تدخل النيابة العامة في ظل مدونة الأسرة

إعداد. أحمد نهيد

رئيس المحكمة الابتدائية بالجديدة

مقدمة

إلى جانب وظيفة النيابة العامة في الميدان الزجري الذي تكاد تنفرد بإقامة الدعوى العمومية ومتابعتها والإدلاء بالحجج المؤيدة لها وممارسة طرق الطعن بشأنها فإن جل التشريعات قد أوجدت نظاما خاصا لتدخل النيابة العامة في الميدان المدني حينما يتطلب الأمر حماية مراكز قانونية معينة جديرة بذلك وخاصة عندما تكون المنازعة ذات صبغة لها علاقة بالنظام العام أو بتحقيق المصلحة العامة.

وقد حدد قانون المسطرة المدنية المغربي دور النيابة العامة واختصاصاتها في الميدان المدني ضمن النصوص من 6 إلى 10 التي يستفاد منها أنها يمكن أن تكون طرفا رئيسيا أو منضما وهو ما نص عليه الفصل 6 من ق م م الذي جاء فيه : "يمكن للنيابة العامة أن تكون طرفا رئيسيا أو أن تتدخل كطرف منضم وتمثل الإغيار في الحالة التي ينص عيها القانون" فما هو المقصود من كل واحد من هذين الدورين ؟ وما هو موقع النيابة العامة منهما في ظل مدونة الأسرة التي جاءت المادة الثالثة منها لتعتبرها طرفا أصليا في جميع القضايا الرامية إلى تطبيق أحكامها وجاء التعديل الجديد للفصل التاسع من قانون المسطرة المدنية ليأمر تبليغها القضايا المتعلقة بالأسرة باعتبارها طرفا منضما.

مفهوم الطرف الرئيسي

يستفاد من الفصل السادس من قانون المسطرة المدنية أن النيابة العامة يمكن أن تكون طرفا رئيسيا أي أصليا في الدعوى بمعنى أن تكون مدعية أو مدعى عليها ففي الحالة الأولى تكون هي المدعية إذا كانت هي التي قدمت الطلب للمحكمة وفي الحالة الثانية تكون مدعى عليها في الدعوى المرفوعة ضدها مباشرة من أحد المتقاضين وذلك في الحالات المحددة في القانون.

ومن بين القضايا التي تتدخل فيها النيابة العامة كطرف رئيسي :

-التصريحات المتعلقة بالحالة المدنية وتصحيح وثائقها طبقا للفصول 217، 218 و 219 من ق م م.

-قضايا الغيبة طبقا للفصل 263 من ق م م.

-التركات الشاغرة طبقا للفصل 267 من ق م م.

-إحالة الأحكام الصادرة عن محاكم الجماعات والمقاطعات على رئيس المحكمة طبقا للفصل 20 من ظهير 15 يوليوز 1974 بشأن تنظيم محاكم الجماعات والمقاطعات.

-التعرض على مطالب التحفيظ لفائدة المحجوزين والغائبين والمفقودين وغير الحاضرين طبقا للفصلين 23 و 29 من ظهير التحفيظ العقاري المؤرخ في 16/08/1913.

-بعض القضايا المتعلقة بممارسة مهنة المحاماة مثل الطعن في الانتخابات المتعلقة بمجلس الهيأة أو بالنقيب وفي بعض القرارات الصادرة عن النقيب.

-قضايا المنازعة في الجنسية طبقا لظهير 06/09/1958.

-قضايا حل الجمعيات طبقا لظهير 15/11/1958 المعدل.

-متابعة العدول وإحالتهم على غرفة المشورة للتأديب طبقا لظهير 06/05/19/1982 بشأن تنظيم خطة العدالة.

-تحريك المتابعة ضد الأعوان القضائيين الذين يخلون بواجباتهم (الفصل 19 من القانون المنظم للأعوان القضائيين).

مفهوم الطرف المنضم :

الأصل في وظيف النيابة أن تكون طرفا منضما في القضايا المدنية وقد نص الفصل الثامن من قانون المسطرة المدنية على أن النيابة العامة تتدخل كطرف منضم في جميع القضايا التي يأمر القانون بتبليغها إليها وكذا في الحالات التي تطلب النيابة العامة التدخل فيها بعد اطلاعها على الملف أو عندما تحال عليها القضية تلقائيا من طرف المحكمة.

والمقصود بالطرف المنضم هو أن النيابة العامة لا تتبنى موقف أحد الطرفين في النزاع وإنما تقدم مستنتجاتها على ضوء ما يمليه التطبيق السليم للقانون ومن تم جاءت عبارة "القانون" المتداولة التي نجدها في أغلب المستنتجات الكتابية للنيابة العامة في القضايا المدنية أي أنها تدلي برأي مستقل ومطابق للقانون ولا تنحاز لأحد الأطراف.

ويلاحظ هنا أن الفصل السادس استعمل كلمة "تتدخل" خطأ بدلا من كلمة تتصرف كما هي موجودة بالنص الفرنسي ذلك أن التدخل يقتضي تقديم طلب من الغير الذي يعتبر أن له حقا يجب الدفاع عنه ضمن نزاع معروض على القضاء بين طرفين أو عدة أطراف (1).

كما لاحظ الكثير من المحللين لهذا النص أن عبارة "طرف منضم" ليست دقيقة إذ توحي في ظاهرها بأن النيابة العامة تنضم لأحد الأطراف في الرأي أو الدفاع والحال أن العكس هو المقصود في التشريع.

ومن خلال هذا النص يتبين بأن مجال تدخل النيابة العامة كطرف منضم يكون في ثلاث حالات :

-الحالات الجبارية للتدخل

-حالات التدخل بطلب من النيابة العامة.

-حالات التدخل بعد الإحالة التلقائية من المحكمة.

ـــــــــــــــــــــ

(1) ذ.العربي المجبود - مجلة المحلق عدد 3 ص11.

ـــــــــــــــــــــ

الحالة الأولى :

طبقا للفصل 9 من قانون المسطرة المدنية المعدل بظهير 3 فبراير 2004 بشأن تنفيذ القانون رقم 72.03 يجب أن تبلغ للنيابة العامة الدعاوي الآتية :

-القضايا المتعلقة بالنظام العام والدولة والجماعات المحلية والمؤسسات العمومية والهيبات والوصايا لفائدة المؤسسات الخيرية وممتلكات الأحباس والأراضي الجماعية.

القضايا المتعلقة بالأسرة :

-القضايا المتعلقة بفاقدي الأهلية وبصفة عامة جميع القضايا التي يكون فيها ممثل قانوني نائبا أو مؤازرا لأحد الأطراف.

-القضايا التي تتعلق وتهم الأشخاص المفترضة غيبتهم.

-القضايا التي تتعلق بعدم الاختصاص النوعي.

-القضايا التي تتعلق بعدم الإختصاص ، بجريح القضاة والإحالة بسبب القرابة أو المصاهرة. مخاصمة القضاة.

-قضايا الزور الفرعي.

ويجب أن تبلغ هذه القضايا إلى النيابة العامة بثلاثة أيام على الأقل قبل الجلسة بواسطة كتابة الضبط.

أما أمام المجلس الأعلى فإن النيابة تتدخل لدى المجلس الأعلى في جميع القضايا المعروضة على أنظار المجس ويرجع السبب في ذلك إلى كون هذه الجهة القضائية العليا هي الموكول لها السهر على تطبيق القانون وإقرار المبادئ القانونية والاجتهادات القضائية وذلك طبقا للفصل 372 من قانون المسطرة المدنية الذي ينص على أنه يجب الاستماع إلى النيابة العامة في جميع القضايا.

الحالة الثانية :

يمكن للنيابة العامة كلما ظهرت لها ضرورة التدخل في أحد القضايا المدنية لسبب يتعلق بتحقيق المصلحة العامة وقواعد الإنصاف والعدالة أن تتدخل تلقائيا وتطالب بالإطلاع على الملف الرائج وتدلي فيه بمستنتجاتها وفق ما يقتضيه التطبيق السليم للقانون دون الانضمام لأحد الأطراف.

الحالة الثالثة :

يمكن للنيابة العامة كلما ظهرت لها ضرورة التدخل في أحد القضايا المدنية لسبب يتعلق تحقيق المصلحة العامة وقواعد الإنصاف والعدالة أن تتدخل تلقائيا وتطالب بالإطلاع على الملف الرائج وتدلي فيه بمستنتجاتها وفق ما يقتضيه التطبيق السليم للقانون دون الانضمام لأحد الأطراف.

الحالة الرابعة:

يمكن للمحكمة كلما تبين لها أن قضية ما تكتسي طابعا ذا أهمية خاصة له علاقة بالمصلحة العامة بصفة خاصة أن تأمر بتبليغ الملف للنيابة العامة للإدلاء بمستنتجاتها إلا أن هذه الأخيرة لا تكون ملزمة بذلك بعد الإطلاع على موضوع القضية.

الآثار المترتبة على التمييز بين دور النيابة العامة كطرف أصلي وطرف منضم :

1)حينما تكون النيابة العامة طرفا أصليا فإن ذلك يعطيها الحق في أن تبدي ما يظهر لها من أوجه الدفاع شأنها في ذلك شأن الخصم العادي وتلتزم بترتيب الخصوم ويعقب على أجوبتها وردوها.

أما إذا كانت طرفا منضما فإنها تكتفي بإبداء وجهة نظرها وفقا لما يمليه القانون فقط ولا يجوز لها أن توسع نطاق الدعوى ولا أن تتقدم بطلبات جديدة ومستنتجاتها لا يعقب عليها.

2)يترتب على اعتبار النيابة العامة طرفا أصليا في الدعوى إعطاؤها إمكانية ممارسة طرق الطعن إذا كان الحكم في غير صالحها سواء كانت مدعية أو مدعية عليها والفصل السابع من قانون المسطرة المدنية صريح في ذلك وهذا مالا يتأتى لها إذا كانت طرفا منضم لفقدانها صفة الخصم الحقيقي في الدعوى.

واستثناء من هذا خول المشرع في الفصل 381 من ق م م للوكيل العام لدى المجلس الأعلى حق طلب النقض في الأحكام الإنتهائية التي يبلغ إلى علمه أنها صدرت خلافا للقانون ولقواعد المسطرة ولم يطعن فيها من الأطراف.

3)في الحالات التي تكون فيها النيابة العامة طرفا رئيسا في الدعوى لا يمكن تجريح قاضي النيابة العامة لأنه يتقمص شخصية الخصم الحقيقي الذي لا يمكن لخصمه أن يجرج وعلى العكس من ذلك حينما تكون النيابة العامة طرفا منضما فإنها تخرج من طرف الخصوم وذلك طبقا للفصل 299 من ق م م الذي نص على ما يلي : " وتطبق أسباب التجريح المتعلقة بقاضي الأحكام على قاضي النيابة العامة إذا كان طرفا منضما ولا تجرح إذا كان طرفا رئيسيا".

تدخل النيابة العامة في مدونة الأسرة

قبل الحديث عن تدخل النيابة العامة في ظل مدونة الأسرة يجدر بنا أن نعرف قضايا الأسرة التي وردت في (المادة 9 من قانون المسطرة المدني) والتي تعتبر المدونة جزءا منها.

يتعين الرجوع إلى مقتضيات القانون رقم 73.03 المعدل للتنظيم القضائي للمملكة الذي نص في الفصل الثاني على ما يلي: "تنظر أقسام الأسرة في قضايا الأحوال الشخصية والميراث والحالة المدنية وشؤون التوثيق والقاصرين والكفالة وكل ما له علاقة برعاية وحماية الأسرة.

ولعل أول سؤال يطرح نفسه هو كيف يمكن التوفيق بين ما ورد في المادة الثالثة من اعتبار الثالثة النيابة العامة طرفا أصليا في تطبيق أحكام مدونة الأسرة وما جاء به تعديل الفصل التاسع من قانون المسطرة المدنية الذي يوجب تبليغ قضايا الأسرة للنيابة العامة.

وقد ارتأيت تقسيم هذا الموضوع كما يلي :

-تدخل النيابة العامة كطرف أصلي في مدونة الأسرة.

-التدخل كطرف منضم.

-حالات أخرى لتدخل النيابة العامة في مدونة الأسرة.

تدخل النيابة العامة كطرف أصلي في مدونة الأسرة

بالرجوع إلى المادة الثالثة من مدونة الأسرة يلاحظ أن المشرع اعتبر النيابة العامة طرفا أصليا في جميع القضايا الرامية إلى تطبيق أحكام هذه المدونة .

ويترتب على ذلك أن النيابة العامة يمكن أن تتقدم أمام قضاء الأسرة بأية دعوى ترى أن فيها دفاع عن الصالح العام ويتعذر على ذي المصلحة أن يقيمها وهذا يفرض عليها تتبع هذه الدعوى وحضور جلساتها وتقديم الأجوبة والردود مع التزام الترتيب المفروض على الخصوم كما يخولها حق سلوك طرق الطعن في مواجهة الأحكام والقرارات الصادرة في الموضوع.

والملاحظ أن هذا النص يصطدم مع المادة التاسعة من قانون المسطرة المدنية المعدلة بمقتضى القانون رقم 72.03 التي توجب تبليغ جميع القضايا المتعلقة بالأسرة إلى النيابة العامة كطرف منضم حسبما وقع تفصيله سابقا، فكيف يمكن التوفيق بين الأمرين وهل تكون النيابة في هذه الحالات طرفا أصليا تمشيا مع حرفية نص المادة الثالثة أم طرفا منضما ؟

للجواب على هذا السؤال هناك قراءتان تنطلق كل منهما من تحليل خاص للمادة لا لثالثة ومدى التوفيق بيم مقتضياتها وبين ما ورد في المادة 9 من قانون المسطرة المدنية :

القراءة الأولى : ترى أن النيابة العامة لا تكون طرفا أصليا إلا عندما تكون مدعية أو مدعى عليها وفي الواقع العملي لا تكون كذلك إلا في قضايا محدودة من ضمن مجموع الملفات الرائجة أمام قضاء الأسرة بمختلف المحاكم ويتجلى ذلك في تدخلها كمدعية في الحالات المحددة قانونا في المدونة والتي ستتعرض لها فيما بعد أو كمدعى عليها حينما تقام عليها الدعوى ممن يهمه الأمر أو حينما ترى وجوب إقامة أية دعوى تقتضي المصلحة العامة ممارستها.

لذا فإن صياغة المادة الثالثة لم تكن موفقة إذ كان يتعين التنصيص على أن "النيابة العامة تكون طرفا في جميع القضايا" دون تحديد صفة الطرف التي تكتسب من خلال دورها في كل قضية على حدى باعتبار أن هذه الأخيرة لا يمكن تصور أن تكون مدعية أو مدعى عليها في جميع القضايا الرائجة أمام القضاء الأسري إذ أن جل القضايا المطروحة تتعلق بالنفقة والطلاق والتطبيق والميراث وينذر أن تتدخل فيها كمدعية أو تقام عليها الدعوى.

القراءات الثانية : تتمسك بحرفية النص الذي يعتبر النيابة العامة طرفا أصليا في جميع القضايا الرامية إلى تطبيق أحكام هذه المدونة مادام المشرع قد نص على ذلك.

ويترتب على اختلاف القراءتين عدة أمور تكتسي أهمية بالغة وخاصة فيما يتعلق بحضور النيابة العامة للجلسات وممارستها لطرف الطعن.

حضور الجلسات :

لمعالجة هذه المسألة يتعين الرجوع إلى النصوص التالية :

بمقتضى المادتين 4 و 7 من ظهير التنظيم القضائي المؤرخ في 15 يوليوز 1974 فإن حضور النيابة العامة يعتبر اختياريا في جميع القضايا المدنية عدا في الأحوال المحددة بمقتضى قانون المسطرة المدنية وخاصة إذا كانت النيابة العامة طرفا رئيسا وفي جميع الأحوال الأخرى المقررة بمقتضى نص خاص.

المادة 10 من قانون المسطرة المدنية التي تعتبر حضور النيابة العامة في الجلسة غير إلزامي إلا إذا كانت طرفا رئيسيا أو كان حضورها محتما قانونا ويكون حضورها اختياريا في الأحوال الأخرى.

الفصل 9 من قانون المسطرة المدنية المعدل الذي يوجب تبليغ جميع قضايا الأسرة للنيابة العامة.

فإذا سايرنا القراءة الأولى التي لا تعتبر النيابة العامة طرفا أصليا غلا عندما تكون مدعية أو مدعى عليها في الدعوى فإن ذلك سيؤدي إلى عدم إلزامها بالحضور بالجلسات إلا في هذه الحالات الخاصة التي تعتبر فيما سواها طرفا منضما. ومما يعزز هذا الرأي أن الفصل 9 من ق م م لم يأت عبثا فالمشرع بإلزامه للمحكمة تبليغ هذا النوع من القضايا على النيابة العامة يكون قد قسم دورها في قضاء الأسرة إلى طرف أصلي زمن ضم تبعا لدورها في الإدعاء سيما وأن هذا النص قد صدر متزامنا مع مدونة الأسرة.

أما القراءة الثانية فتحتم حضور النيابة العامة في جميع الجلسات الخاصة بتطبيق أحكام مدونة الأسرة.

ونعتقد بأن هذه القراءة غر مطابقة للقانون لأن النيابة العامة لا يمكن أن تكون طرفا أصليا في جميع القضايا وأن حضورها حسب نصوص التنظيم القضائي وقانون المسطرة المدنية المشار إليهما أعلاه إنما هو ضروري في الحالات التي تكون فيها طرفا أصليا بصفة فعلية كما أنه غير مجد من الناحية الواقعية إذ أن النيابة العامة تقدم مستنتجاتها كتابة وتكلف نفسها عناء الحضور مما يثقل كاهل قضاتها بأعمال هم في حاجة إلى صرفها في أمور أخرى وخاصة في المستنتجات الكتابية سيما في المحاكم التي تعاني من الخصائص في عدد قضاة النيابة العامة.

سلوك طرق الطعن :

القراءة الأولى :

أما فيما يتعلق بطرق الطعن فإذا سايرنا القراءة الأولى التي ترى بأن صفة النيابة العامة كطرف أصلي مرتبطة بوضعيتها في الدعوى وما إذا كانت مدعية أو مدعى عليها أو متدخلة في النزاع فإن ذلك يقتضي عدم منحها هذه الصفة إلا في هذه الحالات وحجة هذا الاتجاه أن طرق الطعن كالدعوى تستوجب توفر شروط معينة تتمثل خاصة في الصفة والمصلحة ولكي تتوفر النيابة العامة على ذلك يتعين أن تكون قد مارست الإدعاء أو وجهت الدعوى التي صدر فيها الحكم موضوع الطعن ضدها وبالتالي يفترض أن تكون خصما تضرر من الحكم التي صدر فيها الحكم موضوع الطعن ضدها وبالتالي يفترض أن تكون خصما تضرر من الحكم بسبب رفض طلباتها كليا أو جزئيا أو سبب الحكم عليها بكل أو بعض مطالب المدعي ذلك أن الطعن هو تظلم من الحكم لعدم الرضا به ولا يتصور صدوره غلا من خصم محكوم عليه سواء كان مدعيا أو مدعى عليه أو متدخلا في الدعوى وما لم تتوفر لدى النيابة العامة إحدى هذه الصفات فإنه لا يمكنها عمليا أن تمارس أي طريق من طرق الطعن.

والواقع أن هذا السؤال قد طرح من ذي قبل بخصوص قضايا الحالة المدنية التي تعتبر فيها النيابة العامة طرفا رئيسيا انطلاقا من الفصل 217 من ق م م الذي ينص على أنه يمكن لكل شخص له مصلحة مشروعة أو للنيابة العامة أن يطلب من المحكمة الابتدائية إصدار تصريح قضائي بازدياد أو وفاة لم يسبق تقييده بدفاتر الحالة المدنية.

وقد تساءل ذ. العربي امجبود في بحث له بمجلة الملحق القضائي عدد 3 ص 13 عن إمكانية استئناف النيابة العامة لأحكام الحالة المدنية حينما لا تكون هي المدعية أي حينما تكون طرفا منضما فقط وخلص إلى أن المشرع لو كان يريد أن يعطي للنيابة العامة حث الإستئناف حتى ولو لم تكن طرفا رئيسيا لما أغفل عن التنصيص عليه صراحة. وأكد على أن القانون لا يعتبر النيابة العامة طرفا أصليا إلا في حالة الفصل 217 وإن لم تكن هي التي قدمت المقال فإن هذا الأخير يبلغ إليها لتبدي رأيها بمستنتجات كتابية كما يؤكد ذلك صراحة المقطع الثاني من الفصل 218.

ورغم أن نصوص الحالة المدنية تعتبر من النظام العام وأن الإجتهاد القضائي الفرنسي أعطى للنيابة العامة الحق في الإستئناف حتى لو كانت طرفا منضما في القضايا التي يمكن لها أن تكون فيها طرفا رئيسيا") فإن ذلك غر ممكن في ظل القانون المغربي.

أما الحجة الدامغة التي يقدمها هذا الرأي للاستدلال على صحة وجهة نظرة فتتمثل في كون المشرع لم يتطرف لمسألة الطعن في الأحكام الصادرة في القضايا الناتجة عن تطبيق مدونة الأسرة وأن طرف الطعن من الأمور المسطرية التي يرجع في شأنها إلى قانون المسطرة المدنية وبالاحتكام لهذا الأخير نجد أنه لا يعطي حق الاستئناف إلا لمن كان طرفا أو متدخلا في دعوى صدر فيها الطعن من طرف النيابة العامة على الحالات التي تكون فيها هذه الأخيرة مدعية أو مدعى عليها في الأحوال المحددة. بمقتضى القانون وكان بالإمكان أن يحصل شيء من الغموض يترك مجالا للتأويل كما حدث في فرنسا حسبما تم بيانه أعلاه بخصوص الحالة المدنية إلا أن صياغة المادة السابعة من قانون المسطرة المدنية قد جعلت حدا لكل تأويل أو تفسير لأنها تربط إمكانية الاستئناف من قبل النيابة العامة بموقع هذه الأخيرة في الدعوى كمدعية أو مدعى عليها في النزاع وكان من الممكن أن يظل اللبس قائما لو أن صياغة هذه المادة جاءت بشكل آخر أي لو اكتفى المشرع بالتنصيص على إمكانية الاستئناف في حالة ما إذا كانت النيابة العامة طرفا رئيسيا أو أصليا إذ في هذه الحالة قد يتمسك أصحاب هذا الاتجاه الآخر بأن اعتبار النيابة العامة طرفا أصليا من قبل مشرع مدونة الأسرة في جميع مقتضياتها هذا القانون كاف لإعطائها إمكانية الطعن.

وبناء على هذا التحليل الذي يعتبر مفهوم الطرف الأصلي مرتبطا بمركز النيابة العامة في الدعوى كطرف فإن حق هذه الأخيرة في الطعن مرتبط بصفتها كمدعية أو مدعى عليها وفيما عدا ذلك من الدعاوى المترتبة عن تطبيق مدونة الأسرة لا يكون لها حق ممارسته.

القراءة الثانية :

هذه القراءة تنطلق من كون النيابة العامة إنما تعتبر طرفا أصليا في مدونة الأسرة وهذا لا يعني أنها تكون كذلك في جميع القضايا أي أنه رغم عدم ملازمة صفة الإدعاء لها في القضية ورغم كونها ليست طرفا فيها فإن المشرع اعتبرها كذلك ليرتب على هذا الأمر تمكينها من ممارسته طرق الطعن.

وأعتقد أن القراءة التي تسير مع حرفية نص المادة الثالثة من المدونة لا تتماشى مع قصد المشرع الذي أراد أن يعطي للنيابة العامة دورا هاما في تطبيق مدونة الأسرة ونص تبعا لذلك على اعتبارها طرفا أصليا فاتحا بذلك المجال أمامها لتكون لها صفة الإدعاء في أية مادة ارتأت إقامة الدعوى فيها خدمة للصالح العام ونيابة عن المجتمع وحتى يضمن متابعتها عن طريق المستنتجات الكتابية والحضور عند الاقتضاء لهذا النوع من القضايا.

كما أن هذا الاتجاه يتعارض تماما مع مفهوم الطرف الأصلي الذي قلنا سابقا يستلزم صفة الخصم التي يجب أن تتوفر في النيابة العامة عند رفع الدعوى حتى يمكن اعتبارها طرفا أصليا.

وأشير في النهاية إلى أن المنطلق في عرض قراءتين في هذه المسألة إنما استوحيته من الخلاف المفترض حصوله في تأويل النصوص التي لها علاقة بالموضوع.

ونخلص مما ذكر أن دور النيابة العامة كطرف أصلي او منضم يتجلى من خلال الفرضيتين التاليتين :

الفرضية الأولى : تكون النيابة العامة طرفا أصليا في جميع القضايا التي خول لها المشرع بمقتضى نصوص المدونة حق إقامة الدعوى وكذا في الحالات التي تتخذ موقفا في هذا الاتجاه بعد إحالة الملف عليها لتقديم مستنتجاتها وكذا عندما توجه ضدها الدعوى ابتداء كمدعى عليها.

الفرضية الثانية : تكون النيابة العامة طرفا منضما في جميع القضايا المنبثقة عن تطبيق المدونة التي لا تكون فيها مدعية أو مدعى عليها حيث لا تتخذ حق المواجهة أو المنازعة وإنما تتقدم بمستنتجاتها في شكل محايد ولفائدة القانون وتبدي رأيها في هذا الاتجاه ولو كان لصالح موقف أحد الأطراف أو ضده مع مناقشة الحجج والأسانيد المقدمة وإبداء الأسباب لتأييد أو رفض أي من طلبات الخصوم من الناحية القانونية بشرطة ألا تتجاوز طلباتهم أو موضوع النزاع (1).

ـــــــــــــــــــــ

1-حسن الفكهاني (شرح قانون المسطرة المدنية).

