الإئتمـان الإيجـاري

الاستاذ عبد الرحمن قريقش

محام بهيئة المحامين بالدار البيضاء

مقدمة :

الائتمان الايجاري تقنية تمويلية متعددة الصور تقوم، في ابرز صورها مؤسسة مالية لشراء المعدات او ادوات التجهيز او الات (منقول) لفائدة مقاولة تتسلم هذا المنقول من اجل استغلاله لمدة معينة تسمى المدة المحتومة مقابل كرائه يؤدى بصفة دورية خلال هذه المدة التي تبقى فها مؤسسة التمويل مالكة للمنقول شريطة تقديمها للمقاولة وعدا من جانب واحد ببيع هذا المنقول بعد انتهاء المدة المحتومة لقاء ثمن محدد مسبقا يسمى القيمة الباقية .

وهكذا فبعد انتهاء اداء اقساط الكراء المتفق عليها في العقد يكون للمقاولة الخيار بين انهاء العقد واعادة المنقول الى المؤسسة المقرضة واما انجاز الوعد بالبيع وتملكم المنقول وهومحدث في الغالب لان القيمةالباقية تكون عادة طفيفة في القوت الذي وقع فيه اداء معظم راس المال المستثمر بواسطة اقساط الكراء.

والامكانية الثالثة تتلخص في امكانية تجديد عقد الكراء لمدة اضافية.

وحديثا شمل الائتمان الايجاري العقار كذلك وان كان لازال لاي مثل سوى نسبة ضئيلة من مجموع الاصول المحددة في هذا النشاط .

وهكذا فان الائتمان الايجاري يعتبر في الحقيقة ابتكارا وتاصيلا في ميدان التمويل التجاري دعت اليه حاجة المقاولات الملحة للمال السائل وكذلك تسارع الاختراعات العلمية مما يدعو الى التجديد المستمر لوسائل الانتاج الالية في الوقت الذي عجز فيه التمويل الذاتي وكذلك كنظام القروض التقليدية على مواجهة هذه المعضلة .

وقد ظهر هذا الابتكار لاول مرة في الولايات المتحدة الامريكية خلال سنة 1952 بمبادرة من احد رجال الاعمال هو بوث جينيور(D.P. BOUTH JUNIIOR) حيث تبنته بسرعة المؤسسات المالية والابناك واعطته دفعة ضمنت له ازدهارا سريعا وعرف عبر العالم باسم الليزنغ Leasing من الكلمة الانجليزية to lease اجر .

وبعد عشر سنوات من ظهور الليزينغ في الولايات المتحدة الامريكية عبر المحيط الاطلسي الى اوروبا حيث عر ف هناك ايضا نجاحا كبيرا وخاصة في فرنسا، التي بادرت بعد سنوات قليلة من محاولة تقنية بقانون صدر في سنة 1966 ورفع تعديله سنة 1967 ويعتبر هذا التقنين الفرنسي المصدر الاساسي للقانون المغربي في مادة الائتمان الايجاري كما سنرى .

بالنسبة للمغرب ظهرت اول مؤسسة لليزينغ سنة 1965 بمبادرة من الدولة هي " ماروك ليزنغ" وبعد التاريخ تاسست شركات تمويلية بمبادرة، على الخصوص، من الابناك وشركات التامين هي مغرب باي MAGHREB- BAIL انتير ليزنغ INTER- LEASING صوجيليز SOGELEASEK، اونيون باي UNION-BAIL، وفابايWAFA-BAIL دياك ليزنغ DIAC-LEASING وبيمسي ليزنغ BMCI- LEASING .

وقد عرف القطاع في المغرب كذلك نجاحا كبيرا وتطورا مضطردا جعل منجزات سنة 1997 تصل الى قرابة ثلاثة ملايير درهم، بزيادة 19 % بالنسبة لسنة 1966 شارك فيها الليزنغ العقاري بنسبة 4.4 % .

ان هذه الارقام تدل دلالة قاطعة على دينامية هذا القطاع كوسيلة لتمويل الاستثمار وبالمقابل هل كان المشرع في مستوى طموحات المعنيين بالامر، ممولين ومقاولين، هل استطاع تحقيق التوازن المنشود هل استطاع تحقيق التوازن المنشود والضروري بين اطراف العلاقة، هل في التشريع المغربي ما يكفي من الضمانات لتحقيق المزيد من الدينامية والفعالية وبعبارة اخرى هل نجح مشرع مدونة التجارة في رهان الائتمان الايجاري ؟

للاجابة على هذه التساؤلات سوف نتطرق الى الوضعية القانونية للائتمان الايجاري قبل صدور مدونة التجارة ( المحور الاول) في ظل المدونة الحالية ( المحور الثاني) لنختم هذه المقالة في محور ثالث .

I- النظام القانوني لليزينغ قبل صدور مدونة التجارة :

تبنى المغرب تسمية CREDIT BAIL من خلال مذكرة وزير المالية المؤرخة في فاتح يوليوز1979 بعد ان كان المشرع الفرنسي قد كرسها في قانون سنة 1966 المعدل في سنة 1967 ومنذ ذلك التاريخ لم يرد الحديث عن هذا النشاط المالي الا في سنة 1992 من خلال قانون المالية لهذه السنة والذي نظم الجوانب الضريبية للائتمان الايجاري واعتبر ذلك ايدانا بممارسة هذا النشاط وشهادة ميلاد له في المغرب وهو الامر الذي اكدته قوانين المالية اللاحقة .

الا ان اول نص تشريعي بمعنى الكلمة عرف الليزنغ وحدد نظامه ومداه هو قانون الابناك ( ظهير 07 يوليوز 1993) الذي نص على اعتبار عمليات الائتمان الايجاري من بين عمليات الائتمان التي نظمها هذا القانون حيث نص الفصل 3 منه على انه :

. تدخل في حكم عمليات الائتمان :

عمليات الايجار التي يكون فيها للمستاجر حق شراء العين المؤجرة ان اراد ذلك خصوصا عمليات الائتمان الايجاري سواء تعلق الامر بمنقولات او عقارات ..

وقد حدد الفصل 8 من قانون الابناك نطاق الائتمان الايجاري في الوقت الذي حاول تقديم تعريف له حيث نص على ما يلي :

تشمل عمليات الائتمان الايجاري المشار اليه في المادة 3 اعلاه :

عمليات ايجار السلع التجهيزية او المعدات او الالات التي تمكن المستاجر كيفما كان تكيف تلك العمليات من ان يمتلك في تاريخ يحدده مع المالك كل او بعض السلع المستاجرة ثمن متفق عليه يراعى في جزء على الاقل من المبالغ المدفوعة على سبيل الايجار .

العمليات التي تقوم بموجبها منشاة من المنشات بايجار عقارات معدة لغرض مهني تكون قد اشترتها او بنتها لحسابها اذا كان من شان هذه العمليات كيفما كان تكييفها ان تمكن المستاجرين من ان يصيروا ملاكا لكل او بعض السلع المستاجرة عند انصرام اجل عقد الايجار على ابعد تقدير .

وهكذا فقد كرس المشرع المغربي في النص الفرنسي تسمية CREDIT BAIL كما وقع الاختيار في الاخير بالنسبة للنص العربي على تسمية الائتمان الايجاري .

في ظل هذه الوضعية القانونية لم يكن بعد من الممكن التحدث، عن نظام قانوني ينظم نشاط الائتمان الايجاري ومع ذلك فان القطاع كما سبقت الاشارة الى ذلك لم يتضرر من هذه الوضعية ولم يشكل هذا الفراغ القانوني عرقلة في نمو هذه المؤسسة الاقتصادية بل على العكس من ذلك عرفت ازدهارا مستمرا ومتضاعفا عبر السنين .

ومرد كل هذا الى الاسباب التالية :

1) اعمال الاطراف وكذلك القضاء لمنظومة القواعد العامة المتوفرة في التشريع المغربي، سواء المتعلقة بقانون الشكل او بقانون الموضوع .

وهكذا فقد وجد الفصل 149 من قانون المسطرة المدنية تطبيقا له في الامر بارجاع العين المؤجرة الى مالكها عند توقف المستاجر عن اداء اقساط الكراء .

2) تنصيص عقود الليزنغ على ان العقد يفسخ بقوة القانون ( الفصل 260 من قانون الالتزامات والعقود) بمجرد التوقف عن اداء هذه الاقساط وعلى اختصاص قاضي المستعجلات نوعيا ومكانيا .

وقد اعطى قاضي المستعجلات خلال هذه الحقبة كل الاثر لعقود الليزنغ استنادا الى الحيثيات التالية :

فسخ العقد بقوة القانون .

العقد شريعة المتعاقدين ( الفصل 230 من قانون الالتزامات والعقود) .

ملكية العين موضوع دعوى الارجاع لا تطرح نزاعا جديا حولها .

