هل انتهى دور المرافعة في الدفاع ؟

ذ. إبراهيم كوثرا
محام لدى هيئة المحامين بأكادير

تقديـم:
منذ أن وجد القضاء في المجتمعات المتحضرة وجدت معه المحاماة ليدافع أهلها عن أصحاب الحقوق أمام القضاء، ولا يمكن لهذا الأخير بتاتا أن يتبين وجه الحق فيما يثار أمامه من خصومات ذات شأن إلا بالمساعدة من المحامي الباحث والمجهز لعناصر الدعوى واقعا وقانونا والموضح لحقائقها وأسرارها مهما كانت وضعية الطرف الذي ينوب عنه في النزاع.


لذلك فالمحاماة هي عون القضاء في الوصول إلى الحكم بالعدل وكلاهما يسهم من مركزه بقدر معلوم في إقامة العدالة في المجتمع لبناء ذلك الصرح الشامخ الذي هو الركيزة الأساسية لكل حضارة إنسانية.
ولاشك أن الصلة الروحية التي تربط بين القضاء والمحاماة نابعة من اعتبارهما توأمين في أسرة واحدة تعمل لهدف واحد هو خدمة الحق والعدل والقانون.

ولعل أي متأمل لمستوى القضاء والمحاماة في أية أمة من الأمم يجده متقاربا أو متشابها ويؤثر ويتأثر كل واحد منهما بالآخر، حيث أن كل تقدم في المحاماة يظهر مثله في عالم القضاء وكل تقدم في القضاء يظهر صداه في دنيا المحاماة، والعكس بالعكس ولا غرابة في ذلك، فكلاهما من بيئة واحدة هي بيئة العدالة والقانون.


وأي محاولة لتصور قضاء بلا محاماة، أو محاماة بدون قضاء، تبدو مستحيلة وعديمة الجدوى، لذلك فلا غنى لأحدهما عن الآخر فهما شريكان في إقامة ميزان العدالة وفي الثقافة وفي الحياة القانونية وفي العمل، مع توزيع في نواحي العمل بينهما، كذلك هما شريكان في التضحية، فللمحاماة ضحاياها من المحامين، وللقضاء ضحاياه من القضاة، فكم من محامين ضحوا بعصارة حياتهم وأضناهم الجهد الشاق فسقطوا ضحايا مهنتهم الشريفة دون أن يعلم بتضحياتهم تلك إلا القليل، وكم من قضاة ضحوا كذلك بصحتهم وعمرهم في أداء مهمتهم السامية يرهقهم العمل المتواصل حتى استشهدوا في ساحة القضاء.

وأن للقضاء دستوره وتقاليده، كما وأن للمحاماة دستورها وتقاليدها وبأداء كل واحد منهما لواجباته يستقيم ميزان العدل ويطمئن الناس على حقوقهم، وأي تقصير أو إهمال من أحد الطرفين يجعل الميزان مختلا في كفتيه، فيسود الظلم والفساد والفوضى وتضيع الحقوق.

وإن مهنة المحاماة مهنة عريقة كالقضاء، نبيلة كالفضيلة ضرورية كالعدل وقد وصفها:
فولتير، بأنها:" أسمى مهنة في الوجود" فهي مهنة: علم وخلق ـ ونجدة وشجاعة ـ وثقافة وتفكير، ودرس وتمحيص، وبلاغة وتذكير، ومثابرة وصبر، وثقة في النفس واستقلال في الحياة، وأمانة واستقامة، وتضحية وتفان، وإخلاص في الدفاع عن الحقوق والحريات في إطار دولة الحق والقانون.

وليس غريبا عن هذه المهنة التي سميت بمهنة ـ الجبابرة ـ لسمو وشرف رسالتها أن يحلم بها ملك فرنسا لويس الثاني عشر، حيث قال في شأنها:" لو لم أكن ملكا لفرنسا لوددت أن أكون محاميا في بوردو"، وكم من وزير ورئيس جمهورية في تاريخ المحاماة عاد إليها بعد اعتزال لعمله بتشوق ولهفة كبيرين.

وأن ميدان المحاماة ميدان متسع وأي متسع لتحقيق كل هدف خليق بأن يتحقق وهذا سر عظمتها، ولكنها بالمقابل تعتبر أشق المهن وأقساها. مسيرتها مليئة بالمخاطر والمهالك والعراقيل، حيث نجد أن وظائف المحامي لا تقتصر على المشورة والمرافعة والعمل بالمكتب، وإنما تسمو واجباته ومسؤولياته كثيرا عن تلك الجهود التي تبذل لكسب العيش، وكذلك المطالبة بالمساهمة في تحسين القانون والمحاكم والمشاكل المهنية، بل لابد من أداء واجبه في تكوين الرأي العام.

وقد قبل باتفاق في حق المحامي الذي تبدأ أفكاره المهنية وتنتهي بموكله ليس إلا صورة ساخرة جديرة بالرثاء لما يجب أن يكون عليه المحامي العظيم حقا.

فن المرافعة ودورها في الدفاع
إن من بين أساليب الدفاع ـ المرافعة ـ والتي تساءل النقيب (شينو) عما إذا كانت المرافعة علما، أو فنا، أجاب أنه لا يدري، ولكن الذي يعرفه أن إتقان المرافعة يزداد صعوبة كلما ازداد المحامي تجربة وعلما.

وأضاف: أننا طوال حياتنا نتردد على مدرسة المحاماة وأساتذتها يدرسون في نفس الوقت الذي يعلمون فيه الآخرين.

كما أن الأستاذ يموري باكنز المحامي الذي يعتبر من المتخصصين في المرافعات القضائية استهل موضوعه هذا ـ أساليب المرافعة ـ بالقول:" إنني لا أعتقد أن من مصلحة المحامي أن يكتب أو يملي مرافعة يتوقع إلقاءها، بل عليه أن يكون دارسا تماما لموضوعه، وأن يضع النقط التي يعتزم التحدث عنها، وماعداه يجب أن يكون مرتجلا، وأن يضحي بالدقة، ونوع الأسلوب الذي كان يستعمله لو أراد كتابة مقال لمجلة، فبهذا الثمن وحده يستطيع أن يشتري ذلك الإحساس التلقائي والاستجابة الطبيعية.

وإن طلاقة اللسان إذا توفرت لرجل يتمتع بصفات أخرى أكثر أهمية للمحامي المترافع، فإنها تصبح رصيدا ضخما، أما في ماعدا ذلك فإنها تصبح عبئا.

إن على المحامي أن تتوافر لديه حساسية عقلية وعاطفة مرهفة إذ ينبغي أن يعرف ما يدور حوله، وأن يكون قادرا على أن يستمع ويفكر في وقت واحد، وأن يملك القدرة على سرعة التفكير وسرعة البت في الأمور، فمهما تكن مقدرته فلن يستفيد شيئا من وصوله إلى المحطة بعد أن يفوته القطار.

فقد ترافع مونتاني في شبابه فرفع صوته. فقال له رئيس الجلسة "خفض صوتك" فقال مونتاني: صوتي وطبقته متفقان مع ما أحس به. أنا وحدي الذي أحدده لأنني أريد أن يمثلني أصدق تمثيل، فإن للمتملق صوتا، وللدرس صوتا، وللشكوى والثورة صوتا آخر، وقال الرئيس: إذا خفضت صوتك استطاع خصمك أن يسمعك، فقال مونتاني: ولكني لا أكتفي بأن يصل صوتي إلى سمعه، أريده أن يقرع أذنه ويخترقها.

كما استهل المحامي: جون إنجلز دفاعه عن (مادلين سميت) في قضيتها الكبرى بكلمة سهلة ممتنعة حيث قال: سادتي إن التهمة الموجهة للسجينة هي القتل وعقوبة القتل هي الإعدام. وهذا وحده كاف ليوحي لكم بالطابع الكئيب للمناسبة التي جاءت بي وبكم للوقوف وجها لوجه.

فالوضوح وحسن التعبير أفيد للترافع من قوة الحجة. ولا قيمة لهذه الأخيرة إذا لم يحسن المترافع شرحها، أو لم يتم الإدلاء بها في الوقت المناسب ليزداد أثرها، ونفس الشيء بالنسبة لوقت التدخل ووقت التزام الصمت.
كما اعتبر البعض المرافعة سلاحا للمحامين، حيث حرصوا دائما أن يكونوا أحرارا في مرافعاتهم لا يسمحون بأي توجيه من موكلهم ولا من القضاء بل يؤدون رسالتهم حسب ما تمليه عليهم ضمائرهم، ولولا حرية الدفاع لضاعت الحقوق.

وقد قال بيرونيه بهذا الصدد في تقريره إلى لويس الثامن عشر:" أن مهنة المحاماة تجمع بين النبل والسمو، وتحمل من يريدون النهوض بها بما تستحقه من امتياز تضحيات كبيرة، وهي ضرورة للدولة بما تزيله مناقشات المحامين من غموض فتهيئ للمحاكم إصدار أحكامها... ولولا حرية المحامين في أن يناقشوا وينتقدوا أحكام القضاء نفسه، لتكررت الأخطاء وتراكمت... فالمحامون هم روح العدالة الأولية، وإذا كانوا لا يكتبون الأحكام، فإنهم يعدون لها ببحوثهم، فيقدمون للقضاء المادة الأولية لصناعته وكثيرا ما يقتصر عمل القاضي على الأخذ بإحدى النظريتين اللتين يقدمهما الدفاع أو أن يوفق بينهما".

وهذا ـ برييه الكبير ـ يصرح في وجه محكمة الثورة الفرنسية بما يلي:" إنني أتقدم إليكم بالحقيقة ورأسي تصرفوا في إحداهما بعد أن تستمعوا للأخرى".

وهذا النقيب لوبوي يضع حدود العلاقة بين النيابة العامة والمحاماة في وضعها الصحيح ويرد على اتهام النيابة العامة له بتجاوز الحدود المسموح بها بقوله:" لقد شكا المحامي العام من حدة الكلام الذي وجهته له... ليس مطلوبا مني أن أبرز حدتي في المرافعة، فإنني أعتقد أنها كانت في أنواع الاحترام ذلك الذي يصدر حرا ومن تلقاء ضميري للرسالة التي أؤديها... وأن تقديري الشخصي لا خلاصه وكفاءته وإن كان لا يستطيع أن يطلب مني أن يمتد احترامي وتقديري إلى مرافعته وحججه، ولست مطالبا بالنسبة إليهما بالاحترام ولا بالتقدير، بل ولا بالرعاية ، وإنما جئت هنا لأحاربهما وأهاجمهما...".

ويقول دي موروجيا فري أن الحكم على المتهم بالإدانة هم من عمل القاضي أما مهمتي فهي الدفاع".
وقال شيشرون:" إنه يجب أن تكون لدى المحامي الشجاعة الكافية ـ التي لا تهزم ـ لكي لا يخفي الحقيقة مهما تكن".

وهذا موقف أحد المحامين أثناء الجلسات يعبر عنة حضور البديهة، فلقد أخذ المحامي العنيد يسترسل في المرافعة والقاضي يحاول عبثا إسكاته، وأخيرا قال له: ما فائدة الاستمرار، مع علمك بأن الكلمة الأخيرة لي؟ ونظر المحامي إلى القاضي نظرة أدرك منها القاضي خطأه، فأراد أن يخفف من وقع كلماته فقال له: أعني أن الكلمة الأخيرة هي للحكم فقال أحد المحامين بالجلسة بصوت مسموع:" القابل للاستئناف".

وقد قال ليون جرين عميد كلية الحقوق بجامعة تورث ديسترن حين تحدث إلى المتخرجين، إذا كان لي ما أوصيكم به لتحققوا رسالتكم، فهو أن تنشدوا المعرفة العامة الشاملة، فاللغة وآدابها تعطيكم القدرة على التعبير الدقيق الذي بدونه لا تقوم المحاماة.

وقال: اللورد ماكميلان:" إن المحامي الذي يقتصر عمله على القوانين واللوائح غير جدير بأن يوصف بأنه محام مثقف فكل نواحي الحياة، وما من نشاط إنساني إلا والمفروض أن يكون للمحامي فيه رأي...".
وخاطب الأستاذ جان شارل لوكران المحامي الشهير أيام المقاومة المغربية ضد الاستعمار الفرنسي وهو يرد على اتهامات النيابة العامة بما يلي:
"... لا تجهلون أن القمع يخلق الرعب، والرعب يؤدي إلى الحقد، والحقد إلى العنف، والعنف إلى القمع...".
كما رد كذلك على الرئيس بقوله:" أنتم تحكمون ونحن ندافع، لكن عدالتكم لا ينبغي أن تكون صورية، ولا يمكن أن تكون نفاقا بزي الوقار... ومن الآن لا يوجد إلا واجبان: واجبنا في الدفاع، وواجبكم كقضاة. إنهما لا يتعارضان ولكن يتكاملان، واجبان تجسمهما بذلة كل منا، أنتم ببذلتكم الحمراء، ونحن ببذلتنا السوداء، بذلتكم التي تعبر عن رمز الانضباط والنظام، ونحن ببذلة أكثر تواضعا، تجسم الحرية، حرية التفكير، وحرية الكلمة وحرية الدفاع كاملة.

إن بذلتنا لن تقبل تجاه أي كان، لا التسخير ولا الخضوع أو الخنوع، السياسة لا نمارسها هنا، بل نقوم بتقدير الاتهامات والإثبات . العدالة لا يسوغ أن تكون وسيلة للسياسة.
إن الخطأ السياسي يمكن إصلاحه، ولكن أخطاء العدالة يستحيل جبرها، لأنها تمس بجوهر الإنسان نفسه، وفي ذات الوقت تدمر مجد الأمم.

تريدون النظام والأمن، ونحن كذلك، لكن النظام لا يجب أن يكون نظام السجون ولا الأمن أمن القبور".
وقد قدم الزعيم الكبير الأستاذ سعد زغلول إلى وفد من طلبة الحقوق بالقاهرة بمناسبة زيارتهم له النصيحة الغالية التالية:
"قد هيأتم لي فرصة أحدثكم فيها عن الصدق وفضيلته وحسن أثره، خصوصا بالنسبة للمحاماة التي تعدون أنفسكم لمزاولتها. توهم البعض أن البراعة في المحاماة تكون بالقدرة على قلب الوقائع ، وتمويه الحقائق ـ ولبس الحق بالباطل، ولكنه وهم فاسد، لأن الصدق أساس المحاماة وحليتها، وكلما كان المحامي صادق اللهجة شريف النزعة، كان أثره في المحاماة محمودا، ونجاحه مضمونا، ولا ينبغي للمحامي أن يؤجر ذمته لموكله، وأن يقف من القاضي موقف العامل على إخفاء الحق وإظهار الباطل بل يجب أن يقف منه موقف الباحث عن الحقيقة المنير لطريق العدالة، وأن يكون حريصا على اكتساب ثقة القاضي، لأن هذه الثقة هي أساس نجاحه في عمله. وبهذه المناسبة يقول ـ الأستاذ زغلول ـ أسوق لكم شاهدا وقع لبعض المحامين في زمن اشتغالي بالمحاماة، وقد كان معروفا بوفاء الذمة وصدق القول، ودافع أمام محكمة الاستئناف عن متهم كان محكوما عليه بالإعدام، وفند جميع الأدلة التي بني عليها الحكم الابتدائي تفنيدا تاما، غير أن المقرر في القضية أثناء المداولة مع إخوانه، خالف رأي المحامي، وقال أن كل ما أتى به في دفاعه مغالطة، أما زملاؤه فكانوا يعهدون في المحامي غير ذلك فاضطروا إلى أن يقرأ القضية كل واحد منهم، ثم أجمعوا رأيهم على مخالفة زميلهم المقرر، والحكم ببراءة المتهم.

فانظروا ـ يقول الأستاذ زغلول ـ صدق المحامي في أراء القضاة، وكيف نجى بصدقه موكله من الإعدام، فكونوا مثالا للصدق ووفاء الذمة تنفعوا فنكم".

وهذا المحامي الإيطالي بييرو كالمندري مؤلف الكتاب "قضاة ومحامون" يقول ما يلي:
"ياله من يوم، يوم شعرت فيه بأنني في أوج مجدي ونجاحي ! يوم شعرت فيه بحب القضاة وودهم إذ جلست على مقعدي في قاعة الجلسة بعد أن أتممت مرافعتي ! لقد ابتسموا لي بتقدير واعتزاز، ولمست عاطفة عميقة دافئة تنساب من عيونهم فتضمني وتحوطني ! وبدا لي كأنهم يودون لو بسطوا أذرعهم إلي فاحتضنوني وضموني إلى صدورهم.
ولكن لماذا حدث كل ذلك؟ مازلت أذكر تماما ما حدث، لقد وقفت لأترافع أمام قضاة مجهدين، فاتجهت إليهم، واكتفيت بأن قلت: "ليس لدى الدفاع ما يضيفه ! وجلست !".

