ذ. عبد القادر الرافعي
تمهيــد:
نص الفصل 361 من ق.م.م الصادر 28/09/1974 ضمن القسم السابع المعنون بالمجلس الاعلى على ما يلي: "لايوقف الطعن امام المجلس الاعلى التنفيذ الا في الاحوال الاتية :
1-في الاحوال الشخصية.
2- في الزور الفرعي.
3-التحفيظ العقاري.
وقد عرف هذا الفصل اختلافا كبيرا بين الفقه وخاصة الاداري منه من جهة والاجتهاد القضائي من جهة اخرى فيما يخص مفهوم مصطلح التحفيظ.
ولنحيط بهذا الاختلاف يظهر انه يتعين الرجوع الى الاصل ا لتاريخي للنص في محطتين اثنتين تهم الاولى وضع ما قبل تاريخ احداث المجلس الاعلى والثانية تهم وضع ما بعد انشاء المجلس الاعلى في محور اول تم الحديث عن مقتضيات الفصل المذكور وتفسيرات الادارة لهذا الفصل في محور ثان ثم نستعرض موقف القضاء من تفسير هذا الفصل في محور ثالث وللموقف الاداري الحالي في محور رابع لنختم براينا بخصوص الاشكال المطروح في محور اخير .
أولا: الأصل التاريخي للنص:
ويتضمن نقطتان : الاولى تخصصها لوضع ما قبل سنة 1957 والثانية لما بعد ذلك.
1- عدم جواز ممارسة النقض بخصوص مسطرة التحفيظ:
كان الفصل 47 من ظهير 12/08/1913 ينص على ما يلي "ان القرارت الصادرة في مادة التحفيظ لا تقبل الطعن بالنقض الا من طرف الوكيل العام
ولفائدة القانون فقط".
كما نص الفصل 96 من نفس الظهير على عدم جواز الطعن بالنقض ضد القرار الاستئنافي الصادر بخصوص رفض التحفيظ او التسجيل او التشطيب، الى ان تدخل المشرع بمقتضى ظهير 04/08/1944 واعتبر هذا لقرار قابلا للطعن بالنقض من طرف الوكيل العام ولفائدة القانون فقط.
وفي ظل هذا الوضع التشريعي صدر منشور عن المحافظة العامة عدد 152بتاريخ 20/05/1953 تم بمقتضاه الزام المحافظين بتسجيل تقيد احتياطي في الرسوم العقارية بخصوص طلبات النقض التي تهم العقارات المحفظة عندما يطلب منهم ذلك وبمقتضى عريضة النقض، وجاء في تعليل هذا المقتضى : بان هذا الطعن باعتباره طعنا غير عادي فليس له اثر موقف للتنفيذ وقد تنشا صعوبات اذا صدر قرار من محكمة النقض وتم تفويت العقار للغير حسن النية.
2- تعديلات سنتي 1957 و 1958
بتاريخ27/09/1957 صدر ظهير انشاء المجلس الاعلى كمحكمة للنقض للقضاء على اخر معقل من معاقل الحماية الاجنبية: وقد تضمن الفصل 15 من هذا القانون ما يلي:"ان الطعون امام المجلس الاعلى لا يكون لها اي اثر موقف الا في الحالات الاتية:
1- في مادة الاحوال الشخصية.
2- في الزور الفرعي.
3- في مادة التحفيظ.
4- في المادة الجنائية.
وانسجاما مع هذا القانون صدر ظهير مؤرخ ب 26/05/1958 تم بموجبه تعديل كل من الفصلي 47 و 96 من ظهير التحفيظ العقاري والذين اصبحا ينصان على ما يلي:
الفصل 47 : "ان الاحكام الصادرة في موضوع التحفيظ تقبل الطعن فيها عن طريق النقض المنصوص عليه بالظهير المؤرخ 27/09/1957 المتعلق بالمجلس الاعلى وتبلغ الاحكام بنصها الكامل الى جميع الاطراف في عناوينهم الحقيقية او المختارة مع التنبيه على ان بامكانهم الطعن فيها في اجل شهرين ابتداءا من يوم التبيليغ.
كما جاء في الفصل 96 ما يلي: الفقرة الثانية:
"…. والاحكام الاستئنافية يمكن الطعن فيها عن طريق النقض وتبلغ للاطراف حسب نفس الشروط والشكل المقررة بالفصل 47 المشار اليه اعلاه…."
وتفسيرا لهذه المقتضيات صدر منشور عن المحافظة العامة عدد 216 وتاريخ20/06/1958 الزم ارفاق القرار الاستئنافي المتعلق بالتحفيظ بشهادة من كتابة الضبط تثبت عدم النقض.
وعليه فانه في ظل الوضع التشريعي لسنة1957 كانت قضايا التحفيظ المنصوص عليها في الفصل 15 من ظهير انشاء المجلس الاعلى محددة في قضايا التعرض على مطالب التحفيظ فقط .
ثانيا: الوضع التشريعي لسنة 1974 :
بتاريخ 28/09/1974 صدر قانون المسطرة المدنية، وبمقتضى هذا القانون تم الغاء الفصل 15 من ظهير 27/09/1957 وتم تعويضه بالفصل 361 من ق. م. م وقد تضمن نفس المقتضيات السابقة وقد اشير الى نصه سابقا.
وبعد تطبيق هذا النص تم اعتبار الدعاوى المتعلقة بالتحفيظ هي التي ينطبق عليها الفصل 361 من ق. م. م واصبح المحافظون يطلبون ارفاق القرار المتعلق بالتحفيظ بشهادة بعدم النقض، لامكانية تنفيذ هذا القرار.
اما بخصوص العقارات المحفظة أي دعاوي التسجيل والتشطيب فقد تم استصدار منشور تحت عدد278 وبتاريخ 27/05/1980 من المحافظة العامة يتضمن اعطاء التعليمات للمحافظين باعتبار عريضة النقض بخصوص عقار محفظ وثيقة صالحة لاقامة تقييد احتياطي وذلك لمعالجة المشاكل التي قد تنشا عن نقض القرار الاستئنافي من طرف المجلس الاعلى.
وعليه فان هذا المنشور الاخير اعطى مفهوما ضيقا للفصل 361 من ق. م. م واعتبر ان الطعن بالنقض بخصوص قرار استئنافي صدر بخصوص عقار محفظ لا يوقف تنفيذ هذا القرار، ومن تم اعتبر المنشور عريضة النقض بخصوص هذا القرار قابلة لتكون موضوع تقييد احتياطي تفاديا لصدور قرار عن مجلس الاعلى بنقض القرار الاستئنافي الذي تم بمقتضاه التسجيل.
