اجال الطعون المدنية واثارها في التشريع المغربي

النقيب الطيب بن لمقدم

محام بهيئة الرباط ( الخميسات)

مقدمة

لدراسة اجال الطعون المدنية في التشريع المغربي، لابد فيه من التعرض الى تعريف للاجل بصفة عامة، وامكانية تعريف اجل الطعن بصفة خاصة من جهة، ثم التعرض الى مختلف انواعه من جهة ثانية والى سريانه من جهة ثالثة ، بالاضافة الى اثار عدم احترامه والى بعض واجبات المحامي عند ممارسة الطعون خلال اجالها، وهكذا سنتعرض للموضوع في خمسة مباحث :

المبحث الاول : في تعريف الاجل

المبحث الثاني : في مختلف انواع اجال الطعون

المبحث الثالث : في سريان اجل الطعون

المبحث الرابع : في اثار عدم احترام اجل الطعون

المبحث الخامس : في واجبات المحامي عند ممارسة الطعون خلال اجالها .

المبحث الاول

تعريف الاجل

الاجل لغة هو مدة الشيء، او غاية الوقت المحدد للشيء، جمع اجال (1) .

واصطلاحا هو الفترة من الزمن يوقتها المتعاقدون او القانون او القاضي لاجل القيام بعمل قانوني او ارتقاب لحدوث حادث او سقوط حق (2) .

------------------

1) المعجم الوجيز، مجمع اللغة العربية، المركز العربي للثقافة والعلوم بيروت ، لبنان، ص 7 .

2) ذ. ابراهيم لمحار ومن معه، " القاموس القانوني"، فرنسي - عربي، مكتبة لبنان، 1983، ص 91 .

------------------

اما اجال الطعون فهي المواعيد التي بانقضائها يسقط الحق في الطعن في الحكم، وعدم احترام اجال الطعون المحددة في قانون المسطرة المدنية يؤدي الى سقوط الحق في الطعن كما اشار الى ذلك الفصل 511 من قانون المسطرة المدنية .

وهكذا فقد حكم المجلس الاعلى : " بان مجرد تقديم طلب الاستئناف الخالي من البيانات الالزامية المنصوص عليها في الفصل 142 من قانون المسطرة المدنية والمتعلقة بذكر الوقائع واسباب الاستئناف يؤدي الى البطلان ولم تكن المحكمة ملزمة بالالتفات للمذكرة المتضمنة لذلك والتي قدمت خارج الاجل القانوني الاستئناف، كما لم تكن ملزمة بان توجه الى المستانف اي انذار بذلك والحال ان اجل الاستئناف قد انقضى" (1). كما قرر المجلس الاعلى في حكم اخر : " ان الحكم الابتدائي يكتسب بانصرام اجل الاستئناف قوة الشيء المحكوم به ويصبح الاستئناف غير مقبول بعدئذ" (2) .

واجال الطعون لها مساس بالنظام العام، ولهذا يمكن التمسك بعدم مراعاتها في اي مرحلة من مراحل الدعوى ولو للمرة الاولى امام المجلس الاعلى، ولا يمكن للقاضي ان يعفي المعني بالامر منه ولو بموافقة الخصم وكل ما يمكن ان يحصل في مثل هذه الحالات الاستثنائية هو تطبيق نص قانوني يقضي بتمديد او توقيف هذه الاجال. غير ان مدة الطعن بتعرض الغير الخارج عن الخصومة لا مساس لها بالنظام العام لانها من قبيل مدد التقادم .

ان التقرير بما اذا كان ميعاد ما من مواعيد المرافعات بصفة عامة، يتعلق او لا يتعلق بالنظام العام ليس بالامر السهل في كل الاحوال. فهو يكون سهلا اذا ما صرح المشرع بان الميعاد يتعلق او لا يتعلق بالنظام العام

ويظهر ان المشرع المغربي في قانون المسطرة المدنية اعتبر جميع الاجال المنصوص عليها في هذا القانون هي اجال تتعلق بالنظام العام حينما نص على الزامية احترامها والا سقط الحق. على العكس من ذلك فان المشرع المغربي في قانون الالتزامات والعقود يعتبر مدد التقادم من النظام العام وذلك بالنص عليها صراحة في

--------------

1) قرار المجلس الاعلى ع 2806 بتاريخ 4/12/85 الطيب بن لمقدم " الطعون المدنية في التشريع المغربي" مطبعة ديديكو سلا 1966 ، ج 1، ص 46 .