ـــــــــــــــــــــ

حالات تدخل النيابة العامة كطرف أصلي في المدونة :

إذا كانت صفة الطرف الأصلي " تخول للنيابة العامة إمكانية رفع الدعوى في أية نازلة تدخل في مجال تطبيق المدونة وبالتالي إمكانية رفع أية دعوى ضدها تهم هذا الميدان عندما يتأتى ذلك قانونا فإن هناك حالات محددة ارتأى فيها المشرع إعطاءها إمكانية إقامة الدعوى لاعتبارات تتعلق بصفة خاصة بكون المصلحة المراد الدفاع عنها تهم جانبا ضعيفا لا يتأتى له القيام بذلك كالمحجوز أو الغائب أو المحضون وسنتعرض لكل من هذه الحالات كالتالي :

1-السهر على مراقبة تنفيذ الأحكام المتعلقة بحماية الطفولة وحقوق الطفل :

أفراد المشرع لهذه المسألة نصا خاصا في المدونة ويتعلق الأمر بالمادة 54 التي جاءت كترجمة لمقتضيات الاتفاقية الأممية لحقوق الطفل لسنة 1989 وتضمنت جردا لحقوق الأطفال تجاه أبويهم كما لي :

1-حماية حياتهم وصحتهم منذ الحمل إلى حين بلوغ سن الرش،

2-العمل على تثبيت هويتهم والحفاظ عليها خاصة، بالنسبة للغسم والجنسية والتسجيل في الحالة المدنية ؛

3-النسب والحضانة والنفقة طبقا لأحكام الكتاب الثالث من هذه المدونة ؛

4-إرضاع الأم لأولادها عند الاستطاعة؛

5-اتخاذ كل التدابير الممكنة للنمو الطبيعي للأطفال بالحفاظ على سلامتهم الجسدية والنفسية والعناية بصحتهم وقاية وعلاجا ؛

6-التوجيه الديني والتربية على السلوك القويم وقيم النبل المؤدية إلى الصدق في القول والعمل ، واجتناب العنف المفضي إلى الإضرار الجسدي والمعنوي، والحرص على الوقاية من كل استغلال يضر بمصالح الطفل ؛

7-التعليم والتكوين الذي يؤهلهم للحياة العملية وللعضوية النافعة في المجتمع، وعلى الآباء أن يهيئوا لأولادهم قدر المستطاع الظروف الملائمة لمتاعة دراستهم حسب استعدادهم الفكري والبدني.

عندما يفترق الزوجان، تتوزع هذه الواجبات إلى الحاضن والنائب الشرعي بحسب مسؤولية كل واحد منهما.

يتمتع الطفل المصاب بإعاقة، إضافة إلى هذه الحقوق المذكورة أعلاه بالحق في الرعاية الخاصة بحالته، ولاسيما التعليم والتأهيل المناسبان لإعاقته قصد تسهيل إدماجه في المجتمع.

تعتبر الدولة مسؤولة عن اتخاذ التدابير اللازمة لحماية الأطفال وضمان حقوقهم ورعايتها طبقا للقانون.

تسهر النيابة العامة على مراقبة تنفيذ الأحكام السالفة الذكر.

وقد عهد للنيابة العامة بالسهر على تنفيذ هذه الأحكام وهذا يعني أنه يمكن أن تتصرف كمدعية في أية مسألة تتعلق بممارسة هذه الحقوق حينما تستشعر وجود خلل ما في ذلك.

2-الحالة المستمدة من المادة 75 من المدونة :

أعطى المشرع للنيابة العامة صلاحية رفع طلب إلى المحكمة بغرض التصريح بكون المفقود المحكوم بوفاته، مازال على قيد الحياة، وذلك في الحالة التي لا يوجد من يتقدم بهذه الدعوى إلى المحكمة، وهنا أراد المشرع حماية مصالح المفقود الذي قد يكون في ظروف لا يستطيع معها القيام بشؤونه ولا حماية حقوقه، لذلك فتدخل النيابة العامة سيكون ناجعا في الحفاظ على حقوق المفقود الذي سبق الحكم بوفاته إذا تبين أنه لازال على قيد الحياة.

وللنيابة العامة كذلك حق رفع دعوى إثبات التاريخ الحقيقي لوفاة المفقود إذا كان التاريخ المنصوص عليه كذلك حق رفع دعوى إثبات التاريخ الحقيقي لوفاة المفقود إذا كان التاريخ المنصوص عليه في الحكم القاضي بوفاته غير مطابق للواقع وذلك بغرض ترتيب الآثار على ذلك لتاريخ، وهنا كذلك يتبين دور النيابة العامة في حماية المراكز القانونية وحسن تطبيق القانون.

3)اختيار من هو صالح للمحضون :

تعتبر الحضانة أهم المؤسسات القانونية التي خصتها المدونة بقواعد تأخذ بعين الاعتبار مصلحة الطفل (Intérêt de l'enfant) وذلك مراعاة لما التزم به المرب من ملاءمة التشريع الداخلي لنصوص اتفاقية الأمم المتحدة لحقوق الطفل لسنة 1989 والتي توجب اعتبار مصلحة الطفل المعيار الأساسي في إسناد الحضانة، وللحفاظ على هذه المصلحة أعطت المدونة في مادتها 165 للنيابة العامة صلاحية رفع طلب إسناد الحضانة، إلى من هو جدير برعاية تقديم المصلحة والقيام بشؤون الطفل وتربيته تربية سليمة تساعده على النمو البدني والاستقرار النفسي، وذلك في الحالة التي لم يقبل من هو مستحق للحضانة أو لم تتوافر فيه أحد الشروط الواجب توفرها في الحاضن فالنيابة العامة هنا ضامن لأن تكون ممارسته الحضانة لمصلحة الطفل العليا.

ومصلحة المحضون التي يجب أن تأخذها النيابة العامة بعين الاعتبار في استعمال هذه الإمكانية المنصوص عليها في هذه المادة تتمحور بالأساس في نظرنا في :

حاجة الطفل إلى وسائل مادية لنموه البدني واستقراره النفسي، وقيام الحاضن بواجبه فبهذا الشأن وضرورة الحفاظ على علاقته مع الوالد غير الحاضن وأقاربه.

التربية والتنشئة السليمة لما فيه صلاح مستقبل الطفل.

ضرورة كون الحاضن ذا أهمية للقيام بهذا الدور الذي ينعكس على شخصية الطفل وعلى مصيره.

ومن خلال هذه المعايير الموجهة ستعمل النيابة العامة على تقييم ثبوت مصلحة الطفل من عدمه وبالتالي استعمال تلك الإمكانيات كلما ثبت لها أن تلك المصلحة يتهددها خصر ما.

4)في طلب التحجير أو إلغائه :

بمقتضى هذه المادة أعطيت للنيابة العامة مهمة حماية عديم الأهلية والذي طرأ له عارض من عوارض هذه الأخيرة إما بفقدان التمييز أو السفه أو العته إذ يمكنها أن تتقدم بطلب إلى المحكمة قصد التصريح بثبوت هاته الحالة والتحجير عليه حفاظا على مصالحه، إذن يكون - ونظرا لحالته هاته- عديم الأهلية ولا يمكنه مباشرة التصرفات القانونية بنفسه وابد في هذه الحالة من شخص يقوم بها عنه يتم تعيينه في المقرر القاضي بالتحجير، ومراعاة لنفس المصلحة أقرت ذات المادة إمكانية طلب النيابة العامة رفع الحجر إذا كان السبب الذي من أجله تم توقيع الحجر قد زال، فهي هنا تتدخل لضمان مصلحة المحجوز عليه وحمايته من نفسه ومن الغير بتوقيع الحجر عليه وتعيين شخص يقوم عنه برعاية مصالحه.

5) حماية المحضون (المادة 177) :

إيمانا بضرورة الحفاظ على حقوق الطفل ورعاية مصالحه خلال مرحلة الحضانة، فقد أعطت هذه المادة الصلاحية للنيابة العامة قصد التدخل للحفاظ على تلك الحقوق والمصالح عندما تتهددها إخطار، وذلك بما فيها تقديم طلب إسقاط الحضانة إذا رأت عدم أهلية الحاضن للقيام بهذه المهمة أو أن تصرفاته وسلوكه فيه خطر على مصلحة الطفل، والأضرار التي تبرر تدخل النيابة العامة كثيرة فقد تهدد الطفل في سلامته الجسدية كالضرب والارتداء البدني من طرف الحاضن أو أقاربه، أو قد تتهدده في صحته مثل عدم الاهتمام لحالته الصحية التي قد تكون مهددة بمرض أو وباء يحتاج إلى علاج سريع وعاجل، أو قد يتعلق الخطر الذي يهدده بدراسته وتربيته لما في ذلك تأثير على مستقبله ككل . فمثل هذه الأخطار التي تتهدد مصلحة الطفل المحضون تبرر تدخل النيابة العامة قصد وضع حد لها وهنا تبرز الأهمية العملية لهذه المادة في إعطاء النيابة العامة لهذا الدور لما في ذلك من سرعة تتطلبها ظروف الحالة خصوصا وأن الطفل قد يكون في وضعية خطيرة (Etat de danger) تزداد تعقيدا إذا لم يتم اتخاذ التدابير اللازمة بالسرعة المطلوبة.

6) منع السفر بالمحضون :

انطلاقا من أهمية المرحلة التي يكون فيها الطفل في حضانة أحد الأبوين وقيام الوالد غير الحاضن بحقه في الزيارة، فإن هناك العديد من المشاكل تنجم عن استئثار أحد الوالدين بالحضانة إذ يقوم بنقل الطفل إلى الخارج قصد الاستقرار به هناك، وظاهرة النقل غير المشروع للأطفال هاته منتشرة وأصبحت تشكل أحد المآسي الإنسانية والاجتماعية بالنسبة لعموم أفراد الأسرة مما حدا بالمشرع إلى إعطاء النيابة العامة صلاحية طلب التنصيص في مقرر إسناد الحضانة على منع سفر المحضون خارج الوطن دون موافقة نائبه الشرعي.

وهي التي تتولى تبليغ هذا المقرر للجهات المختصة واتخاذ الإجراءات اللازمة لضمان تنفيذه لما فيه مصلحة الأسرة ككل، وإرساء للمساواة بين الزوجين المفترقين : الأب والأم في ممارسة حقوقهم تجاه الطفل، ورعاية مصالحه والقيام بشؤونه.

وهنا كذلك أراد المشرع رعاية مصلحة الطفل بالحفاظ على هويته الثقافية وأصوله الاجتماعية، إذ أن أغلب حالات النقل غير المشروع للأطفال تكون بعد انحلال الزواج المختلط (MARIAGE MIXTE) (1) أي بين طرف مغربي وطرف أجنبي حيث يعمد الطرف الحاضن- وغالبا ما تكون الزوجة الأجنبية- إلى نقل الطفل إلى بلدها الأصلي لتحترم بذلك الطرف الآخر من حقه في رعاية ابنه وصلة الرحم به والإطلاع على أحواله.

إلغاء قرار الإذن بتسليم بعض الأموال للقاصر :

في نفس الإطار تم تخويل النيابة العامة مهمة الحفاظ على مصالح القاصر المالية وذلك في الحالة التي يتبين لها أن القاصر المأذون له في التصرف في أمواله قد أساء التدبير يتقدم بطلب إلغاء الإذن الذي سبق أن خولت بمقتضاه للقاصر تسلم بعض أمواله قصد إدارتها.

ويكون تدخل النيابة العامة ناجحا في الحالة التي يبادر فيها النائب الشرعي للقاصر إلى القيام بهذه المهمة.

فهي هنا تتدخل لحماية القاصر من نفسه ومن تبذيره لأمواله، ورعيا لمصلحته، وقد تقوم لهذا الغرض بتلقي كل المعلومات على القصر المأذون لهم بإدارة بعض أموالهم والتأكد منها ومن مدى ثبوت إساءتهم التدبير المبرر لطلب إلغاء الإذن الممنوح للقاصر.

ـــــــــــــــــــــ

1-لمزيد من التفاصيل حول الزواج المختلط ذ. موسى عبود : الوجيز في القانون الدولي

الخاص المغربي - نشر المركز الثقافي العربي 1944- الطبعة الأولى - ص 236.

ـــــــــــــــــــــ

8)الحفاظ على ممتلكات الدولة :

إذا كان بيد الهالك قبل موته شيء من ممتلكات الدولة فعلى قاضي المستعجلات بناء طلب النيابة العامة أو من يمثل الدولة أن يتخذ من الإجراءات ما يكفل الحفاظ على تلك الممتلكات.

9) إعفاء الوصي أو عزل الوصي أو المقدم :

تعد النيابة الشرعية إحدى آليات الحماية التي توفرها مدونة الأسرة لناقص أو عديمي الأهلية وهي إما ولاية أو وصاية أو تقديم حسب المادة 229 من المدونة، والهدف من تقرير هذا النظام هو حماية القاصر بالنظر إلى حالته التي لا يستطيع القيام بشؤونه بنفسه وذلك اما لانعدام تمييزه إذا كان دون الثانية عشرة من عمره أو لنقصان تمييزه، إذا كان قد تعدى هذا السن.

فبالإضافة إلى الرقابة القضائية على النيابات القانونية التي تروم كذلك رعاية مصالح عديمي الأهلية أو ناقصيها، والأمر بكل الإجراءات اللازمة للمحافظة عليها والإشراف على إدارتها فإن المادة 270 أعطت للنيابة العامة صلاحية تقديم طلب إعفاء الوصي أو عزله أو عزل المقدم وذلك عند عجز أحدهما عن القيام بمهمة أو حدوث إحدى الموانع الآتية :

1-الحكم عليه في جريمة السرقة أو إساءة ائتمان أو تزوير أو في جريمة من الجرائم المخلة بالأخلاق.

2-الحكم عليه بالإفلاس أو في تصفية قضائية.

3-إذا كان بينه وبين المحجوز نزاع قضائي أو خلاف عائلي يخشى من على مصلحة المحجوز.

فإذا ثبتت إحدى هذه الحالات يمكن للنيابة العامة أن تطلب من المحكمة إعفاء الوصي أو عزل المقدم بعد الاستماع لإيضاحاتهم، وهنا اعتبر المشرع أن مصلحة القاصر قد يهددها خطر بالنظر إلى سوء خلقه الذي يعتبر قرينة على عدم أهلية لإدارة أموال القاصر.

حالات تدخل النيابة العامة كطرف منضم :

كان قانون المسطرة المدنية السابق ينص في فصله التاسع على وجوب تبليغ القضايا المتعلقة بالأحوال الشخصية والنيابات القانونية للنيابة العامة وفي التعديل الجديد عوضت هذه العبارة بالقضايا المتعلقة بالأسرة. وهذا يقودنا إلى التعرف على مفهوم الأسرة في القوانين الجديدة.

والواقع أن هذا المفهوم لا يقتصر على المقتضيات الواردة في المدونة بل يتعداها إلى قضايا الأحوال الشخصية والميراث والحالة المدنية وشؤون التوثيق والكفالة وكل ما له علاقة برعاية وحماية الأسرة وهذا ما يستفاد صراحة من نص الفصل الثاني من ظهير التنظيم القضائي للمملكة المعدل بالقانون رقم 73.03 الصادر بتنفيذه الظهير الشريف المؤرخ في 3 فبراير 2004 الذي ينص على أن أقسام قضاء الأسرة " تنظر في قضايا الأحوال الشخصية والميراث والحالة المدنية وشؤون القاصرين والكفالة وكل ما له علاقة برعاية وحماية الأسرة.

وإذا كان هذا النص قد وفق في تعريف قضايا الأسرة وأزال كل لبس أو غموض قد ينتج عن تطبيق الفصل 9 من قانون المسطرة المدنية فإن البعض يعيب على هذا الأخير احتفاظه بقضايا الأسرة باعتبارها من الحالات التي تكون فيها النيابة العامة طرفا منضما قضائيا بذلك مع ما أوردته المادة الثانية من اعتبارها طرفا أصليا في جميع القضايا.

والواقع أن هذا اللبس إنما هو ناتج عن العيب في صياغة المادة الثالثة كما سبق أن أوضحنا لكون غاية المشرع اتجهت إلى إعطاء النيابة العامة دورا فاعلا ومهما في أحكام المدونة بتخويله إياها صفة الطرف في جميع القضايا وتبعا لذلك تظل صفة الطرف الأصلي مرتبطة بموقع النيابة العامة في الدعوى وهي هي مدعية أو مدعى عليها وتكون طرفا منضما فيما عدا ذلك من القضايا.

ونظرا لما أولاه المشرع من أهمية لدور النيابة العامة كطرف منضم فقد رتب البطلان على عدم الإدلاء بمستنتجاتها أو تلاوتها بالجلسة في القضايا التي يتحتم تبليغها إليها بمقتضى الفصل التاسع من قانون المسطرة المدنية وهذا ما نصت عليه الفقرة الأخيرة، من هذا الفصل "يشار إلى إيداع مستنتجات النيابة العامة أو تلاوتها بالجلسة وإلا كان الحكم باطلا"

وهذا ما كرسه المجلس الأعلى ضمن قراره عدد 210 بتاريخ 13 مارس 1982 الذي جاء فيه :"تبلغ إلى النيابة العامة الدعاوي المتعلقة بالنظام العام ويشار في الحكم إلى إيداع مستنتجاتها أو تلاوتها بالجلسة وإلا كان باطلا وفي قرار آخر صدر بتاريخ 19 دجنبر 1979 تحت عدد 526 في الملف الاجتماعي عدد 63836 تم تحديد مضمون الفقرة الأخيرة من الفصل التاسع من قانون المسطرة المدنية إذ جاء فيه "حيث ان القضية يوجد فيها نزاع جوهري في الحالة الشخصية تتعلق بالنسب.

وحيث ان القرار المطعون فيه اكتفى بمجرد الإشارة إلى سماع ملاحظات النيابة العامة بالرغم من أن الفصل التاسع المذكور في فقرته الأخيرة يوجب إيداع المستنتجات أو تلاوتها عدا ما استثنته الفقرة 11 من نفس الفصل بالنسبة للمحاكم الابتدائية حيث أجازت تقديم مستنتجات شفوية وهنا يفترض حتما بالنسبة للمحاكم الاستئنافية أن تكون المستنتجات مكتوبة إذ لا يمكن الإيداع أو التلاوة إلا لشيء مكتوب.

وحيث ان أوراق الملف لا تتضمن ما يثبت أن هذا الإجراء المسطري الذي رتب عليه المشرع جزءا البطلان قد تم مما يكون معه القرار المطعون فيه معرضا للنقض ".

وانطلاقا من هذا القرار فإن مضمون هذا النص يكون كما يلي :

وجوب الإشارة في الحكم إلى إيداع مستنتجات النيابة العامة عندما يكون النزاع مطروحا أمام محاكم الاستئناف.

وجوب وجود هذه المستنتجات بالفعل ضمن أوراق الملف.

وجوب الإشارة في الحكم إلى المستنتجات الشفوية عندما يتعلق الأمر بالمحاكم الإبتدائية(1).

ـــــــــــــــــــــ

1-بحث الأستاذة الحسيني فاطمة المنشور بمجلة الملحق القضائي عدد 14.

ـــــــــــــــــــــ

وتجدر الإشارة إلى أن محكمة الاستئناف إذا ألغت الحكم لهذا السبب فإنه يتعين عليها أن تتصدى للقضية إذا كانت جاهزة (الفصل 146 من ق م م).

الحالات الأخرى لتدخل النيابة العامة في ظل مدونة الأسرة :

بالإضافة إلى حالات التدخل كطرف أصلي أو منضم التي تعرضنا لها سابقا وردت في مدونة عدة نصوص تحدد دور النيابة العامة من خلال تكليفها بالقيام بإجراءات معينة بهدف تطبيق نصوص هذه المدونة أو باتخاذ بعض الإجراءات والتدابير للمحافظة على الأسرة أو مساعدة المحكمة في تجهيز بعض القضايا والسهر على تنفيذ الأحكام القضائية.

وسنحاول استعراض مختلف هذه الحالات من خلال نصوص المدونة.

الإجراءات الإدارية للزواج والطلاق :

نظرا لكون المدونة استوجبت طبقا للمادة 68 تضمين عقود الزواج وتوجيه ملخصاتها إلى ضابط الحالة المدنية لمحل ولادة الزوجين داخل أجل خمسة عشر يوما من تاريخ الخطاب على الرسم فإن المادة 15 أوجبت فيما يخص المغاربة الذين أبرموا عقد الزواج طبقا للقانون المحلي لبلد إقامتهم أن يودعوا نسخة منه داخل أجل ثلاثة اشهر من تاريخ إبرامه، بالمصالح القنصلية المغربية التابع لها محل إبرام العقد، وإذا لم توجد هذه المصالح، ترسل النسخة داخل نفس الأجل إلى الوزارة المكلفة بالشؤون الخارجية كما تتولى هذه الأخيرة إرسال النسخة المذكورة إلى ضابط الحالة المدنية وإلى قسم قضاء الأسرة لمحل ولادة كل من الزوجين وإذا لم يكن للزوجين أو لأحدهما محل ولادة بالمغرب فإن النسخة توجه إلى قسم قضاء الأسرة بالرباط وإلى وكيل املك بالمحكمة الابتدائية بالرباط.

كما يوجه ملخص الزواج إلى نفس الجهة إذا وقع الزواج بالمغرب ولم يكن للزوجين أو لأحدهما محل ولادة بالمغرب (المادة 68).

ونفس الإجراءات أوجبها المشرع بخصوص ملخص وثيقة الطلاق أو التطليق أو البطلان الذي يوجه إلى محل ولادة الزوجين إذا لم يكن لهما أو لأحدهما محل إقامة بالمغرب فيوجه إلى وكيل الملك لدى المحكمة الابتدائية بالرباط (المادة 141).

2)البحث عن الزوجة :

لقد حرص المشرع في مدونة الأسرة على تمكين الزوجة باعتبارها طرفا ضعيفا من عدة ضمانات تهم استدعاءها وأوجب عدم إصدار بعض الأحكام في غيبتها إلا بعد البحث الضروري عنها من طرف النيابة العامة وهكذا فإن المرأة المراد التزوج عليها عند تقديم الزوج لطلب التعدد تستدعي من طرف المحكمة عن طريق عون كتابة الضبط إنذار تشعرها فيه بأنها إذا لم تحضر في الجلسة المحدد تاريخها في الإنذار فسيبت في طلب الزواج في غيابها.

وفي حالة عدم معرفة عنوان موطنها أو محل إقامتها فلا يمكن البت في الطلب إلا بعد إجراء بحث في الموضوع من طرف النيابة العامة وإفادتها بتعذر العثور على العنوان المذكور (المادة 43).

ونفس الحماية وفرها المشرع للزوجة في مسطرة الطلاق تفاديا لصدور حكم نهائي بإنهاء العلاقة الزوجية في غيبتها إذ يتعين هذا أيضا أن تتوصل الزوجة شخصيا فإذا لم تحضر ولم تقدم ملاحة مكتوبة أخطرتها المحكمة عن طريق النيابة العامة بأنها إذا لم تحضر فسيتم البت في الملف (المادة 81).

كما تستعين المحكمة بالنيابة العامة إذا تبين بأن عنوان الزوجة مجهول وذلك للوصول إلى الحقيقة خشية أن يتحايل الزوج على المحكمة بإعطاء عنوان غير صحيح.

ورغم أن المشرع نص على تطبيق العقوبات المنصوص عليها في الفصل 361 من ق إذا طالبت الزوجة بذلك فإنه ارتأى من باب الاحتياط أن يضمنها حماية خاصة في حالة تقديم الزوج للطلب من أجل التعدد.

3-البحث عن الزوج الغائب :

نظرا لكون أحكام الطلاق كما سبق ذكره تعتبر انتهائية وغير قابلة لأي طريق من طرق الطعن فقد أوجب المشرع أيضا البحث عن الزوج بواسطة النيابة العامة إذا كان عنوانه مجهولا وذلك في دعوى التطليق لعدم الإنفاق (المادة 103).

وطبقا للمادة 105 فإن النيابة العامة تقوم بدور المساعدة كذلك في الإجراءات الرامية إلى تبليغ دعوى التطبيق للغيبة إلى الزوج وبالبحث عنه في إطار إجراءات القيم.

4)اتخاذ بعض التدابير لحماية الأسرة :

إذا قام أحد الزوجين بإخراج الأخر من بيت الزوجية دون مبرر فإن النيابة العامة تتدخل من أجل إرجاع المطرود إلى بيت الزوجية حالا مع اتخاذ الإجراءات الكفيلة بأمنه وحمايته (المادة 53 من ق م م ).

ويلاحظ بهذا الخصوص ان هذه المقتضيات جاءت بها المدونة لأول مرة ولم تكن معهودة من ذي قبل وهي تهم الزوجين معا إذ يمكن لكل منهما إذا طرد من بيت الزوجية أن يلجأ للنيابة العامة لاتخاذ ما يلزم في هذا الشأن من أجل إرجاعه إليه ومن المرتقب أن يؤدي تطبيق هذا الإجراء إلى التقليل من الدعاوي الرامية إلى إلزام الزوجة بالخصوص بالرجوع إلى بيت الزوجية.

ويظهر بأن هناك نوعية خاصة من الازواج التي ستسلك هذه المسطرة ويتعلق الأمر بالزوج الذي يكون راغبا في استمرار العشرة مع زوجته وتكون نيته صادقة في لم شمل الأسرة وعدم الدخول في نزاعات قضائية مع شريكة حياته وعلى العكس من ذلك لازالت وستظل دعاوي الرجوع لبيت الزوجية رائجة أمام المحاكم بالنسبة للأزواج الذين لا تكون نيتهم صادقة في استمرار العشرة حيث يلجأون إلى مثل هذه الدعاوي عن سبق إصرار ويهدف الحصول في مرحلة التنفيذ على محاضر الامتناع تسجل على الزوجة عدم رغبتها في تنفيذ الحكم القاضي عليها بالرجوع لبيت الزوجية ليتأتى استعمالها في دعوى النفقة من أجل الحصول على حكم بإيقافها.

5)السهر على تنفيذ الأحكام القضائية:

في حالة عرض النزاع على القضاء بين الزوجين وتعذر المساكنة بينهما فإنما المحكمة تتخذ التدابير اللازمة لإسكان الزوجة والأطفال طبقا للمادة 147 من المدونة وتسهر النيابة العامة على تنفيذ تلك التدابير فورا وعلى الأصل .