توقف المستاجر عن دفع اقساط الكراء .

ويمكن ان نورد على سبيل المثال نموذجا لقضاء محكمة الاستئناف بالدار البيضاء ( قرار عدد 2399 بتاريخ 14/11/1914 ملف مدني عدد 787/90 - غير منشور) قضى بتاييد امر استرجاع العين المكراة حيث قرر ما يلي :

أ‌- حول الاختصاص المكاني :

لكن حيث بالرجوع الى الفصل 13 من الشروط العامة للعقد وكذا الفقرة الثالثة من الفصل 8 تفيد بكيفية صريحة ان الطرفين اعطيا الاختصاص للنظر في جوهر الموضوع الى رئيس المحكمة الابتدائية بوصفه قاضيا للمستعجلات الذي يمكن له الامر بارجاع الالات وفسخ الاتفاقية بقوة القانون عند التوقف عن الاداء .

" .. وحيث ان الفصل 260 من ق ل ع ينص على انه اذا اتفق المتعاقدان على ان العقد يفسخ عند عدم وفاء احدهما بالتزامه وقع الفسخ بقوة القانون بمجرد عدم الوفاء وبما ان هذا الشرط يجيزه نص قانوني صريح هو الفصل 230 من ق ل ع فان المكتري يفقد صفته لحيازة الاليات والمعدات موضوع لعقود" .

3- لعبت عقود الليزنغ دورا كبيرا في بلورة هذا النظام القانوني ان صح التعبير عن وجود نظام فعلا لانها حاولت التنصيص على اقصى ما يمكن من المقتضيات التي تنظم العلاقة بين الطرفين حارصة في نفس الوقت على تضمين هذه العقود كل الضمانات الممكنة التي قد يواجه بها المدين مما جعل البعض يعتبر هذه العقود عقود اذعان بمعنى الكلمة .

وقد واكب الفقه هذا النشاط حيث انجزت عدة ندوات في الموضوع نظمتها فعاليات قانونية ومهنية كما قام الباحثون بنشر ابحاث، ومقالات وكتب حول الليزنغ كما نوقشت رسائل جامعية في نفس الموضوع .

فهل ساهمت هذه الحركة بجميع مشاربها في بلورة نظام قائـم مستقل لعقد الليزنغ، الجواب بالتاكيد هو النفي لان جميع المهتمين بهذا القطاع مهنيين وباحثين كانوا يتطلعون عشية صدور مدونة التجارة الى ان تقدم هذه المدونة نظاما قانونيا لهذا العقد فهل قامت المدونة بذلك ؟

II- النظام القانوني لليزنغ في ظل مقتضيات مدونة التجارة :

نصت مدونة التجارة على 12 فصلا لليزنغ هي موضوع القسم الخامس من الكتاب الرابع المخصص للعقود التجارية .

وتجدر الملاحظة ان المدونة كرست تسمية الائتمان الايجاري وبالفرنسية CRIDIT BAIL انتقل استعمالها رسميا من فرنسا الى المغرب بمقتضى مذكرة وزير المالية السابق ذكرها .

وقد وقع الاختيار في الاخير على تسمية الائتمان الايجاري بعد تداول عدة تسميات مثل القرض والتاجير، وقرض الايجار، والقرض التمويلي وغير ذلك من التسميات .

ونعتقد ان اختيار تسمية الائتمان الايجاري اختيار موفق وغير موفق في نفس الوقت لان اي تسمية من التسميات التي راج استعمالها كان من الممكن ان يقع تبنيها خاصة وان مشرع المدونة لم يقدم اي تبرير في الاسباب الداعية له الى اختياره لهذه التسمية .

ومادام الامر بهذه الصعوبة، اي صعوبة ايجاد تسمية تفي بالمطلوب تدل على معنى المدلول، فان المعنى الاصطلاحي والعالمي في نفس الوقت وهو الذي تفيده كلمة الليزنغ الانجلوسكسونية كان سيكون اكثر توفيقا لانه يؤدي الى فعلا الى تحقيق الهدف من التسمية فضلا عن تداوله في العالم باسره .

ولعل هذا الارتباك راجع الى تبني المشرع المغربي للتعبير الفرنسي مع ان هذا التعبير جاء بعد ولادة عسيرة ولا يطمئن اليه كل رجال القانون في فرنسا .

وحيث فعلا فقد ادى الهوس الفرنكوفوني الى ايجاد مقابل فرنسي لكلمة الليزنغ باي ثمن فتردد المشرع الفرنسي بين تسمياته LOCATION-AMORTISSEMENT ،LOCATION - PAIEMENT ليتبنى في الاخير تسمية CREDIT- BAIL في الوقت الذي يستعمل فيه العالم باسره تسمية الليزنغ .

وبتبعية عمياء اخذ المتهمون في المغرب، يحاولون ايجاد ترجمان لكل التعبيرات الفرنسية السابقة فراجت تسميات قرض الايجار، والائتمان الايجاري، والقرض التمويلي والتمويل بالكراء لكي يستقر الامر في الاخير بمقتضى قانون الابناك على الائتمان الايجاري .

وتجدر الاشارة الى ان الارتباك ما زال مستمرا حول هذه التسمية اذ نلاحظ مثلا ان الفصلين 3 و8 من قانون الابناك يستعملان كلمتي الايجار والمستاجر في الوقت الذي يستعمل فيه الفصل 431 من مدونة التجارة كلمتي الاكراء والمكتري .

أ‌- المقتضيات الشكلية :

ان قراءة ولو سريعة للفصول الاثنى عشر المخصصة لليزنغ في مدونة التجارة كافية لملاحظة ظغيان قانون الشكل على هذه المقتضيات .

ويمكن تلخيص هذه القواعد الشكلية فيما يلي :

1- شروط صحة عقد الليزنغ وتسجيله :

اوجب المشرع على الاطراف تضمين عقود الليزنغ مقتضيات يؤدى اغفالها الى البطلان كما اوجب القيام باجراءات يؤدي عدم القيام بها الى اثار سنتعرف عنها حينها .

وهكذا فقد اوجب الفصل 433، تحت طائلة البطلان، التنصيص في عقود الائتمان الايجاري على الشروط التي يمكن فيها فسخها وتجديدها بطلب من المتعاقد المكتري كما ينبغي التنصيص فيها على كيفية التسوية الودية للنزاعات الممكن حدوثها بين المتعاقدين .

كما ان الفصل 436 يخضع عمليات الائتمان الايجاري للتسجيل، ان تعلق الامر بمنقول، بناء على طلب مؤسسة الائتمان الايجاري، في سجل مفتوح لهذه الغاية بكتابة الضبط التي تمسك السجل التجاري وكذلك الشان بالنسبة للتعديلات .

ويمكن للاطراف ولكل طالب، الحصول على نسخة من هذه التقييدات .

واذا تعلق الامر بالائتمان العقاري فان العقد وكذلك كل تعديل، في المحافظة العقارية وفقا لاحكام ظهير 12 غشت 1913 المتعلق بالتحفيظ العقاري .

وتجدر الاشارة الى ان مشرع مدونة التجارة استعمل كلمة " شهر" في المنقول " شهر عقاري" في العقار وهي كلمة جديدة غير منسجمة مع القوانين المغربية التي تستعمل دائـما كلمة التسجيلات .

2- الاثار

وتسري اثار هذه التسجيلات ابتداء من تاريخ اجراءها كما انها تنقضي ويقع التشطيب عليها : ( الفصل 438 ) .

اما بناء على اتفاق الاطراف .

او تنفيذا لمقرر قضائي اكتسى قوة الشيء المقضي به .

كما ان عقد المنقول، بخلاف العقار، ينقضي بخمس سنوات ما لم يجدد .

اما اغفال هذه التسجيلات او التعديلات فانه يؤدي الى حرمان مؤسسة الائتمان الايجاري من مواجهة الدائنين او ذوي حقوق المكتري المكتسبة بعوض، وذلك بالحقوق التي احتفظت بملكيتها اللهم الا اذا اثبتت ان المعنيين كانوا على علم بتلك الحقوق (الفصل 440) .

كما ان الفصل 442 ينص على انه في الائتمان الايجاري العقاري لا يواجه الاغيار بالعقد ان لم يتم شهره .

3- الاختصاص :

بالنسبة للتسجيلات :

اذا تعلق الامر بالائتمان الايجاري للعقار فان التسجيل يكون دائما لدى المحافظة العقارية التي يوجد في دائرة نفوذها العقار موضوع العقد .

اما بالنسبة للمنقول فان التسجيل يقع بكتابة ضبط المحكمة التي تمسك السجل التجاري .

واذا كان للمؤسسة عدة مقرات فان كتابة الضبط المختصة فهي التي يكون المكتري مسجلا فيها بصفة رئيسية بالسجل التجاري الممسوك من طرفها واذا لم يكن مسجلا بكتابة ضبط المحكمة التي يستغل في دائرتها المؤسسة التي تعاقد لحاجياتها ( الفصل 436 ) .

