هل انتهى دور المرافعة في الدفاع ؟

ذ. إبراهيم كوثرا
محام لدى هيئة المحامين بأكادير

تقديـم:
منذ أن وجد القضاء في المجتمعات المتحضرة وجدت معه المحاماة ليدافع أهلها عن أصحاب الحقوق أمام القضاء، ولا يمكن لهذا الأخير بتاتا أن يتبين وجه الحق فيما يثار أمامه من خصومات ذات شأن إلا بالمساعدة من المحامي الباحث والمجهز لعناصر الدعوى واقعا وقانونا والموضح لحقائقها وأسرارها مهما كانت وضعية الطرف الذي ينوب عنه في النزاع.

لذلك فالمحاماة هي عون القضاء في الوصول إلى الحكم بالعدل وكلاهما يسهم من مركزه بقدر معلوم في إقامة العدالة في المجتمع لبناء ذلك الصرح الشامخ الذي هو الركيزة الأساسية لكل حضارة إنسانية.
ولاشك أن الصلة الروحية التي تربط بين القضاء والمحاماة نابعة من اعتبارهما توأمين في أسرة واحدة تعمل لهدف واحد هو خدمة الحق والعدل والقانون.

ولعل أي متأمل لمستوى القضاء والمحاماة في أية أمة من الأمم يجده متقاربا أو متشابها ويؤثر ويتأثر كل واحد منهما بالآخر، حيث أن كل تقدم في المحاماة يظهر مثله في عالم القضاء وكل تقدم في القضاء يظهر صداه في دنيا المحاماة، والعكس بالعكس ولا غرابة في ذلك، فكلاهما من بيئة واحدة هي بيئة العدالة والقانون.

وأي محاولة لتصور قضاء بلا محاماة، أو محاماة بدون قضاء، تبدو مستحيلة وعديمة الجدوى، لذلك فلا غنى لأحدهما عن الآخر فهما شريكان في إقامة ميزان العدالة وفي الثقافة وفي الحياة القانونية وفي العمل، مع توزيع في نواحي العمل بينهما، كذلك هما شريكان في التضحية، فللمحاماة ضحاياها من المحامين، وللقضاء ضحاياه من القضاة، فكم من محامين ضحوا بعصارة حياتهم وأضناهم الجهد الشاق فسقطوا ضحايا مهنتهم الشريفة دون أن يعلم بتضحياتهم تلك إلا القليل، وكم من قضاة ضحوا كذلك بصحتهم وعمرهم في أداء مهمتهم السامية يرهقهم العمل المتواصل حتى استشهدوا في ساحة القضاء.

وأن للقضاء دستوره وتقاليده، كما وأن للمحاماة دستورها وتقاليدها وبأداء كل واحد منهما لواجباته يستقيم ميزان العدل ويطمئن الناس على حقوقهم، وأي تقصير أو إهمال من أحد الطرفين يجعل الميزان مختلا في كفتيه، فيسود الظلم والفساد والفوضى وتضيع الحقوق.

وإن مهنة المحاماة مهنة عريقة كالقضاء، نبيلة كالفضيلة ضرورية كالعدل وقد وصفها:
فولتير، بأنها:" أسمى مهنة في الوجود" فهي مهنة: علم وخلق ـ ونجدة وشجاعة ـ وثقافة وتفكير، ودرس وتمحيص، وبلاغة وتذكير، ومثابرة وصبر، وثقة في النفس واستقلال في الحياة، وأمانة واستقامة، وتضحية وتفان، وإخلاص في الدفاع عن الحقوق والحريات في إطار دولة الحق والقانون.

وليس غريبا عن هذه المهنة التي سميت بمهنة ـ الجبابرة ـ لسمو وشرف رسالتها أن يحلم بها ملك فرنسا لويس الثاني عشر، حيث قال في شأنها:" لو لم أكن ملكا لفرنسا لوددت أن أكون محاميا في بوردو"، وكم من وزير ورئيس جمهورية في تاريخ المحاماة عاد إليها بعد اعتزال لعمله بتشوق ولهفة كبيرين.

وأن ميدان المحاماة ميدان متسع وأي متسع لتحقيق كل هدف خليق بأن يتحقق وهذا سر عظمتها، ولكنها بالمقابل تعتبر أشق المهن وأقساها. مسيرتها مليئة بالمخاطر والمهالك والعراقيل، حيث نجد أن وظائف المحامي لا تقتصر على المشورة والمرافعة والعمل بالمكتب، وإنما تسمو واجباته ومسؤولياته كثيرا عن تلك الجهود التي تبذل لكسب العيش، وكذلك المطالبة بالمساهمة في تحسين القانون والمحاكم والمشاكل المهنية، بل لابد من أداء واجبه في تكوين الرأي العام.

وقد قبل باتفاق في حق المحامي الذي تبدأ أفكاره المهنية وتنتهي بموكله ليس إلا صورة ساخرة جديرة بالرثاء لما يجب أن يكون عليه المحامي العظيم حقا.

فن المرافعة ودورها في الدفاع
إن من بين أساليب الدفاع ـ المرافعة ـ والتي تساءل النقيب (شينو) عما إذا كانت المرافعة علما، أو فنا، أجاب أنه لا يدري، ولكن الذي يعرفه أن إتقان المرافعة يزداد صعوبة كلما ازداد المحامي تجربة وعلما.

وأضاف: أننا طوال حياتنا نتردد على مدرسة المحاماة وأساتذتها يدرسون في نفس الوقت الذي يعلمون فيه الآخرين.

كما أن الأستاذ يموري باكنز المحامي الذي يعتبر من المتخصصين في المرافعات القضائية استهل موضوعه هذا ـ أساليب المرافعة ـ بالقول:" إنني لا أعتقد أن من مصلحة المحامي أن يكتب أو يملي مرافعة يتوقع إلقاءها، بل عليه أن يكون دارسا تماما لموضوعه، وأن يضع النقط التي يعتزم التحدث عنها، وماعداه يجب أن يكون مرتجلا، وأن يضحي بالدقة، ونوع الأسلوب الذي كان يستعمله لو أراد كتابة مقال لمجلة، فبهذا الثمن وحده يستطيع أن يشتري ذلك الإحساس التلقائي والاستجابة الطبيعية.

وإن طلاقة اللسان إذا توفرت لرجل يتمتع بصفات أخرى أكثر أهمية للمحامي المترافع، فإنها تصبح رصيدا ضخما، أما في ماعدا ذلك فإنها تصبح عبئا.

إن على المحامي أن تتوافر لديه حساسية عقلية وعاطفة مرهفة إذ ينبغي أن يعرف ما يدور حوله، وأن يكون قادرا على أن يستمع ويفكر في وقت واحد، وأن يملك القدرة على سرعة التفكير وسرعة البت في الأمور، فمهما تكن مقدرته فلن يستفيد شيئا من وصوله إلى المحطة بعد أن يفوته القطار.

فقد ترافع مونتاني في شبابه فرفع صوته. فقال له رئيس الجلسة "خفض صوتك" فقال مونتاني: صوتي وطبقته متفقان مع ما أحس به. أنا وحدي الذي أحدده لأنني أريد أن يمثلني أصدق تمثيل، فإن للمتملق صوتا، وللدرس صوتا، وللشكوى والثورة صوتا آخر، وقال الرئيس: إذا خفضت صوتك استطاع خصمك أن يسمعك، فقال مونتاني: ولكني لا أكتفي بأن يصل صوتي إلى سمعه، أريده أن يقرع أذنه ويخترقها.

كما استهل المحامي: جون إنجلز دفاعه عن (مادلين سميت) في قضيتها الكبرى بكلمة سهلة ممتنعة حيث قال: سادتي إن التهمة الموجهة للسجينة هي القتل وعقوبة القتل هي الإعدام. وهذا وحده كاف ليوحي لكم بالطابع الكئيب للمناسبة التي جاءت بي وبكم للوقوف وجها لوجه.

فالوضوح وحسن التعبير أفيد للترافع من قوة الحجة. ولا قيمة لهذه الأخيرة إذا لم يحسن المترافع شرحها، أو لم يتم الإدلاء بها في الوقت المناسب ليزداد أثرها، ونفس الشيء بالنسبة لوقت التدخل ووقت التزام الصمت.
كما اعتبر البعض المرافعة سلاحا للمحامين، حيث حرصوا دائما أن يكونوا أحرارا في مرافعاتهم لا يسمحون بأي توجيه من موكلهم ولا من القضاء بل يؤدون رسالتهم حسب ما تمليه عليهم ضمائرهم، ولولا حرية الدفاع لضاعت الحقوق.

وقد قال بيرونيه بهذا الصدد في تقريره إلى لويس الثامن عشر:" أن مهنة المحاماة تجمع بين النبل والسمو، وتحمل من يريدون النهوض بها بما تستحقه من امتياز تضحيات كبيرة، وهي ضرورة للدولة بما تزيله مناقشات المحامين من غموض فتهيئ للمحاكم إصدار أحكامها... ولولا حرية المحامين في أن يناقشوا وينتقدوا أحكام القضاء نفسه، لتكررت الأخطاء وتراكمت... فالمحامون هم روح العدالة الأولية، وإذا كانوا لا يكتبون الأحكام، فإنهم يعدون لها ببحوثهم، فيقدمون للقضاء المادة الأولية لصناعته وكثيرا ما يقتصر عمل القاضي على الأخذ بإحدى النظريتين اللتين يقدمهما الدفاع أو أن يوفق بينهما".

وهذا ـ برييه الكبير ـ يصرح في وجه محكمة الثورة الفرنسية بما يلي:" إنني أتقدم إليكم بالحقيقة ورأسي تصرفوا في إحداهما بعد أن تستمعوا للأخرى".

وهذا النقيب لوبوي يضع حدود العلاقة بين النيابة العامة والمحاماة في وضعها الصحيح ويرد على اتهام النيابة العامة له بتجاوز الحدود المسموح بها بقوله:" لقد شكا المحامي العام من حدة الكلام الذي وجهته له... ليس مطلوبا مني أن أبرز حدتي في المرافعة، فإنني أعتقد أنها كانت في أنواع الاحترام ذلك الذي يصدر حرا ومن تلقاء ضميري للرسالة التي أؤديها... وأن تقديري الشخصي لا خلاصه وكفاءته وإن كان لا يستطيع أن يطلب مني أن يمتد احترامي وتقديري إلى مرافعته وحججه، ولست مطالبا بالنسبة إليهما بالاحترام ولا بالتقدير، بل ولا بالرعاية ، وإنما جئت هنا لأحاربهما وأهاجمهما...".

ويقول دي موروجيا فري أن الحكم على المتهم بالإدانة هم من عمل القاضي أما مهمتي فهي الدفاع".
وقال شيشرون:" إنه يجب أن تكون لدى المحامي الشجاعة الكافية ـ التي لا تهزم ـ لكي لا يخفي الحقيقة مهما تكن".

وهذا موقف أحد المحامين أثناء الجلسات يعبر عنة حضور البديهة، فلقد أخذ المحامي العنيد يسترسل في المرافعة والقاضي يحاول عبثا إسكاته، وأخيرا قال له: ما فائدة الاستمرار، مع علمك بأن الكلمة الأخيرة لي؟ ونظر المحامي إلى القاضي نظرة أدرك منها القاضي خطأه، فأراد أن يخفف من وقع كلماته فقال له: أعني أن الكلمة الأخيرة هي للحكم فقال أحد المحامين بالجلسة بصوت مسموع:" القابل للاستئناف".

وقد قال ليون جرين عميد كلية الحقوق بجامعة تورث ديسترن حين تحدث إلى المتخرجين، إذا كان لي ما أوصيكم به لتحققوا رسالتكم، فهو أن تنشدوا المعرفة العامة الشاملة، فاللغة وآدابها تعطيكم القدرة على التعبير الدقيق الذي بدونه لا تقوم المحاماة.

وقال: اللورد ماكميلان:" إن المحامي الذي يقتصر عمله على القوانين واللوائح غير جدير بأن يوصف بأنه محام مثقف فكل نواحي الحياة، وما من نشاط إنساني إلا والمفروض أن يكون للمحامي فيه رأي...".
وخاطب الأستاذ جان شارل لوكران المحامي الشهير أيام المقاومة المغربية ضد الاستعمار الفرنسي وهو يرد على اتهامات النيابة العامة بما يلي:
"... لا تجهلون أن القمع يخلق الرعب، والرعب يؤدي إلى الحقد، والحقد إلى العنف، والعنف إلى القمع...".
كما رد كذلك على الرئيس بقوله:" أنتم تحكمون ونحن ندافع، لكن عدالتكم لا ينبغي أن تكون صورية، ولا يمكن أن تكون نفاقا بزي الوقار... ومن الآن لا يوجد إلا واجبان: واجبنا في الدفاع، وواجبكم كقضاة. إنهما لا يتعارضان ولكن يتكاملان، واجبان تجسمهما بذلة كل منا، أنتم ببذلتكم الحمراء، ونحن ببذلتنا السوداء، بذلتكم التي تعبر عن رمز الانضباط والنظام، ونحن ببذلة أكثر تواضعا، تجسم الحرية، حرية التفكير، وحرية الكلمة وحرية الدفاع كاملة.

إن بذلتنا لن تقبل تجاه أي كان، لا التسخير ولا الخضوع أو الخنوع، السياسة لا نمارسها هنا، بل نقوم بتقدير الاتهامات والإثبات . العدالة لا يسوغ أن تكون وسيلة للسياسة.
إن الخطأ السياسي يمكن إصلاحه، ولكن أخطاء العدالة يستحيل جبرها، لأنها تمس بجوهر الإنسان نفسه، وفي ذات الوقت تدمر مجد الأمم.

تريدون النظام والأمن، ونحن كذلك، لكن النظام لا يجب أن يكون نظام السجون ولا الأمن أمن القبور".
وقد قدم الزعيم الكبير الأستاذ سعد زغلول إلى وفد من طلبة الحقوق بالقاهرة بمناسبة زيارتهم له النصيحة الغالية التالية:
"قد هيأتم لي فرصة أحدثكم فيها عن الصدق وفضيلته وحسن أثره، خصوصا بالنسبة للمحاماة التي تعدون أنفسكم لمزاولتها. توهم البعض أن البراعة في المحاماة تكون بالقدرة على قلب الوقائع ، وتمويه الحقائق ـ ولبس الحق بالباطل، ولكنه وهم فاسد، لأن الصدق أساس المحاماة وحليتها، وكلما كان المحامي صادق اللهجة شريف النزعة، كان أثره في المحاماة محمودا، ونجاحه مضمونا، ولا ينبغي للمحامي أن يؤجر ذمته لموكله، وأن يقف من القاضي موقف العامل على إخفاء الحق وإظهار الباطل بل يجب أن يقف منه موقف الباحث عن الحقيقة المنير لطريق العدالة، وأن يكون حريصا على اكتساب ثقة القاضي، لأن هذه الثقة هي أساس نجاحه في عمله. وبهذه المناسبة يقول ـ الأستاذ زغلول ـ أسوق لكم شاهدا وقع لبعض المحامين في زمن اشتغالي بالمحاماة، وقد كان معروفا بوفاء الذمة وصدق القول، ودافع أمام محكمة الاستئناف عن متهم كان محكوما عليه بالإعدام، وفند جميع الأدلة التي بني عليها الحكم الابتدائي تفنيدا تاما، غير أن المقرر في القضية أثناء المداولة مع إخوانه، خالف رأي المحامي، وقال أن كل ما أتى به في دفاعه مغالطة، أما زملاؤه فكانوا يعهدون في المحامي غير ذلك فاضطروا إلى أن يقرأ القضية كل واحد منهم، ثم أجمعوا رأيهم على مخالفة زميلهم المقرر، والحكم ببراءة المتهم.

فانظروا ـ يقول الأستاذ زغلول ـ صدق المحامي في أراء القضاة، وكيف نجى بصدقه موكله من الإعدام، فكونوا مثالا للصدق ووفاء الذمة تنفعوا فنكم".

وهذا المحامي الإيطالي بييرو كالمندري مؤلف الكتاب "قضاة ومحامون" يقول ما يلي:
"ياله من يوم، يوم شعرت فيه بأنني في أوج مجدي ونجاحي ! يوم شعرت فيه بحب القضاة وودهم إذ جلست على مقعدي في قاعة الجلسة بعد أن أتممت مرافعتي ! لقد ابتسموا لي بتقدير واعتزاز، ولمست عاطفة عميقة دافئة تنساب من عيونهم فتضمني وتحوطني ! وبدا لي كأنهم يودون لو بسطوا أذرعهم إلي فاحتضنوني وضموني إلى صدورهم.
ولكن لماذا حدث كل ذلك؟ مازلت أذكر تماما ما حدث، لقد وقفت لأترافع أمام قضاة مجهدين، فاتجهت إليهم، واكتفيت بأن قلت: "ليس لدى الدفاع ما يضيفه ! وجلست !".

وقد علق أحد القضاة الإيطاليين على مرافعة محام اتسمت بالبلاغة والروعة بأنه أخذ بموطن الجمال فيها لدرجة أحالت إعجابه (بشكلها) إلى تشكك في (مضمونها)، حيث قال القاضي:" لقد أحسست إزاءها بما تحس به إذ تصادف وردة بلغت من الجمال والكمال حدا بحيث يبدو لك جمالها مصنوعا لا مطبوعا".