2) قرار المجلس الاعلى 21 بتاريخ 1/2/62 الطيب بن لمقدم، م س. ص 46 .

------------------

الفصل 372 منه التي تقول : " التقادم لا يسقط الدعوى بقوة القانون، بل لابد لمن له مصلحة فيه ان يحتج به، وليس للقاضي ان يستند الى التقادم من تلقاء بنفسه".

ولهذا فان تعلق الاجال بالنظام العام يعني ان الغرض المراد تحقيقه من تحديدها يتعلق بالمصلحة العامة، ويترتب على عدم مراعاة هذه الاجال فوات تحقق هذا الغرض، في حين ان عدم تعلق الاجال بالنظام العام يعني ان الغرض المراد تحقيقه من تحديدها يتعلق بالمصلحة الخاصة للافراد، ويترتب على عدم مراعاة هذه الاجال فوات تحقق هذا الغرض .

هذا وانه لابد من اعتبار المقتضيات القانونية الخاصة لتحديد اجال الطعون، وبالتالي تكون هذه المقتضيات واجبة بالتطبيق. وهكذا فقد قرر المجلس الاعلى فيما يخص الطعن بالاستئناف في قضايا التحفيظ العقاري من ان : " مقتضيات الفصل 40 من ظهير 12 غشت 1913 المنظم لمسطرة التحفيظ العقاري التي تنص على كيفية تبليغ الاحكام الابتدائية واجال استئنافها هي الواجبة التطبيق في قضايا التحفيظ العقاري بدلا من المقتضيات الواردة في قانون المسطرة المدنية عملا بمبدا تقديم النص الخاص على النص العام (1) .

كما قرر ايضا بالنسبة للطعن بالنقض في هذه القضايا ايضا من انه : " لما كان الفصل 308 من ق م م ينص على ان اجل الطعن بالنقض هو الثلاثون يوما ما لم توجد مقتضيات اخرى، فان الفصل 47 من ظهير التحفيظ يعد من تلك المقتضيات الخاصة التي تنص على اجل خاص للطعن بالنقض هو شهران من تاريخ التبليغ لا ثلاثون يوما" (2) .

المبحث الثاني

انواع اجال الطعون

والاجال التي ضربها القانون كثيرة العدد مختلفة المدد لانها واجبة لتحضير الموضوعات واجراء التحقيقات، فلا يؤخذ احد على حين غرة في تقرير حقوقه او دفاعه عنها، وعلى هذا فهناك الاجل الكامل والاجل المحدود والاجل الناقص والاجل المسقط،

--------------

1) قرار المجلس الاعلى ع 630 بتاريخ 1/3/1989 عبد العزيز توفيق قضاء المجلس الاعلى في التحفيظ"، مطبعة النجاح الجديدة الدار البيضاء ، 1999، ص 184 .

2) قرار المجلس الاعلى ع 112 بتاريخ 16/4/1982 عبد العزيز توفيق، م س. ص 130 .

-------------

والاجل المرتد واجل المسافة وغيرها من انواع الاجال الاخرى . ولا يهمنا هنا سوى التعريف بانواع الاجال المتعلقة بالطعون ليس الا .

فالاجل الكامل Délai franc هو الاجل الذي يسقط من عدد الايام اليوم الذي يبتدئ الاجل منه واليوم الاخير الذي ينتهي فيه وذلك خلافا للاجال العادية التي يحسب فيها يوم حلول الاجل .

وتكون جميع الاجال المنصوص عليها في قانون المسطرة المدنية اجالا كاملة فلا يحسب اليوم الذي يتم فيه تسليم الاستدعاء او التبليغ او الانذار او أي اجراء اخر للشخص نفسه او لموطنه ولا اليوم الاخير الذي تنتهي فيه. واذا كان اليوم الاخير يوم عطلة امتد الاجل الى اول يوم عمل بعده ( 512 م.م ) .

وقد ورد في الفصل 131 من قانون الالتزامات والعقود المغربي ان اليوم الذي يبدا منه العد لا يحسب في الاجل. وان الاجل المقدر بعدد من الايام ينقضي بانتهاء يومه الاخير. واذا ما وافق حلول الاجل يوم عطلة رسمية قام مقامه اول يوم من ايام العمل وياتي بعده كما جاء في الفصل 133 من ق ل ع .