وهذه إحدى مهام التنفيذ الموكولة للنيابة العامة في إطار مدونة الأسرة وقد أملتها ضرورة التدخل السريع وما يحتاجه من حزم ونجاعة وفعالية لا تتأتى إلا بإشراك النيابة العامة كما هو الشأن في تنفيذ الأحكام التي تستعصي على الطرف العادية لتنفيذ الجبري مما يستدعي تدخل النيابة العامة التي تجند القوة العمومية اللازمة لمؤازرة مأموري التنفيذ. ويظهر بأن الشرع هنا أراد إشراك النيابة العامة في تنفيذ هذه التدابير بداية لما تتطلبه من تدخل فوري حفاظا على حقوق الزوجة والأطفال واستقرارهم النفسي والاجتماعي في انتظار صدور الحكم في موضوع الطلاق.

مجلة المحامى

الاعتراف كوسيلة إثبات في الميدان الزجري ودور الخبرة الطبية في جريمة التعذيب

ذ. ادريس النوازلي

نائب رئيس المحكمة الابتدائية بمراكش

قاضي تطبيق العقوبات .

إن الكشف عن الحقيقة يستدعي البحث عن الأدلة، والدليل هو عبارة عن وقائع مادية ومعنوية يؤدي اكتشافها إلى اكتشاف الجريمة، والكشف عن الجريمة لا يستقيم إلا بمؤسسة القضاء وأدلة الإثبات، فالعمل القضائي ينبني على إصدار أحكام عادلة ولا تحصل هاته إلا من خلال وسائل الإثبات، فتقدير القاضي الجنائي لوسائل الإثبات تجعله في محك ثقل المسؤولية الملقاة على عاتقه .

ولعل أنه لا يختلف اثنان في كون التعذيب منبوذ في كل بقاع العالم(1) والمغرب بترسانته القانونية الحالية تطرق لهذه الجريمة بشكل أو بآخر عبر عدة فصول في القانون الجنائي كظرف من الظروف المشددة في بعض الجرائم وبالأخص الفصول 399 و436 إلى 440 من القانون الجنائي كما تطرق أيضا حينما تكلم عن الاعتراف المنتزع بالعنف والإكراه في المادة 293 من قانون المسطرة الجنائية بحيث لا يعتد بكل اعتراف كان نتيجة استعمال العنف وإكراه .

وتأكيدا على مواكبة المغرب لجميع المتطلبات الحقوقية واحترام كرامة الإنسان مهما كان وضعه، فالمجرم يبقى إنسانا له حق على الدولة وعلى المجتمع برغم الحكم عليه فلا يجرد من حقوقه، وهذا ما أقرته الشريعة الإسلامية في عدة مناسبات وأكدته الأحاديث النبوية .

ــــــــــــــــــــ

1- " لا يجوز إخضاع احد للتعذيب ولا للمعاملة أو العقوبة القاسية او اللاإنسانية او الإحاطة من الكرامة " المادة الخاصة من الإعلان العالمي لحقوق الإنسان 1948 .

ــــــــــــــــــــ

كل هذا جعل المشرع المغربي أو بالأصح الحكومة المغربية تفكر في تجريم جريمة التعذيب وفق اتفاقية مناهضة التعذيب وغيره من ضروب المعاملات أو العقوبات القاسية أو اللاإنسانية أو المهنية التي اعتمدت من طرف الجمعية العامة الامم المتحدة وعرضت للتوقيع والتصديق والانضمام طبقا للقرار 46/39 بتاريخ 10-12-84 ودخلت حيز التنفيذ على المستوى الدولي بتاريخ 26-6-87 طبقا للمقتضيات المادة 27 الفقرة الاولى منه وقد صادق عليها المغرب بظهير رقم 3-93-4 بتاريخ 14-6-93 .

ونشرت بالجريدة الرسمية عدد 4440 بتاريخ 19-12-96 طبقا للظهير 362-93-1 القاضي بنشرها وقام المغرب بإيداع أدوات التصديق بنيويورك بتاريخ 21-6-93 مع التحفظات التالية :

أولا : وفقا للفقرة الاولى من المادة 28 تعلن حكومة المملكة المغربية إنها لا تعترف باختصاص اللجنة المنصوص عليها في المادة 20

ثانيا : وفقا للفقرة الثانية من المادة 30 تعلن حكومة المملكة المغربية لذلك إنها لا تعتبر نفسها ملزمة بالفقرة الاولى من نفس المادة (1) .

وتتميما لدراستنا السابقة والمتعلقة بالشهادة نتطرق اليوم إلى الاعتراف والخبرة في جريمة التعذيب كوسيلة من وسائل الإثبات، وعليه فإن الإحاطة بهذا الموضوع استلزم علينا تناوله من خلال النقط التالية .

المبحث الأول : الاعتراف وشروط صحته وقيمته من حيث الإثبـات .

المبحث الثاني : الخبرة من حيث الإثبات وآثارها في جريمة التعذيب .

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

1 - المادة 20/1 من الاتفاقية : إذا تلقت اللجنة معلومات موثوق بها يبدو لها ان تتضمن دلائل لها أساس قوي تشير إلى أن تعذيبا يمارس على نحو منظم في أراضي دولة طرف، تدعو اللجنة الدولة الطرفالمعنية إلى التعاون في دراسة المعلومات ..."

- المادة 30/2 من الاتفاقية "... يجوز لكل دولة أن تعلن في وقت توقيع هذه الاتفاقية أو التصديق عليها او الانضمام إليها، انها لا تعتبر نفسها ملزمة بالفقرة الاولى من هذه المادة، ولن تكون الدول الأطراف الأخرى ملزمة بالفقرة الاولى من هذه المادة بالنسبة لأي دولة طرف قد أبدت هذا التحفظ .

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

المبحث الأول :

تعريف الاعتراف وشروط صحته وقيمته من حيث الإثبات.

1 - تعريف الاعتراف :

المشرع المغربي مرة اخرى في قانون المسطرة الجنائية الجديد لم يعرف الاعتراف وإن تطرق إليه من خلال قيمته الإثباتية وذلك في الفصل 293 إلى ان الفقه عموما قام بتعريفه ( 1 ) .

فالاعتراف هو إقرار المتهم على نفسه بأنه ارتكب جرما نسب إليه مما يعتبر حجة عليه إلا أنه يخضع في ذلك لتقدير المحكمة ويجوز تجزئته خلافا للقواعد المدنية، وهذا ما نسميه بالاعتراف القضائي الصادر أمام هيئة المحكمة، وهو من إحدى الوسائل التي كانت مثار نقاش ولا زالت، خاصة المحاضر التي تنجزها الضابطة القضائية لكثرة استعماله وذلك فيما يتعلق بقوته الثبوتية والآثار المترتبة عليه رغم الاجتهادات القضائية التي بقيت محتشمة .

2- شروط صحة الاعتراف :

مبدئيا لايؤخذ بالاعتراف إلا إذا كان سليما وواضحا وصريحا بمعنى المخالف لا يعتد بالاعتراف المشوب بعيب أو منتزع كرها أو طمعا، لأجله نص المشرع المغربي في الفصل 293 من ق.م.ج " يخضع الاعتراف كغيره من وسائل الإثبات للسلطة التقديرية، لا يعتد بكل اعتراف ثبت انتزاعه بالعنف او الإكراه " فكرس هذا المبدأ والذي يحمل في

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

1- عرفه ذ عبد السلام بنحدو في كتابه الوجيز في شرح قانون المسطرة لجنائية المغربي ص 187 الطبعة الرابعة 2001 بأنه " إقرار المتهم على نفسه بارتكاب الجريمة وهو سيد الادلة واقواها كما يقال فهو اليقين لصدوره عن مرتكب الجريمة نفسه "

وعرفه الدكتور عبد الواحد العلمي في كتابه شرح قانون المسطرة الجنائية الجزء الثاني ص 252 الطبعة 2000 بأنه " إقرار يصدر عن المتهم شخصيا بواسطته بارتكاب الجريمة إما بصفته فاعلا أصليا أو مساهما فيها .

وعرفه الدكتور محمد فاضل زيدان في كتابه سلطة القاضي الجنائي في الادلة ص 288 مكتبة دار الثقافة للنشر والتوزيع طبعة 1999 بانه " إقرار المتهم على نفسه بارتكاب الوقائع المكونة للجريمة كلها او بعضها " ..

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

طياته منح الضمانات للمتهم وبالتالي في المقابل جعل الاعتراف يخضع للسلطة التقديرية للمحكمة خلافا لما كان عليه سلفا، فهو بذلك يحمي المتهم من تعسفات الضابطة القضائية أو القائمين بالبحث التمهيدي، ويبقى عبء إثبات الإكراه أو التعسف على عاتق المعترف بالمحضر بكل الوسائل المتاحة والأدلة المقنعة وإلا كان كل من أراد ان يفلت من العقاب ان يدعي التعذيب والشطط أو ماشبه ذلك .

وتأخذ بعض التشريعات العربية كالتشريع العراقي مثلا " بشكل جوازي الأخذ بالاعتراف الناتج عن الإكراه المادي أو المعنوي إذا ما انتفت العلاقة السببية بين الاعتراف ووسائل الإكراه والإعتراف أو أيد الاعتراف بأدلة أخرى تقتنع بها المحكمة مطابقتها للواقع أو ادى إلى اكتشاف حقيقة ما " ( 1 ) .

فمسألة الاخذ بالإعتراف المكره حسبما اشترطه المشرع العراقي يبقى محط نقاش خاصة أنه في حالة انتفاء العلاقة السببية بين وسائل الإكراه والإعتراف نكون لا محالة أمام انعدام توافر وسائل الإكراه في الواقعة المعترف بها من قبل المتهم وبالتالي لا مجال للحديث عن الاعتراف بالإكراه، فغاية المشرع هنا تنصب على الاعتراف في موضوع الواقعة هو الذي يجب ان يكون مشروعا بالإكراه وفي نظرنا هو عمل يتنافى والمبادئ الإنسانية العالمية التي تحرم أي نوع من أنواع التعذيب الجسدي والنفسي .

وقد ذهب الفقه أيضا إلى ان من شروط صحة الاعتراف أن يكون المعترف مميزا ومدركا وان يكون الاعتراف صريحا واضحا لا مجال للشك فيه بحيث لا يكون نتيجة الحيل والخداع والمغالطات او كما يقال إيقاع الشخص في الفخ وتصيده فهو مبدأ تنتفي معه المصداقية فالحقائق لا تواجه بالخدع وإنما تدحضها بل تعد من الوسائل الغير المشروعة استعمال المخدرات والعقاقير لحمل شخص على الاعتراف بجريمة وإن ارتكبها فعلا .

فإذا كان الاعتراف يغني المحكمة عن البحث عن وسائل اخرى للإثبات إلا أنه يجب أن يكون صادرا عن المتهم لانه يلزمه وأن ينصب على الواقعة موضوع الاعتراف أحمد فاضل زيدان مرجع سابق ص 291 .

وأن يكون قضائيا صادرا أمام مجلس القضاء ( 1 ) .

وهنا تثار مسألة الاعتراف الغير القضائي وهو الذي يكون صادرا عن المتهم خارج مجلس القضاء وهو ما يمكن تسميته او يطلق عليه بداية الدليل كتصريحات المتهم أمام الضابطة القضائية او شرطة إدارية عملا بمقتضيات المادة 287 من ق.م.ج التي جعلت من مناقشة الحجج والوقائع أمام المحكمة السبيل لتكوين قناعة القاضي وليس امام جهة اخرى .

3 - قيمة الاعتراف من حيث الإثبات :

فحق تقييم الاعتراف حق مخول للقاضي الزجري وقيمته الإثباتية تخضع لميزان قناعته القضائية اما ان يأخذ به ويعتبر اطمأن على صدقه ومطابقته للواقع موضوع الاعتراف وذلك كما سبق القول بتوفر شروط صحته أو اما ان يعده كانه لم يكن على اعتبار ان البراءة هي الأصل ( 2 ) . فهو مبدأ وان اتى النص عليه قانونا فإنه ثمرة مجهودات العاملين على تطبيق القانون دفعا لكل تأثيرات خارجية كالتي تلعبه الصحافة منها من تدين الاشخاص قبل صدور الاحكام، فضلا عن أنه تأكيد للمواثيق الدولية كالإعلان العالمي لحقوق الإنسان الذي أقرته الجمعية العامة للامم المتحدة بتاريخ 10-12-48 المادة 11 منه والمادة 14 من العهد الدولي الخاص بالحقوق المدنية والساسية .

وتجب الإشارة هنا إلى انه حينما يكون الاعتراف مخالفا للحقيقة والوقائع وتوافرت أدلة أخرى إلى جانبه كالشهادة او القرائن عندها فإدانة المتهم تبنى على هذه الاخيرة وليس على الاعتراف المسلوب قهرا، فالقاضي الزجري له ان يأخذ باعتراف المتهم في أية مرحلة من مراحل الدعوى او التحقيق ولو أنكر ذلك أمام جلسة الحكم متى كان هذا

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

1 - الفصل 286 من ق.م.ج " يمكن ^إثبات الجرائم بأي وسيلة من وسائل الإثبات ما عدا في الاحوال التي يقضي القانون فيها بخلاف ذلك ويحكم القاضي حسب اقتناعه الصميم ويحب أن يتضمن المقرر ما يبرر إقتناع القاضي وفقا للبنذ 8 من المادة 365 الآتية بعده وإذا ارتات المحكمة ان الإثبات غير قائم صرحت بعدم إدانة المتهم وحكمت ببراءته" ..

2 - نصت المادة الاولى من ق.م.ج " كل متهم او مشتبه فيه ارتكاب جريمة يعتبر بريئا إلى ان تتبث إدانته قانونا بمقرر مكتسب لقوة الشيء المقضي به بناء على محاكمة عادلة تتوفر فيها كل الضمانات القانونية .

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

يفسر الشك لفائدة المتهم " .

الاعتراف سليما وصريحا تضمنه محضر صحيح من الناحية الشكلية ( 1 ) .

فتراجع المتهم يكون في حالتين اولهما في محضر اول يكون ناكرا للجرم ويستتبعه بمحضر ثاني متراجعا عن إنكاره فهنا تبقى للقضاة تقدير قيمة الاعتراف والبحث عن الدوافع وراء هذا التراجع بحيث يحق للمشبوه فيه أن يثبت ذلك بأية وسيلة من الوسائل، وإذا ما ظهرت للمحكمة آثار التعذيب احالته على خبرة طبية شرعية التي عليها تحديد وقت التعذيب واثاره، وفي حالة فشل المتهم يبقى الجرم ثابت في حقه ولعل مرد ذلك يرجع إلى صعوبة الإثبات في جريمة التعذيب كما سنراه لاحقا .

وثانيهما ان يكون المتهم معترفا بجرم ما ويأتي مرة ثانية بنفي المحضر وينكر الواقعة مبينا الاسباب التي دفعته للاعتراف الأول هنا أيضا تبقى قناعة القاضي الجنائي لها اهميتها من حيث تقدير الأسباب والدوافع ومدى تطابقها مع الوقائع فإن كانت لها دلالة منطقية وعقلية استلزم استبعاد اعترافه مع تعليل ذلك تعليلا مقنعا وكذا الشأن في حالة ما إذا أخذ بالعكس .

وقد يواجه القاضي أثناء استنطاق المتهم بسكوت هذا الأخير والامتناع عن الكلام في وقائع تستدعي بالضرورة الاستماع للمتهم فهل يعد سكوته عن الدفاع عن نفسه

ــــــــــــــــــــ

1 - الفصل 24 من ق.م.ج " المحضر في مفهوم المادة 23 هوالوثيقة المكتوبة التي يحررها ضابط الشرطة القضائية أثناء ممارسة مهامه ويضمنها ما عاينه وتلقاه من تصريحات او ما قام به من عمليات ترجع لاختصاصه، دون الإخلال بالبيانات المشار إليها في مواد اخرى من هذا القانون او في نصوص خاصة اخرى، يتضمن المحضر خاصة إسم محرره وصفته ومكان عمله وتوقيعه، ويشار فيه إلى تاريخ وساعة إنجاز الإجراء وساعة تحرير المحضر إذا كانت تخالف ساعة إنجاز الإجراء .

ــــــــــــــــــــ

ويتضمن محضر الاستماع هوية الشخص المستمع إليه ورقم بطاقة تعريفه عند الاقتضاء وتصريحاته والاجوبة التي يرد بها عن أسئلة ضابط الشرطة القضائية .

إذا تعلق الامر بمشتبه فيه، يتعين على ضبط الشرطة القضائة بالافعال المنسوبة إليه .

يقرأ المصرح تصريحاته او تتلى عليه، ويشار إلى ذلك بالمحضر ثم يدون ضابط الشرطة القضائية الإضافات او التغييرات او الملاحظات التي يبديها المصرح، او يشير إلى عدم وجودها .

يوقع المصرح إلى جانب ضابط الشرطة القضائية على المحضر عقب التصريحات وبعد الإضافات ويدون إسمه بخط يده وإذا كان لا يحسن الكتابة او التوقيع يضع بصمته ويشار إلى ذلك في المحضر .

يصادق ضابط الشرطة القضائية والمصرح على التشطيبات والإحالات، يتضمن المحضر كذلك الإشارة إلى رفض التوقيع والإبصام او عدم استطاعته مع بيان أسباب ذلك " .

وامتناعه عن الكلام بمثابة اعتراف وصحة ما نسب إليه ؟

إن ماسار عليه العمل القضائي أن سكوت المتهم بعد تنبيهه بضرورة الدفاع عن نفسه وخطورة فعله، فإن سكوته فعلا يدخل في خانة الاعتراف وتؤاخذه المحكمة بما نسب إليه .

ونرى أن سكوت المتهم ورفضه الكلام نوع من التعبير عن ظلمه او ما ضمن عليه بالمحضر ليس الحقيقة أو ان الدلائل التي هي ضد كلها مصطنعة وبريء منها .

وتجدر الإشارة إلى أنه خلافا إلى ماسارت عليه قواعد القانون المدني أنه لا يمكن تجزئة الإقرار فإنه في الميدان الجنائي يبقى العكس هو الصحيح على اعتبار ان القاضي وهو يتمحص الدليل الذي هو الاعتراف في دراستنا هاته له ان يأخذ بجزء منه وطرح الباقي متى كان الاول يخدم النازلة وسببا في قيامها لماذا ؟

لان الإثبات الزجري كله ينبني على الاعتقاد الصميم والقناعة القضائية التي هي وجدان القاضي ولا رقابة على وجدانه فالمعلوم والملاحظ تبقى القناعة القضائية هي المبدأ العام الذي يحكم سلطة القاضي الجنائي فله أن يأخذ بالاعتراف متى اطمأن إلى صدق المتهم وله ان يطرحه متى تبين له عدم صحته أو ملوث بالكذب قصد تبرئة إنسان كالوالد الذي ينسب الجرم لنفسه قصد تبرئة ولده مثلا .

سلطة القاضي في تقدير الاعتراف وموقف المشرع المغربي منها :

لعل موقف المشرع المغربي يكمن في الحكم الذي يصدره القاضي والذي يبين فيه من جمع الأدلة واستخلاص النتائج المترتبة عنها وما استخلصه منها على اعتبار انها مسائل موضوعية تختلف باختلاف تكوين وأسلوب تفكير كل قاضي وتحليله للدلائل والنتائج، منها تبرز قناعته التي لا تخضع لرقابة المجلس الاعلى .

إلا انه يجب ألا ننسى البند 8 من الفصل 365 من ق.م.ج " بيان الأسباب الواقعية والقانونية التي يبنى عليها الحكم والقرار أو امر ولو في حالة البراءة " بمعنى عليه ان يعمل على تسبيب كل حكم يصدره .

ومسألة التسبيب أثارت نقاشا فقهيا حادا وكان مبعث هذا النقاش أنه يلزم القاضي تسبيب قناعته من خلال حكمه والذي اوجبه القانون أم لا يلزم ذلك، والحقيقة ان تسبيب القناعة غير تسبيب الحكم، فتسبيب القناعة يتطلب بيان تفاصيل تقدير وتقييم القاضي للأدلة وتحديد مدى تأثير كل منها على قناعته وتحليل الطريقة التي يكون بها إقناعه، أما تسبيب الاحكام فيتطلب إثبات وجود العلاقة الإجرامية ونص القانون ينطبق عليها وأدلة الإثبات التي استند إليها في استنتاجاته ( 1 )

فالقاضي الجنائي وإن خول له المشرع سلطة تقديرية في تقدير الادلة فهي ليست مطلقة وإنما تحكمها ضوابط منطقية وعقلية مجردة من كل تعسف او شطط .

ونرى أن تسبيب الاحكام الجنائية يجعل القاضي في منأى عن الشك والريبة و الشبهات وتدعيما للسلطة التقديرية وجعل الحكم وسيلة إقناع لكل من يطلع عليه يدفعه إلى توخي الدقة والحرص في إصدار أحكام مترابطة ومتناسقة وحمايته من كل إنحراف .

وفي هذا الصدد صدر عن المجلس الاعلى القرار عدد 167 المؤرخ 16/01/03 ملف جنحي عدد 18548/02 جاء فيه " لئن كان لقضاة الموضوع سلطة تقديرية فيما يهم تقدير وقائع الدعوى وتقييم حجج إثبات الجريمة فإنه ليس لهم تجنبا للتحريف أن يغيروا مضامين الوثائق ومعاينتها ويجعلونها تنتج آثار لا تتضمنها في الحقيقة " .

في قرار آخر عن نفس المجلس عدد 1172 بتاريخ 23-4-84 في الملف الجنائي 16064جاء فيه " يجب أن يكون كل حكم معللا من الناحيتين الواقعية والقانونية وإلا كان باطلا ويعد نقصان التعليل بمثابة انعدامه ( 2 ) .

وحتى يكون الاعتراف سيد الادلة فيجب ان يكون صادرا عن طواعية ومسؤولية، وعمليا لا يحصل ذلك إلا بشكل جد ضئيل لأسباب نجمل منها مستوى الوعي الاجتماعي للمشتبه فيه والقائم باعمال البحث على حد سواء، وقلة الضمانات أثناء البحث التمهيدي لعدم خضوع القائمين بالبحث المذكور لسلطة قضائية مستقلة التي تمنحهم حرية اوسع وغياب التقنية والإمكانيات الفنية والمادية التي تمكن من القيام بالمهام في أحسن وبغياب هذه الإمكانات والضمانات يحصل التعذيب قصد الحصول على اعتراف كيفما كانت النتائج . فما هو التعذيب ؟

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

1 - الاستاذ محمد فاضل زيدان مرجع سابق ص 333 .

2 - ذ.الحسن هوداية في كتابه أهم قرارت المجلس الاعلى في جرائم الاموال - الجزء الاول طبعة دجنبر 2000 .

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

المبحث الثاني : الخبرة كوسيلة إثبات في جريمة لتعذيب

1 - تعريف جريمة التعذيب :

نرى أنه من الاجدر ان نتطرق إلى تعريف جريمة التعذيب من خلال الاتفاقية الدولية المشار إليها أعلاه وأيضا من خلال المشروع الحكومي المغربي المزمع خروجه للواقع .

* تعريف التعذيب من خلال الاتفاقية الدولية :

لقد عرفت الاتفاقية الدولية لمناهضة التعذيب في الفصل الاول منها التعذيب بما يلي : " يقصد بالتعذيب أي عمل ينتج عنه ألم او عذاب شديد، جسديا كان أم عقليا ، يلحق عمدا بشخص ما بقصد الحصول على معلومات أو على اعتراف ، أو معاقبته على عمل ارتكبه او يشتبه في انه ارتكبه ، هو او شخص ثالث او تخويفه أو إرغامه هو او أي شخص ثالث أو عندما يلحق مثل هذا الألم او العذاب لأي سبب من الاسباب يقوم على التمييز أيا كان نوعه، أو يحرص عليه أو يوافق عليه أو يسكت عنه موظف رسمي أو شخص آخر يتصرف بصفته الرسمية ولا يتضمن ذلك الألم أو العذاب الناشئ فقط عن عقوبات قانونية أو الملازم لهذه العقوبات أو الذي يكون نتيجة عرضية لها " .

فالاتفاقية جعلت لقيام جريمة التعذيب لابد من توافر عناصر محددة وهي عمل ينتج عنه الم او عذاب شديد جسديا كان أم عقليا، الهدف منه الحصول على معلومات أو اعتراف بشكل إرادي ثم بصفة مرتكب العمل ان يكون موظفا رسميا أو أي شخص آخر يتصرف بصفته الرسمية .

* تعريف التعذيب من خلال المشروع الحكومي المقترح :

جاء في الفصل 225/1 بانه " يقصدبالتعذيب كل إيذاء يسبب الما او عناء جسديا أو نفسيا، يرتكبه عمدا موظف عمومي او يحرص عليه او يوافق عليه او يسكت عنه، في حق شخص لتخويفه أو إرغامه أو إرغام شخص آخر على الإدلاء بمعلومات أو بيانات أو اعتراف بهدف معاقبته على عمل ارتكبه أو يشتبه في انه ارتكبه هو او شخص ثالث ، او عندما يلحقه مثل هذا الألم او العناء لأي سبب من الأسباب يقوم على التمييز أيا كان نوعه.

ولا يعتبر تعذيبا الألم او العناء الناتج او المترتب او الملازم لعقوبات قانونية " .

فبالمقارنة بين النصين في كل من الاتفاقية والمشروع الحكومي تبين بعض الملاحظات وإن كانت تبدو طفيفة إلا أن مدلولها له جانب من الاهمية .

فبروتكول اسطمبول جعل لقيام التعذيب أن يكون هناك عمل ينتج عنه ألم أو عذاب شديد جسديا كان ام عقليا ، بخلاف المشروع جاء بعبارة ألم أو عناء جسديا أو نفسيا، فهو من جهة فبمجرد حصول العناء تقوم الجريمة وليس إلى درجة العذاب الشديد مما يكون المشروع الحكومي أكثر حرصا منه على الاتفاقية فضلا عن عبارتي جسدي وعقلي والتي تقابلها بالمشروع الحكومي جسدي او نفسي، فالمرض العقلي هو مرض عضوي ( organique) ويلاحظ ويكون درجة اعلى للمرض النفسي الذي هو مرض باطني (Psychique )، ونرى انه من الأفضل ان يضاف إلى المشروع كلمة عقلي يكون أشمل وأضمن .

كما أن كلمة إيذاء لا تفي بالغرض المقصود وكان الأفضل استدبدالها بكلمة عمل التي هي أوسع فمثلا قد نأتي بشخص يقع عليه فعل الاغتصاب كالزوجة او الابن أمام أعين المراد تعذيبه بغرض خلق المعاناة لدى المقصود بذلك .