وقد علق أحد القضاة الإيطاليين على مرافعة محام اتسمت بالبلاغة والروعة بأنه أخذ بموطن الجمال فيها لدرجة أحالت إعجابه (بشكلها) إلى تشكك في (مضمونها)، حيث قال القاضي:" لقد أحسست إزاءها بما تحس به إذ تصادف وردة بلغت من الجمال والكمال حدا بحيث يبدو لك جمالها مصنوعا لا مطبوعا".

كما تحدث أحد القضاة الإيطاليين كذلك عن بعض ذكرياته عن العلاقة بين النوم وبين مرافعات بعض المحامين المجهدة فقال:" ليس صحيحا أن النوم مخاتل غدر ! وأنه يستطيع أن ينقض علينا فيحتوينا من حيث لا نشعر، فالحقيقة أن النوم ينذرنا بمقدمه في الوقت المناسب، والمستمع إلى الخطيب المسهب يعلم أنه موشك على السقوط في أسر النوم، حينما تبدأ معاني الكلمات في الاهتزاز في ذهنه ثم تغمض، ثم تختفي ولا يبقى إلا الرنين الذي يحدثه الصوت، ومع أن هذا الرنين يظل واضحا في الأسماع، فإن نغماته تختلط وتتداخل فلا يبقى منها إلا تلك الرتابة المتصلة الحائكة اللون التي تشبه نغمات أرغول مروض الثعابين، أو عند هذه المرحلة التي تتحلل فيها الكلمات فتذوب في مجرد نغم متصل رتيب، ولا شيء غير ذلك عندئذ يستطيع المستمع أو ـ المنوم ـ أن يدرك إذا كان حصينا ـ إنه في مواجهة قوة ساحرة جبارة لن تلبث حتى تتغلب على مقاومته".

وقد تحدث قاض من القضاة الإيطاليين ممن عرفوا بحسن الفكاهة إلى أستاذ الإجراءات الجنائية في إحدى الجامعات فقال له:
"إنك تضيع حياتك شارحا لطلابك إجراءات المحاكمة، وكيف يجب أن تكون ولقد وددت لو أنك غيرت أسلوبك فشرحت لهم هذه الإجراءات كما لا ينبغي أن تكون... إنك لو فعلت ذلك لأخرجت المحاكم محامين أفضل.
قل لطلابك مثلا أن قاعة المحكمة ليست مسرحا لاستعراض المواهب والقدرات، وإنها ليست واجهة محل تجاري للإعلان عن البضائع الموجودة فيه، وأنها ليست قاعة محاضرات، وأنها ليست حفلة استقبال "صالون" يتبادل فيها الزوار المجاملات الاجتماعية، وأنها ليست ناديا للعب الشطرنج... !
وعقب الأستاذ بصوت خافت:
"وسأقول لهم أيضا أنها ليست غرفة للنوم !

مناقشة تساؤل الفكرة
فمن زاوية أولى:
يمكن القول بأن دور المرافعة في الدفاع قد عرف تقلصا ملحوظا على مستوى الممارسة بخصوص القضايا ذات المسطرة الشفوية كالاستعجال والكراء والجنحي العادي... حيث حل محل المرافعات الشفوية الاكتفاء بمذكرات كتابية ليس إلا. إضافة إلى أنه حتى في حالة إلقاء بعض المرافعات فإن أغلبها لا يرقى إلى المستوى المطلوب شكلا ومضمونا. وواقعا وقانون... وهذا الحكم يسري كذلك حتى على مرافعات ممثل النيابة العامة الذي يعتبر محاميا بغير حماسة المحامين، وقاضيا بغير حيدة القضاة، حيث نجده يقتصر في مرافعاته على مجرد تأكيد الملتمس الرامي إلى الإدانة أو تطبيق القانون أو مجرد المعارضة في طلب ما...؟ دون توضيح السبب... بل نجد ممثل النيابة العامة لا يجرؤ حتى على الوقوف من مقعده، باعتباره قاضيا واقفا، وبالأحرى الرد بشكل مقنع على ما يرد من ملاحظات ودفوعات أثناء إلقاء المرافعة...؟

من زاوية ثانية:
إن تكدس القضايا بالمحاكم بشكل لا يتناسب والوقت المخصص لها للبث فيها، وكذلك قلة الأطر من قضاة... مع قلة النزاهة والتجرد وعدم الاستقلال وضعف التكوين، والتكوين المستمر، وانعدام المراقبة...
ونفس الشيء بالنسبة لمساعدي القضاء من محامين وخبراء وأطباء وأجهزة كتابة الضبط... كل ذلك في حاجة ماسة وملحة إلى عملية تطهيرية وللتكوين اليومي المستمر، حيث على المحامي على سبيل المثال أن يكون قاضي نفسه ـ قاضي تحضير ـ مصفاة لكل قضية، قبل أن تعرض على القضاء...
وأن أي مرافعة كتب لها أن تلقى في الظروف أعلاه فإن مصيرها الضياع، حيث توجه في الأخير لجدران المحكمة وللجمهور ليس إلا، ولا أدل على ذلك من عدم تضمين الأحكام للأفكار الرئيسية للمرافعة، عدا الكلمة القصيرة المتداولة ألتمس الدفاع ـ البراءة ـ أو ـ الإدانة ـ.
كما يؤكد ذلك أيضا عدم ثقة المتقاضي بالمحامي بالرغم من توكيله له، حيث نجد معظم المتقاضين يطلبون من دفاعهم أرقام القضايا بالمحكمة وتاريخ الجلسة خاصة ـ جلسة الحكم ـ مع اسم القاضي المقرر... !.
وإن الوضعية المذكورة أعلاه تعتبر من أتعس أيام حياة المحامي، حيث يجد نفسه قد أقصي من الدفاع من حيث لا يشعر... والحال أنه يمارس لكن كممثل فقط !.
وأعتقد جازما أن جسم العدالة واحد، وأي عضو فيه يصاب بشلل ما فإن سائر الأعضاء ستصاب بالعدوى، فالمسؤولية جسيمة وجماعية، والكل راع... ونصيحتي لنفسي ولكل من يهمه الأمر هي نصيحة الشاعر:
ومن رعى غنما بأرض مسبعة ونام عنها تولى رعيها الأسد

ومن زاوية ثانية:
إن اليوم الذي يتحقق فيه إغلاق المحاكم لأبوابها، ببزوغ عهد جديد لا جنوح فيه للإجرام من طرف الأفراد والجماعات، يوم يغلب فيه الخير على الشر، ذلك اليوم وحده هو الذي يمكن فيه القول بأن الدفاع قد استراح من المرافعة بالمحاكم، لكن دوره الفعال لن ينتهي أبدا في مجال كل تنمية ثقافية واقتصادية واجتماعية وسياسية لأي نظام ديموقراطي ذي حضارة إنسانية.
وكما قال الأستاذ جان شارل لوكران في كتابه:" العدالة وطن الإنسان": فهيهات أن يتحقق ذلك الحلم الذي تصل فيه العدالة إلى منتهى السعادة لكل مواطن في وطنه... !

المراجع:
*كتاب: قضاة ومحامون: لمؤلفه بيبرو كالمندري، عالم فقيه إيطالي، وترجم الكتاب إلى الإنجليزية ثم إلى العربية من طرف الأستاذ حسن جلال العروسي، المحامي الأديب المصري.
*كتاب: العدالة وطن الإنسان لمؤلفه الفرنسي: جان شال لوكران المحامي الكبير بالمغرب إبان الاستعمار الفرنسي.
*المجلات القانونية مجلة المحاكم المغربية الأعداد من 1 إلى 30 (حول كنوز المحاماة).
*المنجد في اللغة والإعلام.


مجلة المرافعة

هل هناك قانون للإضراب في المغرب

د.أحمد العواني
أستاذ القانون الاجتماعي بكلية الحقوق
جامعة الحسن الثاني بالدار البيضاء.

كثر النقاش في موضوع قانون الشغل وفعاليته أو مطابقته مع الواقع الاقتصادي والاجتماعي للمغرب، وكل من تتبع باهتمام مستمر وواكب هذا النقاش لاستخلص العبر التالية:

في الحقيقة كثيرا ما سلطت الأضواء على النصوص فقط علما أن دراسة هذه النصوص تهيمن فيها الدراسة الوصفية على تحليل مناخها الاجتماعي والاقتصادي أو التاريخي، ودون استحضار الظروف التاريخية التي أنشأتها وكرست بفعل السذاجة القانونية فكرة فعالية القوانين في ميدا قانون الشغل دون التمعن أو التدقيق في مفهوم الفعالية والتطابق.

هل يعنيان ملاءمة الواقع المجتمعي للقانون؟ فإن هذه الإشكالية تتطلب حتما فهم واستيعاب المشاكل الاجتماعية والاقتصادية لبلادنا. والمؤسسة خلية اقتصادية وكأنها لازالت كيانا مجردا عند بعض قانوني الشغل.

لابد أن نعترف أن قانون الشغل وليد ظروف معينة تبناه المشرع المغربي برمته.
هذا التشريع لن يحمل في طياته تأثيرا ولو رمزيا لديناميكية محلية معاشة بمفهوم الوجدانية، فهو عبارة عن نصوص مبعثرة متلاشية يصعب على الباحث أن يقف من خلالها على نية المشرع، إن كانت هناك نية أو منطق للمشرع، ويستحيل كذلك ولو بالدراسة الشمولية أن نجزم أن في تركيبها أو سياقها مشروعا للمؤسسة من زاوية الشغل والتشغيل.
هناك في القانون المغربي مفهوم للمؤسسة في القانون الجنائي، والقانون الجبائي، والقانون الجنائي، ولا غرابة إذا دونت هذه القوانين في هذه المواد في أحسن أن هناك غموض وضبابية عندما يتعلق الأمر بقانون الشغل، فعوض أن يكون امتدادا لهذه المواد القانونية بحثا عن إدماج الإنسان في المؤسسة وانسجامه في الخلية الاقتصادية، فإن ما يميزه حاليا هو التناقض المثير وعدم التمازج بين القانون المدني والاجتماعي ثم القانون الإداري والاجتماعي، هناك بالفعل مقاومة هذه المواد لبلورة قانون الشغل أكثر حماية أو أكثر إنصافا للشغيلة المغربية.

إن من السهل جدا طرح عدم فعالية التشريع في ميدان الشغل كاستفهام أو نقد للقانون الوضعي في مجال الشغل، ولكن تفسيره ومعالجته تفرض التوقف ولم لا التوغل عند الضرورة في التاريخ الاجتماعي واقتصاد العمل، لأن هذه العلوم كعلوم قائمة بذاتها لا يمكن الاستغناء عنها أو تجاوزها إن أردنا الإحاطة فعلا بهذه الإشكالية، لا يمكن أن ندرس القانون بمعزل عن هذه الأشياء كلها.

غريب وجديد في آن واحد أن يكون التشريع برمته سابقا في نشأته لميلاد المؤسسة المغربية وسابقا لبروز طبقة عاملة مغربية. كأن الأشياء انقلبت وأصبحت القوانين هي التي تمهد للمجتمع، لا المجتمع هو الذي يخلق ويقنن لحاجياته، ففي هذا الإشكال التاريخي، إشكال سيرورة تكوين القانون، يوجد موطن عدم الفعالية وعدم التطابق بين قانون الشغل والواقع المعاش في المؤسسات.

والآن يجب أن نعي كل الوعي أن المغرب يعيش ويجتاز منعطفا اجتماعيا واقتصاديا كيفيا لم يعشه أبدا في الماضي، وندوتكم هذه خير دليل على هذا، حيث تطرحون فيها إشكالية قانون الشغل والتنمية الاقتصادية، كأنكم تريدون من خلال هذه المبادرة العلمية أن توظفوا القانون كأداة للتنمية بإعطائكم للمؤسسة حضورا أكبر ومن تمة تحريرها من التجريد المحاط بها من زاوية قانون الشغل.

ومما يميز كذلك هذا المنعطف الذي يعيشه المغرب هو تواجد ممثلي أرباب العمل وبعض النقابات.
هناك شيء جديد ألا وهو الإدارة المتواجدة عند جميع الأطراف في النقاش وتبادل الآراء حول المؤسسة وإشكالية التشغيل، ومما لاشك فيه أن كل شيء محكوم عليه بالتغيير والإصلاح على ضوء رهانات جديدة، رهانات اليوم، هذا ينطبق في رأينا على قانون الإضراب الذي يتأرجح بين استراتيجيات الأمس واستراتيجيات اليوم رغم أن رهانات الأمس ليست هي رهانات اليوم.

وبين الأمس ورهانات اليوم هل هناك قانون للإضراب بالمغرب؟
كلنا نعلم أن الإضراب أصبح ظاهرة عادية في الحياة اليومية المغربية، ما يميزها: كثافتها، طولها في بعض الأحيان ثم العنف الذي يرافقها أحيانا أخرى.

كثر الجدال في نوعيتها وأهدافها وخلفياتها، فالإضراب تضامني تارة، سياسي تارة أخرى، ثم اقتصادي، فمهني. كثرت الفتاوى وتضاربت الآراء حول مشروعيته، أو عدم مشروعيته، ولكل في هذا المجال مشروعيته النسبية أو منطقه في هذا الإضراب أو ذاك.

ومن البديهي أن تثير هذه المواقف اندهاشا أو صدمة عند كل من يهتم بعلم القانون، لأن مفهوم المشروعية لا يمكن أن يعرف به أو ينطق به بمعزل عن التشريع من جهة ودور القاضي والقضاء خاصة، من جهة أخرى، وانطلاقا من هنا، هناك سؤال يطرح نفسه: ما هو المرجع القانوني أو القانون الأساسي لهذه الآراء أو التحاليل أو لهذه التأويلات؟
الجواب على هذه الإشكالية القانونية يمكن أن ينحصر في جرد النصوص ودراستها الوصفية. هذا المنهج لا يمكن أن يفيدنا كثيرا، ومما لاشك فيه أننا إذا سلكناه سوف لا محالة نغفل الأهم.

ولتفادي ذلك سأقترح عليكم منهجا مبنيا على الفرضية التالية:
طغيان الإضراب السياسي على الإضراب المهني (الذي يهم قانون الشغل والمؤسسة) إرث تاريخي يجب مراجعته، تحليله وتقنينه على ضوء الرهان المطروح حاليا ببلادنا.

التنمية الاقتصادية وخلق فرص الشغل، لأن استراتيجيات الأمس ليست استراتيجيات اليوم.
وإن كانت هذه الفرضية لا تجهل إشكالية صعوبة التمييز بين ما هو اقتصادي وسياسي ومهني فإنها تطرح ضرورة تجاوز مفهوم الإضراب كحق في الإطلاق دون ضوابط قانونية، لأن المؤسسة كيان اقتصادي ومهني أولا وقبل كل شيء.

من خلال تحليل هذه الفرضية سيتضح أن الدراسة الوصفية للنصوص بمفردها لا تكفي لدراسة وفهم الإضراب كمعطى قانوني في علاقته مع التنمية الاقتصادية والمؤسسة من جهة، واحترام وتقنين الإضراب المشروع كحق للعمال من جهة أخرى:
لذا سنعتمد منهجا يستحضر المباحث الأربعة التالية:

المبحث الأول: المعيار التاريخي.
الذي بدونه يصعب اليوم فهم علاقة النقابة بالحزب السياسي ويستحيل كذلك الفرز والتمييز بين الإضراب السياسي، الإضراب العام، الإضراب التضامني، أو الإضراب المهني. كمفاهيم مختلفة بعضها عن بعض.

المبحث الثاني: المعيار القانوني.
هذا المعيار يرفض جرد النصوص فقط ويحتم دراسة وتحليل الظروف التي أنشأتها، ثم الوقوف عند مراحل تكوين هذا القانون.
بمعنى آخر، الرجوع إلى نظرية المصادر القانونية (إن كانت هناك نظرية) لفهم وبسط التناقضات التي يطرحها قانون الإضراب حالا بالمغرب.
فالمساطير مثلا الإدارية وغيرها لا تساير المبادئ الدستورية.