ورغبة من ادارة المحافظة العقارية في توحيد المقتضيات التي تحكم اثر الطعن بالنقض بخصوص العقارات المحفظة وقضايا التحفيظ العقاري، فقد استفتت وزارة الفلاحة وزير العدل الذي افاد بمقتضى كتابه عدد 1748 وتاريخ 09/06/80 بانه ماعدا في حالة تدخل القضاء المختص بتفسير النص المذكور (الفصل 361 من ق. م. م) فان وزارة العدل ترى بان الطعن بالنقض ذي الاثر الموقف للتنفيذ بخصوص التحفيظ يجب ان يفسر تفسيرا واسعا يشمل كذلك العقارات المحفظة" .
واعتمادا على هذه الفتوى اصدرت المحافظة العامة منشورا تحت عدد 280 وبتاريخ 16/03/81 اكدت فيه هذا التفسير الموسع وطلبت من المحافظين بخصوص القضايا التي تهم عقارات محفظة اسوة بدعاوي لتحفيظ تطلب شهادة بعدم النقض ملغية بذلك المنشور عدد 278 ش وبتاريخ 27/05/80 .
ثالثا: موقف الاجتهاد القضائي:
بتاريخ 02/06/1988 اصدر المجلس الاعلى قراره عدد 125 الصادر عن الغرفة الادارية فسر فيه الفصل 361 من ق. م. م تفسيرا مخالفا للفقه الاداري المشار اليه اعلاه، واعتبر ان دعاوى التحفيظ مقصورة فقط على الدعاوى التي تهم مسطرة التحفيظ، اما ما يتعلق بالعقارات المحفظة فانها لا تدخل ضمن هذه المقتضيات وقد تم نشر هذا القرار بمجلة القضاء والقانون عدد 139 صحيفة 113.
وبتاريخ 19/05/1989 اصدر المحافظ العام منشورا تحت عدد 314 افاد ان التفسير الموسع لمقتضيات الفصل 361 من ق. م. م لكلمة التحفيظ الواردة به كان مشروطا بتدخل القضاء المختص بتفسير هذا النص، وان القضاء تدخل لتفسير الفصل المذكور في اشارة الى القرار المذكور اعلاه، تم بمقتضاه الرجوع الى الوضع السابق أي اعتبار القرار الاستئنافي بخصوص العقارات المحفظة قابلا للتنفيذ رغم الطعن بالنقض الموجه ضده، وان الفصل 361 من ق. م. م لا ينسحب الا على مسطرة التحفيظ.
رابعا: موقف الفقه الاداري الحالي:
وبتاريخ20/01/1995 وخلافا للعادة المتبعة سابقا اصدر المحافظ العام دورية للمحافظين تحت عدد 324 سلم فيها بقصور المفهوم الضيق لعبارة التحفيظ العقاري الوارد النص عليها في الفصل 361 من ق. م. م واعتمادا على الصعوبات العملية الناتجة عن هذا المفهوم الضيق، وجه المحافظين الى ضرورة تطلب شهادة بعدم النقض بخصوص جميع الاحكام والعقارات سواء تعلق الامر بمرحلة التحفيظ او بمرحلة ما بعده.
وقد شايع بعض الفقه هذا الموقف فقد نشرت مجلة التحفيظ العقاري (عدد 5 صحيفة 17) بحثا للاستاذ الخيري محمد بخصوص هذه المسالة اعتمد فيه على وحدة قانون التحفيظ العقاري وعدم قابليته للتجزئة وعلى مفهوم قوة الشيء المقضي به لمناصرة المفهوم الموسع لمصطلح التحفيظ العقاري الوارد النص عليه في الفصل 361 من ق. م. م كما نشرت جريدة العلم على حلقات بحثا للاستاذ بلحاج السلمي اعتمد فيه نفس الاسباب السابقة مع تعمق لمناصرة نفس المفهوم.
خامسا: راينا بخصوص هذا الاشكال :
يظهر انه من خلال قراءة الفصل 361 من ق. م. م اعتمادا على المرجعية التاريخية للنص وطبيعته ضمن محيطه ان مصطلح التحفيظ الوارد النص عليه في هذا الفصل لا يستحمل الا المساطر التي تهم مرحلة ما قبل التحفيظ ولا يمكن ان ينسحب على العقارات المحفظة، نظرا للاسباب الاتية:
1-ان كلمة تحفيظ هي مصطلح قانوني ابتدعه المشرعون اقتباسا من عقد طورانس الاسترالي فهو مصطلح بخصوص النظام العقاري المغربي يعني مجموعة المساطر التي تبتدئ من تاريخ وضع مطلب التحفيظ وتنتهي بصدور قرار التحفيظ من طرف المحافظ العقاري. ويليه زمنيا مصطلح اخر هو العقار المحفظ، وقد خصص مشرع1913 قسمين رئيسين لكل مصطلح منهما، فاسمى الاول : التحفيظ، واسمى الثاني: في اشهار الحقوق العينية العقارية المقامة على العقارات المحفظة…
وعليه فان لكل مصطلح مدلوله و لا تداخل بينهما نهائيا يمكن ان يسمح بانسحاب احدها على عناصر اخر.
نعم وبما اننا بصدد تفسير الفصل 361 من قانون المسطرة المدنية، يمكن ان يتبادر الى الذهن غياب تقنيات التحفيظ والعقارات المحفظة على مشرع المسطرة المدنية باعتبار ان هذا المشرع كان بصدد تهيئ تشريع عام يمكن ان تفوته المصطلحات الخاصة لكل فرع من فروع القانون المدني .
الا اننا عند مراجعة ق. م. م نجد ان هذا التشريع اشار الى المصطلحين معا أي التحفيظ والعقارات المحفظة بل واستخدمهما في مكانها فمثلا الفصل 455 من ق. م. م في فقرته الخامسة جاء فيه ما يلي :
"اذا تعلق الحجز بعقار محفظ او في طور التحفيظ…
كما جاء في الفقر الموالية الاشارة الى العقارات العادية ونفس الشيء نجده في الفصل 471 من ق. م. م الفقرة الثانية من هذا الفصل التي جاء فيها ما يلي :
"…. وتعلق الامر بعقار محفظ او في طور التحفيظ اصدر الرئيس امرا يقضي على المحافظ بتسليمه شهادة الملكية او نسخة من المستندات الموضوعة المعززة لمطلب التحفيظ حسب الاحوال".
وعليه فان مصطلحي التحفيظ والعقارات المحفظة معروفان من طرف مشرع المسطرة المدنية ويميزهما عن بعضهما البعض ولا يمكن ان ينسب اليه أي تداخل في المصطلحات او اي ارتباك وينتج عن هذا التحليل البسيط ان الفقه الاداري او الحر لم يكن ولن يكون في حاجة الى تفسير مصطلح التحفيظ الوارد النص عليه في الفصل 361 من ق. م. م. لماذا؟ لان المصطلح واضح وليس به أي غموض ولا يحتاج لاي تفسير.