زد على ذلك أن كلمة الموظف الرسمي بالبروتوكول لها مدلولها القانوني ويقصد بها تخصيص الخاص ، فالمعذب او الجلاد يجب أن يكون موظف رسمي أو يمارس عمله بصفته هاته بخلاف المشروع جاء بصيغة الموظف العمومي ( 1 ) ، فالموظف العمومي حسب مقتضيات الفصل 224 من القانون الجنائي ( 2 ) أوسع منه بالفصل الأول من :

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

1 - " يعد الموظف كل شخص يعين في وظيفة قارة ويرم في إحدى رتب السلم الخاص بأسلاك الغدراة التابعة للدولة " ظهير شريف رقم 158008 المؤرخ في 4 شعبان 1377 الموافق ل 24/2/58 المكون للنظام الأساسي للوظيفة العمومية .

2 - الفصل 224 من القانون الجنائي : يعد موظفا عموميا في احكام للتشريع كل شخص كيفما كانت صفته يعهد إليه في حدود معينة بمباشرة وظيفته أو مهمته ولو مؤقتة بأجر أو بدون أجر ويساهم في ذلك في خدمة الدولة أو المصالح العمومية أو الهيئات البلدية او المؤسسات العمومية او مصلحة ذات نفع عام .

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

- تراعى صفة الموظف في وقت ارتكاب الجريمة ومع ذلك فإن هذه الصفة تعتبر باقية له بعد انتهاء خدمته إذا كانت هي التي سهلت له ارتكاب الجريمة ومع ذلك فإن هذه الصفة تعتبر باقية له بعد انتهاء خدمته إذا كانت هي التي سهلت له ارتكاب الجريمة أو مكنته من تنفيذها " .

البروتكول، ولعله قصد بالموظف الرسمي كما سبق القول التخصيص في جريمة التعذيب على اعتبار ان هذه الاخيرة لا تقوم إلا على يد الاشخاص القائمين بأعمال البحث والتحري في الجرائم ، وهي الضبطة القضائية ونشير هنا إلى ان المشرع المغربي لم يعرف الشرطة القضائية ، وإنما حدد مهامها ولا يمكن ان نتصور أن يقوم بها موظف مؤقت أو الذي يعمل بدون أجر ، فرجل التعليم مثلا هو موظف ولكن لا يمكن ان يرتكب جريمة التعذيب في حق مجرم .

فمسؤولية أعضاء الشرطة القضائية تتمثل في مساءلة كل موظف ارتكب خطأ بمناسبة قيامه بعمله، ولما كان المشرع قد حمى كل مواطن ثبت أنه تعرض لظلم من قبل الموظف، وذلك دفعا لكل تمييز او استغلال لسلطة ما، فهم مفروض فيهم الثقة والنزاهة والعمل بإخلاص بكل امانة وتجرد ، بحيث يكون عمل الضابطة القاضئية ذا أثر كبير في سير الدعوى العمومية بدء من المتابعة إلى المحاكمة الشيء الذي يجعلهم في موضع مساءلة شخصية عن كل خطأ ارتكبوه تختلف باختلاف الخطأ من جنائية، إدارية ومدنية .

هذا ولا يجوز لضابط الشرطة القضائية ان يتذرع حين ارتكابه لجريمة التعذيب تحت ستار ظروف استثنائية كالحرب مثلا او اوامر رؤسائه ويتخذها كمبرر للتعذيب بل على الأبعد من ذلك فإن الفصلين معا حرما كل فعل تعذيب حرض عليه الغير او وافق عليه أو سكت عنه بحيث أبرز عنصر المشاركة والمحاولة إلى جانب المساهمة الفاعل الأصلي .

حقيقة ان جريمة التعذيب التي نحن بصدد البحث فيها ترتكب داخل مخافر الشرطة القضائية وبشكل سري إلا أن السؤال الذي يبقى مطروحا هو كيف يمكن محاربة جريمة التعذيب ؟ وكيف نصل إلى أن هناك شخص مشتبه فيع أنه تعرض للتعذيب ؟

للإجابة على السؤالين يتحتم علينا البحث عن وسائل إثبات جريمة التعذيب، وهو ما سنحاول التطرق إليه في نقطتين هامتين مركزين أساسا على الخبرة كوسيلة من وسائل الإثبات .

الخبرة الطبية في جريمة التعذيب وآثارها .

إن القانون بصفة عامة وضع لحماية المواطن في أي مكان وفي أي زمان فكيف يتم ذلك ؟ فالجواب يستدعي منا وضع مقاربة بين محاربة الجريمة التي هي التعذيب بشكلها الخاص ومحاربة الجريمة بشكل عام علما ان للمجتمع حقوق على الفرد وهذا الأخير له حقوق على المجتمع فكيف يمكن التوفيق بين الإثنين والذي في تفريقهما ليس هناك فرق لأن الفرد هو نواة المجتمع وبدونه لا يقوم وإذا صلح الفرد صلح المجتمع وبفساده يفسد .

كما لايخفى على احد ان هناك جرائم ترتكب في سرية بين الافراد ويعوزها الإثبات قانونيا، أليس ذلك خطورة على المجتمع حينما يفلت الجاني من العقاب ؟ .

قد نواجه بأن البراءة هي الاصل فهذا المبدأ عالمي حقوقي لا يختلف فيه اثنان ولكن بالمقابل العدالة شفاء لكل مظلوم .

فالتعذيب جريمة غير جماعية ترتكب بين شخصين فمن يمارسها، فهي تأتي من طرف الشرطة التي تحمي الأفراد وهي مؤسسة يجب عليها أن تضمن حقوق المتابعة، وهنا تظهر صعوبة الإثبات فالقانون أكثر بساطة إلا انه أصعب تطبيقا فكيف يمكن ان نجعل من الخصم اليوم حكما غدا ، لذا المشرع ارتأى وكان في ذلك صائبا حينما جعل القائم باعمال البحث والتحقيق في جريمة التعذيب إلى نفس الجهاز والتحقيق وقاضي التحقيق رفعا للحيف والتواطؤ وضمان المحاكمة العادلة .

وهكذا فإن المقاربة بين إثبات جريمة التعذيب وبين الإثبات للجرم الذي قد يتعرض له المواطن بصفة عامة ، فهي مقاربة بين حق الفرد وحق المجتمع الذي قد يتضرر من إفلات المجرم من العقاب إما بسبب ذكائه وحنكته أو سداجة المظلوم فيبقى السؤال المطروح ماهي السبل الناجعة التي يمكن اتباعها والتي قد تواجه المحقق أثناء القيام بمهامه وخاصة حينما لاتسعفه أية نتيجة والحال تكون هناك وقائع أكثر ميلا لاتهام المشبوه فيه مثلا وما يصطلح عليه الحقيقة الواقعية إلا أنها ليست حقيقة قانونية .

فالدليل الجسدي في جريمة التعذيب هل يستجيب لمتطلبات القاضي الجنائي أي هل يستجيب لعنصر القانون أي الدليل القانوني أو بمعنى آخر المقارنة بين الحجة العلمية التي هي الخبرة الطبية وبين الحجة القضائية عناصر الإثبات بالمفهوم القانوني .

فالخبرة الطبية لها تأثير على الاحكام التي تصدر بشأنها من حيث الخطورة ودرجاتها فماهي الصعوبات التي تعترضها ؟

فكثيرا من ضحايا التعذيب لا يحكون ما يتعرضون له من التعذيب نظرا لتعقده أو لقوة درجته أو لأنهم لا يشعرون بالمرض إلا بعد مدة طويلة من الزمن فهل الخبرة وحدها كافية لإدانة المتهم ؟ ام تحتاج إلى دليل آخر يعززها او بمعنى آخر تكون قاصرة وتحتاج إلى دليل آخر لترشيدها ؟

كلنا يعلم أن القناعة القضائية هي الاطمئنان إلى الدليل وهي وجدانية و الوجدان لا يخضع لرقابة أي كان إلا الله سبحانه وتعالى .

فقد تكون الخبرة ماهي إلا لتحديد الضرر إذا كان هناك اعتراف أو إثبات بشهادة الشهود، فالخبرة حسبما أرى يختلف وضعها باختلاف عنصر الإثبات، ففي الاعتراف بالجريمة مثلا تكون لأجل تحديد قيمة الضرر وكذلك الشأن بالنسبة للشهادة المثبتة، وقد تكون الخبرة مؤثرة إلى جانب القرينة القوية .

لذا اعتقد أن الخبرة ليست حجة قائمة بذاتها فمشاركة الطبيب للقاضي يتم عن طريق استفساره ما لم يصل إليه فهمه من حيث تقنيات الخبرة او استدعائه لشرحها وهو ما يتم عمليا .

فالتعذيب جريمة قاسية يمكن ان تبقى آثاره لمدة طويلة وتحدث أزمة نفسية، فالتقاء الطبيب بالشخص بعد التعذيب لا يمكن معرفة شخصية المعذب قبل التعذيب من حيث هل كانت شخصية قوية أو هشة، وهل كان مريضا نفسيا أم كان يتمتع بصحة جيدة على المستوى الجسدي والفكري، ولا ننسى أيضا البحث عن الأسباب التي أدت بالمعذب إلى ارتكاب جريمة التعذيب مثلا استفزاز المشبوه فيه ومقاومته للقائم بعمل البحث مما يكون له أثر على المعذب يتمثل في عدم قدرته التحكم للتعامل مع الآخرين مما تخلق العواقب السيكولوجية للشخص المعذب التي قد تطاله أو تطال عائلته ( الصدمة ) .

نرى انه تفاديا للشكاوي التي قد تواجه بها الضابطة القضائية، إجراء خبرة طبية أولية على المشبوه فيه ولا نرى في ذلك التعامل مع جهاز الضابطة القضائية سوء نية بل على العكس هي حماية له من كل اتهامات مرتين وحماية للمشتبه فيه مرة واحدة .

فالمعلوم ان جريمة التعذيب هي جريمة كسائر الجرائم يمكن إثباتها بجميع وسائل الإثبات في الميدان الزجري فهي جريمة ترتكب في أماكن لا يمكن أن يطلع عليها العموم بالمشاهدة والمعاينة ولكن تبقى خاضعة للقرائن القوية، وربطها بظروف وملابسات القضية وقد تعززها الخبرة الطبية في أغلب الاحيان وهنا تظهر أهمية الخبرة القبلية او الاولية، دفعا لكل التباس، وقد يحصل ان يصرح بأن المعذب المشبوه فيه قام بإلحاق الضرر لنفسه بنفسه ولكن لا يمكن ان نتصور آثار الاعتداء من الخلف على مستوى ظهر الضحية بل هي قرينة قوية على انه اعتدى عليه مثلا من قبل القائمين باعمال البحث .

إلا انه استثناء من الفصلين معا فإنه لايجب الخلط بين الألم الناتج عن التعذيب والألم الناتج عن العقوبات القانونية أو الملازم لها .

وتفاديا لاختفاء ملامح الجريمة يجب أن يكون التحقيق في الجريمة فوريا وعميقا وشاملا ونزيها وان تقوم به هيئة غير التي قامت في دائرتها الجريمة دفعا للاستفهام من يراقب من ؟ وذلك بالاستماع للضحية وإجراء خبرة طبية نفسية كانت ام عقلية أم جسدية بل وجعل جريمة التعذيب بدون حدود بحيث يتابع مرتكبوها في أي قطر حلوا به .

واخيرا وليس بأخير فلمحاربة جريمة التعذيب يجب أولا تجريم الجريمة التي هي التعذيب بشكل رسمي وتفعيل مراقبة الغرفة الجنحية لاعمال الضابطة القضائية وان تكون هناك شرطة قضائية مستقلة تابعة لوزارة العدل وخلق مداومة طبية داخل مخافر الشرطة القضائية على غرار إدارة السجون وتواجد النيابة العامة داخل مراكز الشرطة القضائية لمراقبة الإجراءات عن قرب وتقليل إعطاء رخص التمديد إلا لحالة الضرورة وذلك على غرار النظام الانكلوساكسوني، والاهم تعميق ثقافة حقوق الإنسان لدى الشرطة القضائية فضلا عن ان تكون وسائل الإثبات جد متطورة بشكل علمي وفني وتقني وهذا يأتي كله في قالب دواء لكل داء ألا وهو الحكم العادل لأن به تشفى القلوب والنفوس .

مجلة المحامى

بيع السيارات المستعملة أية حماية للمستهلك المغربي




أستاذة : سعيدة أبلق محامية بهيئة مراكش
باحثة بصف الدكتوراه بكلية الحقوق بمراكش

يعد نقل وتسليم المبيع عامة والسيارة خاصة أهم التزام يقع على عاتق البائع، فالأصل أن ملكية المبيع في التشريع المغربي تنتقل مباشرة للمشتري بعد تمام عقد البيع، وهو ما ورد في الفصل 491 من قانون الالتزامات والعقود، ليظهر بشكل جلي أن مسألة انتقال الملكية للمشتري ترتبط ارتباطا وثيقا بإبرام عقد البيع ، إلا انه يتعين عدم الأخذ بهذا المبدأ على إطلاقه إذ أن هناك كثيرا من الحالات التي يتم فيها إبرام عقد البيع مع تأخير تسليم المبيع للمشتري، كارتباطه بعدة شكليات أخرى، وقد قررت الشريعة الإسلامية مبدأ الضمان والتضمين للحفاظ على حرمة أموال الآخرين وأنفسهم ، وجبرا للضرر وقمعا للعدوان وزجرا للمعتدين وذلك في مناسبات كثيرة في القرآن الكريم فقد جاء في قوله سبحانه وتعالى :ط فمن اعتدى عليكم فاعتدوا عليه بمثل ما اعتدى عليكم " .

وعقد البيع بصفة عامة وبيع السيارات على وجه الخصوص، هو أظهر مثال لعقود الضمان، فإذا قبض المبيع أو الثمن انتقل الضمان لاستيفاء للعوض المقابل له .

فما هو العيب الخفي في بيع السيارات المستعملة ؟
وإلى أي مدى يمكن الحديث عن الحماية القانونية للمستهلك ؟

المطلب الأول : شروط ونطاق العيب الخفي في السيارات المستعملة .
المطلب الثاني : الحماية القانونية للمستهلك.

المطلب الأول
شروط ونطاق العيب الخفي في السيارات المستعملة.
يعد اقتناء السيارة في الوقت الراهن ضرورة ملحة لما تحقق لصاحبها من فوائد كثيرة حتى إن الفقيه كورنو يصفها بأنها بمثابة العبد لصاحبها ، ومن الأمور الشائعة في الوقت الحاضر خصوصا لدى الفئات الاجتماعية ذات الدخل المحدود السعي لاقتناء السيارات المستعملة بأثمان متوسطة، فما هو أساس التزام البائع بضمان العيوب الخفية ؟ وما موقف القضاء والفقه من ضمان عيوب السيارات المستعملة ؟

إن البحث عن أساس التزام البائع بضمان العيب الخفي، يعتبر موضوعا أثيرت بشأنه نظريات عدة ، يمكن تصنيفها إلى فئتين نظريات ذات أصل ألماني واخرى ذات أصل لاتيني. فأما النظريات الألمانية فينبغي التمييز بين فكرة المخاطر وتحمل التبعية ونظرية الافتراض المسبق ونظرية العدالة كأساس للضمان.

فنظرية تحمل التبعية هي نظرية موضوعية مادية نشأت على أنقاض النظرية الشخصية التي تأسس الضمان على عنصر الخطأ الذي يؤدي بدوره إلى عدم تنفيذ الالتزام وقد رفع لواء هذه النظرية الفقيه الألماني " برنز" "Brinz الذي يرى أن عدم التنفيذ قد ربط غلطا بفكرة الخطأ، مما جعل تأسيس الضمان على مفهوم عدم التنفيذ امرا صعبا ، فهذه النظرية تفرض على البائع تسليم المبيع سليما من كل عيب، وأي إخلال بهذا الالتزام يشكل خطرا على المشتري من شأنه تحميل البائع بالضمان .

أما نظرية الافتراض المسبق فتتلخص في أن المشتري حينما أقبل على عملية الشراء كان يعتقد بصورة مسبقة توافر صفات مشترطة ومعينة في الشيء المبيع من شأنها أن تمكنه من استعمال الشيء فيما اعد له حسب طبيعته، ثم هناك نظرية العدالة كأساس للضمان حيث تتركز في وجود علاقات بين الأطراف المتعاقدة من شأنها تحقيق حد أدنى من التوازن الاقتصادي بين الأداءات المتقابلة في العقد الواحد .

وأخيرا مجد نظرية أيندمان التي تميز بين حالتين الأولى هي حالة بيع الشيء بصفات ضمنها البائع ثم يتبين خلوها من هذه الصفات فالبائع هنا يكون ضامنا، والثانية هي حالة البيع الذي يعقبه عيب ويكون البائع هنا ضامنا للعيب.

أما النظريات ذات الأصل اللاتيني فهناك ثلاث نظريات ، نظرية التسليم كأساس للضمان والتي تبناها الفقيه الإيطالية " مازوني Mazzoni" حيث يرى بأن الالتزام الملقى على عاتق البائع لا يكمن قط في عنصر التسليم، بل أيضا في صلاحية المبيع للاستعمال حسب الغرض الذي اعد له، وبوجود العيب يكون الشيء عاجزا عن تحقيق الغاية التعاقدية .

ثم هناك نظرية السبب التي تحدد أن أساس التزام البائع بالضمان يرجع إلى فكرة انتفاء السبب وهو يهدف كل واحد من المتعاقدين ، ثم هناك نظرية الغلط مع الاختلاف الجوهري بين الغلط والعيب الخفي .

وعموما فليس كل عيب موجبا للضمان ذلك أنه يجب أن يكون مؤثرا لو علم المشتري بوجوده لما أقدم على عملية التعاقد. ويجب أن يكون خفيا غير ظاهر للعيان.

وقد جاء في قرار لمحكمة التعقيب التونسية مايلي :" كان على المحكمة لوصف العيوب خفية التركيز على كراس الشروط والقيام بالتحريات الفنية " .

ولعل المنقولات تشكل أهل موضوع لضمان العيوب الخفية نظرا لكثرة استعمال الإنسان لها، وعليه فالبائع يضمن للمشتري أن تكون هذه المنتجات خالية من العيوب خاصة عندما تكون مستعملة، ويضمن كذلك حسن أدائها كما يضمن فعالية قطع الغيار، ويلتزم باستبدالها في إطار ضمان صلاحية المبيع للاستعمال مدة معينة.
ولنتساءل إذن عن مدى حدود ضمان البائع لعيوب السيارات المستعملة؟

إن انتقاص منفعة السيارة المستعملة بفعل مرور الزمن وتداول الاستعمال لا يعد عيبا فيها، بدليل أن المشتري عندما يقبل على شراء هذا النوع من السيارات يكون على علم مسبق بجودتها وفعاليتها وهذا ما أكده العمل القضائي المغربي حيث جاء في حكم صادر عن المحكمة الابتدائية بالدار البيضاء " بكون الشيء باليا ومستعملا لا يعد عيبا فيه وبالتالي فلا مجال لتطبيق مقتضيات الفصل 549 من قانون الالتزامات والعقود بشأنه ".

ولا نعتقد بصحة هذا الاتجاه إذ فيه إضعاف للمركز القانوني للمشتري والذي قد يغتر بالمظهر الخارجي للسيارة، ولا تكون له دراية كافية بالحالة الميكانيكية والحقيقية للسيارة خصوصا وكلنا يعرف كيف تنسج العلاقات بين السماسرة المختصين في هذا النوع من التجارة المربحة.

غير أن استبعاد حالات الضعف الميكانيكي لا يحول دون إمكانية تصور عيوب أخرى خفية أقرها القضاءين المغربي والأجنبي على حد سواء ، ومن ذلك عيوب الكسر والتلحيم والتي قد يعود أصلها إلى مرحلة التصنيع ولا تظهر بصورة واضحة إلا بعد تداولها في اليد وكثرة استعمالها، وهذا ما أكده العمل القضائي الفرنسي حيث اعتبر كل من الكسر والتلحيم والحوادث بمثابة عيوب موجبة للضمان متى أخفاها البائع عن المشتري عند إبرام العقد ، وفي هذا الصدد اعتبرت المحكمة الابتدائية في كولمار أن إخفاء البائع لحادثة السير التي تعرضت لها السيارة بمثابة عيب خفي موجب للضمان سيما وان الحادث كان له أثر بالغ على محرك السيارة وأجهزتها الداخلية .

وتجب الإشارة إلى أن عنصر الاحتراف في بيع السيارات يقتضي التشدد مع الباعة المحترفين تحقيقا لتوازن العقدي، ذلك انه عندما يتم التعامل بين أشخاص من نفس الاختصاص فإن الوضع يكون عاديا باعتبار أن طرفي العقد يتوفرون على وسائل متقاربة لمعرفة التحايل والغش ولا يكون هناك مجال لتطبيق المقولة المشهورة " القانون لا يحمي المغفلين ، فالبائع المحترف تكون له القدرة الكافية لاكتشاف العيوب والأسرار الميكانيكية .

وانطلاقا من هذه القرينة جاء في الفقرة الثانية من الفصل 556 من قانون الالتزامات والعقود: " … وللمشتري الحق في التعويض إذا كان البائع يعلم عيوب المبيع، ويفترض هذا العلم موجودا دائما إذا كان البائع تاجرا او صانعا او باع منتجات الحرفة التي يباشرها " .

غير أن هذه القرينة تبقى بسيطة قابلة لاثبات العكس عندما يكون العيب على درجة كبيرة من الخفاء بحيث يستحيل على شخص مثله اكتشافه .

وقد جاء القضاء الفرنسي بمبدأ يفرض على الباعة المحترفين ضرورة إعلام الزبناء الذين يتعاملون معهم حتى يكونوا على بينة من موضوع الصفقة التي أقدموا على إبرامها سواء كانت من المواد الاستهلاكية او المعدات الميكانيكية وعلى مستوى القضاء المقارن صدر عن المحكمة العليا بكندا قرار يؤكد عدم إمكانية استبعاد مسؤولية المحترف والتزامه بضمان العيوب الخفية للسيارة التي كان على علم سابق بها.
فإلى أي مدى تحمي النصوص القانونية المستهلك.

المطلب الثاني
الحماية القانونية للمستهلك

يعتبر الصدق في التعامل التجاري من القيم النبيلة ، وفي هذا الصدد يقول عبد الحميد النجار " التاجر الذي يتاجر مع غيره إذا ما التزم بالجانب الأخلاقي فبعد عن الغش والتدليس والتخزين والمغالاة في الأثمان واستغلال حوائج الناس كان دافعا للتنمية إلى الأمام أمادا بعيدة".

ولا يخفى على أحد أن خطر الغش التجاري على المستهلك يؤثر على سلامته الشخصية وذمته المالية، وبل يتجاوز ذلك ليكون مفسدة لذمم المتعاملين في السوق.

وقد عرف المشرع المغربي مرتكب الغش في البضائع بقوله " يعد مرتكبا للغش عن الطريق الخداع او للتزييف كل من غالط المتعاقد بوسيلة ما في جوهر او كمالية الشيء المصرح به أو قام خرقا لأحكام هذا القانون أو النصوص المتخذة لتطبيق أو خلافا للأعراف المهنية أو التجارية بعملية تهدف بطريقة التدليس إلى تغييرها "، وحسب المقتضى التشريعي للمادة 4 من هذا القانون فإن الغش يكون في ماهيته البضائع وخصائـصها الجوهري، ويحكم وجوبا بعقوبة الحبس إذا ارتكب الجنحة أو وقعت محاولة ارتكابها بواسطة بيانات مدلس فيها تحمل على الاعتقاد بان الأمر يتعلق بعملية سابقة أو بمراقبة رسمية لا أصل لها.

وعلى مستوى التشريع المقارن صدر المرسوم المليك في المملكة العربية السعودية لمكافحة الغش بتاريخ 29 جمادى الأولى 1404 هجرية وتنص المادة الأولى منه على انه يعاقب بغرامة من 5000 الريال إلى 100000 ريال أو بإغلاق المحل مدة لا تقل عن أسبوع ولا تزيد عن تسعين يوما أو بهما معا كل من خدع أو شرع في أن يخدع بأي طريقة من الطرق في أحد الأمور التالية: ذاتية السلعة ، مصدر السلعة، قدر السلعة ووصف السلعة.

ويعتبر القانون المغربي قاصرا مقارنة مع نظيره القانون المدني الفرنسي من حيث خيارات المشتري، حيث منحه خيارا ثالثا مؤداه الاحتفاظ بالمبيع مع حق المطالبة بخفض الثمن، بل أكثر من ذلك جعل إدراج الشروط المنقصة للضمان أو المعفية منه، ضمن الشروط المحرمة قانونا بموجب المادة 35 من قانون 10 يناير 1978 الخاص بحماية المستهلك وإعلامه وعقاب من يخالف حكم المادة الرابعة من اللائحة التنفيذية رقم 78-464 بتاريخ 24 مارس 1978 بتنفيذ المادة 35 التي ألزمت البائع ضمان كل النتائج عن تخلف أحد التزاماته وبضمان العيب الخفي في الشيء المبيع .

وفي المغرب يمكن القول بأنه ليس هناك قانون خاص ينظم علاقات المستهلكين العاديين بغيرهم من الباعة المحترفين فسواء تعلق الأمر بالمشتري المحترف او المشتري بالصدفة فإن القواعد المطبقة هي تلك المنصوص عليها في الفصول 487 و 549 من قانون الالتزامات والعقود، هذه المقتضيات بتشكل لبائع مخرجا لتجنب الضمان في عقد لبيع بإدراج شروط في الاتفاق بين الأطراف المتعاقدة بحيث لا يملك المشتري مناقشتها لعدم تساوي مركزهم القانوني والاقتصادي.

وبخصوص بيع السيارات المستعملة نجد الفصل الرابع من دفتر التحمل للمكتب الوطني للنقل المتعلق ببيع السيارات المستعملة والأجهزة ينص على مايلي :" تباع الأجزاء المشار إليها بدون ضمانة لمصدرها ولا لنوعها ولا لقيمتها ولا سمعتها ولا لقدمها ".
ومثل هذا الشرط يعتبر مألوفا في ميدان التعامل التجاري، حيث نجد الباعة المحترفين يدرجون في وثائق الضمان مجموعة من الشروط المخففة من الضمان او المعفية منه أصلا، وفي الحالات التي يقتصر فيها الضمان على مجرد إصلاح المبيع فإن نفقات ومصاريف هذا الإصلاح تكون على حساب المشتري.

