النظرية العامة للتنفيذ الجبري للأحكام وللسندات التنفيذية الأخرى

محمد سلام رئيس المحكمة الابتدائية بأربعاء سوق الغرب

يسعد مجلة " المحاكم المغربية" ان تنشر فيما يلي العرض الذي توصلت به من السيد محمد سلام رئيس المحكمة الابتدائية باربعاء سوق الغرب والذي ساهم به في اطار النشاط الثقافي لرابطة القضاة بدائرة محكمة الاستئناف بالرباط لسنة 1987.

انه لشرف عظيم لي ان حظيت بالمشاركة في هذه الندوة لتدارس موضوع من اهم المواضيع في الساحة القضائية، موضوع يتسم بالصبغة القانونية والقضائية معا ونعيشه يوميا في حياتنا العملية بالمحاكم - بكل تشعباته وتعقيداته واشكالاته لدرجة اصبح معها الهاجس او العقبة العظمى التي يحسب لها المتقاضون الف حساب سواء كانوا طالبين او مطلوبين فيه - وكثيرا ما شكل المادة الخام لالصاق التهم بالمؤسسات القضائية عموما وبكتابات الضبط خاصة : تهم التاخير والتماطل والتسويف بل احيانا التلاعب والتامر على الحقوق، انه التنفيذ الجبري للاحكام وباقي السندات التنفيذية والذي يشكل نهاية المراحل الطويلة والمملة للنزاعات امام القضاء، والتي يحصل فيها الدائن على استحصال حقه ووضع حد لتعنت وعناد مدينه فيشعر بنشوة الانتصار وتعود اليه ثقته بمؤسسات الدولة فيامن على ماله وحريته وشرفه. وفي نفس الوقت يحس فيها المدين بان عدم وفائه بالتزاماته واصراره على هضم حقوق الاخرين او جحودها لن يمنع السلطة العامة من ضمان هذا الوفاء قهرا عنه، وبامواله المنقولة او العقارية على حد سواء بل وبحقوقه احيانا لان توفير العدل وتنظميه وحماية اموال الناس وحقوقهم من صميم مهام ومسؤوليات الدولة.

واعتبارا لتلك الاهمية البالغة التي تكتسبها اجراءات التنفيذ كان من الطبيعي ان يعد له كل طرف كامل عدته وعتاده وكل ما اوتي من قوة وجهد، وان يكون محل عناية خاصة من طرف الجهات المسؤولة والاجهزة الموكول لها السهر على هذه الاجراءات.

ورغم الجهود المبذولة في هذا النطاق، فلا بد من التاكيد على حقيقة مرة وهي ان التنفيذ يتخبط في مشاكل لاسباب عدة منها ان النزاع طول مرحلة التقاضي يكون تحت مراقبة دائمة للقضاء، لكنه يكاد يخرج عن هذه المراقبة في مرحلة التنفيذ وهو ما يدعوني لان اضم صوتي الى كل الذين سبقوني بالمناداة باحداث منصب قاضي التنفيذ لدى كل محكمة تسند اليه مهمة مراقبة والاشراف على اجراءاته منذ انطلاقها ويعطى له اختصاص عام وشامل لكل ما يتعلق بالتنفيذ. (1).

وسأعود الى ذلك في ختام هذه الكلمة عندما اسمح لنفسي بابداء بعض الاقتراحات لحل معضلة التنفيذ وما يكتنف بعض النصوص من غموض والتباس. لكن قبل ذلك لابد من الاشارة الى ان هذه الكلمة لا يمكن ان تحيط بكل جوانب موضوع التنفيذ. فالوقت والمقام لا يمسحان بذلك ولكنها مجرد ورقة عمل او أرضية لفتح حوار ونقاش ستغنيه تدخلاتكم ولاشك.

وسأتولى إعطاء فكرة عن التنفيذ الجبري واطرافه والسندات التنفيذية والصيغة والنسخ التنفيذية، قبل الانتقال الى مقدمات واجراءات التنفيذ والمسطرة المتبعة خلال مراحله والاموال القابلة والغير القابلة للحجز.

وأتوقف قليلا عند بعض النصوص المتعلقة بالتنفيذ والتي اثارت جدلا في الاوساط المهتمة لابداء بعض الملاحظات عليها، واختتم بجملة من الاقتراحات التي ارى انها كفيلة بالدفع بعجلة التنفيذ نحو المرونة والتبسيط والتعجيل بتصفية ملفاته.

كما سيتولى بعد ذلك السيد محمد لديدي رئيس المحكمة الابتدائية بالرباط موضوع إشكالات التنفيذ.

ــــــــــــــــــــــــــــــــ

1) عبد الله الشرقاوي: مجلة القضاء والقانون، عدد 128، صفحة 36، والمنتصر الداودي، مجلة رابطة القضاء، عدد 8 و9، وعبد الله درميش: مجلة المحاكم المغربية، عدد 41، ص 63.

وعليه فاني ساتناول النقط الاتية بايجاز :

1) التنفيذ الجبري تعريفه وأنواعه.

2) اطراف التنفيذ والجهة المكلفة به.

3) السندات التنفيذية .

4) الصيغة والنسخة التنفيذيتان.

5) مسطرة التنفيذ : ( مقدماته وإجراءاته).

6) الاموال القابلة والغير القابلة للحجز والمسطرة المتبعة لحجزها.

7) استعراض بعض النصوص القانونية المتعلقة بالتنفيذ في قانون المسطرة المدنية.

8) اقتراحات.

أولا : التنفيذ الجبري وأنواعه:

الأصل ان يقوم كل مدين بتنفيذ التزاماته اختيارا والوفاء بها طوعا امتثالا لعنصر المديونية وبدون تدخل السلطة العامة، لكنه اذا ماطل في ذلك جاز لدائنه ان يلجأ لهذه السلطة لاجباره على هذا الوفاء استنادا لعنصر المسؤولية (2) وذلك بتمكين الدائن من سند تنفيذي اذا لم يكن بيده هذا السند واعلانه للمدين مع تكليفه بابراء ذمته. والا ارغم على ذلك بالطرق القانونية، لان قواعد العدالة لا تقتضي اللجوء الى القضاء لاستصدار احكام وحماية الحقوق فقط، بل تتعدى ذلك الى التمكين من اقتضاء هذه الحقوق (3) لانه ( لا ينفع تكلم بحق لا نفاذ له) (4) فالتنفيذ اذن هو الذي يترجم الاحكام الى واقع ملموس وبدونه تبقى مجرد توصيات لا طائل منها.

وكما جاء في خطاب مولانا صاحب الجلالة الملك الحسن الثاني نصره الله بتاريخ 31/3/1982.

" ومسؤولية التنفيذ هي اعتقد شخصيا. اكبر المسؤوليات، ذلك ان عدم التنفيذ يصل به الانسان الى استنتاجين :

الاستنتاج الاول: ان القضية لم تؤخذ بعين الاعتبار في الموضوع وحتى لو حكم فيها واعتقد المحكوم له والمحكوم عليه ان هذا على صواب وهذا على خطا فعدم التنفيذ او التماطل يجر المرء الى تفكير اخر وهو: "انحلال الدولة".

فالتنفيذ الذي يعنينا الان في هذه الندوة هو التنفيذ الجبري الذي يجري عن طريق السلطة العامة وبالقوة الجبرية عند الاقتضاء وهو على نوعين:

التنفيذ الجبري العيني : والتنفيذ الجبري بالتعويض :

فالأول يحصل فيه الدائن على ذات ما التزم به المدين سواء كان مبلغا من النقود او القيام بعمل كفتح طريق ورسم لوحة او الامتناع عن عمل كعدم فتح محل او عدم اقامة بناء. او كان التزاما بنقل ملكية منقول او عقار.

والتنفيذ العيني هي الاصل احتراما لارادة الطرفين، لكن اذا تعذر إجراؤه كما في حالة هلاك المنقول والعقار المتعاقد عليه فانه يتم اللجوء الى التنفيذ بالتعويض حيث يحصل الدائن على مقابل مالي يحدد من طرف المحكمة.

وغالبا ما يكون التنفيذ بالتعويض في الحالات التي يكون فيها تنفيذ الالتزام الاصلي يتطلب تدخلا شخصيا من المدين ويمتنع هذا الاخير عن ذلك كما هو الشان في الالتزام برسم لوحة او اجراء عملية جراحية او احياء سهرة. او الرجوع لبيت الزوجية ( وكذا الارجاع) ورؤية الابناء، في كل هذه الحالات لا يمكن استعمال القوة الجبرية للحصول على التنفيذ لان ذلك اما ان يكون مستحيلا او فيه مساس بالحرية الشخصية والذي لم يعد مقبولا في العصور الحديثة. وللضغط على المدينين بمثل هذه الالتزامات تقر التشريعات وسيلتين هما :

ــــــــــــــــــــــــــ

2) أمينة النمر : قوانين المرافعات 3، ص7 و8.

3) أبو الوفاء : اجراءات التنفيذ، ص 11.

4) هذه العبارات ماخوذة من الرسالة المشهورة التي وجهها الخليفة عمر بن الخطاب لقاضيه ابي موسى الاشعري عند توليته، والمنشورة في عدة مؤلفات منها البيان والتبيين للجاحظ 2/43.

الإكراه البدني والإكراه المالي :

فالإكراه البدني : هو حبس المدين حتى يضطر الى الوفاء بدينه ويعتبر من بقايا العهود القديمة، حيث كان المدين يلتزم في شخصه لا في ماله ويحق لدائنه ان يحبسه او يسترقه اذا لم يف بالتزامه وقد تراجعت عنه كثير من التشريعات احتراما لكرامة الانسان وتطبيقا لمبدا ( ان المدين يلتزم في ماله وليس في شخصه) وحصرته تشريعات اخرى في الغرامات والمصاريف الجنائية.

أما في تشريعنا (5) فلا يزال الإكراه البدني يطبق في الميدانين المدني والجنائي. ورغم الانتقادات الموجهة، اليه فقد برهنت التجربة العملية على انه وسيلة فعالة وناجحة، بل اصبحت ضرورية اكثر من أي وقت مضى في وقت كثرت فيه الحيل وشاع تهريب الاموال وإخفاؤها من طرف المدينين ذوي النيات السيئة (6) والذين يهدرون كرامتهم بانفسهم ولا مجال لرعايتها من قبل المشرع.

أما الإكراه المالي: يكون بفرض غرامة تهديدية على المدين الذي يمتنع عن الوفاء ويقتضي هذا الوفاء التدخل الشخصي له ولا يكون محله مبلغا من المال كما في الأمثلة أعلاه، رسم لوحة وارجاع زوجة والغرامة تفرض من طرف قاضي الموضوع او رئيس المحكمة الابتدائية ( ف 448 من ق م. م) ولا يتم تنفيذها مباشرة بل لابد من تصفيتها بواسطة حكم آخر.

وقد درج القضاء على فرض الغرامة التهديدية حتى في الحالات التي لا يتطلب فيها تنفيذا لالتزام التدخل الشخصي للمدين ( كإفراغ العقارات والمحلات التجارية والسكنية) وذلك باعتبارها وسيلة ضغط لمقاومة تعنت هؤلاء (7)، ومن جانب اخر يقسم التنفيذ الجبري الى تنفيذ مباشر وتنفيذ غير مباشر، أي بطريق الحجز على أموال المدين.

فكل تنفيذ عيني هو تنفيذ مباشر لان الدائن يحصل فيه مباشرة على نفس ما التزم به مدينه كتسليم منقول او عقار معين او القيام ببناء منزل او هدم حائط او فتح مطل او الامتناع عن عمل ما.

والتنفيذ الغير المباشر هو استخلاص مبلغ الذين عن طريق حجز اموال المدين ولا يستثنى من ذلك الا ما نص المشرع على عدم قابليته للحجز وسواء كانت هذه الاموال منقولات ام عقارات في حيازة المدين او تحت يد الغير.

ثانيا : أطراف التنفيذ والجهة المكلفة به :

قد يبدو لأول وهلة ان اطراف التنفيذ منحصرة في طالب التنفيذ والمنفذ ضده، لكن الواقع خلاف ذلك في بعض الحالات حيث يتطلب التنفيذ إشراك عدة اغيار في إجراءاته واستعراض فيما يلي اطراف التنفيذ بإيجاز.

1) الحاجز: أو طالب التنفيذ وهو الدائن بالحق في الالتزام الأصلي ويحل محله نائبه او خلفه الخاص او خلفه العام : كالوكيل او الوصي، والمقدم، والوارث، و الموصى له.

ويشترط في الحاجز ان تتوفر له الصفة في اجرائه التنفيذ كما ان ورثته ملزمون بإثبات صفتهم للحلول محله طبقا للفصل 442 من ق م. م.

ويبت الرئيس في كل نزاع يثور في هذه النقطة. اما الاهلية التامة فلا تشترط في الحاجز.

2) المحجوز عليه: أو المنفذ ضده هو المدين في الالتزام الاصلي سواء كان مدنيا اصليا او مجرد كفيل، او ضامنا او متضامنا، ويحل محله خلفه العام كالوارث او خلفه الخاص كالمحال عليه بالدين.

غير ان القانون اشتراط لمواصلة اجراءات التنفيذ ضد الورثة تبليغهم بالحكم الصادر على موروثهم سواء بلغ هذا الاخير في حياته ام لا. وسواء توفي بعد بدء اجراءات التنفيذ حيث تتوقف ام توفي قبل انطلاقها ( الفصل 443).

ـــــــــــــــــــــــــــــ

5) ظهير 1962 للإكراه البدني على القضايا المدنية.

6) أبو الوفاء : م. س. صفحة 14 هامش 1.

7) يراجع ما كتبه : الأستاذان : عبد النبي المحترم وعبد الله درميش في الموضوع بمجلة المحامي، عدد 6، ص85.

وقد لا تباشر اجراءات التنفيذ ضد المدين اذا نص القانون على ذلك كما في حالة اشهار افلاسه او طلبه التصفية القضائية حيث تتوقف المتابعات الفردية وتوجه الإجراءات ضد وكيل التفلسة او المصفى القضائي الفصلين 203 و341 من ق. التجاري (8) ويجري التنفيذ ضد المدين سواء كان شخصا طبيعيا او شخصا معنويا وطنيا او أجنبيا.

وقد ثار جدل حول امكانية التنفيذ الجبري على المؤسسات العمومية واملاك الدولة العامة والخاصة. وسأعرض له بايجاز عند الكلام على الاموال القابلة للحجز.(9)

3) الغير: رغم ان كل التزام هو رابطة قانونية بين طرفين احدهما دائن والاخر مدين مما يوحي بان اجراءات التنفيذ لا يمكن ان تشمل غيرهما، لكن الدائن قد يضطر الى توسيع دائرة هذه الاجراءات لتشمل اشخاصا اخرين هم في الواقع " اغيار" بالنسبة للالتزام ولكن لهم صلة بالحق او بالمال المراد التنفيذ عليه هذه الصلة تفرض عليهم الاشتراك في التنفيذ دون ان يكونوا اطرافا فيه (10) كما هو الشان بالنسبة للحارس والمودع لديه.

وأمين الأمانات ووكيل الحسابات بالنسبة للودائع، والمحافظ على الأملاك العقارية بالنسبة للأحكام الصادرة بالتشطيب او التسجيل بالصك العقاري، وضابط الحالة المدنية بالنسبة للأوامر الصادرة في هذه المادة، والمحجوز لدينه بعد تصحيح الحجز لدى الغير.

الجهة المكلفة بالتنفيذ :

ان أعوان كتابة الضبط هم المكلفون بالتنفيذ ولهم وحدهم الصفة في القيام به و تحرير المحاضر بعملياته، وما يجري أحيانا في إنابة بعض السلطات الإدارية أو رجال الدرك لا أجد له أي سند قانوني.

ولا يستثنى من ذلك إلا الأحكام الصادرة عن حكام الجماعات والمقاطعات والتي اسند الظهير المحدث لهذه الجماعات مهمة تنفيذها للسلطات الإدارية " القائد" والقوة العمومية المرافقة لمأمور التنفيذ، وكذا الخبير عند مساعدته في عمليات الخبرة كل هؤلاء لا صلة لهم بالمحضر ولا تغني تقاريرهم عن المحضر الذي يحرره مأمور التنفيذ كما لا يجوز ان يجر التنفيذ بدون حضوره. كما لا يجوز لأعوان القوة العمومية او الخبير إثارة الصعوبة القانونية في وجه تنفيذ الحكم (11).

ومحضر التنفيذ هو السند الوحيد الذي يدل على انهاء عمليات التنفيذ والكيفية التي تم بها أو ما صاحبها من اعمال الشغب، وما أثير من صعوبات وهو الذي يكون محل طعن في منازعات التنفيذ الموضوعية والتالية لتمامه والرامية عادة لإبطاله.

ولما لهذه المحاضر من اهمية، ونظرا لضعف مستوى بعض اعوان كتابة الضبط فانه آن الوقت لاتخاذ التدابير الضرورية للحصول على محاضر تامة الشكل وافية المضمون، ولن يتاتى ذلك الا بتنظيم تداريب مكثفة وتكوين خاص هؤلاء الأعوان ووضعهم تحت مراقبة قاضي التنفيذ.

ثالثا : السندات التنفيذية :

مرت نظرية السند التنفيذي بعدة مراحل قبل ان تكتمل لها جميع عناصرها وتغدو اهم عنصر في التنفيذ الجبري، ولا يتسع الوقت لاستعراض هذه المراحل، لكن لا بد من التأكيد على ان لهذه النظرية الفضل الكبير في وضع حد نهائي لاقتضاء الشخص لحقه بيده (12).

واختلفت الفقه في تعريفه وماهيته فذهب البعض الى تعريفه بانه " الورقة المعدة للإثبات او الدليل المهيأ" (13) كما ان البعض الاخر اعتبره سببا للتنفيذ.

ــــــــــــــــــــــــــــ

8) محمد حجيب: المجلة المغربية للقانون، عدد 1، س 86، ص 5.

9) يراجع الأمر الصادر عن رئيس المحكمة الابتدائية بالرباط تحت عدد 1206 بتاريخ 16/12/1985 منشور بالمجلة المغربية للقانون، عدد 4، سنة 86، ص 243.

10) أمينة النمر : م س ص 128.