وتعتبر ايام عطل جميع ايام المصرح بانها كذلك بمقتضى نص قانوني ( ف 513 م م ) فلو فرضنا مثلا ان اخر يوم للتعرض على حكم وقع يوم السبت او الاحد وهما من ايام العطل في المغرب، فان المتعرض يتعين عليه ان يرفع تعرضه يوم الاثنين ويعتبر تعرضه مقبولا. اما اذا وقع يوم او ايام العطلة اثناء الاجل فلا يجوز عندئذ التمديد لان اليوم الاخير من المعياد هو يوم عمل .

وقد حدد المرسوم الملكي عدد 169.77.2 بتاريخ 28/2/1977 لائحة ايام العطل في الادارات العمومية والمؤسسات العمومية والمصالح المشابهة لها .

فلو فرضنا مثلا ان المشرع حدد مدة ممارسة الطعن من الطعون بخمسة عشر يوما من تاريخ تبليغ الحكم وان الحكم قد تم تبليغه في الخامس من شهر مايو فان مدة ممارسة الطعن لا يدخل فيها لا اليوم الخامس من هذا الشهر الذي وقع فيه التبليغ ولا اليوم العشرين منه الذي تنتهي فيه مدة الخمسة عشر يوما. لذا فانه يسوغ تقديم الطعن حتى انقضاء اليوم الواحد والعشرين من شهر مايو .

وفي ظل النصوص القديمة المتعلقة بالطعن بالنقض، فان المجلس الاعلى حكم : " بان اجل الشهرين لتقديم طلب النقض يعد اجلا كاملا يقدر من يوم تبليغ الحكم المطعون فيه للشخص او لموطنه وان اليوم الاول واليوم الاخير لا يعتبران في الحساب وبالتالي يكون يوم 4/2/1965 داخلا ضمن اجل طلب النقض حكم بلغ في 3/12/1964" (1) .

وفي ظل النصوص الحالية فان المجلس الاعلى قرر في هذا الصدد ما يلي : " ان اجال الاستئناف هي اجال كاملة لا يحسب فيها يوم التبليغ ولا اليوم الاخير الذي ينتهي فيه الاجل حسب احكام الفصل 516 م م وان الثابت من غلاف التبليغ المرفق مع مقال الاستئناف ان الحكم الابتدائي بلغ للطاعن يوم 26/12/1996 فيكون بالتالي اخر يوم لتقديم الاستئناف باعتبار شهر دجنبر من 31 يوما هو يوم 26/1/1997 الذي صادف يوم احد، فيكون المقال الاستئنافي المقدم في اليوم الموالي وهو 27/1/1997 قد قدم داخل الاجل مما يكون معه القرار القاضي بعدم قبول الاستئناف قد خرق مقتضيات الفصل المذكور وعرضه للنقض (2).

فجميع الطعون التي حدد المشرع لها اجالا معينة سواء كانت طعون عادية كالتعرض والاستئناف او كانت ضمن زمرة الطعون غير العادية كاعادة النظر، لا يبدا اجلها في السريان الا ابتداء من تاريخ تبليغ الحكم او القرار القضائي. فالمجلس الاعلى اكد على : " ان اجال الطعون لا تسري الا بناء على تبليغ قانوني صحيح، ولا يقوم مقال هذا التبليغ سلوك الطاعن مسطرة اعادة النظر، اذ المعتبر هو الاعلام لا العلم" (3). مقررا بانه : " يجب لسريان اجل الطعن في حق النيابة العامة عندما تكون طرفا في الدعوى ان تبلغ بالحكم بصفة قانونية، فحضورها بالجلسة وقت صدور الحكم لا يكفي لسريان هذا الاجل وبذلك يتعرض للنقض الحكم الذي اعتبر حضور النيابة العامة وقت صدور الحكم كافيا لاعتبارها قد بلغت بالحكم" (4) .

-----------------

1) قرار المجلس الاعلى ع 184 بتاريخ 8/4/1970 مجموعة قرارات المجلس الاعلى، المادة المدنية، ج 1. ص 761 .

2) قرار المجلس الاعلى ع 453 بتاريخ 31/3/1999 ملف تجاري ع 528/98 ( غير منشور ) .

3) قرار المجلس الاعلى ع 1823 بتاريخ 17/7/1985 مجلة المحاكم المغربية، عدد 41، ص 81 .