وهكذا ففي الوقت الذي لازلنا نخلط فيه المشتري المحترف والمشتري بالصدفة، البائع المحترف والبائع بالصدفة، نجد بعض التشريعات المعاصرة خاصة التشريع الفرنسي قد حددت القواعد الخاصة بالباعة المحترفين والمستهلكين العاديين تهدف في مجملها إلى حماية الجانب الإعلامي للمستهلكين، حتى لا يكون ضحية الجهل وعدم الخبرة، كما اعتبرت الشروط التعسفية التي يمليها البائع المحترف على المشتري بالصدفة عديمة الجدوى، كأنها لم تكن ويبقى العقد منتجا لآثاره.

وهكذا نجد افصل الخامس مكرر من المرسوم الفرنسي الصادر بتاريخ 4 أكتوبر 1998 يميز بين البائع المحترف والبائع بالصدفة ، حيث يشدد المسؤولية على البائع المحترف ويلزمه بالضمان عندما تربطه علاقة تعاقدية مع مشتري بالصدفة، وعندما يتم بيع السيارة بين مشتري بالصدفة وبائع بالصدفة فإن شرط عدم الضمان يقع صحيحا ما لم يثبت سوء نية البائع.

ولنتساءل عن مدى إمكانية التقنين المغربي بنظيره الفرنسي من خلال التجديدات الأساسية في القانون المغربي لحماية للمستهلك؟
لابد من الإشارة إلى أن المشرع المغربي اهتم بحماية المستهلك منذ فرض الحماية على المغرب حيث صدرت قوانين عدة منذ ذلك الحين وحتى مرحلة الاستقلال، غير أن ذلك لم يكن سوى معالجة جزئية تفتقد لسمة المنظور الشمولي و لمفهوم ومحل الاستهلاك وطبيعة القوانين الحمائية الهادفة إلى خلق توازن ين مصالح الأفراد في العلاقات التعاقدية ، ويبدو أن هذه الغاية هي التي كانت وراء إعداد قانون لحماية المستهلك.

وهكذا فبمقتضى الفصل الأول من قانون حماية المستهلك فإنه يهدف إلى إقرار إجراءات فاعلة مبنية على أسس متينة للدفاع عن المستهلكين ودعم تقوية الإعلام الموضوعي للمستهلك بتوفير إطار قانوني يحمي حقوقهم ومصالحهم.
أما بموجب الفصل الثاني فقد وسع بشكل ملحوظ من مفهوم المستهلك حيث لم يشترط فيه سوى أن يكون عنصرا في حلقات التداول.

كما ألزم الفصل الرابع منه كل مهني بتبصير المستهلك وتقديم النصيحة له قبل الإقدام على الصفقة.
ولا نعتقد بموافقة هذا المقتضى التشريعي للواقع العملي المغربي متى علمنا بالكيفية التي تنسج بها العلاقة التعاقدية تجاه المستهلك.

وينص الفصل السابع منه على إلزامية استعمال اللغة العربية ومنع استعمال المصطلحات الأجنبية إذا كان لها بديل في اللغة الأم.
والواقع أن القانون أهمل الجوانب التنظيمية للثمن واكتفى بأن أوجب على البائع المحترف إعلام المستهلك إعلاما شافيا وواضحا لا لبس فيه ولا غموض .

وقد تبنى المشرع إلى وجود عدة ممارسات تعتمد أسلوب استدراج المستهلك لتحمل التزامات تعاقدية ما كان ليرتبط بها لو توفرت لديه فرصة كافية للتروي ، فأقر مجموعة من الأحكام خاصة بعقود محددة ترمي كلها إلى مساعدة المستهلك وتخويله سبل التدبر والتمعن في الاتفاقات المزمع عقدها وقد اعتبر قانون حماية المستهلك غشا كل الوسائل التي يستعملها الشخص لإيقاع المستهلك بالغش والتزييف والخداع.

وعموما فإن هذا القانون رغم ما بتوفر عليه من مزايا تهدف إلى حماية المستهلك بوجه عام ومشتري السيارة بوجه خاص فإنه مع ذلك مازال قاصرا عن تحقيق الحماية القانونية اللازمة للمستهلك باعتباره الطرف الضعيف في العلاقة التعاقدية.
تلكم بعض الجوانب التي ارتأيت إثارتها في هاته المساهمة البسيطة، ولا أحسب أنني أوفيت الموضوع حقه، فهو أوسع وأعمق من أن تستغرقه هذه المساهمة الفتية المتواضعة، فإن أصبت فمن الله وتوفيقه وإن أخطأت فمني، ولا احتمي إلا بواسع سماحتكم.

قضاء التحقيق ومستجدات قانون المسطرة الجنائية



ذ. محمد الدراري
قاضي التحقيق لدى محكمة الاستئناف بمراكش

مقدمة :
التعريف بالتحقيق الإعدادي والبحث التمهيدي :

إن الغاية من اقامة النظام القضائي بصفة عامة هي تحقيق العدل والانصاف، وإنه لتحقيق هذه الغاية، اقتضت الضرورة سن قوانين لفرض ترتيبات أطلق عليها اسم إجراءات، سواء في الميدان المدني او الجنائي .
ولعل الميدان الجنائي كان أدعى من غيره لتقرير عدد من الإجراءات الشكلية، وذلك صونا لحرية الأفراد، ودودا عن كرامة الإنسان مما يشيع الطمانينة بين الناس على النفس والمال معا.

وبعبارة اخرى، فإن الغاية المتوخاة من تلك الإجراءات هي ان تؤدي تحقيق التهمة تحقيقا عادلا لا يفلت معه جان من العقاب، كما لايقع الحكم ظلما على بريء فيراعى بها إذن احترام حقوق الاتهام وحقوق الدفاع على السواء بحيث يكون لسلطة الاتهام الحرية في إثبات التهمة، وإظهار إدانة المتهم، ويكون للمتهم في نفس الوقت الحرية في نفي التهمة عن نفسه وإبراز براءته .
والبحث التمهيدي، والتحقيق الإعدادي هما مجرد ادوات للعمل لتحقيق الغاية النبيلة التي ينشدها المشرع عند سنه للنصوص المنظمة لهذه الادوات والآليات .

وهكذا فإن المشرع يسن في الفصل 80 وما يليه إلى 82 من ق.م.ج على البحث التمهيدي الذي اوكل القيام به إلى ضباط الشرطة القضائية إما بتعليمات من وكيل الملك وإما تلقائيا، وترجع هذه العمليات إلى نظر رئيس النيابة العامة .

كما أنه خصص الجزء الثالث من الكتاب الاول من قانون المسطرة الجنائية للتحقيق الإعدادي .
والتحقيق الإعدادي هو مرحلة من مراحل القضية الجنائية تسبق عملية المحاكمة، والهدف من اللجوء إليه - في الحدود التي يسمح بها - القانون والتي تتسع او تضيق بحسب الاتجاهات القانونية المختلفة هو تمحيص الادلة المقدمة في التهمة، والتي تكون الضابطة القضائية قد مهدت سبل التوصل إليها من خلال البحث التمهيدي، وتقديرها من اجل اتخاذ قرار في ضوء ذلك، إما بإحالة القضية على المحكمة، إن كانت هذه الأدلة كافية، وإما بعدم المتابعة إن وجدت جهة التحقيق أن هذه الادلة غير كافية .

ولا تخفى أهمية هذه المرحلة الدقيقة وفائدتها، إذ هي بالنسبة للجهاز القضائي معين لا بد منه في غربلة وتصفية القضايا التي لا حاجة إلى إضاعة وقت قضاء الحكم وجهده فيها، وبذلك فلا تصل إليه منها إلا تلك التي تستأهل ذلك بما ثبت للمحقق بانه في شبه المؤكد على الإدانة، وبالنسبة للمتهم لا تخفى فائدتها أيضا إذ البريء الذي لا توجد ادلة كافية على إدانته يجنب مشقة سوقه إلى ساحة المحاكمة العلنية وما يرتبه ذلك من تشويش كبير على سمعته .

والمشرع تعرض للتحقيق الإعدادي في الجزء الثالث من الكتاب الاول من قانون المسطرة الجنائية :(من الفصل:84 حتى الفصل 250 ) وقسمه إلى بابين:

الباب الاول :
من الفصل 84 إلى 212 من ق.م.ج، والقسم الثاني من ظهير الإجراءات الانتقالية في الفصلين 6 و7 وخصه بالقضاة المكلفين بالتحقيق .

الباب الثاني : ( من الفصل 213 إلى 250 من ق.م.ج ) وخصه لغرفة الاتهام : ( الغرفة الجنحية حاليا ) .
وسوف نقسم هذا العرض إلى بابين :

الباب الاول :
خصائص التحقيق الإعدادي، ونطاقه، والإجراءات الخاصة به والأوامر القضائية الصادرة بشأنه، والمراقبة القضائية الواردة عليه، وبطلان إجراءات التحقيق الإعدادي .

الباب الثاني :
سنخصصه لمستجدات قانون المسطرة الجنائية الجديد .

الباب الاول :
خصائص التحقيق الإعدادي، ونطاقه، والإجراءات الخاصة به، والاوامر القضائية الصادرة بشأنه، والمراقبة القضائية الواردة عليه، وبطلان إجراءات التحقيق الإعدادي.

الفصل الاول : خصائص التحقيق الإعدادي

التحقيق الإعدادي هو عبارة عن جملة من التحريات التي تقوم بها الجهة القضائية التي يرجع لها حق إجرائه، وتتمثل أساسا في قاضي التحقيق عندنا حاليا والغاية منه، كما أسلفت ، هي محاولة الوصول إلى الحقيقة التي يترتب عنها إما تاكيد إسناد التهمة لشخص معين فيحال على المحكمة، وإما نفيها عنه فلا يتابع أمام قضاء الحكم ويتم كل ما سبق من خلال تقدير قيمة الحجج التي تكون النيابة العامة قد اعتمدتها عندما حركت الدعوى العمومية بالتماسها إجراء التحقيق.
يتميز التحقيق الإعدادي بخصائص عديدة نشير منها لما يأتي :

- أولا : التحقيق الإعدادي ذو طبيعة قضائية :
وفي هذا يخالف التحقيق الإعدادي البحث التمهيدي الذي تنجزه الضابطة القضائية، بسبب أن الجهة الرئيسية التي تتكلف بإنجازه هي قاضي التحقيق الذي يستقل عن النيابة العامة، وعن المحكمة، وعن الخصوم، مما يفرض عليه الحياد التام في إنجاز إجراءات البحث عن الادلة واتخاذ القرار الذي ينتهي به التحقيق إن لمصلحة المتهم وإن ضده، وبدون أي تحامل عليه، او ترضية للخصم الرئيسي في الدعوى العمومية الذي هو النيابة العامة .

والطبيعة القضائية للتحقيق الإعدادي تجعل القائم به ( قاضي التحقيق ) خاضعا من حيث مراقبته في اهم القرارات التي يصدرها بمناسبة التحقيق لجهة قضائية كلفها القانون بإعمال هذه المراقبة وهي الغرفة الجنحية بمحكمة الاستئناف ( غرفة الاتهام سابقا )، عن طريق استئناف النيابة العامة والمتهم والمطالب بالحق المدني للقرارات الصادرة عن قاضي التحقيق .
بل إن لقاضي التحقيق نفسه والغرفة الجنحية تلقائيا عندما يلاحظ بطلان إجراء من إجراءات التحقيق أن يرفعه للغرفة الجنحية من اجل تقرير بطلانه.

- ثانيا : غلبة الاسلوب التفتيشي على التحقيق الإعدادي :
تبدو مظاهر تغليب المشرع للنظام التفتيشي في إجراءات التحقيق الإعدادي في سمتين :

الأولى: سرية التحقيق الإعدادي :
ومفادها امتناع إطلاع عموم الناس من غير الخصوم على إجراءاته او على المحاضر المعدة بمناسبة إنجازه، أو نشر أي شيء من ذلك في وسائل الإعلام المختلفة ( الفصل 54 من قانون الصحافة )، وإيصالها إلى الغير، ويبقى هذا الحظر ملازما لعملية التحقيق الإعدادي إلى ان يحال ملف القضية على المحكمة التي تنظرها بصورة علنية، حيث يرتفع حينئذ مبدأ السرية، مالم تر المحكمة نفسها الابقاء عليه
اما ان انتهى قاضي التحقيق إلى أمر بعدم المتابعة فإن سرية التحقيق تستمر مع ذلك، فلا يجوز، والحالة هذه إطلاع الغير على التحقيق او نشر شيء منه في وسائل الاعلام إلا في حدود ما يقرره النص السابق .

الثانية : وجوب تدوين عمليات التحقيق الإعدادي :
إن تدوين عمليات التحقيق في محاضر موقعة من قبل من عددهم القانون يعد ضمانة كبرى لمصداقية التحقيق الابتدائي برمته بسبب انه يرفع كل لبس عن حقيقة الإجراءات التي قام بها قاضي التحقيق، ويسهل إلى حد بعيد إعمال الآثار القانونية الممكن ترتيبها عن كل خرق يأتيه من قبل المحكمة التي تنظر الدعوى العمومية او التي تراقب قاضي التحقيق في ذلك خصوصا وان المحاضر المدونة بسبب إجراءات التحقيق هي اوراق رسمية لا يمكن مناقضة ما تضمنته إلا عن طريق إدعاء الزور فيها، ولهذا حرص المشرع على أن تكون المحاضر سليمة ولا يوحي مظهرها الخارجي بالريبة، إذ منع الكتابة بين سطورها، واوجب المصادقة من قبل قاضي التحقيق والكاتب والترجمان والشاهد، والخبير إن اقتضى الحال : ( الفصل 119 من ق.م.ج ) .
ومن أبرز مظاهر سمة التدوين بالنسبة لعمليات التحقيق الإعدادي هو استعانة قاضي التحقيق دائما بكاتب الضبط ( الفصل 100 من ق.م.ج ) والفصل 117 من ق.م.ج بالنسبة للشاهد ).

المبحث الاول : تعييـن قاضـي التحقيـق، اختصاصاتــه،
والاجراءت المسطرية التي يتعين عليه القيام بها،
والضمانات التـي يوفـرها للمشبوه فيهـم .

المطلب الاول : تعيين قاضي التحقيق
نص المشرع في الفصل 6 من ظهير الإجراءات الانتقالية ( 28 شتنبر 1974 ) على انه : يعين بقرارات لوزير العدل قاضي او عدة قضاة مكلفين بالتحقيق لمدة ثلاث سنوات في كل محكمةاستئنافية من بين قضاة الحكم لهذه المحاكم .
ويمكن وضع حد لمهامهم حسب نفس المسطرة .
ونص الفصل 54 من ق .م.ج على انه إذا كانت القضايا الواجب بحثها تقتضي نظرا لعددها واهميتها وجود قاضي تحقيق آخر فإنه يجوز لوزير العدل ان يعين بموجب قرار قاضيا أصليا او قاضيا نائبا ليزاول مؤقتا مهام قاضي التحقيق إلى جانب القاضي المنتصب لهذه الوظيفة

المطلب الثاني : اختصاصات قاضي التحقيق ونطاقه .
اولا : اختصاصات قاضي التحقيق :
لقد نص المشرع في الفصل 52 من ق.م.ج على أنه يكلف قاضي التحقيق بإجراء البحث طبق الكيفيات المحددة في الباب الاول من الجزء الثالث من قانون المسطرة الجنائية .
ولا يمكنه ان يشارك في إصدار حكم في القضايا الجنائية التي سبق له أن نظر فيها بصفته قاضيا للتحقيق، وإلا فيكون ذلك الحكم باطلا
كما نص في الفصل 56 من ق. م . ج بانه "لا يمكن لقاضي التحقيق إجراء بحث إلا بعد إشعاره بطلب من وكيل الدولة أو بشكاية مصحوبة بالادعاء بالحق المدني " .

وفي حالة تلبس المجرم بالجناية او الجنحة فإن قاضي التحقيق يقوم بالسلطات المخولة له بمقتضى الفصل 77 وذلك في حالة حضوره بعين المكان .
وله ان يطالب بصفة مباشرة حين مزاولة مهامه بتسخير القوة العمومية .
كما نص في الفصل 57 من ق.م.ج على انه يرجع النظر من حيث الاختصاص إلى كل من قاضي التحقيق المرتكبة في دائرته الجريمة او إلى قاضي التحقيق الكائن بدائرته محل إقامة أحد الاشخاص المظنون مشاركتهم في هذه الجريمة، او إلى قاضي التحقيق الواقع في دائرته القبض على احد اولائك الاشخاص، ولو كان القبض قد ألقي لسبب آخر .

ثانيا : نطاق قاضي التحقيق :
نص المشرع في الفصل 84 من ق.م.ج وكذا الفصل 7 من ظهيـر الإجراءات الانتقاليـة ( 28 شتنبر 1974 ) على مايلي :
* التحقيق الإعدادي
يكون إلزاميا في الجنايات المعاقب عليها بالإعدام او السجن المؤبد .
يكون اختياريا في غيرها من الجنايات .
ويمكن إجراء تحقيق في الجنح تطبيقا لنص قانوني خاص ويمكنه طبقا للفصل 84 من ق.م.ج إجراء التحقيق في المخالفات ان التمس ذلك وكيل الدولة تطبيقا للفصل 44 من نفس القانون.

المطلب الثالث : إجراءات التحقيق الإعدادي
إن هذه الإجراءات تنقسم إلى ثلاثة انواع :
أولا : كيف يضع قاضي التحقيق يده على القضية ؟:
عملا بقاعدة وجوب الفصل بين السلطة المكلفة بالمتابعة، وتلك المكلفة بالتحقيق لأسباب متعددة لعل أظهرها ضمان حياد المحقق فإنه لايجوز لقاضي التحقيق البدء في إجراءات التحقيق تلقائيا ما لم يطلب منه ذلك ممن خوله القانون هذه الصلاحية.
وانه بالرجوع إلى الفصل 56 و85 من ق.م.ج والفقرة 4 و5 من الفصل 7 من ظهير الإجراءات الانتقالية : ( 28 شتنبر 1974 ) فإن قاضي التحقيق يضع يده على القضية بطريقتين رئيسيتين :

الاولى : بالتماس النيابة العامة من قاضي التحقيق إجراء تحقيق في قضية من القضايا إما بصورة إجبارية أو اختيارية
الثانية : بشكاية من المتضرر المطالب بالحق المدني طبقا للفقرة 4 من ظهير الاجراءات الانتقالية ( 28 شتنبر 1974 والفصل 93 ومايليه من ق .م .ج )
ثانيا : الإجراءات المتعلقة بجمع الادلة والتنقيب عليها .
ينص الفصل 86 من ق .م .ج على ان يقوم قاضي التحقيق وفقا " للقانون بجميع إجراءات البحث التي يراها صالحة للكشف عن الحقيقة

والإجراءات التي تستهدف جمع الادلة والتنقيب عنها التي تدخل تحت حكم النص باعتبارها تصلح للكشف عن الحقيقة متعددة، والنص لم يمثل لها بأي إجراء، ومن تم يمكن القول بان قاضي التحقيق حر في اللجوء إلى أي إجراء مفيد في الوصول إلى الحقيقة طالما انه يقوم بذلك محترما للمشروعية التي تفرض عليه التزام نصوص القانون أيا كان محل ورودها، سواء كان قانون المسطرة الجنائية او غيره، إذ المهم هو عدم مساس هذه الإجراءات بحقوق الافراد وحرياتهم، هذا وتجدر الإشارة إلى الاطراف الاخرى كالنيابة العامة، والمطالب بالحق المدني، والمتهم، فإن لهم الحق في تقديم طلباتهم خلال المسطرة الرامية إلى الإجراءات التي يرونها مفيدة في إظهار الحقيقة كندب الخبراء او الاستماع إلى الشهود وان قاضي التحقيق هو وحده الذي يقرر في جدوى الاستجابة لطلباتهم او رفضها بحسب مايراه محققا للفائدة المرجوة في إظهار الحقيقة من عدمه، فإن هو استجاب لهذه الطلبات فذاك، وإن هو رفضها حق لهم - صيانة لحقوقهم في الدفاع- الطعن باستئناف هذه الاوامر بالرفض أمام الغرفة الجنحية .

أ : استنطاق المتهم :
ماهية الاستنطاق وصوره :
يقصد بالاستنطاق الذي يجريه قاضي التحقيق استفسار االمتهم عن وقائع الجريمة، والظروف الملابسة لها من خلال طرح أسئلة عليه، وتلقي اجوبته، والتي قد يتمخض عنها إما رجحان إسناد التهمة إليه فيحال على المحكمة بمقتضى امر بالإحالة او إبعادها عنه ليصدر امر بعدم متابعته عنها من قبل قاضي التحقيق .
وان المشرع نظرا لاهمية وخطورة الاستنطاق في مراحل التحقيق نظم شكلياته بكيفية دقيقة في الفصول من 127 إلى 134 من ق .م .ج ضمانا للمستنطق وإلا ترتب عن الإخلال بها البطلان ( الفصلان 190 و129 من ق.م.ج)
هذا وان الشكليات التي يخضع لها الاستنطاق في مرحلة التحقيق الإعدادي تختلف بحسب ما إذا كان الامر يتعلق بالاستنطاق الابتدائي ( او الاولي ) او الاستنطاق التفصيلي .

* الاستنطاق الابتدائي :
وهي المرحلة الاولى التي يمثل فيها المتهم لاول مرة امام قاضي التحقيق بناء على المطالبة بإجراء تحقيق المقدمة من طرف السيد الوكيل العام للملك ( الفصل 56 و85 ق .م . ج )

وتتخلص شكلياته كالتالي :
اولا :
يقوم قاضي التحقيق بالتثبت بكيفية دقيقة من هوية المتهم :
إسمه الشخصي والعائلي ولقبه المعروف به ونسبه وقبيلته الاصلية وحالته العائلية، ومهنته ومحل إقامته وسوابقه القضائيـة، والاستعانة ان اقتضى الحال بمصلحـة قياس الاعضاء والخبرة الطبيـة ( الفصل 127/4 ق . م ج ) .

ثانيا :
يشعر قاضي التحقيق المتهم بانه ماثل امام قاضي التحقيق وان له الحق في اختيار محام حالا، وإلا فيعين له تلقائيا محاميا إن طلب ذلك في حالة عدم اختياره له ، وينص على ذلك في المحضر ( الفقرة 2 من الفصل 127 من ق.م.ج)

ثالثا : يحيط قاضي التحقيق بوجه صريح علم المتهم بالافعال المنسوبة إليه ويشعره بأنه حر في عدم الإدلاء بأي تصريح ، وينص على ذلك في المحضر (الفقرة 4 من الفصل 127 ق.م.ج ).
والتنصيص على ذلك في المحضر يكون تحت طائلة البطلان ( الفصل 190 من ق.م.ج ) .

رابعا :
يتعين على قاضي التحقيق إذا ما طلب منه ذلك، أو عاين بنفسه آثارا تبرر ذلك ان يخضع الشخص المذكور إلى فحص يجريه طبيب خبير (الفقرة 5 من الفصل 127 ق.م .ج ).

خامسا :
الاستنطاق الابتدائي يجريه قاضي التحقيق بنفسه او بمقتضى انابة قضائية يصدرها لقاضي تحقيق آخر، ولا يجوز فيه الإنابة لضباط الشرطة القضائية :( الفصل 167 ق.م .ج ). ويحضر جلسة الاستنطاق الابتدائي الى جانب قاضي التحقيق دائما كاتب الضبط الذي يدون محضر استنطاق المتهم، ومحامي هذا الاخير ان هو اختاره وطلب حضوره والترجمان المحلف ان كان المتهم لا يعرف اللغة العربية

سادسا :
طبقا لمقتضيات الفصل 149 من .ق.م.ج فإن المتهم يستنطق خلال الثمانية واربعين ( 48 ) ساعة من اعتقاله وإن لم يستنطق، وتكون قد مضت هاته المدة فتطبق مقتضيات الفصلين : 140 و141 من ق.م .ج المتعلقة بسوق المتهم امام قاضي التحقيق تنفيذا للامر بالاستقدام الصادر عنه، ويجب استنطاقه في الحين، وإذا تعذر استنطاقه فورا، فيساق إلى السجن حيث لا يمكن ان يبقى معتقلا فيه اكثر من اربع وعشرين ساعة، وإذا انتهت هاته الفترة دون أن يستنطق المتهم فيجب على المشرف رئيس السجن ان يقدمه تلقائيا إلى وكيل الدولة الذي يلتمس فيه من قاضي التحقيق استنطاقه او في حالة تغيبه من أي قاض آخر من قضاة المحكمة لاستنطاقه فورا ، وإلا يفرج عنه .

وكل متهم ضبط عملا بامر بالاستقدام وبقي في السجن اكثر من اربع وعشرين ساعة دون ان يستنطق يعتبر معتقلا اعتقالا استبداديا طبقا لمقتضيات الفص 141 من ق .م.ج ....

سابعا :
بعد اجراء الاستنطاق الابتدائي فإن قاضي التحقيق لابد ان ينتهي بشان المتهم إما إلى أمر يقضي باعتقاله احتياطيا وإما إلى قرار يقضي بتركه حرا، ويعلمه قاضي التحقيق بوجوب اشعاره بكل تغيير يحدث في عنوان مقره ويسوغ للمتهم ان يعين محلا للمخابرة معه في دائرة نفوذ المحكمة ( الفقرة الاخيرة من الفصل 127 ق.م.ج )

إجراء بحث اجتماعي حول هوية شخص المتهم، وظروفه الاجتماعية والاقتصادية .
ينص الفصل 88 من ق.م.ج على ما يلي :
" يجري قاضي التحقيق في القضايا الجنائية تحقيقا عن شخصية المتهمين، وكذا عن حالتهم المادية او العائلية او الاجتماعية وله ان يجري هذا التحقيق بنفسه، او يكلف به إما ضباط الشرطة القضائية طبقا للفصل 87، أو إما إلى شخص آخر يؤهله لذلك وزير العدل ويكون هذا التحقيق اختياريا في القضايا الجنحية " .