11) أما الصعوبة الواقعية فيمكن للخبير إثارتها لمامور التنفيذ عندما يتعلق الامر بمسالة تقنية او طبوغرافية.

12) محمد إبراهيم : أصول التنفيذ الجبري ص 19. وفتحي والي التنفيذ الجبري ص 29.

13) أمينة النمر : م س. ص.

والسندات التنفيذية أنواع عديدة أهمها ما يأتي :

1) الأحكام

2) الأوامر

3) محاضر الصلح

4) أحكام المحكمين

5) الأحكام الأجنبية

6) العقود المبرمة بالخارج

وحتى يتضح ما لكل نوع من اهمية وما يمتاز به عن غيره لا بد من الوقوف قليلا عند كل نوع على حدة:

1) الأحكام : تعتبر الاحكام القضائية اهم انواع السندات التنفيذية واكثر شيوعا في الحياة العملية، واقواها حجية لانها تصدر في مواجهة المدين، وبعد الأعذار إليه، وتبليغه بموضوع الحق وتمتيعه بكافة الضمانات للدفاع عن نفسه، ومواجهة خصمه، ومقارعة حججه، بل لا تصدر في بعض الاحيان الا بعد اجراء ابحاث، قد تامر بها المحكمة تلقائيا بحثا عن الحقيقة العادلة والعدالة الحقة.

وتمتاز عن باقي السندات التنفيذية (15) في انها تكتسب قوة الامر المقضى ويمتنع على أي طرف ان يسعى لطرح ذات النزاع الذي فصل فيه بحكم قضائي على القضاء مرة أخرى.(16)

ويمكن تعريف الحكم بانه " القرار الصادر عن محكمة مشكلة تشكيلا صحيحا ومختصة،

في خصومة رفعت اليه، وفق قواعد المرافعات، سواء كان صادرا في موضوع الخصومة او في شق منه او في مسالة متفرعة عنه" (17) ولذلك لا يعتبر القرار الصادر عن غير المحاكم حكما ولو صدر من هياة يراسها قاض او كل اعضائها قضاة، ولا يستثنى من ذلك إلا ما يصدره المحكمون من قرارات فقد اعتبرها الفقه والقانون معا. " احكاما" احتراما لإرادة الأطراف.

والأحكام تقسم عدة تقسيمات حسب الضابط المتخذ لهذه التقسيمات فهي إما :

أحكام ابتدائية أم انتهائية أم حائزة لقوة الشيء المقضى به ام باتة.

واما هي احكام تمهيدية ام احكام موضوعية.

واما احكام قطعية ام وقتية.

واما هي احكام حضورية ام غيابية.

وأخيرا فان الأحكام اما ان تكون " مقررة" او كاشفة لحالة او مركز قانوني موجود من قبل كالحكم بحصة البيع، وبثبوت النسب، وبتحديد المسؤولية واما ان تكون أحكاما منشئة لحالة ومركز قانوني موجود من قبل دون ان تتضمن أي الزام للمدين المحكوم عليه، كالحكم بفسخ عقد او باشهار الافلاس، واما تكون احكاما ملزمة أي صدرت بالزام المدين بالقيام بعمل او بالامتناع عن القيام بعمل : كاداء مبلغ مالي او افراغ عقار او تسليم منقول معين.

والنوع الأخير: " الأحكام الملزمة" هو الذي يكون محل التنفيذ الجبري لاجبار المدين على تنفيذ التزامه، وفي حالة امتناعه تقوم السلطة العامة ممثلة في مامور التنفيذ المؤازر بالقوة العمومية احيانا بالقيام بدلا عنه باستخلاص المبلغ او افراغ العين او تسليم المنقول.

أما الأحكام المقررة او المنشئة فلا تقبل كمبدا عام التنفيذ الجبرى لان الحكم بصحة البيع، يكفي لاعتباره سندا لنقل ملكية المبيع، والحكم بفسخ البيع يحلل الملتزم من التزامه السابق ولا سبيل لمطالبة بالوفاء به ولا عبرة بالمحكمة التي أصدرت الحكم : فهو متى اصبح قابلا للتنفيذ يكون سندا تنفيذيا سواء صدر عن حاكم الجماعات والمقاطعات ( مع ملاحظة الجهة المكلفة ) بالتنفيذ في هذه الحالة وهي السلطة الإدارية) او صدر عن المحكمة الابتدائية ام الاستئنافية ام عن المجلس الاعلى عندما يستعمل حق التصدي وسواء صدر الحكم عن محكمة مدنية ام عن محكمة جنحية في الجانب المدني للنزاع.

ــــــــــــــــــــــــــــ

14) بو الوفاء : م. س. ص.

15) باستثناء : الأمر بالأداء والذي يكتسب نفس القوة كما سيأتي.

16) محمد إبراهيم : م س ص 126.

17) ابو الوفاء : نظرية الأحكام في قانون ص 35، ومحمد حامد فهمي بند 601.

2) الأوامر: تشترك الأوامر مع الاحكام في كونها لا تصدر الا عن المحاكم المشكلة تشكيلا صحيحا وفي حدود الاختصاص المخول لها " الولائي والقضائي". وفي طلبات رفعت اليها وفق الاجراءات المنصوص عليها قانونا (18) وتشكل من الناحية العددية في الحياة العملية. ثاني اكبر نسبة من السندات التنفيذية بعد الاحكام، ولكنها تختلف عن هذه الاخيرة في انها ليست لها نفس القوة التنفيذية ولا تكتسب قوة الشيء المقضى به كمبدا عام بعرض بعض الاستثناءات ( كالأوامر بالأداء وبعض الاوامر الاستعجالية). وتنفرد الاوامر بكونها تصدر دائما عن قاض منفرد بصفته الولائية او القضائية واهم الاوامر التي تعتبر سندات تنفيذية.

أ‌) الأوامر المبنية على الطلب : او الاوامر على العرائض وهي التي يصدرها رؤساء المحاكم بمكاتبهم لوحدهم وبدون حضور كاتب للضبط، بناء على الطلبات المرفوعة اليهم بصفتهم قضاء للمستعجلات طبقا للفصل 148 من ق م م كالأمر باجراء خبرة او معاينة او تبليغ انذار او ايقاع حجز تحفظي.

ونظرا لطبيعتها الوقتية فان بعض التشريعات تحدد اجلا لتنفيذها. وتسقط بعده وتصبح غير قابلة للتنفيذ (30 يوما في القانون المصري ) لكن التشريع المغربي خال من هذا الاجل وهو ما يطرح تساؤلا عما اذا كانت هذه الاوامر قابلة للتنفيذ خلال الثلاثين سنة الواردة في الفصل 428 من ق م م بالنسبة للاحكام، لكن يبدو ان طبيعتها الوقتية لا تساعد على ذلك، وحبذا لو تدخل المشرع وحدد اجلا لتنفيذ مثل هذه الأوامر.

ب‌) الأوامر الاستعجالية: ان الأوامر الاستعجالية تمتاز بانها سندات تنفيذية ابتداء من يوم صدورها لانها مشمولة بالتنفيذ المعجل بقوة القانون دائما ( ما لم يعلق على تقديم كفالة طبقا للفصل 153 ق م. م) ولانها تروم منح الظروف حماية خاصة.

ورغم ان المبدا العام ان هذه الاوامر لا تبت الا في الاجراءات الوقتية ولا تمس الموضوع ولا تحوز قوة الشيء المقضى به الا في حدود الظروف التي صدرت فيها، فان هناك عدة حالات تشذ عن هذه القاعدة ويقع فيها المساس بل الفصل في الموضوع باوامر استعجالية وتكون احكاما قطعية وهذه الحالات اما ان تكون استنادا لنص قانوني واما استنادا لمجرد الاجتهاد القضائي المتواتر.

ومن أمثلة الحالة الأولى: إفراغ المحلات التجارية من طرف قاضي المستعجلات بموجب مقتضيات ظهير 24 ماي1955 وما ينص عليه الفصل 19 من القانون الجديد لنزع الملكية وتحديد النفقة والتعويض المؤقتين في قضايا الأحوال الشخصية والقضايا الاجتماعية والقيام باصلاحات في العين المكراة الفصل 638 من قانون العقود والالتزامات.

كما ان امثلة الحالة الثانية عديدة منها : طرد العامل من المنزل المسلم اليه بمناسبة عقد الشغل، بعد توقف هذا العقد. وطرد المحتل لعقار محفظ رغم استناده لعقد شراء غير مسجل، وارجاع الحالة الى ما كانت عليه بعد الغاء حكم سبق تنفيذه.

ج‌) الأوامر بالأداء: ثار خلاف كبير حول طبيعة الامر بالاداء : هل هو امر او حكم، لانه من جهة يصدر بإجراءات تشبه اجراءات الامر المبنى على طلب : في نزاع، في غيبة الطرفين، وبدون حضور كاتب الضبط، ولكنه من جهة أخرى يبت في نزاع، ويقضي باداء مبالغ جد مهمة احيانا ويحوز الحجية بل وقوة الشيء المقضى به، وفي كل ذلك يلتقي مع احكام الموضوع. ويرجح اغلب الفقه بان الأمر بالاداء ليس امرا ولائيا، ولكنه امر قضائي مبني على طلب عند ميلاده ولكنه لا يلبث ان يتحول الى حكم قطعي بمجرد فوات اجل الطعن فيه او بالبت في هذا الطعن. (19)

وتجدر الإشارة الى ان رئيس المحكمة هو المختص لإصدار أمر بالأداء بصفته تلك وليس بصفته قاضيا للمستعجلات، كما يتضح من نصوص قانون المسطرة المدنية في الموضوع، والتي تبدو جد مقتضبة ويعتريها نقص في الصياغة أحيانا، كما ان بعض المقتضيات الواردة بها لا تطبق في الواقع، ففيما يخص الاقتضاب:

ــــــــــــــــــــــــــــ

18) يلاحظ ان بعض الاوامر تصدر تلقائيا وبدون طلب: كالامر بتحديد واجبات الطلاق في اطار الفصل 179 من ق م م والامر بعزل المقدم او بفرض غرامة تهديدية عليه او بوضع امواله تحت الحراسة القضائية طبق الفصل 193 ق م. م.

19) أبو الوفاء : نظرية الاحكام ص 45 وإجراءات التنفيذ ص 131.

وأمينة النمر: م. س صفحة 141 وكذا وجدي راغب النظرية العامة للتنفيذ.

لم يحدد الرئيس المختص مكانيا لإصدار الأمر بالأداء مما حدا بالرؤساء الى إصدار أوامر بالأداء لأشخاص لا يسكنون في دائرة نفوذ محاكمهم استنادا الى الفصل 157. لكن تمسك هؤلاء امام محاكم الاستئناف بالدفع بعدم الاختصاص المكاني يؤدي الى إلغاء تلك الأوامر والاستجابة لهذا الدفع وإحالة الطلب على الرئيس المختص مكانيا، وهذا ما يتعارض تماما مع التبسيط. والسرعة المتوخاة من مسطرة الامر بالأداء.

كما ان الفوائد القانونية لم تشر اليها هذه النصوص رغم ان المطبوع الرسمي المهيأ من طرف الوزارة تشير اليها والى استمرارها الى حين الوفاء. مما جعل الاجتهاد القضائي بشانها متضاربا، فالبعض يرى انه لا سبيل للحكم بها لعدم النص عليها ما دام الامر يتعلق بمسطرة خاصة، وبالبعض الاخر يحكم بها ولو بين المسلمين وفي غير المعاملات التجارية. وانقسم الاتجاه بالحكم بها على نفس مرة أخرى فذهب جانب منه الى الحكم بالفوائد المطلوبة ولو تجاوزت النسبة المائوية القانونية وجانب اخر برفض الطلب الاصلي ( الأصل والفوائد) متى اشفع بفوائد خيالية لعلة انه لا يمكن تجزئة الامر بالاداء.

وهنالك طلبات للامر بالاداء لا تشفع بالفوائد فقط ولكن بطلب تعويضات، واصدرت عدة اوامر برفض الطلب المقترن بطلب تعويضات.(20)

أما الخلل في الصياغة والذي أرى انه شاب بعض فصول ق. م. م. الخاصة بمسطرة الامر بالاداء فيتجلى في تناقض الفقرتين الأخيرتين من الفصل 158 لان إحداهما توجب تعليل الأمر برفض الطلب، والأخرى غير قابل لأي طعن، فما هي الغاية من التعليل امام عدم امكانية الطعن ؟ وما هو الجزاء المترتب عن صدور امر برفض الطلب بدون تعليل او بتعليل فاسد ؟

ويتجلى سوء الصياغة من جهة أخرى في الفصل 163 الذي ينص على ان رفض طلب الاستئناف يجعل الآمر بالاداء قابلا للتنفيذ المعجل بقوة القانون.

والواقع انه ليس تنفيذا معجلا، بل تنفيذ لحكم نهائي كغيره من الاحكام الصادرة بهذه الصفة، والتنفيذ المعجل لا يمكن تصوره الا بالنسبة للاحكام والاوامر الابتدائية.(21) والقرارات الاستئنافية الغيابية والقابلة للتعرض.

أما المقتضيات المنصوص عليها والتي لا تحترم في الحياة العملية فهي المنصوص عليها في الفصل 161 من ق م م والقاضية بضرورة ارفاق وثيقة التبليغ بنسخة من المقال والامر بالأداء.

وسند الدين: فهذا الأخير لا يرفق بالتبليغ، ومن شان ارفاقه بالتبليغ ان يعرضه لخطر الضياع، خاصة اذا كان المبلغ اليه، يسكن بالبادية او بجهة بعيدة جدا عن دائرة نفوذ المحكمة المصدرة للامر، والجميع يعرف مشاكل التبليغ في مثل هذه الحالات.

ويمكن تصور اهمية هذه النقطة اذا تمسك المامور بالاداء بان التبليغ باطل لعدم احترام ما ذكر، واثار صعوبة او قدم مقالا استئنافيا خارج اجل الثمانية أيام، ومهما يكن فان الامر بالاداء القابل للتنفيذ يعتبر سندا تنفيذيا يسوغ اجراء التنفيذ الجبري بمقتضاه.

د‌) أوامر تحديد الواجبات المترتبة عن الطلاق: تطبيقا للفصل 179 من ق م م يصدر القضاة المكلفون بالتوثيق تلقائيا وعلى اثر خطابهم على رسوم الطلاق اوامر بتحديد الواجبات المترتبة عن الطلاق والتي تشتمل عادة : كالئ الصداق ونفقة المطلقة خلال اشهر عدتها وكذا متعتها ونفقة الابناء: وتنفذ هذه الاوامر على الاصل لا تقبل أي طعن. (22)

ـــــــــــــــــــــــــــــ

20) أوامر عدد : 12/85، 17/85، 9/86 غير منشورة.

21) يرى البعض ان الامر لا يعد ان يكون خطا في الترجمة من اللغة الفرنسية الى اللغة العربية على اعتبار ان النصوص توضع اصلا باللغة الفرنسية ومن هذا الاتجاه الأستاذ محمد السماحي في كتابه: نظام التنفيذ المعجل للأحكام المدنية ص 122.

ولكني لا أشاطره هذا الرأي والذي طالما بررت به مثل هذه الهفوات في صياغة النصوص الصادرة في عهد الحماية وأوائل عهد الاستقلال لكنه لم يعد مقبولا بالنسبة للنصوص الصادرة في عهد الوحدة والتعريب ولم يعد بالامكان القول بان النص الفرنسي هو الاصل دائما.

22) وان كان المتضرر منها يرفع امره لمحكمة الموضوع وفقا للقواعد العامة وعلى كل حال فليس ذلك طعنا.

ه‌) أوامر تحديد أجور الخبراء والتراجمة: وهي الاوامر التي يصدرها القضاة بتحديد اجور الخبراء والمترجمين المعينين من قبلهم اذا كانت اجراءات الدعوى تتطلب ذلك سواء بطلب الاطراف ام تلقائيا، والملاحظ ان هذا الامر - يكون قابلا للتنفيذ من يوم صدوره، ولا يمكن المنازعة فيه من طرف المطلوب باداء الأجور.(23) ويمكن ان يلحق بهذا النوع من السندات : قرارات السادة النقباء بتحديد اتعاب المحامين اذا لم يطعن فيها بالاستئناف.

3) المحاضر : هنالك عدة محاضر يضفي عليها المشرع صبغة السند التنفيذي، ولا تحتاج لصدور احكام بمباركة اتفاق الاطراف او الصلح المبرم بينهم واهم المحاضر المعتبرة سندا تنفيذيا هي :

أ‌) محضر الجلسة: المتضمن الصلح الذي اتفق عليه الطرفان امام القاضي والذي يكتفي بتدوينه والتاكد من توافق ارادتي الطرفين، بعد حضورهما امامه اذ لا يكفي حضور احدهما وحده ولو ادلى بورقة عرفية تتضمن موافقة الاخر. ويجوز دائما وفي جميع مراحل الدعوى ابرام صلح بين الطرفين طالما ان موضوعه مما يجوز لهم التصرف فيه واحيانا كثيرة يوجب القانوني على القاضي ان يدعو الخصمين، وينتدبها للصلح قبل البت في النزاع تحت طائلة بطلان الحكم الذي سيصدره دون مراعاة ذلك، كما هو الشان في قضايا نزاعات وحوادث الشغل - الفصلان (277 و278) وقضايا التطليق الفصل 212 من ق المسطرة المدنية. بل ان مهمة القاضي قد تقتصر أحيانا على إجراء الصلح بينهما، كما هو الشان بالنسبة لمقتضيات الفصل 28 من ظهير24 ماي1955. والفصل 494 من ق م م بالنسبة للحجز لدى الغير.

وأخيرا فان حكام الجماعات والمقاطعات يمكن تحرير محاضر التصالح بين الطرفين امامهم، ويغني ذلك عن اصدار الحكم في ذات النزاع

ب‌) محضر إرساء المزيد العلني : سواء كان هذا المزاد يتعلق بمنقول او عقار ( الفصلان 464 و480) ويعتبر سندا تنفيذيا لمطالبة الراسي عليه المزاد بالثمن، كما يعتبر سندا نقل ملكية المبيع اليه وعند اعادة المزاد يعتبر المحضر الاول سندا تنفيذيا لاستخلاص الفرق بين الثمنين من المشتري الاول ومتى حرر محضر من المحاضر المشار اليها اعلاه وفق المسطرة القانونية اعتبر سندا تنفيذيا يحق مباشرة اجراءات التنفيذ، بناء على نسخة مستخرجة منه.