بالنسبة لقاضي المستعجلات :

الاختصاص المكاني :

لم تتعرض مدونة التجارة في هذا القسم للاختصاص المكاني وما كان لها ان تفعل اذ يقع الرجوع في ذلك الى القواعد العامة.

الا ان مؤسسات الائتمان الايجاري دابت على تضمين عقودها التي تحررها مسبقا مقتضيات تتعلق بالاختصاص المكاني حيث تنص على ما يلي :

" ان كل منازعة تتعلق بتاويل او تنفيذ العقد الحالي وبصفة عامة، كل نزاع يمكن ان ينشب بين الاطراف يخضع :

اذا كان المؤجر مدعيا، وحسب رغبته لاختصاص محكمة المكان الذي يوجد فيه المقر الاجتماعي للمؤجر او موطن المستاجر او المكان الذي تتواجد فيه المعدات .

اذا كان المستاجر مدعيا، الى اختصاص محكمة المكان الذي يوجد فيه المقر الاجتماعي للمؤجر .

الاختصاص النوعي :

لم تحسم مدونة التجارة في مسالة اختصاص قاضي المستعجلات في البث بالامر بالارجاع الا بالنسبة للعقار .

وهكذا فقد نص الفصل 435 على انه في حالة عدم تنفيذ المكتري لالتزاماته التعاقدية المتعلقة باداء المستحقات الناجمة عن الائتمان الايجاري الواجبة الاداء، فان رئيس المحكمة مختص بصفته قاضيا للمستعجلات للامر بارجاع العقار بعد معاينة واقعة عدم الاداء ( وكان الاحرى ان يقول بارجاع حيازة العقار) وبعد استنفاذ امكانية التسوية الودية المشار اليها في الفصل 433 .

ولست ادري لماذا اكتفى مشرع هذه المدونة بقصر هذه المقتضيات على ارجاع العقار وقد كان بامكانه ان يقول ارجاع المال (منقولا او عقارا) فيريح نفسه ويريح العباد .

وهكذا فان طلب استرجاع المنقول من طرف مؤسسة الائتمان الايجاري سيبقى كما عليه الامر في السابق من اختصاص القضاء الاستعجالي استنادا الى المعطيات التي سبقت الاشارة اليها لكن النقاش حول شرعية اسناد هذا الاختصاص اليه من طرف المتعاقدين سيبقى مستمرا بين قائل بجواز ذلك وقائل بعدم جوازه لكون الاختصاص النوعي من النظام العام ينظمه المشرع وحده ودون الاطراف .

ب- المقتضيات الموضوعية :

بغض النظر عن بعض المقتضيات المتعلقة بالبطلان وترتب بعض الاثر على غياب بعض التقييدات فان المقتضيات الموضوعية غائبة عن القسم الخامس المخصصة للائتمان الايجاري .

وقد وردت في الفصل 432 قاعدة موضوعية تقول انه في حالة تفويت مال تشمله عملية ائتمان ايجاري فان على المفوت اليه ان يتحمل طيلة مدة العملية نفس التزامات المفوت الذي يبقى ضامنا .

لكن صياغة الفصل كما جاءت في مشروع الحكومة وكذلك في النسخة التي سلمها مجلس النواب للمطبعة الرسمية وفي نسخة الجريدة الرسمية جاءت كما يلي :

" في حالة تفويت ما لا تشمله .." .

الامر الذي جعل من العسير فهم هذا الفصل دون الرجوع الى النص الفرنسي، لان الصحيح هو مال وليس مالا .

وان تدخل المشرع اصبح والحالة هذه ضروريا لاجراء التغيير اللازم ما دام النص العربي هو المعمول عليه لدى المحاكم الادارية وما دام الامر لا يتعلق بمجرد خطا مادي او مطبعي .

الخاتمة

بعد هذا العرض اصبح مؤكدا لدينا ان مدونة التجارة لم تات بجديد يذكر في مادة الليزنغ اذ ان المركز القانوني لهذا العقد لازال كما كان عليه الوضع في السابق خاضعا للقواعد العامة للقانون وخاصة القواعد الواردة في قانون الالتزامات والعقود او بعبارة اخرى اننا لازلنا لا نتوفر في المغرب على نظام قانوني بمعنى الكلمة لليزنغ .

المشرع المغربي لازال معرضا عن الارتقاء بهذا العقد الى مرتبة العقود المسماة وبالتالي فان تكييفه لازال يطرح تساءلات على الاطراف والقضاء هل هو عقد كراء، هل هو وعد بالبيع ام هما معا الى غير ذلك من التاويلات التي لا حصر لها .

ان العقد الغير المسمى لا يطرح معضلة التكييف فحسب بل يطرح كذلك مسالة وجود التوازن بين الطرف المقرض والطرف المقترض فهل سيبقى الميزان راجحا لكفة الاول كما كان عليه الامر قبل صدور المدونة ومن خلال عقود تعتبر من قبيل عقود الاذعان ؟

اننا لا نشك في ذلك ودليلنا هو الازدهار المستمر للقطاع بسبب الضمانات المتعددة التي تتمتع بها مؤسسات التمويل .

ومع ذلك فان الانصاف يقتضي منا القول بان تحرير النصوص القانونية لقطاع حديث جدا وان لم يكن في المستوى المطلوب فان تقنينه يعتبر مغامرة كانت للمشرع المغربي الشجاعة في ركوبها وبالتالي فلا يجب الاستغراب لوجود ثغرات وغياب نظرة شمولية لهذا النشاط .

وهكذا فان تدخل القاضي والحالة هذه اصبح اكثر ضرورة ولكن اكثر صعوبة في نفس الوقت .

المراجع :

الجمعية المهنية لشركات التمويل

التقرير السنوي لسنة 1996 .

العقيد القيم طلال المهتار - مجلة المحاكم المغربية عدد 67 صفحة 13 .

ليلى زوهري - حول ممارسة الائتمان الايجاري بالمغرب

المجلة المغربية لقانون واقتصاد التنمية - العدد 34 صفحة ( القسم الفرنسي ) .

الدكتور المختار بكور : العقود التجارية الجديدة في مدونة التجارة - المركز المغربي للدراسات القانونية - اشغال اليوم الدراسي 05/07/1996 .

* مجلة المحاكم المغربية، عدد 81، ص 78 .

الإشكاليات التي يطرحها قانون المحاكم التجارية

النقيب عبد الله درميش

احدثت المحاكم التجارية لاول مرة بالمملكة بمقتضى قانون95-53المامور بتنفيذه بظهير 1.97.65 بتاريخ 4 شوال 1417 ( 12/2/1997 ) ( ج . ر. ع 4482 بتاريخ 15/5/1997 ) بعد ان كان التفكير جادا في احداث محاكم اعمال .

ولكن قانون جديد ظرفيته الخاصة، وامام كل وليد صعوبات واشكاليات تعترضه في بداية حياته قبل ان يقوى على السير على قدميه .

فما هي الظروف التي ادت الى احداث هذه المحاكم في هذا الوقت بالذات (اولا) ثم ما هي الاشكاليات التي من المتوقع ان يعرفها هذا القانون ( ثانيا ) .

اولا : الظروف العامة الدولية والوطنية التي احاطت باحداث المحاكم التجارية منذ سنوات خلت والمغرب يسعى الى اعادة تقويمه الهيكلي اذ منذ تطور الظروف الدولية انطلاقا من سنة 1989 وانهيار الاتحاد السوفيتي ان لم نقل انتحاره، تغير نمط السلوك الدولي وهيمنت سياسة القطب الاحادي، وترددت شعارات"عولمة الاقتصاد" و " النظام العالمي الجديد" وسادت ثقافة التعاقد وتم التشجيع على المبادرة الفردية ، وتحت ضغوط دولية تم التوقيع على اتفاقية مراكش 15/4/1994 .

وامام الواقع الذي لا مفر منه بكل ما يحمل من مرارة والام اذ مصالح الدول النامية مرشحة للضعف و الهزال امام قانون المصالح المهيمن على كل الواجهات .

وحيال هذه الصورة القاتمة للواقع المرير لم يكن بامكان الضعفاء منا ان يقف موقف المتفرج من طوفان اقتصاد السوق وقد انطلقت قاطرته بسرعة جنونية يصعب ايقافها .

فكان لزاما على المغرب ان يواكب هذا التحول العالمي ويحاول ان يساير ايقاعه السريع بعقلية جديدة، وهكذا استضاف مؤتمر منظمة التجارة العالمية، ودخل في اتفاقية الشراكة مع المجموعة الاوربية ، وعدل دستوره ليشجع على المبادرة الفردية ( الفصل 15 من الدستور) واحدث نظام الجهوية، واستجابة للمادة 16/9 من اتفاقية مراكش كرس اللامركزية ووضع منظومة قانونية في المجال الاقتصادي والمالي والتجاري .