2-ان طبيعة الفصل 361 القانونية هي انه تضمن مبدا قانونيا يهم المرافعات المدنية واستثناءات لهذا المبدا.
فالمبدا هوان الطعن بالنقض وباعتباره طعنا غير عادي ليس به أي ا ثر موقف للتنفيذ لماذا؟
لانه عالميا حصل الاجماع تقريبا في اطار حماية المتقاضي من خطا قضائي محتمل على اقرار مبدا التقاضي على درجتين فيتعين بعد استنفاذ هاتين الدرجتين اقرار الحقوق واستقرار الاوضاع.
اما الاستثناءات فقد روعي فيها ضرر عدم القابلية لاصلاح الاوضاع بعد صدور قرار بالنقض وهي لذلك وردت على سبيل الحصر، ومن جملتها قضايا التحفيظ.
ومعلوم ان الاستثناء لا يجوز التوسع فيه ولو عن طريق التفسير.
نعم يجوز التضييق في مجاله وهكذا فبعد ان ورد في الفصل المذكور مصطلح الاحوال الشخصية، فان الاجتهاد القضائي مدعما بالفقه ضيق من هذا المصطلح واعتبره يهم فقط النسب والتطليق.
اذا نحن بصدد مقتضيات استثنائية تقتضي التطبيق اولا وتقتضي التفسير الضيق اذا كان بها غموض أي التفسير الحصري لا التفسير التوسعي.
3-ان مصطلح التحفيظ ورديفه العقارات المحفظ لهما مرجعية تاريخية تشريعية متميزة:
ذلك ان الفصل الثالث من التنظيم القضائي المؤرخ ب: 12/08/1913 كان يقضي بان المحاكم العصرية في حالة مناقشة قضية تهم عقارا يتعين ان ينضم اليها مستشاران مسلمان لهما صوت استشاري، وانسجاما مع هذا الفصل، فقد ورد النص في الفصل 36 من ظهير التحفيظ العقاري على ما يلي: "تضم المحكمة الابتدائـية الى هياتها للقيام بمناقشات في قضية التحفيظ وللبث فيها عضوين مسلمين لهما صفة استشارية وذلك طبقا لمقتضيات الفصل الثالث من ظهير التنظيم القضائي بالمغرب…"
وفي نفس السياق نص الفصل 46 من نفس الظهير على ما يلي :
"تضم محكمة الاستئناف الى هياتها - للقيام بمناقشات في قضية تحفيظ او البث فيها - عضوين مسلمين لهما صفة استشارية وذلك طبقا لمقتضيات الفصل الثالث من ظهير التنظيم القضائي بالمغرب".
وتمييزا لقضايا العقارات المحفظة عن تلك المتعلقة بالتحفيظ نص الفصل الخامس من نفس الظهير على ما يلي:
…"ليس من الضروري اضافة مستشارين مسلمين سواء للمحكمة الابتدائية او لمحكمة الاستئناف اثناء المناقشة او البث في النزاعات المتحدث عنها في الفصلين السابقين- أي النزاعات المتعلقة بالعقارات المحفظة - وذلك خلافا للفصل الثالث من ظهير التنظيم القضائي."
قد نص الفصل الثالث المشار اليه في الفصل الخامس من الظهير على ما يلي:
تختص بالنظر في العقارات المحفظة وبكيفية نهائية المحاكم المحدثة بمقتضى ظهير 12/08/1913 كما نص الفصل الرابع على ما يلي :
"اذا حدث نزاع في شان تعيين حدود واتفاقات عقارات متجاورة وكان بعضها محفظا والاخر غير محفظ فان المحاكم المشار اليها في الفصل السابق هي التي تقضي في الامر دون سواها وتطبق في هذه الحالة مقتضيات الفصل 106 من ظهيرنا هذا" .
وعليه فمن خلال استعراض النصوص السابقة يتبين ان المشرع سبق له ان ميز بين المصطلحين قضايا التحفيظ والعقارات المحفظة ولم يسبق له ان خلط بينهما او استعمل احدهما مكان الاخر او استعمل احدهما للتدليل على المفهومين معا، كما ان الفقه الاداري والفقه الاخر في المرحلة السابقة لم يسبق ان سجل عليهما اي خلط بين المفهومين.
4-ان الحالات الثلاث المذكورة حصرا وعلى سبيل الاستثناء من المبدا العام المنصوص عليه في الفصل 361 من ق. م. م لها قاسم مشترك، يجمع بينها وهو استحالة الرجوع الى الوضع الحقوقي الذي كان قائما تنفيذ القرار الاستئنافي لو كان قابلا لذلك استحالة مطلقة، فالزواج بأجنبي بعد تنفيذ القرار الاستئنافي بتطليق الزوجة من زوجها الاول مانع من حل العصمة الثانية للرجوع الى الاولى بعد صدور قرار نقض القرار الاستئنافي، واتلاف المستند المصرح بزوريته مانع من استظهاره والاستدلال به بعد نقض القرار الاستئنافي الذي بوشر تنفيذه حسب ما يقضي بذلك الفصل 99 من ق. م. م وكذلك فان تحفيظ الملك من طرف المحافظ مانع من رجوع الوضع الى ما قبل قرار التحفيظ بعد صدور قرار النقض من طرف المجلس الاعلى ، ونفس الشيء بالنسبة للحالة الرابعة التي كان ينص عليها الفصل 15 من ظهير27/09/1957 وهي القضايا الجنائية، فتنفيذ حكم الاعدام مثلا، في حق المحكوم عليه مانع ابدا من ارجاع الحياة له بعد نقض المجلس الاعلى لحكم الاعدام.
وعليه، فان هذه الحالات الاربع كلها لها قاسم مشترك وهواستحالة ارجاع الوضع الى ما كان عليه قبل التنفيذ استحالة مطلقة.
اما بخصوص حالة العقار المحفظ التي يرغب الفقه الاداري، وبعض الفقه الى الحاقها بهذه القاطرة : قاطرة الاستثناءات لمبدا انعدام الاثرالموقف للطعن بالنقض، فاننا لا نوجد ابدا امام استحالة مطلقة لارجاع الحالة الى ما كانت عليه.
نعم توجد صعوبة عندما يتصرف المحكوم له في العقار المحفظ لفائدة الغير حسن النية، وهذه الحالة او الصعوبة عولجت من طرف المحافظة العامة لالزام المحافظين بقبول تقييد احتياطي لمسطرة الطعن بالنقض بمقتضى عريضة النقض، وكان اخر هذه المناشر للتذكير فقط، منشور عدد 278 والمؤرخ 27/05/1980.
وبهذا الحل يمكن القول بانه لا وجود لاية صعوبة فاحرى استحالة، بخصوص تطبيق المبدا العام وهوانعدام أي اثر موقف للتنفيذ بخصوص القرارات الاستئنافية التي تهم عقارات محفظة للسماح لهذه المجموعة بالالتحاق بقاطرة الاستثناءات المشار اليها في الفصل 361 من ق. م. م.