كما تحدث أحد القضاة الإيطاليين كذلك عن بعض ذكرياته عن العلاقة بين النوم وبين مرافعات بعض المحامين المجهدة فقال:" ليس صحيحا أن النوم مخاتل غدر ! وأنه يستطيع أن ينقض علينا فيحتوينا من حيث لا نشعر، فالحقيقة أن النوم ينذرنا بمقدمه في الوقت المناسب، والمستمع إلى الخطيب المسهب يعلم أنه موشك على السقوط في أسر النوم، حينما تبدأ معاني الكلمات في الاهتزاز في ذهنه ثم تغمض، ثم تختفي ولا يبقى إلا الرنين الذي يحدثه الصوت، ومع أن هذا الرنين يظل واضحا في الأسماع، فإن نغماته تختلط وتتداخل فلا يبقى منها إلا تلك الرتابة المتصلة الحائكة اللون التي تشبه نغمات أرغول مروض الثعابين، أو عند هذه المرحلة التي تتحلل فيها الكلمات فتذوب في مجرد نغم متصل رتيب، ولا شيء غير ذلك عندئذ يستطيع المستمع أو ـ المنوم ـ أن يدرك إذا كان حصينا ـ إنه في مواجهة قوة ساحرة جبارة لن تلبث حتى تتغلب على مقاومته".

وقد تحدث قاض من القضاة الإيطاليين ممن عرفوا بحسن الفكاهة إلى أستاذ الإجراءات الجنائية في إحدى الجامعات فقال له:
"إنك تضيع حياتك شارحا لطلابك إجراءات المحاكمة، وكيف يجب أن تكون ولقد وددت لو أنك غيرت أسلوبك فشرحت لهم هذه الإجراءات كما لا ينبغي أن تكون... إنك لو فعلت ذلك لأخرجت المحاكم محامين أفضل.
قل لطلابك مثلا أن قاعة المحكمة ليست مسرحا لاستعراض المواهب والقدرات، وإنها ليست واجهة محل تجاري للإعلان عن البضائع الموجودة فيه، وأنها ليست قاعة محاضرات، وأنها ليست حفلة استقبال "صالون" يتبادل فيها الزوار المجاملات الاجتماعية، وأنها ليست ناديا للعب الشطرنج... !
وعقب الأستاذ بصوت خافت:
"وسأقول لهم أيضا أنها ليست غرفة للنوم !

مناقشة تساؤل الفكرة
فمن زاوية أولى:
يمكن القول بأن دور المرافعة في الدفاع قد عرف تقلصا ملحوظا على مستوى الممارسة بخصوص القضايا ذات المسطرة الشفوية كالاستعجال والكراء والجنحي العادي... حيث حل محل المرافعات الشفوية الاكتفاء بمذكرات كتابية ليس إلا. إضافة إلى أنه حتى في حالة إلقاء بعض المرافعات فإن أغلبها لا يرقى إلى المستوى المطلوب شكلا ومضمونا. وواقعا وقانون... وهذا الحكم يسري كذلك حتى على مرافعات ممثل النيابة العامة الذي يعتبر محاميا بغير حماسة المحامين، وقاضيا بغير حيدة القضاة، حيث نجده يقتصر في مرافعاته على مجرد تأكيد الملتمس الرامي إلى الإدانة أو تطبيق القانون أو مجرد المعارضة في طلب ما...؟ دون توضيح السبب... بل نجد ممثل النيابة العامة لا يجرؤ حتى على الوقوف من مقعده، باعتباره قاضيا واقفا، وبالأحرى الرد بشكل مقنع على ما يرد من ملاحظات ودفوعات أثناء إلقاء المرافعة...؟

من زاوية ثانية:
إن تكدس القضايا بالمحاكم بشكل لا يتناسب والوقت المخصص لها للبث فيها، وكذلك قلة الأطر من قضاة... مع قلة النزاهة والتجرد وعدم الاستقلال وضعف التكوين، والتكوين المستمر، وانعدام المراقبة...
ونفس الشيء بالنسبة لمساعدي القضاء من محامين وخبراء وأطباء وأجهزة كتابة الضبط... كل ذلك في حاجة ماسة وملحة إلى عملية تطهيرية وللتكوين اليومي المستمر، حيث على المحامي على سبيل المثال أن يكون قاضي نفسه ـ قاضي تحضير ـ مصفاة لكل قضية، قبل أن تعرض على القضاء...
وأن أي مرافعة كتب لها أن تلقى في الظروف أعلاه فإن مصيرها الضياع، حيث توجه في الأخير لجدران المحكمة وللجمهور ليس إلا، ولا أدل على ذلك من عدم تضمين الأحكام للأفكار الرئيسية للمرافعة، عدا الكلمة القصيرة المتداولة ألتمس الدفاع ـ البراءة ـ أو ـ الإدانة ـ.
كما يؤكد ذلك أيضا عدم ثقة المتقاضي بالمحامي بالرغم من توكيله له، حيث نجد معظم المتقاضين يطلبون من دفاعهم أرقام القضايا بالمحكمة وتاريخ الجلسة خاصة ـ جلسة الحكم ـ مع اسم القاضي المقرر... !.
وإن الوضعية المذكورة أعلاه تعتبر من أتعس أيام حياة المحامي، حيث يجد نفسه قد أقصي من الدفاع من حيث لا يشعر... والحال أنه يمارس لكن كممثل فقط !.
وأعتقد جازما أن جسم العدالة واحد، وأي عضو فيه يصاب بشلل ما فإن سائر الأعضاء ستصاب بالعدوى، فالمسؤولية جسيمة وجماعية، والكل راع... ونصيحتي لنفسي ولكل من يهمه الأمر هي نصيحة الشاعر:
ومن رعى غنما بأرض مسبعة ونام عنها تولى رعيها الأسد

ومن زاوية ثانية:
إن اليوم الذي يتحقق فيه إغلاق المحاكم لأبوابها، ببزوغ عهد جديد لا جنوح فيه للإجرام من طرف الأفراد والجماعات، يوم يغلب فيه الخير على الشر، ذلك اليوم وحده هو الذي يمكن فيه القول بأن الدفاع قد استراح من المرافعة بالمحاكم، لكن دوره الفعال لن ينتهي أبدا في مجال كل تنمية ثقافية واقتصادية واجتماعية وسياسية لأي نظام ديموقراطي ذي حضارة إنسانية.
وكما قال الأستاذ جان شارل لوكران في كتابه:" العدالة وطن الإنسان": فهيهات أن يتحقق ذلك الحلم الذي تصل فيه العدالة إلى منتهى السعادة لكل مواطن في وطنه... !

المراجع:
*كتاب: قضاة ومحامون: لمؤلفه بيبرو كالمندري، عالم فقيه إيطالي، وترجم الكتاب إلى الإنجليزية ثم إلى العربية من طرف الأستاذ حسن جلال العروسي، المحامي الأديب المصري.
*كتاب: العدالة وطن الإنسان لمؤلفه الفرنسي: جان شال لوكران المحامي الكبير بالمغرب إبان الاستعمار الفرنسي.
*المجلات القانونية مجلة المحاكم المغربية الأعداد من 1 إلى 30 (حول كنوز المحاماة).
*المنجد في اللغة والإعلام.

مجلة المرافعة

الأعراف والتقاليد المهنية ومتطلبات التحديث

النقيب حسن وهبي
هيئة المحامين بأكادير

تمهيـد:
المحاماة مهنة حرة مستقلة تساعد القضاء في تحقيق العدالة، والمحامون بهذا الاعتبار جزء من أسرة القضاء(2).
والمحامي أستاذ يعمل بوحي من ضميره أقسم اليمين القانونية على أن يمارس مهام الدفاع والاستشارة بكرامة وضمير واستقلال وإنسانية وأن لا يحيد عن الاحترام الواجب... لقواعد مجلس الهيئة الذي ينتمي إليه...(3).
ولم تكن قواعد مجلس الهيئة الذي ينتمي إليه المحامي، في جزء كبير منها، سوى مجموعة من الأعراف والتقاليد المهنية توارثها المحامون جيلا بعد جيل، منها ما تحقق بفعل الممارسة المتواترة، ومنها ما بذل المحامون من أجل تكريسه والذود عنه جليل التضحيات.

ولم تكن الأعراف والتقاليد المهنية تهدف في مجملها إلا إلى تيسير عمل المحامي، وضبط علاقاته مع محيطه المهني، في مناخ تسوده الحرية والاستقلال وتضبطه مجموعة من الأخلاق السامية، تجعل المحامي مكللا بكل مبادئ الصدق والأمانة، والإخلاص، والشرف، والكرامة، والمروءة، والضمير، والإنسانية، والتجرد، واللياقة، والزمالة(4)... وهي أخلاق ومبادئ يلزم المحامي التقيد بها ليس فقط في علاقاته المهنية بل وفي حياته الخاصة وسلوكه الشخصي.

ولعل المحامين أكثر الناس من أصحاب المهن الحرة تمسكا بالأعراف والتقاليد المهنية إلى حد القداسة، وأقلهم استعدادا للعدول عنها أو التفريط فيها حتى تساوى الإخلال بها مع الإخلال بالقانون، وطالت بذلك المخالفة التأديبية كل مخالفة للنصوص القانونية أو التنظيمية أو قواعد المهنة وأعرافها أو إخلالا بالمروءة والشرف ولو تعلق الأمر بأعمال خارجة عن النطاق المهني"(5).

والمحامون كانوا دائما مدعوين ليس فقط إلى العمل على احترام قوانين وظيفتهم وأعرافها وتقاليدها ولكنهم "ملزمون أيضا بالعمل ضمن مؤسساتهم المنتخبة على تطويرها لما فيه المصلحة العامة"(6).

وإذا كان المحامون ملزمون بتطوير أعرافهم وتقاليدهم المهنية، فإن ذلك التطوير لا يمكن أن يتم إلا في إطار المبادئ العامة التي تحكم المهنة، والتي لا يمكن أن تكون في أي وقت من الأوقات موضوع مساومة أو مناقشة، وإلا فقدت مهنة المحاماة بمجرد المساس بها الدعائم الأساسية لبقائها.
وأعني بها مبادئ الحرية والاستقلال والأخلاق الحميدة.

نعم، إن مهنة المحاماة أصبحت اليوم بالفعل، أكثر من أي وقت مضى، مدعوة إلى تحديث آليات عملها بما يفرضه التطور الهائل والسريع الذي يعرفه العالم في شتى مناحي الحياة، ولكنها بالمقابل مدعوة إلى المحافظة على أعرافها وتقاليدها في مبادئها الأساسية، والعمل على تطويرها أيضا.

فالأعراف والتقاليد المهنية لم تكن في يوم من الأيام، وعلى مدى مسيرة المهنة عبر قرون من الزمن، لتقف حائلا دون مواكبة التطور التكنولوجي، والاقتصادي، والاجتماعي، والسياسي الذي يعرفه العالم، إن لم تكن مهنة المحاماة في حد ذاتها دافعا إلى التغيير وإلى التطور في واحد أو أكثر من هذه المجالات.
وانطلاقا من هذه المقدمة ستتم معالجة الموضوع انطلاقا من المحاور التالية:
ـ المحور الأول: مهنة المحاماة ومتطلبات التحديث.
ـ المحور الثاني: الأعراف والتقاليد المهنية والنظام العالمي الجديد للمهنة.
ـ خاتمة.


المحور الأول:
مهنة المحاماة ومتطلبات التحديث

إن ما يعرفه العالم في السنين الأخيرة من نتائج حتمية لظاهرة "العوملة"، في ظل النظام العالمي الجديد، المبني أساسا على حماية الرأسمال الأجنبي تشجيعا للاستثمار، وتحرير الاقتصاد، والفتح التدريجي للحدود، والتقليص من الرسوم الجمركية، واستغلال هذا المناخ من طرف الفاعلين الاقتصاديين الذين تبنوا استراتيجية النمو الاقتصادي الشامل عالميا، وعلى رأسهم الشركات المتعددة الجنسيات أو التي ينصرف نشاطها بشكل أساسي إلى التصدير(7). يلقي بتحديات كبيرة ليس فقط على المجتمع الدولي كما هو، وإنما أيضا على مختلف الدول ذات السيادة وعلى مؤسساتها، بما فيها المؤسسات المهنية.

فإذا كان البعض دولا أو مؤسسات يشارك في فرض العولمة وجني أرباحها، فإن البعض الآخر يحاول جاهدا التأقلم مع متطلباتها، بينما يتحمل الباقي تبعاتها وأوزارها أمرا واقعا لا مفر منه(8).

ومهنة المحاماة في بلدنا كغيرها من المهن الأخرى وفي ظل هذا التحدي، مدعوة ليس إلى القبول بالأمر الواقع قدرا محتوما، ولا إلى التأقلم معه مداراة له أو استدرارا لعطفه، لأنه لا عاطفة لديه أصلا، ولكن إلى التصدي له بكل الوسائل الممكنة وفرض التعامل معه في إطار من المصالح المشتركة، تعامل الند للند.

وبما أن الصمود في هذه المواجهة يقتضي على الأقل وبالضرورة تكافؤ في الفرص والإمكانيات، فإنه يبدو منذ الوهلة الأولى أن الشروط الموضوعية لكسب الرهان غير متوفرة على الإطلاق، وهو ما يستلزم وبكل استعجال استنفار كل الطاقات والوسائل القانونية والتقنية والاقتصادية وذلك من أجل: (9).

ـ مشاركة المحامين مشاركة فعلية وفعالة في النهوض بعملية الإصلاح القضائي سلوكا وممارسة، والإسهام في تحديث آليات العمل القضائي، حيث "يكون القضاء بدوره في مستوى التحديات المطروحة عليه ليس بصفته حاميا للحقوق والحريات وحسب، ولكن بالأساس كباعث على الثقة التي تحفز إلى المبادرة، وكعامل من عوامل التنمية.
وسيكون من العبث التفكير في الرفع من مستوى الأداء المهني للمحامي ماديا وأدبيا، ليكون في مستوى التحديات التي تواجهه، بمعزل عن النهوض بالجهاز القضائي إلى أقصى درجة ممكنة من الفعالية والتجرد، والعكس بالعكس.

ـ توسيع ميدان نشاط المحامي وطنيا وأن يمتد إلى دول الشمال، وليس العكس(10).
مع تطوير الاتفاقيات القضائية مع دول الشمال، من أجل توفير مكاسب مشتركة وعلى قدم المساواة بين الأطراف.

ـ العمل من أجل توحيد قوانين ممارسة مهنة المحاماة، وهي أسرة عالمية بطبيعتها تكاد تكون أهدافها وتقاليدها موحدة.

ـ تبادل الخبرات والتجارب المهنية بين المحامين، على الصعيد العالمي، وذلك بتبادل الوفود بين الهيئات الوطنية مع مثيلاتها في دول الشمال، بمساعدة الدولة على غرار الوفود المتبادلة بين الهيئات القضائية.

ـ التعجيل بتكوين المعاهد الجهوية للتمرين المنصوص عليها في المادة السادسة من ظهير 10 شتنبر 1993 المنظم للمهنة، مع توفير الإمكانيات المادية والتقنية لها من أجل إعداد المحامي المتمرن وتكوينه تكوينا جيدا يؤهله للقيام بأعباء المهنة على أحسن وجه.
تنظيم دورات تدريبية للمحامين الرسميين بنفس المعاهد في إطار برامج للتكوين المستمر مواكبة للمستجدات التي تعرفها الساحة المهنية في شتى المجالات العلمية والتقنية.

ـ العمل على خلق مراكز ثنائية أو دولية للتكوين والتأهيل المهني المشترك للاستفادة من التجارب المشتركة للمحامين على الصعيد الدولي.

ـ استعمال التكنولوجيا ووسائل الاتصال الحديثة بفعالية وعقلانية، وتوسيع استعمالاتها في شتى المجالات المهنية والقضائية، سواء في نشاط الهيئات، أو في علاقاتها مع الأعضاء، وفي الجهاز القضائي، وفي علاقاته بأطراف العمل القضائي، نظرا لما توفره من كلفة ولما تضمنه من فعالية وسرعة، وتجرد، فالآلة لا تعرف الخطأ العمدي ولا النزوات.

ـ خلق مراكز دولية للتحكيم مشتركة بين محامي الشمال والجنوب فالتحكيم هو قضاء المستقبل.
ـ التخصص في ممارسة العمل المهني والقضائي، مع تجديد أشكال الممارسة المهنية (السماح بممارسة المهنة في إطار شركات مهنية مدنية).

ـ مراجعة القوانين المنظمة للمهنة والأنظمة الداخلية بما يتلاءم وضرورات التعامل مع الواقع العالمي الجديد للمهنة بما لا يمس بمبادئها الأساسية.

المحور الثاني:
الأعراف والتقاليد المهنية في ظل النظام العالمي الجديد للمهنة

إن الدعوة إلى الأخذ بزمام المعرفة القانونية، واكتساب الخبرات والمهارات العلمية والتقنية، ليس هدفا في حد ذاته، بقدر ما هو وسيلة من أجل تحسين وتطوير أساليب الأداء المهني، وبالتالي قيام مهنة المحاماة بوظيفتها الاجتماعية والإنسانية على أكمل وجه.

والمحامي ليس مطالبا اليوم بأن يبقى، كما كان عليه المحامي التقليدي، وكما أريد له أن يكون على مدى عقود من الزمن، حبيس ردهات المحاكم، وزوايا مكتبه، بل أصبح ملزما بالانفتاح على العالم على رحابته، فقد أصبح مجال عمله من التوسع يوما عن يوم بحيث يطال كل مناحي الحياة، وتجاوز الحدود السياسية والجغرافية والغوية والدينية وغيرها.