المبحث الثالث: المعيار الاقتصادي.
أي علاقة الإضراب بالتنمية الاقتصادية: هذه الإشكالية التي تطرحونها عن حق، في ندوتكم تفرض نفسها بإلحاح على المشرع وعلى من يعنيهم الأمر، تقنين الإضراب في علاقته بالمؤسسة ككيان قانوني.
فالمؤسسة قننت ونظمت فيها علاقات الشغل بكيفية غير متوازنة (العلاقات الفردية والعلاقات الجماعية) فما المبرر إذن حتى لا يخضع فيها الإضراب للقانون؟

المبحث الرابع: المعيار السوسيولوجي.
الإضراب في هذا المبحث يجب دراسته كوسيلة تعبير، للعمال من جهة وإخبار من جهة أخرى، ثم يجب الإجابة عن بعض التساؤلات: الديموقراطية العمالية وعلاقتها باتخاذ القرار؟ من يقرر في شأن الإضراب وكيف يتخذ هذا القرار؟

المبحث الأول: تاريخ الإضراب.

إن تاريخ الإضراب له علاقة وطيدة بتاريخ النقابات، وبالتالي فإن له علاقة بتاريخ قانون الشغل أو تاريخ العمل، لأن هذه المادة تدرس في الجامعات الأوربية. باختصار يمكن أن نحصر المسيرة القانونية للإضراب في تجربة وممارسة الدول الصناعية في أربعة مراحل:

ـ مرحلة عدم الاعتراف: لأن النقابات لم يعترف بها بعد. وحتى عندما يعترف بها فإن نشاطها يبقى منحصرا في المصالح الفردية دون الجماعية للعمال لأن يعترف بهذه الأخيرة إلا تدريجيا حسب موازين القوى والظروف السياسية.
ـ مرحلة الاعتراف النسبي: لم يعترف بالإضراب قانونا ولكنه أصبح ظاهرة معاشة واردة تنتظر فقط أن يدرجها المشرع في مشاريعه القانونية ذات الأولوية.

ـ مرحلة الاعتراف الدستوري: هي مرحلة حافلة وغنية بالنسبة للإبداع القانوني في هذا المجال، تميزت باحتكاك الآراء وبسط النظريات القانونية.

فالأشغال والدراسات التحضيرية أمام البرلمان الفرنسي والإيطالي مثلا هي بمثابة صراع بين مدارس قانونية مرموقة طرحت للنقاش منذ البداية أهداف الإضراب، ثم علاقته بالمقاولة، فعلاقته بالوظيفة العمومية، بالاقتصاد، بالنظام العام الاجتماعي والسياسي، بحقوق الإنسان بقانون الشغل إلخ...

وقد استحضرت كل هذه النقاشات، الممارسات السابقة بما فيها التراكم المهم للمواقف القضائية في هذا المجال إلخ.
ثم المرحلة الأخيرة: مرحلة طرح الإضراب أمام القضاء لمراقبة مشروعيته، لأن الإضراب كحق دستوري مكتسب، وعلى غرار باقي الحقوق الدستورية الأخرى، ليس حقا مطلقا، الشيء الذي يمكن معه أن يتعرض للتجاوزات والخروقات من طرف الإدارة والمقاولات بل ومن النقابات نفسها، مما يجعل دور القضاء في هذا المجال امتدادا أو تتمة لتقنين الإضراب وتنظيمه بل الحرص على مشروعيته

إن عرض هذه المراحل لا يعني أننا في المغرب يجب أن نخضع ميكانيكيا لضرورة المرور بهذه المراحل الأربعة في تسلسلها فنحن بفعل الاستعمار تبنينا هذه الفلسفة القانونية نفسها، فإذا كانت خصوصيتها التاريخية لا تفرض المرور بهذه المراحل فلا يجب أن يكون مبررا ولتقادي الإشكالية القانونية المركزية، التنظيم واحترام المشروعية للجميع. يجب أن تكون هناك ضوابط قانونية مشروعة.

لقد اعترف بالنقابات في المغرب سنة 1936، ولكن التشريع الذي وضع آنذاك في هذا المجال لا ينطبق على المغاربة، حيث أباح ونظم الميز بين العمال الفرنسيين والعمال المغاربة، فظهير 1936 يشير إلى ذلك بوضوح. فالمستعمر لا يريد أن يتمرن العامل المغربي على الإضراب ولا يريد أن يكتشف فعاليته التي ترمز إلى سلاح برهن عن فعاليته في فرنسا.

وعندما يمنع العمال المغاربة من اللجوء إلى الإضراب فالمشرع يبرر هذا المنع بضرورة احترام الأعراف المحلية.
فظهير 1938 الآنف الذكر، ثم ظهير 1955 المتعلق بممثلي العمال في المؤسسات، وأخيرا ظهير 30 يناير 1946، المنظم للنزاعات الجماعية، كل هذه القوانين لازالت تحمل بصمات هذا الميز.

وعلى أي، فإن العمال المغاربة اكتشفوا الإضراب كسلاح فعال إبان الاستعمار ووظفوه تدريجيا لتحقيق الاستقلال. وإن كانوا في مرحلة أولية قد مارسوا الإضراب بجوار الشغيلة الفرنسية، كانت استراتيجيتهم ومطالبهم تختلف عن مطالب العمال الأوربيين. أهدافهم سياسية أكثر مما هي مهنية، وقد أشار الأستاذ عبد اللطيف المنوني في دراسته بما فيه الكفاية إلى هذه الاستراتيجية. فهذا الظرف التاريخي مهم جدا لأن هذه الاستراتيجية لم تنته مع الاستقلال.

والاستعانة بالتاريخ ضروري لفهم واستيعاب المواقف الآنية للنقابات، لأن الحركة النقابية بالمغرب مقيدة بكيفية أو بأخرى بالتاريخ، وكل من يستبعد هذه الفكرة، أي حضور التاريخ فكأنه ينكر أن التاريخ علم قائم بذاته.

فهذا الظرف التاريخي هو الذي أوحى لنا بالفرضية التي اقترحناها في بداية هذه الدراسة: أي طغيان الإضراب السياسي على المهني في استراتيجيات المركزيات النقابية بالمغرب. وإن لم يكن هذا هو التفسير الوحيد لهذه الظاهرة.

يمكن أن نلخص فحوى هذه الاستراتيجية في المثال التالي: ما هي الاستراتيجية الأكثر نجاعة أو الصائبة آنذاك؟
هل هي توظيف الإضراب كسلاح ضد المؤاجر المستعمر لإرغامه على تلبية المطالب المهنية ؟

أم أنها استعمال الإضراب ضد المؤاجر المستعمر لتحرير البلاد أولا من قبضة المستعمرين وترك الشؤون المهنية والاقتصادية لما بعد الاستقلال؟

فإن كانت هذه الاستراتيجية هي الصائبة آنذاك، وإن أفلحت، والتاريخ يعترف للحركة النقابية المغربية بذلك دون منازع، فإنها من جهة أخرى كرست طغيان الخطاب السياسي الضيق الذي لا يوظف القانون اليوم، خطاب لا يميز بين ما هو مهنيي وما هو سياسي واقتصادي.

كلنا نعرف أن هناك جدلية قائمة بين السياسي والمهني والاقتصادي ولكن هناك لتسييس ما هو مهني دون الوقوف عند خصوصيات المقاولة ومناخها الاقتصادي وضرورة التموضع الجديد الضروري للنقابات ودورها الجديد على ضوء رهانات اليوم.

كم من مركزية نقابية أدرجت اليوم لأطرها في التكوين النقابي علم التدبير وعلم الاقتصاد حتى يتأتى الإلمام بالمشاكل الاقتصادية والصناعية للمقاولة المغربية؟

غريب أن تكون الشعبوية هي المحرك الأساسي لخطابات المركزيات النقابية. فمغرب اليوم ليس مغرب الأمس، وحتما فاستراتيجيات الأمس محكوم عليها بالتغيير والتطور.

ولعل هذا هو ما عبر عنه أحد القانونيين الفرنسيين حيث قال عن نقابات العالم الثالث أنها ولدت في حالة نضج أي في حالة البلوغ، ويعني بهذا النضج المفارقة بين السياسي والقصور الاجتماعي القانوني (ونحن نعرف اليوم أن النقابة في المغرب لم تمثل بعد أمام القضاء ولن تفعل شيئا للمطالبة باستعمال حق الدعوة، مثلها مثل الأشخاص الذين لا يعترف لهم القانون بذلك).

وعلى أي، يجب ألا ننسى أن الولادة في حالة نضج هي حالة غير عادية في منظورها البيولوجي. ولعل هذا هو ما أشر إليه كذلك الأستاذ عبد الله إبراهيم سنة 1967 حيث قال:" لقد حققنا ثورتنا السياسية لنحقق الآن ثورتنا الاجتماعية".

فرهانات اليوم تفرض على النقابات مواجهة المواقف، خاصة بإدماج المقاولة كمعطى قانوني واقتصادي، لأن المقاولة هي الخلية الأساسية في اقتصاد البلاد وفي خلق فرص الشغل ثم أن سوق العمل كذلك اليوم معقدا جدا، ركب يفرض الإبداع والخيال والاجتهاد والإلمام بالشؤون الاقتصادية.

من المؤسف أن لا يتوفر القانونيون على دراسات تاريخية وسوسيولوجية للإضراب. إن الدراسات والمقاولات التي كتبت في هذا المجال تخضع هي نفسها لهيمنة المنهجية السياسية لا القانونية السوسيولوجية.

وحتى ظهورها في أعمدة الصحافة الحزبية من حين لآخر هو حدث تمليه الظرفية السياسية لا إرادة علمية قانونية محضة. إن أي ملاحظ دؤوب الملاحظة والإلمام بقضايا الشغل وشموليتها يعرف أن تكدس المقالات والدراسات في هذا المجال يخضع أكثر للمواعد التي ضربت من فاتح ماي إلى فاتح ماي كان الحدث هو الذي يفرض لك، لا إرادة البحث العلمي القانوني.

على أي، يمكن أن نصنف الإضرابات التي عرفها المغرب على النحو التالي، وبديهي أن هذا التصنيف قابل للنقاش والدرس.

1)الإضرابات الاستعمارية (في عهد الحماية) 38 ـ 1936:
هي امتداد الإضرابات 1936 بفرنسا إبان الجبهة الوطنية، كان إضراب (كوزيمار) بمثابة الإضراب الأول، اكتسى صبغة فريدة بالنسبة للمغرب حيث رافقه احتلال المؤسسة، ثم هناك إضراب آخر في قطاع الفوسفاط الذي أحدث ضجة كبيرة في الأوساط الاستعمارية وكان لها صدى ضخم في الإعلام الاستعماري بالمغرب وفرنسا كذلك (انظر دراسة الأستاذ المنوني).

2)الإضرابات التحريرية لما بعد الحرب الثانية:
هذه الإضرابات هي التي أحدثت الفصل بين الجهاز النقابي الفرنسي والنقابيين المناضلين المغاربة ومهدت للاستقلال النقابي المغربي عن الأجهزة النقابية الفرنسية.

ففي هذا الظرف بالذات صدر ظهير 1938 الذي يمنع العمال المغاربة من الانخراط في النقابات ويعاقب كل رب عمل فرنسيا كان أم مغربيا سمح أو شجع عاملا على الانخراط في أية نقابة مهنية كانت، وفي هذه الآونة كذلك صدر حكم بالمحكمة الابتدائية بالدار البيضاء (1937 ـ 4 ـ 12) يقول:
الإضراب يضع حدا للعقد وبالتالي لا يمكن للعامل المضرب أن يطالب بتعويض كيفما كان نوعه بمجرد أنه انقطع فجأة عن العمل...).

3)الإضرابات السياسية:
هذه الإضرابات كانت موجهة إلى قلب الجهاز النقابي الفرنسي ( )ثم ضد الإدارة الفرنسية مثلا، فالعمال المغاربة رفضوا الاستجابة والمشاركة في الإضرابات التي تدعو إليها الكونفدرالية العامة.
والإضراب السياسي الأول بالمغرب هو الإضراب التضامني مع الحركة النقابية التونسية إثر اعتقال الزعيم التونسي فرحات حشاد سنة 1952.

هذا الإضراب العام الذي ساندته الحركة الوطنية هو الذي دشن القطيعة مع الإطار النقابي الفرنسي. وقد ألقي القبض إثره على النقابيين البارزين المغاربة: الطيب بوعزة، المحجوب بن الصديق، المرحوم التباري.

4)الإضرابات المهنية لما بعد الاستقلال:
في هذه الآونة يجب أن نستحضر دور الدولة في الاقتصاد ودور المؤسسة العمومية، في هذه المرحلة يصعب الفرز بين الإضراب السياسي والإضراب المهني لأن الدولة أصبحت المشغل الأول. فعندما توجه مطالب للدولة أو يشن إضراب ضدها إلا واكتسب صبغة سياسية والجدير بالذكر أن السنوات الأولى للاستقلال عرفت تقلص الإضرابات لأن الحكومة الأولى تتميز بحضور مهم للنقابيين.

ثم كان هناك إجماع وطني، فالسنوات الأولى للاستقلال كانت بمثابة (العهد الذهبي) للاتفاقية الجماعية، وعندما تسود الاتفاقية الجماعية، أي الحوار، يحدث تراجع مهم في اللجوء إلى الإضراب حيث يتقلص العنف الاجتماعي، وهذا منطق معروف.

ولكن هذا المنطق لن يدوم طويلا حيث أن الحركة العمالية أو النقابية ستدخل مرحلة جديدة مهمة جدا لها عواقب وخيمة بالنسبة لقانون الشغل:

مثلا: فالتعددية النقابية وإن كانت إيجابية كانت لها سلبيات أخرى:
والسلبية الأولى: اضمحلال وتراجع الاتفاقية الجماعية، ثم إن الانشقاقات النقابية رافقتها حسابات سياسية ضيقة همشت القانون وأبعدت مركز الصراع عن المشاكل المهنية اليومية التي يعيشها العمال. ثم إن التعددية لن ينظمها القانون (النقابة الأكثر تمثيلية) كيف تحدد المعايير القانونية في هذا المجال؟

المبحث القانوني: ما هو الإطار القانوني للإضراب حالا بالمغرب؟
للجواب على هذا التساؤل يجب الوقوف عند بعض التوضيحات:
1)هناك نصوص تعالج الإضراب قانونيا بكيفية غير مباشرة (ظهير 30 ـ 01 ـ 1946 المنظم للنزاعات الجماعية).
ثم هناك الفصل 14 من دستور 1972 الذي يعترف بكيفية واضحة بمشروعية الإضراب لكن، هل هذان النصان يحددان في الحقيقة الإطار القانوني للإضراب؟

يصعب جدا أن ندرج مشروعية أو عدم مشروعية الإضراب انطلاقا من القانونين الواردين أعلاه.
لماذا؟ ن فلسفة النص الأول الذي يعالج الإضراب بكيفية غير مباشرة يهدف في الحقيقة إلى تجنب الإضراب. ففلسفته وقائية ورثناها من القانون الفرنسي الذي استوردها بدوره من القانون الألماني.

جوهر هذه الفلسفة هو أن هناك اقتناع نفعي في ألمانيا بأن الإضراب تعبير عنيف يستحسن تجنبه لأنه يسيء إلى جميع الأطراف: العمال، رب العمل، والمقاولة ثم بكيفية عامة الاقتصاد القومي.

فالإضراب إذن شر لا يمكن الالتجاء إليه إلا إذا استنفدت جميع الأساليب السلمية، أي التفاوض والتحكيم.
هذه إذن هي الفلسفة القانونية التي يقوم عليها ظهير 30/1/1946.

وهذا نص تشريعي يسكت عن المناخ الاقتصادي والاجتماعي اللذان تمخض عنهما الإضراب في ألمانيا التي تتميز فيها علاقة الشغل بكونها علاقة عضوية بين المقاولة والنقابات أو ممثلي العمال.

ففي الواقع الاقتصادي والسياسي بالمغرب يصعب تطبيق هذا القانون لأن النص مجرد من مناخه واكتسى صبغة شبه إدارية محضة. أي تجنب الإضراب فقط بسلوك مسطرة أو مساطر طويلة تهدف أكثر إلى الحيلولة دون نشوب إضراب ما، والتماطل في هذا الباب له دون شك من الناحية السوسيولوجية وقع على اتخاذ القرار في الإضراب.