4) الأحكام والعقود الأجنبية: ان نظرية السيادة واستقلال الدول الحديثة يقتضي الا تنفذ الأحكام الا في تراب الدولة التي صدرت فيها. (24) لكن الرغبة في توفير الوقت والجهد والمصاريف من جهة، وما عرفته العلاقات بين الدول من تطور شمل جميع الميادين وما تتطلبه حماية الاستثمارات الاقتصادية التي أصبحت لها الكلمة الفاصلة في حياتنا اليوم من طمأنة الناس على اموالهم وممتلكاتهم على اختلاف جنسياتهم ومواطن اقامتهم، كل ذلك ساعد على قبول فكرة تنفيذ الأحكام خارج حدود دولة القاضي، سواء في إطار معاهدة ثنائية بينها وبين دولة مكان التنفيذ أم في إطار معاهدة متعددة الأطراف قد تكون احيانا تحت رعاية منظمة جهوية او دولية. (25) بل اصبح تنفيذ الاحكام الأجنبية شيئا ممكنا حتى في اطار المبادئ العامة وبالنص الصريح في قوانين بعض الدول أحيانا.

وينص الفصلان 430 و431 من ق م م على مسطرة تذييل هذه الاحكام بالصيغة التنفيذية بموجب حكم بعد التاكد من صحتها واختصاص المحاكم الاجنبية التي اصدرتها وعدم مساسها بالنظام العام المغربي.

ولما كانت بعض الدول الاجنبية تضفي صبغة السند التنفيذي على العقود والمحررات الرسمية في ترابها الوطني، شانها شان الأحكام والأوامر القضائية، فان قبول فكرة التنفيذ خارج دولة السند يحتم ان يشتمل ذلك حتى هذه العقود بعد وضع الصيغة التنفيذية عليها.

وهذا ما نص عليه الفصل432 من ق. م المدنية بقوله " تكون العقود المبرمة بالخارج امام الضباط والموظفين العموميين المختصين أيضا قابلة للتنفيذ بالمغرب بعد اعطائها الصيغة التنفيذية ضمن الشروط المقررة في الفصول السابقة".

ـــــــــــــــــــــــــــــ

23) وينبغي عدم الخلط بين الطعن في امر تحديد الاتعاب وبين تجريح الخبير طبقا للفصل 62 من ق. م. م.

24) أبو الوفاء : اجراءات التنفيذ، ص 214.

25) اتفاقية تنفيذ الاحكام بين الدول العربية التي أبرمت منذ 9 يونيه1935. وكذا : اتفاقية الرياض العربية للتعاون القضائي المؤرخة في 6/4/83 والمنشورة بالمجلة القضائية العربية الصادرة عن الامانة العامة لمجلس وزراء العدل العرب بالرباط، عدد 1، صفحة 409.

وهنا لا بد من ملاحظة هذه المفارقة العجيبة في التشريع المغربي: وهي عدم قابلية العقود الرسمية والعرفية المبرمة بالمغرب للتنفيذ مباشرة على ارضه، وامكانية تنفيذ العقود المماثلة لها متى ابرمت خارج التراب المغربي.

تلك هي اهم السندات التنفيذية، والتي يجري التنفيذ الجبري بموجب نسخة وحيدة منها تسمى" النسخة التنفيذية" بعدما تكتمل لها بعض الشروط وعلى راسها وضع الصيغة التنفيذية عليها، فما هي هذه النسخة وما هي تلك الصيغة.

رابعا الصيغة والنسخة التنفيذيتان :

أ‌) الصيغة التنفيذية : ان مجرد حصول الدائن على السند التنفيذي لا يكفي لاجراء التنفيذ سواء كان السند حكما او امرا او غيرهما من السندات المشار اليها اعلاه، بل لا بد من وضع ما يسمى بالصيغة التنفيذية عليه.

وهكذا يبدو ان وصف هذه السندات " بالتنفيذية" قبل ذلك فيه نوع من التجاوز، لان هذا الوصف لا يصدق عليها الا بعد ان تكون ممهورة بالصيغة التنفيذية والتي عرفها البعض بانها امر صادر الى السلطات المختصة بإجراء تنفيذ السند التنفيذي جبرا ولو اقتضى الأمر استعمال القوة الجبرية (26) والصيغة التنفيذية في التشريع المغربي وهي المنصوص عليها في الفصل 433 المعدل بالقانون 82-18. وكاتب ضبط المحكمة المصدرة للحكم والامر او التي حرر بها محضر الصلح او التي امرت بتنفيذ الحكم او العقد الاجنبي هو المختص لوضع الصيغة التنفيذية على النسخة التنفيذية بعد استيفاء الاجراءات المتطلبة.

ومجرد وقوع خطا مادي في كتابة الفاظ وعبارات الصيغة التنفيذية لا يشكل اية صعوبة تحول دون تنفيذ الحكم، ويمكن للكاتب المختص اصلاحه، وتجنبا لمثل هذه الاخطاء وضعت طوابع تحمل الصيغة التنفيذية يؤشر بها على النسخة التنفيذية.

ب‌) النسخة التنفيذية: هي نسخة السند التنفيذي والتي توضع عليها الصيغة التنفيذية، وهي التي يجري التنفيذ على اساسها وبها، ولذلك فهي الوثيقة الاساسية في الملف التنفيذي، والتي لا تغني عنها اية وثيقة اخرى ولو كانت صورة لها مطابقة لاصلها.

وتسلم النسخة التنفيذية الى كل مستفيد من الحكم مرة واحدة اذا تعدد هؤلاء، حيث يحصل كل واحد منهم على نسخة خاصة به على ان تتم الاشارة عليها الى الشخص الذي تسلمها وذلك ما لم يتفقوا على توكيل شخصي واحد عنهم جميعا فيكتفي بتسليم نسخة وحيدة لهم جميعا.

ولا عبرة بتعدد المدعى عليهم لان النسخة الواحدة تكفي للتنفيذ عليهم جميعا سواء كانوا متضامنين ام لا. كان هنالك حلول قانوني ام لا. كما لا عبرة بتعدد الحجوز المطلوب إجراؤها، فالنسخة الواحدة تكفي لاجراء اكثر من حجز ولو اختلفت الاماكن التي ستقع فيها أو تعلق الأمر بعدة دول (27).

ويحل محل المستفيد من الحكم في الحصول على النسخة التنفيذية: وكيله وخلفه الخاص والعام طبقا للقواعد العامة.

ومجرد الحيازة المادية للنسخة التنفيذية ليس قرينة قاطعة على ان حائزها هو صاحب الحق في اجراء التنفيذ، ما لم يكن بالفعل منصوصا عليه بالسند ومحتفظا بنفس الصفة التي كانت له، والا امتنع اجراء التنفيذ لفائدته، كما هو الشان عند زوال صفة الوكيل أو المقدم أو الوصي أو الحارس القضائي أو الحاضن أو ممثل الشخص المعنوي.

فبالأحرى إذا لم يكن مذكورا اصلا بالسند باية صفة.

ومعلوم ان النسخة التنفيذية تسلم من طرف الكاتب المختص، وامتناعه من تسليمها، يمكن تصوره في الحالتين الآتيتين:

ـــــــــــــــــــــــــــــ

26) أبو الوفاء: اجراءات التنفيذ، ص 237 وأمينة النمر: س ص 210.

27) ابو الوفاء : مرجع سابق، ص241.

الحالة الأولى: عندما يكون طالبها غير طرف في الحكم بنفسه أو بمن يمثله.

الحالة الثانية: عندما يكون قد تسلمها وأضاعها.

ويرفع الأمر إلى رئيس المحكمة في الحالتين، بصفته الولائية في الحالة الاولى حيث يصدر امره الولائي بتسليم أو عدم تسليم النسخة. وبصفته القضائية في الحالة الثانية بصفته قاضيا للمستعجلات، حيث يرفع إليه المقال استعجالي ويستدعي أمامه جميع الأطراف، وإذا اثبت الطالب ضياع النسخة التنفيذية الاولى وعدم وقوع التنفيذ بها ساغ لقاضي المستعجلات الامر بتسليمه نسخة تنفيذية ثانية. وذلك طبقا لما هو منصوص عليه في الفصل 433 المعدل بقانون 82/18. لكن ما هي وسيلة الاثبات التي يمكن ان تشفع لطلب الحصول على نسخة تنفيذية ثانية اذا تخلف المدعى عليهم عن الحضور وتعذر سماع جوابهم حول حصول التنفيذ ام عدم حصوله بالنسخة الأولى ؟

وعلى كل حال فتسليم نسخة تنفيذية ثانية يجعل الاولى عديمة الجدوى ويسقط عنها صفتها تلك في حالة العثور عليها بعد ذلك، كما ان المنفذ عليه يحق له التعرض عن التنفيذ بالنسخة الثانية اذا سبق له ان اجري عليه بموجب الأولى.

وإذا أسس طلب النسخة الثانية على ان الاولى مدلى بها لجهة ادارية او قضائية في مسطرة أخرى: كإهمال الاسرة او الاكراه البدني او انها بحوزة المدعى عليه نفسه سلمت له على اثر صلح بين الطرفين وضع حدا للتنفيذ الاول : كالمشغل او الزوج في نزاعهما مع الاجراء والزوجات " كل ذلك في نظري لا يعد ضياعا للأولى ولا يمكن ان يستجاب معه لطلب النسخة الثانية لان هذه الرخصة مقتصرة على حالة الضياع، والذي يفترض معه جهل مكان وجود النسخة الاولى ولا ضياع في جميع الامثلة السابقة.

وذهب جانب كبير من الفقه الى ان قاضي المستعجلات عندما يامر بتسليم نسخة تنفيذية ثانية يبت في واقعة الضياع وليس في وقوع التنفيذ من عدمه، وقضاؤه في هذه الحالة قضاء قطعيا وليس قضاء وقتيا، ولذلك فهو يكتسب الحجية (28).

لكن البعض الاخر يرى ان هذه الحجية مقتصرة على الحالة التي يستجاب فيها لطلب النسخة الثانية، اما في حالة عدم قبول او رفض الطلب لعدم الإثبات مثلا، فانه لا يمنع من اعادة الطلب مرة أخرى اذا تبدلت ظروف الطالب واستطاع الحصول على حجة الضياع (29)

التنفيذ بصفة استثنائية بدون النسخة التنفيذية: ويكون في حالتين هما :

1) استثناء من المبدا العام ارتأى المشرع ان انتظار الحصول على النسخة التنفيذية قد يفوت الغرض المقصود من الامر الاستعجالي او الحكم المطلوب تنفيذهما، فاجاز في بعض الاحيان التنفيذ بموجب المسودة وهي النسخة التي يكتبها القاضي بخط يده وبدون تبليغ للطرف الآخر.

2) والتنفيذ على المسودة او " الاصل" لا يؤمر به تلقائيا بل لابد من طلبه من المعني بالامر ويعتبر سكوت القاضي عن اجابته رفضا له، ويستنفذ ولايته في هذه النقطة بحيث لا يمكن الرجوع اليه لاستدراك ذلك بدعوى ان الامر يتعلق بمجرد اغفال او خطا.

والرأي الراجح في الفقه ان التنفيذ على المسودة لا يتطلب وضع الصيغة التنفيذية على هذه المسودة، لان هذه الصيغة توضع على النسخة التنفيذية والمسودة ليست كذلك. ولان وضع الصيغة التنفيذية يقصد به الدلالة على ان من بيده نسخة تحمل تلك الصيغة يحق له اجراء التنفيذ الجبري، وهذه العلة منتفية في التنفيذ بموجب المسودة لان كاتب الجلسة يحيلها بنفسه على مامور التنفيذ حتى اذا ما انتهت الاجراءات أعادها هذا الأخير للكاتب لتحفظ مع أصول الأحكام، ولذلك فلا يكون هناك أي شك في احقية المستفيد من التنفيذ. (30)

ـــــــــــــــــــــــــــــ

28) أبو الوفاء : مرجع سابق، ص 245، وأمينة النمر مناط الاختصاص والحكم في الدعوى المستعجلة وكذا قوانين المرافعات م. س. ص 216.

29) محمد إبراهيم، أصول التنفيذ الجبري، ص31.

30) أمينة النمر: قوانين المرافعات 3، ص213، محمد حامد فهمي م س ص وعبد الباسط جميعي م. س. ص361. محمد ابراهيم م س ص 68.

اما الحالة الثانية التي يجوز فيها اجراء التنفيذ بدون النسخة التنفيذية فهي حالة تنفيذ القرارات الصادرة بتغريم الشهود المتخلفين عن الحضور امام المحاكم او الخبراء الذين يتقاعسون عن القيام بالمهام المسندة اليهم بدون أي عذر، حيث يكتفي بتضمين القرار الصادر بالغرامة في محضر الجلسة ويتم التنفيذ بموجب نسخة عادية منه كما ذهب الى ذلك احمد ابو الوفاء، حيث لاحظ بانه لا يمكن بل لا يتصور تسليم نسخة تنفيذية في هذه الحالة (31) في حين ذهب راي معاكس الى ضرورة النسخة التنفيذية حتى في هذه الحالة ووضع الصيغة التنفيذية عليها كما ذهبت أمينة النمر معللة رأيها بان من شان الراي الاول اعطاء القرارات بالتغريم قوة تفوق قوة الاحكام من جهة، ومن جهة اخرى فلن يكون هناك ما يعتمد عليه مامور التنفيذ لاستخلاص مبلغ الغرامة.

ومتى حصل الدائن على سند تنفيذي ونسخة تنفيذية منه عليها الصيغة التنفيذية - ما لم يعف منها- ساغ له ان يبادر الى انطلاق مسطرة التنفيذ والتي تبدا بما يمكن تسميته: بمقدمات التنفيذ ثم بإجراءاته فما هي المقدمات وما هي الاجراءات وما الفرق بينهما ؟

خامسا: مسطرة التنفيذ : مقدماته وإجراءاته:

مقدمات التنفيذ : لا تنطلق اجراءات التنفيذ الا بعد استيفاء ما يسمى في الفقه " مقدمات التنفيذ" وسميت كذلك لانها لا تعتبر من إجراءاته ويترتب عن ذلك ان اجل الطعن لا يمنع من السعي لها. كما ان صدور الحكم النهائي لا يغني عن هذه المقدمات والتي ينبغي دائما القيام بها قبل اجراءات التنفيذ - وإلا كان الاخير باطلا(32).

وقد اورد قانون المسطرة المدنية هذه المقدمات في الباب الثالث من القسم التاسع تحت عنوان " القواعد العامة بشان التنفيذ الجبري للاحكام" الفصول 428 إلى 451، وعليه فهي " مجرد قواعد عامة" في تشريعنا وليست اجراءات التنفيذ ويمكن اجمالها فيما يلي :

1) إعلان السند التنفيذي للمدين، وإنذاره بالوفاء ( الفصل 440).

وأوجب المشرع هذا الاجراء أيا كان نوع السند التنفيذي وسواء تعلق بتنفيذ مباشر او غير مباشر على عقار أو منقول. ويجب عدم الخلط بينه وبين التبليغ الذي يحرك اجال الطعن لان الغاية من هذا الاخير هو انطلاق هذه الاجال ويتعذر القيام باجراء التنفيذ قبل انقضائها ما لم يكن الحكم مشمولا بالتنفيذ المعجل. اما الغاية من التبليغ الاول والمعتبر مقدمة للتنفيذ هو اعطاء فرصة للمدين لابراء ذمته والتحلل من التزامه، وتفادي مذلة التنفيذ الجبري، واشعاره باصرار الدائن على الاستنجاد بالقوة العمومية لاقتضاء حقه.

كما يتوخى من هذا الاجراء منح اخر فرصة للمدين لمقاومة هذا التنفيذ باثارة ما قد يراه من اشكالات او منازعات خصوصا اذا كانت مستندة الى عناصر جديدة طرات بعد صدور الحكم او السند التنفيذي.

والواقع ان هذا الاجراء كان جوهريا وفي غاية من الاهمية في ظل قانون المسطرة المدنية قبل العدول أخيرا عن التنفيذ التلقائي للأحكام والذي تبنته المسطرة المدنية منذ اصلاح سنة 1974، لان بعض المستفيدين من الاحكام قد يكتفون باصدارها في مواجهة مدينهم، ويترفعون عن سلوك مسطرة التنفيذ الجبري متحلين بصفة " العفو عند المقدرة" خصوصا عندما تكون للنزاع اهمية معنوية بالنسبة اليهم او بسبب وجود روابط عائلية او تبعية الشغل او تحت أي تاثير كان لان عفة هؤلاء الدائنين لم تكن لتمنع اعوان كتابةالضبط طبقا للفصل 433 من ق. م. م قبل التعديل - من تحريك مسطرة التنفيذ ومفاجاة الطرفين معا بذلك.

اما بعد التعديل الاخير، والتراجع عن فكرة التنفيذ التلقائي فان هذا الاجراء رغم انه لا يزال مطلوبا. لم تعد له نفس الاهمية، لان مجرد تقديم طلب التنفيذ ينفي كل شبهة للتسامح، ويؤكد على ان الدائن سيمضي قدما لاستخلاص حقه.

ورغم ان هذا الاجراء ليس من اجراءات التنفيذ، كما سبق القول. فقد يتحول حالا الى تلك الاجراءات وينهى التنفيذ فورا في الحالة التي يبدي فيها المحكوم عليه رغبته في التحلل من التزامه والوفاء به حالا ويضع رهن اشارة مامور الاجراءات المبلغ أو المنقول او العقار او تنفيذ أي التزام وارد بالسند التنفيذي، حيث اجمع الفقه على ان هذا المامور مفوض بالقبض والابراء، وهذا ما يستنتج من عبارة المشرع في الفصل اعلاه "

ــــــــــــــــــــــــــــ

31) أبو الوفاء : مرجع س ص 248.

32) أمينة النمر م. س. ص. 332، ابو الوفاء م. س. ص321. ومحمود ابراهيم م. س. ص 348.