وقيام المحامي بواجباته المهنية في ظل هذه الشروط الجديدة لا يعفيه إطلاقا من التمسك بالأعراف والتقاليد المهنية، والعمل على تطويرها مع ما يتناسب والمسؤوليات الجديدة الملقاة على عاتقه.

إن وسائل الاتصال الحديثة كمثال تضع المحامي أمام تحديات حقيقية، فإذا كانت توفر له السرعة والدقة والفعالية، فإنها تضع إشكاليات بخصوص آداب المخابرة، والحفاظ على السر المهني مثلا.

ومن جانب آخر يمكن أن نلاحظ بمراجعة الماضي القريب كيف أن زمن الخطابة في مهنة المحاماة قد أخذ في الأفول وربما إلى غير رجعة، ليفسح المجال للكتابة، والورق بدوره أخذ يحزم حقائبه للرحيل لتحل محله وسائل الاتصال المعلوماتي (الأنترنيت والهواتف النقالة وغيرها...).

إن هذه التغييرات المتلاحقة والتي أخذت وثيرتها في التصاعد في السنين الأخيرة بحكم التقدم التكنولوجي وفي ظل المتغيرات الدولية المتسارعة لابد وأن تضع الأعراف والتقاليد المهنية موضع اختبار حقيقي.

فقد تعالت بعض الأصوات من داخل الساحة المهنية تنادي بمراجعة جذرية لقواعد المهنة وآدابها، ليس لأن العديد منها قد عفا عليه الزمن وحسب، وإنما بدعوى أنها قد أصبحت تقف حجر عثرة في وجه التقدم المنشود للمهنة وتقيد من حريتها واستقلالها، وقد أكدت التجربة أن بعض هذه الأصوات على قلتها لم تكن تهدف في حقيقة الأمر إلى الإفلات من كل وازع أخلاقي يضبط السلوك المهني ويجعله محل مراقبة دائمة، إذ لا مراء في أن المسؤولية يجب أن تكون حاضرة دائما إلى جانب الحرية والاستقلال.

إن تحيين النصوص المنظمة للمهنة، والأنظمة الداخلية للهيئات، لابد وأن يسيرا جنبا إلى جنب مع متطلبات كل مرحلة، ولن تكون المهنة عاجزة في أي مرحلة من المراحل عن الاستجابة لما تمليه عليها مثلها العليا من ضوابط وأخلاقيات.

ففي جميع المراحل التي قطعتها مهنة المحاماة على مر العصور، ظلت وفية لمبادئ الحرية والاستقلال وتوارثت مشعل الدفاع عن الحقوق والحريات، وتكبدت في سبيل ذلك الكثير من العنت في بعض المراحل من تاريخها، وفي جلها كانت متربعة عرض الزعامة، ففي فرنسا مثلا استأثر المحامون بالسلطة السياسية أحيانا، وكانوا في طليعة خطباء المعارضة أحيانا أخرى (الإمبراطورية الثانية)، ومثلوا البرلمان في ظل الجمهورية الثالثة بفرنسا، وكان منهم الوزراء بل وكان جل رؤساء الجمهورية الفرنسية من المحامين(11).

ولدى محامي دول الجنوب ما يكفي من الإرادة والإقدام، للسير قدما بل واستعمال ما تفرزه العولمة من آثار، لحل المشاكل الناجمة عن نماء بلادهم الفوضوي والاستفادة من الفضاءات الاقتصادية والعلمية الجديدة لاختراع وسائل حديثة للتآزر المهني(12).

وحتى لا يضل المحامون الطريق وهم في صراع مع متطلبات التحديث المهني من جهة، ومع ما تستتبعه من إيجاد آليات أدبية تحافظ للمهنة على انضباطها وانتصارها لقيم العدالة من جهة أخرى، فإن عليهم أن يضعوا نصب أعينهم في كلا الحالتين مبادئ أساسية كانت منذ القدم البوصلة التي يهتدون بها سواء في أزهى عصور المهنة رفعة، أو في أكثر حالاتها ضعفا:

أولا ـ الاستقلال:
إن المحامي ليس مساعدا للقضاء، ومن المؤسف حقا استمرار استعمال هذا التعبير في حق المحامين، أو استعمالهم له في حق أنفسهم، فالمساعدة مجدية حقا ولكنها ليست ضرورية أو حتمية(13).
فلا يمكن تصور قيام عدالة من دون دفاع حر ومستقل.
فالمحامي إذن جزء من أسرة القضاء، أي أنه عنصر من عناصر تكوينها، غير أنه في ذات الوقت لا يعتبر جزءا من السلطة القضائية(14).

إن استقلال المحاماة في أفضل تعبير هو "الكفاية الذاتية الوظيفية المصحوبة بأشكال المسؤولية التي تضمن أداء المحامي بشكل يطمئن المتقاضين إلى من يمثلونهم ويثقون بهم، وتخلق لدى المحامين القدرة على مقاومة جميع الضغوط والتدخلات من أي مصدر كان"(15).

الحريــة:
منذ القدم كانت النظرة التقليدية للمحاماة ولا تزال أنها نقيض للسلطة، والصورة التلقائية والعفوية للمحاماة في المنظور الشعبي أنها حامل مشعل المواجهة ضد سلطة الاتهام أو سلطة القمع.
وحتى في الحالات التي تفتح فيها السلطة أبوابها للمحاماة فإنها غالبا ما تكون جليسا مزعجا.
والحرية والاستقلال هما وجهان لعملة واحدة، وتفقد تلك العملة شرعية التداول عند فقدها لأي منهما.

الأخـلاق:
إن تحديث المهنة عملا وسلوكا لا يتناقض إطلاقا مع التمسك بآدابها، وعندما تمتزج الكفاءة المهنية بالأخلاق المهنية الرفيعة فذلك منتهى ما تصبو إليه كل مهنة شريفة.
ومهنة المحاماة بما تسديه من خدمة عامة، تهدف بالأساس إلى العمل على سيادة القانون، والإسهام في إشاعة العدل بين الناس والطمأنينة على أرواحهم وأعراضهم وممتلكاتهم، لابد وأن تكون أخلاق ممارسيها على جانب كبير من السمو.

وسمعة أية مجموعة منظمة إنما تنطبع بمسلك أعضائها، ولكي تؤدي المحاماة رسالتها على أكمل وجه، لابد أن تجد ضمانتها الأولى في كفاءة واستقامة المحامين، وفي تمسكهم بالقيم الخلقية وبمبادئ الشرف والاستقامة والنزاهة(16).

خاتمـة:
وأخيرا فقد سلف الذكر بأن تحديث مهنة المحاماة وتأهيلها لمواجهة التحديات التي تواجهها، لا يمكن أن تتم بمعزل عن النهوض بالقضاء الذي تعتبر جزءا أساسيا من مكوناته.
والعدالة لابد وأن تتأثر بالمحيط الاقتصادي والاجتماعي والسياسي لأي بلد في شموليته.
إن دولة الحق والقانون، التي يسود فيها حكم القانون، وتحترم فيها الحقوق والحريات، وتصان فيها كرامة الفرد وحقوق الجماعة، وتمارس فيها الديموقراطية الحقيقية هي المشتمل الطبيعي لقيام عدالة مستقلة ونزيهة.

وهكذا فإن رسالة الدفاع دائما، وعبر تاريخها الزاخر بالعطاء، وإلى جانب ما توجبه على المحامين من الأخذ بزمام المعرفة، والتقيد بالأخلاق الحميدة، فإنها تحثهم على التحلي بالشجاعة الأدبية والسياسية، ليس في مفهومها الضيق، من أجل زمام المبادرة، في طليعة القوى الحية للمجتمع الداعية إلى التغيير نحو الأفضل.


الهوامش:

(1)هذا العرض ساهمت به هيئتنا في أشغال الندوة الوطنية لجمعية هيئات المحامين بالمغرب حول المحاماة في أفق القرن الواحد والعشرين (فاس 24-25 نوفمبر 200).
(2)المادة 1 من ظهير 10-9-1993 المنظم لمهنة المحاماة.
(3)من قسم المحامي، المادة 12 من نفس الظهير.
(4)ديبادجة النظام الداخلي لهيئة المحامين بأكادير المصادق عليه بتاريخ 06 ماي 1999. (منشورات المرافعة، العدد الثاني، طبعة 1999، قوانين وأنظمة داخلية، الصفحة 44).
(5)المادة 59 من ظهير 10-09-1993 المنظم لمهنة المحاماة.
(6)ديباجة النظام الداخلي لهيئة المحامين بأكادير المصادق عليه بتاريخ 06 ماي 1999. (منشورات المرافعة، العدد الثاني، طبعة 1999، قوانين وأنظمة داخلية، الصفحة 44).
(7)سؤل مدير شركة "نستلي" عن جنسيته وأجاب جنسيتي "نستلي".
(8)منشورات المرافعة التي تصدر عن هيئة المحامين بأكادير، العدد 1 المتضمن لأشغال ندوة "العولمة وآثارها المحتملة على مهنة المحاماة في دول الجنوب" التي نظمتها هيئة المحامين بأكادير يومي 9 و10 أبريل 1999.
(9)المرجع السابق.
(10)إشارة إلى القرار الأخير لمحكمة الاستئناف بالدار البيضاء الذي يجيز للأجنبي فتح فرع لمكتبه بالمغرب، مقارنة مع المادة 25 من القانون المنظم للمهنة الذي لا يجيز للمحامي أو للمحامين الشركاء المغاربة أن يكون لهم أكثر من مكتب واحد.
(11)Les règles de la profession d'avocat, Jacques Hamelin et André Damien, 9ème édition, Dalloz, p/ 537.
(12)منشورات المرافعة التي تصدر عن هيئة المحامين بأكادير، العدد 1 المتضمن لأشغال ندوة "العولمة وآثارها المحتملة على مهنة المحاماة في دول الجنوب" التي نظمتها هيئة المحامين بأكادير يومي 9 و10 أبريل 1999.
(13)Devoirs et prérogatives de l'avocat, Cléo leclerceq, p. 25.
(14)نفس المرجع السابق.
(15)استقلال المحاماة للنقيب أحمد عيدو، مجلة "المحامون" العدد 19، صفحة 803.
(16)مجموعة التشريعات المتعلقة بالمحامين، 1998، نقابة المحامين، عمان.


مجلة المرافعة

رفض التبليغ

(الفصل 39 من ق م م)

الأستاذ الحسن بويقين
الرئيس الأول لمحكمة الاستئناف بسطات

رغم أن أغلب أوراق التبليغ معيبة شكلا بل وموضوعا في معظم الأحيان، إلا أن الأطراف وخاصة من لهم المصلحة في التمسك ببطلان تلك الأوراق كثيرا ما لا يفطنون إلى ما فيها من عيوب، ولو تنبهوا إليها لكثرت الطعون أو على الأقل الدفوع بإبطال التبليغات، ولتعرضت حقوق المستفيدين من التبليغ للضياع، وتعرض القائمون بالتبليغ لعواقب المسؤولية المدنية ولربما المسؤولية الجنائية في بعض الحالات. ومن الإشكاليات التي تطرحها عملية التبليغ ما يواجه به أحيانا عون التبليغ من رفض التوصل سواء من طرف المراد إعلانه شخصيا أو من طرف من له الصفة نيابة عنه بحكم القانون، ورفض التبليغ بصفة عامة قد يكون في شكل امتناع عن التوصل بالإجراء بعد الإفصاح عن الهوية، وقد يكون في شكل الامتناع عن الإفصاح عن الهوية مع تعذر التثبت منها من طرف عون التبليغ، وقد اعتبرت بعض التشريعات رفض التوقيع باستلام الإجراء بمثابة رفض التبليغ عكس التشريع المغربي الذي يقرر بأن رفض التوقيع أو العجز عنه يعتبر تبليغا نظاميا وعلى العون أو السلطة المكلفة بالتبليغ الإشارة إلى ذلك والتوقيع على شهادة التسليم وإرجاعها إلى كتابة الضبط.

ومن أهم المشكلات العملية التي يطرحها رفض التوصل بالتبليغ، واختلف حولها العمل القضائي امتناع من وجده عون التبليغ بموطن المراد إعلانه عن الإدلاء باسمه أو صفته أو بهما معا، هل يمكن اعتبار هذا الموقف بمثابة رفض التوصل الذي يترتب عنه التبليغ الصحيح وفق مقتضيات الفصل 39 من ق م م أم أن مقتضيات هذا الفصل لا تسمح بالقول بهذا الاستنتاج ذلك ما سنحاول مناقشته في هذا الموضوع.

الامتناع عن الإفصاح عن الهوية أثناء التبليغ:
قد يكون رفض توصل الشخص الموجود بالموطن المراد إنجاز الإعلان فيه في شكل الامتناع عن الإفصاح عن الهوية مما يحول دون معرفة ما إذا كانت للمخاطب معه صفة في استلام التبليغ أم لا، وهذا الامتناع قد يشمل فقط عدم ذكر الاسم مع الإفصاح عن الصفة وهي الحالة الغالبة في الحياة العملية، والتي ترتب عنها نوع من التضارب في العمل القضائي بالمغرب كما سنرى، وقد يشمل الامتناع الاسم والصفة معا، وإذا كانت التشريعات لم تنظم إشكالية رفض الإفصاح عن الهوية عند التبليغ فإن ذلك راجع إلى أن من الخطوات الأساسية التي يجب على عون التبليغ القيام بها بعد التأكد من موطن المراد إعلانه البدء بسؤال من وجد به عن اسمه وصفته إذ بالاسم يمكن التثبت من الصفة وبالصفة يمكن التثبت من صلاحية أو عدم صلاحية الشخص المخاطب في استلام الإجراء، ويترتب عن ذلك أنه بدون الإفصاح عن الاسم والصفة لا يجوز تسليم التبليغ لمن وجد بموطن المراد إعلانه إذ يعد ذلك بمثابة عدم وجود أحد يصح له قانونا تسلم الإعلان بالموطن، ولا ينبغي للمكلف بالتبليغ الإصرار على معرفة اسم وصفة الموجود بموطن المراد إعلانه لما في ذلك من تدخل في شؤون الأفراد الخاصة فضلا عن أن النصوص القانونية المنظمة لعملية التبليغ لا تسمح له بذلك، ولا يجب الخلط بين ما ذكر، ومبدأ مسؤولية صاحب الموطن عمن يوجد به إذ هذا المبدأ يعني أنه عندما ينتقل عون التبليغ إلى موطن المراد إعلانه ويجد به شخصا ادعى أن له الصفة في استلام الإعلان نيابة عن المعلن إليه، وصرح بتلك الصفة وباسمه وسلمه العون الورقة القضائية فإن هذا التبليغ يكون صحيحا دون أن يترتب عن ذلك بطلان التبليغ ولا مسؤولية القائم به إذا ما ثبت عدم صحة الإعلان المتمثل في انعدام صفة من تسلم الإجراء، بخلاف ما إذا امتنع عن التصريح باسمه وصفته فلا يمكن القول باعتبار ذلك بمثابة رفض التبليغ إذ أن هذا الرفض لكي يعتبر تبليغا صحيحا يجب أن يصدر عن الطرف، أو من له الصفة في استلام الإعلان وهذا لا يتأتى إلا بالإدلاء بالاسم والصفة من طرف الشخص المخاطب معه بالموطن المراد إنجاز الإعلان فيه.

وفي موضوع الامتناع عن الإفصاح عن الهوية قضت محكمة النقض المصرية بأنه إذا كان امتناع من يوجد من الأشخاص في موطن المطلوب إعلانه من ذكر اسمه أو صفته التي تميزه. له استلام الصورة هو بمثابة عدم وجود من يصح قانونا تسليم الورقة إليه فإنه إذا امتنع المخاطب معه عن ذكر اسمه فلا يبطل الإعلان إغفال المحضر إثبات صفة الشخص، إذ لا جدوى من إثبات الصفة ما دام أنه لا يمكن التثبت منها متى كان الاسم غير معلوم ولا يكون للمحضر في هذه الحالة إلا أن يسلم الورقة لجهة الإدارة، وإذ خالف الحكم المطعون فيه هذا النظر وقضى ببطلان إعلان المطعون عليه بالصورة التنفيذية للحكم المنفذ به استنادا إلى خلو الإعلان من ذكر صفة المخاطب معها رغم أنها امتنعت من ذكر اسمها فإنه يكون قد أخطأ في تطبيق القانون(1).

وذهبت محكمة الاستئناف العليا البحرينية إلى أن الإدلاء بالاسم وحده دون ذكر الصفة يجعل التبليغ مخالفا للقانون إذ قضت، بأن التبليغ الذي تم لمن تدعى فائزة محمد عبد الله، وخلت الأخضارية من بيان صفتها وما إذا كانت من أقارب المعلن إليه الذين يقيمون معه في معيشة واحدة يكون تبليغا مخالفا للقانون، وبالتالي باطلا...(2).

ولكن ما موقف المشرع المغربي من المبادئ السابقة؟ وبعبارة أخرى في حالة رفض الإفصاح عن الاسم والصفة أو أحدهما أثناء محاولة إنجاز التبليغ هل يعد بذلك بمثابة رفض التوصل المعتبر بمثابة تبليغ صحيح بعد مرور أجل 10 أيام على تاريخ الرفض أم أن الامتناع عن الإدلاء بالاسم والصفة يعد بمثابة عدم وجود من يصح التبليغ إليه؟

بالرجوع إلى مقتضيات الفصل 39 من ق م م (فقرة 4) والتمعن فيها يتبين أنها تشترط الرفض الذي يعتبر توصلا صحيحا أن يصدر عن الطرف أو الشخص الذي له الصفة في استلام الاستدعاء ومعلوم أن نعت الشخص بالطرف يستوجب أن يكون معلوم الهوية ولا يتأتى ذلك إلا بمعرفة اسمه ولقبه وما يثبت أنه الشخص المستهدف من التبليغ، وامتناعه عن الإفصاح عن هويته مع تعذر التثبت منها من طرف المكلف بالتبليغ يفتقد معه رفض التوصل أحد شروطه الأساسية، ولا يمكن اعتباره بالتالي توصلا صحيحا.