وتكمن أهمية البحث الاجتماعي في الاطلاع على العناصر التي كان لها دور في الظاهرة الاجرامية في الواقع المادي الخارجي، والتي لولا تظافرها، لم يكن الماثل أمام قاضي التحقيق متهما في جريمة، كما انه يبين الظروف العينية والشخصية التي ادت إلو وقوع الجريمة والتي لها دور كبير في تفريد العقاب : ( الفصل 141 إلى 162 من القانون الجنائي ) .

*الاستماع إلى الشهود :
خص المشرع الفرع الرابع من الباب الاول من الجزء الثالث المتعلق بالتحقيق الإعدادي من قانون المسطرة الجنائية ( من الفصل 109 إلى 126 ).
ونص في الفصل في الفصل 109 من ق.م.ج على مايلي :
" يستدعي قاضي التحقيق على يد احد اعوان القوة العمومية جميع الاشخاص الذين يظهر من المفيد الاستماع إلى شهادتهم وتسلم لهم نسخة من الاستدعاء .
ويمكن ايضا استدعاء الشهود برسالة عادية، او عن الطريق الادارية ولهم كذلك ان يحضروا عن طواعية " .
والشهادة من افيد وسائل الإثبات في المادة الجنائية ومنها تستخلص القناعة، وبكيفية مباشرة على ثبوت واقعة مادية او انتفائها لصالح شخص أو ضده، ولذلك كان المبدا العام هو ان لقاضي التحقيق كامل الصلاحية والحق في ان يستمع لكل شخص يرى فائدة في الاستماع إليه وتنوير الطريق امامه من أجل اتخاذ قراره في خصوص القضية التي يحقق فيها لجهة الامر بالمتابعة او لعدمها .
ونص المشرع في الفصل 111 وما يليه على كيفية اداء الشهادة، والقسم التي يؤديها الشاهد والأشخاص المعفيين من اداء اليمين .

وتجدر الإشارة إلى إتمام القواعد الواردة في الفصل 109 وما يليه من ق.م.ج بالملاحظات الآتية :
إن الفقرة الثانية من الفصل 110 التي تعطي الشخص المشتكى ضده والمستدعى بصفة شاهد حق رفض الاستماع إليه إلا بصفته متهما، إن تلك الفقرة تتميز بانها تحول دون ما يؤثر على ضمانات الدفاع .
وبالرغم من أن الفصول المذكورة اعلاه لم تشر إلى تطبيق القواعد المنصوص عليها في الفصل 319 وما يليه، إلا انه يقتضي تطبيقها، لان الفصل 319 ومايليه، قد ورد في الكتاب الثاني من قانون المسطرة الجنائية متعلقا بالحكم بالمخالفات .
ولكن الصيغات العامة المستعملة من طرف المشرع تدل على ان لها مفعولا عاما وانها تطبق في موضوع التحقيق الإعدادي .

ونذكر ان هذه القواعد تتضمن :
1 - تلقي شهادة الوزير الاول واعضاء الحكومة ( الفصل 320 من ق.م.ج ) .
2 - تلقي شهادة الديبلوماسيين الاجانب ( الفصل 321 ) .
عند لزوم استماع شهادة احد اصحاب السلطة المذكورة، يقتضي ان يوجه بذلك طلب بطريق التدرج إلى وزير العدل .
اما الاستماع إلى موظفي السلطة فهو خاضع إلى التعليمات الواردة في المنشور رقم 162 الصادر في 8 مايو 1962، والمنشور رقم 494 بتاريخ 16 رمضان 1397 (1 شتنبر 1977 ) كما يقتضي من جهة ثانية تطبيق القواعد المنصوص عليها في الفصل 325 من ق.م.ج المتعلقة بعدم إمكانية الاستماع إلى المدافع عن المتهم حول ما علمه بهذه الصفة وإلى رجال الدين حول ما اسر لهم به ضمن مهمتهم .
اما ما عداهم من الاشخاص المقيدين بالسر المهني ، فيمكن الاستماع إليهم في دائرة الشروط والحدود المرسومة في هذا القانون .
أما بشأن يمين المترجمين، فإن الفصل 114 من ق.م.ج قد الغي بمقتضى ظهير 30/03/1960 ولا يجوز لكاتب الضبط او قاض التحقيق ولا الشهود ان يقوموا بالترجمة .
وأخيرا فان وسيلة الإجبار بالنسبة للشاهد المنصوص عليها في الفصل 121 من ق.م.ج ليست امرا بالاستقدام، فهي لا تفضي إلى وضع الشاهد في السجن .

*اللجوء لانتداب الخبراء :
تناول المشرع في الفرع التاسع من الباب الاول من الجزء الثالث من ق.م.ج المتعلق بالتحقيق الاعدادي اعمال اهل الخبرة : ( من الفصل 171 إلى الفصل 189 ) .
إن غاية قاضي التحقيق هي الوصول إلى الحقيقة باية طريقة مشروعة يراها كفيلة بتحقيق ذلك، ولعل من بين اهمها الخبرة الفنية التي ترجع فيها لذوي الاختصاص من خبراء تقنيين عموما واطباء، ذلك ان غموض أسرار بعض الوقائع التي يحقق فيها قد لا يستطيع بسبب تكوينه القانوني والاجتماعي وحده فك رموزها، لذلك كان لزاما ان يؤتى هذه الإمكانية ويستفيد منها .
وانه يجوز لقاضي التحقيق ان يامر إما تلقائيا، وإما بناء على طلب أحد الاطراف بإجراء خبرة ترمي إلى تنويره في المسائل الفنية وله ان يعين في ذلك السبيل خبيرا او عدة خبراء ، ومن الضروري بسبب ما تستلزمه الخبرة من نفقات وما تستهلكه من فترات زمنية، أن لا يامر القاضي بالخبرة إلا إذا كانت المسألة الموجبة لها مستعصية الحل عليه، وكان لا يغني عنها تدقيق الوثائق وإجراءات المقابلات .
وتجدر الإشارة إلى أن الفصول 172 و 173 و174 قد الغيت بالظهير المؤرخ في : 30 مارس 1960 الذي عدل في الوقت ذاته الفقرة الاولى من الفصل 178 والفقرة الثانية من الفصل 181 من ق.م.ج.
وليس القاضي ملزما بان يستجيب لطلب اجراء الخبرة، ولكن يتوجب عليه في حالة رفضه لها ان يعلل قراره القابل للاستئناف من طرف صاحب الطلب .

واما تعيين الخبراء المحلفين فيتم مبدئيا عن طريق انتقائهم من الجدول الذي تنظمه سنويا اللجنة المختصة التي يترأسها السيد وزير العدل، وإذا لم يكن الخبير مسجلا في الجدول، فإنه يتعين عليه ان يؤدي اليمين القانونية المنصوص عليها في الفقرة الثانية من الفصل 181 من ق.م.ج المعدل بظهير 30 مارس 1960 .
ويتعين على قاضي التحقيق في حالة تعيين احد الخبراء ، ان يحدد المهمة المكلف بها بدقة ، ومراقبة سير اعمال الخبرة وتطور مراحلها والتنقل لعين المكان، والتفتيش والحجز .

* التنقــل :
يجب التفريق بين تنقل قاضي التحقيق في حالة الجريمة المتلبس بها وبين تنقله الجاري أثناء التحقيق .
ففي الحالة الاولى : يتصرف القاضي بصفته ضابطا للشرطة القضائية بدون ان يكون قد تم فتح بحث في القضية .
اما في الحالة الثانية : فإنه يتصرف بصفته قاضيا للتحقيق .
إن لهذا الموضوع اهمية خاصة، ذلك انه طالما لم يتسلم حسب الاصول ملتمسا في الدعوى العمومية، فإنه وهو الموكول إليه إدارة العمليات ليس له من سلطات سوى تلك العائدة للنيابة العامة ولضباط الشرطة القضائية حسب الفصل 58 وما يليه .
فهو لا يملك مثلا ان يصدر امرا بالإيداع في السجن او إلقاء القبض، او ان يقوم بإجراء تفتيش في الليل كما خولته ذلك، بصفته قاضيا محققا، أحكام الفصل 103 ( الفقرة الثانية ) .
ومن جهة اخرى يتوجب على قاضي التحقيق في مختلف الحالات ان ينظم محضر تنقل، ولهذه الوثيقة أهمية حاسمة إذ يرد فيها تلقائيا بعض التصريحات الممضاة على الفور، والتي يمكن استعادة حقيقة مدلولها أثناء مراحل التحقيق فيما بعد ، ويقتضي ان تعطى صياغة تلك الوثيقة عناية دقيقة تجنبا من اخطاء قد تسبب البطلان ويجب أن تختم وتؤرخ من قاضي التحقيق وكاتب الضبط، وكذلك ممثل النيابة العامة إذا كان حاضرا طالما ان قاضي التحقيق يملك حق التنقل إلى ضمن الدائرة المجاورة لدائرته ( الفصل 101 ) فيبدو جليا بالرغم من سكوت النص أن ممثل النيابة العامة في دائرة القاضي يملك نفس الإمكانية .

* التفتيـش :
وتجدر الملاحظة أن لكلمتي : " التفتيش " و" التحري المنزلي " مدلولا واحدا .
وفيما يتعلق بالمعاملات الواجبة الاتباع، فإن الفصلين 103 و104 يميزان التفتيش الجاري في مسكن المتهم عن التفتيش الجاري لدى شخص آخر، مع الإشارة إلى ان التفتيش الليلي لم ينص عليه إلا بشأن مسكن المتهم .

ومن جهة اخرى فقد نصت الفقرة الثالثة من الفصل 104 على أنه في حالة إجراء التفتيش بأماكن يشغلها شخص ملتزم بسرية المهنة، يجب على قاضي التحقيق ان يتخذ سلفا جميع التدابير لضمان صيانة تلك السرية .

والافضل في هذه الحالة ان يتولى قاضي التحقيق بنفسه تلك المهمة او ان يعهد بها لاحد القضاة ، ولا بأس عن التذكير هنا بان التفتيش في مكتب المحامي لا يمكن إجراؤه إلا بحضور نقيب هيئة المحامين او احد اعضائها المنتدب من طرف النقيب .
والقصد من هذا القيد هو ضرورة تجنيب السلطة القضائية الاطلاع من خلال التفتيش على وثائق سرية مودعة من طرف المتهم لدى محاميه او هي مستقلة عن موضوع التحقيق الجاري .

اما بالنسبة للاطباء فللمسألة وجوه اخرى :
إذا كانت الإجراءات تستهدف الطبيب بالذات لجريمة منسوبة إليه ( إجهاض - او تسبيب قتل، او بيانات كاذبة، او احتيال ) فمن البداهة ان لا يستطيع الطبيب معارضة تفتيش منزله متذرعا بالحفاظ على سرية المهنة .
على ان للامر دقة خاصة إذا كان التفتيش جاريا لدى طبيب بمناسبة متابعة موجهة ضد احد زبنائه، ففي هذه الحالة لا شأن للقضاء بالمعلومات العائدة لزبناء آخرين .

إلا انه يصعب التسليم بإعفاء طائفة من الاشخاص المقيدين بسر المهنة من الالتزام بمفعول القانون، لذلك فإذا فرضنا انه صدف للقاضي او بصورة استثنائية لضابط الشرطة القضائية ان اطلع اثناء التفتيش على وثائق سرية مجردة عن أية صلة بالجريمة التي جرى التفتيش من اجلها فإن ذلك الاطلاع يبقى بدون اية عاقبة او نتيجة طالما أن القاضي نفسه ملتزم هو بدوره بسرية المهنة وفيما يتعلق بالتفتيش المزمع إجراؤه في مؤسسة عسكرية، لقد نص الفصل 41 من قانون القضاء العسكري على وجوب توجيه طلب بشأنه إلى السلطة العسكرية الملزمة بالموافقة عليه .

واخيرا، إذا اوجب الحال الحصول على وثائق محررة لدى دائرة رسمية كالخزينة العامة مثلا، فيقتضي توجيه طلب بهذا الخصوص إلى السلطة المختصة، ولا يمكن لقاضي التحقيق بكل حال إجراء تفتيش في تلك الدائرة إلا إذا تبين له ان ذلك ضروري ولا بد منه ولا مفر عنه وتجدر الإشارة إلى أن الإجراءات الشكلية القانونية ليست مراعاتها ضرورية إلا إذا اعترض الشخص محل التفتيش المنزلي وإلا فيجب في هذه الحالة تضمين محضر التفتيش .

عقوبات مخالفة للقانون .
علاوة على البطلان الذي يصيب إجراء التفتيش وكذا ما ولاه من إجراءات إذا قررت الغرفة الجنحية لمحكمة الاستئناف ذلك، فإن التفتيش خارج الساعات القانونية قابل في حالة التدليس ان يشكل انتهاكا للمسكن وسببا لدعوى مخاصمة القضاء .

* الحجــز :
الحجز هو كالتفتيش من جملة إجراءات التحقيق التي لا يمكن القيام بها، فيما عدا حالة التلبس، إلا من طرف قاضي التحقيق او بناء على امر منه .

ولقد عين الفصل 105 وما يليه القواعد الواجبة الإتباع بشأن الحجز وإعادة المحجوز، وتكاد تلك القواعد ان لا تستدعي تعليقا سوي التذكير بضرورة دقة مراعاتها .

والجدير بالملاحظة ان الفصل 105 يفرض على القاضي او على ضابط الشرطة القضائية المكلف من طرفه، أن يطلعا على الوثائق قبل إجراء الحجز إلا في حالتي المس بسلامة الدولة الداخلية او سلامتها الخارجية، وهذا يعني ان القاضي يستطيع في الحالة الاولى الإستعانة بأشخاص لتعداد الوثائق المكتشفة ذلك ان حالة المس بالسلامة الخارجية داخلة حصرا في اختصاص القضاء العسكري .
ونضيف اخيرا ان الاحتفاظ بمستندات الادلة هو موضوع المنشورين رقم 151 في 13 نونبر 1961 ورقم 386 في 17 يوليوز 1967 .

* إصدار الإنابات القضائية :
يعلق المشرع اهمية كبرى على ان يقوم قاضي التحقيق بنفسه بكافة اعمال التحقيق العائدة إليه، وعلى ذلك نص الفصل 87 على أنه لا يستطيع تكليف ضباط الشرطة القضائية إلا في ظرف يستحيل عليه فيه إجراء التحقيق هو بالذات، كما هو الحال عند ضرورة انصرافه لمهام المراقبة والتحري او عندما تحتاج بعض العمليات لوسائل مادية مفقودة لديه .
وتجدر الإشارة إلى أن للقاضي ملء الخيار فيمن ينتقيه من ضباط الشرطة القضائية الذين يعينهم، على أن يراعي في هذا الموضوع قاعدة الاختصاص المكاني .

لقد فرضت احكام الفصلين 166 و167 من ق.م.ج إجراءات الغاية منها صيانة حرية المواطنين، فيقضي التقيد بها بكل عناية نظرا للخطورة التي تكتنف انتقال السلطة للغير في الإنابة القضائية .

عندما يتلقى قاضي التحقيق إنابة قضائية من طرف احد زملائه، يجب ان لايقوم تلقائيا بإنابة ضابط شرطة قضائية عنه في تلك المهمة، بل عليه ان يتفحص وفق الفصل 87 ما إذا كان يتعذر عليه تنفيذها بالذات ام لا ؟
هناك نقطة استفهام حول ما إذا كان يستطيع وهومناب في تلك الحالة إصدار اوامر ام لا ؟
يبدو انه يستطيع ذلك فيما يتعلق باوامر الاستقدام والحضور، لانه ليس لهذه الاوامر سوى الصفة الفرعية لتنفيذ العمل الاصلي الموكول إليه، على انه يمتنع عليه ذلك بالنسبة لاوامر الإيداع بالسجن وإلقاء القبض التي تعود لسلطة القاضي المنيب بالذات .
إن الفقرة الأخيرة من الفصل 166 حددت إجراءات التحقيق التي يمكن الإنابة فيها .

وليس الطابع الإجمالي للتكليف الوارد في الإنابة ممنوعا، كان يرد فيها عبارة :
" إجراء كافة العمليات المقتضية والكشوفات والتحريات في أي مكان عند اللزوم، وإجراء الحجوزات، والقيام بأي عمل يفضي إلى إظهار الحقيقة ."
بل الممنوع هو التكليف بتحريات عن جرائم غير مبينة او هي أصلا غير مرتكبة .

وبعبارة اخرى لا يمكن ان يؤمر في الإنابة سوى بإجراءات التحقيق الراجعة مباشرة إلى زجر مرتكب الجريمة المشار إليها في المتابعات .
على انه يمكن الامر بإجراء التفتيش في أي محل كان، بدون أن يتضمن تحديد امكنة التفتيش .
وفيما يتعلق بضباط الشرطة القضائية فليس ما يمنع ان ينيب ضابط ضابطا آخر تابعا لسلطته من اجل التنفيذ .
هذا مع الاشارة إلى انه ليس للضباط الاستماع إلى إفـادة الطرف المدني إلا بطلـب منه: ( الفصل 167 الفقرة 2 ) من ق.م.ج .
وسوف تتاح لنا الفرصة في معرض بحث حقوق الدفاع، لنبين انه يتوجب على قاضي التحقيق إذا ما توفرت لديه ادلة جديدة ان يتهم - دون أن يستطيع - تحت طائلة البطلان، الاستماع للشخص المدني بصفة شاهد .

لهذا فإن ضابط الشرطة القضائية، عندما تجتمع لديه أثناء قيامه بالإنابة القضائية الدلائل القوية الغالبة على الظن ضد شخص غير متهم، فلا يجب عليه ان يستمع لإفادته كشاهد، بل ان يرجع بشأنه لرأي قاضي التحقيق .

في الحالة التي يتمنع فيها الشاهد عن الحضور او عن اداء اليمين او عن الادلاء بشهادته امام القاضي او امام ضابط الشرطة القضائية المناب، فإنه يمكن بناء على طلب النيابة إجباره على ذلك، والحكم عليه بالغرامة من طرف القاضي المنيب وفق احكام الفصل 121 من ق.م.ج المعدل بظهير 18/09/62 .

* وفيما يتعلق بالوضع تحت الحراسة :
فقد أخذ الفصل 169 بالقواعد الواردة في الفصل 82 من ق.م.ج
وتجنبا للإبطاء تضمن الفصل 169 من ق.م.ج إمكان قاضي التحقيق تحديد مدة لتنفيذ الإنابة القضائية .
وإذا اقتضى إتمام تنفيذها وقتا واسعا تبعا لسعة المهام الموكولة فيها، فمن مصلحة قضاة التحقيق ان ترسل إليهم محاضر التنفيذ اتباعا بحيث يطلعون عن كتب على كافة مراحل ونتائج الإنابة القضائية .
ولقد منح الفصل 170 من ق.م.ج قاضي التحقيق تسهيلات عملية للحالات التي تقتضي الإنابة القضائية فيها أعمالا مستعجلة أو واجبة الإجراء بوقت واحد في امكنة متعددة فباستطاعته عند الضرورة القصوى ان يوجه الإنابة برقيا او هاتفيا، ويحسن في الحالة الأخيرة أن يعقب المخابرة التلفونية بتثبيت خطي ضمن أقصر مدة .

* الإنابات القضائية الموجهة للخارج :
تطبق احكام الفصول 758 إلى 760 من ق.م.ج مجردة عن كل اتفاقية دولية ونذكر بهذه المناسبة ان المغرب قد وقع معاهدات للتعاون القضائي المتبادل مع كل من فرنسا وبلجيكا وليبيا والجزائر وتونس والسنغال ....
ففيما يتعلق بالإنابات الواردة من الخارج فإنها تنفذ ضمن ذات الشروط العائدة للإنابات المحليــة .
ويجدر التذكير إلى انه عندما يتعلق الامر بالإتهام، لا يجوز في كلتي الحالتين للقاضي المناب ان يباشر الاتهام بل له ان يبلغ الشخص المعني أنه موضع اتهام امام القاضي المنيب .
ولا بأس من التذكير بأنه في جميع الحالات لا يمكن ان يصدر الاتهام أو استجواب المتهم إلا من طرف قاضي التحقيق : ( انظر المنشورين رقم : 211 المؤرخ في 29 يناير 1965 ورقم 314 المؤرخ في 8 يوليوز 1966 ) .

* إجـراءات المقابــلات :
إن الغرض من المقابلة هو بيان ما اختلف فيه الشهود من اقوال قصد تقييم شهادتهم ووضعها في الميزان لتكوين قناعة القاضي في الاخذ بمايراه موافقا للادلة التي بين يديه، وبالتالي عرض هذه الاقوال على المتهم ليقرها او يطعن فيها بما يراه من طعون .
والفصل 132 من ق.م.ج في فقرته الاولى نص على انه لا يجوز استنطاق المتهم والاستماع إلى المطالب بالحق المدني أو مقابلتهما إلا بمحضر محاميهما او استدعائهما بوجه قانوني اللهم إلا إذا تنازلا بوجه صريح عن حضور المحامي " .

* الاستنطاق التفصيلــي :
يمثل المتهم اما قاضي التحقيق بواسطة أمر بالإحضار من السجن إذا كان معتقلا احتياطيا، وإما بمقتضى امر بالحضور يوجه إليه، ويتم استنطاقه بمحضر دفاعه الذي يكون قد اختاره او الذي عينه قاضي التحقيق تلقائيا في إطار المساعدة القضائية، وذلك في الحالة التي يطلب فيها من قاضي التحقيق ان يعين له محاميا ونظرا لكثرة الاشغال المنوطة بالمحامين والتزاماتهم، فقد جرت العادة أن يكاتب قاضي التحقيق السيد نقيب هيئة المحامين ليعين محاميا يقوم بالدفاع عن المتهم وفي بعض الاحيان فإن المتهم يتنازل عن حقه في الدفاع صراحة، وفي هذه الحالة، فإنه يجب تسجيل ذلك في محضر الاستنطاق .
وقد نص على ذلك الفصل 132 من ق.م.ج ب : " انه لا يجوز استنطاق المتهم، والاستماع إلى المطالب بالحق المدني، او مقابلتهما إلا بمحضر محاميهما او أستدعائهما بوجه قانوني، اللهم إلا إذا تنازلا بوجه صريح عن حضور المحامي "

وفي هذه المرحلة من التحقيق الإعدادي، فإن قاضي التحقيق يذكر المتهم من جديد بالتهمة المنسوبة إليه، والأفضل ألا يتدخل القاضي إلا بعد أن يتوقف المتهم عن الكلام، وغالبا ما ينكر المتهم اعترافاته التمهيدية، وأحيانا تصريحاته خلال الاستنطاق الابتدائي فيجب تذكيره بذلك وبعدها تطرح عليه مجموعة من الأسئلة، وتعرض عليه وسائل الاقتناع التي استعملها في ارتكاب الجريمة او التي ضبطت بحوزته إن اقتضى الحال ذلك ويجب على قاضي التحقيق ألا يصرخ في وجه المتهم، أو يهينه او ينتزع منه اعترافا تحت التهديد او يتصيده بأسئلة ليوقعه في فخ يعتمده كأساس للمتابعة، او يجبره على الإجابة على سؤال رفض الإجابة عنه او يجبره على توقيع محضر الاستنطاق مع الإشهاد بذلك في محضر، ولا يجوز للدفاع ان يتدخل في الحوار الجاري بين قاضي التحقيق والمتهم، وكل سؤال من طرف الدفاع يجب ان يلقى على المتهم بواسطة القاضي ولكي يكون الحوار مثمرا وسليما يجب أن يحتفظ الدفاع بأسئلته التوضيحية والاستفسارية إلى حين انتهاء القاضي من بحثه مع المتهم، ومن حق القاضي ان يرفض الاسئلة التي تتضمن إيحاءات للمتهم، وغيرها من الأسئلة التي يرى انه لا صلة لها بالقضية المعروضة عليه، فإذا تمسك الدفاع بها وطالب بتسجيل هذا الرفض بالمحضر ، وجب على القاضي ان يأمر كاتب الضبط بتسجيلها .

وقد نص الفصل 133 من ق.م.ج على مايلي " " لايجوز لمحامي المتهم، ولا لمحامي المطالب بالحق المدني ان يتناولا الكلام موجهين اسئلة اثناء استنطاق المتهم، والاستماع إلى كلام المطالب بالحق المدني ما لم يأذن لهما في ذلك قاضي التحقيق وإن رفض الإذن لهما في الكلام، فيجب تضمين الاسئلة في المحضر او إلحاق نصها به ."

إن الغاية من التحقيق هي تقصي الوقائع وكشف الحقيقة، وأن شخصية المتهم لتلعب دورا أساسيا في هذا الاكتشاف، لذا اوجب القانون على قاضي التحقيق ان يتعرف على حياة الشخص الماثل أمامه، ووضعه الاجتماعي والمادي ، وسلوكه بين أفراد المجتمع، وسوابقه العدلية، وله ان يقوم بهذا البحث بنفسه او ينيب عنه من يقوم به، كما ان القانون اعطى لقاضي التحقيق إمكانية التعرف على الحالة النفسية للمتهم بواسطة طبيب مختص، فإن طالب المتهم بذلك او محاميه استجاب قاضي التحقيق لذلك بعد استشارة النيابة العامة، وإلا أصدر امرا معللا بالرفض، وحبذا لو يقوم قاضي التحقيق بالتعرف على الوضع الاجتماعي والمادي والسوابق العدلية للضحية، فقد يكون المتسبب في الجريمة هو المجني عليه نفسه .