ويعذره بان يفي بما قضى به الحكم او بتعريفه بنواياه". فاذا كانت هذه النوايا هي الاذعان وعدم المجادلة في الحكم او السند، والترفع عن مقاومة التنفيذ، وتفادي تشويه التنفيذ الجبري، فانه لا مانع من انهاء جميع الاجراءات حالا واقتضاء الحق سواء كان عينيا كتسليم منقول او عقارا او قيميا كاستخلاص مبلغ نقدي. ومن العبث مسايرة من يقول بان اجراءات التنفيذ لم تنطلق بعد، ومامور الاجراء ما يملك في هذه الحالة هو تسجيل نوايا المدين والانتظار الى مرحلة التنفيذ وارى ان المنطق لا يقبل بهذا الراي ولا يمكن مجاراته ولو بناء على رغبة الدائن الذي قد يصر على انه لا يرضى بالتنفيذ حالا وفي صمت، ويشترط ان يتم حجز اموال المدين واستقدام القوة العمومية لإفراغه.

وهذا ما يفهم من مفهوم المخالفة للفقرة الاخيرة من الفصل 440. والتي لا تجيز اتخاذ اجراءات التنفيذ الجبري الا بعد رفض المدين وعجزه عن الوفاء.

وكما يتم تبليغ المدين واعذاره بالوفاء قبل اجراء التنفيذ يتعين كذلك تبليغ ورثته والاعذار لهم، ولو توفي بعد انطلاق اجراءات التنفيذ وانهاء جزء منه حيث تتوقف الإجراءات الى حين تبليغ هؤلاء الورثة ( الفصل 443) ويتم تبليغ كل مدين على حدة اذا تعدد هؤلاء ولو كانوا متضامنين والا نتج عن عدم تبليغ احدهم عدم جواز ممارسة التنفيذ في مواجهته. ويقع التبليغ للموطن الحقيقي للمدين وليس لموطن الوكيل او للموطن المختار عند اجراءات الدعوى.

على ان هناك بعض الاستثناءات لهذا الاجراء حيث يتم التنفيذ بدون تبليغ او اعذار وهي: - عندما يؤمر بالتنفيذ المعجل وعلى المسودة او عندما يتعلق الامر بالحجز التحفظي لانه يصدر لمباغتة المدين المحجوز عليه، وإعلامه قبل التنفيذ عليه، لا يحقق هذه الغاية وقد يستغله لتهريب أمواله او اخفائها، وهي ما ينطبق على الحجز بين يدي الغير بدوره. وكذا في الحالات التي لا يتطلب فيها تنفيذ الحكم استعمال القوة الجبرية: كالحكم بتعيين حارس قضائي. (33) والحكم بعدم الاختصاص، والواقع ان الأمر هنا لا يتعلق بتنفيذ الحكم ولكن بنفاذه فقط والذي هو اثر مباشر من اثار النطق به، ويسري بدون اتخاذ أية اجراءات أخرى(34).

تعليق الحكم المبلغ الى القيم في لوحة الاعلانات واشهاره:

فطبقا للفصل 441 من ق م م لا يكفي تبليغ الحكم الى القيم لانطلاق اجل الاستئناف والتعرض، فبالاحرى انطلاق اجراءات التنفيذ، ولكن لابد من تعليق الحكم المذكور بعد ذلك في لوحة الاعلانات بالمحكمة المصدرة له، واشهاره في وسائل الاشهار حسب اهمية القضية وعلى نفقة المستفيد منه.

2) أداء اليمين، وتقديم الضمان :

فقد يكون الحكم الصادر للدائن يقضي عليه باداء يمين او بتقديم ضمانة، ولذلك لا يمكن له ان يطالب بالتنفيذ قبل استيفائه لما ذكر بادائه اليمين وتقديمه للضمانة الواردة بالحكم كما هو منصوص عليه بالفصل: 444 من ق. م. م.

ويمكن ان يلحق بذلك اداء التعويض المحكوم به على الطالب افراغ محل تجاري او سكنى (35) وقد يثور التساؤل هنا عما اذا كان الامر يتعلق بمجرد مقدمات للتنفيذ وبالتنفيذ بذاته: لان اليمين والضمان والتعويض كل ذلك منصوص عليه في منطوق الحكم، واستيفاء أي واحد منهما هو تنفيذ لذلك المنطوق.

لكن يجاب على ذلك بان التنفيذ الجبري يجري في مواجهة المدين وهو الذي يقهر بالقوة العمومية عند الضرورة، في حين لا يتصور ذلك بالنسبة للدائن المحكوم له بشرط اليمين أو الكفالة او التعويض، لان المدين لا يملك اجبار الدائن في هذه الحالات اذا ما اعرض عن طلب التنفيذ. (36)

ــــــــــــــــــــــــــــ

33) ما لم يكن الامر يتطلب لتسليم الشيء المحروس الى الحارس: كما في الحالة التي يكون فيها مكترى للغير حيث تنحصر مهمة الحارس في قبض ريع الكراء.

34) محمد السماحي : نظام التنفيذ المعجل للاحكام المدنية، ص 30، وامينة النمر س ص 165 ابو الوفاء: م س ص 44 هامش 1.

35) الفصلين 12 و16 من ظهير 24 مارس 1955 والفصل 16 من ظهير 25/12/1980.

36) محمد السماحي: م س ص 31.

وفي الواقع العملي امثلة عديدة صدرت فيها احكام بالافراغ معلقة على اداء تعويضات استكثرها المحكوم لهم فعزفوا عن طلب تنفيذها، كما تعتبر الاحكام الصادرة باستحقاق الشفعة في العقارات العادية أمثلة اخرى لما ذكر حينما يمتنع الشفيع من اداء ثمن الشفعة. لكن لا يجب الخلط بين هذه الحالات وبين الحالة التي يكون كل من الطرفين دائنا ومدينا أي محكوما له ومحكوما عليه في نفس الوقت لضم ملفات او بناء على طلبات مضادة، كالحكم للزوجة بالنفقة والحكم على الزوج بالرجوع، ففي هذه الحالة يجري تنفيذ الحكم دفعة واحدة وليس هناك ما وليس هناك ما يمكن اعتباره مقدمات للتنفيذ من إجراءاته. واذا اعلن احدهما عند تبليغه وانذاره بالوفاء عن رغبته في الوفاء، في حين مانع الاخر او عجز عن التنفيذ فان مامور التنفيذ يبرئ الأول ويواصل التنفيذ الجبري ضد الثاني.

3) الإدلاء بشهادة بعدم الطعن :

فجميع الأحكام لا تكون قابلة للتنفيذ ولو بعد مضي اجل الطعن بالاستئناف والتعرض الا بعد الادلاء بشهادة من كتابة الضبط بعدم ممارسة احد الطعنين بالفعل، ولا يستثنى من ذلك الا بالحكم او الامر المشمول بالتنفيذ المعجل بقوة القانون او بامر المحكمة حيث لا تاثير لاجل الطعن ولا للطعن نفسه على سير اجراءات التنفيذ. فبالأحرى مقدماته.

وفي الحالات التي يوقف فيها الطعن بالنقض تنفيذ الحكم طبقا للفصل 361 من ق م م لابد من الادلاء بشهادة بعدم الطعن بالنقض.

ولما كان التنفيذ المعجل يشكل استثناء من القواعد العامة والتي تقضي بعدم جواز تنفيذ الاحكام الا بعد ان تكون حائزة لقوة الشيء المقضى به، لانه يؤدي الى تنفيذ الاحكام والأوامر حتى قبل انقضاء آجال الطعن، وبالرغم من الطعن نفسه وبدون القيام بمقدمات التنفيذ، فان الضرورة تفرض الوقوف عنده وقفة قصيرة، خصوصا وان ملفات التنفيذ المعجل تشكل نسبة هامة من الناحية العددية، ومصدرا لعدة صعوبات، وتتميز بنوع من الحساسية لدى طرفي التنفيذ لان المحكوم له بالتنفيذ المعجل يسعى بكل قواه لجني ثمار هذا التعجيل، والاستفادة من رخصة قانونية أو قضائية متناوله، والإجهاز على خصمه وتضييق الخناق عليه، غير مكتف باصدار الحكم لفائدته، ويشتد حرص بعض هؤلاء على اتمام التنفيذ بكيفية خاصة إذا كان من المتوقع الغاء الحكم أو ايقاف تنفيذه، ومن الجانب الاخر، فان المدين المحكوم عليه لم يكن ليستسلم بسهولة ويرى انه خسر جولة، ولكن جولة أخرى وحاسمة لا تزال امامه، ويعلق عليها كل آماله. وقبل ان يعد لها عدته تكون مهمته الآنية هي :

مقاومة " تعجيل التنفيذ" والتملص منه، وعرقلته، واثارة الصعوبات والاشكالات امامه، بل وتوجيه الشكايات، وبصفة عامة، الوقوف في وجهه بجميع الوسائل.

وبين هذا المد وذلك الجزر، يبقى مامور التنفيذ حائرا او عاجزا احيانا ومتهما احيانا اخرى من هذا الطرف او ذاك.

التنفيذ المعجل : ويمكن تعريفه بان رخصة او حق يسوغ بموجبه تنفيذ الحكم او الامر قبل الوقت المحدد عادة لهذا التنفيذ اما بنص القانون او أمر القضاء، ولكن استقرار هذا التنفيذ يبقى رهينا بمصير الطعن في الحكم، ولهذا يوصف احيانا بالتنفيذ المؤقت.

والحكمة من التنفيذ المعجل، والغاية التي شرع من اجلها هي: رعاية المشرع لبعض المحكوم لهم كمستحقي النفقة والاجر، او وجود حالات استعجالية تقتضي تعجيل التنفيذ والا فات الغرض من الحكم او الأمر، كالأوامر الاستعجالية، واخيرا عندما يكون هناك ترجيح قوي لتأييد الحكم بسبب تعزيزه بسند او اقرار او حكم سابق، والمشرع المغربي لا يزال يحتفظ بالتقسيم التعليلي لأنواع التنفيذ المعجل : أي بنص القانون أو امر القضاء وجوبا او جوازا لكن النصوص المتعلقة به مبعثرة هنا وهناك سواء في قانون المسطرة المدنية نفسها او المسطرة الجنائية او في قوانين الموضوع المختلفة (37).

ــــــــــــــــــــــــــــ

37) الفصول 147، 153، 159، 212، 263، 285، 289، من قانون المسطرة المدنية وكذا باقي فصول هذا القانون التي تسند الاختصاص لقاضي المستعجلات باعتبار ان اوامره مشمولة دائما بالتنفيذ المعجل وكذا ما يرد في قوانين الموضوع كظهير 1937 المتعلق بالتعويض المسبق في حوادث السير والفصل 19 من قانون نزع الملكية وبعض فصول القانون التجاري واخيرا الفصل 400 بالنسبة لقانون المسطرة الجنائية.

وليس المقصود من هذه الوقفة عند التنفيذ المعجل دراسة أنواعه والآراء حوله المؤيدة له او المعارضة، ولكن المقصود هو جانب واحد يرتبط بالتنفيذ الذي نحن بصدده وهو موقف الجهة المكلفة بالتنفيذ عندما يدلي المنفذ عليه بمجرد طلب لإيقاف التنفيذ قدمه لمحكمة الطعن. هل يستمر في اجراءات التنفيذ ام يتوقف الى حين البت في الطلب ؟ وهل هناك من فرق بين الحالة التي يكون فيها التنفيذ المعجل بقوة القانون والحالة التي يكون فيها بامر القضاء ؟ وهل يستوي في ذلك ان يكون طلب الايقاف مقدما الى المحكمة الابتدائية ام الاستثنائية ام للمجلس الأعلى ؟

والذي يدعو لمثل هذه التساؤلات: هو التفسير الذي اعطاه المجلس الاعلى للقرارات الصادرة عنه بايقاف التنفيذ (38) والقاضي باعادة الطرفين آلي الحالة التي كانا عليها قبل التنفيذ تلقائيا من طرف كتابة الضبط. تلك الاعادة التي لا تتم دائما بسهولة ان لم تكن مستحيلة احيانا، كما في حالة بيع المحجوز" منقولا كان ام عقارا للغير بالمزاد العلني". والوضعية الناشئة عن هذه الحالة هي التي جعلت البعض يذهب آلي ان المجلس الأعلى اعطى اثرا موقفا للتنفيذ لمجرد تقديم طلب بهذا الإيقاف، فهل ذلك صحيح ؟

ويلاحظ ان محاكم الاستئناف لم تعط نفس لقراراتها بايقاف التنفيذ وحصرت اثارها في ايقاف ما لم يتم من اجراءات أي انها ذات اثر وقائي ينصرف إلى المستقبل (39) ولا يمكن ان يمتد إلى الاجراءات التي تمت قبل صدروها.

ويبدو ان هذا الموقف اقرب الى المنطق وهو اقصى ما يمكن ان يتحمله معنى " الايقاف" لذلك ارى بان التساؤل حول اثر طلب ايقاف التنفيذ لا يطرح بنفس الحدة اذا تعلق الامر بتنفيذ حكم ابتدائي مشمول بالتنفيذ المعجل.

وعلى كل حال، فوجود السند التنفيذي القابل للتنفيذ والحصول على نسخة تنفيذية منه مختومة بالصيغة التنفيذية والقيام بمقدمات التنفيذ المبينة أعلاه.

هذه كلها هي الشروط الضرورية لانطلاق اجراءات التنفيذ الجبري، فما هي هذه الاجراءات:

إجراءات التنفيذ :

ان اجراءات التنفيذ هي المرحلة الاخيرة والمهمة في مسطرة التنفيذ، وتختلف هذه الاجراءات باختلاف نوع التنفيذ وبحسب ما اذا كان تنفيذا مباشرا عينيا يقضي بتسليم منقول او عقار او كان تنفيذا غير مباشر يقضي باستخلاص مبالغ مالية.

1) اجراءات التنفيذ العيني المباشر: وتتلخص في انتقال مامور التنفيذ لموطن المنفذ عليه لتسلم المنقول او العقار وقد يحتاج الى مساعدة خبير لمسح العقار وبيان حدوده او لتقني لفك آلة ميكانيكية مثبتة او لمجرد سائق لسوق العربة المامور بارجاعها وتسليمها، كما قد يحتاج لمساعدة القوة العمومية، فيما اذا أبدى المنفذ عليه تعنتا ومقاومة لافراغ العين وتسليم المنقول او الى مجرد عمال لفتح طريق او هدم حائط او ازالة منشات وامتعة المحكوم عليه، وتخلف المنفذ عليه رغم اعلامه عن الحضور لمحل التنفيذ لا يمنع مامور التنفيذ من القيام بالإجراءات، كما ان اغلاق الابواب في وجهه لا يؤثر على عمليات التنفيذ اذ يحصل مامور التنفيذ من رئيس المحكمة على اذن بفتح هذه الابواب واجراء التفتيش في حدود ما تقتضيه مصلحة التنفيذ. وقد يحدث ان يبدي المنفذ عليه موافقته على إفراغ عقار خصوصا العقارات الفلاحية، ويحرر مامور التنفيذ محضرا للتنفيذ وبتسليم العقار للمنفذ عليه، ولكن المنفذ عليه لا يلبث ان يعود لاحتلال نفس العقار وقد يدعي بانه لم يسبق ان نزع من حيازته، ويحدث هذا أيضا بالنسبة لتنفيذ احكام رجوع الزوجات او ارجاع الاجراء للعمل لدى مشغليه حيث تبدي الزوجة استعدادها وترافق زوجها ويبدي المشغل موافقته على ارجاع العامل ويحرر محضر بما ذكر، وبعد انصراف مامور التنفيذ يعود كل منفذ عليه لموقفه السابق.

ــــــــــــــــــــــــــــ

38) قرارات عديدة منها القرار عدد 515 بتاريخ 11/02/1981 في الملف المدني 88483 منشور بمجموعة قرارات المجلس الاعلى في المادة المدنية طبعة 1985 ص 308.

39) قرار محكمة الاستئناف بالرباط عدد 6503 بتاريخ 2/7/86 في الملف 896/86.

فهل يستنفذ السند التنفيذي كل قوته في مثل هذه الحالات ام يمكن معاودة التنفيذ على أساسه (40) ؟

2) إجراءات التنفيذ الغير المباشر : عندما يكون موضوع التنفيذ هو استخلاص مبلغ مالي فان الاجراءات تختلف حسب ما اذا كان الدين متمتعا بامتياز، على منقول آو عقار، ففي هذه الحالة يتم حجز المنقول آو العقار المرهون، وإشهار بيعه بالمزاد العلني لاستيفاء مبلغ الدين من ثمنه واعادة الفائض للمدين اذا فاق ثمن البيع مبلغ الدين، آو مواصلة التنفيذ بحجز باقي امواله المنقولة فالعقارية اذا كان ثمن البيع اقل من مبلغ الدين تماما، كما هو الشان بالنسبة للحالة التي لا يكون فيها أي امتياز أصلا.

وهذه الحالة الأخيرة هي الأصل، والمبدأ ان جميع أموال المدين تشكل الضمان العام لالتزامه ولمامور التنفيذ ان يقوم بحجز ما يشاء من هذه الاموال، والمشرع المغربي يشترط التناسب بين مبلغ الدين والأموال المحجوزة طبقا للفصل 459 من ق م م على عكس التشريعات الأخرى والتي لا تشترط هذا التناسب، كما انه يتعين في تشريعنا حجز المنقولات قبل العقارات ما لم يكن هناك ضمان عيني على عقار الفصل 445 ق م م.

ويتم اشهار الحجز والبيع بوسائل الإشهار حسب اهمية المحجوز، ويقع البيع بعد ثمانية أيام من حجز المنقول وثلاثين يوما من تبليغ حجز العقارات ( الفصلان 462 و476) ما لم يكن هناك اتفاق بين الطرفين او يكون تغيير الأجل ضروريا لتجنب انخفاض في الثمن او فساد وضياع المحجوز او صوائر الحراسة التي لا تتناسب وقيمة المحجوز.

ولمعرفة القيمة الحقيقة للمحجوز اهمية بالغة حتى في ثمن انطلاق المزاد وثمن رسو المزاد، لان المدين اذا اجبر على بيع أمواله فمن العدل ألا تباع هذه الأموال بأبخس الأثمان وخصوصا اذا كان هناك تواطؤ بين المزايدين ورغم عدم وجود أي نص، فإني ارتأيت ان يستعين مأمور التنفيذ بالخبراء المختصين لتحديد قيمة المحجوزات، متى كانت لها اهمية وان تنطلق المزايدة من الثمن الادنى المحدد في هذا التقرير.