كما تشترط نفس المقتضيات أن يكون من صدر عنه رفض التوصل ذا صفة في استلام الاستدعاء، والصفة لا تثبت إلا بالتصريح بها في حالة تعذر التثبت منها من طرف عون التبليغ، وعلى فرض التصريح بها فلابد من الإدلاء بالاسم إذ به يمكن التثبت من الصفة عند المنازعة فيها، ولذا نميل إلى القول بأن مقتضيات الفصل 39 من ق م م تستوجب لاعتبار رفض التوصل تبليغا صحيحا الإدلاء بالهوية بالنسبة للطرف المراد إعلانه والتصريح بالاسم والصفة بالنسبة للشخص الذي يصح التبليغ إليه بالموطن نيابة عن المراد إعلانه، هذا ما لم تكن هناك قرائن يمكن التثبت بواسطتها من الصفة المصرح بها من طرف المخاطب معه بالموطن كصدور الرفض من الأب أو الأم أو الزوج أو الابن أو البنت أو الزوجة بحيث لا يمكن أن يكون للمرء إلا أب واحد وأم واحدة وللمرأة زوج واحد، كما لا يكون للشخص سوى زوجة واحدة في حالة عدم إثبات التعدد، كما قد لا يكون للمعلن إليه سوى ابن واحد أو بنت واحدة ففي كل هذه الحالات إذا صرح الموجود بالموطن بصفته ورفض التوصل والإفصاح عن اسمه اعتبر ذلك بمثابة توصل صحيح متى تأكدت المحكمة من تلك الصفة ولو لم يصرح باسمه إذا التثبت من الصفة في كل تلك الحالات غير متوقف على الإدلاء بالاسم.
لكن ما موقف القضاء المغربي من إشكالية رفض الإفصاح عن الاسم والصفة؟

موقف العمل القضائي من إشكالية الامتناع عن ذكر الاسم والصفة:
ينقسم العمل القضائي بشأن مشكلة امتناع من وجد بموطن المراد تبليغه عن ذكر اسمه أو صفته إلى اتجاهين:

1 ـ الاتجاه الأول:
يشترط هذا الاتجاه لاعتبار الرفض بمثابة تبليغ صحيح أن يصدر عن شخص معلوم الهوية بتصريحه باسمه وصفته للتثبت من صلاحيته لاستلام الإجراء موضوع التبليغ فإذا رفض الإفصاح عن هويته، اعتبر ذلك بمثابة عدم وجود من يصح تسليم التبليغ إليه، ومن أمثلة القرارات الصادرة في هذا الاتجاه قرار المجلس الأعلى عدد 617 الذي جاء فيه:" حقا تبين من مراجعة وثائق الملف والقرار المطلوب نقضه صحة ما عابه الطاعن عليه ذلك أن الطاعن أثار أن التبليغ غير قانوني لأن من امتنع عن تسليم طي التبليغ لم تكتب هويته حتى يمكن التأكد من كونه ضمن الأشخاص المنصوص عليهم في الفصل 39 من ق م م، الذين يعتبر توصلهم محل المعني بالأمر توصلا قانونيا بعد عشرة أيام من تاريخ الرفض غير أن المحكمة ردت على دفعه بما لخص في الوسيلة أعلاه.

أن المحكمة المصدرة للقرار باعتبارها طي التبليغ الذي يحمل امتنعت بنته من التوصل بمثابة التوصل بعد عشرة أيام مطبقة مقتضيات الفصل 39/3 من ق م م مع أن طي التبليغ لم يحمل هوية البنت الممتنعة حتى نتأكد من علاقتها بالمعني بالتبليغ، وبالتالي صفتها، واعتبار التوصل حاصلا بعد العشرة أيام الموالية لتاريخ الامتناع قد جعلت قضاءها غير معلل ومطبقا مقتضيات الفقرة الثالثة من الفصل 39 من ق م م تطبيقا غير سليم لأنها تتعلق بمن عرفت هويته وبالتالي عرضته للنقض(3).

وفي نفس السياق جاء في قراره عدد 572 ما يلي: يجب أن تتضمن شهادة التسليم بيان اسم من سلم له الاستدعاء، فلا يكفي الإشارة إلى أن عائلة المعني بالتبليغ رفضت تسلم الاستدعاء، لهذا تكون المحكمة قد خرقت الفصل 39 من ق م م لما اعتبرت شهادة تبليغ الحكم الابتدائي التي ورد فيها أن عائلة المعني بالأمر رفضت تسلم الطي، ورتبت على ذلك التصريح بعدم قبول الاستئناف لوقوعه خارج الأجل(4).

وجاء في قرار آخر بأن رفض الشخص الذي يقدم له الطي إعطاء اسمه لعون التبليغ ليس من بين الحالات الواردة في الفصل 39 من ق م م التي يعتبر فيها الرفض تبليغا صحيحا لأن مقتضيات هذا الفصل تقتضي ضرورة تعيين الشخص الذي تسلم الطي بتسجيل هويته الكاملة بشهادة التسليم(5).

وجاء في قرار آخر للمجلس الأعلى " أنه يتضح من وثائق الملف الابتدائي أن الطالبة استدعيت بجلسة 2/3/1987، وأرجعت شهادة التسليم بملاحظة اسم مجهول بشركة صوفاك وحسب قول ممثل الشركة، والذي صرح بأنه ينقص الاسم واللقب، وبالنسبة للاستدعاء المتعلق بجلسة 6/4/1987 أرجعت شهادة التسليم بملاحظة لا يوجد هذا الاسم بشركة صوفاك حسب قول كاتبة الشركة التي امتنعت عن ذكر اسمها، وأن الطالبة رغم إثارتها لهذا الدفع أمام محكمة الاستئناف لم تجب عليه، وأن عدم جوابها يجعل قرارها قد خرق الفصل 39 من ق م م، وعرضته للنقض"(6).

ويبدو أن الغرفة الجنائية بالمجلس الأعلى كانت تسير على نفس النهج حيث جاء في أحد قراراتها أن التبليغ الذي يقع للغير بموطن إليه إذا كانت شهادة التسليم لا تتضمن ما يوضح هوية هذا المتسلم يكون التبليغ غير صحيح(7).

2 ـ الاتجاه الثاني:
يكتفي هذا الاتجاه بتصريح من يخاطبه عون التبليغ بموطن المراد إعلانه بصفته كخادم أو قريب أو من الساكنين مع المعني بالتبليغ، وإن لم يفصح عن اسمه حيث يعتبر ذلك بمثابة رفض التوصل الذي يعد تبليغا صحيحا في اليوم العاشر الموالي لتاريخ الرفض، ومما جاء في أحد قرارات المجلس الأعلى في هذا الصدد "حيث لئن كان الفصل 39 من ق م م يقضي بصيغة الوجوب على ضرورة تضمين شهادة التسليم توقيع الطرف المبلغ إليه أو توقيع الشخص الذي تسلمها في موطنه، فإن الفقرة الرابعة من نفس الفصل تنص على أنه إذا رفض الطرف أو الشخص الذي له الصفة تسلم الاستدعاء أشير إلى ذلك في الشهادة، وتضيف الفقرة الخامسة... ويعتبر الاستدعاء مسلما تسليما صحيحا في اليوم العاشر الموالي للرفض من الطرف أو الشخص الذي له الصفة في تسلم الاستدعاء، وبالرجوع إلى شهادة التسليم يتضح منها أن عون التبليغ أشار فيها إلى أن أخت المعني بالأمر رفضت التسليم والتوقيع كما رفضت الإدلاء باسمها، وأن القرار المطعون فيه لما اعتبر هذا الرفض بمثابة التبليغ الصحيح طبق مقتضيات الفصل 39 من ق م م تطبيقا سليما ولم يخرق أي مقتضى(8).

وجاء في قرار آخر "بأن المحكمة استندت فيما عللت به قرارها على ما دونه مأمور التبليغ من أن خادم المطلوب في النقض امتنع عن تسليم الظرف وذكر اسمه، واعتبرت ذلك تبليغا قانونيا طبقا للفصل 39 من ق م م مشيرا إلى أن التبليغ قامت به جهة رسمية، ولا يمكن الطعن فيه إلا بالزور مما يجعل قرارها معللا بما فيه الكفاية، ومرتكزا على أساس"(9).

ويبدو أن الغرفة الاجتماعية بالمجلس الأعلى بدورها تسير على هذا النهج حيث ورد في أحد قراراتها ما يلي:" حيث إنه ثبت من وثائق الملف (شهادة التسليم المتعلقة بجلسة 20/12/1995) أن المحكمة الابتدائية وجهت الاستدعاء للطاعنة، وضمن العون في شهادة التسليم أن الحارس امتنع عن تسليم الاستدعاء وعن التوقيع، وبالتالي فإن الحكم الابتدائي المؤيد بالقرار المطعون فيه لم يخرق حق الدفاع"(10).

ويلاحظ أن هذا الاتجاه هو السائد لدى القسم المدني الرابع الذي أصبح بعد إحداث المحاكم التجارية يكون القسم الأول للغرفة التجارية بالمجلس الأعلى، وكذا القسم المدني الخامس الذي أصبح بدوره يشكل حاليا القسم الثاني للغرفة التجارية، كما تسير على نفس النهج الغرفة الاجتماعية، ولذا فلا غرابة إذا وجدنا بعض محاكم الموضوع تعتنق نفس الاتجاه فقد ورد في أحد قرارات محكمة الاستئناف بسطات ما يلي:
"وحيث أن تضمين شهادة التسليم لرفض والدة المعني بالأمر التوصل والتوقيع ليس من شأنه أن يؤثر على صحة التبليغ حسب ما استقر عليه المجلس في العديد من قراراته منها القرار عدد 3933/90 بتاريخ 17/12/1990 الذي جاء فيه لما أثار المبلغ في محضر التبليغ أن التبليغ وقع بتاريخ 20/11/1987، وأن والدة المعني بالأمر رفضت حيازة الطي، والإدلاء باسمها، ولم يطعن المطالب في هذا المحضر الرسمي بأي طعن قانوني مما يكون معه التبليغ موافقا للفصول 37 و38 و39 من ق م م وفي قرار آخر بتاريخ 16/11/1993 تحت عدد 268 جاء فيه أن الإشارة إلى صفة الأم تغني عن بيان اسمها مما يكون معه التبليغ صحيحا"(9).

تقييم الاتجاهين:
إذا كان الاتجاه الأول يتفق وما عليه العمل القضائي المقارن، ويسير في نفس الوقت مع التفسير الصحيح لظاهر مقتضيات الفصل 39 من ق م م التي تفيد كما بينا سابقا أن رفض التوصل بالتبليغ لا يعتبر تبليغا صحيحا إلا إذا صدر من الطرف أو الشخص الذي له الصفة في استلام الإجراء، وبديهي أن الطرف وكذا من له الصفة في الاستلام لا يمكن التأكد من صلاحيتها في استلام التبليغ إلا بالإدلاء بهويتهما بواسطة ذكر الاسم الكامل، فإن الاتجاه الثاني يعتبر كرد فعل على تعنت بعض المتعاملين مع الإجراءات القضائية بسوء نية، وكمحاولة للحيلولة دون عرقلة أولئك لتوصل ذوي الحقوق إلى حقوقهم خاصة وأن يتعذر في كثير من الأحيان على المكلف بالتبليغ التثبت بوسائله الخاصة من هوية من يجده بموطن المراد إعلانه فضلا عن أنه لا يجوز له المبالغة في ذلك حتى لا يتدخل في الشؤون الخاصة للأفراد فيكون معرضا للمساءلة إلا أن الاتجاه الثاني يخالف مقتضيات الفصل 39 المذكور ويتعارض مع المنطق ذلك أنه بدون الإدلاء بالاسم لا يمكن التثبت من الصفة إلا في حالات خاصة كما سبقت الإشارة إلى ذلك مثل تصريح الممتنع من التبليغ إليه بصفته كأب أو أم أو زوج إذ لا يتصور أن يكون للمرء سوى أب واحد وأم واحدة كما لا يتصور شرعا أن يكون للزوجة سوى زوج واحد، في حين يتصور أن يكون للمراد إعلامه أكثر من خادم أو قريب أو زوجة، ولابد من ذكر اسم من رفض من هؤلاء التوصل بالإجراء حتى يكون التبليغ إليهما صحيحا لذا نميل إلى تأييد الاتجاه الأول الذي يستوجب الإفصاح عن الاسم والصفة معا.

الهوامش:

(1)نقض بتاريخ 31/05/1979 طعن رقم 934 س 46 ف أنور طلبة الموسوعة ص: 186 وكذا أحمد مليجي التعليق على المرافعات ص: 261 ونقض بتاريخ 2/12/1987 طعن رقم 571 بسنة 52 ف أحمد هندي الإعلان القضائي طبعة 1999 ص: 179.
(2)قضية رقم 1636/م/84 بتاريخ 5/3/85 المجلة العربية للفقه والقضاء، الأمانة العامة لمجلس وزراء العدل العرب عدد 3 أبريل 1986.
(3)بتاريخ 6/3/91 ملف مدني عدد 4496/88 غير منشور.
(4)بتاريخ 23/3/1983 قضاء المجلس الأعلى عدد 35-36 ص 11.
(5)قرار مدني عدد 442 بتاريخ 25/2/1987 ملف مدني عدد 129/96 مجلة المحاكم المغربية عدد 49 ص 48.
(6)قرار عدد 2466 بتاريخ 29/2/1993 ملف مدني عدد 237/89 غير منشور وفي هذا السياق صدر قرار آخر بتاريخ 18/7/1963 قضى بإلغاء قرار محكمة الاستئناف بالرباط لعد ثبوت هوية مستلم التبليغ، عمل كتابة الضبط ندوات 81/1982 ص 269.
وكذا قراره عدد 16 بتاريخ 28/2/1977 ملف اجتماعي عدد 57794 نفس المرجع ص: 358.
وقرار عدد 188 بتاريخ 15/3/1978 ملف اجتماعي عدد 5580 نفس المرجع ص: 359.
(7)قرار عدد 104 بتاريخ 5/1/1994 ملف مدني عدد 897 القسم المدني الرابع غير منشور.
(8)قرار عدد 2621 2621 بتاريخ 20/06/1994 القسم المدني الرابع غير منشور.
ومن نفس المعنى قرار آخر عدد 283 بتاريخ 30/01/1991 عبد العزيز توفيق، التنظيم القضائي الجزء الأول ص 151 وقرار بتاريخ 9/12/1998 ملف مدني عدد 382 القسم المدني الخامس غير منشور وقرار عدد 3933 بتاريخ 17/12/1990 ملف مدني عدد 3051/89 عبد الله العبدوني مسطرة بطلان إجراءات التبليغ مداخلة ألقيت في اليوم الدراسي حول الإصلاح القضائي لسنة 1974 بعد مرور ربع قرن أقامته محكمة الاستئناف بالرباط بالمعهد الوطني للدراسات القضائية.
(9)قرار عدد 802 بتاريخ 28/7/1998 ملف اجتماعي عدد 658 /97 غير منشور.
(10)قرار بتاريخ 26/04/2000 ملف عقاري عدد 2551/99/3 غير منشور.


مجلة المرافعة

العمليات والالتزامات القانونية المنصبة على الأصل التجاري بيع ورهن الأصل التجاري:

ذ.عبد العاطي بوجمعة
محام لدى هيئة المحامين بأكادير

تمهيد:
تعريف الأصل التجاري:
أحجمت كثير من التشريعات عن تعريف الأصل التجاري ومرد ذلك أن وضع التعريفات هو عمل من أعمال الفقه والقضاء.

فالفقه عمد إلى تحديد مفهوم الأصل التجاري بالارتكاز على عناصره المعنوية والمادية المميزة لطبيعته.
وفي هذا الإطار فقد عرف كل من الفقيهين "ريبير" و"رولبو" الأصل التجاري "بأنه ملكية غير عادية تتجسد في حق التاجر في الزبائن المرتبطين بالمحل عن طريق العناصر اللازمة لاستثماره".

ويذهب كل من نهاد والأنطاكي وهما فقيهان سوريان على أن التعريف السابق ناقص لاعتماده على أحد العناصر الجوهرية المميزة المنظمة له ذلك ومنذ اللحظة التي يفتح فيها التاجر محلا لنفسه ويتخذ له عنوانا وشعارا ويعرض البضائع ويتلقى الزبائن يكون قد أسس لنفسه متجرا.

والمشرع المغربي وبخلاف ما كان عليه الأمر في ظهير 31/12/1914 فإن مدونة التجارة وفي مادتها 79 عرفت الأصل التجاري "على أنه مال منقول معنوي يشمل جميع الأموال المنقولة المخصصة لممارسة نشاط تجاري أو عدة أنشطة تجارية".

ومهما اختلفت التعريفات فإن الأصل التجاري وإن كان يتكون من عناصر مادية ومعنوية فإنه يشكل وحدة قائمة بذاتها تخضع لكل التصرفات القانونية أي أن الأصل التجاري يمكن أن يكون موضوع بيع أو رهن.
بعد هذه المقدمة التي كان لابد منها وإن كان الأصل التجاري بعناصره موضوع بعض العروض فإن الموضوع الذي سيتناوله هذا الغرض هو: بيع ورهن الأصل التجاري الشروط والآثار.