2)ثم من جهة أخرى هل توجد فعليا في المغرب قواعد للتحكيم في النزاعات الجماعية حيث أن الخصوصيات الاقتصادية للبلاد سيما دور الدولة، المشغل الأول لليد العاملة لا تسمح بذلك؟

هل يمكن للدولة، المشغل الأول، أن يكون في آن واحد طرفا في النزاع وحكما يشرف على التحكيم ويزكيه؟
لا داعي هنا لجرد هذا النص، فالكل يعرفه بما فيه الكفاية.
في الحقيقة جوهر هذا النص لا يكمن في دراسته التشريعية أي الوصفية.

فالجوهر حسب اعتقادنا يوجد في إشكالات قانونية غير واردة حتى الآن. أي الإشكاليات لم يتم الاعتناء بها.
هناك تناقض واضح بين المساطر التي يضعها ظهير 30/1/1946 الذي يهدف قانونيا إلى اجتناب الإضراب والفصل 14 من الدستور لذي يعترف بحق اللجوء إلى الإضراب، فمن ثمة يطرح اليوم مشكل دستورية أو عدم دستورية هذا التشريع، بكيفية أخرى هل سيبقى حق الإضراب مقيدا باحترام ظهير 1946 أم لا؟

ب ـ هذا التناقض القائم يجب أن يطرح على ضوء التحولات الاجتماعية والاقتصادية التي تعرفها بلادنا.
والمشكل المطروح هنا بإلحاح هو الممارسات الآتية، حيث أن جل الإضرابات في جميع القطاعات تجهل اللجوء إلى التحكيم. فواقعها المعاش أي بعدها السوسيولوجي يتنافى والإطار القانوني المنظم لها، وكل منا يعرف هذا، والمسؤولون برمتهم حكوميين كانوا أم نقابيين أم مقاولين يعرفون هذا جيدا كذلك.

هذه هي بعض التناقضات التي يوحي بها تعايش نصوص لا يمكن أن تتعايش طويلا دون أن تؤدي إلى السلبيات التي يعيش المغرب من جرائها من حين لآخر مآسي اجتماعية كمأساة البيضاء في يونيو 1981 وفاس وطنجة 1991.
هذه الأحداث كانت بمثابة كوارث وطنية مرت دون الوقوف عند أبعادها القانونية كالفيضانات التي يولي فيها الإنسان أمره لجبروت الطبيعة. فطويلا ما عانى المغرب من فيضانات سيما في الستينات حيث أدت إلى سلبيات كثيرة: ضياع ثروات من المياه حيث تصب في البحار وانجراف التربة وخسائر مادية باهضة.

إن هذا المثال لا يبعدنا عن الموضوع الذي نحن بصدد دراسته، لأن إصلاح قانون الإضراب وتقنينه وتنظيمه أمر يتطلب تقنيات قانونية وضوابط قانونية.

ذلك أن القاعدة القانونية ليست غاية في حد ذاتها ولكن وسيلة للوصول إلى أهداف معينة تخدم مصالح المواطن المغربي واقتصاد بلاده في إطار المشروعية دولة القانون وحقوق الإنسان بما فيها قانون الإضراب.

ج ـ ومهما يكن من أمر يجب أن نستحضر أنه من غير المعقول أن ننطق بمصطلح المشروعية ونحن نهمش دور القاضي والقضاء في اتخاذ الموقف من المشروعية أو عدم المشروعية عندما يتعلق الأمر بالإضراب.

في رأينا وحسب معرفتنا في هذا الباب، لم يتأت بعد للقاضي أن يبث أو ينطق بالقانون في نازلة من النوازل المتعلقة بالإضراب.

وحتى يمكن أن يتأتى له ذلك يجب حتما إصلاح قانون المسطرة المدنية وسيما فصله العشرون الذي يبقى حاجزا أمام الدعاوي ذات الصبغة الجماعية.

في هذه النقطة بالذات ليس هناك جديد في مشروع مدونة قانون الشغل. وفي الحقيقة فإن هذا الإشكال القانوني له أبعاد أخرى بالنسبة للمجتمع المدني ودولة القانون. هل المصالح الجماعية للمواطن ستبقى إلى ما لا نهاية خاضعة للمساطر الإدارية دون رقابة مشروعيتها؟ أو أن القانون يجب أن يسود في دولة القانون وتحت رعاية ومراقبة القضاء؟

والإضراب هنا مثال ينطق بنفسه:
لأن التعريف الكوني للإضراب يحث على بعده الجماعي، فالإضراب إما أن يكون جماعيا أو لا يكون، ليس هناك إضراب بمفهوم فردي.

وقد يعتقد البعض أن قضايا الإضراب عرضت على القضاء، وقد يدلي هؤلاء ببعض الاجتهادات القضائية في هذا المضمار.

إن هذا الاعتقاد مبني في الحقيقة على لبس يجب رفعه. ففي هذه النوازل يحلل الإضراب كفعل فردي يحكم فيها على المضربين فرادى كأن المشكل القانوني الذي هو في تعريفه جماعي، يحول إلى ثلة من المشاكل القانونية الفردية. هذا منطق عرفته الاجتهادات القضائية الأوربية حين كان ينظر إلى الإضراب في الماضي كجنحة يعاقب عليها المضرب. وهذا عهد ولى حين اعترفت الدساتير بحق الإضراب.

4)لهذه الأسباب كلها، نلح على ضرورة إصلاح وتنظيم الإضراب في بلادنا لأن الظرف يكاد أن يكون خطيرا، ومن السهل التنبؤ والجزم بمستقبلها القريب إذا استحضرنا بعض المؤشرات الموضوعية التي تؤكد ذلك، والتي يمكن سردها بإيجاز على النحو الآتي:

1)فعالية الإضراب التاريخية لازالت حية في ذاكرة المغاربة: دوره الإيجابي في استقلال المغرب.

2)فإذا كانت للإضراب أسس تاريخية، فعكس ذلك يلاحظ في انعدام ثقافة أو رصيد تاريخي أو تقاليد قائمة للحوار أو التحاور الاجتماعي.
فالإضراب له جذور في التاريخ ولكن ليست هناك أسس أو مراجع للحوار.

3)انقراض الاتفاقية الجماعية، على الصعيد الوطني أو المهني أو المؤسساتي.

4) هناك مؤشر آخر وليس بالهين لازلنا لم نستوعب اجتماعيا عواقبه في المستقبل القريب، إن دور الدولة في الاقتصاد.
إن دورها الجديد يتميز بالانسحاب، ومجالها يتقلص شيئا فشيئا. وبصدد هذا الانكماش فإن مفهوم الصالح العام سوف يعاد فيه النظر من الناحية الاجتماعية، فاليوم ستطغى المصالح الفردية أو الخاصة. ومما لاشك فيه أن المواقف سوف تتميز بالصلابة والتعصب واندلاع الإضرابات القطاعية أو العامة التي يلوح بها من حين لآخر، ومن المؤسف جدا أن تعاني المقاولة المغربية الفتية اقتصاديا من هذه المواقف.

5)المؤشر الأخير هو القناعة الغائبة عند قادة المركزيات النقابية في نزاهة القضاء، وهشاشة دور القانون في معالجة النزاعات الجماعية.

لقد أدلى هؤلاء القادة(بعضهم) بتصريحات خطيرة في هذا المجال، لا أظن أنهم استوعبوا خطورتها وسلبياتها على العمال، إنهم بهذه المواقف يبررون قانون الغاب، ويزرعون فكرة "أنا الحق وأنا العدل والعدالة".

3)المبحث الاقتصادي:
هناك اعتقاد عند بعض المسؤولين الاقتصاديين كرسته بعض النظريات الاقتصادية التقليدية (الكلاسيكية) ترجع لحق الإضراب مسؤولية مباشرة في تأخير عجلة مسيرة النمو الاقتصادي، إنهم يقدمونه كحاجز أو عامل يعوق التراكم الكافي لرأس المال الذي بدونه ليس هناك نمو اقتصادي ولا خلق لفرص الشغل، لا ريب أن لهذه النظريات صداها في بلادنا، والمسؤولون يعترفون اليوم في المغرب أن هذه السياسة لا تنصف الشغيلة المغربية التي تحملت بمفردها ثقلا كبيرا في مسيرة النماء.

وفي هذا الإطار انقلبت الموازين وأصبح الخبراء ينظرون إلى النماء بمنظور جديد فهم يحبذون النماء الكيفي لا الكمي، النماء الذي يتخذ الإنسان غاية لا وسيلة.

والإضراب الذي نحن بصدد دراسته لا يجب أن ينظر إليه كسلبية في حد ذاته. وفي هذا المجال أقيمت دراسات معمقة أكدت عكس ما يظنه بعض أرباب العمل بالمغرب. إن هناك علاقة سببية أو جدلية بين المطالبة بحقوق جديدة وكيفية وبين النمو الاقتصادي. وفي الحقيقة لا يطالب بحق الإضراب والحريات النقابية وحقوق الإنسان إلا المجتمعات التي لها رصيد ثقافي، اقتصادي وتاريخي مجيد.

فالإضراب من الناحية الاقتصادية ليس عائقا للنمو، والمقاولة شأنها في ذلك شأن المجتمعات لا تتقدم إلا بنشوب الأزمات وتفاقمها أحيانا.

في اعتقادنا يمكن أن يكون الإضراب المحكم، المشروع، وسيلة من الوسائل الأخرى التي تمهد للنمو الاقتصادي. لماذا؟ لأن عقلية بعض أرباب العمل وفلسفتهم الاجتماعية وتدبيرهم للمؤسسات لا تدمج العامل الإنساني ولا توفر قابلية للحوار في ميدان الشغل.

والعمال وممثلوهم لا يمكنهم أن يتنازلوا عن حقهم في الإضراب، وإذا فعلوا ذلك فكأنهم يشجعون هذه العقلية. فالسلطة الاقتصادية لرب العمل يجب أن تقابلها سلطة عكسية مضادة ومحكمة تقود إلى التفاوض أو تجبر المقاول على الجلوس إلى طاولة الحوار والتفاوض في ظل القانون والمشروعية.

4)المحور السوسيولوجي:
إن له أهمية كبرى، وإن كنت لا أدعي أنني أملك خبرة في علم الاجتماع فإني أعي كل الوعي مزايا الاستعانة به. إن الإضراب تعبير، والتعبير له علاقة وطيدة بالخلق والإبداع العمالي، ثم إن له دور في الإخبار، إخبار الجمهور الواسع، كأن العمال المضربين يهدفون إلى توسيع مجال النزاع بإخراجه من الإطار الضيق أي المؤسسة، إلى إطار أوسع أي المجتمع. هذا الجانب من الجوانب السوسيولوجية.

ثم إن هناك جانب آخر، يتعلق باتخاذ القرار، هذا يطرح أشكال الديموقراطية العمالية. هل هناك دور للقاعدة في اتخاذ القرار؟ هل القيادة هي التي تتصرف لوحدها؟ هل الأحزاب السياسية التي يمكن أن تكون النقابة بمثابة 1يل بالنسبة لها هي التي تقرر؟

إنني لا أدعي أنني أملك الجواب على هذه التساؤلات كلها، ولكنني مقتنع ومتشبع بأن كل إنسان ديموقراطي يجب أن يطرح هذه التساؤلات.

هل للنقابات استراتيجيات مستقلة عن استراتيجيات الأحزاب السياسية؟
قد يتضح الآن بدون شك أن هناك صعوبة للإحاطة بالإشكالية القانونية التي يطرحها الإضراب.
وقد يتضح الآن كذلك أن دراسة النصوص التشريعية لا يمكن أن تكون البداية والنهاية لفهم وتحليل مسألة قانونية حساسة ومتشبعة في أسلوبها وأبعادها وأهدافها.

ويجب أن نعترف كذلك أن الاعتناء بالإضراب أو معالجته احتكره إلى حد الآن الخطاب السياسي ولم تتم بعد الإحاطة به من وجهة العلوم القانونية أو الاقتصادية. إن الخطاب السياسي وحده لا يمكن أن يتصف بالموضوعية والحياد العلمي الكافيين. وقد تتحمل كليات الحقوق في بلادنا قسطا وافرا من المسؤولية في هذا المجال. لقد طغت فيها الدراسة الوصفية للنصوص، وبكيفية أدق، فالمحاضرات التي تلقى في قانون الشغل هي في أغلب الأحيان دراسات تشريعية لا دراسات قانونية بمفهوم التحليل القانوني الذي يتماشى والمناخ الاقتصادي للمقاولة، والتحولات التي يعرفها سوق العمل ببلادنا في تركيباته وخصوصياته. فانتقاد تهميش أو عدم توظيف القانون من لدن النقابات والدولة ما هو إلا انعكاس لما يروج حول المناهج التدريسية. لقد كان قانون الإضراب في الماضي الغير البعيد من الدروس الجامعية التي لن يتوقف عندها الباحثون، إنها من المحرمات.

والآن فبلادنا تعرف قفزة نوعية لا يستهان بها في النمو الاقتصادي، والرغبة والطموح في غد أفضل، تؤدي إلى ضرورة مراجعة المواقف والاستراتيجيات لتكون المقاولة بجميع مكوناتها وامتداداتها الإنسانية محط عنايات متعددة لا السياسية فقط، بل المهنية والاقتصادية أولا، علما أن المؤسسة أو المقاولة تحوم في فضاء اقتصادي وسياسي.
لهذا فأنا أقترح، وهذا مجرد اقتراح ولكل منا واسع النظر والرأي في هذا المجال أن نعيد النظر في علاقة النقابات وأرباب العمل بمفهوم الإضراب، وأن تكون المقاولة في مأمن من الإضرابات السياسية بالتمييز الشرعي والقانوني بين الإضراب السياسي والإضراب المهني حتى لا نكون البلد الوحيد الذي يعترف فيه بحق الإضراب في الإطلاق دون ضوابط قانونية محكمة ومشروعة.
ومما لاشك فيه أن القانون المقارن والدراسة المقارنة لقانون الإضراب سوف لا محالة تفيدنا في هذا السياق.

5)الإصلاح على ضوء القانون المقارن للإضراب:
هناك من يقول أنه يجب أن نقارن ما هو مقارن.
وقد يستشف من هذا أن المغرب لا يجب أن نقارنه بالدول الأوربية، وهذا غلط في رأينا لسببين إثنين على الأقل:

1)يجب أن نقارن ممارستنا للقانون بالدول التي سبقتنا في هذا المجال، وحتما لن تكون هذه الدول إلا الدول التي لها رصيد وممارسات ديموقراطية والتي عبر أزماتها وتجاربها العديدة فرضت احترام قانون الإضراب وأدمجته ووظفته لمقتضيات وحاجيات النمو الاقتصادي.

إن هذه الدول نجحت في التنسيق والإدماج بين احترام حق ومشروعية الإضراب وإبراز المؤسسة كخلية اقتصادية متكاملة ورائدة في الخلق التكنولوجي والنمو الاقتصادي، بيد أن هناك في الدول العربية تنافرا سائدا بين حق الإضراب إن كان هناك حق، ومقتضيات الاقتصاد والمقاولة. وأي دولة إفريقية سلكت هذا السبيل؟ وأي دولة عربية تألقت في هذا الميدان؟

إن هذه الدول لازالت في الحقبة الأولى من هذه المسيرة، الحقبة البدائية أي المطالبة بالحريات الفردية، ونحن الآن بصدد دراسته كحق جماعي لا يمكن احترامه إلا إذا توفرت جميع الحريات الفردية.
إن الحريات الجماعية والاعتراف بها من طرف القانون، أي التشريع والقضاء، هي حريات تحوم في كتلة من الحريات الفردية.

2)ثم إن المقارنة بالدول الأوربية وخاصة فرنسا تفرضه العلاقة العضوية التي تحملها التشريعات المغربية نفسها إلى درجة أنه أحيانا يصعب على رجل القانون أن يميز بين ما هو تشريع فرنسي وما هو تشريع مغربي في القانون الوضعي للشغل، وفي الحقيقة فالمناخ السياسي والاقتصادي والظروف التي أنشأت هذه التشريعات هي التي تختلف، وفعالية أو عدم فعالية القانون لها صلة وطيدة بالمصادر القانونية والتاريخ ومسلسل مسيرة تكوين هذه القوانين والظروف التي خلقتها.

وانطلاقا من هذه التوضيحات فظهير 16/7/1957 الذي ينظم القانون النقابي بالمغرب ما هو إلا القانون الفرنسي 12/3/1920 نفس النص، نفس المدلول، ونفس المحتوى.
وظهير 30/1/1946 الذي ينظم النزاعات الجماعية ما هو إلا القانون الفرنسي لسنة 1936.