ويقع البيع في اقرب سوق او أي مكان يؤمل ان يحصل فيه على ثمن مرتفع ويتعين على من رسا عليه المزاد ان يؤدي ثمن البيع نقدا. وحالا بالنسبة للمنقول، وخلال عشرة أيام بالنسبة للعقار ( الفصلان 464 و477).

وإلا أعيد المزاد وعلى مسؤوليته دون ان يكون لفائدته. ويعتبر محضر إرساء المزاد سندا تنفيذيا في الحالتين ( لاستخلاص الفرق ولنقل الملكية).

ويجرى حجز أموال المدين سواء كانت بحوزته او تحت يد الغير سواء كانت مفرزة او في الشياع مع اخرين، مستقلة بذاتها او مخصصة لخدمة اموال أخرى كأثاث الفنادق والمقاهي والمعامل والآليات الفلاحية. وإضافة إلى اموال المدين، يمكن ان يمتد الحجز إلى حقوقه، لكن هذه وتلك يشترط فيها ان تكون قابلة للحجز، فما هي الأموال والحقوق القابلة والغير القابلة للحجز.

سادسا : قابلية الأموال والحقوق للحجز:

هناك شروط لابد من توفرها في المال او الحق حتى يتم حجزه ويمكن اجمالها في الشروط الآتية :

1) ان يكون المال او الحق مما يجوز التعامل به.

2) ان تكون للمال او الحق قيمة مادية.

3) ان يكون للمال - بخلاف الحق - كيان مستقل.

4) الا يمنع الحجز على المال او الحق بموجب نص قانوني او بموجب اتفاق.

5) وأخيرا ان يكون المال او الحق مملوكا للمدين او لكفيله.

وهذه الشروط اقتضاها الهدف من الحجز وهو نقل ملكية هذه الاموال او الحقوق الى الغير ولا يتاتى ذلك اذا كان المحجوز مما لا يجوز التصرف فيه والتعامل به. (41).

كما هو الشان بالنسبة للمخدرات والحقوق الوطنية، ولن يفيد الحجز اذا لم تكن للمال او الحق قيمة مادية، كالشهادات الجامعية والميداليات الشرفية ورسائل التقدير والتنويه، كما لا يمكن حجز وبيع المال اذا لم يكن له كيان مستقل كحصة شريك في شركة تضامن.

ــــــــــــــــــــــــــــ

40) يرى الأستاذ المنتصر الدوادي إمكانية معاودة التنفيذ في مثل هذه الحالات راجع مجلة رابطة القضاة، عدد 8 و9، ص 22.

41) النقد الاجنبي لا يجوز التعامل به مبدئيا ولكنه قابل للحجز ويحول الى العملة الوطنية وفقا لقانون الصرف.

ويجوز الحجز على الحقوق الشخصية - كحق الدائنية - وعلى الحقوق العينية كحق الملكية او الزينة

وقد تكون بعض الأموال في منأى من الحجز بنص القانون او إرادة الطرفين.

أ‌) عدم قابلية المال للحجز بنص القانون :

ينص الفصل 458 على جملة من الاموال غير قابلة للحجز وهي الملابس وفراش النوم وأواني الطبخ للمحجوز ولعائلته والخيمة التي تؤويهم، والكتب والأدوات اللازمة لمهنته وما يكفي من المواد الغذائية له ولعائلته لمدة شهر وبذور مساحة الملك العائلي - والملك العائلي نفسه - ونصيب الخماس وبعض الحيوانات وما يكفي لتغذيتها مدة شهر من تبن وعلف وحبوب.

ويصعب احيانا تحديد مفهوم بعض هذه الحالات: كما هو الشان بالنسبة للملابس واواني الطبخ " اللازمة" وكذا الكتب والأدوات " اللازمة" لمهنة المحجوز عليه.

فما هو عدد الكتب اللازمة لمهنة : الأستاذ الجامعي او المحامي والأديب مثلا، وما هي حدود الأدوات اللازمة لمهنة " المقال" او مدير معمل.

ولهذا وضع الفقه بعض المعايير لتحديد المقصود بالكتب والأدوات (42).

منها ان تكون للكتب علاقة بمهنة المجوز عليه، وهكذا يمكن حجز الكتب الموسيقية الموجودة بحوزة المحامي والكتب الأدبية بالنسبة للمهندس، ويشترط في الأدوات اللازمة للمهنة ان يستعملها المحجوز عليه بنفسه.(42 مكرر).

ومن جانب اخر نص الفصل 488 على بعض الاموال المستحقة للمدين واستثناها من الحجز كلها او في حدود نسبة منها. وهذه الاموال اما نفقات او تعويضات او تسبيقات ومعاشات مدنية وعسكرية ومعاشات التقاعد.

وهدف منع الحجز هو رعاية مستحقي هذه الاموال والذين يكون عادة ممن يستحقون هذه الرعاية: أجراء وأزواج ومتقاعدون، وأطفال.

ولكن هذا المنع مقتصر على بقاء هذه الاموال بيد الملزمين بدفعها كالمشغل والمكلف بالاتفاق، اما اذا سلمت لمستحقها او حولت لحسابه بالبنك فانها تصير قابلة للحجز. (43) لانها اموال عادية للمحجوز عليه آنذاك.

ومن المجمع عليه كذلك عدم قابلية الأموال العامة للدولة للحجز سواء كانت عقارات او منقولات، كالحدائق العمومية والطرق والموانئ والبنايات الإدارية وأدواتها وسيارات الدولة، وذلك لانها رصدت لخدمة وسير المرافق العامة التي تخدم مصلحة المجتمع العليا. ولهذه الغاية يجب ان تكون لها مناعة من التملك بالحيازة، وان يمتنع ايقاع الحجز عليها لتنفيذ الالتزامات المترتبة عن الدولة، لان المصلحة العامة مقدمة على مصلحة الدائن.

وبالنسبة لأموال الدولة الخاصة، فان البعض يرى إلحاقها بالأملاك العامة ومنع الحجز عليها لسبب بسيط هو عدم الخوف من اعسار او إفلاس الدولة، ولوجوب الثقة بيسارها واستعدادها لاداء ديونها. (44)

بينما يرى البعض الاخر ان الدولة عندما تدير املاكها الخاصة، وتباشر انشطة تجارية او أية معاملات باسمها الخاص، فانها ترضى بانها تخضع للقانون الخاص، وما دامت اموالها الخاصة قابلة للتصرف فيها من جانبها على الاقل، فلا مانع من ايقاع الحجز عليها لتنفيذ التزاماتها، والقول بعكس ذلك لن يشجع أحدا للتعامل مع الدولة بل قد يسبب في فقدان الثقة بها ويعرضها لتهمة التملص من أداء ديونها. (45).

وينسب هذا الفريق الموقف المعاكس الى مجرد العرف لا يجد له أي سند من القانون.

ــــــــــــــــــــــــــــ

42) أمينة النمر . م س ص 251، ابو الوفاء م س 293.

42 مكرر) يرى الأستاذ أبو الوفاء ان الاعتبارات الإنسانية تقتضي ان يمتد المنع الى الادوات التي يستعملها افراد عائلة المحجوز عليه وكل من يعيشون معه ويتكفل باعالتهم اجراءات التنفيذ ص:

43) أبو الوفاء م س ص 300، امينة النمر م س ص 256.

44) أبو هيف - محمد حامد فهمي - عبد الباسط جميعي - ابو الوفاء م س ص 263.

45) أمينة النمر م س ص 244.

ب‌) عدم قابلية الأموال للحجز بإرادة الأطراف:

وأحيانا يكون مصدر المنع من الحجز هو ارادة الاطراف كما هو الشان بالنسبة للاوقاف المعقبة والوصايا والهبات التي يشترط الموصون او الواهبون عدم التصرف والحجز ويكون المنع مطلقا في حالة الوقف بينما يكون نسبيا في حالة الوصية او الهبة حيث يزول اثره بمجرد وفاة الموصى له والموهوب له وانتقال الوصية والهبة الى ورثته.

سابعا: استعراض بعض نصوص قانون المسطرة المدنية المتعلقة بالتنفيذ والخلاف حولها:

هناك عدة فصول قانون المسطرة المدنية تتناول موضوع التنفيذ ابتداء بالفصل 26 ومرورا بالفصل 149 وانتهاء بكافة فصول القسم التاسع (411 و510).

واذا كان مفهوم الفصلين الاولين محل اجماع الفقه والقضاء (47 مكرر) ولم يثر بشأنهما أي خلاف واصبح من المسلم به انه بموجب الفصل 26 تختص كل محكمة بالصعوبات " الموضوعية" المتعلقة بتأويل او تنفيذ أحكامها وقراراتها وان رئيس المحكمة " بصفته قاضيا للمستعجلات" يختص ( كلما توفر عنصر الاستعجال ) بالصعوبات " الوقتية" المتعلقة بتنفيذ حكم او سند قابل للتنفيذ طبقا للفصل 149. فان باقي الفصول المتعلقة بالتنفيذ كانت وما تزال - او بعضها - محل خلاف كبير في الفقه والقضاء. ويمكن اعتبار الفصل 436 ابرز مثال على ذلك والذي ثار حوله جدل انصب على الجوانب الآتية:

1) صفة " الرئيس" الذي تحال عليه الصعوبة هل هي صفته كقاض للمستعجلات، وما يترتب عن ذلك من ضرورة تحريه لعنصر الاستعجال والذي لم يفترضه المشرع في الفصل 149 افتراضا كغيره من التشريعات، ومن ضرورة تصريحه بعدم اختصاص لفائدة الرئيس الاول لمحكمة الاستئناف إذا كان النزاع معروضا على هذه الاخيرة تطبيقا للفقرة الثالثة من ف.149، وهذا ما يسير عليه اجتهاد اغلب رؤساء المحاكم الابتدائية والسادة الرؤساء الأولين وعلى رأسهم السيد الرئيس الاول لمحكمة الاستئناف بالرباط. (46).

لكن هناك من يعارض هذا الاتجاه، ويرى ان الرئيس المشار إليه في الفصل 436 ينظر في الصعوبة، بصفته تلك " وليس قاضيا مستعجلا" وبالتالي لا مجال للقول باختصاص الرئيس الاول بهذه الصعوبات اذا عرض النزاع على محكمته، ومن هذا الاتجاه الاستاذ: محمد الغماد رئيس ابتدائية القنيطرة الاسبق. (47) والاستاذ رشيد العراقي المستشار بالمجلس الاعلى . (48)

وقد نشر اخيرا قرار للمجلس الاعلى تحت عدد 1888 بتاريخ 24/7/1985 ياخذ بالاتجاه الأخير، اذا جاء فيه "فالقاضي المختص مكانيا ونوعيا بالنظر في صعوبات التنفيذ التي اثارها اثناء قيام كتابة الضبط باجراءات التنفيذ ضده هو رئيس المحكمة الابتدائية لمكان التنفيذ وفق ما يقتضيه نص الفصل 436. وليس الرئيس الاول لمحكمة الاستئناف، ولهذا تكون المحكمة قد أولت هذه المقتضيات تأويلا سيئا حين الغت الأمر الابتدائي وصرحت بعدم اختصاص رئيس المحكمة الابتدائية لمكان التنفيذ، وعرضت قرارها للنقض. (49)

فهل الأمر يتعلق بقرار وحيد ام هو اجتهاد متواتر مستقر للمجلس الأعلى في تفسير للفصل المذكور:

2) الجانب الثاني الذي ثار حوله الخلاف في هذا الفصل هم الاطراف الذين يحق لهم اثارة الصعوبة هل هم واردون في الفصل على سبيل الحصر ام لا. وهل يمتنع مثلا على الغير المهدد بالتنفيذ ان يتقدم لمامور التنفيذ، ويثير امامه الصعوبة استنادا الى نسبية الاحكام والى تمسكه بملكيته للعقار او المنقول موضوع التنفيذ، وما موقف مامور التنفيذ، بل ما موقف " الرئيس" اذا توجه اليه هذا الغير مباشرة ؟

ــــــــــــــــــــــــــــ

47 مكرر) خرج عن هذا الإجماع الأستاذ: محمد بوزيان : مجلة رابطة القضاة عدد1، صفحة 30، ولكن موقفه شاذ " يراجع تعليق عليه في مجلة رابطة القضاة، عدد 12. 13، للأستاذ عبد اللطيف مشبال".

46) الملحق القضائي عدد 14 ص 16 والملحق القضائي 16 صفحة 61 وما بعده والأوامر العديدة المشار إليها هناك.

47) الملحق القضائي عدد 7 و8 ص 110 و111.

48) الملحق القضائي عدد 15 ص 20.

49) المجلة المغربية للقانون، عدد1، سنة 1986، ص 40.

المسالة خلافية بدورها فراى البعض ان التعداد الوارد في الفصل، جاء على سبيل الحصر ويمتنع على الغير اثارة الصعوبة، وصدرت قرارات عن محكمة الاستئناف هذه، فهذا الاتجاه (50) بينما يذهب الراي المخالف إلى ان التعداد جاء على سبيل المثال فقط ويمكن للغير ان يثير الصعوبة ولا يوجد أي سند لمنعه بل ان جميع الشرائع والاتجاهات الفقهية تؤكد بان الغير المهدد بالتنفيذ يسوغ له الاستشكال فيه وابداء الصعوبات ضده. ولعل هذا الراي اقرب آلي العدل والمنطق.

3) والجانب الاخير المثير للخلاف هو مضمون الفقرة الاخيرة من الفصل 436 والتي تقول " لا يمكن تقديم أي طلب جديد لتاجيل التنفيذ كيفما كان السبب الذي يستند إليه".

فهل يعني ذلك ان الحكم في الطلب الاول بعدم القبول او بعدم الاختصاص، او بصرف النظر كما يعبر الفصل نفسه يكتسب حجية قاطعة حتى بالنسبة لمن لم يكن طرفا فيه ؟

وصدرت قرارات عن محكمة الاستئناف بالرباط تسير في هذا الاتجاه المتشدد والذي لا يقبل آلا الصعوبة الاولى. (51) ونشر اخيرا امر رئاسي للسيد الرئيس الاول لمحكمة الاستئناف بمراكش تحت عدد 852 وتاريخ 16/4/86 في الملف الاستعجالي 1408/86 ياخذ نفس الاتجاه "راجع مجلة المحاكم المغربية عدد 45 صفحة 122" ولكني ارى ان هذا الاتجاه جد متشدد، ولا يحقق غاية المشرع. والعدول عنه مسالة وقت فقط.

ومن جهة أخرى فقد سبقت الاشارة الى الخلاف حول مفهوم الفصل 448 بدوره حيث يرى البعض ان رئيس المحكمة يحدد الغرامة التهديدية طبقا لمسطرة الفصل 148 والبعض الاخر يقول طبقا للفصل 149 بينما ذهب اخرون الى انه يحدد هذه الغرامة بصفته تلك فقط.

ويلاحظ على صياغة كثير من الفصول المتعلقة بالتنفيذ بانها تورد كلمة رئيس بدون اضافة أي وصف اخر اليه احيانا كما انها تعتبر بكلمة " قاضي" مجرد عن أي وصف واحيانا تعبر بكلمة: قاض للمستعجلات ( راجع الفصول : 442. 448. 450. 451. 468. 470. 471. 478. 491. 492. 493. 494. 496. 498. 500. 501. 505. 508).

وهو ما نتج عنه اختلاف في تفسير، وتطبيق هذه النصوص حيث اعتقد البعض انه كلما وردت كلمة رئيس في النصوص المتعلقة بالتنفيذ الا ويعني الرئيس بصفته قاضيا للمستعجلات، في حين يقصر البعض الاخر ذلك على الحالات التي وصف فيها الرئيس بذلك. ويرى ان السكوت عن ذلك يعني الرئيس بصفته الولائية فقط.

ثامنا : اقتراحات لحل بعض ما يعاني منه التنفيذ :

ان أهمية التنفيذ لا تخفى على أحد ما دام هو الذي يعطي للاحكام روحها، وهو أمنية كل من لجا الى المحاكم، ولكنه مع الاسف لا يزال عقبة تتحطم عليها في اغلب الحالات امال الكثيرين من هؤلاء، واصبح المنفذ عليهم السيئوا النية يجدون فيه ما لم يستطيعوا ان يحصلوا عليه بالمرافعات وبممارسة طرق الطعن وهو التملص من الوفاء بالتزاماتهم.

وبتفقد مكاتب واقسام التنفيذ او بمجرد تصفح شكايات المعنيين بالامر، يبدو جليا بان التنفيذ يعاني من مشاكل متعددة. ويمكن لي ان استعرض بعضها مع اقتراحات متواضعة أراها كفيلة بالتخفيف من وطأة هذه المشاكل المزمنة ان لم تكن كافية لوضع حل نهائي لها.

1- المشاكل التي يعاني منها التنفيذ، هي:

1) انعدام الرقابة القضائية المباشرة والمستمرة على إجراءاته.

2) ضعف مستوى الاعوان المكلفين بالتنفيذ امام تشعب والتباس النصوص القانونية وامام تحايل وتدليس المنفذ عليهم.

3) قلة عدد هؤلاء بالنسبة لعدد القضايا وعدم تنظيم عملهم تنظيما محكما.

4) مشكل الإنابات القضائية المتبادلة بين المحاكم المختلفة.

5) انعدام وسائل النقل وعدم حضور الخبراء والقوة العمومية او حتى طالبي التنفيذ احيانا.

ــــــــــــــــــــــــــــ

50) قرار عدد 2896 وتاريخ 16/6/82 في الملف عدد 1004/80 غير منشور.

51) قرار عدد 321 بتاريخ 26/03/85 في الملف عدد 541/83 غير منشور.

2- اقتراحات :

1) ان أول خطوة لحل مشاكل التنفيذ في نظري هي " إحداث قاضي التنفيذ" لدى كل محكمة ابتدائية تنسد إليه جميع الاختصاصات المتعلقة به : الولائية والقضائية، الوقتية او الموضوعية على السواء، ويجمع بين يديه جميع السلطات المشتتة الآن بين رئيسيي المحكمة ومصلحة كتابة الضبط وبين قاضي المستعجلات ومحكمة الموضوع، ويراقب عن كثب ملف التنفيذ منذ أول يوم يوضع بالمحكمة، كما يعاين كل اجراء من اجراءات التنفيذ قبل وبعد إنجازه. ويتولى توزيع العمل على الاعوان وتوحيد السياسية التنفيذية بالمحكمة، ويكون مسؤولا عن كل ذلك.