الفصل الأول:
بيع الأصل التجـاري
إذ كان ظهير 31/12/1914 أول قانون في الأقطار العربية بين الضمانات الممنوحة لبائع الأصل التجاري على الأصل المبيع ووضع شروط وكيفية ممارسة هذه الضمانات فإن القانون رقم 15.95 المنشور بالجريدة الرسمية عدد 4418 بتاريخ 03/10/1996 قد سار على نفس المنوال وأكد هذه الامتيازات وذلك بابتداعه لأحكام جديدة غير تلك الواردة في قانون الالتزامات والعقود والقانون التجاري ونخص بالذكر حق الامتياز الوارد على الأصل التجاري المبيع لفائدة بائعه على سائر الدائنين ولو كانوا مرتهنين وحق الفسخ الممنوح له كذلك وحق الأولوية على جميع الدائنين.

المبحث الأول:
انعقاد البيع: شروطه.
ينص الفصل 81 من مدونة التجارة على ما يلي: "يتم بيع الأصل التجاري أو تفويته وكذا تقديمه حصة في شركة أو تخصيصه بالقسمة أو بالمزاد بعقد رسمي أو عرفي ويودع ثمن البيع لدى جهة مؤهلة قانونا للاحتفاظ بالودائع وينص العقد على:
1 ـ اسم البائع وتاريخ عقد التفويت ونوعيته وثمنه مع تمييز ثمن العناصر المعنوية والبضائع والمعدات.
2 ـ حالة تقييد الامتيازات والرهون المقامة على الأقل.
3 ـ وعند الاقتضاء الكراء وتاريخه ومدته ومبلغ الكراء الحالي واسم وعنوان المكري.
4 ـ مصدر ملكية الأصل التجاري.
وبيع الأصل التجاري تنطبق عليه القواعد العامة لعقد البيع الواردة في قانون الالتزامات والعقود فلابد من توافر أركان عقد البيع من أهلية وحل ورضا وسبب


المطلب الأول: الأهلية.
إن بيع الأصل التجاري كغيره من التصرفات القانونية لابد ليكون صحيحا وتاما وأن يصدر عن شخص يتمتع بكامل أهليته.
وهنا تثور مشكلة القاصر المرشد أو القاصر المأذون له في التجارة.

فقانون الأحوال الشخصية بالمغرب في المادة يسمح لمن بلغ 18 سنة كاملة وظهرت عليه معالم النجابة والرشد أن يأذن له وليه أو الوصي عليه أو المقدم عليه بعد إذن القاضي في ممارسة التجارة والأعمال الناتجة عنها. كما أن الفصل 13 من مدونة التجارة نص على أنه يجب تقييد الإذن بالاتجار الممنوح للقاصر في السجل التجاري.
وهنا لابد من الإشارة ونحن بصدد الحديث عن الأهلية إلى أن مدونة التجارة وبخلاف ما كان عليه الأمر سابقا تناولت بعض أوجه الأهلية بالتفصيل والتوضيح.

*فهي منحت المرأة المتزوجة الحرية الكاملة لممارسة التجارة دون حاجة لموافقة زوجها بل ذهبت إلى حد اعتبار كل اتفاق مخالف يعتبر لاغيا (المادة 17).

وهذا ما يتماشى مع الشريعة الإسلامية إذ لا ولاية ولا وصاية في الإسلام للزوج على مال زوجته.
*أرجعت تحديد أهلية التاجر الأجنبي إلى قانون البلد الذي تم فيه إبرام العقد (المادة 15).
*اعتبرت أن الأجنبي غير البالغ لسن الرشد المنصوص عليه في القانون المغربي لا يجوز له ممارسة التجارة إلا بالإذن من رئيس المحكمة التي ينوي ممارسة التجارة في دائرتها ولو كان راشدا حسب قانون جنسيته.
وهذا الإذن كسابقه المتعلق بالقاصر يسجل بالسجل التجاري (المادة 16).

المطلب الثاني: المحل
محل العقد في بيع الأصل التجاري هو الثمن من جهة والأصل التجاري من جهة ثانية ويتفق الطرفان على تحديد الأشياء المبيعة في الأصل التجاري على قدر كاف من العناصر التي يتكون فيها.
وكما سبقت الإشارة إلى ذلك فالمادة 81 من المدونة حددت البيانات الواجب الإشارة إليها وتسجيلها في عقد البيع.

أما الثمن فهو المبلغ الذي يدفعه المشتري ثمنا للأصل التجاري ويتعين أن يحدد في عقد البيع ثمن كل من العناصر المادية والمعنوية التي يتكون منها الأصل التجاري بل أن المادة 81 المذكورة نصت على تمييز ثمن العناصر المعنوية والبضائع والمعدات.

المطلب الثالث: الرضا
الرضا هو اتفاق إرادتين حرتين على إحداث أثر قانوني تلتزمان به ولا يكفي وجود الرضا ليعتبر العقد مبرما ما بل لابد من أن يكون رضا الطرفين خاليا من أي عيب من عيوب الرضا المعروفة وهي: الغلط والإكراه والتدليس والغبن.

ولعل أهم العيوب التي توجد في الحياة العملية في عقد بيع الأصل التجاري والتي يمكن أن تلحق بإرادة أحد المتعاقدين فتجعل عقد البيع قابلا للإبطال هي الغلط والتدليس.
أما الإكراه والغبن فلا يكادان يوجدان، وحتى إذا وجد أي منهما فيصعب إثباته.
ويمكن تحديد حالات الغلط التي قد يقع فيها المشتري في:

ـ الغلط في حجم المعاملات.
ـ الغلط في نوع التجارة.
ـ الغلط في عقد الكراء وشروطه.
أما الغلط الذي يقع فيه البائع فلا يمكن تصوره إلا في حالة واحدة ألا وهي الغلط في شخص المشتري.
أما العيب الثاني المتعلق بالتدليس فلكي يحق لمن وقع فيه المطالبة بإبطال العقد عليه أن يثبت أن الحيل المستعملة من الجسامة بحيث لولاها لما تعاقد من جهة، وأن تكون هذه الحيل قد استعملت من الطرف المتعاقد أو شخص متواطئ معه من جهة ثانية.

المطلب الرابع: السبب.
إن سبب عقد بيع الأصل التجاري لا يخرج عن سبب العقد بصفة عامة وبالتالي يشترط في سببه ما يشترط في سبب بقية العقود.

وإذا كانت الشروط المذكورة سابقا تتعلق بعقد بيع الأصل التجاري والمتعاقدين فيه فإن مدونة التجارة قد تعرضت لعدة شروط أخرى ابتداء من المادة 81 إلى المادة 103.

ويمكن إجمال هذه الشروط فيما يلي:
وجوب إيداع نسخة من العقد الرسمي أو نظير من العقد العرفي لدى كتابة ضبط المحكمة التي يستغل في دائرتها الأصل التجاري وكل ذلك داخل أجل خمسة عشر يوما من تاريخ العقد.

يقوم كاتب الضبط بنشر المستخرج المقيد بالسجل التجاري في الجريدة الرسمية أو إحدى الجرائد المخول لها نشر الإعلانات.

ويجدد هذا النشر بسعي من المشتري بين اليوم الثامن والخامس عشر بعد النشر الأول.
وتجدر الإشارة إلى أن المدونة في مادتها 82 اعتبرت أن البيانات المذكورة في العقد إذا كانت غير صحيحة جاز للمشتري أن يطلب التصريح بإبطال العقد أو تخفيض الثمن.
وفي كلتا الحالتين أوجب على مقيم الدعوى أن يقيمها داخل أجل سنة من تاريخ إبرام العقد.

المبحث الثاني:
آثار البيع
بمجرد اتفاق الطرفين على العناصر الأساسية والبيانات الضرورية لصحة العقد ينعقد البيع ويحدث أثره الكامل بين طرفي العقد فتنتقل ملكية الأصل التجاري إلى المشتري ويلتزم هذا الأخير بدفع الثمن ويلتزم البائع بتسليم المبيع وضماناته.

المطلب الأول: نقل ملكية الأصل التجاري.
بمجرد انعقاد البيع يصبح من حق المشتري التصرف في الأصل التجاري الذي اشتراه بكل أنواع التصرفات المخولة له قانونا من بيع ورهن وكراء إلى غير ذلك.
إلا أنه ونظرا لطبيعة العناصر التي يتكون منها الأصل التجاري فإن إجراءات خاصة تتطلبها نقل ملكية كل عنصر من عناصره.

فالأثاث والبضائع مثلا تنقل ملكيتها بمجرد حيازتها والاسم التجاري والزبناء والعلاقة التجارية تنقل بمجرد إبرام العقد.

أما حق الكراء فلا ينقل إلى المشتري إلا بعد إشعار مالك العقار المؤسس عليه الأصل التجاري.
أما بقية العناصر الأخرى التي تحتاج إلى إذن خاص من السلطة الإدارية التي منحتها كرخصة النقل ورخصة المقاهي والملاهي والمطاعم ورخص التنقيب على المعادن فإن ملكيتها لا تنقل إلا بموافقة الجهة المختصة وعند موافقة هذه الجهة تعتبر ملكية هذه العناصر انتقلت إلى المشتري من تاريخ العقد.

المطلب الثاني: التزامات المشتري
إن عقد بيع الأصل التجاري يجعل على عاتق المشتري التزامات تجاه البائع ويمكن إجمال هذه الالتزامات فيما يلي:
ـ تسليم المبيع؛
ـ دفع الثمن؛
ـ دفع المصاريف.
فبمجرد إبرام البيع يصبح المشتري مالكا للأصل التجاري المبيع وبالتالي يتعين عليه أن يبادر إلى تسلمه وذلك بحيازة الأشياء المادية كالبضاعة والأثاث والأدوات، والعمل على شهر عقد البيع وتسجيله بالسجل التجاري التابع للمحكمة الابتدائية التي يقع الأصل التجاري في دائرتها القضائية.

أما الالتزام الثاني الذي هو دفع الثمن فإنه يتعين على المشتري دفع الثمن حسب ما هو وارد في العقد، وإذا لم يحدد في العقد أجل للدفع اعتبر أن الثمن يدفع معجلا (الفصل 577 من ق.ل.ع) أما إذا كانت كيفية أداء الثمن محددة في العقد كأن تكون لأجل أو على أقساط اعتبر العقد ناجزا والثمن أو ما بقي منه في ذمة المشتري.

والثمن في بيع الأصل التجاري وكما سبقت الإشارة إلى ذلك يحدد لكل من العناصر المادية والمعنوية على حدة.
أما الالتزام الثالث فإن مصروفات عقد البيع من كتابة وتسجيل ورسوم يتحملها المشتري وحده كما يتحمل مصروفات التمبر اللازمة لرسم الشراء وعليه أيضا مصروفات التغليف والشحن والإفراغ (الفصل 511 من ق.ل.ع).

المطلب الثالث: التزامات البائع.
إن عقد بيع الأصل التجاري من العقود التبادلية أي الملزمة للجانبين والتي تجعل التزامات متبادلة على عاتق كل واحد من المتعاقدين.
والالتزامات التي يضعها عقد بيع الأصل التجاري على عاتق البائع هي:
ـ الالتزام بتسليم الشيء المبيع،
ـ الالتزام بضمانه.

الالتزام بتسليم الشيء المبيع:
إن هذا الالتزام هو الالتزام المقابل لتسلم المشتري للشيء المبيع وبذلك فإنه بمجرد إبرام عقد البيع يتعين على البائع أن يسلم للمشتري الشيء المبيع.

وبما أن الأصل التجاري يتكون من عناصر مادية ومعنوية، فإن تسليم عناصره يختلف باختلاف نوعها فتسليم البضائع يتم بعرضها على المشترى ووضعها تحت تصرفه وإذا كانت مخازن فإن تسليمها يتم بتسليم مفاتيح المخزن للمشتري.

أما الالتزام الثاني الملقى على عاتق البائع والمتمثل في ضمان الشيء المبيع فإنه لا يخرج عن القاعدة المعروفة في كافة أنواع البيع ونخص بالذكر منها في هذا الخصوص ما جاء في الفصل 533 من ق.ل.ع. وهو الالتزام بالكف عن كل فعل أو مطالبة ترمي إلى التشويش على المشتري وحرمانه من المزايا التي كان له الحق في أن يعول عليها بحسب ما أعد له المبيع والحالة التي كان عليها وقت البيع.

بقي أن أشير في ما يتعلق بمدونة التجارة على أن هذه الأخيرة تناولت بيع الأصل التجاري ابتداء من المادة 81 إلى غاية المادة 103.

الفصل الثاني:
رهن الأصل التجـاري

إذا كان لمالك الأصل التجاري الحق في بيعه لسبب من الأسباب كأن يريد تغيير التجارة التي يمارسها أو الانتقال إلى جهة أخرى أو اعتزال التجارة نهائيا؛
فإنه قد يضطر إلى توسيع تجارته أو تنشيطها فلا يجد أمامه إلا الاقتراض وليست له أية ضمانة تشجع المقرض على قرض التاجر إلا أصله التجاري،
مما يحتم عليه رهنه مقابل المبالغ التي تسلمها من المقرض سواء كان شخصا عاديا أو اعتباريا كبنك من الأبناك مثلا؛
وبما أن الأصل التجاري وكما سبقت الإشارة هو عبارة عن منقول وأن رهن المنقول يتطلب نقل حيازته إلى الدائن المرتهن؛
فإن نقل هذه الحيازة فيه عرقلة لتسيير الأصل التجاري من طرف مالكه الذي أصبح مدنيا.

لهذا تدخل المشرع سواء في ظهير 31/12/1914 وكذلك في القانون رقم 95-15 المتعلق بمدونة التجارة الجديدة وابتدع رهنا شبيها بالرهن الرسمي يسمح للمدين الراهن بحيازة المرهون واستغلاله مع حفظ حق الدائن المرتهن على المرهون وذلك بتقييد هذا الرهن في السجل التجاري على غرار التقييد الممنوح للدائن المرتهن على العقار المحفظ وهذا ما نصت عليه الفقرة الثانية من المادة 106 من المدونة التي أكدت على أن رهن الأصل التجاري لا يخول للدائن المرتهن الحق في الحصول على الأصل التجاري مقابل ماله من ديون.

المبحث الأول:
شروط الرهن
إن رهن الأصل التجاري شأنه شأن بيع الأصل التجاري بحيث أنه يخضع لنفس الإجراءات التي سبق التطرق إليها في باب بيع الأصل التجاري ماعدا الإشهار بالجرائد.
وهذا ما أكدت عليه المادة 108 من المدونة التي نصت على أنه بعد التسجيل يثبت الرهن بعقد يحرر ويقيد كعقد البيع ولا يخضع هذا التقييد للنشر في الجرائد.

ولعل أهم الشروط التي يتطلبها رهن الأصل التجاري هي: الكتابة والتسجيل في السجل التجاري.

المطلب الأول: الكتابة.
يجب أن يوثق الرهن في عقد رسمي أو عرفي يتضمن هوية طرفي العقد وتاريخه وبيان العناصر التي يشملها الرهن.

وفي هذا الإطار نصت المادة 107 من المدونة على أنه لا يجوز أن يشمل رهن الأصل التجاري سوى العناصر المحددة في المادة 80 باستثناء البضائع.

وبالرجوع إلى المادة 80 المذكورة فإنها تتضمن جميع الحقوق المتعلقة بالأصل التجاري أدبيا كانت أو فنيا.
فهي تنص على أن الأصل التجاري يشمل الزبناء وسمعة تجارية والاسم التجاري والشعار والحق في الكراء والأثاث التجاري والمعدات والأدوات وبراءات الاختراع والرخص وعلامات الصنع والتجارة والخدمة والرسوم والنماذج الصناعية.

إلا أن المدونة في إحدى فقرات المادة 107 المذكورة اعتبرت أنه إذا لم يبين العقد محتوى الرهن بصفة صريحة ودقيقة فإن الرهن لا يشمل إلا الاسم التجاري والشعار والحق في الكراء والزبناء والسمعة التجارية.

المطلب الثاني: التسجيل في السجل التجاري
عقد رهن الأصل التجاري كعقد بيعه فلابد من تسجيله بالسجل التجاري ويتكرر هذا التسجيل بكتابة ضبط كل محكمة يوجد بدائرتها فرع من فروع الأصل التجاري المشمول بالرهن.
ويجدر التذكير على أن المادة 109 من المدونة أكدت على إنشاء الامتياز المترتب عن الرهن تحت طائلة البطلان بمجرد قيده في السجل التجاري بطلب من الدائن المرتهن داخل أجل 15 يوما تبتدئ من تاريخ العقد المنشأ للرهن.

المبحث الثاني:
آثار الرهــن
إذا سجل الرهن وفق الطريقة والشروط المذكورة أعلاه فإنه يعطي حق الأفضلية للدائن المرتهن في استيفاء دينه قبل غيره من الدائنين العاديين والدائنين المرتهنين الذين يجلوا رهنهم في تاريخ لاحق.

أما المرتهنون الذين سجلوا رهنهم في نفس اليوم فيكونوا متساويين في الأفضلية وهذا ما نصت عليه المادة 110 من المدونة حيث أكدت على أن مرتبة الدائنين المرتهنين تحدد فيما بينهم حسب تاريخ تقييدهم في السجل التجاري ويكون للدائنين المرتهنين المقيدين في يوم واحد نفس الرتبة.