ثالثا : الإجراءات التي يتخذها قاضي التحقيق ضد شخص المتهم :
خول القانون لقاضي التحقيق إصدار اوامر تمس شخص المتهمين بدرجات متفاوتة، والهدف من إقرارها يختلف بحسب ما إذا كان اللجوء إليها هو الوصول إلى استنطاق المتهم أو وضعه رهن إشارة قاضي التحقيق ، لحاجيات يقتضيها البحث وذلك باعتقاله احتياطيا لفترة قد تمتد لحين صدور حكم نهائي في القضية .
والاوامر التي يتخذها قاضي التحقيق تتنوع إلى خمسة وهي :
1 - الامر بالحضور : ( الفصل 137 من ق.م.ج )
2 - الامر بالاستقدام : ( ف 139 من ق.م.ج )
3 - الامر بالإيداع في السجن : ( ف 145 ق.م.ج )
4 - الامر بإلقاء القبض : ( ف 147 ق.م.ج )
5 - الامر بالاعتقال الاحتياطي : ( ف 152 وما يليه من ق.م.ج )

اولا : الامر بالحضور :
لقد نص الفصل 137 من ق.م.ج على مايلي :
" الامر بالحضور يقصد منه إخطار المتهم على المثول أمام القاضي في التاريخ والساعة المبينين في نص الامر .
ويبلغ الأمر على يد عون من مكتب التبليغات والتنفيذات أو على يد أحد ضباط الشرطة القضائية، أو احد اعوان القوة العمومية الذي يسلم نسخة منه للمتهم وقت تبليغه إياه " .
الفصل 138 : " يجب على قاضي التحقيق ان يستنطق حالا المتهم الذي مثل بين يديه بعدما صدر الامر بحضوره " .
وتجدر الملاحظة أن المبلغ لهذا الأمر، لا يجوز له له قانونا إجبار المبلغ له على الرضوخ، بحيث إن هو استجاب لهذا الامر ( الاستدعاء من تلقاء نفسه، وحضر، استنطقه قاضي التحقيق حالا، وإن هو امتنع كان له حق اللجوء لإصدار امر باستقدامه عن طريق القوة العمومية .

ثانيا : الامر بالاستقدام او بالإجضار :
لقد نص الفصل : 139 من ق.م.ج على ان الامر بالاستقدام هو الامر الذي يعطيه القاضي للقوة العمومية لتسوق المتهم امامه في الحين
ويبلغ هذا الأمر على يد احد الضباط، او احد اعوان الشرطة القضائية او على يد عون من القوة العمومية الذي يقدم الامر للمتهم ويسلم له نسخة منه .

وإن كان الشخص معتقلا لسبب آخر فإن تبليغ الامر يكون بواسطة المشرف رئيس السجن، وهو الذي يسلم له نسخة منه .
ويجوز في حالة الاستعجال استعمال جميع الوسائل لإذاعة الامر بالاستقدام، ويجب في هاته الحالة ان توضع بدقة جميع التضمينات الاساسية المبينة في الاصل، وخصوصا هوية المتهم، ونوع التهمة، واسم القاضي الصادر عنه الامر، والصفة التي يتسم بها، ويوجه في اقرب وقت ممكن أصل الامر إلى العون المكلف بالسهر على تنفيذه " .

وبعد تنفيذ الامر بالاستقدام، إن طوعا وإن كرها ومثول المتهم امام قاضي التحقيق، تعين على هذا الاخير استنطاقه في الحين .
لكن قد يتعذر الاسنطاق الفوري للمتهم من قبل قاضي التحقيق المصدر للامر لأسباب شتى، وفي هذه الحالة يسمح بسوق المتهم إلى السجن، شريطة ان لايتعدى فترة اعتقاله أكثر من 24 ساعة، بحيث إذا انتهت هذه المدة دون حصول استنطاق المتهم تعين على المشرف رئيس السجن تقديمه إلى السيد الوكيل العام للملك الذي يلتمس من قاضي التحقيق مصدر الامر استنطاقه وفي حالة غيابه يلتمس من أي قاض من قضاة المحكمة مباشرة استنطاق المتهم فورا وإلا أفرج عنه حالا إذا هو تعذر انجاز الاستنطاق عملا بالمقتضيات السابقة ( الفصل 140 من ق.م.ج).
ومن خلال ماتقدم يتضح بان الامر بالاستقدام اكثر صرامة من الامر بالحضور .

ثالثا : الامر بالإيداع في السجن :
نص الفصل 145 من ق.م.ج على ان الامر بالإيداع في السجن هو الامر الذي يصدره قاضي التحقيق إلى المشرف رئيس السجن كي يتسلم المتهم ويعتقله ويسمح هذا الأمر أيضا بالبحث عن المتهم، او بنقله إذا كان قد بلغه من قبل ذلك ويبلغ قاضي التحقيق إلى المتهم هذا الامر بالإيداع في السجن ويشير إليه في محضر الاستنطاق .

كما نص الفصل 146 من ق.م.ج على انه لايمكن لقاضي التحقيق إصدار امر بإيداع المتهم في السجن إلا بعد استنطاق والتاكد من ان المخالفة لها صفة جناية او جنحة يعاقب عليها بالحرمان من الحرية .

ويقوم العون المكلف بتنفيذ الامر بالسجن بتسليم المتهم إلى المشرف رئيس السجن الذي يدفع له شهادة الاعتراف بتسليم المتهم " .
وهكذا يبدو بان هذا التدبير يصدر عمليا ضد المتهم الحاضر أمام قاضي التحقيق امتثالا للامر الموجه إليه بالحضور او الإحضار، ( ولا مانع من توقيعه، ولو كان الحضور تلقائيا )،

كما قد يصدر بقصد البحث عن المتهم لإرجاعه إلى معتقله بعد فراره منه مثلا، او لنقله من السجن الذي سبق إيداعه فيه إلى سجن آخر، حيث يبدو في الحالتين الأخيرتين بان المتهم كان خاضعا فعلا لتنفيذ امر بإيداع سابق في السجن .

رابعا : الامر بإلقـاء القبـض :
نص الفصل 147 من ق.م.ج على مايلي :
" الامر بإلقاء القبض هو الامر الصادر للقوة العمومية بالبحث عن المتهم وسوقه إلى مؤسسة السجن المبينة في الامر حيث يتسلم ويعتقل فيها .

ويصدر هذا الامر بعد استشارة وكيل الدولة إذا كان المتهم في حالة فرار، او مقيما خارج تراب المملكة، وكانت للافعال الإجرامية صفة جناية او جنحة يعاقب عليها بالحرمان من الحرية .
ويبلغ الإعلام بالأمر وينفذ طبق الكيفيات المنصوص عليها في الفقرتين الثانية والثالثة من الفصل 139 .
ويمكن في حالة الاستعجال إذاعته حسب التعليمات المضمنة في الفقرة الرابعة من نفس الفصل " .

ويظهر من التعريف الآنف الذكر أن الامر بإلقاء القبض لا يختلف من حيث المحصلة فيه عن الامر بالإيداع في السجن إذ هما يتوخيان معا حبس المتهم عن طريق وضعه رهن الاعتقال الاحتياطي ولكن وجه الخلاف بينهما يتجلى في مسألتين :

الأولى : وهي ان الامر بالإيداع في السجن يصدر على المتهم الماثل امام قاضي التحقيق في حين ان الامر بإلقاء القبض يصدر ضد المتهم الذي يكون في حالة فرار، ولكونه مقيما خارج المغرب .

والثانية : وهي ان الامر بإلقاء القبض يستوجب استنطاق المتهم من قبل قاضي التحقيق بعد إلقاء القبض عليه ليقرر بعد ذلك إيداعه في السجن وذلك بوضعه رهن الاعتقال الاحتياطي في حين ان الامر بالإيداع في السجن لا يكون إلا بعد استنطاق المتهم مما يسمح بالقول على أن تنفيذ الأمر بالإيداع في السجن هو امر باعتقال المتهم احتياطيا .

وعلى أي حال فإن الاوامر الثلاثة ما قبل الاخير إذا كان متاحا إصدارها من قبل القاضي التحقيق، وبدون أية استشارة بصددها مع الوكيل العام للملك، فإن الامر بإلقاء القبض مشروط ابتداء باستشارة الوكيل العام للملك قبل اتخاذه، وزيادة على ذلك، فالملاحظ هو ان الاوامر بإلقاء القبض لا تصدر إلا ضد المتهمين الفارين او المقيمين خارج المغرب من جهة، وان يكونوا متهمين بارتكابهم لجنايات او جنح معاقبة بعقوبات سالبة للحرية دون غيرها من العقوبات المالية بلغت ما بلغت ( الفصل 147/2 ق.م.ج ) من جهة اخرى .

خامسا : الاعتقـال الاحتياطـي :
لقد نص الفصل 152 من ق.م.ج على ما يلي :
"الاعتقال الاحتياطي هو تدبير استثنائي ، فإذا أمر بإجرائه يجب أن تراعى فيه القواعد الآتية:

الفصل 153 ( ظهير 18/09/1962 ) : إذا كانت العقوبة القصوى المقررة في القانون تقل عن سنتين حبسا فإن المتهم المستوطن بالمغرب لا يمكن في القضايا الجنحية ان يعتقل أكثر من شهر بعد استنطاق الاول امام قاضي التحقيق، هذا إذا لم يكن قد صدر الحكم عليه إما من اجل جناية وإما من اجل جنحة عادية بسجن تزيد مدته على ثلاثة أشهر مع إيقاف التنفيذ " .

الفصل 154 ( ظهير 30/12/1991 ) :
" لا يمكن أن يتعدى أمد الاعتقال الاحتياطي شهرين، وإذا ظهرت عند انصرام هذا الاجل ضرورة استرسال الاعتقال الاحتياطي، جاز لقاضي التحقيق تمديد فترة الاعتقال بمقتضى امر قضائي معلل تعليلا خاصا يصدره بناء على طلبات الوكيل العام للملك المدعمة بأسباب، ولا يمكن ان تكون التمديدات إلا في حدود خمس مرات ولنفس المدة .

إذا لم يتخذ قاضي التحقيق قرارا بإحالة المتهم إلى غرفة الجنايات أثناء هذه المدة، اطلق سراحه بقوة القانون، واستمر التحقيق ."
هذا وتجدر الإشارة إلى ان قاضي التحقيق يجوز له في جميع القضايا ان يامر تلقائيا بعد استشارة وكيل الدولة بالإفراج المؤقت، إذا كان هذا الإفراج غير مقرر بموجب القانون ويشترط ان يتعهد المتهم بحضوره في جميع إجراءات الدعوى كلما دعي لذلك، وبإخباره قاضي التحقيق بجميع تنقلاته، ومن الجائز ان يتوقف الإفراج المؤقت على وجوب الالتزام بتقديم كفالة ويسوغ لوكيل الدولة ايضا ان يلتمس في كل وقت وحين الإفراج المؤقت وعلى قاضي التحقيق ان يبت في ذلك خلال اجل خمسة أيام من تاريخ الالتماسات : ( الفصل 155 من.ق.م.ج ) كما يجوز للمتهم او لمحاميه ان يطلب الإفراج المؤقت في كل وقت وآن من قاضي التحقيق وعلى هذا الاخير توجيه الملف حالا إلى الوكيل العام للملك قصد اتخاذ قراراته ويشعر بذلك في نفس الوقت في رسالـة بريدية مضمونة الوصول المطالب بالحق المدني كي يمكنه الادلاء بملاحظاته ويجب على قاضي التحقيق ان يبت في طلب الإفراج المؤقت بموجب أمر قضائي معلل بأسباب يصدره خلال خمسة أيام على اكثر تقدير من يوم توجيه الملف إلى الوكيل العام للملك : ( الفصل 156 من ق.م.ج ) .

هذا و تجدر الإشارة إلى ان قاضي التحقيق يمكنه ان يتخذ عدة اوامر اخرى وهي الامر بإجراء تحقيق والامر بعدم إجراء تحقيق والامر بالتوسع في البحث، والامر بعدم التوسع في البحث.

الفصل الثاني : الاوامر القضائية بشأن انتهاء التحقيق والمراقبــة الــواردة عليـــه وبطـلان اجـراءات التحقيــق .

المبحث الاول : الاوامر القضائية بشان انتهاء التحقيق
إن الغاية من التحقيق الإعدادي كما سبقت الإشارة إلى ذلك، هي قيام القاضي المحقق بكل الأبحاث، واستنفاذ كل الاجراءات التي يراها مفيدة في سبيل إظهار الحقيقة ليتخذ على ضوء ذلك القرار المناسب إن لجهة الإحالة على المحكمة المختصة إذا ظهر له بان الادلة التي تجمعت لديه تسمح باتخاذ هذا القرار، او الامر بعدم المتابعة إذا ظهر له بان ما توصل إليه من خلال تحرياته وابحاثه، وعموما من تحقيقاته لايسمح بذلك .

إلا ان قاضي التحقيق عليه قبل اتخاذه لاي قرار مما سبق، إخطار النيابة العامة بانتهاء مرحلة التحقيق الإعدادي حتى تتمكن من تقديم ملتمساتها النهائية في شان التحقيق : ( المطلب الاول )، وبعدما يصدر قاضي التحقيق الاوامر التي يخولها إياه القانون ( المطلب الثاني ) وجب عليه احترام بعض الشكليات في تبليغها ( المطلب الثالث ) .

المطلب الاول : وجوب اشعار النيابة العامة بانتهاء تحقيق واطلاعها على الملف .
ينص الفصل 195 من ق م ج على مايلي :
" بمجرد مايعتبر قاضي التحقيق ان البحث قد انتهى ،يوجه الملف الى وكيل الدولة (الوكيل العام للملك حاليا ) بعدما يقوم بترقيم أوراقه كاتب الضبط، ويجب على وكيل الدولة ان يوجه إلى القاضي التماساته خلال ثمانية ايام على الاكثر " .

فهذا النص يعالج شكل العلاقة التي ينبغي ان تكون بين مؤسسة النيابة العامة وقاضي التحقيق من حيث تمكين هذا الاخير للوكيل العام للملك من إبداء وجهة نظره خلال أجل محدد قبل إصداره لقراره إما بالإحالة على المحكمة المختصة او بعدم المتابعة، وذلك بوضع الملف كاملا رهن إشارته لدراسته دراسة معمقة والتي في ضوئها يمكن للوكيل العام للملك إما ان يلجأ إلى التماسات إضافية يطلب بواسطتها من قاضي التحقيق القيام بأبحاث يرى جدواها في سبيل إظهار الحقيقة وذات أثر عموما على مسيرة البحث اما إن وجدت النيابة العامة بان التحقيق قد استوفى أغراضه، وبأن لافائدة من الاستمرار فيه، فإنها توجه الملف لقاضي التحقيق مع ملتمسها النهائي في خصوص القضية والذي يلخص وجهة نظرها بدورها في مسألة إحالة القضية على المحكمة او عدم المتابعة، والتي من الممكن أن تاتي مطابقة لما انتهى إليه قاض التحقيق في صددها او مخالفة له .

والملاحظ ان قاضي التحقيق ملزم قانونا باحترام الشكليات المنصوص عليها في الفصل : 195 من ق.م.ج بإطلاع النيابة العامة على انتهاء التحقيق قبل إصداره لامره وذلك تحت طائلة البطلان اما وجهة النظر التي تبديها النيابة العامة في خصوص الإحالة على المحكمة او عدم المتابعة، فهي لا تلزم قاضي التحقيق الذي يصدر اوامره عقب انتهاء التحقيق وفقا للقناعة التي كونها من خلال البحث الذي اجـراه، والإجراءات التي استنفـذها من دون فـرض رأي أي طرف كان - وخصوصا النيابة العامة - عليه .

المطلب الثاني : انواع الاوامر التي يصدرها قاضي التحقيق بمناسبة انتهاء التحقيق

إن الفائدة المرجوة من التحقيق الإعدادي الذي يكلف به قاضي التحقيق هي تقدير مدى إمكانية إسناد تهمة من التهم إلى المتابع بها من عدمه، وذلك من خلال تمحيصه لمختلف الأدلة المقدمة ضده أو التي وقع التوصل إليها عند القيام بإجراءات التحقيق الإعدادي .
وطبيعي أن قاضي التحقيق لابد له أن يصل، بعد تقديره للأدلة المتوفرة في النازلة وتمحيصها، إما إلى ترجيح جانب إدانة المتهم ومؤاخذته حيث يصدر، والحالة هذه امرا بإحالة المتهم على المحكمة المختصة لتقول كلمتها في القضية، وإما ان يظهر لديه بان لا جدوى من إحالة المتهم على المحكمة، فيصدر امرا بعدم متابعته .

أولا - الأمر بإحالة المتهم على المحكمة المختصة :
بعد إنجاز قاضي التحقيق لمسطرة إطلاع النيابة العامة على انتهاء التحقيق، وتلقي ملتمساتها النهائية بشأنه، قد يظهر له بان هنالك دلائل يحتمل معها إدانة المتهم، فإنه يصدر امره باحالة القضية على المحكمة المختصة : ( إذا كانت الأفعال تشكل جناية او جناية مرتبطة بجنحة، فإن قاضي التحقيق يحيل القضية بأمر على غرفة الجنايات بمحكمة الاستئناف التابع لها طبقا لمقتضيات الفقرة الخامسة من الفصل 7 من ظهير الاجراءات الانتقالية وكذا الفصل 13 من نفس الظهير .

إذا كانت الافعال تشكل جنحة فإنه يامر بإحالة القضية على المحكمة الابتدائية المختصة (ف 8 من ظهير الاجراءات الانتقالية ) أو محكمة الجماعة او المقاطعة إذا كان الامر يتعلق بمخالفة تدخل في اختصاصها، وإما على الغرفة الجنحية بمحكمة الاستئناف في حدود ما تختص في نظره من جرائم طبقا لقواعد الامتياز القضائي عملا بمقتضيات الفصل 268 و269 من ق.م.ج، والفقرة 6 من الفصل 7 من ظهير الإجراءات الانتقالية ويبقى للمحكمة التي تجري التحقيق النهائي في القضية الكلمة الفصل في تأكيد التهمة وإصدار حكم بالإدانة، او اعتبار المتهم بريئا لعدم اقتناعها بالأدلة المعروضة عليها .

وليس في تقرير هذه النتيجة أي مساس بمصداقية قرار قاضي التحقيق الذي احال على المحكمة نازلة يرى الأدلة فيها كافية تغلب معها الإدانة، مادام مسلما به ان الفصل في موضوع الدعوى العمومية بالإدانة أو البراءة لايرجع إلى قاضي التحقيق ، وإنما هو من صلاحيات قضاء الحكم الذي تحكم أعماله مسطرة تتميز بالعلنية والحضورية والشفوية خلاف المسطرة السائدة في التحقيق التي يسيطر عليها التدوين والسرية وعدم الحضورية مما يستتبع بان الحقيقة قد لا تظهر عند إنجاز التحقيق الإعدادي بنفس الوضوح الذي تتبدى به عند التحقيق النهائي .

ثانيا - الأمر بعدم المتابعة :
لقد نص الفصل 196 من ق.م.ج على مايلي :
" إن رأى قاضي التحقيق ان الافعال ليست لها صفة جناية أو جنحة او مخالفة، او انه ليست هناك دلائل كافية ضد المتهم أو أن المجرم ظل مجهولا، فيصدر أمرا بعدم المتابعة، ويفرج عن المتهمين المعتقلين احتياطيا، وفي نفس الوقت يبت في شان رد الاشياء المحجوزة إلى أربابها ثم يصفي حساب المصاريف، ويحكم بها على المطالب بالحق المدني إن كان هناك مطالب، غير أن المطالب بالحق المدني عن حسن نية، يمكن إعفاؤه من المصاريف كلها او بعضها بمقتضى مقرر خصوصي معلل بأسباب ."

وهكذا فإن الامر بعدم المتابعة : ( الكلي او الجزئي ف 201 من ق.م.ج ) هو عبارة عن قرار بواسطته يقرر انعدام الفائدة من عرض النازلة على المحكمة اعتمادا على توافر احد الأسباب التي يمكن تقسيمها إلى طائفتين : الاولى منها تنعت بكونها أسباب قانونية : ( كان تكون الافعال رغم إسنادها إلى المتهم إلا انها لاتشكل لا جناية ولا جنحة ولا مخالفة ) او انعدام الركن القانوني لجريمة كاستفادة المتابع مثلا من أسباب تبرير الجريمة او من أسباب مانعة من تحريك الدعوى العمومية كتحقق واقعة التقادم عن الأفعال المتابع فيها او صدور عفو شامل بسببها، او إلغاء القانون الجنائي الذي كان يحكمها او موت المتهم بارتكابها، او عدم وجود نص صريح في القانون يعاقب عن محاولة جنحة من الجنح إلخ . . .

اما الثانية فإنها تشكل أسبابا واقعية : أي لاتؤسس على القانون مباشرة، وإنما على الواقع فقط، ويدخل في زمرتها عدم كفاية الادلة في النازلة والتي بمقتضاها ترجح إمكانية التبرئة على الإدانة كما تدخل تحت لوائها حالة بقاء فاعل الجريمة - رغم حصولها - مجهولا .
وتجدر الملاحظة إلى أن الاوامر الصادرة عن قاضي التحقيق بعدم المتابعة ، ولو أنها قابلة للاستئناف دوما أمام الغرفة الجنحية من قبل النيابة العامة، والمطالب بالحق المدني، فإن تلك المؤسسة منها على أسباب قانونية، فلا تسمح بإعادة التحقيق فيها من جديد خلافا للاوامر المبنية على أسباب واقعية التي لا تمنع من العودة إلى فتح التحقيق مرة اخرى عملا بمقتضيات الفصل 210 من ق.م.ج كلما ظهرت ادلة جديدة تسمح بذلك شريطة ان لا يكون قد ادلي بها أمام قاضي التحقيق من قبل .

المطلب الثالث : تبليغ أوامر قاضي التحقيق .
جاء في الفصل 202 من ق.م.ج ما يأتي :
" إن الاوامر التي تصدرها الهيئات القضائية تبلغ في الاربع والعشرين ساعة إلى كل من محامي المتهم و المطالب بالحق المدني بواسطة رسالة بريدية مضمونة الوصول .

ويحاط المتهم علما ضمن نفس الكيفيات والآجال بالأوامر القضائية الصادرة بانهاء البحث، كما يحاط المطالب بالحق المدني علما بالاوامر القضائية الصادرة بإحالة القضية او بإرسال الاوراق إلى النيابة العامة، وإن كان المتهم معتقلا فيخبره بذلك المشرف رئيس السجن .
( ظهير 18/09/1962 ) : أما الأوامر القضائية المنصوص عليها في الفصول 95 و154 و156 و171 و188 و206 و207 والتي يمكن للمتهم او المطالب بالحق المدني ان يستأنفها عملا بالفصلين 206 و207 فإنها تبلغ إليهما بطلب من وكيل الدولة : ( الوكيل العام للملك في ظرف الاربع والعشرين ياعة الموالية لصدورها .

ويحيط كاتب الضبط وكيل الدولة ( الوكيل العام للملك ) بكل أمر قضائي مخالف لملتمساته في يوم صدوره " .
وكما هو واضح من النص اعلاه فان التبليغ كشكلية مسطرية يهم جميع الاوامر التي يصدرها قاضي التحقيق باعتباره هيئة قضائية مكلفة بالتحقيق في كل أطوار مراحل التحقيق الإعدادي التي كلف بها ، بحيث تنسحب، والحالة هذه إلى الاوامر المنهية للتحقيق وغيرها من الاوامر التي قد تمهد لذلك، والتي على قاضي التحقيق إحاطة النيابة العامة، والمتهم، ومحاميه، والمطالب بالحق المدني، علما بصدورها من قبله في اجل معلوم ومحدد .

وبهذا الصدد يلاحظ بان المشرع في الفقرة الأخيرة من النص يحلل قاضي التحقيق من وجوب تبليغ - عن طريق كاتب الضبط - النيابة العامة بالاوامر المطابقة لملمتساتها، في حين أن المصلحة تقتضي ان يحاط علما بكل الاوامر التي يصدرها قاضي التحقيق حتى ما جاء منها موافقا لرغباتها باعتبارها طرفا ليس ككل الاطراف في الخصومة الجنائية يمكنها أن تغير رأيها في كل حين، وتلجأ إلى استئناف كل امر يصدره قاضي التحقيق، إن رأت النيابة العامة بان هذا الطريق يحقق مصلحة العدالة وهو ما لا يكون ممكنا إن هي لم تبلغ بسبب ان الامر قد ورد موافقا لطلبها والفصل 202 من ق.م.ج لا يلزم قاضي التحقيق بتبليغه إليها .

لذلك نجد قانون المسطرة الجنائية الجديد ينبد ما قررته الفقرة الأخيرة من الفصل (202 ق.م.ج ) ويقرر في الفصل 220 من قانون المسطرة الجنائية الجديد وجوب تبليغ النيابة العامة بكل امر قضائي يصدره قاضي التحقيق في نفس يوم صدوره سواء صدر موافقا لملتمساتها أم مخالفا لها .

المبحث الثاني : مراقبة التحقيق الإعدادي
التحقيق الإعدادي مرحلة قضائية - عكس البحث التمهيدي - لها اهمية قصوى على مسيرة القضية الجنائية لا تخفى، ومن الطبيعي ان يوجد المشرع من جهة، هيئة قضائية ينيط بها مهمة مراقبة عمليات التحقيق الإعدادي من بدايته لنهايته، وهذه الجهة هي الغرفة الجنحية بمحكمة الاستئناف ومن جهة أخرى ان يقرر الطرق القانونية التي يرى أنها كفيلة بتحقيق هذه المراقبة بكيفية مرضية .

اولا : الغرفة الجنحية بمحكمة الاستئناف المكلفة بمراقبة التحقيق الإعدادي .
لقد نص الفصل 10 من ظهير الاجراءات الانتقالية على ما يلي : " تحدث في مقار محاكم الاستئناف غرفة جنحية تتألف من رئيس ومستشارين .
تنظر هذه الغرفة تطبيقا للظهير المشار إليه في الفصل الاول في الاستئنافات المرفوعة ضد الاحكام الصادرة عن المحاكم الابتدائية في الجنح والمخالفات ، يعهد إليها ايضا بالاختصاصات المخولة سابقا لغرفة الاتهام بمقتضى الظهير المشار إليه مالم تكن منافية لمقتضيات هذا الظهير بمثابة قانون " .
وتجدر الإشارة إلى ان نصوص المسطرة ( الفصول 240 إلى 243 ق.م.ج ) تنيط سلطات خاصة برئيس غرفة الاتهام في مراقبة التحقيق الإعدادي لم يتعرض لها بالذكر ظهير الاجراءات الانتقالية لسنة 1974 .