ولنا ان نستفيد من تجربة التشريعات التي سبق ان اخذت بنظام قاضي التنفيذ، خصوصا وان أصواتا متعددة تعالت في مناسبات كثيرة للمطالبة بما ذكر. كما ان الواقع العملي يعرف في بعض المحاكم تفرغ قاض لمشاكل التنفيذ احيانا، كما هو الشان بالنسبة لابتدائية الدار البيضاء، ولكنه يبقى عاجزا عن مواجهة الموقف ما دام غير مسلح بنصوص تشريعية تحدد اختصاصاته وسلطاته.

2) الخطوة الثانية هي تحسين مستوى الاعوان المكلفين بالتنفيذ، واختيارهم ممن لهم ارضية قابلة لهذا التحسين وذلك بتنظيم تداريب مكثفة وعملية القيام بحملات للتنفيذ واتخاذها نماذج لمناقشة العراقيل والبحث عن الحلول، على ان يتم تنظيم هذه التداريب على فترات وتحت اشراف القضاة المكلفين بالتنفيذ، وأخيرا الزيادة في عدد الأعوان وتحديد معدل أدنى من الملفات التنفيذية لكل عون، والمدة القصوى التي يجب ان يتم فيها التنفيذ خصوصا في الحجز على المنقولات والذي لا يتطلب القوة العمومية او باقي الاجراءات المعقدة.

3- إلغاء نظام التنفيذ بالانابات:

وذلك بتعديل الفصلين 429 و439 من ق م م وجعل تنفيذ الاحكام من اختصاص محكمة مكان التنفيذ وحدها، لان صياغة الفصلين الحالية والتي تتحدث عن مجرد امكانية إنابة محكمة أخرى لا تعبر عن الواقع العملي الذي "يوجب" انابة هذه المحكمة، ولا يترك أي مجال للإمكانية الواردة في الفصلين. بل يصبح من المستحيل على المحكمة المصدرة للحكم ان تقوم هي بتنفيذه اذا كان التنفيذ سيقع خارج دائرة نفوذها، وما دام الامر كذلك فلا داعي لان يبقى النص التشريعي في واد، والواقع العملي في واد آخر، خصوصا إذا علمنا ان مشكلة الانابات حاليا هي أعوص ما تعاينه كتابات الضبط سواء الواردة عليها او التي تصدر عنها لمحكمة أخرى. وترتب عن ذلك عدة آثار سيئة تجاوزت المحكمة المنيبة والمنابة لتشمل حتى جهات أخرى قد توجه اليها الشكايات من المتضررين من تاخير الانابات حيث تتحول هذه الجهات الى وسيط بين المحاكم نفسها من جهة وبين طالبي التنفيذ من جهة أخرى. ويضيع وقت وجهد كبيرين وعلى عدة مستويات في ذلك.

واذا عدل النص واسند اختصاص تنفيذ الاحكام لمحكمة مكان التنفيذ فسيكون حلا نهائيا لمشكل الانابات، حيث يستوجب كل طالب تنفيذ للمحكمة المختصة، وستكلف كل محكمة بالملفات التنفيذية التي فتحت لديها.

وينبغي ان يقع التنصيص في التعديل على ضرورة تعيين طالب التنفيذ لمحل المخابرة معه بدائرة نفوذ محكمة التنفيذ، لإشعاره بالإجراءات ولتبليغه وإنذاره بأداء المصاريف واستيفاء الإجراءات الضرورية لانهاء التنفيذ وذلك على غرار بعض التشريعات المقارنة. (52)

وسيكون طالبو التنفيذ أول المستفيدين من التعديل والذي سيضع حدا لمعاناتهم الحالية والتي تتمثل في ترددهم على جهتين : المحكمة المصدرة والمستقبلة للإنابة واللتين قد تكون المسافة بينهما طويلة تمتد على كامل رقعة التراب الوطني. وقد لا يحصلون من هذه ولا من تلك سوى على وريقات صغيرة تحمل أرقاما ومراجع، يحوم الشك في كثير من الأحيان حول صحتها.

محمد سلام : رئيس المحكمة الابتدائية

بأربعاء الغرب

ــــــــــــــــــــــــــــ

52) التشريع المصري.

مجلة المحاكم المغربية، عدد 51، ص11

المقررات الضمنية في إطار قانون المحاماة والطعن بالاستئناف

الاستاذ النقيب الطيب بن لمقدم

محام بهيئة الرباط (الخميسات)

مقدمة :

مقررات مجلس هيئة المحامين بالمغرب كثيرة ومتنوعة، منها المقررات الصادرة في طلبات الترشيح للتمرين سواء بالقبول او بالرفض ومنها الصادرة في طلبات التقييد في جدول المحامين الرسميين سواء بالقبول ايضا او بالرفض ، ومنها الصادرة في طلبات الاستقالة سواء بالقبول او بالرفض، ومنها ايضا الصادرة في الشكايات سواء بالرفض او الحفظ او الادانة او البراءة... وكل هذه المقررات تكون بصفة مبدئية قابلة للطعن

فيها امام محكمة الاستئناف بطريق الاستئناف .

ومن تلك المقررات تكون ذات اهمية المقررات الصادرة بشان الشكايات وخاصة منها تلك الصادرة بالحفظ، كما انه ظهرت مؤخرا وبواسطة النيابة العامة لدى محكمة الاستئناف ما سمي : " بمقررات الحفظ الضمنية في الشكايات". فهل هناك فعلا ما يسمى بالمقررات الضمنية الصادرة عن مجلس هيئة المحامين في بعض قوانين المحاماة السابقة (I)، وفي قانون المحاماة الحالي (II) فضلا عن تضارب الفقه والقضاء بشان بعض حالاتها ؟(III) ومدى قابليتها للطعن بالاستئناف في تلك الحالات ؟ (IV)، وقبل الرد على هذا التساؤل (V) نستعرض تلك الحالات في ما يلي:

Iا) المقررات الضمنية في قوانين المحاماة السابقة

(المقررات السلبية والصيغة الصريحة) :

نصت بعض قوانين المحاماة السابقة صراحة على المقررات الضمنية او المقررات السلبية الصادرة عن مجلس هيئة المحامين، سواء في طلبات المرشحين للتمرين او طلبات التقييد في الجدول او طلبات الاستقالة؟ او في طلبات ابرام عقد المشاركة بين المحامين او في طلبات فسخه او في الشكايات .

أ) في طلبات المرشحين للتمرين:

نص الفصل 22 من ظهير 10/1/1924 المتعلق بتنظيم هيئة المحامين ومزاولة مهنة المحاماة على ان مجلس الهيئة يعلن القبول في بالتمرين بعد بحث حول أخلاق المرشح وتعد مقتضيات الفصل 18 قابلة للتطبيق فيما يتعلق بالقبول في التمرين.. أي انه عند عدم تبليغ مقرر ما في الشهر الموالي لتاريخ انتهاء الاجل الممنوح لمجلس الهيئة للبت في الطلب يمكن للمعنى بالامر ان يعتبر طلبه مرفوضا وان يطعن في ذلك، على الكيفية المبينة في الفقرة السابقة.

وفي ما يخص شهادة انجاز التمرين التي يسلمها النقيب للمحامي المتمرن، اذا ما تم رفضها، فانه يجوز للمتمرن احالة هذا القرار على محكمة الاستئناف ضمن الشروط التي حددها الفصل 18 (ف 25).

واحالت الفقرة الاخيرة من الفصل 25 من ظهير 18/5/1959 بشان تنظيم هيئة المحامين ومزاولة مهنة المحاماة(ج. ر عدد 2431 بتاريخ 29/05/1959)، على الفقرة الثالثة من الفصل 20 (1) من نفس الظهير المشار اليه ايضا، فيما يخص المقرر الضمني بالرفض اوالمقرر السلبي بالرفض .

وتطبق نفس الفقرة اعلاه من الفصل 20 من الظهير المذكور في حالة المقرر الضمني برفض شهادة المجلس بإنجاز التمرين للمحامي المتمرن ( ف 28/4) .

اما في المرسوم الملكي الصادر بتاريخ 19/12/1968 بشان تنظيم نقابة المحامين ومزاولة مهنة المحاماة ( ج. ر عدد 2932 بتاريخ 8/1/1969 ) فقد نص في الفقرة الاخيرة من الفصل 24 على ان مقتضيات المقطع

الثاني من الفصل 20 (2) تطبق على المقرر القاضي بالقبول في التمرين،.

-------------------------

1) الفصل 20/3 ينص على ما يلي: "وعند عدم تبليغ مقرر ما في الخمسة عشر يوما الموالية لتاريخ انتهاء الاجل الممنوح لمجلس الهيئة للبت في الطلب، يمكن للمعني بالامر ان يعتبر طلبه مرفوضا وان يطعن في ذلك لدى محكمة الاستئناف في اجل خمسة عشر يوما".

2) الفصل 20/2،3 ينص على ما يلي : " ان مقرر مجلس الهيئة القاضي بقبول التقييد في الجدول يبلغ خلال ثمانية ايام للمعني بالامر والى الوكيل العام، ويمكن للمدعى العام ان يحيل هذا المقرر في الثمانية ايام الموالية لتاريخ التبليغ على محكمة الاستئناف في الاحوال المنصوص عليها في المقطع الخامس، وعند عدم تبليغ المقرر في الثمانية ايام الموالية لتاريخ انتهاء الاجل الممنوح لمجلس الهيئة للبت في الطلب، يمكن للمعني بالامر ان يعتبر طلبه مرفوضا وان يطعن في ذلك لدى محكمة الاستئناف في اجل ثمانية ايام"

--------------------------------

اما مقتضيات المقطعات 3 و 4 و 5 من نفس الفصل فتطبق على المقرر الصادر بالرفض، أي على القرار الضمني، ونفس هذه المقتضيات في المقطعات المذكورة تطبق على القرار الضمني بشان تسليم شهادة قضاء مدة التمرين للمحامي المتمرن (ف 28/4).

واما في قانون 19/79 الصادر في 8/11/1997 الذي تنظم بموجبه نقابات المحامين ومزولة مهنة المحاماة فقد نص في الفقرة الثانية من الفصل 12 على المقرر الضمني بالرفض بقوله ، " يعتبر الطلب مرفوضا في حالة عدم تبليغ مقرر داخل الثمانية ايام الموالية لا نتهاء الاجل المحدد لمجلس الهيئة للبت في الطلب" .

ب) في طلبات التقييد في الجدول:

بعد ان قرر الفصل 18 من ظهير 10/1/1924 المتعلق بتنظيم هيئة المحامين ومزاولة مهنة المحاماة من ان مجلس الهيئة يبت في طلب التقييد في الجدول خلال اجل ثلاثة ايام ابتداء من تاريخ التوصل بالطلب، جاءت الفقرة الخامسة بما يلي : " وعند عدم تبليغ مقرر ما في الشهر الموالي لتاريخ انتهاء الاجل الممنوح للمجلس الهيئة للبت في الطلب يمكن للمعنى بالامر ان يعتبر طلبه مرفوضا وان يطعن في ذلك، على الكيفية المبنية في الفقرة السابقة" .

ونصت الفقرة الاولى الفصل 20 من الظهير الشريف الصادر بتاريخ 18/5/1959 بشان تنظيم هيئة المحامين ومزاولة مهنة المحاماة على ان : " مجلس الهيئة يبت في طلب التقييد في الجدول داخل اجل شهر ابتداء من تاريخ التوصل بالطلب وبعد التوفر على كل المعلومات المفيدة بشان طالب التقييد".

اما فقرته الثالثة فنصت على ما يلي : " وعند عدم تبليغ مقرر ما في الخمسة عشر يوما الموالية لتاريخ انتهاء الاجل الممنوح لمجلس الهيئة للبت في الطلب يمكن للمعني بالامر ان يعتبر طلبه مرفوضا وان يطعن في ذلك لدى محكمة الاستئناف في اجل خمسة عشر يوما".

وفي المرسوم الملكي الصادر بتاريخ 19/12/1968 بشان تنظيم نقابات المحامين ومزاولة مهنة المحاماة. فقد نصت الفقرة الثالثة من الفصل 20 على ما يلي : " وعند عدم تبليغ المقرر في الثمانية ايام الموالية لتاريخ انتهاء الاجل الممنوح لمجلس الهيئة للبت في الطلب يمكن للمعنى بالامر ان يعتبر طلبه مرفوضا وان يطعن في ذلك لدى محكمة الاستئناف في اجل ثمانية ايام" .

اما في قانون 19/79 المشار اليه اعلاه فقد ورد النص على المقرر الضمني بشان تقييد المحامين المتمرنين الناجحين في شهادة الأهلية وكذا المرشحين المعفين من التمرين ومن شهادة الاهلية، في الجدول في الفقرة الثانية من الفصل 23 الذي اعتبر الطلب مرفوضا في حالة عدم تبليغ مقرر داخل الثمانية أيام الموالية لانتهاء الاجل المحدد لمجلس الهيئة للبت في الطلب .

ر) في طلبات ابرام عقد المشاركة بين المحامين

:

ينص الفصل 27 من قانون 19/79 الصادر بتاريخ 08/11/1979 المشار اليه اعلاه على ما يلي :

"يسلم خلال الثمانية ايام التالية لابرام عقد المشاركة نظير منه مقابل وصل او يوجه بواسطة رسالة مضمونة مع الاشعار بالتوصل الى مجلس الهيئة الذي يمكن له داخل اجل شهرين إنذار المحامين بتغيير العقد ليصير مطابقا للقواعد المهنية .

يرسل نظير من العقد داخل اجل نفس الاجل الى الوكيل العام للملك بواسطة النقيب.

يمكن للوكيل العام للملك داخل اجل شهرين ان يطلب من مجلس الهيئة الزا م المحامين بتغيير اتفاقهم اذا اعتبر انه متناقض مع قواعد المهنة .

يعتبر الطلب مرفوضا في حالة عدم التوصل بجواب من مجلس الهيئة داخل الشهرين المواليين للطلب المقدم اليه برسالة مضمونة مع الاشعار بالتوصل .

ز) في طلبات فسخ عقد المشاركة بين المحامين:

ينص الفصل 28 من قانون 19/79 المشار اليه اعلاه على ما يلي : "يفسخ عقد المشاركة بين محامين بامر صادر من مجلس الهيئة كلما كانت متناقضة مع قواعد المهنة.

يمكن للوكيل العام للملك ايضا ان يطلب من مجلس الهيئة اصدارالامر المشار اليه في الفقرة السابقة الى المعنيين بالامر.

يعتبر الطلب مرفوضا في حالة عدم التوصل بجواب مجلس الهيئة بعد الشهرين المواليين للطلب المقدم اليه برسالة مضمونة مع الاشعار بالتوصل" .

ج) في طلبات الاستقالة :

نص الفصل 63 من المرسوم الملكي الصادر بتاريخ 19/12/1968 بشان تنظيم نقابات المحامين ومزاولة مهنة المحاماة على انه : " لا تعتبر نهائية الاستقالة التي يقدمها محام الا بعد قبولها من مجلس الهيئة. ويكون المقرر الصادر عن مجلس الهيئة بقبول استقالة محام او رفضها قابلا للاستئناف من لدن المحامي والمدعي العام خلال الثمانية ايام الموالية لتبليغه. وتطبق مقتضيات الفصل 20 باستثناء المقطع 5 بخصوص قبول او رفض الاستقالة".

د) في الشكايات:

نصت الفقرة الثانية من الفصل 33 من نظام المحامين في منطقة طنجة الدولية المصادق عليه من طرف الجمعية العمومية للقضاة الرسميين لدى المحكمة المختلطة في جلستها المنعقدة في 20/12/1949 بشان التنظيم القضائي الدولي بطنجة الصادر على انه : " يجب على المجلس ان يعقد وينظر في القضايا اذا طلب منه ذلك الوكيل لدى المحكمة الجنحية كتابة، واذا لم يتخذ المجلس التأديبي الإجراءات التي طالب بها الوكيل خلال الشهر الذي أقيمت فيه الشكاية يمكن للوكيل متابعة الدعوى التأديبية مباشرة امام لجنة خاصة مكونة من ثلاثة قضاة من المحكمة يقيد القضية ويفصل فيها كما هو منصوص عليه في الفصل 35 .

وقد صرحت الفقرة الاخيرة من الفصل 51 من الظهير الصادر بتاريخ 10 يونيه 1953 بشان اعلان تنظيم المحكمة الدولية بطنجة ( ج. ر. عدد 2126 بتاريخ 24 يوليوز 1953) بانه : "يجب الزاما اخبار النيابة العامة بكل شكاية ضد محام متمرن او مقيد بالجدول والتي لها الحق في اعطاء مهلة الى مجلس هيئة المحامين للبحث في موضوعها وابلاغها بالقرار المتخذ. ان عدم تبليغ قرارها من طرف النقيب داخل هذا الاجل يعادل في نظر مجلس الهيئة قرار رفض ضمني يمكن للنيابة العامة ان تمارس ضده الطعن المنصوص عليه في الفقرة الثانية من هذا لفصل.".

ونصت الفقرة الاخيرة من الفصل 60 من ظهير 18/5/1959 بشان تنظيم هيئة المحامين ومزاولة مهنة المحاماة على انه : " اذا لم يبت المجلس التاديبي في الامر وفي الشهر الموالي لتاريخ وضع الشكاية من طرف الفريق المتضرر او في الخمسة عشر يوما الموالي لتاريخ تقديم طلب المتابعة من طرف المحامي العام، فيمكن اعتبار الشكاية او طلب المتابعة مرفوضا ويجوز اذ ذاك للمحامي العام ان يرفع القضية الى محكمة الاستئناف طبقا لمقتضيات هذا الفصل.

كما نصت الفقرة السابعة من المرسوم الملكي الصادر بتاريخ 19/12/1968 الذي كانت تنظم بموجبه نقابات المحامين ومزاولة مهنة المحاماة على ما يلي : واذا لم يبت المجلس التاديبي في الامر داخل الشهر الذي قدمت فيه الشكاية من طرف المتضرر او قدم فيه طلب المتابعة من طرف المدعي العام، امكن اعتبار الشكاية او طلب المتابعة مرفوضا، ويجوز اذ ذاك للمدعي العام ان يرفع القضية الى محكمة الاستئناف طبقا لمقتضيات هذا الفصل ".