وبتاريخ 21/9/1993 صدرت عدة قوانين منها على الخصوص قانون 39.89 بشان تحويل منشات عامة الى القطاع الخاص ( قانون الخوصصة)، وقانون يتعلق باعادة تنظيم السوق المالية، وبورصة القيم، وقانون يتعلق بمجلس القيم المنقولة وبالمعلومات المطلوبة في الاشخاص المعنوية التي تدعو الجمهور الى الاكتتاب في اسهمها وسنداتها، وقانون الهيات المكلفة بالتوظيف الجماعي للقيم المنقولة .

كما اهتم المشرع بنظام المحاسبة فصدر ظهير 1.91.138 بتاريخ 25/12/1992 بتنفيذ القانون 9.98 المتعلق بالقواعد المحاسبية الواجب على التجار العمل بها مع المرسوم 2.93.521 بتاريخ 30/8/1993 بتطبيق القانون 15.89 المتعلق بتنظيم مهنة الخبرة وانشاء هيئة الخبراء المحاسبين واعاد المشرع نظرته حول نشاط المؤسسات الائتمانية ( ظ 1.93.147 بتاريخ 102 محرم 1414/6 يوليوز1993 ) .

واهتم المشرع ايضا بالاستثمارات الاجنبية ووضع قانون اطار رقم 18.95 بمثابة ميثاق للاستثمارات .

وفي قطاع التجارة سن من المشرع قوانين جديدة لشركات المساهمة ( ظ 1.96.124 بتاريخ 30/8/1996 ) والشركات الاخرى.

واخيرا احدث المشرع المغربي المحاكم التجارية الذي سينطلق العمل بها في الاسبوع الاول من الشهر المقبل ( ماي 1998 ) فما هي، اذن، الصعوبات والاشكاليات المتوقع ان تعرفها المحاكم التجارية ؟

ثانيا : بعض الاشكاليات التي سيطرحها قانون احداث المحاكم التجارية

كان التفكير في احداث المحاكم الاعمال يداعب امانينا الى ان فوجئنا بالاقتصار على احداث محاكم تجارية، وهي خطوة ايجابية، في حد ذاتها، وان كانت لا ترقي الى الطموحات والرهانات المستقبلية .

فهل تستجيب هذه المحاكم الى الهواجس التي ادت الى احداثها ؟ هل ستحافظ على مبدا تقريب القضاء من المتقاضين ؟ وهل ستخفف من عبء محاكم الولاية العامة ؟ وهل ستكرس مبدا اللامركزية ؟ وهل ستلبي حاجيات المستثمرين الاجانب؟ هل تستطيع القواعد القانونية لهذه المحاكم تبسيط المسطرة القضائية ورفع العناء عن المتقاضين ؟ ام ان هناك صعوبات واشكاليات ستعرقل سير الدعوى امام هذه المحاكم وتصيبها بالشلل ؟

يصعب علينا ان نجزم في هذه التساؤلات، لان القضاء هو الذي يبث الحركة والحياة في النصوص القانونية، ويستطيع ان يقوم اعوجاجها في حدود الصلاحيات التي يملكها .

لكن من الان نبدي ملاحظاتنا حول بعض الاشكاليات :

I - اشكالية تتعلق باحداث هذه المحاكم وتكوينها وتنظيمها

وتحديد عددها ومقارها ودوائر اختصاصها :

1- تكوين المحاكم التجارية من عدة اجهزة من بينها جهاز النيابة العامة

وخلق قاضي مكلف بمتابعة اجراءات التنفيذ :

تتكون المحاكم التجارية والتجارية الاستئنافية من الاجهزة العادية والى جانبها مؤسسة النيابة العامة ( م 2 وم 3 ) .

وباستقراء النصوص لمعرفة دور النيابة العامة امام هذه المحاكم، يلاحظ ان دورها ضئيل بمقارنته مع دورها امام المحاكم الابتدائية .

فقد تكون طرفا اصليا او منضما حسب القواعد الواردة في قانون المسطرة المدنية اذا تعلق الامر بنزاع تجاري وهي الحالات الواردة في الفصول 6 الى 10 م م .

كما ان للنيابة العامة دور اساسي في فتح مسطرة معالجة صعوبات المقاولة ( م 563 م. ت) وفي طلب استمرار المقاولة التي توجد في حالة التصفية ( م 620 م ت) او في اطلاع القاضي المنتدب على جميع المعلومات التي يمكن ان تكون مفيدة في نظام التصفية القضائية ( 641 م ت) او في الطلب الذي سيرفع الى المحكمة التجارية بخصوص سقوط الاهلية التجارية ( م 716 م ت) او الطلب الرامي الى تسوية عملية تاسيس شركة المساهمة ( م 12 من قانون 17.95 بشان ش المساهمة) او طلب حل الشركة ( م 426 ش م ) .

واذا كانت هذه الصلاحيات لا تطرح اي اشكال لمورد النص فان هناك صعوبات ستعترض النيابة العامة بخصوص مجالات لم يتطرق اليها قانون المحاكم التجارية ولا يحيل بشانها في المادتين (16 و20) وكمثال على ذلك :

ان النيابة العامة لدى هذه المحاكم سوف لا يكون لها اي اشراف او مراقبة على الاعوان القضائيين .

·

ذلك :

انه لا انسجام بين قانون المحاكم التجارية والمقتضيات الواردة في قانون احداث هيئة للاعوان القضائيين وتنظيمها (قانون 80/4) اذ ان ( الفصل 1) من هذا القانون يجعل الاعوان القضائيين خاضعين للمحاكم الابتدائية وتحدد اختصاصاتهم في دوائر هذه المحاكم ( ف 10) ويؤدون اليمين امامها ( الفصل 11) .

واذا تغيب عون قضائي او عاقه عائق مؤقت يصدر رئيس المحكمة الابتدائية امر بطلب من وكيل الملك بتعويضه باخر (الفصل 13)، وان وكيل الملك لدى المحكمة الابتدائية يتولى مراقبة اعمال واجراءات العون القضائي الممارس في دائرة اختصاصه ( الفصل 18) وتمتد هذه المراقبة الى التحقق من صحة الاجراءات وسلامة تداول القيم والاموال التي باشرها العون، هذا فضلا على الجانب العقابي التاديبي الذي يمكن لوكيل الملك انزاله بالعون القضائي كما هو بالنسبة للعقوبات من الدرجة الاولى او العقوبات التاديبية التي تحكم بها المحكمة الابتدائية بطلب من وكيل الملك ( الفصل 19) .

وامام المحاكم الابتدائية التي يعتبر فيها اللجوء الى الاعوان القضائيين اختياريا يلاحظ ان هناك دورا اساسيا للنيابة العامة تجاه هذه المؤسسة في حين انه امام المحاكم التجارية التي يعد فيها اللجوء الى الاعوان القضائيين الزاميا بالنسبة للاطراف وان كان اختياريا بالنسبة للمحكمة ( م 15)، ينعدم فيه اي دور للنيابة العامة سواء في المراقبة او الاشراف او التاديب وتكون الصلة منفصلة بين هذه المؤسسة وبين النيابة العامة .

ولاي نسجم ايضا قانون المحاكم التجارية مع باقي القوانين التجارية الاخرى، سواء المدونة او قوانين الشركات، اذ في القانون الاول اعطى امتيازا خاصا لمؤسسة الاعوان القضائيين ( م 15) وغيب ذلك تماما في باقي القوانين الاخرى التي تبلغ فيها الاجراءات دائما وفق قوانين المسطرة المدنية ( المواد 78 و115 و297 و340 و709 و710 من المدونة ) .

كما ان قانون المحاكم التجارية لا ينسجم مع قانون المسطرة الجنائية الذي اعطى صلاحيات واسعة للنيابة العامة ويبقى ان المحكمة التجارية تعرف فراغا بخصوص تسخير القوة العمومية ( الفصلان 42 و47 م. ج) مما سيعطل بعض المقتضيات المتعلقة بالتنفيذ الجبري لبعض الاحكام القضائية التي تتوقف على تسخير القوة العمومية .

كما ان النيابة العامة لدى المحاكم التجارية ستعرف صعوبات بخصوص مسطرة تطبيق الاكراه البدني، التي لا تتم الا بطلب يوجه الى وكيل الملك لدى المحكمة الابتدائية الذي عليه، اذ كانت شروط مستوفاة، ان يوجه اوامره الى رجال القوة العمومية لالقاء القبض على المحكوم عليه بالاكراه البدني، حسب الشروط المقررة في تنفيذ الاحكام القضائية (الفصل 680 ق م ج) .

وهكذا، يتضح ان النيابة العامة لدى المحاكم التجارية ستظل صلاحياتها ضيقة مادام انه لم يقع التفكير في اسناد الجرائـم الاقتصادية الى هذه المحاكم .