5- لقد تم اعتماد بعض الفقه المناصر للتفسير الموسع للفصل المذكور اعلاه من جملة ما اعتمد عليه ان القرارات الاستئنافية لا تحوز قوة الشيء المقضي به وبعبارة اوضح لا تكون قابلة للتنفيذ واشار هذا الفقه الى انه بخصوص ق. م. م ليس هناك اي نص صريح يحدد ميقات اكتساب الاحكام لقوة الشيء المقضي به واستدل لذلك بما ورد في كتاب طرق الطعن لوزارة العدل الذي اسماه بالموقف الرسمي .
ويمكن الرد على ذلك بان قانون المسطرة المدنية حدد ميقات اكتساب الاحكام والقرارت لقوة المقضي به ومن تم قابليتها التنفيذ .
وهكذا، فقد جاء في الفصل 145 ما يلي : "ينفذ الحكم عند تصحيحه من طرف المحكمة التي اصدرت الحكم المستانف، ينفذ عند الغائه من طرف محكمة الاستئناف او من المحكمة التي تعينها لذلك…".
ومن خلال استقراء هذه النصوص يتبين ان القرارات الاستئنافية هي احكام قابلة للتنفيذ وحائزة لقوة الشيء المقضي به.
هذا من جهة، ومن جهة اخرى فان ما اصطلح عليه بالموقف الرسمي في اشارة الى ما ورد في كتاب طرق الطعن لوزارة العدل فهو ليس كذلك بل هو مجرد فقه اداري وليس تفسيرا رسميا للنصوص لان هذا الاخير هو الذي يصدر عن نفس السلطة التي اصدرت النص المفسر.
هذا عن المبادئ العامة للمرافعات، اما فيما يخص الدراسات المتخصصة بالنسبة للتحفيظ العقاري، فقد اشير في النقطة السابقة الى ما لا يصح معه انسحاب كلمة تحفيظ على العقارات المحفظة.
واكبر دليل على هذا التحليل هوان مهيئي مسودة مشروع قانون التحفيظ ولما راوا ن مبادئ المرافعات المدنية وتقنيات قانون التحفيظ لا تسعف لإدخال العقار المحفظ ضمن عطاء التحفيظ بخصوص استثنائه من مبدا انعدام الاثر الموقف للطعن بالنقض، اضطروا الى تخصيص مادة رقمت ب164 جاء فيها ما يلي: "يقصد بالاحكام المكتسبة لقوة الشيء المقضي به في مفهوم هذا القانون الاحكام التي استنفذت طرق الطعن بالاستئناف اوالنقض".
6- جرت العادة لدى المحافظة العامة منذ 17/03/1917 تاريخ صدور اول منشور اداري عن قسم المحافظة على الملكية العقارية: الانضباط التام مع الاحكام القضائية وفور صدورها، وقد سارت على هذه السنة المحافظة العامة بخصوص هذا الاشكال صدر منشور اداري عدد 280 امر المحافظين بالتزام تفسير موسع للفصل 361 من ق. م. م معتمدا في ذلك على فتوى وزارة العدل وفي غياب أي اجتهاد قضائي، وبعد صدور قرار المجلس الاعلى المشار اليه اصدر المحافظ العام منشورا تحت عدد 318 اعلن فيه صدور هذا القرار وحث المحافظين على العدول على التفسير الموسع لفائدة التفسير الضيق للفصل 361 انسجاما مع الاجتهاد القضائي .
ودون حصول أي جديد، تم في التسعينات استفتاء وزارة العدل من جديد حول الاجتهاد القضائي المذكور من طرف المحافظة العامة ورغم ان وزارة العدل اكدت ان المجلس الاعلى هو صاحب الاختصاص في تفسير النص المذكور، وان راي وزارة العدل لا يلزم المجلس الاعلى في شيء وان هذا الاخير تبقى له كلمة الفصل في تاويل النصوص القانونية في القضايا المعروضة عليه، فان المحافظ العام اصدر دوريته عدد 324 امر فيها المحافظين بلزوم تطبيق الفصل 361 من ق. م. م بمفهومه الموسع وبخصوص مادة التحفيظ. وهذه الدورية كما اشارت الى ذلك سابقا شدت عن العادة والسنة المتبعة وهي الانسجام مع القرارات القضائية، فهل هو بداية زمن مراقبة الاحكام القضائية من طرف السلطة الادارية وعدم الانسجام معها؟
7- يرى بعض الفقه ان المحافظ له سلطة مراقبة صحة الاحكام باعتبارها وثائق استدل بها امامه من اجل التقييد اوالتشطيب بالسجل العقاري، واستكمالا لهذا الراي يرى هذا الفقه بان المحافظ يقيد الاحكام ولا ينفذها في اشارة للفصل 72 من قانون التحفيظ العقاري الذي جاء فيه مايلي يحقق المحافظ - تحت مسؤوليته- هوية المفوت واهليته وكذا صحة الوثائق المدلى بها تاييدا للمطلب شكلا وجوهرا".
الا ان القضاء لم يفسر هذا النص طبق ما ذهب اليه الفقه المذكور بل قصر نظر المحافظ فيما يخص التسجيل اوالتشطيب بمقتضى احكام قضائية على مراقبة الشكل وقابلية تلك الاحكام للتنفيذ.
وهذا ما حذا بمهيء مسودة مشروع قانون التحفيظ على التنصيص في المادة 101 على ما يلي :
يجب على كل شخص يطلب تقييدا بالرسم العقاري ان يضع لدى المحافظة العقارية طلبا مدعما باصل كل عقد او وثيقة او نسخة اصلية منهما. اما الاحكام الحائزة لقوة الشيء فيجب تقديمها مديلة بالصيغة التنفيذية".
8- ان التفسير السابق يهم فقط الاحكام القضائية المقدمة من طرف ذوي المصالح لاجراء تسجيل اوتشطيب ما، اما اذا تعلق الامر بحكم قضائي موجه ضد المحافظ نفسه كالاجتهاد القضائي المشار الى مراجعه اعلاه، فانه من الصعوبة بمكان تصور عدم انسجام الادارة مع الحكم القضائي خصوصا في اطار دولة الحق والقانون.
9- ان الاحكام القضائية التي تسير في الاتجاه المعاكس والمشار اليها اعلاه في البحثين الفقهيين لم يشر الى مراجعها.
10- ان المجلس الاعلى اكد مرة ثانية في قرار حديث مؤرخ ب 12 يوليوز 2000 تحت عدد 1150 : ما سبق ان اقره القرار عدد 125.
وبصدور هذا القرار الاخير، يحق لنا الحديث عن اجتهاد قضائي قار ومتواتر، يتعين على الكل الانضباط به.