II

) المقررات الضمنية او المقررات السلبية في قانون المحاماة الحالي :

في قانون المحاماة الحالي الصادر بتاريخ 10/9/1993 (ج. ر عدد 4222 بتاريخ 29/9/1993) والذي وقع تغييره وتتميمه بمقتضى القانون رقم 39/96 الصادر في 10/8/1996 ( ج. ر عدد 4421 بتاريخ 14/10/1996 ) وردت المقررات الضمنية في المادة 11 المتعلقة بالمرشحين للتمرين، وفي المادة 20 المتعلقة بالتقييد في الجدول بالنسبة للمحامين المتمرنين الذين انهوا مدة التمرين القانونية، والمرشحين المعفيين من شهادة الاهلية ومن التمرين.

وهكذا فقد نصت الفقرة الاخيرة من المادة 11 المشار اليها اعلاه على : " ان الطلب يعتبر مرفوضا في حالة عدم تبليغ مقرر المجلس خلال الخمسة عشر يوما التالية لانتهاء الاجل المحدد للبت في الطلب."

اما الفقرة الاخيرة من المادة 20 المشار اليها اعلاه تنص على : " ان الطلبات تعتبر مرفوضة اذا لم تبلغ المقررات بشانها داخل الخمسة عشر يوما التالية لانتهاء المدة للبت فيها " .

ومما يلاحظ ان هاتين الفقرتين لم يرد فيهما النص على امكانية الطعن من عدمه، غير ان المشرع تدارك ذلك في المادة 90 من قانون المحاماة اذ اورد نصا عاما بشان الطعن بالاستئناف امام محكمة الاستئناف فجاءت كما يلي : "يحق لجميع الاطراف المعنية والوكيل العام لدى محكمة الاستئناف الطعن في المقررات الصادرة عن مجلس الهيئة، وكذلك في انتخاب مجلس الهيئة والنقيب، وذلك بمقتضى مقال يوضع بكتابة الضبط بمحكمة الاستئناف داخل اجل خمسة عشر يوما من تاريخ التبليغ او اجراء الانتخاب او من اليوم الذي يعتبر تاريخ لاتخاذ المقرر الضمني" .

هذا وقد جاء النص كذلك على المقرر الضمني او المقرر السلبي بشان عدم ذكر اسم المحامي المرشح لمنصب النقيب او لعضوية المجلس في قائمة المرشحين، في الفقرتين الاخيرتين من المادة 83 من قانون المحاماة الصادر بتاريخ 10/9/1993 بعد تعديلها، كما يلي :" يصدر المجلس يوم 31 من السنة التي تجري فيها الانتخابات مقررا بتحديد اسماء المحامين الذين لهم حق الترشيح لمنصب النقيب ولعضوية المجلس مع مراعاة توفر شروط الاهلية للترشيح المنصوص عليه اعلاه .

" يحق لكل محامى لم يرد ذكر اسمه في مقرر المجلس الطعن فيه، داخل اجل ثمانية ايام من تاريخ التعليق بكتابة الهيئة، امام غرفة المشورة بمحكمة الاستئناف التي تبت داخل اجل ثمانية ايام من تاريخ ايداع العريضة بكتابة الضبط بالحكمة المختصة وذلك بقرار غير قابل لاي طعن" .

III

) المقررات الضمنية في رأي الفقه والقضاء :

لقد تناول الفقه والقضاء موضوع المقررات الضمنية الصادرة عن مجالس هيئاة المحامين بالمغرب بشان الشكايات وابدى فيها اراءا مختلفة ومتناقضة.

أ) راي الفقه:

لقد تناول الفقه المقررات الضمنية بصورة متباينة في موضوع كينونتها بالنسبة للشكايات.

فذهب راي الى انه ليس من حق النيابة العامة الطعن في ما يسمى بالقرار الضمني بحفظ الشكايات، مرتكزا على اساس : " ان نسخ قانون بكامله بقانون جديد لم يرد فيه بعض مما كان في الاول من مقتضيات تعتبر ملغاة . وبهذه القاعدة فان القرار الضمني بالنسبة لحفظ الشكاية والذي كان منصوصا على امكانية الطعن فيه في ظهير 59 ومرسوم 1968 الذي نسخه قانون 5/6/99 وبدوره نسخه ظهير 10/9/1993، لا يمكن تطبيقه على اساس ان ممارسته اجتهاد لانه لا اجتهاد مع الغاء نص كان موجودا" (1) .

اما الراي المؤيد لطعن النيابة العامة في تلك القرارت فقد ارتكز على اساس ان : " إحجام مجلس الهيئة عن اتخاذ مقرر بشان الشكاية المحالة عليه داخل اجل الشهرين المنصوص عليه قانونا يعتبر في نظر القانون وفي نظر المادة 90 من قانون المحاماة بمثابة اتخاذ مقرر ضمني بحفظ الشكاية.

ويتولى الوكيل العام للملك الطعن في المقرر المذكور داخل اجل 15 يوما من تاريخ التبليغ او من اليوم الذي يعتبر تاريخا لاتخاذ المقرر الضمني. وان الموقف الذي تسلكه النيابات العامة في مثل هذه الظروف، انما يدخل في اطار سلطة المراقبة، أي مراقبة مدى حسن سير العدالة والسهر على عدم مخالفة القانون، ولما لها من دور خصها به المشرع في القانون المنظم لمهنة المحاماة والمتمثل في ا عطائه الحق باحالة اية

--------------------------

1) محمد بلهاشمي . الاشكاليات التي تثيرها الطعون بالاستئناف ضد القرارت المتعلقة بحفظ الشكايات في ظهير 10/9/93 المتعلق بتنظيم مهنة المحاماة جريدة العلم عدد 18050 بتاريخ 20/10/ 1999 .

--------------------------

شكوى في مواجهة أي محام على النقيب قصد عرضها على مجلس الهيئة، لاتخاذ مقرر بشانها داخل اجل محدد ومراقبة مدى احترام الاجال والمسطرة المنصوص عليها في هذا القانون واتخاذ الاجراء المناسب في حالة صدور مقرر مخالف" (1) .

وقد سار في نفس هذا الاتجاه الاخير الاستاذ ادريس بلمحجوب، ودلك باعتقاده ان القراءة المعمقة لقانون المهنة واهدافها النبيلة وضوابطها المتينة، توحي بان التظلم من استنكاف مجلس الهيئة عن اصدار المقرر في الموضوع بمثابة حفظ للشكاية، سيما اذا كان الملف يتوفر على العناصر الكافية لاحتوائه اجرائيا وقانونيا وموضوعيا للتقرير فيه بالمتابعة او بعدمها (2) .

كما سارت في الاتجاه الاول هيئة المحامين بالرباط عندما حررت مذكرة حول الطعون في قرارات الحفظ الضمنية للشكايات والتي رفعتها الى السيد الوكيل العام للملك لدى محكمة الاستئناف بالرباط على اثر الطعون المقدمة منه في مثل هذه المسائل، وقد ارتكزت الهيئة في مذكرتها على اساس : "انه فيما يخص الشكايات التي لم يتخذ المجلس فيها أي قرار رغم الاجل المضروب قانونا للبت فيها، فاننا نجد نفس الوضع القانوني بشانها والموجود في الحالتين المعروضتين اعلاه ( حالة طلب تحديد الاتعاب وحالة طلب رفع المنع المؤقت)، أي ان المشرع لم يرتب أي جزاء على فواة الاجل المحدد للبت فيها، ذلك ان الرفض الضمني القابل للطعن لا يمكن تصوره الا بنص قانوني صريح او في حالة اغفال البت في احدى الطلبات. وقد اعتبرت المذكرة ان مثل هذه الطعون تعتبر سابقة خطيرة في القضاء المغربي" (3) .

------------------------

1) رشيد تاشفين. حول اشكالية الطعن في مقررات الحفظ الضمني المتخذ من طرف مجلس هيئة المحامين. جريدة الاتحاد الاشتراكي ع 6121 بتاريخ 14/5/2000.

2 ) ادريس بلمحجوب. الطعن في القرار الضمني بالحفظ الصادر عن هيئة المحامين. مجلة الاشعاع عدد 19 ص 257.

3) المذكرة منشورة في " مؤسسة النقيب" النشرة الداخلية لهيئة المحامين بالرباط عدد 3 نفومبر

-

دجنبر 1999 ص 28 (المذكرة من إنجاز وتوقيع الأستاذ النقيب الطيب بن لمقدم) .

-----------------------

هذا وقد طرحت جريدة "العلم" في صفحتها الاسبوعية المخصصة "للمجتمع والقانون" هذا الموضوع على الراي العام لاثارة النقاش بشانه مبدية كون ترتيب الاثر القانوني على مجرد السكوت دون ان يكون هناك ثمة نص قانوني يبرره، يكون بمثابة تجاوز للاختصاص، خاصة فيما يخص موضوع قانون المحاماة اذا كان النص المعاقب لا يتحدث مطلقا عن الحفظ الضمني بخصوص الشكايات التي تتلقاها مجالس نقابات هيئة المحامين، فان الاستعانة بفصول اخرى لا يعد توجها سليما ويخالف مطلقا المبادئ القانونية (1) .

فهذا كان الاختلاف في الراي الفقهي، وكذلك كان الاختلاف حتى لدى القضاء المغربي بين مختلف محاكم الاستئناف بالمملكة.

ب) راي القضاء:

القضاء المغربي اصدر عدة قرارات على مستوى محاكم الاستئناف وعلى مستوى المجلس الاعلى، في موضوع المقررات الضمنية التي يمكن اعتبار مجلس هيئة المحامين قد اتخذها وذلك في ما يخص طلبات تحديد الاتعاب او طلبات التراجع عن مقرر المنع المؤقت او الشكايات .

- في طلب تحديد الاتعاب :

في طلب تحديد الاتعاب قررت المحكمة الاستئناف بالرباط تحت عدد 1964 وبتاريخ 11/3/1999 في الملف المدني عدد 4260/98 من انه : " لا يمكن اعتبار الاجل المحدد للنقيب لاصدار القرار بشان طلب تحديد الاتعاب المرفوع اليه، وفوات هذا الاجل بمثابة رفض ضمني للطلب الموجه اليه، خلاف ما تمت الاشارة اليه في المادة 90 من نفس القانون بشان الطعون المتعلقة بالقرارات الصادرة عن مجلس الهيئة، وذلك لكون المادة 50 وما بعدها من قانون المحاماة الصادر بتاريخ 10/9/1993، لم ترتب عنه أي جزاء" ( قرار غير منشور) .

- في طلب التراجع عن مقرر المنع المؤقت :

قررت غرفة المشورة بمحكمة الاستئناف بالدار البيضاء بتاريخ 4/6/1999 في الملف عدد 11/99 تحت عدد 210 من : " ان طلب رفع المنع المؤقت من ممارسة مهنة المحاماة اذا عرض على مجلس هيئة المحامين لا بد ان يتم الفصل فيه بقرار صريح في حالة ادانة جنائية قطعية مع توفر امكانية متابعة تأديبية بينما يرتفع المنع اذا انتهت المتابعة الجنائية "( قرار غير منشور).

-------------------------------

1) جريدة العلم عدد 18359 الصادر بتاريخ 23/8/2000 صفحة "المجتمع والقانون" ( عمود للمناقشة).

------------------------------

- في الشكايات :

اما في ما يخص الشكايات فقد قررت غرفة المشورة بمحكمة الاستئناف بالدار البيضاء تحت عدد 210 وتاريخ 4/6/1999 في الملف عدد 11/99 من ان : "قانون المحاماة المؤرخ في 8/11/1979 قد نص في فصله 23 على الحالة الوحيدة التي يعتبر فيها سكوت مجلس هيئة المحاميين بعد اجل قدرة شهرين وثمانية ايام ابتداء من تاريخ التوصل بالطلب قرارا ضمنيا بالرفض وهي في مجال تسجيل الراغبين في لائحة المحاميين، وهذه الحالة وردت في قانون المحاماة على وجه التخصيص فليس للقضاء التوسع خارج الحدود التي رسمها ليشمل بها مجال التاديب. لان الامساك عن الفصل في طلب او نزاع بدون سبب مشروع لا يعتبر قرارا ضمنيا بالرفض في غياب نص قانوني على غرار الفصل 23 من قانون المحاماة الصادر بتاريخ 08/11/79 وانما يمكن اعتباره انكارا للعدالة او مخالفة مهنية في نصيب الجهة الموكل اليها الفصل او بعبارة اخرى فان الرفض الضمني القابل للطعن لا يمكن تصوره الا بنص قانوني صريح في حالة اغفال البت في احدى الطلبات" (قرار غير منشور)

كما قررت محكمة الاستئناف بالرباط بتاريخ 19/11/1999 تحت عدد 8970 من ان : "عدم البت في الشكاية المحالة على نقابة هيئة المحامين من طرف الوكيل العام للملك داخل اجل شهرين يعتبر قرارا ضمنيا يتعين على الوكيل العام استئنافه داخل اجل خمسة عشر يوما. والاستئناف الحاصل بعد خمسة عشر يوما المذكورة يعتبر قد قدم خارج الاجل ويكون مصيره عدم القبول " (مجلة الاشعاع، عدد 21 ص 159 ).

وقد سارت محكمة الاستئناف بالرباط على هذا النهج في جميع الطعون من هذا القبيل والتي بتت فيها، مستندة في ذلك على اساس انه: " اذا كان المجلس ملزما في مادة التاديب باتخاد مقرر صريح بحفظ الشكاية المحالة عليه كما يفهم من نص المادة 65 ق. م. على تبليغ هذا القرار للاطراف المعنية، فعدم وجود مقتضى بشان مقرر الحفظ الضمني في مادة التاديب لا يعني ان للمجلس الحق في ان يظل ساكتا عن البت في الشكاية الى ما لا نهاية لان ذلك سيجعله في منأى عن كل مراقبة قضائية على اعماله في حين ان هذه المراقبة كرستها المادة 65 التي اجازت الطعن في قرار الحفظ الصريح والمادة 90 التي اجازت بصفة عامة الطعن في كل مقررات المجلس بما فيها الضمنية، ولم ينص صراحة على ان المقررات الضمنية القابلة للطعن هي الواردة حصرا في المادتين 11 و 20 من ق. م. ومبدا الرقابة اقره المجلس الاعلى في قرار له بتاريخ 23/11/97 عندما اكد على ان المشرع لم يعط مجالس هيئات المحامين سلطة تقديرية مطلقة لتحريك المتابعة التأديبية من عدمها وانما قيد سلطتها بمراقبة القضاء لما سن للوكيل العام للملك حق الطعن في مقرارات الحفظ حسب المادة 65 بشان اللتاديب، وتبعا لذلك فسكوت المجلس عن البت في الشكاية المقدمة اليه بعد مضي الشهرين المقرر للبت فيها ينبغي ان يعتبر بمثابة مقرر ضمني بالحفظ استئناسا بالقاعدة المقررة في المادتين 11 و 20 على اعتبار ان قانون المهنة تضمن حالات لم يرتب جزاء على عدم البت فيها داخل الاجل مثل حالة تحديد الاتعاب وحالة طلب المنع المؤقت من ممارسة المهنة عندما يتقدم به الوكيل العام للملك طبقا للمادة 64 من ق.م. التي لم تحدد اجلا للبت في هذا الطلب ولا يعقل ان يبقى عمل النقيب او المجلس دون مراقبة بحجة سكوت النص، خاصة وان المشرع قد اعطى صفة على وجوده المقرر الضمني في المادتين 11 و 20 من ق. م. ولا يجوز ان يكرر هذا المقتضى في كل المواد المسكوت عنها لان دلك غير جائز تشريعا" (1) .

وفي نفس السياق قررت محكمة الاستئناف بالرباط تحت عدد 9915 ما يلي: "ان الفصل 65 من قانون المحاماة حينما نص على قرار الحفظ وتبليغه الى السيد الوكيل العام للملك فانه لم يكن في حاجة الى التنصيص على تبليغ القرار الضمني لان المشرع لا يشرع العبث ما دام ان قرار الحفظ الضمني غير مادي ولا يصد ر في محضر او مقرر بحكم طبيعته المستفادة من فوات الاجل المحدد للنقابة لاصدار القرار

---------------------------

1) قرار محكمة الاستئناف بالرباط ع 3221 بتاريخ 3/5/2000 ملف عدد 7046/99 (غير منشور). في نفس الاتجاه قرار ع 8968 بتاريخ 19/11/99 ملف ع 1141/99 (غير منشور)

---------------------------

الملائم ذلك لانه لا يتصور ان تبقى الهيئة غير مراقبة من طرف القضاء في القيام بالمهام الموكولة اليها تشريعا وانجاز المقررات المتخذة في الاجال المحددة لها لاسيما اذا كانت تتعلق بشكايات تهم حقوق الزبناء تجاه المحامين الذين لا يهمهم أي الزبناء الا التعرف على مآل ما ا شتكوا به لدى الهيئة"(1) .

وقد اصدرت محكمة الاستئناف بمراكش بتاريخ 17/3/1999 يسير في نفس الاتجاه الذي سارت فيه محكمة الاستئناف بالرباط، جاء في تعليله ما يلي : " لئن كان المشرع في معرض المادة 65 لم يرتب جزاء صريحا على عدم التزام مجلس الهيئة باجل الشهرين المنصوص، عليه فانه بالمقابل لم يعط صراحة لمجالس هيئات المحامين سلطة مطلقة لا حدود زمنية لها، وانه لا معنى للرقابة القضائية اذا لم تقيد من هذه السلطة الى الحد الذي يكفل فعالية مسطرة التاديب كما هي نفسها حريصة عليها، ولا معنى لها اذا لم ترتب جزاء قضائيا يخدم الاهداف العليا لقانون المحاماة وضوابطها نفسها. وان مواكبة الوكيل العام للملك من موقعه المؤسساتي في المجال التاديبي، يعتبر احدى وسائل تجسيد الرقابة القضائية التي يفترض انطلاقها ابتداءا من اليوم الموالي لانقضاء الاجل المنصوص عليه في المادة 65، في الحالة التي تكون فيها النيابة العامة على علم بجريان المسطرة التأديبية امام مجلس الهيئة (2).