اما الجهاز الثاني الذي احدثه قانون المحاكم التجارية فهو " القاضي المكلف بمتابعة اجراءات التنفيذ" ( م 2 فقرة اخيرة ) ونبادر الى القول بان القاضي هو قاضي بدون صلاحيات قضائية، فهو ليس قاضيا للتنفيذ ولا يصل الى المؤسسة القضائية المنشودة منذ سنوات والتي ارتفعت بشانها الاصوات وحررت بها توصيات واقرتها كثير من التشريعيات .

· ان التنصيص على هذه الفقرة تخلق صعوبات واشكاليات، اذ ستتداخل صلاحيات هذا القاضي المكلف مع صلاحيات رئيس المحكمة التجارية بخصوص مسطرة التنفيذ. فاذا كان هذا القاضي مكلفا بمتابعة اجراءات التنفيذ فهذا يعني ان له الصلاحية في تتبع اعمال الاعوان القضائيين او القيام بالاجراءات المتطلبة لتنفيذ الاوامر والاحكام والقرارات القضائية (الفصل 2 من قانون الاعوان القضائيين)، كما تتداخل صلاحيات هذا القاضي مع المهام المستندة لوكيل الملك لدى المحكمة الابتدائية بخصوص الاشراف والمراقبة على عمل العون القضائي كما سبقت الاشارة الى ذلك .

ومن الاشكاليات، كذلك، ان هذا القانون غير منسجم مع قوانين التنظيم القضائي للمملكة، اذ لم يدمج المشرع هذه المحاكم ضمن المحاكم العادية للمملكة، وكان عليه ان يعدل الفصل الاول من التنظيم القضائي، كما فعل بالنسبة للفصل العاشر من هذا القانون، وهو ما طرح الاشكالية حول طبيعة هذه المحاكم، هل هي محاكم عادية ام استثنائية؟

· كما انه بموازاة مع ذلك يتعين تعديل النظام الاساسي للقضاء، وبصفة خاصة الفصل 2 من هذا النظام، لمعرفة ترتيب القضاة الذين يباشرون عملهم بالمحاكم التجارية، والا فان اشكالية ترتيب القضاة ضمن هذه الدرجة او تلك ستبقى مطروحة .

2- من حيث توزيع هذه المحاكم ببعض جهات المملكة دون اخرى :

من الاشكاليات الحادة التي عرفها احداث هذه المحاكم وتحديد عددها عدم استجابة المادة الاولى من المرسوم المؤرخ في 28/10/1997 للمادة من القانون .

ذلك :

ان الفقرة الثانية من المادة الاولى من القانون تامر بتحديد عدد هذه المحاكم بجهات المملكة وهو ما لم تستجب له المادة الاولى من المرسوم التي اكتفت بتحديد عدد هذه المحاكم في ست محاكم تجارية وثلاث محاكم تجارية استئنافية وهو ما سيشكل، لا محالة، عرقلة اساسية امام المتقاضين لولوج هذه المحاكم. وسيؤدي بالضرورة، الى عدم ممارسة حق التقاضي الذي هو حق دستوري، او على الاقل سيحمل المتقاضين اعباء زائدة وقد تفوق هذه الاعباء في جانبها المادي في بعض الاحوال موضوع الدعوى .

وبالعمل بالمرسوم الحالي سنحيد عن عدة مبادئ سامية كالعدالة للجميع، والمساواة بين المتقاضين وتقريب القضاء من المتقاضين والعدالة السريعة المتبصرة، كما ان ذلك سيقلص من نظام الجهوية الذي اصبحت معه مؤسسة دستورية (الفصل 100 من الدستور) .

واذا كان المشرع يهدف الى تبسيط الاجراءات المسطرية، فان هذه المحاكم ستعرف كثيرا من القضايا الزهيدة بواسطة مسطرة كتابية ( م 19) وبقضاء جماعي ( م 4) وهو ما يقلص من الفعالية والمرونة والبساطة المتوخاة من هذه المحاكم.

ومن الصعوبات، كذلك، ما سيعترض هيئة الدفاع التي ستباشر وحدها الاجراءات امام هذه المحاكم ( م 13) اذ سيضطر المحامي المترافع الى تعيين محل المخابرة معه بمكتب احد زملائه بدائرة المحكمة التجارية او دائرة محكمة الاستئناف التجارية طبقا للفصل 38 من قانون مهنة المحاماة .

II- اشكاليات تتعلق باختصاص المحاكم التجارية ( نوعيا ومحليا)

ان اكثر الاشكاليات التي ربما ستواجه المحاكم التجارية، بكيفية حادة وتتطلب الحل العاجل هي تلك المتعلقة باختصاصها بنوعيه، النوعي والمحلي .

1- اشكاليات الاختصاص النوعي للمحاكم التجارية :

تناول قانون احداث المحاكم التجارية الاختصاص النوعي في المواد ( 5 الى 9) .

ومنذ الوهلة الاولى ترسم هذه المقتضيات عدة علامات استفهامية كان المشرع في غنى عنها ولكن الصياغة التي صيغت بها المواد كانت الى حد احداث البلبلة والاضطراب في بعض المبادئ الاولية، كالتساؤل حول طبيعة الاختصاص النوعي، هل هو من النظام العام ام ان الامر على خلاف ذلك ؟

الكل يتذكر النقاش الساخن الذي دار حول مقتضيات الفصل 16 من ق م م بخصوص الطبيعة القانونية للاختصاص النوعي، وجاء قانون احداث المحاكم الادارية في المادة 12 ووضع حدا لكل تاويل ونقاش واعتبر، بنص صريح، الاختصاص النوعي في القضايا الادارية من النظام العام، وهو ما لم يفعله صنوه قانون احداث المحاكم التجارية مما اعاد النقاش الممل من جديد الى الساحة القانونية .

وزاد في تعميق ذلك ما اتت به مقتضيات الفقرة الثالثة من المادة 5 التي سمحت للتاجر وغير التاجر على اسناد الاختصاص للمحكمة التجارية فيما قد ينشا بينهما من نزاع، بسبب عمل من اعمال التاجر، وهذا يعني الاتفاق على مخالفة قواعد الاختصاص النوعي .

وفي راينا الذي لا يتزحزح، فان اختصاص المحاكم التجارية نوعيا هو من النظام العام على الرغم من بعض المؤشرات المعاكسة التي تظهر من مواد قانون المحاكم التجارية، وكل ما يترتب عن ذلك من اثار قانونية .

وتلوح في الافق صعوبة اكثر اهمية، وهي التي تطرحها صياغة ( المادة 5) من قانون احداث المحاكم التجارية، فهل الحالات المذكورة في تلك المادة جاءت على سبيل الحصر، ام انها على سبيل المثال فقط ؟ بعبارة اخرى، هل تبنى المشرع المغربي في الاختصاص النوعي المعيار التحديدي والحصري ؟

سؤال يستحق وقفة قصيرة للتامل في مقتضيات تلك المادة ومقارنتها مع نصوص واردة في قوانين تجارية اخرى .

ان الصياغة التي استعملها المشرع في ( المادة 5) توحي بان المشرع قد اعتمد المعيار الحصري والتحديدي، وان الحالات جاءت على سبيل الحصر .

لكن ذلك الفهم قد يطرح عدة صعوبات، منها على الخصوص ان بعض المنازعات ذات الاهمية القصوى قد لا تستوعبها المادة المذكورة على حالتها، رغم انها تندرج ضمن صميم اختصاص المحاكم التجارية، فمثلا :

بعض المنازعات المتعلقة بالعمليات المرتبطة بانشطة المؤسسات الائتمانية كما جاءت في ( المادة 5) من قانون المؤسسات الائتمانية او بعض العمليات الاخرى التي يمكن لوزير المالية ان ياذن بها لمؤسسات الائتمان ( م 7) .

· كذلك فان ( المادة 5) تناولت الدعاوي المتعلقة بالعقود التجارية ومن بينها العقود البنكية، لكن المجال البنكي لا يعرف فقط العقود البنكية بل هناك بعض العمليات البنكية التي لم تشر اليها المادة رغم انها من صميم العمليات التجارية .

المنازعات المتعلقة بالشركات في مرحلة التاسيس، لا تتوفر الشركة على الشخصية المعنوية وتخضع لقانون شركات المساهمة وتبدا حياتها الا من تاريخ تقييدها في السجل التجاري، مما يبقى معه التساؤل عن الجهة القضائية المختصة للنظر في النزاعات بين المؤسسين في مرحلة التاسيس. فالمادة 8 من قانون شركات المساهمة تجعل العلاقات بين هؤلاء خاضعة لعقد الشركة او للمبادئ العامة في قانون الالتزامات والعقود .