مجلة المحاكم المغربية عدد87، ص 51
تمهيــد:
نص الفصل 361 من ق.م.م الصادر 28/09/1974 ضمن القسم السابع المعنون بالمجلس الاعلى على ما يلي: "لايوقف الطعن امام المجلس الاعلى التنفيذ الا في الاحوال الاتية :
1-في الاحوال الشخصية.
2- في الزور الفرعي.
3-التحفيظ العقاري.
وقد عرف هذا الفصل اختلافا كبيرا بين الفقه وخاصة الاداري منه من جهة والاجتهاد القضائي من جهة اخرى فيما يخص مفهوم مصطلح التحفيظ.
ولنحيط بهذا الاختلاف يظهر انه يتعين الرجوع الى الاصل ا لتاريخي للنص في محطتين اثنتين تهم الاولى وضع ما قبل تاريخ احداث المجلس الاعلى والثانية تهم وضع ما بعد انشاء المجلس الاعلى في محور اول تم الحديث عن مقتضيات الفصل المذكور وتفسيرات الادارة لهذا الفصل في محور ثان ثم نستعرض موقف القضاء من تفسير هذا الفصل في محور ثالث وللموقف الاداري الحالي في محور رابع لنختم براينا بخصوص الاشكال المطروح في محور اخير .
أولا: الأصل التاريخي للنص:
ويتضمن نقطتان : الاولى تخصصها لوضع ما قبل سنة 1957 والثانية لما بعد ذلك.
1- عدم جواز ممارسة النقض بخصوص مسطرة التحفيظ:
كان الفصل 47 من ظهير 12/08/1913 ينص على ما يلي "ان القرارت الصادرة في مادة التحفيظ لا تقبل الطعن بالنقض الا من طرف الوكيل العام
ولفائدة القانون فقط".
كما نص الفصل 96 من نفس الظهير على عدم جواز الطعن بالنقض ضد القرار الاستئنافي الصادر بخصوص رفض التحفيظ او التسجيل او التشطيب، الى ان تدخل المشرع بمقتضى ظهير 04/08/1944 واعتبر هذا لقرار قابلا للطعن بالنقض من طرف الوكيل العام ولفائدة القانون فقط.
وفي ظل هذا الوضع التشريعي صدر منشور عن المحافظة العامة عدد 152بتاريخ 20/05/1953 تم بمقتضاه الزام المحافظين بتسجيل تقيد احتياطي في الرسوم العقارية بخصوص طلبات النقض التي تهم العقارات المحفظة عندما يطلب منهم ذلك وبمقتضى عريضة النقض، وجاء في تعليل هذا المقتضى : بان هذا الطعن باعتباره طعنا غير عادي فليس له اثر موقف للتنفيذ وقد تنشا صعوبات اذا صدر قرار من محكمة النقض وتم تفويت العقار للغير حسن النية.
2- تعديلات سنتي 1957 و 1958
بتاريخ27/09/1957 صدر ظهير انشاء المجلس الاعلى كمحكمة للنقض للقضاء على اخر معقل من معاقل الحماية الاجنبية: وقد تضمن الفصل 15 من هذا القانون ما يلي:"ان الطعون امام المجلس الاعلى لا يكون لها اي اثر موقف الا في الحالات الاتية:
1- في مادة الاحوال الشخصية.
2- في الزور الفرعي.
3- في مادة التحفيظ.
4- في المادة الجنائية.
وانسجاما مع هذا القانون صدر ظهير مؤرخ ب 26/05/1958 تم بموجبه تعديل كل من الفصلي 47 و 96 من ظهير التحفيظ العقاري والذين اصبحا ينصان على ما يلي:
الفصل 47 : "ان الاحكام الصادرة في موضوع التحفيظ تقبل الطعن فيها عن طريق النقض المنصوص عليه بالظهير المؤرخ 27/09/1957 المتعلق بالمجلس الاعلى وتبلغ الاحكام بنصها الكامل الى جميع الاطراف في عناوينهم الحقيقية او المختارة مع التنبيه على ان بامكانهم الطعن فيها في اجل شهرين ابتداءا من يوم التبيليغ.
كما جاء في الفصل 96 ما يلي: الفقرة الثانية:
"…. والاحكام الاستئنافية يمكن الطعن فيها عن طريق النقض وتبلغ للاطراف حسب نفس الشروط والشكل المقررة بالفصل 47 المشار اليه اعلاه…."
وتفسيرا لهذه المقتضيات صدر منشور عن المحافظة العامة عدد 216 وتاريخ20/06/1958 الزم ارفاق القرار الاستئنافي المتعلق بالتحفيظ بشهادة من كتابة الضبط تثبت عدم النقض.
وعليه فانه في ظل الوضع التشريعي لسنة1957 كانت قضايا التحفيظ المنصوص عليها في الفصل 15 من ظهير انشاء المجلس الاعلى محددة في قضايا التعرض على مطالب التحفيظ فقط .
ثانيا: الوضع التشريعي لسنة 1974 :
بتاريخ 28/09/1974 صدر قانون المسطرة المدنية، وبمقتضى هذا القانون تم الغاء الفصل 15 من ظهير 27/09/1957 وتم تعويضه بالفصل 361 من ق. م. م وقد تضمن نفس المقتضيات السابقة وقد اشير الى نصه سابقا.
وبعد تطبيق هذا النص تم اعتبار الدعاوى المتعلقة بالتحفيظ هي التي ينطبق عليها الفصل 361 من ق. م. م واصبح المحافظون يطلبون ارفاق القرار المتعلق بالتحفيظ بشهادة بعدم النقض، لامكانية تنفيذ هذا القرار.
اما بخصوص العقارات المحفظة أي دعاوي التسجيل والتشطيب فقد تم استصدار منشور تحت عدد278 وبتاريخ 27/05/1980 من المحافظة العامة يتضمن اعطاء التعليمات للمحافظين باعتبار عريضة النقض بخصوص عقار محفظ وثيقة صالحة لاقامة تقييد احتياطي وذلك لمعالجة المشاكل التي قد تنشا عن نقض القرار الاستئنافي من طرف المجلس الاعلى.
وعليه فان هذا المنشور الاخير اعطى مفهوما ضيقا للفصل 361 من ق. م. م واعتبر ان الطعن بالنقض بخصوص قرار استئنافي صدر بخصوص عقار محفظ لا يوقف تنفيذ هذا القرار، ومن تم اعتبر المنشور عريضة النقض بخصوص هذا القرار قابلة لتكون موضوع تقييد احتياطي تفاديا لصدور قرار عن مجلس الاعلى بنقض القرار الاستئنافي الذي تم بمقتضاه التسجيل.