وقبل أن أختم هذا العرض وأنا بصدد الحديث عن امتياز الدائنين المرتهنين لابد من الإشارة إلى الامتياز الذي خصت به المدونة بائع الأصل التجاري حيث أن هذا الأخير يتمتع بالأفضلية حتى على الدائنين المرتهنين شريطة أن يقيد امتيازه في السجل التجاري داخل أجل خمسة عشر يوما تبتدئ من تاريخ (المادتين 91-92).

دور القضاء في مسطرة التحفيظ العقاري من خلال اجتهادات المجلس الأعلى

ذ. جيلالي بوحبص
قاضي بابتدائية الرباط

ونحن بصدد تناول دور القضاء في مسطرة التحفيظ لابد أن نستحضر الإطار التاريخي لدخول ظهير 13 غشت 1912 حيز التطبيق، هذا الإطار الذي تحدده المرجعيات التالية:
أولا: إن هدف المستعمر كان هو الاستحواذ على الأراضي فكان لابد من خلق إطار قانوني يبرر شرعة ذلك.

ثانيا: العمل على تقسيم مسطرة التحفيظ وجعلها مسطرة إدارية في مجملها ولا تصيح مسطرة قضائية إلا في حالة وجود تعرضات عجزت المرحلة الإدارية عن استيعابها.

ثالثا: تهميش دور القضاء وتقييده بمقتضيات تشريعية ورادة في الظهير حتى لا يلعب الدور المنوط به في حماية الحقوق.

رابعا: إن الوضعية التي كان يعيشها المغرب من انتشار الأمية ورفض كل ما هو أجنبي بما فيه الأنظمة القانونية المستوردة جعلت هذا الظهير يستفيد منه في غالب الأحيان الأجانب والعملاء.
كما أن التعرضات كانت تتميز بكونها قليلة بالنظر لانعدام الوعي بأهمية مسطرة التحفيظ ومن تم كان دور القضاء هامشيا.

على العموم يتضح من خلال هذه المرجعيات أنه كان هناك حصار تشريعي على القضاء حتى لا يلعب الدور الأساسي في مسطرة التحفيظ هذا الحصار التشريعي الذي دعمه حصار واقعي يتمثل في عدم استيعاب المغاربة لمسطرة التحفيظ في بدايتها ومن ثم أثر ذلك على عدد التعرضات التي تصل بين يدي القضاء.

ولكن مع توالي السنين حاول الاجتهاد القضائي فك هذا الحصار التشريعي وذلك بمحاولته خلق قواعد جديدة من جهة والتعامل مع القواعد المتواجدة من جهة ثانية تعاملا إيجابيا بهدف تفعيل دوره كحارس للحقوق دون الخروج عن الفلسفة العامة لنظام التحفيظ، والتي يمكن تلخيص أهدافها في خلق الأرضية المتينة للبنية العقارية وتطهيرها وإعطائها الحجية التي تستحقها.

وتجدر الإشارة أولا إلى تناول هذا الموضوع لن يكون بالتركيز على الجانب التشريعي لأن ذلك سيكون من باب تحصيل حاصل ويمكن اعتماد المراجع العامة لذلك سيكون التركيز على جانب تعامل الاجتهاد القضائي.

بخصوص هذا النقطة يتبين أن الاجتهاد القضائي حاول أن يتعامل إيجابيا مع ما هو متواجد من نصوص تشريعية كما حاول أن يخلق قواعد أن نسميها بقواعد قضائية ويمكن أن نقسم تعامل الاجتهاد القضائي مع مسطرة التحفيظ إلى مستويين.

المستوى الأول:
وهو محاول إقراره العديد من القواعد المسطرية في رواج دعوى مطلب التحفيظ أمامه وهذه القواعد تتميز عن قواعد المسطرة المدنية.

المستوى الثاني:
هو محاولة التعامل إيجابيا مع التعرضات باعتبار هذه الأخيرة هي مجال اختصاصه فمن خلالها يضع يداه على النزاع.

المبحث الأول: القواعد المسطرية في دعاوى طالب التحفيظ

من خلال التفحص والاطلاع على بعض القرارات يتبين أنها حاولت من جهة عدم اعتبار الشكليات المسطرية المنصوص عليها في قانون المسطرة المدنية واجبة التطبيق في دعاوى مطالب التحفيظ حتى في حالة عدم التنصيص على هذه القواعد في ظهير التحفيظ العقاري كما حاولت من جهة ثانية التمسك بخصوصيات المسطرة المنصوص عليها في ظهير 1913.

المطلب الأول: استبعاد قواعد قانون المسطرة المدنية في دعاوى مطالب التحفيظ

نجد في هذا المجال العديد من القرارات ففي قرار تحت عدد 827 بتاريخ 3 أبريل 1985 في الملف المدني 745/98 ذهب المجلس الأعلى إلى أن عدم التعريف بأطراف النزاع وفقا لما تقتضي به المسطرة المدنية في المادة 142 في مقال الاستئناف لا يشكل إجراءا جوهريا.

وجاء بالعلل التالية:
"حيث يتبين أن القرار المطعون فيه قد تنحى عن الصواب حينما قضى بعدم قبول الاستئناف شكلا استنادا لمقتضيات الفصل 142 من ق.م.م الذي يوجب أن يتضمن المقال الأسماء الشخصية والعائلية لكل من المستأنف عليه على أن موضوع النزاع يتعلق بطلب تحفيظ عقار مما يحتم تطبيق الفصل 42 من ظهير 12 غشت 1913 بشأن التحفيظ العقاري الذي تعتبر تنصيصاته آمرة ما دام النزاع منحصرا بين طالب التحفيظ والمتعرضين حتى ولو لم يتضمن المقال الاستئنافي اسم المستأنف عليما المتعرضين.

كما يلاحظ أن استبعاد قواعد المسطرة المدنية لم يقتصر على شكليات المقال الاستئنافي بل تجاوزه إلى شكل الأحكام، فمن الشكليات الضرورية للحكم تحت طائلة البطلان هي تضمنه لأسماء أطراف الدعوى إلا أن قرار المجلس الأعلى الصادر بتاريخ 19/1/1983 تحت عدد 73 اعتبر أن عدم الإشارة إلى أسماء أطراف الدعوى لا يؤثر في الحكم ما دام أن مطلب التحفيظ المتواجد.

بالملف يشتمل على جميع هذه الأسماء معللا قراره بما يلي:" لكنه علاوة على أن مقتضيات الفصل 50 من ق.م.م المحتج به يتعلق بالبيانات الواجب التنصيص عليها في أحكام المحاكم الابتدائية فإن إغفال المحكمة لذكر وسائل الأطراف وما إذا كانوا حضروا جلسات المناقشة وأدلوا بمذكرات أم لا ليس من البيانات الإلزامية فإن إغفال القرار المطعون فيه التنصيص على باقي أسماء الورثة لم يحصل منه أي ضرر للطاعن ما دام أن مطلب التحفيظ الموجود بالملف يشتمل على جميع أسماء الورثة مما تكون معه الوسيلة في جميع فروعها غير مرتكزة على أساس".

وهذه القاعدة التي انتهجها المجلس الأعلى والمتمثلة في استبعاد قواعد المسطرة المدنية امتدت حتى إلى حد عدم تبليغ الأحكام الصادرة في مطالب التحفيظ وفقا لما تقضي به المادة 40 من ق.م.م بالجلسة بل يتعين تبليغ ملخص من الحكم مع الإشارة إلى إمكان استئنافه داخل الأجل ووفقا للمادة 40 من ظهير التحفيظ لكون المقتضيات الخاصة واجبة التطبيق على المقتضيات العامة وهو ما يستشف من خلال القرار الصادر تحت عدد 11 بتاريخ 1990ملف مدني عدد 1140/84.

كما نجد أن المجلس الأعلى ذهب إلى أن المسطرة الكتابية وضرورة الاستعانة بمحام والمنصوص عليها في المادة 31 من ظهير 15 شتنر 1993. بمثابة قانون يتعلق بتنظيم مهنة المحاماة غير ضرورية بالنسبة لدعاوى مطالب التحفيظ القرار عدد 934 الصادر بتاريخ 1968 أبريل 1992 في ملف الغرفة المدنية 1401/87.

وعلى أي فإن موقف المجلس الأعلى كان أكثر صراحة في قرارين صادرين له الأول تحت عدد 229 صادر بتاريخ 15 ماي 1968 والذي جاء بما يلي:
" لا تخضع مسطرة التحفيظ لمقتضيات قانون المسطرة المدنية ما عدا في الأحوال المنصوص عليها صراحة".

والثاني تحت عدد 339 الغرفة امدنية ملف رقم 1418 بتاريخ 27 أكتوبر 1977 والذي جاء بما يلي:
" الظهير المطبق على العقارات المحفظة لا يشترط أي شكل معين للتبليغ كما أنه لا يحيل على قواعد المسطرة المدنية".

من خلال ما ذكر أعلاه يتبين أن المجلس الأعلى حاول أن يقلص تطبيق المقتضيات الواردة في قانون م.م في دعاوى مطالب التحفيظ ولعل التبرير الذي جعل اجتهاد المجلس الأعلى ينحو هذا المنحى هو محاولة جعل تلك الدعاوى تسير بالسرعة اللازمة دون أن تغرق في الشكليات المنصوص عليها في ق.م.م والتي من شأنها إطالة أمد النزاع وقد ارتكز اجتهاده هذا تارة على كون ذلك لا يشكل ضررا للأطراف وتارة أخرى لكون غالبية الشكليات منصوص عليها في الظهير تبناها المجلس الأعلى وهو ما سيظهر لنا من خلال تناولنا لذلك في المطلب الثاني.

المطلب الثاني: خصوصيات المسطرة المنصوص عليها في ظهير 1913.

في هذا المجال يلاحظ أن المجلس الأعلى حاول التقيد بما تنص عليه مقتضيات ظهير التحفيظ العقاري عوض التقيد بقانون المسطرة المدنية وكمثال على ذلك نسوق القرارات التالية:
قرار أول صادر بتاريخ 15 شتنبر 1983 في الملف المدني عدد 317-95 والذي ذهب بخصوص المقال الاستئنافي المتعلق بدعوى مطلب التحفيظ إلى عدم التعرض فيه بالضرورة لأوجه الاستئناف المقرر استنادا لما تقضي به المادة 42 من ظهير مسطرة التحفظ حيث جاء بالعلل التالية:" وحيث إنه لذلك ( أي ما تقضي به المادة 42) لا يكون المستأنف في مسطرة التحفيظ ملزما بالإدلاء بأسباب استئنافه ووسائل دفاعه داخل أجل محدد إ لا بعد توجيه أمر إليه بذلك من طرف المستشار المقرر الذي لم يحدد له أجل".

وإذا كانت هذه القاعدة في رأينا تعمل على حماية أطراف الدعوى وذلك بفتح المجال واسعا لأطراف الدعوى لتقديم أوجه استئنافهم وذلك بالزيادة في المدة وذلك إلى حين صدور إشعار المستشار المقرر فإنها تعمل من جهة ثانية إلى إطالة أمد النزاع.

وهناك قرار ثان تحت عدد 1411 صادر بتاريخ 18 يوليوز 1984 ملف مدني 026/85 ذهب إلى أن المحكمة يتعين عليها في حالة الطعن في مقرر المحافظ القاضي باعتبار عمليات التحفيظ كأن لم تكن أن تتأكد من كون هذا الأخير قد قام بتوجيه إنذار بالقيام بإجراءات متابعة التحفيظ طبقا لما تقضي به المادة 50 من ظهير التحفيظ واعتبر أن عدم احترام ذلك يجعل الحكم الذي لم يأخذ بعين الاعتبار ذلك خارقا للقانون حيث جاء بالعلل التالية:" حقا إن المحكمة لما أيدت الحكم الابتدائي القاضي برفض الدعوى لعدم إثبات أن الطاعن قام بما يوجبه عليه الفصل 50 من ظهير 12 غشت 1912 قبل أن يطلع على ملف القضية الذي كان يجب أن يحال عليها من طرف المحافظ لتتأكد من تلقاء نفسها من أن هذا الأخير قام بإنذار الطاعن قبل أن يتخذ مقرره المطعون فيه تكون قد خرقت المقتضيات المشار إليها أعلاه وعرضت قرارها للنقض".

وهذا القرار بانتهاجه هذا السبيل يحاول في رأينا تكريس سياسة التحفيظ لكونه يعطي طالب التحفيظ إمكانية لتحفيظ عقاره وذلك حتى في حالة عدم وضع الوثائق اللازمة فلا تنزع عليه صفة طالب التحفيظ ولا تلغى عمليات التحفيظ إلا إذا توصل بقرار المحافظ العقاري الذي ينذره بضرورة القيام بإجراءات متابعة التحفيظ وعلى هذا الأخير أن يقوم بذلك.

هذه بصفة عامة بعض الخصوصيات المتعلقة بالإجراءات المسطرية بخصوص دعاوى مطالب التحفيظ لكن في رأينا تبقى القواعد التي ابتدعها الاجتهاد القضائي بخصوص التعرضات هي المجال الخصب للاجتهاد القضائي باعتباره كما أسلفنا القول هو مجال اختصاصه وهو المنفذ الذي يضع من خلاله يده على النزاع.

المبحث الثاني: حدود صلاحية المحكمة للبت في التعرضات

إن المادة السابعة والثلاثين من قانون التحفيظ في فقرتها الثانية تحدد إطار صلاحية محكمة التحفيظ فيما يتعلق بدعاوى مطالب التحفيظ ذلك أنها تنص على ما يلي:" إن المحكمة تبت في وجود الحق المدعى فيه من قبل المتعرضين ونوعه ومحتواه ومداه وتحيل الأطراف قصد العمل بقرارها على المحافظ الذي له وحده النظر في قبول التحفيظ أو رفضه كلا أو بعضا وذلك مع الاحتفاظ بحق الطعن المنصوص عليه في الفصل 96.

والاجتهاد القضائي في تعامله مع هذه الفقرة خلق العديد من القواعد ويمكن تقسيمها إلى قاعدة رئيسية وهي اعتبار المتعرض بمثابة مدع وبالتالي يقع عليه عبء الإثبات وهو موضوع المطلب الأول وقواعد ثانوية مرتبطة بهذه القاعدة وهي عديدة ومتعددة وسوف نعالجها في مطلب ثاني.

المطلب الأول: اعتبار المتعرض بمثابة مدع وبالتالي يقع عليه عبء الإثبات

إن هذه القاعدة ليست بالجديدة وإنما كانت متواجدة في عهد الاستعمار أمام المحاكم وكرست بعد ذلك في عهد الاستقلال وفي هذا المجال نجد العديد من القرارات تمثل لها بالقرار المدني عدد 165 الصادر بتاريخ 20/3/1968 والذي جاء بما يلي:" إن طلب التحفيظ يعطي لصاحبه صفة المدعى عليه ولا يجب عليه الإدلاء بحجة حتى يدعم المتعرض تعرضه بحجة قوية.

ولكن قد يطرح تساؤل في حالة تعدد المطالب على نفس العقار فمن هو المتعرض وبالتالي يكون هو المدعي؟ نجد قرار محكمة الاستئناف بالرباط الصادر بتاريخ 10/11/1928 تحت عدد 751 يجيب على ذلك بما يلي:" يبقى صاحب المطلب الأول من حيث التاريخ محافظا على صفة المدعى عليه في الدعوى حالة حدوث تنازع مطلبين إثر إيداع مطلب التحفيظ لاحق من طرف المتعرض ويبقى صاحب المطلب الثاني من حيث التاريخ متعرضا إزاء الأول وهو ملزم بجميع الإيداعات الواجبة على المدعي".

فهذا القرار والذي تبناه قضاء مرحلة الاستقلال ذهب إلى اعتبار صاحب المطلب الثاني من حيث التاريخ هو المتعرض وبالتالي ينزل منزلة المدعى وهذا الاجتهاد في رأينا يعمل على تحفيز الأشخاص على تحفيظ العقارات، فالعمل على إيداع مطلب التحفيظ من طرف شخص معين يجعله في مركز قانوني متميز وهو مركز مريح لكونه لا يحمله عناء إثبات ما يدعيه في حالة نشوب نزاع بل يقع ذلك على عاتق المتعرض أو طالب التحفيظ اللاحق.

وفي تبريره لهذا المنحى في اعتبار المتعرض بمثابة مدع فإن الاجتهاد القضائي يعتبر أن المتعرض بتعرضه ضد مطلب التحفيظ يعطي ميلادا للنزاع.

لكن هذا التبرير يبقى في رأي البعض غير مبني على أساس قانوني لكون العقار فيطور التحفيظ مازال خاضعا لقواعد الفق الإسلامي وهذا الأخيرة يعتد بقرينة الحيازة لتحديد مركز المدعي من المدعى عليه.

وهذا الرأي له وجاهته القانونية بالنظر لما سار عليه الاجتهاد القضائي خاصة إذا علمنا أن هذا الاجتهاد هو من رواسب عهد الاستعمار الذي كان هدفه الأساسي الاستحواذ على الأراضي.

لكن ما يلاحظ أن الاجتهاد القضائي حاول إدخال تعديلات على هذه القاعدة محاولا الحد من اطلاقيتها وهذا ما سوف يتبين لنا من خلال المطلب الثاني.