·

النزاعات التي تخضع لمقتضيات ظهير 24/5/1955 المتعلق بعقود كراء الاملاك والاماكن المستعملة للتجارة والصناعة او الحرف، وهي النزاعات التي عرفت نقاشا حادا في كل الندوات التي انعقدت او في كل الكتابات التي كتبت حول ( م 5)، اذ انقسمت الاراء فيما بينها باسناد الاختصاص للمحاكم التجارية وان كان الراجح في نظرنا ان الاختصاص يعود للمحاكم التجارية في كل النزاع الخاضع لظهير 24/5/1955 لان الفقرة الخامسة من ( م 5) جاءت طليقة وبدون تحديد، و" الحق في الكراء" من اهم عناصر الاصل التجاري. ووظيفة ظهير 24 ماي 1955 هي حماية التاجر والاصل التجاري وهو ما نحت اليه كذلك مدونة التجارة في المواد ( 80 و91 و112 ) التي اضفت اهمية خاصة وحماية امتيازية على الحق في الكراء باعتباره عنصرا اساسيا في الاصل التجاري .

·

المنازعات المتعلقة بالحوادث البحرية او ما يطلق عليه " التصادم البحري"

· ان كان المشرع في الفقرة الثانية من ( المادة 5) يستثنى من اختصاص المحاكم التجارية قضايا حوادث السير فانه لم يفعل ذلك بالنسبة للحوادث البحرية، فهل القضايا المتعلقة بالتصادم البحري تدخل في اختصاص هذه المحاكم ؟ سبق لهذه الاشكالية ان طرحت في فرنسا الى ان تدخل المشرع الفرنسي بمقتضى مرسوم 9 يناير 1960 وحسم هذه ااشكالية .

ونحن عندنا ستعرف هذه القضايا اشكالية الاختصاص لان المادة 5 لا يمكن ان تستوعبها على حالتها تلك .

المساطر المتعلقة بمعالجة صعوبات المقاولة، وهي من اهم ما استحدثته مدونة التجارة اذ يمكن ان تشبه ذلك بعيادة صحية طبيبها هو رئيس المحكمة التجارية ولا ندري المبررات التي جعلت المشرع يسكت عنها في المادة 5 ق م ت حينما تحدث عن الاختصاص النوعي ويذكرها في المادة 11 من هذا القانون حينما تناول الاختصاص المحلي.

لكن هذا السكوت قد لا يطرح اشكالا كبيرا في اختصاص المحكمة التجارية في هذه المعالجة بقدر ما تطرح الفقرة الثانية من المادة 566 من المدونة اشكالا يتعلق باختصاص المحكمة التجارية في الدعاوى المتصلة بمسطرة المعالجة، بمعنى هل المحكمة التجارية التي فتحت مسطرة المعالجة امامها تكون مختصة في كل الدعاوى المتصلة بهذه المسطرة على الرغم من طبيعتها القانونية. كالنزاعات المدنية والادارية والنزاعات الاجتماعية .

·

في راينا ان النزاعات المرتبطة بمسطرة المعالجة والمتصلة بها كيفما كانت طبيعتها تدخل في اختصاص المحكمة المفتوحة امامها مسطرة المعالجة، تاسيسا على نظرية الاحتواء وهكذا مثلا فان العقود التي ابرمت بدون مقابل من طرف المدين في الفترة ما قبل الستة اشهر السابقة عن التوقف عن الدفع يمكن للمحكمة التجارية ان تبطلها مهما كانت طبيعة هذا العقد حتى ولو كان مدنيا ( م 681 المدونة) .

* الطلبات المتعلقة بالعقوبات المالية وسقوط الاهلية :

تكون المحكمة التجارية التي فتحت مسطرة المعالجة امامها مختصة كذلك في اصدار العقوبات المالية المنصوص عليها في مدونة التجارة ( م 703)، كما تكون كذلك هذه المحكمة مختصة للنطق بالحكم سقوط الاهلية التجارية عن كل شخص طبيعي او اعتباري ( من م 712 الى 720 من المدونة ) .

هذا ويلاحظ ان المدونة وقوانين الشركات قد اتت بعقوبات مالية واخرى زجرية فبعض العقوبات المالية تصدر بحكم من المحكمة في حين ان بعضها الاخر يحددها المشرع على شكل غرامات تستخلص عن طريق وزارة المالية ( الفصل 49 من مدونة التسجيل)، ودونما الحاجة الى الحكم بها كالغرامات المنصوص عليها في المادتين 306 و307 من مدونة التجارة .

الدعاوى المتعلقة بطلبات يقل موضوعها عن الف درهم :

· من بين الاشكاليات ايضا التي ستطرح على المحاكم التجارية تداخل اختصاص هذه المحاكم مع اختصاص محاكم الجماعات والمقاطعات .

اذ باستقراء كل نصوص قانون المحاكم التجارية فانه لم يحدد النزاعات من حيث القيمة التي تدخل في اختصاصها ولم يستثن من ذلك اختصاصات محاكم الجماعات والمقاطعات كما فعل بالنسبة للمحاكم الابتدائية في الفصل 18 ق م م او في مسطرة الامر بالاداء ( الفصل 155 م م ) .

دعوى الشفعة بشان استحقاق حقوق الشركة التي فوتت للاغيار في الحالة التي تبرم فيها اتفاقات بين المساهمين او بين المساهمين والاغيار بشان شروط تفويت حقوق الشركة وان تنص على الخصوص على عدم اجراء التفويت الا بعد مدة معينة او اجراءه تلقائيا بصورة تفضيلية لفائدة اشخاص يتمتعون بحق الشفعة ( م 257 من ق ش) .

· وفي هذه الحالة فان المشرع قد سكت عن الجهة المختصة فهل يدخل ذلك في النزاعات القائمة بين الشركاء في شركة تجارية .

الامر باداء مبلغ مسبق من الدين :

· تقضي المادة (7) من قانون المحاكم التجارية ان للمحكمة ان تامر باداء مبلغ مسبق وفق شروط حددتها المادة المذكورة.

ونلاحظ بداية ان هذه القاعدة ليست بالحديثة في التشريع المغربي اذ كان الفصل 179 م م سباقا اليها، ولا ندري اهمية هذا المقتضى من الناحية العملية مادام ان المشرع في قانون المحاكم التجارية وضع قواعد لو احترمت لوقع البث بسرعة وفي اجل محدود .

وعن الاشكاليات التي يمكن ان يطرحها تطبيق هذه المادة فتتعلق بالمسطرة التي ستسلكها المحكمة في اصدار امرها هل يتوقف ذلك على طلب المعني بالامر وهل يخضع هذا الامر لقواعد الاوامر القضائية من تبليغ وتاشيرة من وزارة المالية ثم الا يفرغ هذا المقتضى من مضامينه حينما قيد المشرع ذلك بالضمانات العينية او الشخصية الكافية التي يتعين تقديمها.

- الحكم في الدفع بعدم الاختصاص النوعي :

اتى المشرع بمقتضيات جديدة خاصة بالدفع بعدم الاختصاص النوعي في ( المادة 8) ونتوقع ان يعرف تطبيق هذه المادة اشكاليتين اثنين، اولهما ان محكمة الاستئناف التجارية تحيل القضية على المحكمة المختصة، فهل هذه الاخيرة تكون ملزمة بقرار الاحالة، ام من حقها ان تتجاهل قرار الاحالة وتصدر حكما مخالفا ؟

ان القوانين عندنا ساكتة بخصوص هذه المسالة اللهم الا ما تعلق بقرار الاحالة من المجلس الاعلى مما سيطرح اشكالا امام غياب جهة مختصة للبث في تنازع الاختصاص على الرغم من الفصول 300 وما يليه من ق م التي لا تفي بالمقصود.

ولتعرف العدالة استقرارها وليطمئن المتقاضون الى القضاء نرى ان تكون محكمة الاحالة ملزمة بقرار الاحالة وهو ما نصت عليه المادة 110 من قانون المرافعات المدنية والتجارية المصري .

وثاني الاشكاليتين هو ان الفقرة الاخيرة من ( م 8) تجعل قرار محكمة الاستئناف التجارية بخصوص الدفع بعدم الاختصاص لا يقبل اي طعن كان عاديا او غير عادي، وهو ما يجعل الاستدلال بعدم الاختصاص امام المجلس الاعلى كوسيلة من وسائل الطعن بالنقض غير ذي موضوع ( الفصل 359 م م ) .

هذا، فان الحكم في الاختصاص الذي يخضع لهذه القواعد هو الذي يصدر من المحكمة التجارية كمحكمة موضوع، اما الامر القاضي بعدم الاختصاص الصادر عن القاضي المنتدب وتكون محكمة اخرى هي المختصة ليست هي التي فتحت المسطرة امامها، فان الامر لاي قبل الاستئناف بل يسري اجل مدته شهران يجب على المدعي ان يرفع الدعوى خلال هذه المدة الى المحكمة المختصة تحت طائلة السقوط ( م 697 المدونة) .