وقد ذكرنا سابقا أن هذا النص ينظم بكيفية غير مباشرة قانون الإضراب، أي بكيفية وقائية، كأن الإضراب علة اجتماعية. وعندما أدرج الاعتراف بقانون الإضراب في ديباجة الدستور الفرنسي في سنة 1946 ألغى فورا قانون 1936، بل ذهب المشرع الفرنسي إلى أبعد من ذلك، وألغى هذا النص الذي أدمجه في مدونة الشغل لدول ما وراء البحار التي كانت مستعمرات لفرنسا، لأن مقتضيات ديباجة دستور 1946 للجمهورية الخامسة الفرنسية أي الاعتراف بقانون الإضراب، لا يمكن أن يتعايش مع مقتضيات قانون 1936.

فالنصان لا يتعايشان لأن منطق كل منهما يختلف، وحتى الاجتهاد القضائي عرف من جراء الفلسفة الجديدة تحولا جذريا، من مفهوم الإضراب كجنحة، إلى مفهوم الإضراب كحق دستوري.

وجوهر المقارنة بين القانون الفرنسي للإضراب والقانون المغربي يكمن في مدى تعايش هذين المنطقين، وحتى القانونيين المغاربة دجنوا هذا التناقض في حين أنه لا يعقل أن يعترف بحق الإضراب في الدستور المغربي الذي تبنى مرة أخرى نفس التعبير الذي أتى به القانون الفرنسي في دستور1946، في حين أن الإضراب أي النزاعات الجماعية لازالت تخضع لمنطق ظهير 30/1/1946، وإن لم يعر المشرع أهمية لفحوى هذا التناقض فإن الأحداث التي عرفها المغرب من حين لآخر والواقع المعاش، تجاوزت إطار ظهير 1946 حيث أن مصادر الصلح والتحكيم قد دست بحكم الاعتراف الدستوري.

والآن وقد اعترف دستوريا بقانون الإضراب، وأصبح حقا مكتسبا لا رجعة فيه، فمن الواجب تنظيمه وتسخيره للنماء الاقتصادي الكيفي. نعم لحق الإضراب، ولكن للإضراب المشروع. والمشروعية لا يمكن أن تحدد أو تعرف بمعزل عن دور القاضي ورقابة الجهاز القضائي. ثم لابد أن يكون هناك تراضي مسبق في تحديد إطار الإضراب.

ففي ألمانيا مثلا تمنع مبدئيا الإضرابات التضامنية، وفي إنجلترا هناك تمييز بين الإضرابات المنصفة والغير المنصفة.

ثم إن الإضرابات لسياسية في فرنسا وبلجيكا وألمانيا وإيطاليا غير مشروعة، وعدم مشروعيتها هاته لم يتم التصريح بها بقرار إداري بل تستند إلى اجتهادات قضائية.

وهذه الاجتهادات تنكب دائما على حل مشكل أساسي ألا وهو الفرز بين الإضراب المهني المشروع للنقابات العمالية والإضرابات السياسية التي تتجاوز البعد المهني.

وفي كل هذه البلدان م طرح إشكالية صعوبة الفرز بين السياسي و المهني، والقاضي هو الذي يقرر، لأنه في بعض الأحيان يقر مشروعية إضراب يمكن أن يكون أسلوبه وتعبيره سياسيا ولكن أبعاده مهنية.
وقد يصعب جدا في المغرب أن تقبل النقابات هذا التنظيم المشروع للإضراب.

فعندما تقدم مثل هذه الاقتراحات ينعت المرء كأنه مشكوك فيه ولربما تدفعه أيادي خفية، شيطانية. وعني هذا في الحقيقة أن حق الإضراب حق تحتكره النقابات، حق في الإطلاق غير قابل لمراقبة مشروعيته.
وهل يحق أن ننفرد لوحدنا بهذا الموقف؟ هل الدول الآنفة الذكر والتي يميز قضاءها بين الإضراب السياسي والمهني دول لا يحترم فيها حق الإضراب؟

إنها دول ديموقراطية تحترم فيها حقوق الإنسان وحقوق العمال.
إن دولة القانون التي نطالب بها لا تنحصر على الدولة فقط بل على الجميع، ولا يمكن حسب اعتقادنا أن يكون هناك حق في الإطلاق، فالتمييز ضروري يفرضه إدماج البعد الاقتصادي.
وإذا كنا نتشبث بالإضراب السياسي فلننظمه أيضا على مستوى الإضراب السياسي، وهذه فكرة روج لها الفقه القانوني الأوربي، أي التنظيم السياسي المحكم في الدستور ولكن بمعزل عن المؤسسة التي لا يعنيها الإضراب السياسي.




نظام الحالة المدنية ومقتضيات الفصل 468 من القانون الجنائي

ذ.الحسن بويقين
مستشار بالمجلس الأعلى

توطئة:
خصت المجتمعات البشرية قديمها وحديثها الأسرة ـ باعتبارها النواة الأولى لتكوينها ـ بعناية متميزة حيث نظمت كل ما يحفظ لها كيانها واستمراريتها وأهميتها في تطور المجتمع، فنظمت بذلك الزواج والطلاق والولادة والوفاة وتسمى القوانين التي تتناول ذلك كله في التشريعات الحديثة نظام الحالة المدنية.

وللحالة المدنية أهمية كبيرة سواء بالنسبة للفرد حيث أنها هي التي تحدد مقومات هويته وتثبت وجوده عن طريق محررات رسمية يحررها ضابط الحالة المدنية وبالنسبة للمجتمع كذلك حيث يعتمد عليها في تخطيطاته المستقبلية في الميدان الاقتصادي، كما أن الإدارات ومؤسسات التشغيل الحرة تعتمد على وثائق من سجلات الحالة المدنية لمعرفة سن الموظف أو الأجير عند التوظيف أو التقاعد كما تعتمد عليها مؤسسات التعليم بالنسبة لسن التمدرس، وبواسطة نفس الوثائق يحدد سن الرشد القانوني وسن الرشد الجنائي وأهلية الفتى والفتاة للزواج، وسن التشريع في الانتخابات.

ولأجل هذه الاستعمالات المتنوعة والضرورية لوثائق الحالة المدنية أحاط المشرع نظام الحالة المدنية بتنظيم خاص.
ونظرا لأهمية نظام الحالة المدنية في حياة الفرد والمجتمع أحاطه المشرع بعدة تدابير زجرية لم تتجاوز عقوبات مالية بسيطة في الأول كالتي وردت في الفصل 16... والفصل 40 من ظهير 4/9/1915 المنظم لأول مرة للحالة المدنية بالمغرب والفصل 10 من ظهير 8/1/50 الذي قضى بدوره بعقوبة مالية في حق الأشخاص المبينين في الفقرة 1 من الفصل الثالث من نفس الظهير، وهذه العقوبات المالية موجهة فقط ضد ضابط الحالة المدنية الذي تصدر عنه مخالفات معينة ومحددة في الفصلين المذكورين، ونفس الشيء بالنسبة لظهير 25/1/1932 المتعلق بالزيادات والوفيات الغير المصرح بها حيث نص الفصل الثاني منه على ذعيرة مالية في حق كل الواجب عليهم التصريح بالازدياد أو الوفاة إذا لم يفعلوا ذلك داخل الأجل القانوني.

ولم يشدد المشرع في عقوبة المخالفين لنظام الحالة المدنية إلا بواسطة الفصل 11 من ظهير 8/3/50 المعمم لنظام الحالة المدنية بالمغرب حيث نص عل ذعيرة مالية وعقوبة حبسية تتراوح بين 500-6000 سنتيم وبين ستة أيام وشهر واحد أو... إحداهما فقط في حالة عدم القيام بالتصريح ضمن الآجال المحددة في الفقرة الثانية من الفصل الأول من نفس الظهير وبالفقرة الثانية من الفصل 45 من ظهير 4/9/1915 بل نص نفس الفصل على عقوبة أكثر شدة تتمثل في سجن تتراوح مدته بين ستة أشهر وثلاث سنوات في حق كل من تملص و حاول التملص من التزامات الحالة المدنية مع كونه خاضعا لها وذلك بتصريح زائف أو إخفاء أو زيادة أوراق أو غير ذلك من الوسائل.

وباعتبار التصريح بالازدياد نقطة الانطلاق الأولى للخضوع لنظام الحالة المدنية سواء لأول مرة وذلك بتصريح الشخص بازدياده وازدياد كل أبنائه مرة واحدة متى كان متمتعا بتعويضات عائلية من جهات معينة كما سنرى لاحقا أو سواء بالنسبة للتصريح بازدياد كل مولود جديد الخاضع لنظام الحالة المدنية سابقا فإن المشرع لم يكتف بالعقوبة البسيطة الواردة في الفقرة الأولى من الفصل 11 من ظهير 8/3/50 المشار إليه أعلاه بل أحدث عقوبة أشد نوعا ما في الفصل 468 من ق.ج تتراوح ما بين شهر واحد وشهرين اثنين حبسا وغرامة من 120 درهما إلى مائتي درهم.

عند تطبيق مقتضيات الفصل 468 من ق.ج قد يحصل بعض الالتباس إذا لم يقع فهم بعض العبارات الواردة فيه فهما صحيحا وخاصة معنى عبارة "الحالات التي يكون فيها التصريح واجبا " وعبارة " الأجل القانوني للتصريح" وعبارة " الأشخاص الواجب عليهم التصريح".

ولأجل ذلك ارتأينا تسليط بعض الأضواء على الفصل المذكور أعلاه حسب فهمنا المتواضع والقابل لكل نقاش، وتسهيلا للأمر فضلت أن أبدأ بدراسة رسم الازدياد باعتباره الغاية والمقصود بالدرجة الأولى من أحداث المقتضيات أعلاه.

خطة البحث:
وهكذا سنتناول دراسة هذا المبحث من خلال محورين اثنين:

ـ المحور الأول: سأتحدث من خلاله عل عقد رسم الازدياد في مباحث أربعة:
الأول: يتعلق بحالات إلزامية التصريح بالازدياد.
الثاني: أجل التصريح بالازدياد.
الثالث: الأشخاص الواجب عليهم التصريح بالازدياد.
الرابع: الضابط المختص لتلقي التصريح.

المحور الثاني: سيتناول تحليل مقتضيات الفصل 468 من ق.ج وذلك في أربعة مباحث أيضا:
الأول: حالات وجوب التصريح بالازدياد حسب مفهوم الفصل 468.
ثانيا: الركن المادي (الركن المادي للجريمة).
ثالثا: صفة الشخص الواجب عليه التصريح بالازدياد.
رابعا: القصد الجنائي (الركن المعنوي للجريمة).
ورغم تشابه بعض العناوين في المحورين معا فإن مضمونها يختلف كما سنرى لاحقا.

رسم الازدياد:
يعتبر رسم الازدياد من أهم لمحررات الرسمية التي يتولى تحريرها ضابط الحالة المدنية، وهو وثيقة تثبت هوية صاحبها وعلى أساسها يستطيع الشخص القيام بجميع المعاملات وبواسطتها تعرف أهليته (1) ورشده القانوني والجنائي وعدمهما وكذا... أهليته للانتخاب والترشيح لها كما يرجع إليها في علاقة الشخص مع الإدارة كمواطن أو كموظف، وتبقى المعلومات الواردة في الرسم المذكور لصيقة بصاحبها على حين وفاته.

ونظرا لما لهذا الرسم من أهمية فقد اعتنى به المشرع وأحدث في شأنه إجراءات وضمانات إدارية وقضائية.
ويتعين بادئ ذي بدئ التطرق إلى حالات إلزامية التصريح بالازدياد وهي بيت القصيد في الموضوع لأنها تمثل الجانب الغامض نسبيا في مقتضيات الفصل 468 من ق.ج ولتوضيح ذلك يتعين الرجوع إلى النصوص المنظمة للحالة المدنية بالمغرب.
ــــــــــــــــــــــــــــــ
(1) ورد في قرار المجلس الأعلى تحت عدد 5 بتاريخ 15/11/68 أن السن القانوني للشخص هو الذي يؤخذ لزوما من سجلات الحالة المدنية عند وجودها ولا يمكن للمحكمة أن تأخذ بالسن المثبت فيما سواها.
ــــــــــــــــــــــــــــــ

المبحث الأول: حالات إلزامية التصريح بالازدياد:

أنشئ نظام الحالة المدنية بالمغرب بواسطة ظهير 4/9/1915 لفائدة المستعمر بصفة خاصة والأجانب بصفة عامة ولم يسمح للمغاربة من الاستفادة منه إلا في سنة 1931 حيث صدر ظهير 2/9/1931 المغير للفصل الأول من الظهير أعلاه وذلك بإضافة فقرة تنص على أن المغاربة أن ينتفعوا بنظام الحالة المدنية فيما يرجع للازدياد والوفيات، وظل الأمر على هذه الحالة إلى تاريخ صدور ظهير 8/03/1950 الذي سمح بتمديد مقتضيات ظهير 04/09/1915 إلى المغاربة ونص بوجوب الخضوع للنظام المذكور الفئات المستفيدة من التعويضات العائلية، وفي آخر المطاف صدر ظهير 4/12/1963 وبموجبه وقع تعميم نظام الحالة المدنية على جميع المغاربة إجباريا، غير أن هذا التعميم الإلزامي لازال يترجم إلى الواقع بسبب عدم صدور القرارات والمراسيم التنظيمية للظهير المذكور، ولذا فإن الخضوع لنظام الحالة المدنية لغير الفئات المومأ إليها أعلاه لازال اختياريا، لكن متى يجب التصريح بالازدياد ؟

يجب التصريح بالازدياد في الحالات التالية:
1)إذا كان أحد أبوي المولود يتمتع بإعانات عائلية أو التعويضات التي يمنحها الصندوق الوطني للضمان الاجتماعي ويشمل هذا الوجوب الشخص المنتفع فيما يتعلق بالتصريح بازدياده هو وبأولاده كما ينسحب الوجوب على من قام مقام المنتفع في حالة وفاة هذا الأخير (الفصل 2-1 من قرار 3/4/1950).

2)كل من كان خاضعا لنظام الحالة المدنية يكون ملزما عليه في المستقبل أن يصرح بازدياد أولاده ولو كان لا يتمتع بإعانات قانونية.

3)عقاب الأشخاص الملزمين بالخضوع لنظام الحالة المدنية (الفصل 2 من ظهير 8/3/1950).
لاشك أن حالات إلزامية التصريح بالازدياد المشار إليها أعلاه لازالت في حاجة إلى توضيح وتفصيل أكثر، وسيتأتى لنا ذلك من خلال دراسة أجل التصريح بالولادة.

المبحث الثاني: أجل التصريح بالولادة.

إن آجال التصريح بالازدياد يمكن تقسيمها إلى ثلاثة أنواع:
1) الأجل غير المحدد المدة:
يستفيد من هذا الأجل كل من لم يخضع لنظام الحالة المدنية وجوبا حيث يمكن له متى شاء أن يتقدم لدى ضابط الحالة المدنية لمكان ازدياده وازدياد أولاده ويعلن عن رغبته في التسجيل بسجلات الحالة المدنية معززا طلبه بالوثائق الضرورية دون حاجة إلى استصدار حكم من القضاء بالأمر بالتسجيل.

2) الأجل المحدد في ثلاثة أشهر:
بصدور ظهير 8/3/1950 ومرسوم تطبيقه المؤرخ بـ 3/4/1950 أصبح الخضوع لنظام الحالة المدنية إلزاميا لفئة معينة من المغاربة وهم الأشخاص المشار إليهم في الفصل الأول من المرسوم المذكور أعلاه، وهكذا يجب على كل من لم يخضع لنظام الحالة المدنية سابقا وأصبح يستفيد أو قد يستفيد من إعانات عائلية أو قانونية أو تعويضات من صندوق الضمان الاجتماعي سواء كانت تلك التعويضات من الدولة أو من طرف منظمات عمومية أو خصوصية يجب عليه أن يطلب كناش التعريف والحالة المدنية وأن يصرح في نفس الوقت بازدياد أولاده داخل أجل ثلاثة أشهر تبتدئ من تاريخ الاستفادة من تلك التعويضات والإعانات.