ورغبة من ادارة المحافظة العقارية في توحيد المقتضيات التي تحكم اثر الطعن بالنقض بخصوص العقارات المحفظة وقضايا التحفيظ العقاري، فقد استفتت وزارة الفلاحة وزير العدل الذي افاد بمقتضى كتابه عدد 1748 وتاريخ 09/06/80 بانه ماعدا في حالة تدخل القضاء المختص بتفسير النص المذكور (الفصل 361 من ق. م. م) فان وزارة العدل ترى بان الطعن بالنقض ذي الاثر الموقف للتنفيذ بخصوص التحفيظ يجب ان يفسر تفسيرا واسعا يشمل كذلك العقارات المحفظة" .
واعتمادا على هذه الفتوى اصدرت المحافظة العامة منشورا تحت عدد 280 وبتاريخ 16/03/81 اكدت فيه هذا التفسير الموسع وطلبت من المحافظين بخصوص القضايا التي تهم عقارات محفظة اسوة بدعاوي لتحفيظ تطلب شهادة بعدم النقض ملغية بذلك المنشور عدد 278 ش وبتاريخ 27/05/80 .
ثالثا: موقف الاجتهاد القضائي:
بتاريخ 02/06/1988 اصدر المجلس الاعلى قراره عدد 125 الصادر عن الغرفة الادارية فسر فيه الفصل 361 من ق. م. م تفسيرا مخالفا للفقه الاداري المشار اليه اعلاه، واعتبر ان دعاوى التحفيظ مقصورة فقط على الدعاوى التي تهم مسطرة التحفيظ، اما ما يتعلق بالعقارات المحفظة فانها لا تدخل ضمن هذه المقتضيات وقد تم نشر هذا القرار بمجلة القضاء والقانون عدد 139 صحيفة 113.
وبتاريخ 19/05/1989 اصدر المحافظ العام منشورا تحت عدد 314 افاد ان التفسير الموسع لمقتضيات الفصل 361 من ق. م. م لكلمة التحفيظ الواردة به كان مشروطا بتدخل القضاء المختص بتفسير هذا النص، وان القضاء تدخل لتفسير الفصل المذكور في اشارة الى القرار المذكور اعلاه، تم بمقتضاه الرجوع الى الوضع السابق أي اعتبار القرار الاستئنافي بخصوص العقارات المحفظة قابلا للتنفيذ رغم الطعن بالنقض الموجه ضده، وان الفصل 361 من ق. م. م لا ينسحب الا على مسطرة التحفيظ.
رابعا: موقف الفقه الاداري الحالي:
وبتاريخ20/01/1995 وخلافا للعادة المتبعة سابقا اصدر المحافظ العام دورية للمحافظين تحت عدد 324 سلم فيها بقصور المفهوم الضيق لعبارة التحفيظ العقاري الوارد النص عليها في الفصل 361 من ق. م. م واعتمادا على الصعوبات العملية الناتجة عن هذا المفهوم الضيق، وجه المحافظين الى ضرورة تطلب شهادة بعدم النقض بخصوص جميع الاحكام والعقارات سواء تعلق الامر بمرحلة التحفيظ او بمرحلة ما بعده.
وقد شايع بعض الفقه هذا الموقف فقد نشرت مجلة التحفيظ العقاري (عدد 5 صحيفة 17) بحثا للاستاذ الخيري محمد بخصوص هذه المسالة اعتمد فيه على وحدة قانون التحفيظ العقاري وعدم قابليته للتجزئة وعلى مفهوم قوة الشيء المقضي به لمناصرة المفهوم الموسع لمصطلح التحفيظ العقاري الوارد النص عليه في الفصل 361 من ق. م. م كما نشرت جريدة العلم على حلقات بحثا للاستاذ بلحاج السلمي اعتمد فيه نفس الاسباب السابقة مع تعمق لمناصرة نفس المفهوم.
خامسا: راينا بخصوص هذا الاشكال :
يظهر انه من خلال قراءة الفصل 361 من ق. م. م اعتمادا على المرجعية التاريخية للنص وطبيعته ضمن محيطه ان مصطلح التحفيظ الوارد النص عليه في هذا الفصل لا يستحمل الا المساطر التي تهم مرحلة ما قبل التحفيظ ولا يمكن ان ينسحب على العقارات المحفظة، نظرا للاسباب الاتية:
1-ان كلمة تحفيظ هي مصطلح قانوني ابتدعه المشرعون اقتباسا من عقد طورانس الاسترالي فهو مصطلح بخصوص النظام العقاري المغربي يعني مجموعة المساطر التي تبتدئ من تاريخ وضع مطلب التحفيظ وتنتهي بصدور قرار التحفيظ من طرف المحافظ العقاري. ويليه زمنيا مصطلح اخر هو العقار المحفظ، وقد خصص مشرع1913 قسمين رئيسين لكل مصطلح منهما، فاسمى الاول : التحفيظ، واسمى الثاني: في اشهار الحقوق العينية العقارية المقامة على العقارات المحفظة…
وعليه فان لكل مصطلح مدلوله و لا تداخل بينهما نهائيا يمكن ان يسمح بانسحاب احدها على عناصر اخر.
نعم وبما اننا بصدد تفسير الفصل 361 من قانون المسطرة المدنية، يمكن ان يتبادر الى الذهن غياب تقنيات التحفيظ والعقارات المحفظة على مشرع المسطرة المدنية باعتبار ان هذا المشرع كان بصدد تهيئ تشريع عام يمكن ان تفوته المصطلحات الخاصة لكل فرع من فروع القانون المدني .
الا اننا عند مراجعة ق. م. م نجد ان هذا التشريع اشار الى المصطلحين معا أي التحفيظ والعقارات المحفظة بل واستخدمهما في مكانها فمثلا الفصل 455 من ق. م. م في فقرته الخامسة جاء فيه ما يلي :
"اذا تعلق الحجز بعقار محفظ او في طور التحفيظ…
كما جاء في الفقر الموالية الاشارة الى العقارات العادية ونفس الشيء نجده في الفصل 471 من ق. م. م الفقرة الثانية من هذا الفصل التي جاء فيها ما يلي :
"…. وتعلق الامر بعقار محفظ او في طور التحفيظ اصدر الرئيس امرا يقضي على المحافظ بتسليمه شهادة الملكية او نسخة من المستندات الموضوعة المعززة لمطلب التحفيظ حسب الاحوال".
وعليه فان مصطلحي التحفيظ والعقارات المحفظة معروفان من طرف مشرع المسطرة المدنية ويميزهما عن بعضهما البعض ولا يمكن ان ينسب اليه أي تداخل في المصطلحات او اي ارتباك وينتج عن هذا التحليل البسيط ان الفقه الاداري او الحر لم يكن ولن يكون في حاجة الى تفسير مصطلح التحفيظ الوارد النص عليه في الفصل 361 من ق. م. م. لماذا؟ لان المصطلح واضح وليس به أي غموض ولا يحتاج لاي تفسير.