2- الاشكاليات التي يطرحها الاختصاص المحلي امام المحاكم التجارية :

تعتبر المادة (10) من قانون المحاكم التجارية تكرارا لمقتضيات الفصل 27 من ق م م، وهي عبارة عن قواعد بديهية في الاختصاص المحلي التي جاءت لفائدة المدعى عليه او المدين .

الا ان هذه القواعد ليست مطلقة فلها بعض الاستثناءات، فمثلا فان ( م 340 م ت) تجعل الاختصاص في بيع الشيء المرهون يرجع الى المحكمة الموجود مقرها في موطن الدائن او الشخص المتفق عليه .

والجديد في قواعد الاختصاص المحلي في قانون المحاكم التجارية ما اتت به المادتان 11 و12 وهي التي تطرح بعض الاشكاليات منها على الخصوص :

الدعاوي المتعلقة بالشركات : استثناها المشرع من الفقرة 13 من الفصل 28 من ق م م وجعل الاختصاص ينعقد الى المحكمة التي يوجد بدائرتها مقر الشركة او فرعها .

· فما المقصود بدعاوي الشركات ؟ هل الشركات بذلك المفهوم الذي اعطاه المجلس الاعلى لدعاوى الشركات ؟ أي تلك الدعاوى التي يكون موضوعها الشركة نفسها فيما يتعلق بادارتها او كيانها او نشاطها بين اعضائها، لا التي يكون موضوعها التزام بين الشركة والغير ( قرار المجلس الاعلى بتاريخ 23/1/1991 ملف تجاري 4731/86 قرارات المجلس الاعلى 1970-1997)، ام المقصود من دعاوى الشركات تلك التي ترفع ضد الشركة من طرف الاغيار، نعتقد ذلك والا لما عدل المشرع الفقرة 13 من الفصل 28 م م واضاف فرع الشركة ؟

ومما يطرح هذا الاشكال بحدة عدم الانسجام بين هذه الفقرة وبين الفقرة 4 من ( م5) التي تتعلق بالنزاعات الناشئة بين شركاء في شركة تجارية .

ثم ان هذه الفقرة تطرح كذلك اشكالية خاصة بالمقصود بمقر الشركة هل هوالمقر الاجتماعي للشركة الوارد في النظام الاساسي لها ام هو مقر النشاط الفعلي للشركة .

انه سيحدث تضارب بخصوص هذه المسالة وهو ما حدث في فرنسا الى ان تدخل المشرع سنة 1985 ورجح المقر الفعلي للشركة عن المقر الاجتماعي .

الاشكاليات الخاصة بالاجراءات التحفظية :

· من المستجدات التي اتى بها قانون المحاكم التجارية انه وضع حدا لذلك الاضطراب الذي تعرفه هذه المسالة فوحد بذلك الاختصاص واسنده للمحكمة التي يوجد بدائرتها موضوع هذه الاجراءات وهو ما سبق اليه القضاء المستعجل الذي جعل الاختصاص المحلي في القضايا الاستعجالية للمحل الذي يثار فيه عنصر الاستعجال .

الا ان الاشكالية التي يمكن ان تطرح هو المكان الذي يوجد به موضوع هذه الاجراءات قد يكون عن احدى المحاكم التجارية، مما يصعب معه تطبيق هذا المقتضى .

لذلك فان مدونة التجارة في بعض الحالات، كما هو الحال في عقد النقل، اسندت الاختصاص للسلطة القضائية بيعن المكان ولم تجعله بالضرورة للمحكمة التجارية ( م 472 و474 م ت ) .

اما المادة 12 ق م ت فتسمح للاطراف وفي جميع الحالات ان يتفقوا كتابة على اختيار المحكمة المختصة محليا .

ان كانت هذه القاعدة لا تثير اي اشكال في اطار القواعد العامة للاختصاتص المحلي الا انها تخلق صعوبات وتطرح اشكالا بعد ان اتى المشرع في المادة 11 باستثناءات للاختصاص المحلي .

فهل يقصد المشرع في المادة 12 ان الاختصاص المحلي - حتى في الحالات المذكورة في المادة 11- ليس من النظام العام ؟ ويمكن للاطراف الاتفاق على اختيار المحكمة التي تكون مختصة محليا .

اننا لا نجاري هذا الاتجاه، لان المادة 11 هي استثناء فوق استثناء، استثناء من الفصل 28 م م الذي هو ايضا استثناء من الفصل 27 م م، اضف الى ذلك اننا لا يمكن ان نتصور ترك اختيار المحكمة المختصة رهن ارادة الاطراف في المساطر المتعلقة بصعوبات المقاولة التي نظمها المشرع كلية باحكام امرة .

هذا، فعلى الرغم من ان المشرع المغربي ابقى على قواعد الاختصاص المحلي العادية واتى باستثناءات في المادة 11 فيحب ان نشير الى ان هناك استثناءات اخرى واردة في مدونة التجارة وفي قانون الشركات وكمثال على ذلك الدعاوى المتعلقة ببيع ورهن الاصل التجاري اذ ان اغلبها يباشر امام المحكمة التي يقع او يستغل بدائرتها الاصل التجاري (المواد 113 و 114 و 123 م . ت) وباقي الحالات الاخرى المنصوص عليها في المواد (139 و 149 و 152 و 374) .

III- الاشكاليات التي يطرحها اختصاص رئيس المحكمة التجارية :

يكون رئيس المحكمة التجارية مختصا بوصفه رئيسا لهذه المحكمة او بوصفه قاضيا للامور المستعجلة .

1- اختصاصات رئيس المحكمة التجارية بنصوص خاصة :

تسند المادة 20 من ق م ت لرئيس المحكمة التجارية الاختصاصات المسندة الى رئيس المحكمة الابتدائية بموجب قانون السطرة المدنية وكذا الاختصاصات المخولة له في المادة التجارية .

يلاحظ من هذا النص ان الاحالة تقتصر فقط على قانون المسطرة المدنية وعلى القوانين التي تتناول النزاعات ذات الطبيعة التجارية مما يطرح اشكال حول الاختصاصات الاخرى التي ترجع لرئيس المحكمة الابتدائية والتي لم تقع عليها الاحالة كما هو الحال مثلا بالنسبة للفصلين 13 و 14 من قانون مؤسسة الاعوان القضائيين، اذ يمنح هذان الفصلان اختصاصات هامة لرئيس المحكمة بصفته تلك عندما يتغيب العون القضائي او تقع له اعاقة تحول دون قيامه بالاجراءت.

وتتوقع ان تثقل الصلاحيات والمهام التي تحيل عليها م 20 كاهل رئيس المحكمة التجارية اذ علمنا ان حوالي 28 يرجع فيها النظر لرئيس المحكمة في قانون المسطرة المدنية وحوالي 32 حالة في مدونة التجارة، بالاضافة الى اختصاصاته بوصفه قاضيا الامور المستعجلة. وتتميز هذة الحالات في مجملها بالدقة والصعوبة ومن الاختصاصات التي تدخل في صميم اختصاصات الرئيس وقد لا يجوز له اسناد ذلك لمن ينوب عنه من القضاة .

يختص كذلك رئيس المحكمة التجارية في مسطرة الامر بالاداء حسب مستجدات م 22 . وبالتنصيص على مقتضيات خاصة بمسطرة الامر بالاداء في المادة التجارية تكون هذه المسطرة ذات ازدواجية وهو شيء غير محمود في مجال القانون، فيستحب ان تكون مسطرة الامر بالاداء موحدة وتسند الى جهة قضائية واحدة .

· ومن بين الاشكاليات التي يمكن ان تعرفها هذة المسطرة في نطاق المادة 22 هي تلك التي تتعلق "بالسندات الرسمية" .

فهل تكون جميع الديون المثبتة بالسندات الرسمية من اختصاص رئيس المحكمة التجارية بغض النظر عن طبيعة الدين هل هو تجاري ام مدني، اداري ام اجتماعي او غير ذلك؟ وهل اصبح معيار " طبيعة النزاع" لا يلعب اي دور في هذا الاختصاص.

لا ندري ما هي الدوافع التي دفعت المشرع الى اعتماد " السند الرسمي" في مسطرة الامر بالاداء التجارية وهو ما يتعارض مع المرونة والحرية في الاثبات التجاري .

هذا، فضلا، على اننا قد نكون امام بعض الديون التجارية ذات الاهمية الكبرى ولا تكون مثبتة بالاوراق التجارية او السندات الرسمية ونلتجئ بشانها الى مسطرة الامر بالاداء امام رئيس المحكمة الابتدائية والعكس ايضا صحيح قد نكون امام ديون مدنية زهيدة وتكون بالسندات الرسمية ونسلك في شانها مسطرة الامر بالاداء امام رئيس المحكمة التجارية ونزيد في اثقال كاهله .