والسؤال الذي يطرح نفسه بحدة هو: ما هي الجهة المختصة لتلقي التصريح بالازدياد خارج أجل الثلاثة أشهر؟ هل هو ضابط الحالة المدنية أو هذا الأخير بواسطة حكم من المحكمة ؟
إن المشرع كما سنرى لاحقا بعد أن حدد في الفصل 21 من ظهير 4/9/1915 أجل التصريح بالازدياد بالنسبة للخاضع للحالة المدنية أردف ذلك بقوله بأنه في حالة مرور الأمد القانوني المذكور فلابد من الالتجاء إلى المحكمة لاستصدار أمر بالتسجيل.

أما بالنسبة للواجب عليهم الخضوع لنظام الحالة المدنية طبق الفصل الأول من القرار المؤرخ في 3/4/50 فقد حدد الفصل الثاني من نفس القرار أجل التصريح بازدياد الأبناء في ثلاثة أشهر دون الإشارة إلى الجهة المختصة في حالة مرور الأجل المذكور دون التصريح بالازدياد. ولكن هل يمكن أن نقيس هذه الحالة المشار إليها أعلاه، ونقول باختصاص القضاء في الحالتين معا؟

إن الجواب بالنفي هو الأقرب للصواب إن لم يكن الصواب بعينه ونعلل ذلك:
1) بسكوت المشرع عن ذكر اختصاص القضاء حيث يبقى الجزاء المترتب عن ذلك هو الجزاء الزجري فقط وهو المشار إليه في الفصل 11 من ظهير 8/3/1950 ويتحفظ كما سنبين لاحقا الجزاء الوارد في الفصل 468 من ق.ج.

2)التصريح بازدياد الأبناء عن طريق المحكمة خارج أجل الثلاثة أشهر يستوجب أولا كون والد الأبناء المذكورين متوفرا على اسم عائلي سبق أن خضع لمسطرة التثبت والنشر ولا يتأتى ذلك عن طريق الأمر بالتسجيل لأول مرة بواسطة المحكمة.

ويلاحظ أن بعض المحاكم غالبا ما تقبل طلبات تسجيل الأبناء بسجلات الحالة المدنية رغم أن والدهم أو جدهم للأب لم يسبق لهما أن خضعا لنظام الحالة المدنية وهذا يعد خروجا عن اختصاص القضاء لما يترتب عن ذلك من تسجيل اسم عائلي بسجلات الحالة المدنية دون خضوعه لمسطرة التثبت (2) وسيكون مصير كل حكم من هذا النوع الإشكال في التنفيذ ما لم يكن ضابط الحالة المدنية الذي أحيل عليه الحكم المذكور يجهل القوانين المنظمة للحالة المدنية ويقع بدوره في نفس الخطأ.

الأجل المحدد في شهر:
إن هذا الأجل خاص بكل خاضع لنظام الحالة المدنية أي بكل من وقع تسجيله بسجلات الحالة المدنية وازداد له مولود جديد، فيتعين عليه طبقا للفصل 21 من ظهير 4/9/1915 أن يصرح به لدى ضابط الحالة المدنية داخل الأجل المذكور الذي يبتدئ في اليوم الموالي لتاريخ الازدياد وهو أجل كاف ومناسب، لاسيما وأن المواصلات حاليا موجودة في جميع أنحاء المغرب بالإضافة إلى أنه يمكن للمعني بالأمر أن يصرح بازدياد مولوده داخل الأجل القانوني حتى أمام ضابط الحالة المدنية للجماعة المجاورة بجماعة مكان الازدياد، وإذا مر الأجل المذكور فلا يمكن تسجيل الولادة بسجلات الحالة المدنية إلا بواسطة حكم تصدره محكمة مكان الولادة بصريح الفصل 21 المذكور أعلاه.
أن آجال التصريح بالازدياد منحصرة فيما ذكره أعلاه، غير أن بعض الحالات يشار التساؤل بشأنها حول ما إذا كانت خاضعة لهذا الأجل أو ذاك وسنوضحها فيما يلي:

أجل التصريح بازدياد الابن الطبيعي (الغير الشرعي)
أن الابن الطبيعي لا يراعى في تسجيله بسجلات الحالة المدنية الأجل القانوني المشار إليه في الفصل 21 من ظهير 4/9/1915 (شهر واحد) ولو كانت والدته مسجلة بسجلات الحالة المدنية، لأنه إذا كان من اللازم أن يتمتع الابن الشرعي باسم والده في النسب، وبالتالي في الاسم العائلي فإن الأمر ليس كذلك بالنسبة للابن الغير الشرعي ولو كان يتبع أمه في الميراث والنسب، حيث أنه ليس من الضروري أن يتبع أمه في الاسم العائلي لأن هذا الأخير غالبا ما يكون اسما عائليا لأسرة الأم وقد ترفض تلك الأسرة أو بعض أفرادها منح اسمها العائلي للابن الطبيعي ومن حقهم التعرض على ذلك أثناء مسطرة تثبت الاسم العائل، وسوف لن يتأتى إجراء المسطرة المذكورة وكذا التعرض على الاسم العائلي إذا وقع تسجيل الابن الطبيعي عن طريق المحكمة بدعوى مرور أجل شهر على تاريخ الازدياد. فهذه الحالة إذن يطبق عليها الأجل الغير المحدد لعدم وجود الأب بحيث يمكن لمن يعنيه الأمر أن يصرح بازدياد الابن الطبيعي أمام ضابط الحالة المدنية في أي وقت شاء مادام الخضوع لنظام الحالة المدنية اختياريا بالنسبة للابن المذكور.
ــــــــــــــــــــــــــــــ
(2)انظر فيما يتعلق بمسطرة تثبت الاسم العائلي ـ مجلة الملحق القضائي عدد: 19 ص 55 وما بعدها.
ــــــــــــــــــــــــــــــ

أجل التصريح بازدياد مولود مجهول الأبوين:
إن المولود المجهول الأبوين غالبا ما يجهل حتى مكان ولادته اللهم إلا إذا عثر عليه
بعد الوضع وفي وقت لا يكفي لنقله من جماعة إلى أخرى أو ترك بإحدى أماكن التوليد كما يقع أحيانا بالمستشفيات، وذلك من طرف أمه التي اختفت بعد الوضع لأسباب غالبا ما تكون أخلاقية، اختفت دون أن تترك عنوانا أو حتى هوية مضبوطة ولهذا نص المشرع في الفصل 24 من الظهير المؤرخ بـ 4/9/1915 على أن ضابط الحالة المدنية لمكان العثور على المولود المجهول الأبوين هو الذي يتولى تسجيل ازدياده بعد كتابة تقرير مفصل يذكر فيه جنس المولود وغيره بحسب الظاهر والأسماء التي تعطى له ولابد من الإشارة إلى أن المشرع لم يحدد أجلا معينا للتسجيل بسجلات الحالة المدنية بالنسبة للمولود المجهول الأبوين فمهما كان عمر ه يقع تسجيله بواسطة ضابط الحالة المدنية دون الحاجة إلى استصدار أمر بالتسجيل من القضاء.

أجل التصريح بازدياد المتكفل بهم:
إن التبني في الإسلام حرام قطعا بدليل القرآن والسنة قال عز من قائل:" وما جعل أدعياءكم أبناءكم ذلكم قولكم بأفواهكم والله يقول الحق وهو يهدي السبيل أدعوهم لآبائهم هو أقسط عند الله فإن تعلموا آباءهم فإخوانكم في الدين ومواليكم" وقال الرسول "صلعم":" أيما رجل جحد ولده وهو ينظر إليه احتجب الله منه يوم القيامة وفضحه على رؤوس الأولين والآخرين". ولم يحد المشرع المغربي عن هذا النهج حيث نص في الفصل 83 من مدونة الأحوال الشخصية على "أن التبني العادي ملغى لا ينتج عنه أثر من آثار البنوة". غير أنه في الحياة العملية كثيرا ما يحتال البعض على الواقع والقانون معا فيتبنى طفلا مجهول الأبوين أو أحدهما أو معلومهما وذلك بالتصريح لدى ضابط الحالة المدنية على أن الطفل المتبنى ابنه حقيقة ويخفي هذا الأمر حتى على الطفل نفسه(3) ولكن كثيرا ما يفضح الأمر بمناسبة نزاع بين الزوجين وفي أسوأ الأحوال بمناسبة الاختلاف حول التركة في حالة وفاة أحد الزوجين المتبنيين للطفل حيث يقوم الورثة الشرعيون بالطعن في شرعية إرث الابن الذي ينسب نفسه إلى الموروث. غير أن الإسلام إذا حرم التبني فقد أجاز كفالة الأطفال المتخلى عنهم سواء كانوا مجهولي الأبوين أم لا.
ــــــــــــــــــــــــــــــ
(3)يعاقب على هذا الفعل الفصل 470 من ق.ج.
ــــــــــــــــــــــــــــــ

وهكذا يمكن لكل عائلة أن تقوم على وجه البر والإحسان برعاية شؤون المتخلى عنهم والسهر على تربيتهم، وكذا تنزيلهم بمنزلة الابن لينالوا حظ من الميراث في شكل وصية، كما أشار إلى ذلك الفصل 83 من ق.ح.ش.
وقبل التطرق إلى أجل التصريح بازدياد المتكفل بهم يجدر بنا الحديث عن ظهير صدر أخيرا في الجريدة الرسمية رقم 4220 بتاريخ 15/09/93 يتناول كيفية كفالة الطفل المهمل بأن حدد الحالات التي يعتبر فيها الطفل مهملا كما أسند للمحكمة اختصاص إصدار قرار يكون الطفل مهملا بناء على طلب للنيابة العامة وأحدث كذلك لجنة إدارية على صعيد كل عمالة أو إقليم تختص بإصدار قرار بإسناد الكفالة للأشخاص والمؤسسات... المبينة في الظهير وبين في أحد أبوابه الإجراءات المتبعة من طرف اللجنة الإدارية المذكورة لتسجيل الحدث المهمل بالحالة المدنية إذا كان غير مسجل من قبل، كما أشار إلى ضرورة تسجيل عقد الكفالة بطرة عقد الازدياد للطفل المهمل، ويفهم من مقتضيات الظهير المذكور أن الأطفال المسموح بكفالتهم لابد أن يكونوا مهملين ويقع التصريح بذلك بواسطة حكم المحكمة بعد أن تتأكد هذه الأخيرة من كون الطفل مصنفا في إحدى الحالات الأربع المشار إليها في الفصل الأول من الظهير.

تسجيل الحدث المهمل بسجلات الحالة المدنية:
حسب مقتضيات الفصل 21 من الظهير أعلاه تتخذ اللجنة الإدارية المختصة بإصدار قرار الإذن بالكفالة التدابير والإجراءات الضرورية بتسجيل الطفل بسجلات الحالة المدنية وفق القوانين المنظمة للحالة المدنية، هذا إذا لم يكن مسجلا بها.

وهذه الإجراءات تختلف حسبما إذا كان الطفل المهمل مجهول الأبوين أم لا، فإن كان معلوم الأبوين وكان والده أو جده للأب خاضعا لنظام الحالة المدنية، فإن التسجيل إذا كان خارج الأجل القانوني يقع عن طريق المحكمة.
أما إذا لم يكن خاضعا لنظام الحالة المدنية أو كان مجهول الأب فقط أو مجهول الأبوين معا، فإن التصريح بالازدياد يقع بواسطة التصريح أمام ضابط الحالة المدنية لما يتطلب إعطاء الطفل لاسم عائلي خاص به ومخالف للاسم العائلي لكافله، كما يتطلب ذلك الفصل 22 من نفس الظهير من إجراء عملية التثبيت والنشر، فالقضاء في هذه الحالة غير مختص قطعا.

تسجيل عقد الكفالة بطرة عقد الازدياد:
ينص الفصل 21 من نفس الظهير على أنه يتعين تسجيل عقد الكفالة بطرة رسم ولادة الطفل المهمل لدى مكتب الحالة المدنية المسجل به، وذلك داخل أجل ثلاثة أشهر من تاريخ تحرير العقد المذكور.

المبحث الثالث: الأشخاص الواجب عليهم التصريح بالولادة.

لم يترك المشرع مسؤولية التصريح بازدياد المولود الخاضع لنظام الحالة المدنية دون إسنادها لمن يجب بل حدد أشخاصا ألزمهم تحت طائلة عقاب زجري بالقيام بالتصريح بازدياد كل مولود جديد داخل الأجل القانوني وهم:

1) فحسب مقتضيات الفصل 22 من ظهير 4/9/1915 ألزم المشرع:
أ ـ الأب أو الأم التصريح بازدياد مولودهما الجديد متى كان والده مسجلا بسجلات الحالة المدنية، وذلك داخل الأجل القانوني ولا ينفي عنهما المسؤولية حضور بقية الأشخاص المشار إليهم بنفس الفصل لأن المشرع أشار بصريح العبارة إلى أن أولئك لا تثبت مسؤوليتهم إلا عند عدم وجود الأب أو الأم.
ب ـ الأطباء أو القوابل أو غيرهم ممن حضر الازدياد بشرط عدم وجود الأب أو الأم كما مر بنا سابقا.
وفي حالة تقاعس المذكورين أعلاه حتى ينتهي أجل التصريح بالازدياد فسيكونون عرضة لعقاب زجري حدده الفصل 11 من ظهير 8/3/1950 في ذعيرة تتراوح بين 5 دراهم و60 درهما وحبس تكون مدته ما بين ستة أيام وشهر واحد أو إحدى هاتين العقوبتين.

2) وحسب مقتضيات الفصل 468 من ق.ج فإن الأشخاص الواجب عليهم التصريح هم:
أ ـ الأب: يعتبر الأب المسؤول الأول والرئيسي بالنسبة للتصريح بازدياد مولوده الجديد فحسب منطوق الفصل المذكور أعلاه تنتفي مسؤولية بقية الواجب عليهم التصريح في حالة وجود ألأب ولا تثبت مسؤوليتهم إلا في حالة عدم وجوده، وتجدر الإشارة إلى أن الفصل المذكور سكت عن ذكر الأم عكس ما فعل الفصل 21 من ظهير 4/9/1915 وقد يذهب البعض إلى القول بان عبارة "أي شخص حضر الولادة" الواردة في ذات الفصل أعلاه تندرج تحتها الأم، غير أن هذا القول مردود لسببين اثنين الأول كون المشرع أشار إلى الأب بصريح العبارة وسكت عن ذكر الأم، والثاني أن الأم لم تحضر الولادة وإنما كانت موضوع الولادة، أضف إلى ذلك كله أن ذلك يتنافى وقاعدة عدم التوسع في التفسير في الميدان الزجري.

بـ الطبيب أو الجراح أو ملاحظة الصحة أو الحكيمة أو المولدة أو القابلة أو أي شخص حضر الولادة أو وقعت بمحله "فإذا كان المشتغلون بمهمة الطب والتوليد المشار إليهم أعلاه لا يحتاجون إلى توضيح أو تعريف، وإذا كانت عبارة "أو أي شخص حضر الولادة واضحة بدورها باستثناء ما يتعلق باستبعاد الأم كما أشرنا إليه سابقا فإن الأمر ليس كذلك بالنسبة لجملة " أو وقعت بمحله" أو الولادة.

ونشير إلى أن النص الفرنسي استبعد منزل الأم الذي وقعت فيه الولادة حيث وضح بأنه في حالة ما إذا وقعت الولادة خارج منزل الأم يكون الشخص الذي وقعت الولادة بمحله هو المسؤول، والمقصود بالشخص المذكور رب المنزل العادي ورؤساء المؤسسات الاستشفائية العمومية والخصوصية ومدراء السجون أن وقعت فيها الولادة.

المبحث الرابع: الضابط المختص لتلقي التصريح بالازدياد نوعيا.

أ ـ رئيس الجماعة أو من يفوض له:
إن طبيعة الموضوع تحتم علينا ألا نتوسع في دراسة ضابط الحالة المدنية وخاصة الجانب التاريخي منها وبالضبط ما قبل صدور ظهير 30/9/1976... المتعلق بالتنظيم الجماعي، فالفصل 45 من الظهير المذكور أسند مهمة ضابط الحالة المدنية لرؤساء الجماعات المحلية حضرية كانت أو قروية، وفي حالة غياب الرئيس أو حصول مانع لهي قوم بمهمة ضابط الحالة المدنية وبصفة تلقائية أحد نواب الرئيس دون حاجة إلى التفويض، ونظرا لكثرة مهام رئيس الجماعة المحلية فقد سمح له المشرع بتفويض سلطة ضابط الحالة المدنية لأحد أعضاء المجلس أو لأحد الأعوان العاملين بالجماعة بشرط أن يكون هذا العون مرسما في أحد الأسلاك الإدارية القارة وان يبلغ من العمر 25 سنة.