المطلب الثاني: بعض القواعد الأخرى التي خلقها الاجتهاد القضائي بخصوص التعرضات:

أهم قاعدة حاول الاجتهاد القضائي من خلالها التقييد من اطلاقية قاعدة اعتبار المتعرض بمثابة مدع هي تلك التي خلقها في العقود الأخيرة والتي أعطت لمحكمة التحفيظ الصلاحية لتفحص الحجج المدلى بها من طرف طالب التحفيظ ومقارنتها مع تلك المدلى بها من طرف المتعرض قصد الترجيح بينهما.

وفي هذا المجال نجد العديد من القرارات نذكر منها القرار المدني عدد 242 الصادر بتاريخ 13/5/1970 والذي جاء بالعلل التالية:
" وإن كان الفصل 37 من ظهير 12 غشت 1913 المتعلق بالتحفيظ العقاري ينص على أن المحكمة تبت فيما يخص وجود ومدى الحق المدعى به من طرف المتعرضين إلا أن هذا النص لا يمنع قضاة الموضوع من فحص الرسوم المستدل بها من لدن الأطراف ليقارنوا بين قوة إثبات كل رسم وذلك لما يملكون من كامل السلطة في هذا الشأن".
وهذا القرار صائب لكونه لم يكتف بمنح الامتياز لطالب التحفيظ كما كان الاجتهاد قديما، بل حاول أن يجعل أطراف الدعوى متساوون وأعطى الصلاحية للمحكمة للترجيح بين حجج كلا الطرفين وهذا من شأنه الحفاظ على حقوق المتعرض وعدم هضم هذه الحقوق بحجة ضرورة الإسراع بمسطرة التحفيظ.

وإن كنا نشير في الأخير أن هناك قاعدة أقرها الاجتهاد القضائي وتتمثل في ضرورة احتراز المحكمة من البت في النزاعات المثارة بين المتعرضين ضد بعضهم البعض واكتفائها فقط بالبت في التعرض الموجه لمطلب التحفيظ من شأنه إطالة أمد النزاع بخصوص نفس العقار.

" فالمتعرض الذي حكم بصحة تعرضه لا يكون بمنأى عن تعرض المتعرضين الآخرين على المطلب الذي يتقدم به لتحفيظ العقار رغم أنهم قد سبق أن ظهروا إلى جانبه في مسطرة التحفيظ السابقة وبخصوص نفس الموضوع وثانيها أن تطبيق مبدأ عدم جواز الفصلين المتعرضين بحذافيره قد يؤدي إلى الحكم بصحة عدة تعرضات في أن واحد مع أنها منصبة جميعها على نفس الحق".

خاتمـــة:
كخلاصة يمكن من خلال الاجتهادات التي تم تحليلها أعلاه استنتاج أن الاجتهاد القضائي حاول أن يتعامل تعاملا إيجابيا مع ظهير 1913 وذلك لخلقه لقواعد مسطرية بشأن دعاوى مطالب التحفيظ ذهب من خلالها إلى عدم تبني قواعد المسطرة المدنية والتركيز على خصوصية القواعد المسطرية الواردة فيظهير1913 والتي تهدف في مجملها إلى الإسراع بعملية التحفيظ وعدم الإغراق في شكليات لا طائل يرجى منها كما أنه حاول أن لا يقتصر بخصوص التعرضات على ما سطره المشرع في المادة 37 من الظهير وعلى ما ابتدعه الاجتهاد القضائي إبان الحماية من اعتبار المتعرض مدعيا وبالتالي يقع عليه عبء الإثبات فلطف من هذه القاعدة وأعطى لمحكمة التحفيظ الصلاحية لمقارنة حجج كل من طالب التحفيظ والمتعرض تحقيقا لنوع من العدالة، وإن كان موقف الاجتهاد القضائي بخصوص بعض النقط التي تؤثر سلبا على مسطرة التحفيظ لم يعرف رد فعل إيجابي من طرفه ونخص بالذكر هنا موقفه بخصوص مدى صلاحية المحكمة بالبت في التعرضات فيما بينها مما يحتاج من طرفه مراجعة هذه المواقف بهدف إيجاد حلول لها يكون هدفها الإسراع بمسطرة التحفيظ دون المساس بحقوق الأطراف.

الهوامش
(1) "صلاحية محكمة التحفيظ للبت فقط ووجوبا في حدود التعرضات" مقال للأستاذ شعيب محمد ناجي منشور بمجلة " المناظرة" عدد 2 يونيو 1997.

استمرار العقود الجارية في مساطر معالجة الصعوبات

ذ.عمر أزوكار

محام بهيئة أكادير

يعتبر استمرار نشاط المقاولة من أهم العناصر الأساسية في مساطر المعالجة، ويعد ضروريا أحيانا حتى في التصفية القضائية.

وتسيير المقاولة والمحافظة عليها من المهام الأساسية للسنديك، إذ بعد فتح المسطرة وتعيينه، يكون ملزما بتحديد موقفه من العقود الجارية، إما بالاستمرار في تنفيذها أو يقرر خلاف ذلك (المادة 573 من مدونة التجارة).

واعتمادا على هذا التنظيم الذي خص به المشرع العقود الجارية، يمنح الصلاحية للسنديك وحده في الحسم بشأنها، تصبح هذه العقود إذا في وضعية قانونية خاصة عن المبادئ العامة للقانون.

فالمشرع مكن السنديك من صلاحية الخيار بين الإبقاء على العقد أو اختيار عدم تنفيذه، فما هي شروط هذا الحق في الاختيار؟ وأشكال ممارسته؟

فالإجابة عما سبق، سوف نقاربها من خلال ما يلي:

I-شروط الاختيار:

1)المفهوم:

تنص المادة 573 من مدونة التجارة على ما يلي:

بإمكان السنديك وحده أن يطالب بتنفيذ العقود بتقديم الخدمة المتعاقد بشأنها للطرف المتعاقد مع المقاولة، ويطابقها، المادة 37 من القانون الفرنسي.

والحديث عن إمكانية الخيار في استمرار تنفيذ العقد الجاري من عدمه، يقتضي أولا تحديد ماهية العقود الجارية.

ولقد عرف الفقه العقد الجاري، بالعقد الذي لم يقع الانتهاء من تنفيذ بعض أجزائه (1).

وحسب الغرفة التجارية لمحكمة النقض الفرنسية يعد عقدا جاريا بكل اتفاق في التزاماته الرئيسية لم يقع تنفيذه يوم الحكم بفتح المسطرة (2).

وإذا كان نطاق العقود الجارية يجد فضاءه في العقود الزمنية، القابلة للتنفيذ بالتتابع، إلا أن ذلك لا يشكل النطاق الوحيد، وهذا ما أبرزه العمل القضائي.

فعقد البيع لا يعقد عقدا جاريا، إذا تم تحويل الملكية إما بالعقد أو التسجيل، إذا كان الشيء المبيع من الأموال الخاصة للتسجيل وجوبا قبل فتح المسطرة (3).

ويسري نفس الحكم على العقد المعلق على شرط واقف للملكية، إذا تحقق الشرط قبل إعلان التسوية القضائية، وإن لم يقع التوقيع على العقد الرسمي بعد، ويسلم الثمن إلى البائع (4).

وإعمالا لهذا المعيار الزمني، قررت محكمة النقض أن بيع المقرر مقابل ريع عمري يستخلصه البائع، لا يشكل عقدا جاريا، لأنه أبرم في وقت سابق عن الحكم القاضي بفتح المسطرة (5).

وخلافا لما سبق، يعد عقدا جاريا، ويطبق عليه قاعدة الخيار المقررة لفائدة السنديك، الوعد بالبيع المبرم قبل فتح المسطرة ولم ينفذ بعد (6).

واعتمادا على هذا المعيار المعتمد من طرف محكمة النقض، ذهب بعض الفقه عن الحق، أن البيع على شرط واقف للملكية يعد عقدا جاريا إذا لم يتحقق إلا بعد فتح المسطرة (7).

كما يكيف عقد القرض بالعقد الجاري إذا لم يقع تسليم موضوعه كليا على المقترض قبل فتح المسطرة (8).

أما إذا سلم المقرض إلى المقترض منه جميع الأرصدة التي التزام بإقراضه إياها ففي هذه الحالة، فالمبالغ معتبرة من الديون السابقة للحكم لفتح المسطرة، ولا تخضع بالتالي للأفضلية في الأداء (9).

أما العقد الذي انقضت آثاره القانونية قبل فتح المسطرة، فلا يعتبر من العقود الجارية، إذ في هذه الحالة، فالعقد الذي وقع فسخه لا يعد جاريا إذا كان تاريخ فسخه تقرر قبل الحكم، إلا أن المشاكل تلحق مؤسسة الفسخ، لأن الأصل بقاء العقد قائما إلى يقع فسخه، إما لتحقق الشرط الفاسخ، أو بحكم من القضاء.

وعادة ما يجادل المتعاقدان في مدى تحقق الشرط الفاسخ، وتثور مشكلة معرفة وملاحظة وقوع الشرط الموجب للفسخ، علما أن المشرع أحيانا يعلق إعمال آثار الشرط الفاسخ، على مسطرة خاصة كما هو الأمر في ظهير 24 ماي 1955 المنظم للكراء التجاري (10).

2)المبدأ العام:

فحق الاختيار الممنوح للسنديك ينصرف إلى جميع العقود الجارية كيفما كان تنظيمها وطبيعتها، وجعل المشرع هذا الحكم عاما، ونحن لا نميل إلى وجهته ولا نعتبرها بالإبداع بإطلاقيتها.

فما هو هذا المبدأ إذا؟ وما طبيعته؟

لقد نصت المادة 573 من مدونة التجارة في فقرتها الأخيرة على ما يلي:

"لا يمكن أن يترب عن مجرد فتح التسوية القضائية تجزئة أو إلغاء أو فسخ العقد، على الرغم من أي مقتضى قانوني أو شرط تعاقدي".

يتضح من خلال هذه الفقرة الصريح حكمها، أن مقتضيات المادة 573 من صميم النظام العام، فليس لأي مقتضى تشريعي أو شرط تعاقدي، أن يعطل حق السنديك في ممارسة إمكانية الاختيار في مادة العقود الجارية.

والقاعدة المقررة في شركات الأشخاص، أن إفلاس أحد الشركاء يؤدي إلى حل الشركة من حيث المبدأ.

ولقد جاءت المادة 18 من قانون شركة التضامن، واقتصر الحل التشريعي على حل الشركة في حالة التصفية القضائية دون التسوية القضائية ومما جاء في المادة ما يلي:

"تحل الشركة - شركة التضامن - إذا صدر حكم على أحد الشركاء بالتصفية القضائية، وهذا يظهر انسجام المادة 18 من قانون شركات التضامن مع المادة 573 من مدونة التجارة.

ويظهر أن المشرع لم وفيا لهذا الانسجام، إذ جاء في المادة 30 حيث تنظيميه لشركة التوصية البسيطة والمادة 31 التي تحيل على تطبيق القواعد المنظمة لشركات التوصية البسيطة، على أن الشركة تنحل إذا صدر حكم بالتسوية أو التصفية القضائية في مواجهة أحد الشركاء.

وهذا التعارض يجعل المادة 573 غير ناجعة الإعمال في نطاق هذين الصنفين من الشركاء، وهذا مالا نسير إلى وجهته ولا نعتبره جديرا بالاعتبار، إذ اتصال المادة 573 من مدونة التجارة بالنظام العام، يجعل من المبرر أن يعطل القواعد المخالفة لها. وهذا ما يسير فيه أغلب الفقه في فرنسا، لمماثلة الملاحظة في التشريعين (11).

ونعتقد أن المادة 573، تعطل مفعول الفصل 929 من قانون الالتزامات والعقود، حيث التنصيص على قاعدة انقضاء الوكالة بالإعسار، فكيفما كان المفهوم المعطى للإعسار، فإن انقضاء الوكالة لا يتحقق في حالة التسوية القضائية (12).

إضافة إلى أن الشروط التعاقدية الهادفة في موضوعها إلى الفسخ أو الإلغاء بسبب فتح مسطرة التسوية تبقى عديمة الأثر.

فالفسخ يمكن الاحتجاج به إذا كان نتيجة عدم الأداء، إلا أن لمحكمة النقض موقفا مغايرا، لأنها اعتبرت أن المحكمة لما لاحظت التوقف عن الدفع، فتكون ملزمة بالتصريح بالبطلان، لأن التوقف عن الدفع من الشروط الموضوعية لفتح المسطرة (13).

ولا يخرج العقد المبرم لاعتبارات شخصية من نطاق تطبيق المادة 573، ذلك أمام عمومية ألفاظ هذه المادة، وعدم وجود أي مقتضى بفسخ العقود القائمة على الاعتبار الشخصي في التعاقد حالة خضوع أحد أطرافه للتسوية القضائية.

وهذه قاعدة قانونية جديدة، تتلاءم والفلسفة التشريعية لمساطر معالجة الصعوبات، تختلف للإفلاس، على اعتبار أن النظام الملغى اتجه في كليته إلى حماية دائني المقاولة، واتجه العمل القضائي إلى إعمال هذه الحماية، ووضع حدا للعقود هاته (14).

ورغم هذا الاتجاه العام في ظل القانون الفرنسي لسنة 1967، اتجهت بعض محاكم الموضوع إلى رفض قبول الفسخ بقوة القانون لعقد يقوم على الاعتبار الشخصي لعاقده، فتحت مسطرة الإفلاس في مواجهته (15).

وفي ظل القانون الفرنسي الحالي الصادر في سنة 1985، وقد تبناه المشرع المغربي في أغلب قواعده ذهبت محكمة النقض الفرنسية، إلى أن عقد الحساب الجاري وإن هو لم يقم على الاعتبار الشخصي بين الزبون والبنك، فلا حق لهذا الأخير من فسخه، لكون الزبون خضع لقواعد مساطر المعالجة، ويشكل قرار محكمة النقض هذا، والصادر في 8 دجنبر 1987، قرار المبدأ في هذه المادة (16).

ومما جاء في تعليل قرار محكمة النقض بتاريخ 8 دجنبر 1987 ما يلي:

ونظرا للمواد 1 و 37 من قانون 25 يناير 1985، فإن للمتصرف القضائي/السنديك، أن يطالب بتنفيذ العقود الجارية عند إعلان المعالجة القضائية، من غير تمييز في تلك العقود بين التي أبرمت على اعتبار شخصي وغيره.

وينتج عن ذلك أن للسنديك الحصول على استمرارية العقود أثناء مرحلة الملاحظة، عقود الحساب الجاري، التجاوز وتسهيل الصندوق، ومن رخصة الخصم.

وإن ما كرسه قرار المبدأ الصادر في دجنبر 1987 سارت عليه محكمة النقض ومحاكم الموضوع، إلا أن هذا الحل لم يسلم من معوقات، خاصة بالنظر إلى كيفية اشتغال بعض العقود، كالحساب الجاري (17).

ولم يقع استثناء أي عقد جار من نطاق المادة 573.

ولا نعتقد إلا بوقوع المشرع في التعارض مع ما حاول أن يشكل الإطار العام لمساطر المعالجة ... الحفاظ على المقاولة باعتبارها ثروة وطنية لا ملكية خاصة لأصحابها من جهة، وضمان استقرار عقود العمل من جهة أخرى.

وكان من الأنسب الذي لا يرتفع، أن يخرج المشرع على الأقل عقود العمل من نطاق المادة 573، والتفكير في إطار قانوني يلائم موضوع عقد الشغل، حيث لا يمكن تغييب الإنسان ككمون في تنظيم هذه العلاقة.

ونميل وبكل المقاييس، إلى اعتبار الحكم القاضي بفتح مسطرة المعالجة، يكيف على أنه بمثابة تغيير في الوضعية القانونية للمشغل، مما يقضي معه استمرارية عقود العمل وبعقود والقانون، عملا بالمبدأ العام المكرس في قانون الالتزام والعقود.

وبالرغم من هذا المبرر القانوني، إلا أنه سوف يصمد أمام الطبيعة القانونية للمادة 573 من مدونة التجارة، حيث التنصيص على الفسخ أو الإلغاء، لا الاستمرارية في التنفيذ، إذ في هذه الحالة الأخيرة، يخلع ثوب النظام العام على المادة السابق ذكرها.

علما بأن المشرع الفرنسي قد أخرج عقود العمل من نطاق إمكانية الخيار الممنوحة للسنديك بنص صريح (18).

ونحن نعيب على المشرع المغربي، غياب تصور للإطار القانوني للمقاولة، ويتجلى هذا الأمر بشكل مباشر في غياب تنظيم قانوني خاص بعقود الكراء التجاري.

والحال - في اعتقادنا - أن مثل هذا الموقف، سوف لن يساهم بأي شكل من الأشكال في ضمان معالجة المقاولة ولا حماية الدائنين والأعيان والمرتبطين بها

وهذا القصور في تنظيم عقود الكراء التجاري يتجسد بشكل خاص في مرحلة إعداد الحل، لا في مرحلة التصفية القضائية، وإن معالجة مصير عقد الكراء التجاري بعد فتح المساطر الجماعية من الأهمية بمكان (19).

3) استمرارية الاستغلال:

إن السؤال المطروح: هل حق الاختيار المقرر للسنديك في مجال العقود الجارية مرتبط باستمرار الاستغلال وفي مرحلة إعداد الحل فقط؟ أم تتعطل هذه الإمكانية مع تخلف الاستغلال، خاصة في مرحلة التصفية؟

بعبارة أخرى فبإمكانية الاختيار للسنديك جاء التنصيص عليها في الفرع المتعلق باستمرارية الاستغلال في مرحلة إعداد الحل، ولم يرد هذا المقتضى كقاعدة عامة تلحق إعداد الحل، ومرحلة التصفية القضائية (20).