2-ان طبيعة الفصل 361 القانونية هي انه تضمن مبدا قانونيا يهم المرافعات المدنية واستثناءات لهذا المبدا.
فالمبدا هوان الطعن بالنقض وباعتباره طعنا غير عادي ليس به أي ا ثر موقف للتنفيذ لماذا؟
لانه عالميا حصل الاجماع تقريبا في اطار حماية المتقاضي من خطا قضائي محتمل على اقرار مبدا التقاضي على درجتين فيتعين بعد استنفاذ هاتين الدرجتين اقرار الحقوق واستقرار الاوضاع.
اما الاستثناءات فقد روعي فيها ضرر عدم القابلية لاصلاح الاوضاع بعد صدور قرار بالنقض وهي لذلك وردت على سبيل الحصر، ومن جملتها قضايا التحفيظ.
ومعلوم ان الاستثناء لا يجوز التوسع فيه ولو عن طريق التفسير.
نعم يجوز التضييق في مجاله وهكذا فبعد ان ورد في الفصل المذكور مصطلح الاحوال الشخصية، فان الاجتهاد القضائي مدعما بالفقه ضيق من هذا المصطلح واعتبره يهم فقط النسب والتطليق.
اذا نحن بصدد مقتضيات استثنائية تقتضي التطبيق اولا وتقتضي التفسير الضيق اذا كان بها غموض أي التفسير الحصري لا التفسير التوسعي.
3-ان مصطلح التحفيظ ورديفه العقارات المحفظ لهما مرجعية تاريخية تشريعية متميزة:
ذلك ان الفصل الثالث من التنظيم القضائي المؤرخ ب: 12/08/1913 كان يقضي بان المحاكم العصرية في حالة مناقشة قضية تهم عقارا يتعين ان ينضم اليها مستشاران مسلمان لهما صوت استشاري، وانسجاما مع هذا الفصل، فقد ورد النص في الفصل 36 من ظهير التحفيظ العقاري على ما يلي: "تضم المحكمة الابتدائـية الى هياتها للقيام بمناقشات في قضية التحفيظ وللبث فيها عضوين مسلمين لهما صفة استشارية وذلك طبقا لمقتضيات الفصل الثالث من ظهير التنظيم القضائي بالمغرب…"
وفي نفس السياق نص الفصل 46 من نفس الظهير على ما يلي :
"تضم محكمة الاستئناف الى هياتها - للقيام بمناقشات في قضية تحفيظ او البث فيها - عضوين مسلمين لهما صفة استشارية وذلك طبقا لمقتضيات الفصل الثالث من ظهير التنظيم القضائي بالمغرب".
وتمييزا لقضايا العقارات المحفظة عن تلك المتعلقة بالتحفيظ نص الفصل الخامس من نفس الظهير على ما يلي:
…"ليس من الضروري اضافة مستشارين مسلمين سواء للمحكمة الابتدائية او لمحكمة الاستئناف اثناء المناقشة او البث في النزاعات المتحدث عنها في الفصلين السابقين- أي النزاعات المتعلقة بالعقارات المحفظة - وذلك خلافا للفصل الثالث من ظهير التنظيم القضائي."
قد نص الفصل الثالث المشار اليه في الفصل الخامس من الظهير على ما يلي:
تختص بالنظر في العقارات المحفظة وبكيفية نهائية المحاكم المحدثة بمقتضى ظهير 12/08/1913 كما نص الفصل الرابع على ما يلي :
"اذا حدث نزاع في شان تعيين حدود واتفاقات عقارات متجاورة وكان بعضها محفظا والاخر غير محفظ فان المحاكم المشار اليها في الفصل السابق هي التي تقضي في الامر دون سواها وتطبق في هذه الحالة مقتضيات الفصل 106 من ظهيرنا هذا" .
وعليه فمن خلال استعراض النصوص السابقة يتبين ان المشرع سبق له ان ميز بين المصطلحين قضايا التحفيظ والعقارات المحفظة ولم يسبق له ان خلط بينهما او استعمل احدهما مكان الاخر او استعمل احدهما للتدليل على المفهومين معا، كما ان الفقه الاداري والفقه الاخر في المرحلة السابقة لم يسبق ان سجل عليهما اي خلط بين المفهومين.
4-ان الحالات الثلاث المذكورة حصرا وعلى سبيل الاستثناء من المبدا العام المنصوص عليه في الفصل 361 من ق. م. م لها قاسم مشترك، يجمع بينها وهو استحالة الرجوع الى الوضع الحقوقي الذي كان قائما تنفيذ القرار الاستئنافي لو كان قابلا لذلك استحالة مطلقة، فالزواج بأجنبي بعد تنفيذ القرار الاستئنافي بتطليق الزوجة من زوجها الاول مانع من حل العصمة الثانية للرجوع الى الاولى بعد صدور قرار نقض القرار الاستئنافي، واتلاف المستند المصرح بزوريته مانع من استظهاره والاستدلال به بعد نقض القرار الاستئنافي الذي بوشر تنفيذه حسب ما يقضي بذلك الفصل 99 من ق. م. م وكذلك فان تحفيظ الملك من طرف المحافظ مانع من رجوع الوضع الى ما قبل قرار التحفيظ بعد صدور قرار النقض من طرف المجلس الاعلى ، ونفس الشيء بالنسبة للحالة الرابعة التي كان ينص عليها الفصل 15 من ظهير27/09/1957 وهي القضايا الجنائية، فتنفيذ حكم الاعدام مثلا، في حق المحكوم عليه مانع ابدا من ارجاع الحياة له بعد نقض المجلس الاعلى لحكم الاعدام.
وعليه، فان هذه الحالات الاربع كلها لها قاسم مشترك وهواستحالة ارجاع الوضع الى ما كان عليه قبل التنفيذ استحالة مطلقة.
اما بخصوص حالة العقار المحفظ التي يرغب الفقه الاداري، وبعض الفقه الى الحاقها بهذه القاطرة : قاطرة الاستثناءات لمبدا انعدام الاثرالموقف للطعن بالنقض، فاننا لا نوجد ابدا امام استحالة مطلقة لارجاع الحالة الى ما كانت عليه.
نعم توجد صعوبة عندما يتصرف المحكوم له في العقار المحفظ لفائدة الغير حسن النية، وهذه الحالة او الصعوبة عولجت من طرف المحافظة العامة لالزام المحافظين بقبول تقييد احتياطي لمسطرة الطعن بالنقض بمقتضى عريضة النقض، وكان اخر هذه المناشر للتذكير فقط، منشور عدد 278 والمؤرخ 27/05/1980.
وبهذا الحل يمكن القول بانه لا وجود لاية صعوبة فاحرى استحالة، بخصوص تطبيق المبدا العام وهوانعدام أي اثر موقف للتنفيذ بخصوص القرارات الاستئنافية التي تهم عقارات محفظة للسماح لهذه المجموعة بالالتحاق بقاطرة الاستثناءات المشار اليها في الفصل 361 من ق. م. م.