بـ القناصلة العاملين بالخارج:
حرصا من المشرع على ضبط الحالة المدنية للرعايا المغاربة المتواجدين بالخارج، فقد أسند مهمة ضابط الحالة المدنية للأعوان الدبلوماسيين والقناصلة العاملين بالخارج، وذلك بواسطة المرسوم المؤرخ بـ 29/1/1970.

ج ـ باشا جماعة التواركة:
استثنى المشرع جماعة التواركة بمدينة الرباط، حيث أسند مهمة ضابط الحالة المدنية للباشا المكلف بالجماعة المذكورة.

دـ عامل مدينة الرباط (الوالي حاليا):
استثناء كذلك أسند المشرع مهمة ضابط الحالة المدنية لعامل مدينة الرباط حسان لاعتبارات معينة بدل رئيس الجماعة الحضرية للمدينة المذكورة (الفصل 67 من الظهير أعلاه المنظم للجماعات المحلية).

هـ ـ القائد أو الباشا بصفة مؤقتة واستثنائية:
إذا وقع حل المجلس الجماعي أو توقيفه على الكيفية المحددة في الفصل 10، 11 من ظهير 30/9/1976 وتولت اللجنة المختصة أمر تدبير وتسيير شؤون المجلس الجماعي المنحل برئاسة السلطة المحلية، فإن الذي يتولى مهمة ضابط الحالة المدنية هو القائد أو الباشا وذلك بصفة مؤقتة إلى أن يتم تكوين المجلس من جديد.

الضابط المختص مكانيا: ضابط مكان الازدياد:

يتعين أن يقدم التصريح بالازدياد لدى ضابط الحالة المدنية للجماعة التي وقعت فيها الولادة وهو المختص أساسا لتلقي التصريح المذكور وذلك فعلا داخل الأجل القانوني.

2) ضابط الجماعة المجاورة:
تسهيلا لمسطرة التصريح بالازدياد أجاز المشرع للمعني بالأمر أن يتقدم بالتصريح بازدياد مولود جديد لدى ضابط الحالة المدنية للجماعة المجاورة لتلك التي وقعت فيها الولادة، وذلك تخفيفا على المصرح وخوفا من فوات الأجل. ويتعين على الضابط المذكور بعد التسجيل أن يوجه نسخة من رسم الازدياد إلى ضابط الحالة المدنية المختص مكانيا.

3) ضابط مكان العثور على المجهول الأبوين:
كما مر بنا سابقا يتعين على من عثر على مولود مجهول الأبوين أن يتقدم به لدى ضابط الحالة المدنية لمكان العثور عليه، وبعد ذلك بمثابة تصريح بازدياد من ليس خاضعا لنظام الحالة المدنية.
وأخيرا نختم موضوع رسم الازدياد بذكر الوثائق الواجب الإدلاء بها لدى التصريح بالازدياد بصفة عامة.

الوثائق الواجب الإدلاء بها عند التصريح بالازدياد:
لكي يتم التصريح بازدياد مولود لابد من الإدلاء بوثائق تثبت واقعة الولادة مثل شهادة الطبيب أو القابلة العامة بصفة قانونية، وإذا تعذر الإدلاء بشهادة طبية كما إذا وقعت الولادة خارج المدن يكتفي بشهادة الولادة المسلمة من السلطات المحلية، هذا بالنسبة للتصريح بالولادة داخل الأجل القانوني.

أما بالنسبة للتصريح بالازدياد خارج الأجل القانوني فيفرق بين حالتين:
1)حالة التصريح بالازدياد بالنسبة للخاضع للحالة المدنية: ففي هذه الحالة يقع التصريح بواطة حكم عن طريق المحكمة وأغلبية المحاكم تطلب الإدلاء بشهادة الولادة صادرة عن السلطات المحلية وشهادة الحياة والدفتر العائلي (4) وعقد الزواج... بالنسبة للابن الأول للزوجين معا وكذا بالنسبة للابن الأول للزوجة الثانية بالإضافة إلى شهادة عدم التسجيل بسجلات الحالة المدنية تفاديا للتصريح... بالازدياد مرتين.
ــــــــــــــــــــــــــــــــ
(4) التوفر على الدفتر العائلي يفيد الخضوع لنظام الحالة المدنية، وفي حالة تعذر الإدلاء به يمكن الاستعاضة عنه بعقد ازدياد الأب أو الجد للأب للمولود الجديد.
ــــــــــــــــــــــــــــــــ

2) حالة التصريح بالازدياد بالنسبة لغير الخاضع للحالة المدنية: في هذه الحالة:
أ)فبالنسبة لتصريح الأب بولادته فحسب المنشور رقم 5/ أ ع 2 المؤرخ بـ 19/7/1957 يتعين أن يكون مبنيا على شهادة لفيفية أو على الوثيقة المدلى بها لدى تكوين ملف التوظيف، وذلك تفاديا لتغيير المعني بالأمر تاريخ ازدياده، وكذا اسمه العائلي في حالة تقديم وثائق تخالف الوثائق المدلى بها في ملف التوظيف.

ب) بالنسبة للأولاد فإن التصريح بازديادهم لأول مرة إذا كان والدهم غير خاضع لنظام الحالة المدنية فيتعين الإدلاء حسبما أشار إلى ذلك الفصل الرابع من قرار 3/4/1950 بشهادة لفيفية عدلية وإما بشهادة الولادة تسلم من الباشا أو القائد بالإضافة طبعا إلى الإدلاء بشهادة الحياة تحرر من طرف السلطات المحلية.

الفصل الثاني: تأملات في الفصل 468 من ق.ج:
"جنحة عدم التصريح بالازدياد في الأجل القانوني":
ينص الفصل 468 من ق.ج على ما يلي:
"الأب وعند عدم وجوده الطبيب أو الجراح أو ملاحظ الصحة أو الحكيمة أو المولدة أو القابلة أو أي شخص حضر الولادة أو وقعت بمحله يعاقب بالحبس من شهر إلى شهرن وبغرامة من مائة وعشرين إلى مائتي درهم إذا لم يقم بالتصريح بالازدياد في الأجل القانوني وذلك في الحالات التي يكون فيها التصريح واجبا" ورد هذا الفصل في القانون الجنائي المغربي في الفرع الثالث المتعلق بالجنايات والجنح التي تحول دون التعرف على هوية الطفل من الباب الثامن من المتناول... للجنايات والجنح ويمكن أن يصنف ضمن الفصول الجنائية الجامدة نسبيا من الناحية العملية. ومن التي يخطأ في تطبيقها عادة. فمن جهة لا يلجأ إليه إلا بمناسبة نزاع بين الزوجين وخاصة حينما يشتد الخصام بينهما ويبحث كل واحد منهما عن مسطرة يمكن له بها توريط غريمه أو في حالة رفض الزوج العمل على تسجيل أولاده بسجلات الحالة المدنية، ومن جهة أخرى فإن تطبيق مقتضيات الفصل المذكور من طرف بعض المحاكم كثيرا ما لا تكون سليمة وذلك بسبب القراءة السريعة لمضمون الفصل دون الرجوع إلى القوانين المنظمة للحالة المدنية والتي تفسر غموض عبارة "الحالات التي يكون فيها التصريح واجبا" الواردة في الفصل المذكور.

وبقراءة متأنية وفاحصة للفصل المذكور يتبين أن عناصر جريمة عدم التصريح... بالازدياد داخل الأجل القانوني يمكن تصنيفها كما يلي:
1)حالات وجوب التصريح بالازدياد داخل الأجل القانوني.
2)الفعل المادي.
3)صفة الشخص الواجب عليه التصريح بالازدياد.
4)القصد الجنائي.

المبحث الأول : حالات وجوب التصريح بالازدياد داخل الأجل القانوني

يعتبر هذا العنصر أهم عناصر الجريمة التي نحن بصدد دراستها وباقي العناصر لا يلتفت إليها إلا بعد توفره وفي شأنه يقع عادة الخطأ في التطبيق حيث يتم خطأ إدانة كل من لم يقم بتسجيل أبنائه بسجلات الحالة المدنية رغم كونه لا يخضع لنظام الحالة المدنية.

ولقد مر بنا سابقا عند الحديث عن رسم الازدياد الإشارة إلى حالات وجوب التصريح بالازدياد، غير أنه بالنسبة لتطبيق مقتضيات الفصل 468 من ق.ج يجب التفريق بين حالتين:
1)حالة خضوع والد المولود أو أصوله من جهة الأب لنظام الحالة المدنية، وذلك بسبب تسجيلهم بسجلات الحالة المدنية، فهذه الحالة لا تطرح أي نقاش أو التباس فهي المعينة بالفصل أعلاه.

2)حالة كون أحد أبوي المولود يتمتع بإعانات عائلية أو التعويضات التي يمنحها الصندوق الوطني للضمان الاجتماعي، وهذه الحالة قد يتبادر إلى الذهن لأول مرة وهلة بأن الفصل 468 من ق.ج لإبطالها خاصة وأنه بمرور أجل ثلاثة أشهر على تاريخ بداية الاستفادة من الإعانات والتعويضات المذكورة أعلاه فلا يمكن الالتجاء إلى القضاء للمطالبة بالتسجيل بسجلات الحالة المدنية، كما هو الأمر بالنسبة للحالة الأولى أعلاه، في حالة مرور أجل شهر دون التصريح بالازدياد بل يقدم التصريح إلى ضابط الحالة المدنية كما أشرنا إلى ذلك سابقا بتفصيل.
إن المشرع يقصد بمقتضيات الفصل المذكور أعلاه حث المعنيين بالأمر على التصريح بالازدياد في الحالات التي يكون فيها التصريح واجبا دون الإشارة إلى حالة بعينها حيث وردت عبارة "الحالات" بصيغة الجمع ودون تقييد، كما ذكر الأجل القانوني دون تحديد ما إذا كان الأمر يتعلق بأجل الحالة الأولى أو أجل الحالة الثانية، وهذا كله يجعلنا نميل إلى القول بأن مقتضيات الفصل 468 من ق.ج تعني الحالتين معا.

المبحث الثاني: الفعل المادي (الركن المادي للجريمة)
عرف القانون الجنائي المغربي في المادة 110 منه الجريمة "بأنها عمل أو امتناع مخالف للقانون الجنائي ومعاقب عليه بمقتضاه.

بفهم من هذا النص أن النشاط الإجرامي كما يكون إيجابيا يكون أيضا سلبيا ويسمى هذا الأخير الجريمة بالترك ومن الجرائم التي تقع عن طريق الامتناع الجرائم المنصوص عليها في الفصول 378-430-431-468-469-476-477 من ق.ج.

فالركن المادي لجريمة الفصل 468 من ق.ج يحصل بفعل سلبي متمثل في الامتناع عن التصريح بالازدياد داخل الأجل القانوني، ويحصل هذا الركن ويتحقق بمرور الدقيقة الأخيرة من الأجل القانوني الواجب التصريح داخله فهي جريمة بسيطة لا يستوجب قيامها تكرار الفعل كما هو الحال في الجريمة الاعتيادية، كما أنها جريمة فورية يتحقق وجودها في وقت محدد غير قابل للتجدد بإرادة الجاني عكس الجريمة المستمرة التي يتطلب توفر عناصرها التجدد بإرادة الجاني كإهمال الأسرة واستعمال وثيقة مزورة.

وأخيرا أشير إلى أن جنحة الفصل 468 تعتبر من الجرائم الحديثة والتي يطلق عليها الفقه الجرائم القانونية وهي عكس الجرائم الاجتماعية التقليدية السائدة في المجتمعات منذ القدم كالسرقة والقتل، فالجريمة القانونية خلقت بسبب التطور الحضاري للمجتمعات الإنسانية وتهدف إلى حماية أوضاع يراها المشرع وسيلة لتحقيق المجتمع وسعادته، وتدخل جنحة عدم التصريح بالازدياد داخل الأجل القانوني في هذا الصنف فهي حديثة العهد في التشريع الجنائي المغربي مصدرها القانون وليس الأخلاق ولا حتى الشريعة الإسلامية ولا تهم كل أفراد المجتمع بل تخص فئة معينة منه وهي التي تخضع لنظام الحالة المدنية، هذا النظام الذي ليس إجباريا حتى الآن بالنسبة للجميع كما رأينا سابقا.

نتيجة إجرامية:
تعتبر النتيجة الإجرامية أحد عناصر الركن المادي لا تتوفر الجريمة بدونه... فجريمة القتل لا تتحقق إلا بإزهاق روح بشرية والسرقة لا تقوم إلا بالاختلاس والاستيلاء على مال الغير، غير أن هناك جرائم تخرج عن هذا المبدأ وتتحقق بمجرد صدور سلوك معين ومجرم من طرف المشرع دون تحقق النتيجة وتسمى هذه الجرائم شكلية يحدثها المشرع لما فيها من تهديد بالاعتداء وخطر عل حقوق الكيان الاجتماعي مثل تجاوز السرعة والسير في الاتجاه الممنوع.

تعتبر جريمة الفصل 468 من ق.ج من الجرائم الشكلية لا يتوقف قيامها على حدوث الضرر الباعث على التجريم فبمجرد مرور آخر لحظة من الأجل القانوني للتصريح بالازدياد تصبح الجريمة قائمة وأن التجأ المعني بالأمر في اليوم الموالي إلى المحكمة قصد المطالبة بتسجيل المولود الجديد.

المحاولة:
رغم أن المحاولة في الجنح لا يعاقب عليها إ بنص خاص فإن جريمة الفصل 468 من ق.ج لا يمكن تصور المحاولة في شأنها لأن فعلها المادي كله يقع بصفة تلقائية وفورية بمجرد انتهاء آخر دقيقة من الأجل القانوني الواجب التصريح داخله، ذلك أنه يتعذر التمييز بين مرحلة الشروع في التنفيذ ومرحلة إتمامه في الجرائم الشكلية السلبية لأن الترك (الامتناع) إما أن يتحقق فتكون الجريمة تامة وإما أن لا يتحقق فتختفي الجريمة ولا واسطة بين الحالتين (5).
ـــــــــــــــــــــــــــــــ
(5) شرح القانون الجنائي القسم العام ص 96 الطبعة الثانية للدكتور الخمليشي.
ـــــــــــــــــــــــــــــــ

المبحث الثالث : الأشخاص الواجب عليهم التصريح بالازدياد داخل الأجل القانوني
سبق أن أشرنا إلى هؤلاء أثناء الحديث عن رسم الازدياد ولا داعي للتكرار، غير أن السؤال الذي يطرح نفسه بحدة في هذا الصدد هو: هل تكون مسؤولية جميع الأشخاص الواردة أسماؤهم بالفصل 468 من ق.ج قائمة في آن واحد أو أن مسؤولية كل واحد منهم على حدة لا تقوم إلا في حالة غياب الذي سبقه في الترتيب أو على الأصح في الذكر.
يجب أن تفرق بين حالتين حالة الأب وحالة غير الأب.

1)حالة الأب:
أن النص صريح في أن وجود الأب أثناء عملية الولادة بل وحتى بعدها أي داخل الأجل القانوني للتصريح بالازدياد بمكان تواجد مولوده الجديد يقصى ويبعد مسؤولية

باقي الأشخاص المشار إليهم في الفصل موضوع النقاش وهدم تواجد الأب يدخل فيه وفاته وغيابه المتصل عن الدائرة الترابية للجماعة التي يجب التصريح فيها لدى ضابط الحالة المدنية.

2)حالة غير الأب:
إن هذه الحالة تعتبر من الأمور التي يقع الخطأ في شأنها عند التطبيق، ذلك أنه في حالة عدم وجود الأب يطرح تساؤل حول من المسؤول جنائيا في حالة عدم التصريح بالازدياد؟ هل كل المشار إليهم في الفصل؟ أو الأسبق منهم في الذكر فقط ؟

فبالرجوع على الفصل 468 والوقوف عند كل كلمة أو حرف استعملها المشرع وحسبما توجه القواعد العامة لتفسير نصوص التشريع يتضح أن المشرع في النص العربي استعمل حرف "أو" بعد ذكر كل واحد من بقية الواجب عليهم التصريح بالازدياد غير الأب ولم يستعمل عبارة وعند عدم وجوده كما فعل بالنسبة لهذا الأخير.