ففي النصوص المنظمة لمرحلة التصفية، لا وجود النص مماثل للمادة 573 من مدونة التجارة مما يطرح معه السؤال حول تمكين السنديك من هذه الصلاحية إذا قررت المحكمة فتح التصفية القضائية مباشرة من غير المرور بمرحلة إعداد الحل.

فقد ذهب الفقه الفرنسي إلى اعتماد الحل المقرر لصلاحية السنديك في الاختيار حتى في مرحلة التصفية القضائية، ولو في غياب نص صريح، ولقد سار القضاء وجهة هذا الفقه معتمدا تبريراته المختلفة (21) .

مع العلم أن هذا الجانب من الفقه الفرنسي قد حدد إمكانية الاختيار المقررة للسنديك باستمرارية الاستغلال، فإذا تخلف هذا الشرط سقط الحكم ولا يعمل به.

وما نميل إليه تبعا للقانون المغربي، أن حق الاختيار الموكول للسنديك يتحدد نطاقه باستمرارية النشاط لوقوع التنصيص على هذه الإمكانية في الفصل المتعلق بتسيير المقاولة أثناء إعداد الحل، من جهة، ولورود إشارة صريحة من المشرع في المادة 621 من مدون التجارة، حيث تنصيصه صراحة على تطبيق مقتضيات المادة 573 في حالة إذن المحكمة باستمرارية الاستغلال بالرغم من إعلان التصفية القضائية من جهة أخرى.

ودلالة هذا القول، أنه لا يتصور طرح صلاحية السنديك في مرحلة التصفية القضائية ولا بحثها بالمرة، لأن الأصل في هذه المرحلة - التصفية القضائية - توقف النشاط. أما إذا استمر في الاستغلال، فيكون بإذن المحكمة، وهذه الحالة تولاها المشرع بالتنظيم في المادة 620.

وقد يجادلني البعض - وعن صواب - بمقتضيات المادة 621 التي تنص على حق السنديك في الاستمرارية في عقد الكراء كراء الأماكن المخصصة لنشاط المقاولة - دون أن يقرن المشرع ذلك باستمرارية النشاط من عدمه، حيث النص جاء عاما، والعام يؤخذ على عموميته حتى يرد ما يخصه.

وبالرغم من وجاهة هذا التحليل، إلا أننا نعتقد أن المادة 621 جاءت بمقتضى قانوني خاص يلحق عقد الكراء في مرحلة التصفية القضائية، ولا يتصرف إلى وضع قاعدة عامة تسري على جميع العقود الجارية كما هو الشأن بالنسبة لمقتضيات المادة 573.

ومن هذا الأساس، فإن العقود ذات الطابع الشخصي تنقضي بفعل التصفية القضائية ما لم يتقرر استمرارية النشاط بإذن المحكمة، لأنه إذا كانت الغاية من استمرارها في مرحلة إعداد الحل هو بدافع ضمان استمرارية استغلال المقاولة، إلا أنه في مرحلة التصفية القضائية فإن النتيجة تتجه إلى تصفية أصول المقاولة، والاستمرار فيها يعرض المتقاعد الآخر لمخاطر جمة، إلا أن بعض الفقه لا يسير في هذا الاتجاه، معتبرا أن استمرارية هذه العقود قد تكون ضرورية لتصفية فعالة (22).

II- أشكال ممارسة حق الاختيار:

1) صاحب الاختيار:

تنص المادة 573 من مدونة التجارة على ما يلي:

"بإمكان السنديك وحده أن يطالب تنفيذ العقود الجارية بتقديم الخدمة المتعاقد بشأنها...".

يتضح من خلال هذه المادة، أن صلاحية الاختيار، مقررة للسنديك وحده، ولا يقاسمه هذه الصلاحية لا القاضي المنتدب، ولا أي جهاز آخر من أجهزة المسطرة الجماعية.

ويفهم من هذه المادة أن السنديك لا يمارس هذه المهمة استنادا على دوره في التسيير والإشراف على تنفيذ مختلف إجراءات المسطرة، وإنها يستمد هذه الصاحية بناء على نص خاص (23).

وقد يقع أن يرجع السنديك إلى القاضي المنتدب من أجل الحصول على ترخيص منه باستمرارية عقد ما، فإن صادف موافقة طلبه مقرر القاضي المنتدب فلا ضير، وإن قرر السنديك مباشرة حقه في الخيار المقرر في المادة 573، من غير الرجوع إلى القاضي المنتدب، فموقف السنديك سيتم من الناحية القانونية، لأنه لا يتوقف مباشرة الاختيار على الترخيص القانوني المنتدب، ولا يمكن الركون إلى غياب الترخيص قصد اقتراح عزله أو تأديبه (24).

2)أجل الاختيار:

لم يعمل المشرع على تقييد السنديك بأجل ما، يلزمه فيه إعلان موقفه من العقود الجارية، إلا أنه في المقابل، مكن المتقاعد من المقاولة من إمكانية اتخاذ المبادرة من أجل حمل السنديك على اتخاذ موقف بشأنها.

ويتعين لهذه الغاية، إنذار السنديك بإعلان موقفه داخل أجل شهر، فإن تخلف عن التعبير داخل هذا الأجل المضروب، عد ذلك بمثابة تنازل عن العقد، وإن كان النص لا يشير إلى تاريخ انطلاق هذا الأجل، ولم يكون إلا من تاريخ توصله بالإنذار (25).

وأجل الشهر بعد توصل السنديك بإنذار متعاقد المقاولة التي في وضعية الصعوبات، أجل لا ينقطع ولا يتوقف عن السريان، خاصة بالحكم المعلن للتصفية القضائية، الذي قد يتحقق بين الفينة والأخرى (26).

وما أبديناه من ملاحظة سابقة في موضوع الأجل في مساطر معالجة الصعوبات، تبقى وجيهة، حيث إنه كان على المشرع المغربي أن يمكن المحكمة أو القاضي المنتدب من صلاحية تمديد الأجل بناء على طلب السنديك، إذ قد يبادر المتعاقد مع المقاولة إلى إنذار السنديك في وقت لم يتمكن فيه بعد من معرفة الوضعية العامة للمقاولة، وتصنيف العقود الأولى بالاستمرارية فيها من غيرها من العقود الأخرى.

وهذا التمديد قد قرره القانون الفرنسي، واشترط له سقفا لا يمكن أن يتجاوزه، حددته المادة 153 في أجل شهرين، أجل لا يقبل إلا تمديدا واحدا حسب ما استقر عليه جانب من القضاء (27).

وفي غياب أي مبادرة من التعاقد مع المقاولة لحمل السنديك على اتخاذ موقفه من العقود الجارية، فإن الاختيار يبقى مفتوحا (28).

3) شكل الاختيار:

بالرجوع إلى المادة 573 من مدونة التجارة، نجدها لا تسعفنا في معالجة الشكل الذي يتعين أن ينصب فيه اختيار السنديك، وهل يلزم أن ينصب في شكل صريح أو يكفي الموقف الضمني.

فالأمر الأكيد، أن مبادرة المتعاقد الآخر بإنذار السنديك يجعل هذا الأخير ملزما بالتعبير عن رغبته في الاختيار، تحت طائلة اعتبار سكوته بمثابة تنازل عن العقد (29).

ومن الحالات التي اعتبر فيها القضاء الفرنسي التعبير عن الاختيار قائما نجد الحالات الآتية.

استمرار السنديك في استغلال الشيء المكري من غير الرد على إنذار المكري حول ما إذا رغب في استمرار تنفيذ العقد (30).

إرسال السنديك كتابا إلى المكري مخبرا إياه بتوصله بعرض يهدف إلى تفويت الكراء (31).

واقعة قيام السنديك بأداء أجرة الكراء للمكري وفق ما هو مقرر في عقد الكراء (32).

ومن الآثار المقررة في حالة تخلف السنديك عن الجواب داخل أجل شهر من تاريخ توصله بإنذار المتعاقد مع المقاولة، أنه يعتبر متنازل عن العقد، علما بأن مفهوم التنازل كان موضوع تأصيل فقهي رفيع (33).

فالسكوت الصادر عن السنديك يعد تنازلا، والسؤال هذا هذه القرينة قاطعة أم بسيطة، يمكن دحضها.ذهبت بعض محاكم الموضوع، معدمة بجانب من الفقه إلى القول بأن القرينة المقررة في مادة العقود الجارية، قرينة بسيطة يمكن إثبات عكسها (35).

إلا أن الغرفة التجارية لمحكمة النقض الفرنسية في قرار لها تاريخ 11 دجنبر 1990، أكدت الخاصية القطعية لقرينة الأجل المنصوص عليها في المادة 573 من مدونة التجارة المغربية، وأصبحت هذه القاعدة قاعدة موضوع (37).

ونحن نميل إلى هذا الاتجاه لاعتبارات عملية، لكننا نقرر اختصاص محكمة الموضوع إذا اقتضى التحليل والمناقشة القانونية، إذ هذا ما سبق أن بيناه في موضوع القاضي المنتدب في مساطر المعالجة.

الهوامش

-Derrida، Gode et Sortais، « Redressement et liquidation judiciaires des entreprises » Dalloz، 3ème éd. 91، n° 392.

-Courtier، « Les droits des tiers dans le droit des procédures collectives »، les petites affiches، 95، p. 26.

-Calendini، « la notion de contrat en cours dans le redressement judiciaire »، Banque et droit1994 p. 12.

-Cass. Com، 2 mars 1993، Dalloz، 1993، p. 573، note Devesa.

-Cass. Com، 1-3 avril 1999، D 2000، p. 257، note Lipoenski.

-Cass. Com،1 février 2000، Dalloz، 2000، p. 144، note Lienhard.

-Cass. Com، 9 avril 1991، Revue de jurisprudence de droit des affaires (RJDA)، 1991، n°640، Petites affiches ; 1992، p. 131، note F. Derrida.

-Cass. Com، 18 nov. 1980، D. 1981، p.131، note A.H.

-Cass. Com، 28 Février 1995، jurisclasseur، Edition Entreprise (JCP)، 1995، pan، 496.

-Cass. Com، 16 février 1988، Revue de droit bancaire et de la bourse (RDBB)، 1988، p. 136، obs. F. Dekeuwer.

-Derrida، la notion de contrat en cours à l'ouverture de la procédure de redressement judiciaire، P.A. 93، n°133، p. 4.

-Martin، « le sort des contrat en cours avant l'option de l'administrateur dans une procédure collective »، Annonce de Seine ; 1er février 1993، n° sup.

-Cass. Com، 9 avril 1991، J.C.P. Edition Notariale prat، 2263، obs. Gabrillac et Petel.

-Compana، « contrat en cours، prêt antérieur au jugement d'ouverture » R.D.B.B. Q 3n°36.

-Bussier، « Résiliation d'un concours، financier et ouverture d'un redressment judiciaire »، pp. 1995، n°49، p. 8.

-Cass. Com، 14 décembre، 1993، J.C.P. 1994، éd. E pan 2.

-Gallet، « Action en paiement de loyer introduire contre la caution du preneur de locaux commerciaux en redressement judiciaire »، P.A. 2000، n°48، p.12.

-Blatter، « Baux commerciaux »، actualité juridique، (A.J.) 97 ; n° 12 ; p. 988.

-Cass. Com، 11 janvier 1994، Revue des loyer، 1995، n° 757، p. 283 ; note Gallet.

-Derrida، Gode et Sortais، Op. Cit.، n°303.

-Ripert et Roblos، « Traité de droit commercial »، LGDJ، 14ème éd. 1994، n° 3049.

-Cass. Com،11 octobre 1994، 7 C.P. éd. E. 95، n°47، p. 238، note : Fourgou.

-Cass. Com، 2 mars 1993، IV، J.C.P. 93، éd. Générale، 1162.

-C.A. Paris،7 mars 1974، gazette de palais (Gaz. Pal.)، 1974، 1، p، 492، note Buhagia.

-Cass. Com، 17 mars 1975 : Bull، Civl، IV، n° 80.

-C.A. Colmar، 28 nov. 1972، Revue 1973، p. 875 ; obs ; Houin.

-C.A. Paris، 22 janvier 1979، Banque 1979. p. 790، obs Carbillac et Rive-lange.

-Cass. Com، 8 déc. 1987. R. D. B.، 1988، p. 68، obs Dekeuwer، Defossez.

-Soinne، « La continuation du compte courant après jugement d'ouverture ». Gaz. Pal 1988، 1 doctrine، p. 128.

-Martin، « Le redressement judiciaire et la relation de compte courant »، Revue. Trimestrielle de droit commercial ، 1985. p. 281.

-Cass. Com، 2 mars 1993، « quotidien juridique »، 1993، n°32، commentaire.

-Puygautier، « Cautionnements et procédures collectives « ، J.C.P. semaine juridique، éd.. 1995. n°37، p.1259.

-Morvan، « l'hypothèse des contrats perpétuels en droit commercial » Petites affiches، 1993، n°35، p. 4.

-Cass. Com، Soc. 19 décembre 1999، Revue jurisprudence social، 1999، n°11، p. 859، not، P.J.S..

-Legi. Social، « Transfert d'entreprise et contrat de travail »، legi social. 1999، n°78، p. 5.

-R.J.S. « La situation des salariés de l'entreprise en difficulté » Revue J.S. 1999، n°10، p. 743.

-P.A. « Baux commerciaux، actualité de la cour de cassation »، les petites affiches، 2000، n° 9، p.5.

-Gallet، « L'éventuelle résiliation du bail commercial d'une entreprise avant l'ouverture judiciaire de celle-ci »، les petites affiches، 1999، n° 254، p. 49.

-Brault، « l'ouverture d'une procédure collective et les conséquences immédiates pour le bailleur et le preneur »، Actualité Juridique، 1999، n° 12، p.1204.

-Auque، « le bail commercial n'est pas un contrat comme les autres، Revue des Procédures collectives، 1997، n°2، p. 131.

-Somme، « Traité théorique et pratique des procédures collectives » Litec، 87، n°630.

-Corinne، « Droit des entreprises en difficulté »، Domat، droit privé، 1996، 2ème éd.، p. 491.

-Le Cannu، « Entreprises en difficultés »، Joly، 94، p. 609.

-Derrida، « Gode et sortais. Op. Cit. Dalloz، 91، n° 298.

-Ripert et Roblot، Op. Cit.، (G.d.)، 14ème éd.، 1994، n° 3226.

-Cass. Com، 17 oct.، 1989، Dalloz، 1990، Somm، p.2، obs. Derrida.

-C.A. Paris 4 décembre 1990، (R.J.D.A.) 1991، n° 248.

-Vallansan، « Continuation des contrats en cours »، Juris-classeur، 1996، fascicule 2335. p. 8.

-Cass. Com، 3 fév. 1981، p. 377، note Derrida، JCP، 1981، éd. G. 9180، n°19، dos. M.Gabrillac et Argenson.

-Lemistre، « le nouveau régime de la continuation des contrats، article 37 de la loi du 25 janvier 1985، les petites affiches، 1994، n°110، p.110.

-Derrida، « Le sort du contrat en cours d'option »، les petites affiches، 1993، n°87، p.10.

-Bussy-Dunaud، « les modalités de rupture d'un contrat en cours lorsque l'administrateur renonce à sa continuation »، D. 1992، chron. P. 23.

-Cass. Com، 23 mai 1995، jurisclasseur، n° 1208.

-C.A. Paris، 8 oct. 1992، Petites affiches، 1993، p. 13، note Derrida.

-Bazin، « Le Sort des contrats à l'ouverture de la procédure collective sous la loi du 10 juin »، 1994، Rev، Huissiers، 1994، p. 1313.

-Cass. Com، 19 oct. 1993، JCP. 1993 ; éd. E. pan 1049، Revue proc. Coll.، 1995، p. 49، obs. Mestre et Laude.

-Schmidt، « La poursuite des contrats en cours dans le redressement et la liquidation judiciaire »، RT. Revue de Jurisprudence commerciale، 1991.

-Cass. Com، 21 mai 1979، Bull، civ IV، n° 165.

-Tribunal de grand instance de Paris، 20 jan. 1987، Quotidien Juridique، 27، fév. 1988، p.7.

-C.A. Caen، 27 mai 1993، JCP، 1993، éd.، J، IV، 2476.

-C.A. Lyon، 8 Oct، 1993، Banque et droit، 1993، n° 32، p. 33، note Guillot.

-Cass. Com، 11 déc. 1990، JCP éd. n°27، p. 227، note Brault.

-Grosclaud، « Pour une nouvelle lecture de l'article 37 de la loi du 25 janvier 1985 »، les petites affiches، n° 60، p. 20.

-Tribunal d'instance d'Angers ; 25 juin 1986، note Courtier، « Nature et conséquence de la présomption de l'arcticle 37 de la loi 25 janvier 1985 »، Les petites affiches، 1er mars 1993، p. 4.

-C.A. Paris، 14 janvier 1988، D. 1990، somm. P. 10.

-Derrida، Gode et Sortais، Op. Cit.، 2ème éd.، n°303.

-Cass. Com، 11 déc. 1990. RTD، Com، 1991، n° 1 et 2، p. 103، obs.، Chaput.

-Cass. Com، 17 fév. 1998، La gazette du palais، 1998، n° 305، p. 13 ; note Brault.

-Cass. Com، 28 av. 1998، le quotidien juridique، 1998، n° 49، note Merite.

-Cass. Com، 8 déc. 1987، JCP 1988، éd. G. 11، 20927، note Jeantin.

مجلة المرافعة