملتمس من النيابة العامة أو بناء على طلب يرفعه الطرف الذي يهمه الأمر، ويستمع إلى ممثل النيابة العامة وإلى محامي الطرف الذي طلب ذلك والى الطرف شخصيا إن اقتضى الحال. يمكن المحكمة أن تأمر بتوقيف التنفيذ المتنازع عليه لا يقبل المقرر الفصل في النزاع أي طعن ما عدا الطعن بالنقض".

مجلة المرافعة