وحرف "أو" كما هو معلوم من حروف العطف ومن معانيه: الشك ـ الإبهام ـ الإباحة ـ التخيير ـ التقسيم وذلك كله حسب سياق الكلام. أما بالنسبة للنص الفرنسي فإن المشرع لم يستعمل إلا الفاصلة فقط حين ذكر الطبيب، الجراح، ملاحظ الصحة، الحكيمة، المولدة، القابلة، استعمل حرف « ou » الذي يعني عادة حرف "أو" قبل ذكر الشخص الذي حضر الولادة وقبل ذكر الشخص الذي وقعت الولادة بمحله.

من كل ما ذكر يتبين أنه لا يمكن الجزم بأن المشرع قصد بذكر حرف "أو" الترتيب بل يفهم منها العكس أي أنه في حالة عدم قيام أي واحد منهم بالتصريح بالازدياد داخل الأجل القانوني تصبح مسؤولية الجميع ثابتة وقد يرى البعض عكس هذا الرأي. خاصة إذا لاحظ أن المشرع ذكر المشتغلين بالطب حسب درجاتهم، ولكن بأية صفة يمكن متابعة هؤلاء وبعبارة أوضح هل يمكن تصور المساهمة والمشاركة في جريمة الفصل 468 من ق.ج؟ ذلك ما سنراه في العنوان التالي:
المساهمة والمشاركة:
هل يمكن تصور المساهمة أو المشاركة في جريمة الفصل 468 من ق.ج رغم كونها تعتبر من الجرائم السلبية كيف تتصور المساهمة والمشاركة في نشاط سلبي إجرامي؟.

المساهمة:
ينص الفصل 128 من ق.ج على أنه "يعتبر مساهما في الجريمة كل من ارتكب شخصيا عملا من أعمال التنفيذ".
يفهم من مقتضيات الفصل المذكور أعلاه كما تناولنها بالتفصيل آنفا أن المساهمة لا تتصور إلا في غير الأشخاص المحددين بالضبط في الفصل مادام المشرع أعفى غير هؤلاء من مسؤولية التصريح بالازدياد كما أنه لا يمكن تصور وجود مساهم مع وجود الأب.
وتبقى صفة المساهمة ثابتة فقط في حق بقية الأشخاص المحددة صفاتهم في الفصل في حالة عدم وجود الأب متى أحجموا جميعا عن التصريح بالازدياد داخل الأجل القانوني سواء كان ذلك حصل باتفاق سابق منهم أو حصل بطريق الصدفة دون اتفاق سابق بينهم وهي النتيجة التي توصلنا إليها سابقا عند الحديث عن صفة الأشخاص الواجب عليهم التصريح بالازدياد وأعتقد بانها صائبة.

المشاركة:
ينص الفصل 129 من ق.ج على أنه "يعتبر مشاركا في الجناية أو الجنحة من لم يساهم مباشرة في تنفيذها ولكنه أتى أحد الأفعال الآتية:
1)أمر بارتكاب الفعل أو حرض على ارتكابه وذلك هبة أو وعد أو تعديد أو إساءة استغلال سلطة أو ولاية أو تحايل أو تدليس إجرامي.

اكتفينا بذكر هذه الفقرة من المادة أعلاه بسب أن باقي صور المشاركة لا يمكن تصورها في جريمة الفصل 468 من ق.ج.

أما الصورة الواردة في الفقرة رقم 1 من المادة 129 فيمكن أن ترد في شكل أمر أو تصريف مقرونين بتقديم هبة أو وعد أو تهديد أو في شكل إساءة استغلال سلطة كصدور أمر من رئيس الممتهنين للطب والمشار إليهم في الفصل 468 أو إساءة استغلال ولاية كضغط الأب أو الأم أو المتقدم على الأب الغير البالغ سن الرشد القانوني لإمساكه عن التصريح بازدياد مولوده الجديد لسبب ما بالإضافة إلى حالة تحايل أو تدليس إجرامي.

المبحث الرابع: القصد الجنائي (الركن المعنوي).
لقد ذكرنا سابقا بأن جنحة الفصل 468 من ق.ج تعتبر جريمة شكلية بمعنى أن أركانها تتكون من مجرد نشاط سلبي يتمثل في الإمساك عن التصريح بالازدياد داخل الأجل القانوني ولكن هل معنى ذلك أن الركن المعنوي في هذه الجريمة لا يحتاج إلى الإثبات أي أنه مفترض؟
قبل الجواب على هذا التساؤل نتطرق ولو بإيجاز إلى معنى القصد الجنائي وأنواعه وعناصره.

القصد الجنائي:
عرف البعض القصد الجنائي بأنه "القوة النفسية التي تكمن وراء الفعل أو الامتناع الذي أقدم عليه الفاعل وأراد به الاعتداء على مصلحة حماها المشرع بنص جنائي"(6).
1 ـ وجود القصد الجنائي بالمعنى المشار إليه أعلاه يتطلب ضرورة توفر علم الجاني بكل عناصر الجريمة القانونية منها والواقعية.

أنواع القصد الجنائي:
القصد الجنائي يختلف من جريمة إلى أخرى فإذا كانت بعض الجرائم تستوجب توفر القصد الجنائي العام فقط فالبعض الآخر لا تتوفر أركانه كلها إلا بتوفر القصد الجنائي الخاص.

1)القصد الجنائي العام:
يتطلب هذا النوع توفر عنصرين أساسين وهما العلم بالقانون، والعلم بماهية الوقائع .
العلم بالقانون: (لا يعذر أحد بجهل القوانين الجنائية)
هذا العنصر ينبني على قاعدة لا يعذر أحد بجهله القانون (7) التي تفترض في الجميع المعرفة الكافية بالقانون بمجرد نشره في الجريدة الرسمية ويتساوى في الأثر الجهل بالقانون الذي هو نفي العلم لدى الجاني بكون الفعل الذي ارتكبه بجرمه القانون مع الغلط في القانون الذي هو فهم وتفسير للقانون على غير حقيقته.
الاعتذار بالجهل بالقوانين غير الجنائية:
يفرق بعض الفقه بين الجهل بالقوانين الجنائية وبين الجهل بالقوانين غير الجنائية حيث يقبل الاعتذار بالجهل بهذه الأخيرة ولا يقبله بالنسبة للأولى.
فمعلوم أن بعض الجرائم لا تتوفر جميع أركانها إلا بوجود واقعة تستوجب "تطبيق قاعدة قانونية غير جنائية مثل اكتساب صفة التاجر في التفالس (الفصل 556 من ق.ج)

ـــــــــــــــــــــــــــــــــ
(6) القانون الجنائي المغربي القسم العام ج 2 ص 218 للدكتور أبو المعاطي حافظ.
(7) ينص الفصل الثاني من القانون المغربي على ما يلي:" لا يسوغ لأحد أن يعتذر بجهل التشريع الجنائي".
ـــــــــــــــــــــــــــــــــ

ومثل اكتساب صفة الزوج أو الزوجة في الخيانة الزوجية(8) بوجود عقد زواج صحيح طبق ق م.ح.ش.
ويسير القضاء الفرنسي والقضاء المصري على هذا النهج حيث قضى الأول ببراءة من عثر على مكنز في أرض الغير واستبد به جاهلا حكم القانون الفرنسي الذي يستوجب تقسيم الكنز مناصفة بين المالك والمكتشف(9).
كما قضى الثاني (محكمة النقض المصرية) ببراءة متهمين أقدما على زواج ولم يكونا عالمين بتحريم الجمع بين المرأة وبنت أختها مشيرة إلى انتفاء القصد الجنائي لدى المتهمين(10).

حقيقة مبدأ الاعتذار بالجهل بالقوانين غير الجنائية:
إن قاعدة لا يعذر أحد بجهل القانون ليس مبدأ دستوريا في التشريع المغربي من جهة، ومن جهة أخرى لم ترد إلا في القانون الجنائي الفصل الثاني منه كما ذكرنا سابقا وخص هذا الفصل بالذكر عدم قبول الاعتذار بالجهل بالقوانين الجنائية، ومبدأ التفسير الضيق للقانون الجنائي وكذا تفسيره لفائدة المتهم يجعلنا نقول بقبول الاعتذار بالجهل بالقوانين الغير الجنائية متى كنا بصدد جريمة معينة يتطلب اكتمال أركانها تطبيق قاعدة قانونية غير جنائية، وقد ذهب بعض الفقه (11) والاجتهاد القضائي المقارن إلى القول بأنه يمكن قبول الاعتذار بالجهل بالقوانين الغير الجنائية متى تبث أن تلك القواعد القانونية تشكل جزءا من وقائع النازلة المجرمة، ذلك أن نفي العلم بها ينتفي معه ثبوت القصد الجنائي ويتساوى انتفاء العلم بتلك القواعد القانونية غير الجنائية مع انتفاء العلم في بعض الجرائم التي ينص المشرع بضرورة ثبوته مثل انتفاء العلم بكون الوثيقة مزورة في جريمة الفصل 359 من ق.ج وانتفاء العلم بكون الأشياء المخفاة محصلة من جناية أو جنحة ( الفصل 571 من ق.ج ) وانتفاء العلم بكون الأشياء المخفاة أشياء محجوزة ومبددة في جنحة الفصل 526 من ق.ج فانتفاء العلم في الجرائم المذكورة أعلاه ينعدم معه الركن المعنوي للجريمة الذي هو القصد الجنائي، وهذا ما أشار إليه الاجتهاد القضائي المصري.

ـــــــــــــــــــــــــــــــــ
(8) تبقى المطلقة طلاقا رجعا طيلة مدة العدة مكتسبة لصفة الزوجة العادية طبق قانون مدونة الأحوال الشخصية والجهل بهذه القاعدة يعتبر جهلا بقاعدة غير قانونية عير جنائية. وينتفي معها القصد الجنائي لجريمة الخيانة الزوجية وتثبت جنحة الفساد.
(9) المدخل لدراسة القانون للدكتور حسن كيرة ص 322 الطبعة الخامسة.
(10)انظر هامش ص 323 من نفس المرجع أعلاه.
(11)انظر نفس المرجع السابق للدكتور حسن كيرة ص 322-323.
ـــــــــــــــــــــــــــــــــ

المشار إليه بهامش هذه الصفحة من هذا العرض، ولذا فلا ينبغي أن يخامرنا الشك في أن الجهل بالقوانين غير الجنائية ينتفي معه القصد الجنائي وتنتفي معه الجريمة كلما كان أحد أركانها أو جزءا من وقائعها لا يتحقق إلا بالعلم بحكم قاعدة قانونية معينة غير جنائية مثل حالة جريمة الفصل 468 من ق.ج الذي نحن بصدد داسته.

القصد الجنائي الخاص:
هذا الصنف لا مجال لافتراضه ويتطلب جهدا خاصا من القضاء لإبرازه عند الإدانة مثل نية التملك في السرقة ونية إزهاق الروح في القتل العمد ويعتبر العنصر المميز لجميع الجرائم العمدية عن الجرائم الغير العمدية (12) ويختلف في الدقة من جريمة إلى أخرى.

القصد الجنائي في جنحة الفصل 468 من ق.ج:
تعتبر الجريمة التي نحن بصدد دراسة أركانها أقرب إلى الجرائم الغير العمدية لأنها ترتكب عن طريق الامتناع أي بنشاط سلبي وتحصل عادة بسبب الإهمال والرعونة ولذا فإن عنصر القصد الجنائي فيها نفترض توفره بمجرد إثبات إهمال التصريح... بالازدياد داخل الأجل القانون ي وإن كان الأمر لا يستبعد أحيانا توفر القصد الجنائي الخاص كما في حالة توفر نية نفي نسب الطفل المزداد أو الإحالة دون التعرف على هويته لحاجة في نفس الممسك عن التصريح بالازدياد الواجب عليه قانونا.
ـــــــــــــــــــــــــــــــــ
(12)المشكلات العملية الهامة في الإجراءات الجنائية ج 1 طبعة 1973 ص 591.
ـــــــــــــــــــــــــــــــــ

الاعتذار بالجهل بنظام الحالة المدنية:
تعتبر جريمة الفصل 468 من الجرائم التي لا تكتمل أركانها إلا بحصول واقعة ينظمها قانون الحالة المدنية وتلك الواقعة هي كون المولود الجديد خاضع لنظام الحالة المدنية وقد مر معنا سابقا الإشارة إلى حالات وجوب الخضوع لنظام الحالة المدنية ولابد من التفرقة بين القصد الجنائي المتمثل في العلم بكون المولود الجديد خاضع لنظام الحالة المدنية لدى الأب ولدى غير الأب من الأشخاص الواجب عليهم التصريح طبق الفصل أعلاه.

حالة الأب:
لاشك أن الجهل بنظام الحالة المدنية من طرف الأب يختلف من حالة إلى أخرى فحالة الأب الموظف أو الأجير المتمتع بنظام التعويضات العائلية كثيرا ما لا يطرح السؤال بالنسبة إليهما حيث نشر الوعي في الموضوع بين الأجراء والموظفين نادرا ما يجعل هؤلاء يتقاعسون عن التصريح بالازدياد داخل الأجل القانوني زيادة على رغبتهم في الحصول على التعويضات العائلية الممنوحة بالمناسبة في أقرب وقت ممكن.

أما بالنسبة لحالة الأب العاطل أو غيره من الآباء الذين لا يتمتعون بالتعويضات العائلية إذا كانت مقرونة بالأمية فغالبا ما ينعدم الوعي والمعرفة بنظام الحالة المدنية وينعدم بالتالي القصد الجنائي لتخلف ركن من أركانه المتمثل في العلم بضرورة الخضوع لنظام الحالة المدنية حيث ينبغي في هذه الحالة البحث عن قصد خاص.

حالة غير الأب:
يمكن تصنيف هذه الحالة إلى صنفين صنف المشتغلين بمهنة الطب وصنف غير هؤلاء، فبالنسبة للصنف الأول فبحكم مهنتهم يفترض فيهم العلم بقواعد نظام الحالة المدنية أو على الأقل فيما يتعلق منها بالتصريح بازدياد كل مولود جديد أشرفوا على ولادته وذلك داخل الأجل القانوني، في حالة غياب الأب، ولكن لا يفترض فيهم العلم بكون المولود المذكور يخضع لنظام الحالة المدنية مادام هذا النظام غير إلزامي بعد بالنسبة لجميع المواطنين غير أنه لا يقبل التقصير والإهمال منهم لأنه متى كان بالإمكان بناء على الوثائق المدلى بها من طرف الأم للمصلحة الاستشفائية التي أشرفت على توليدها متى كان بالإمكان الاستنتاج منها بأن المولود الجديد خاضع لنظام الحالة المدنية فيفترض علم المذكورين أعلاه وتثبت مسؤولياتهم.

أما فيما يتعلق بغير المشتغلين بالطب المشار إليهم في الفصل 468 من ق.ج... وهم الحاضرون للولادة أو الذين وقعت الولادة في محلهم فيتعين توفر القصد الخاص لديهم ولابد من إثبات علم المعني بالأمر بكون المولود الجديد يخضع لنظام الحالة المدنية فلا يفترض علمهم بالواقعة المذكورة ولا علمهم بقواعد نظام الحالة المدنية ما لم يستنتج ذلك من ظروف الواقعة ويمكن أن يسري نفس الحكم على القابلة التقليدية الغير المتوفرة على الرخصة الضرورية لمهنة التوليد.

خاتمة:
يقدر ما يتعين التشدد في المتابعة من طرف النيابة العامة ولو أحيانا بمناسبة عرض طلبات تسجيل الازدياد خارج الأجل القانوني لتقديم مستنتجاتها الكتابية خاصة إذا ظهر لها سوء نية الممسك عن التصريح أو تقصيره أو إهماله، بقدر ما ينبغي على المحكمة عدم التشدد في العقوبة إلا في حالة توفر القصد الجنائي الخاص ولهدف معين ذلك أن جنحة الفصل 468 من ق.ج تعد من الجرائم القانونية ولا تمثل سلوكا اجتماعيا شاذا خطيرا ولا تثير شعور المجتمع بل هي نوع من المخالفة لأوامر القانون وتقترف بالنشاط السلبي، وعقوبتها لا يتجاوز حدها الأقصى شهرين فهي إذن جنحة ضبطية لذا يجدر بالمحكمة أن تراعي هذا الجانب وتنزل بالعقوبة إلى الحد الأدنى مع إيقاف التنفيذ في حالة توفر شروطه بل وفي حالة تمتيع الجاني بظروف التخفيف يمكن الاكتفاء فقط بالعقوبة المالية كما يسمح بذلك الفصل 150 من ق.ج.

تارودانت في: 25 شعبان 1414 موافق لـ 7 فبراير 1994.
الإمضاء: الحسن بويقين.

مجلة المرافعة