ويهمنا من هذه الاختصاصات ما يدخل في نطاق التحقيق الإعدادي، ويتعلق الامر بالصلاحيات الآتية :
- مراقبة إجراءات التحقيق الاعدادي عن طريق تقرير بطلانها والتي تتخذها إما بناء على الفصل 171 من ق.م.ج او الفصل 227 من ق.م.ج .
- البت في الاستئنافات المرفوعة ضد اوامر قاضي التحقيق طبقا للفصل 7 من ظهير الإجراءات الانتقالية لسنة 1974 .
- إصدار القرارات بإعادة التحقيق بناء على ظهور أدلة جديدة شريطة ان تكون هي التي أصدرت القرار بعدم المتابعة ( الفصل 218 ق.م.ج ) .
- البت في استئناف النيابة العامة او المتهم لقرارات قاضي التحقيق العسكري في مجال السراح المؤقت ( الفصل 68 ق.ع.ع ) .
- البت في الطلبات المتعلقة بتنازع الاختصاص في كل حالة ينيطها المشرع بغرفة الاتهام عملا بالفصل 264 من ق.م.ج

ثانيا - الطرق القانونية المتاحة لمراقبة عمليات التحقيق الإعدادي :
- استئناف اوامر قاضي التحقيق :
إن استئناف اوامر قاضي التحقيق امام الغرفة الجنحية لمحكمة الاستئناف تملكه الاطراف الآتية :
- النيابة العامة .
- المتهم .
- المطالب بالحق المدني .

النيابة العامة
- نطـاق الاوامـر المخولـة للنيابـة العامـة استئنافهـا :
بإلقاء نظرة على الفصلين : 204 و205 من ق.م.ج يلاحظ ان المشرع قد خول النيابة العامة بكيفية مطلقة حق استئناف كل امر يصدره قاضي التحقيق حتى ذلك الذي يكون صدر موافقا لملتمساتها، غير انه في الواقع العملي، فإن النيابة العامة قلما تلتجئ إلى الطعن بالاستئناف في الاوامر الموافقة لملتمساتها .
ويلاحظ ان الفصل 176 من ق.م.ج يمنع استئناف الامر الصادر من قاضي التحقيق بإجراء الخبرة ، وهذا المنع يسري على الجميع بمن فيهم النيابة العامة .

وهو موقف مقبول من المشرع على اعتبار ان اللجوء إلى الاستعانة بالخبرة لإظهار الحقيقة لا ينبغي ان تفرض بصدده أية رقابة قضائية على قاضي التحقيق وإلا شلت كل مبادرة منه ترمي إلى تكوين قناعته في القضية التي يحقق فيها .
غير ان الامر برفض طلب إجراء الخبرة من طرف قاضي التحقيق فهو قابل للطعن فيه بالاستئناف .

* المتهـم :
أجاز القانون للمتهم استئناف الاوامر الصادرة عن قاضي التحقيق الضارة بمصالحه، وهذه الاوامر وقع تحديدها حصرا في الفقرتين الاولى والثانية من الفصل : 206 من ق.م.ج ويتعلق الامر بحسب الترتيب بالاوامر التالية :
1- الامر بقبول المتضرر طرفا مدنيا رغم معارضة المتهم في ذلك ( الفصل 206 فقرة 1 الذي يحيل على الفصل 95 من ق.م.ج .
2- الاوامر القاضية بتجديد فترة الاعتقال الاحتياطي ( الفصل 206 فقرة 1 الذي يحيل على الفصل 114 من ق.م.ج )
3- الاوامر برفض طلبات الإفراج المؤقت التي تكون قد قدمت لقاضي التحقيق : (الفصل 206 ويحيل على الفصل 156 من ق.م.ج ) .
4- الاوامر التي يرفض بمقتضاتها طلبات إجراء خبرة فنية ( الفصل 206 فقرة 1 الذي يحيل على الفصل 171 من ق.م.ج ) .
5- الاوامر الرافضة لإجراء خبرة تكميلية او خبرة مضادة ( الفصل 206 فقرة 1 الذي يحيل على الفصل 188 ق.م.ج .
6 - الاوامر الصادرة عن قاضي التحقيق والمتعلقة بالاختصاص : ( الفصل 206 فقرة 2 ق.م.ج )

* المطالب بالحق المدني :
يجوز للمطالب بالحق المدني ان يطعن بالاستئناف في أوامر قاضي التحقيق الآتية :
1 - الاوامر القضائية بعدم إجراء تحقيق بعد تقديم الشكاية المباشرة المرفوقة بالإدعاء المدني إليه : ( الفصل 207/1 ق.م.ج ) .
2 - الاوامر بعدم المتابعة ( الفصل 207/1 ق.م.ج )
3 - الاوامر التي يبت فيها قاضي التحقيق في شان اختصاصه إما تلقائيا وإما بناء على دفع احد المترافعين بعدم اختصاصه الفصل 207/1 ق.م.ج ) .
4 - الاوامر القضائية الضارة بمصالح المطالب بالحق المدني .

المبحث الثالث : بطلان إجراءات التحقيق الإعدادي :
إلى جانب الحق في استئناف الاوامر التي يصدرها قاضي التحقيق الذي خوله المشرع للاطراف من اجل الدفاع عن حقوقهم، فإنه اوجد مسطرة اخرى لا تقل اهمية عن الاولىالهدف منها تعزيز مراقبة شرعية الاوامر التي يتخذها قاضي التحقيق بمناسبة إجراءات التحقيق الإعدادي وتقوم على فسح الطريق لتقرير بطلان كل إجراء وقع خلافا للضمانات العديدة التي حصن بها القانون حقوق الاطراف - خصوصا في الدفاع خلال عملية التحقيق الإعدادي والغاية من كل ذلك هي تطهير المسطرة من كل تجاوز او إهمال او خرق او تعسف ...
ولا شك ان بطلان إجراءات التحقيق الإعدادي كجزاء على عدم احترام نصوص المسطرة الجنائية - والتي هي من النظام كما اشرنا لذلك - يشكل ضمانة ذات فعالية - قصوى في فرض تطبيق نصوص القانون بكيفية سليمة، واحترام حقوق الافراد في الدفاع بكيفية جدية أثناء عملية التحقيق الإعدادي، كما لا يشك احد في مدى ما تضفيه من مصداقية على مؤسسة التحقيق الإعدادي برمتها .
وبعد هذا التمهيد يتعين التعرض لأربع نقط على التوالي كما يأتي :

1 - حالات البطلان :
من خلال إلقاء نظرة عامة على النصوص الإجرائية التي لها علاقة بالموضوع يتضح بان حالات البطلان تصنف إلى نوعين :
النوع الاول : وهو الذي يحتوي أسباب للبطلان منصوصا عليها بكيفية محددة في الفصل 190 من ق.م.ج الذي جاء فيه " يجب مراعاة المقتضيات المقررة في الفصول 127 و128 و132 ويترتب على مخالفتها بطلان الإجراء نفسه، وكذا الإجراءات التي تأتي بعدها " .
والملاحظ أن أسباب البطلان التي اتى بها النص السابق والتي تنعت ب " حالات البطلان القانوني " او " أسباب البطلان القانوني " محددة على سبيل الحصر في النص، وتعود بالأساس إلى عدم احترام الضمانات التي قررها المشرع للمتهم او المطالب بالحق المدني خلال سير عملية التحقيق الإعدادي في الفصول 127 ( كعدم إحاطة قاضي التحقيق بوجه صريح علم المتهم بالأفعال المنسوبة إليه، او عدم إشعاره بان من حقه عدم الإدلاء بأي تصريح في المقابلة الاولى، وبعدم النص على هذا الإشعار في المحضر ) و128 ( لجوء قاضي التحقيق إلى الاستنطاق الفوري للمتهم، وعدم ذكر موجبات ذلك الاستعجال في المحضر ...) و132 ( استنطاق المتهم او الاستماع إلى المطالب بالحق المدني او مقابلتهما في غير حضور محاميهما او استدعائهما لذلك، بوجه قانوني، وخلو المحضر من تنازلهما الصريح عن ذلك ...)
والخلاصة أن احترام المقتضيات الواردة في الفصول 127 و128 و132 من طرف قاضي التحقيق واجبة تحت طائلة بطلان كل إجراء - وذلك الذي يليه - يتخذ خلافا لها .

النوع الثاني : ويضم أسباب البطلان غير المحددة بكيفية حصرية من قبل المشرع، وقد تعرض لهذا النوع الفصل 192 من ق.م.ج بالقول : " يترتب البطلان أيضا عن خرق المقتضيات الجوهرية الاخرى المقررة في هذا الجزء غير المقتضيات المنصوص عليها في الفصول 127 و128 و132 إذا ترتب عن خرقها المس بما لكل فريق في القضية من حق الدفاع " .

فهذا النوع من حالات البطلان كما يبدو يضم أسبابا، وإن كان القانون هو الذي يؤطرها فعلا ( الفصل 192 من ق.م.ج ) ، إلا ان القضاء هو الذي يعطيها الحركية ( ولذلك يسميها بعض الفقه أسباب البطلان القضائي ) بسبب انه هو الذي يتعرض لتطبيقاته المختلفة - غير المحددة بالنص - فيقرر بان إجراء ما جوهري وماس بحقوق الدفاع او العكس بان إجراء ما، وإن كان جوهريا، فإنه لايمس بحقوق الدفاع، ويعطي الفقه امثلة لاسباب البطلان المؤسسة على الفصل 192 من ق.م.ج بعدم احترام قاضي التحقيق لاختصاصه المكاني او عدم استنطاقه للمتهم اصلا خلال التحقيق الإعدادي او اتصاله بالتحقيق الإعدادي بملتمس بإجرائه غيرموقع عليه من قبل الوكيل العام للملك او من يمثله، او إصداره لإنابة قضائية عامة يكلف بها غيره - من قضاة او ضباط للشرطة القضائية - بإنجاز عمليات التحقيق برمتها .

2 - من يطلب البطلان ؟
يمكن القول بأن طلب تقرير بطلان إجراء من إجراءات التحقيق يمكن ان يصدر عن قاضي التحقيق أو النيابة العامة، وهكذا فقد خول القانون ( الفصل 191 فقرة 1 من ق.م.ج لقاضي التحقيق عندما يلاحظ ان إجراء من إجراءات التحقيق باطل ان يرفع امره إلى الغرفة الجنحية بقصد إلغائه، وذلك بعد استشارته للوكيل العام للملك وإعلامه كل من المتهم والمطالب بالحق المدني بذلك، وهكذا يظهر بان قاضي التحقيق لا يملك صلاحية إلغاء أي إجراء من الإجراءات التي يكون قد اتخذها ولو تاكد له فيما بعد بطلانها، وإنما الغرفة الجنحية هي التي تملك ذلك، ولكن ومع ما سبق يجب التنبيه إلى ان قاضي التحقيق قد لايلجأ إلى مسطرة طلب إعلان البطلان من الغرفة الجنحية وسواء اكتشف سبب البطلان بنفسه ام نبهه إليه المتهم او المطالب بالحق المدني إذا تنازل عنه من هو مقرر لمصلحته، شريطة ان يكون هذا التنازل صريحا وبحضور محاميه او بعد استدعائه قانونا ( الفصل 190 فقرة 2 ق.م.ج ) حيث تتطهر المسطرة حينئذ من عيب البطلان، وكما ان الفقرة الثانية من الفصل 191 ق.م.ج خولت - خلافا لباقي اطراف الدعوى - للوكيل العام للملك إذا ظهر له ان إجراء من إجراءات التحقيق باطل ان يطلب من قاضي التحقيق ملف الدعوى ليرسله إلى الغرفة الجنحية ( التي حلت محل غرفة الاتهام ) مرفوقا بمطلب يلتمس فيه منها إعلان بطلان الإجراء الذي انجز بكيفية معيبة .

3 - من يقرر البطلان ؟
إن الجهات التي تقرر بطلان إجراء التحقيق الإعدادي هي : الغرفة الجنحية بمحكمة الاستئناف، ومحكمة الحكم .
* الغرفة الجنحية بمحكمة الاستئناف التي حلت محل غرفة الاتهام السابقة عملا بمقتضيات الفصل 10 من ظهير الإجراءات الانتقالية لسنة 1974، وعليه فهذه الغرفة هي التي تعلن بطلان إجراءات التحقيق الإعدادي إما تلقائيا عملا بالفصل 227 من ق.م.ج الذي اناط بها السهر على صحة إجراءات عمليات التحقيق الإعدادي، وخولها تلقائيا حق تقرير بطلان كل إجراء من الإجرءات التي تراه معيبا، واما بناء على الفصل 191 من ق.م.ج الذي مكن كلا من قاضي التحقيق او الوكيل العام للملك كلما ظهر لهما بان إجراء من إجراءات التحقيق الإعدادي باطل برفعه إلى الغرفة الجنحية مشفوعا بالتماس بطلب إعلان بطلانه .

* محكمة الحكم : قاضي التحقيق، كما هو معلوم، عندما ينتهي من البحث قد يصدر اوامره بإحالة القضية على محكمة الحكم التي تكون إما الغرفة الجنائية وإما المحكمة الابتدائية ( اذا انتهى إلى ان الوقائع المحقق فيها تشكل جنحة او مخالفة من اختصاص المحكمة الابتدائية ) وإما محكمة المقاطعة او الجماعة إذا كانت المخالفة من اختصاص هذه الأخيرة ).

ولكن ما الحكم فيما لو ان المحكمة المحالة عليها القضية اكتشفت بان عيبا يشوب إجراءات التحقيق هل يجوز لها إعلان بطلان الإجراء المعيب ام لا ؟
يجيبنا على هذا التساؤل جزئيا الفصل 194 من ق.م.ج الذي ينص : " إذا كان الامر يتعلق بالنظر في جنح او مخالفات جاز للمحاكم المرفوعة إليها النازلة ان تصدر بعد الاستماع الى قول النيابة العامة والمترافعين حكما بإبطال الوثائق غير الصحيحة وان تقرر ما إذا كان يجب امتداد البطلان إلى الاجراءات الموالية لها كلا أو بعضا .
وإذا اقتصرت المحكمة على إلغاء بعض الوثائق فقط، فيجب أن تحذفها فعل
ا من اوراق المرافعات .
وإذا أدى بطلان الاجراء إلى بطلان الاجراءات التي تعقبه فتامر المحكمة بإجراء تحقيق إضافي ان امكن تدارك البطلان، او تكلف النيابة العامة عند الاقتضاء ان تلتمس الاجراءات التي ترتئيها، وعلاوة على ذلك فإن المحكمة تبت عند الاقتضاء في شان إبقاء المتهم معتقلا ام لا وللمترافعين ان يتنازلوا عن احتجاجهم ببطلان الإجراءات المقررة لصالحهم وحده .
ويجب ان يكون ذلك التنازل صريحا .

4 - آثار البطلان :
إن آثار البطلان في القانون المغربي تختلف بحسب فرضين :
* الفرض الاول :
وفيه يقع الإخلال بالمقتضيات المقررة في الفصول 127 و128 و132 وهي إجراءات أساسية تعرض النص لاثرها وحدده في بطلان الإجراء المعيب وكذا الإجراءات التي تليه وتأتي بعده ( الفصل 190 ق.م.ج ) .

* الفرض الثاني :
وفيه يقع الإخلال بإجراءات جوهرية من غير ما سبق والتي يترتب عن خرقها المساس بحقوق الدفاع وفي هذه الحالة خول المشرع للغرفة الجنحية ( الفصل 192 ق.م.ج )، او محكمة الحكم ( الفصل 194 م.ق.ج ) تقرير ما إذا كان البطلان يقتصر على الإجراء المقصود لذاته وحده او يشمل كل او بعض الإجراءات الموالية له .
وفي الحالتين معا تسحب من ملف التحقيق وثائق الاجراءات التي أبطلت وتودع مرتبة في كتابة الضبط لمحكمة الاستئناف، ويمنع الرجوع إلى ما فيها قصد توجيه اتهامات إلى المترافعين اثناء المرافعة وإلا فتتخذ عقوبات تاديبية في حق القضاة ويتابع المحامون أمام هيئتهم التأديبية ( الفصل 193 ق.م. ج ) .

الباب الثاني :
مستجدات قانون المسطرة الجنائية المتعلقة بالتحقيق الإعدادي

ورد في ديباجة القانون رقم 01/22 المتعلق بالمسطرة الجنائية انه اصبح الاقتناع راسخا بتغيير قانون المسطرة الجنائية الصادر بتاريخ : 10 فبراير 1959 منذ بداية السبعينات من القرن الماضي، وقد تدخل المشرع بمقتضى الظهير الشريف المتعلق بالإجراءات الانتقالية الصادر في 28 شتنبر 1974 ليدخل تعديلات مهمة على ذلك القانون وكرس في فصله الاول قناعته بتغيير قانون 1959 معتبرا ما تضمنه قانون الإجراءات الانتقالية مجرد تغييرات مرحلية يعمل بها إلى حين دخول " القانون الجديد للمسطرة الجنائية في حيز التطبيق "
وقد كشفت الممارسة اليومية عن وجود عدة ثغرات ومشاكل مرتبطة بالنصوص القانونية او بالواقع الاجتماعي ينبغي التصدي لها، و تقديم حلول واجوبة لما تطرحه من إشكاليات .

كما ان مصادقة المملكة المغربية على جملة من المواثيق والاتفاقيات الدولية، اصبحت تفرض تدخل المشرع من اجل ملاءمة قانونه مع التوجه العالمي، ويضاف إلى ذلك الطفرة الكبرى التي عرفها مجال حقوق الإنسان ببلادنا، والحرص على صيانة هذه الحقوق، وحماية الحريات الفردية والجماعية، وبناء دولة الحق والقانون .

وقد وجدت أسباب اخرى دعت إلى تعديل قانون المسطرة الجنائية والتعجيل بإخراجه على حيز التطبيق من بينها :
ان نظام العدالة الجنائية لم يعد مبعث ارتياح لدى مختلف الفعاليات المهتمة على كافة الاصعدة ، واصبح محل انتقاد من المهتمين والمتتبعين نتيجة بطء الاجراءات وعدم فعاليتها بسبب عدم جدوى الاساليب الإجرائية المقررة او عدم كفايتها، او لكون الأجال المسطرية طويلة او غير محددة بالمرة .
تصاعـد ظاهرة الجريمة، وظهور انواع جديدة من الجرائم مرتبط بالتقدم العلمي والتكنولوجي وبالظروف الاجتماعية والاقتصادية أبان عن قصور المسطرة الجنائية الحالية في مكافحتها .

تضخم عدد القضايا المعروضة على العدالة الجنائية بشكل بات معه البت في قدر هائل منها بواسطة تشكيلات القضاء الجماعي يؤدي إلى زيادة تراكمها رغم بساطة بعضها ، وعلى العموم فقد كان هاجس توفير ظروف المحاكمة العادلة وفقا للنمط المتعارف عليه عالميا واحترام حقوق الافراد وصون حرياتهم من جهة، والحفاظ على المصلحة العامة والنظام العام من جهة اخرى، عناصر اساسية شكلت نقطة مركزية أثناء إعادة النظر في قانون المسطرة الجنائية الصادر سنة 1959 والظهير الشريف المتعلق بالإجراءات الانتقالية الصادر سنة 1974 لجعلهما يواكبان ترسيخ بناء دولة الحق والقانون مع تلافي السلبيات التي افرزتها تجربة الاربعين سنة الأخيرة من الممارسة باستحضار تعاليم الدين الإسلامي الحنيف وقيم المجتمع المغربي مع الحفاظ على الأسس المستقرة في الثرات القضائي ودعم المكتسبات التي حققها التشريع الوطني في مجال حقوق الإنسان بمقتضى التعديلات التي ادخلت على قانون المسطرة الجنائية خلال التسعينات سواء فيما يتعلق بمدة الحراسة النظرية او توفير حق الدفاع للمتهمين أو إشعار عائلات المعتقلين بوضعهم تحت الحراسة النظرية، او حقهم في ان يعرضوا على طبيب لمعاينتهم بطلب منهم او إذا عاين القاضي ما يبرر ذلك ودعم المكتسبات على نحو يتماشى مع المفهوم الكوني لحقوق الإنسان في الوقت الراهن .
بالإضافة على ذلك، فقد كان من الضروري تبني المعايير الدولية للمحاكمة العادلة تشريعا"

وما يهمنا في هذا العرض، هو المستجدات القانونية التي اتى بها قانون المسطرة الجنائية الجديد في قضاء التحقيق حيث جاء هذا القانون بمقتضيات تخول للنيابة العامة وقاضي التحقيق وسائل جديدة للبحث عن ادلة لإثبات الجرائم وضبط مرتكبيها من اجل محاكمتهم من بينها :
أ - سحب جواز السفر وإغلاق الحدود :
بمقتضى المادة 182 من ق.م.ج الجديد فإنه إذا ظل المتهم في حالة سراح او إذا أفرج عنه إفراجا مؤقتا أو غبر مقرون بالوضع تحت المراقبة القضائية، فإن هيئة التحقيق او الحكم التي اتخذت القرار تبقى وحدها مختصة في تقرير إغلاق الحدود في حقه وسحب جواز السفر كما يجوز لهيئة التحقيق وهيئة الحكم إذا رأت ذلك ضروريا ان تعين له محل إقامة يحظر عليه الابتعاد عنه دون رخصة قبل اتخاذ امر بعدم المتابعة او صدور قرار اكتسب قوة الشيء المقضي به "

ب - التقاط المكالمات والاتصالات المنجزة بواسطة الاتصال عن بعد وتسجيلها وحجزها: ( المادة 108 من ق.م.ج الجديد ) .
ان هذه الإمكانية مخولة لقاضي التحقيق كلما اقتضتها ضرورة التحقيق ويمكن كذلك للوكيل العام إذا اقتضت ذلك ضرورة البحث ان يلتمس من الرئيس الاول لمحكمة الاستئناف الإذن له كتابة بالتقاط المكالمات وكافة الاتصال المرسلة بواسطة وسائل الاتصال المختلفة وتسجيلها ويتم ذلك تحت سلطته ومراقبته .

ونظرا لخطورة الإجراء فإن القانون اعتبره إجراءا اسثتنائيا ووضعه أساسا بيد قاضي التحقيق متى كانت القضية معروضة عليه واستثناء وإذا اقتضت ذلك ضرورة البحث في قضية غير معروضة على التحقيق يمكن للوكيل العام للملك ان يحصل على إذن من الرئيس الاول للقيام بهذا الإجراء في بعض الجرائم شديدة الخطورة على امن المواطن وسلامة الوطن وفي حالة الاستعجال القصوى يمكن للوكيل العام للملك بكيفية استثنائية إذا كانت ضرورة البحث تقتضي التعجيل خوفا من اندثار وسائل الإثبات، ان يبادر إلى القيام بذلك الإجراء وإشعار الرئيس الاول على الفور، والذي عليه ان يقرر بشان قرار الوكيل العام للملك خلال الاربع وعشرين ساعة،
وقد حدد القانون مدة وشكليات هذا الإجراء بكل دقة، واحاطه بقيود صارمة تكفل حماية حرمة الاشخاص وعدم استغلال هذه الإمكانية خلافا للقانون، وفرض عقوبات على مخالفتها : المواد من 108 إلى 116 ق.م.ج الجديد )

ج - ثنائية التحقيق : ( المواد من 52 إلى 55 و83 و87 و88 من ق.م.ج الجديد )
بالنظر إلى ان ظهير الاجراءات الانتقالية كان قد حول البت في الجنايات إلى محاكم الاستئناف ونقل قضاة التحقيق إلى هذه المحاكم ، فإن التحقيق في الجنح اصبح رهينا بوجود نص قانوني صريح يجيزه ، وهو ما جعل مجموعة من الجنح التي تكتسي اهمية بالغة كالجرائم الاقتصادية وتزوير الوثائق ، غير مشمولة بمسطرة التحقيق ، وهو ما قد لا يساعد على الكشف عن الحقيقة علما بان تقليص مدة الحراسة النظرية لدى الشرطة القضائية قد اثر بدوره على نتائج الابحاث في الحالات التي لم يكن ممكنا فيها الإفراج عن المشتبه فيهم .
وبالنظر إلى خطورة بعض الجنح والتي تصل عقوبتها القصوى إلى خمس سنوات او اكثر .

وبالنظر كذلك إلى ان مشروع القانون الجنائي المرتقب قد يتبنى عقوبات تتجاوز خمس سنوات لبعض الجنح ذات الخطورة .
فقد اتى القانون بمسطرة التحقيق الاختياري بالنسبة للجنح التي يجيز او يوجب نص خاص التحقيق فيها .
ولتحقيق هذه الغاية فقد تم إحداث مؤسسة قاضي التحقيق لدى المحكمة الابتدائية بالإضافة لاستمرار المؤسسة الموجودة لدى محاكم الاستئناف .

ونص المشرع على ذلك في المواد 52 إلى 55 و83 و87 و88 من قانون المسطرة الجنائية .

د - بدائل الاعتقال الاحتياطي : ( الوضع تحت المراقبة القضائية المواد 159 إلى 174 من ق.م.ج الجديد )
لا يتضمن قانون المسطرة الجنائية لسنة 1959 أي تدبير بديل للاعتقال الاحتياطي ذي بعد إنساني، ولا يوفر ذلك القانون لقاضي التحقيق إمكانيات بديلة مهمة وفعالة من شانها ضمان حضور المتهم لإجراءات التحقيق الجنائي في إطار المحاكمة العادلة وضمان حقوق الدفاع، ولذلك تم إحداث نظام الوضع تحت المراقبة القضائية ويتوخى القانون الجديد من إقرار هذه التدابير إيجاد آليات تكفل سير تطبيق الإجراءات القضائية دون اللجوء إلى تدبير الاعتقال الاحتياطي الذي أصبح منتقدا لعدة اعتبارات إنسانية واجتماعية ( المواد 159 إلى 174 من ق.م.ج ) .
وقد حدد المشرع شكليات الوضع تحت المراقبة القضائية وشروطه في تلك المواد .

* المراجع القانونية :
- ندوة قضاء التحقيق الإعدادي ( ندوة تدريبية بوزارة العدل ) .
- شرح قانون المسطرة الجنائية للاستاذ عبد الواحد العملي ( الجزء الثاني ) .
- قضاء التحقيق للاستاذ طارق السباعي (الجزء الاول) سنة 1982 و(الجزء الثاني) 1983.
- مجلة نشرة محكمة الاستئناف بمراكش العدد الاول يوليوز 2001 المتضمنة لندوة التحقيق الإعدادي .
- قانون المسطرة الجنائية الجديد .