اما المجلس الاعلى فهوا ايضا سار في نفس النهج الذي سارت فيه كل من محكمتي الاستئنافي بمراكش والرباط مقررا ما يلي : "لما كان التاديب نشاط اداري تمارسه السلطة الادارية لضمان حسن سير المرفق العام تحت رقابة القضاء فان اسناد المشرع هذا النشاط لهيئة غير ادارية لا ينزع عن النشاط صبغته الادارية، ولا يطلق للهيئة الغير الادارية المسند الى هذا النشاط ممارسته في غياب الرقابة القضائية.

يترتب - ولو لم تنص المادة 65 على الاثر- على عدم اتخاذ مقرر صريح داخل الشهرين اعتباره متخدا مقررا بحفظ الشكاية اذ النشاط المطلوب نشاط اداري يترتب على التغاضي عن اعلانه صراحة داخل اجل الشهرين اعتباره ضمنيا- بعد ذلك- حفظا للشكاية ( رفض) يخول للوكيل العام الطعن فيه.

----------------------------

1) قرار محكمة الاستئناف بالرباط ع 9915 بتاريخ 17/12/1999 ( غير منشور).

2) قرار ع 1146 بتاريخ 17/3/1999 في الملف ع 5616/99 جريدة ا لعلم ع 18273 الصادرة بتاريخ 28/5/2000.

-------------------------

ان ما رتبه المشرع في المادتين 11 و 20 من القانون المنظم للمحاماة من اعتبار طلبي التقييد في التمرين وفي جدول المحامين مرفوضا اذا لم تبلغ مقررات الرفض داخل 15 يوما من انتهاء المدة للبت لا يتعلق بمجال التاديب .

لا بد لقبول استئناف الوكيل العام في المقرر الضمني بحفظ الشكاية من تقديمه داخل اجل 15 يوما الموالية لليوم الذي يعتبر تاريخا لاتخاد المقرر الضمني عملا بالمقطع الاخير من المادة 90 من القانون المنظم لمهنة المحاماة، لا ان ينتظر اربع سنوات" (1) .

وامام هذه الاختلافات في الفقه من جهة وفي القضاء من جهة ثانية وفيما بينهما من جهة ثالثة، يحق لنا التساؤل حول ما مدى قابلية المقررات الضمنية او السلبية للطعن بالاستئناف انطلاقا من عدة حالات مختلفة، ومركزين الراي بعد ذلك في انعدام الوجود القانوني للمقررات الضمنية بحفظ الشكايات في الوضع القانوني الحالي لمهنة المحاماة.

IV

) ما مدى قابلية المقررات الضمنية الطعن بالاستئناف؟

يعتبر المشرع سكوت مجلس الهيئة عن اتخاد مقرر في حالات نص عليها بصفة صريحة، كونه قرر فيها ورفضها بصفة ضمنية، وجعلها تخضع للطعن بنص صريح (1)، وحالات اخرى لم يفصل فيها المشرع وسكت عنها ولكن القضاء قرر بشانها ولم يعتبرها من المقررات الضمنية (2) بينما هناك حالة خاصة اختلف فيها الفقه والقضاء معا (3) .

1) حالات من المقررات الضمنية قابلة للطعن تشريعا (قاعدة قانونية) :

فالمقررات الضمنية التي اعتبرها المشرع صادرة عن مجلس هيئة المحامين بالرفض هي المتعلقة بحالة طلب التقييد في لائحة المحامين من قبل المرشحين للتمرين، وكذلك حالة طلب التقييد في جدول المحامين من قبل المحامين المتمرنين وغيرهم من.

------------------------------

1) قرار المجلس الاعلى الغرفة الادارية ع 1496 بتاريخ 2/11/2000 ملف اداري ع 273/14/2000 (غير منشور).

-----------------------------

المعفون من شهادة الاهلية، والمحامين المنتقلين من نقابة اخرى وكذلك حالة اغفال اسم المحامي الذي له الحق للترشيح في الانتخابات لمنصب النقيب ولعضوية المجلس. فهذه الحالات جميعها اذا ما سكت مجلس الهيئة عن التقرير بشانها ومر الاجل القانوني المحدد لذلك، فيعتبر هذا السكوت بمثابة مقرر ضمني بالرفض يكون قابلا للطعن بالاستئناف لدى محكمة الاستئناف. وقد نص المشرع على هذه المقتضيات القانونية في الفصول 83.20.11 و90 من قانون المحاماة الصادر بتاريخ 10/09/1993 كما تم تعديله وتتميمه بمقتضى القانون رقم 39/96 الصادر بتاريخ 10/8/1996.

2) حالات لم يعتبرها القضاء من المقررات الضمنية (قاعدة قضائية).

ساهم القضاء المغربي في ابراز عدة حالات لم يعتبرها من المقرارات الضمنية الصادرة عن مجلس هيئة المحامين على اساس ان قانون المحاماة لم ينص عليها ويعتبرها كذلك. وكما هو الشان بالنسبة لحالة عدم اتخاذ مجلس الهيئة لمقرر حول طلب التراجع عن مقرر المنع المؤقت ( قرار محكمة الاستئناف بالدار البيضاء ع 210 بتاريخ 4/6/1999 المشار اليه اعلاه )، وحالة كون عدم الفصل في الطلبات او النزعات بسبب غير مشروع لا يعتبر قرارا ضمنيا بالرفض في غياب نص قانوني (قرار محكمة الاستئناف بالدار البيضاء ع 210 المذكور ).

وبطبيعة الحال فان محكمة الاستئناف المذكورة قررت في طعن تقدم به احد الاطراف غير النيابة العامة، على اساس انه مقرر ضمني بالرفض صادر عن مجلس الهيئة.

3) الحالة الخاصة المختلف بشانها فقها وقضاء (الشكايات) :

هذه الحالة الخاصة هي المتعلقة بالشكايات .

فالشكايات ا لتي تحال من طرف النيابة العامة لدى محكمة الاستئناف على هيئة المحامين، للبت فيها تمر من طريقتين اثنتين : احالتها اولا على نقيب الهيئة وبعد ذلك احالتها من طرفه ثانيا على مجلس الهيئة. وهذا المسار حدد له المشرع اجلا لا يتجاوز شهرين تكون الشكاية بعد استيفائها لهما اما قد تم حفظها او قد تمت المتابعة بشانها

لكن الاشكال يطرح عندما لا تجد الشكاية مسارها الطبيعي ويمضي الاجل القانوني عليها بدون اية نتيجة فهل الامر اذا هو مقرر ضمني بحفظ هذه الشكاية ام ان وجود الشكاية لا زال قائما الى حين اتخاذ مقرر صريح بالحفظ او المتابعة؟

في بعض فصول تشريعات المحاماة السابقة كان المشرع بشان هذا الاشكال واضحا، فقد اعتبر المشرع الحل هو بمثابة مقرر ضمني بحفظ الشكاية ويكون من حق الوكيل العام لدى محكمة الاستئناف الطعن فيه بالاستئناف امام محكمة الاستئناف، وهذا ما سبق ان اشرنا اليه وبينا قاعدته القانونية اثناء بحثنا في الفقرة الاولى اعلاه.

وقد زاد الاشكال تعقيدا عندما اختلف بشانه الفقه من جهة والقضاء من جهة اخرى، وذلك في الوضع التشريعي الحالي للمحاماة، حيث لا وضوح للقاعدة القانونية فية بشان هذا الاشكال، فهل للمقررات الضمنية بحفط الشكايات وجود قانوني ا م لا؟

V

) المقررات الضمنية بحفظ الشكايات هل لها وجود قانوني؟

في اعتقادي انه عندما يكون المشرع قد فصل الراي واوضحه في مسالة معينة وبعد ذلك الغى هذه القاعدة ولم يعد اليها، يكون قد هجرها، ومن العبث اعتمادها في القضاء .

ذلك ان المشرع كان يعتمد المقررات الضمنية في الشكايات ويعتبرها كانها مقررات صادرة بحفظ تلك الشكايات، ويترتب عنها حق النيابة العامة للطعن فيها بطريق الاستئناف امام محكمة الاستئناف في اطار حق الرقابة على النقابة، غيرانه لم يعد حاليا يعتمد تلك القاعدة بحيث يكون قد سكت عنها بعدما فصل الراي فيها سابقا - كما بينا- مما تكون معه المسالة، لا تحتمل ابدا كونه تركها لاجتهاد القضاء، خاصة وان نية المشرع كانت ظاهرة واستمرت ما يقرب من ثلاثة عقود وبعد ذلك خالفها في النصوص الحالية لقانون المحاماة.

ومما يؤكد وجهة نظرنا هذه، كون المشرع سلك طريق الوضوح بشان المقرر الضمني عندما قام بتعديل وتتميم بعض فصول قانون المحاماة الحالي الصادر بتاريخ 10/9/1993، بواسطة القانون رقم 39/96 الصادر في 10/8/1996 حيث قرر ضمن المادة 83 حق كل محام للطعن في المقرر الضمني الذي اغفل المجلس فيه ذكر اسمه في قائمة المرشحين للانتخابات لمنصب النقيب ولعضوية المجلس، محددا اجل الطعن ونوعه والجهة التي يرفع اليها، ومدة بت المحكمة بقرار غير قابل لاي طعن . وبذلك يكون المشرع قد نظم طريقة الطعن في المقررات السلبية التي ينسب صدورها الى مجلس النقابة وهو بصدد اعداد قوائم المرشحين للانتخابات، مما يكون معه حرص المشرع على ايراد تنظيم لحالة الطعن في المقرر السلبي مرده الى ان هذه الخصوصية قد تكون محل خلاف في التفسير في حالة السكوت عنها، وعدم معالجتها بنص صريح كما جاء في حكم المحكمة الادارية العليا بمصر(1) .

وفي هذا الصدد فان المشرع الفرنسي في قانون المحاماة لسنة 1972 كان واضحا وصريحا فيما يخص الشكايات، واعتبر سكوت مجلس النقابة عن اتخاذ مقرر بشان طلب ا لوكيل العام اجراء المتابعة خلال شهرين بمثابة رفض يجعل من حق الوكيل العام الطعن فيه بالاستئناف (2) .

وهكذا فمراجعة المادة 65 من قانون المحاماة المغربي لا تشفع لنا سوى القول بعدم وجود المقرر الضمني او السلبي الناتج عن سكوت مجلس الهيئة عن اتخاذ مقرر بشان الشكايات، وبالتالي تشفع لنا للقول بانعدام امكانية الطعن مطلقا لانعدام النص الصريح في هذه الحالة. ولا يمكن القول بجواز ذلك الا في حالة مراجعة المشرع لهذه المادة والنص بصفة صريحة على المقرر الضمني او المقرر السلبي اما بالرفض او بالحفظ، والنص كذلك على حق ممارسة الطعن فيه من الطرف المعني ومن.

---------------------------

1) طعن رقم 3089 لسنة 35 القضائية. جلسة 16/12/1990 ذكره الدكتور عبد الفتاح مراد في كتابه الاحكام الكبرى للمحكمة الادارية العليا المصرية الطبعة الاولى بدون تاريخ ولا مكان الطبع ص 239.

2)الفصل 122 من مرسوم رقم 468/72 بتاريخ 9/6/1972 ، ج. ر بتاريخ 11/6/1972 ويلاحظ هنا ان هذا الفصل متشابه الى حد ما للفقرة السابعة من المرسوم الملكي الصادر بتاريخ 19/12/1968 الذي كان ينظم بموجبه نقابات المحامين ومزاولة مهنة المحاماة.

------------------------------

الوكيل العام لدى محكمة الاستئناف. ذلك انه اذا كان اللمحكمة ان تؤول قرارتها فان حق تاويل القوانين على سبيل الالتزام انما هو موكل للمشرع (1) .

وكيفما كان الحال فانه لا يمكن للقضاء تاويل مقتضيات المادة 65 من قانون المحاماة لوضوحها اولا ولعدم ذكرها للمقرر الضمني او السلبي ثانيا ولعدم النص فيها لا بصورة صريحة ولا بصورة ضمنية على حق الطعن امام القضاء فيما عدا مقرر حفظ الشكايات الصريح ثالثا.

وفي هذا الاطار تجدر الاشارة هنا الى ان ما ذهبت اليه محكمة الاستئناف بالرباط في قرارها عدد 3221 والقرارات الصادرة بعده، من انه : "لا يعقل ان يبقى عمل النقيب او المجلس دون مراقبة بحجة سكوت النص، خاصة وان المشرع قد اعطى صفة على وجود المقرر الضمني في المادتين 11 و 20 من قانون المحاماة ولا يجوز ان يكون هذا المقتضى في كل المواد المسكوت عنها لان ذلك لا يجوز تشريعا"، هنا اعتقد ان المشرع لم يعط اشارة واحدة فقط على وجود المقرر الضمني او السلبي، كما اشار الى ذلك القرار السالف الذكر، بل اعطى اشارات اخرى على وجود المقرر الضمني او السلبي في مواد من قانون المحاماة، منها ما هو مذكور في قوانين المحاماة السابقة، ومنها ما هو مذكور بالنسبة لقانون المحاماة منها ما هو مذكور في قوانين المحاماة السابقة، ومنها ما هو مذكور بالنسبة لقانون المحاماة الحالي في المادة 83 بعد تعديلها وتتميمها بمقتضى القانون رقم 39/96 الصادر بتاريخ 10/8/1996 بشان عدم ذكر اسم المحامي في قائمة المرشحين للانتخابات لمنصب النقيب ولعضوية المجلس وحق الطعن في ذلك خلال اجل محددمما يكون معه المشرع على علم يقيني بالمقرر الضمني في قانون المحاماة منذ الازل ، حيث تعامل معه بالنص الصريح الكامل شكلا وموضوعا في مادة واحدة، وتعامل معه في الوقت الراهن مرة بفصل الشكل عن الموضوع في مواد مختلفة من قانون المحاماة، ذلك انه نص على وجوده في مادة معينة ( ف 11) وعلى الطعن فيه في مادة اخرى (ف 90). و نص مرة اخرى على وجوده وطريقة الطعن فيه في مادة واحدة كما كان عليه الشان في قوانين المحاماة السابقة (ف 83) .

----------------------------------

1) قرار بتاريخ13/7/1928 ذكره، ابراهيم زعيم ومحمد فركت في وكالة الخصام

-

المحاماة ج 1 مؤسسة بنشرة للطباعة والنشر الدار البيضاء 1991 ص 158.

---------------------------------

وهنا ايضا فان ما ذهب اليه قرار محكمة الاستئناف بالرباط عدد 9915 من ان : " الفصل 65 من قانون المحاماة لم يكن في حاجة الى التنصيص على تبليغ القرار الضمني لان المشرع لا يشرع العبث ما دام ان قرار الحفظ الضمني غير مادي ولا يصدر في محضر او مقرر" وهذا الراي صحيح الا حد ما، وذلك لانه فعلا فان القرار الضمني يكون مبلغا في حد ذاته ولا يحتاج الى تبليغ لانه ينتج من امرين هما ايداع الطلب وعدم البت بعد مضي الاحل على ايداعه (1)، ولكنه من جهة اخرى فهو غير صحيح لعدم النص ضمن نفس المادة على وجود المقرر الضمني سواء بصفة صريحة او بصفة ضمنية، وهذا ينطبق ايضا على ما ذهب اليه قرار محكمة الاستئناف بمراكش عدد 1146 المشار اليه اعلاه كسابقيه.

وفي هذا الاطار يجدر بنا لفت النظر الى ان قرار المجلس الاعلى الصادر عن الغرفة الادارية عدد 1496 المشار اليه اعلاه رغم كونه سار في اتجاهات بعض القرارات الصادرة عن محاكم الاستئناف بشان وجود المقرر الضمني بحفظ الشكاية وامكانية الطعن فيه من طرف الوكيل العام، فانه بالرغم من هذا الانحياز الغير مبرر، فهو متناقض في تعليلاته، حيث اعتبر التاديب وممارسته من طرف هيئة غير ادارية هو نشاط اداري بينما اخرج من هذا النشاط الاداري لهذه الهيئة ما يتخذه مجلس هيئة المحامين من مقررات سلبية او ضمنية بشان طلبي التقييد في التمرين وفي جدول المحامين لكونه لا يتعلق بمجال التاديب وكان مجال التاديب هو الوحيد المشكل للنشاط الاداري لهيئة غير ادارية كما هو الشان مع هيئة المحاميين بينما هذا الطرح ليس صحيحا، اذ ان كل المقررات الصادرة عن مجلس هذه الهيئة هي ذات صبغة ادارية في مجالات غير مجال التاديب، بل وقد كان للمجلس الاعلى فيما سبق موقف منذ 13/5/1970 يفهم منه الطابع الاداري لقرارات نقابة المحامين (2)، غير انه تراجع عن هذا الموقف بعد ذلك واعتبر ان مجلس هيئة المحامين ليس بسلطة ادارية وبالتالي لا يسوغ

---------------------------------

1) قرار محكمة الاستئناف بمكناس عدد 664 بتاريخ19/10/1978. الطيب بن لمقدم في مبادىء الاحكام والقرارات القضائية. مطبعة النجاح الجديدة 1992 قاعدة رقم168 ص 78.

2) قرار المجلس الاعلى عدد 238 بتاريخ 13/5/1970 مجلة قضاء المجلس الاعلى عدد 20 ص 56.

--------------------------------

الطعن في القرارات الصادرة عنه عن طريق مسطرة الالغاء بسبب الشطط في استعمال السلطة (1) .

وبهذا القرار الحديث المتناقض في حد ذاته مع تعليلاته يكون المجلس الاعلى قد رجع الى سالف عهده خلا ل السبعينات باسباغه على هيئة المحامين الصبغة الادارية بنشاطها الاداري رغم المحتويات الخجولة للقرار، الشيء الذي يستخلص منه تناقض احكام المجلس الاعلى الغرفة الادارية في الموضوع مما يكون معه كون القرار لم يحترم ارادة ونية المشرع الضمنية المتجلية في عدم النص من طرفه على المقررات السلبية بشان الشكايات في المادة 65 من قانون المحاماة، خاصة وان اجال الطعون واحترام هذه الاجال هي من النظام العام.

---------------------------------

1) قرار المجلس الاعلى عدد 52 بتاريخ 26/2/1982 لاجتهادات المجلس الاعلى الغرفة الادارية للأستاذين احمد البخاري وامينة جبران مطبعة وليلي مراكش 1996 ص 412.

---------------------------------