اما الاشكالية التي تطرحها الفقرة (2 من م 22) فتتعلق بالطبيعة القانونية للتنفيذ المؤقت للامر بالاداء رغم الاستئناف واجله، فهل هو تنفيذ مؤقت بقوة القانون، ام هو تنفيذ مؤقت قضائي، ام من طبيعة خاصة؟

ان هذا التنفيذ المؤقت ليس من قبيل هذا او ذاك بل هو من طبيعة خاصة، والاشكالية التي تطرح هي المتعلقة بالفقرة الاخيرة من م 22 بحيث تكون محكمة الاستئناف التجارية هي المختصة بايقاف التنفيذ جزئيا او كليا بقرار معلل، لكن اي هيئة من هيئات محكمة الاستئناف يرجع لها النظر؟ هل محكمة الاستئناف في هيئتها الجماعية العادية، ام في هيئة غرفة المشورة؟

في راينا ان غرفة المشورة هي التي تكون مختصة للبت في طلب ايقاف التنفيذ الذي يجب ان يقدم من صاحب المبادرة وفق القواعد العامة في التقاضي وطبقا لمقتضيات الفصل 147 من ق م م التي تحيل عليها م 19 من ق م ت .

2- اختصاصات رئيس المحكمة التجارية بصفته قاضيا للامور المستعجلة :

يكون رئيس المحكمة التجارية قاضيا الامور المستعجلة وفق نصوص خاصة، او طبقا للقواعد العامة .

اما اختصاص رئيس المحكمة التجارية بنصوص خاصة، فهذا يعني ان الرئيس يكون مختصا بصفته قاضيا للامور المستعجلة دونما الحاجة في البحث عن عنصري القضاء المستعجل المتعلقين بالاستعجال وعدم المساس بالموضوع .

والاشكالية المطروحة بهذا الصدد هي انه اذا كان المشرع يفترض قيام الاستعجال وعدم المساس بالموضوع، فما هو الشان بالنسبة للاجراءات المسطرية، وكذا بالنسبة للاثار القانونية التي تترتب عن الاوامر الاستعجالية الصادرة قي هذا الاطار .

اما بالنسبة لاختصاص رئيس المحكمة التجارية طبقا للقواعد العامة، فيجب ان نتوقف عند المادة 21 من ق م ت التي اكدت في الفقرتين 1 و2 على القواعد البديهية للقضاء المستعجل، واستحدثت في الفقرة الاخيرة مقتضيات هامة وجديرة بالاعتبار، اذ يمكن للقاضي الاستعجالي التجاري ان يامر باتخاذ تدابير تحفظية او ارجاع الحالة الى ما كانت عليه لدرء ضرر حال او لوضع حد لاضطراب ثبت جليا انه غير مشروع رغم وجود منازعة جدية .

فما المقصود، اذن، بالعبارة الاخيرة هل يعني ذلك ان القاضي الاستعجالي التجاري اصبح بامكانه ان يبث في موضوع النزاع؟

ستعرف هذه المسالة جدالا قويا وستتضارب الاراء بشانها. وفي راينا، فان المشرع لا يسمح للقاضي الاستعجالي التجاري ان يبث في الموضوع بل سمح له باتخاذ اوامره، المذكورة في تلك الفقرة، رغم وجود منازعة جدية، بمعنى اخر ان التمسك بعنصر عدم المساس بالموضوع او المنازعة الجدية امام القاضي الاستعجالي التجاري قد خفت حدته، وامكن لقاضي المستعجلات ان يصرف عنه النظر ويبث في تلك الحالات ويتخذ اوامره بشانها ويحيل الاطراف على الجهة المختصة في الموضوع .

وستطرح، كذلك اشكاليات بخصوص الحالات المشار اليها في الفقرة الاخيرة وبصفة خاصة، ارجاع الحالة الى ما كانت عليه لدرء ضرر حال او لوضع حد لاضطراب ثبت جليا انه غير مشروع .

وفي راينا ان القاضي الاستعجالي التجاري من حقه ان يتدخل لاصدار اوامره كلما ثبت له من ظاهر الوقائع والوثائق ان هناك اعتداء على حق من الحقوق، كالاعتداء على حق الملكية بالاحتلال، او نزع اسم تجاري، او غصب حق من حقوق الملكية الصناعية او الملكية الفنية، او المساس بالحريات كحرية العمل .

مستنتجات ختامية :

ان الاشكاليات التي ستعرفها المحاكم التجارية ستكون متشعبة، وان العمل امام هذه المحاكم، بعددها الحالي، وبميكانزماتها سيكون مضنيا ومرهقا للمتقاضين من كل الجوانب، ولا ندعي اننا استوفينا كل الاشكاليات، او ان ما اثرناه يرفى الى درجة اشكالية. فالقضاء، الذي عليه يلعب دوره الحقيقي، هو الكفيل بتذليل مجمل الصعاب التي يمكن ان تعترض تطبيق هذا القانون وكما يقولون " فان الخبرة معلم كبير" .

ومن وجهة نظرنا فاننا نقترح :

اعادة النظر في هذا القانون الوليد الذي يجب ان يكون فعالا ومنسجما مع سياسة المشرع التجاري الذي وسع النطاق التجاري على حساب النطاق المدني، اذ ستعرف المحاكم التجارية اقبالا كبيرا وستتدفق عليها القضايا بعد ان وقع التقليص من الولاية العامة للمحاكم الابتدائية، والمحافظة على الواقع الراهن، في نطرنا، كالنكوص الى الوراء .

·

- التفكير في احداث " محاكم الاعمال" ليكون اختصاصها موسعا يشمل القضايا الاجتماعية والتجارية وكذا قضايا الجرائم الاقتصادية ويتم دمج المحاكم التجارية اليها حتى لا تتعدد الاليات والتقسيمات في حين ان الهدف واحد ومشترك يتمثل في تشجيع الاستثمارات وتخليق وتفعيل المعاملات التجارية وحماية المقاولات الصغرى والمتوسطمة والكبرى .

وضع قوانين مسطرية متكاملة وشاملة في قانون واحد يطبق على القضايا المدنية والتجارية والادارية دون سلوك طريقة "الاحالة" من هذا القانون الى ذاك .

الى حين اعادة النظر جوهريا في قانون المحاكم التجارية وتحديدها، ان الضرورة ملحة الان لرفع العناء على المتقاضين مما يتعين معه اصدار تشريع يسند الاختصاص في المواد التجارية الى غرفة تجارية متخصصة تابعة للمحاكم الابتدائية حيث لا توجد محاكم تجارية .

·

\اصلاح قطاع العدالة على ضوء التوجيهات الملكية التي اعطت في اكثر من مناسبة، وبصفة خاصة الخطب الملكية: 24/5/1955 الذي القى في اعضاء المجلس الاعلى للقضاء وبتاريخ 29/8/1995 الذي القى في مسؤلي قطاع العدل وبتاريخ 13 ابريل 1998 بمناسبة رئاسة جلالته للمجلس الاعلى للقضاء، ونقتطف الكلمات التالية من اقوال صاحب الجلالة :

· "ان العلل والامراض الاساسية التي تنخر، اليوم، جسد العدالة وضمائر القضاة، الحاجة الى التكوين، الحاجة الى اللامركزية. القضاء لم يصبح، فقط، اساسا لطمانينة الرعية والمجتمع، بل اصبح امرا ضروريا للنماء" .

"هكذا نرى ارساء قواعد التجديد والتمازج مع روح العالم التي تسير بسرعة تفوق الروتين العادي" .

"انني اعتقد ان تلك المحاكم التي سترى النور في مملكتنا والتي سيكون على راسها قضاة، اعتبر ان اولئك القضاة هم بالنسبة لي اهم بكثير من وزراء المالية ووزراء الصناعة والتجارة ووزراء الاستثمارات الخارجية، اذ لا فائدة في

الاستثمار اذا كان غير محفوظ وغير محاط بما يجب من الاحاطة، ومن التسلح بالقوانين اللازمة حتى يمكنه ان يكون مدعاة لجلب استثمارات جديدة وتشجيعا لاناس اخرين في هذا الميدان" .

وعليه، فانه يتعين اعادة النظر في الياتنا، وفق حاجياتنا واصالتنا وواقعنا، مع الاخذ بعين الاعتبار حالات التساكن التي اختارها المغرب مع الخارج، دون زيف ودون التظاهر بغير حقيقتنا كمن يزخرف نفسه من الخارج غير عابئ بالمضمون، فعلينا ان نتعلم طريقة اصطياد السمك لانها خير لنا من التفنن في اعداد اطباقه للاستهلاك، او كما تقول المقولة : "ان لم تكن في صدارة السباق فسوف تخسر، اذ ليس هناك غير ميدالية ذهبية واحدة" .

* مجلة المحاكم المغربية، عدد 81، ص 92 .