5- لقد تم اعتماد بعض الفقه المناصر للتفسير الموسع للفصل المذكور اعلاه من جملة ما اعتمد عليه ان القرارات الاستئنافية لا تحوز قوة الشيء المقضي به وبعبارة اوضح لا تكون قابلة للتنفيذ واشار هذا الفقه الى انه بخصوص ق. م. م ليس هناك اي نص صريح يحدد ميقات اكتساب الاحكام لقوة الشيء المقضي به واستدل لذلك بما ورد في كتاب طرق الطعن لوزارة العدل الذي اسماه بالموقف الرسمي .
ويمكن الرد على ذلك بان قانون المسطرة المدنية حدد ميقات اكتساب الاحكام والقرارت لقوة المقضي به ومن تم قابليتها التنفيذ .
وهكذا، فقد جاء في الفصل 145 ما يلي : "ينفذ الحكم عند تصحيحه من طرف المحكمة التي اصدرت الحكم المستانف، ينفذ عند الغائه من طرف محكمة الاستئناف او من المحكمة التي تعينها لذلك…".
ومن خلال استقراء هذه النصوص يتبين ان القرارات الاستئنافية هي احكام قابلة للتنفيذ وحائزة لقوة الشيء المقضي به.
هذا من جهة، ومن جهة اخرى فان ما اصطلح عليه بالموقف الرسمي في اشارة الى ما ورد في كتاب طرق الطعن لوزارة العدل فهو ليس كذلك بل هو مجرد فقه اداري وليس تفسيرا رسميا للنصوص لان هذا الاخير هو الذي يصدر عن نفس السلطة التي اصدرت النص المفسر.
هذا عن المبادئ العامة للمرافعات، اما فيما يخص الدراسات المتخصصة بالنسبة للتحفيظ العقاري، فقد اشير في النقطة السابقة الى ما لا يصح معه انسحاب كلمة تحفيظ على العقارات المحفظة.
واكبر دليل على هذا التحليل هوان مهيئي مسودة مشروع قانون التحفيظ ولما راوا ن مبادئ المرافعات المدنية وتقنيات قانون التحفيظ لا تسعف لإدخال العقار المحفظ ضمن عطاء التحفيظ بخصوص استثنائه من مبدا انعدام الاثر الموقف للطعن بالنقض، اضطروا الى تخصيص مادة رقمت ب164 جاء فيها ما يلي: "يقصد بالاحكام المكتسبة لقوة الشيء المقضي به في مفهوم هذا القانون الاحكام التي استنفذت طرق الطعن بالاستئناف اوالنقض".
6- جرت العادة لدى المحافظة العامة منذ 17/03/1917 تاريخ صدور اول منشور اداري عن قسم المحافظة على الملكية العقارية: الانضباط التام مع الاحكام القضائية وفور صدورها، وقد سارت على هذه السنة المحافظة العامة بخصوص هذا الاشكال صدر منشور اداري عدد 280 امر المحافظين بالتزام تفسير موسع للفصل 361 من ق. م. م معتمدا في ذلك على فتوى وزارة العدل وفي غياب أي اجتهاد قضائي، وبعد صدور قرار المجلس الاعلى المشار اليه اصدر المحافظ العام منشورا تحت عدد 318 اعلن فيه صدور هذا القرار وحث المحافظين على العدول على التفسير الموسع لفائدة التفسير الضيق للفصل 361 انسجاما مع الاجتهاد القضائي .
ودون حصول أي جديد، تم في التسعينات استفتاء وزارة العدل من جديد حول الاجتهاد القضائي المذكور من طرف المحافظة العامة ورغم ان وزارة العدل اكدت ان المجلس الاعلى هو صاحب الاختصاص في تفسير النص المذكور، وان راي وزارة العدل لا يلزم المجلس الاعلى في شيء وان هذا الاخير تبقى له كلمة الفصل في تاويل النصوص القانونية في القضايا المعروضة عليه، فان المحافظ العام اصدر دوريته عدد 324 امر فيها المحافظين بلزوم تطبيق الفصل 361 من ق. م. م بمفهومه الموسع وبخصوص مادة التحفيظ. وهذه الدورية كما اشارت الى ذلك سابقا شدت عن العادة والسنة المتبعة وهي الانسجام مع القرارات القضائية، فهل هو بداية زمن مراقبة الاحكام القضائية من طرف السلطة الادارية وعدم الانسجام معها؟
7- يرى بعض الفقه ان المحافظ له سلطة مراقبة صحة الاحكام باعتبارها وثائق استدل بها امامه من اجل التقييد اوالتشطيب بالسجل العقاري، واستكمالا لهذا الراي يرى هذا الفقه بان المحافظ يقيد الاحكام ولا ينفذها في اشارة للفصل 72 من قانون التحفيظ العقاري الذي جاء فيه مايلي يحقق المحافظ - تحت مسؤوليته- هوية المفوت واهليته وكذا صحة الوثائق المدلى بها تاييدا للمطلب شكلا وجوهرا".
الا ان القضاء لم يفسر هذا النص طبق ما ذهب اليه الفقه المذكور بل قصر نظر المحافظ فيما يخص التسجيل اوالتشطيب بمقتضى احكام قضائية على مراقبة الشكل وقابلية تلك الاحكام للتنفيذ.
وهذا ما حذا بمهيء مسودة مشروع قانون التحفيظ على التنصيص في المادة 101 على ما يلي :
يجب على كل شخص يطلب تقييدا بالرسم العقاري ان يضع لدى المحافظة العقارية طلبا مدعما باصل كل عقد او وثيقة او نسخة اصلية منهما. اما الاحكام الحائزة لقوة الشيء فيجب تقديمها مديلة بالصيغة التنفيذية".
8- ان التفسير السابق يهم فقط الاحكام القضائية المقدمة من طرف ذوي المصالح لاجراء تسجيل اوتشطيب ما، اما اذا تعلق الامر بحكم قضائي موجه ضد المحافظ نفسه كالاجتهاد القضائي المشار الى مراجعه اعلاه، فانه من الصعوبة بمكان تصور عدم انسجام الادارة مع الحكم القضائي خصوصا في اطار دولة الحق والقانون.
9- ان الاحكام القضائية التي تسير في الاتجاه المعاكس والمشار اليها اعلاه في البحثين الفقهيين لم يشر الى مراجعها.
10- ان المجلس الاعلى اكد مرة ثانية في قرار حديث مؤرخ ب 12 يوليوز 2000 تحت عدد 1150 : ما سبق ان اقره القرار عدد 125.
وبصدور هذا القرار الاخير، يحق لنا الحديث عن اجتهاد قضائي قار ومتواتر، يتعين على الكل الانضباط به.
مجلة المحاكم المغربية عدد87، ص 51