4) قرار المجلس الاعلى ع 357 بتاريخ 15/4/1981 مجموعة قرارات المجلس الاعلى م س ج 1 ص 501 .

-----------------

اما الاجل المحدود ( Délai préfix) فهو الاجل الذي يسقط الحق حتما بعد انقضائه اذا لم يستعمله صاحبه في خلاله، ولا يقبل هذا الاجل توقيفا (suspension ) ولا انقاطعا (interruption) .

واما الاجل المرتد فهو الفترة الزمانية التي يجب ان تنقضي كاملة من تاريخ بدايتها الى نهايتها، ولا يتخذ الاجراء بالا بعد نهايتها ( على سبيل المثال تاريخ الجلسة ..) .

واما الاجل الناقص فهو الفترة الزمانية التي يجب ان يتخذ الاجراء خلالها أي ان يتخذ في اخر يوم منها على الاكثر، ولا يقبل بعده، كاجل الطعن في الاحكام، وسمي ناقصا لان الاجراء يجب ان يتخذ قبل نهايته وبالتالي ينقص جزء منه .

وبالرجوع الى قانون المسطرة المدنية فاننا لا نجد اي تعريف للاجل بصفة عامة، رغم تحديد مدته او مدده فيها، ولكن هذا لاي عني ان القانون لم يعتن بهذا الموضوع سواء في قانون المسطرة المدنية او في القوانين الاخرى، بل العكس هو الصحيح، ذلك ان قانون الالتزامات والعقود المغربي اعتنى بموضوع الاجل في عدد من الفصول كالفصل 131 والفصل 133 مثلا .

المبحث الثالث

سريان اجال الطعون

كقاعدة عامة تسري اجال الطعون ابتداءا من تاريخ التبليغ طبقا للقانون، غير ان لهذه القاعدة بعض الاستثناءات سواء عند حدوث حالات محددة قانونا بحيث يتوقف فيها الاجل عن السريان (أ) او عند وجود حالات حددها ايضا القانون، ومنها يبدا الاجل في السريان (ب)، وينقطع الاجل في حالات اخرى (ج)، كما انه يضاعف في حالة خاصة (د)، بالاضافة الى حالات الطعون الاستثنائية (س) .

اما في حالة عدم وجود نص خاص يحدد اجل الطعن فقد ذهبت المحكمة الادارية بمكناس الى انه يتعين تقديم الطعن داخل الاجل العام المحدد بمقتضى المادة 23 من قانون 41/90 ( المتعلقة باحداث المحاكم الادارية) ضمانا لاستقرار الاوضاع الادارية(1) .

------------------

1) حكم المحكمة الادارية بمكناس ع 5/99/6 بتاريخ 10/6/1999 المجلة المغربية للادارة المحلية والتنمية ع 30. ص 141 .

-----------------

القاعدة : سريان الاجل من تاريخ التبليغ

يكون التبليغ بناء على طلب من المعني بالامر يرفعه الى كتابة الضبط بالمحكمة التي اصدرت الحكم، وتاريخ تبليغ الحكم هو المعتبر كتاريخ بداية لاحتساب الاجل حتى بالنسبة لطالب التبليغ ( 134/4/ م م ) .

وقد اكد المجلس الاعلى على هذه القاعدة في قراره الصادر بتاريخ 6/6/1995 تحت عدد 716 والذي جاء فيه : " انه اذا تم تبليغ القرار من الخصم فان مواعيد الطعن تبدا بالنسبة للمبلغ والمبلغ اليه من تاريخ التبليغ على حد سواء، وذلك وفقا لقاعدة نسبية الاثار المترتبة على اجراءات التبليغ" .

وقد يقع التبليغ اثر صدور الحكم وداخل الجلسة وذلك في الحالات المقررة بمقتضى القانون، كما اشارت الى ذلك الفقرة الثانية من الفصل 134 من ق م م، كالحالة التي يحضر فيها الاطراف وقت صدور الامر الاستعجالي، اذ يكون التبليغ لهم في ذلك الحين صحيحا على اساس ان يشار في الامر الاستعجالي الى حضورهم ومعاينة هذا التبليغ ( ف 153/5 م م )، وكذلك الحالة التي يبلغ فيها كاتب الضبط حالا عند صدور الحكم حضوريا معاينة الاطراف ووكلائهم بالجلسة، الحكم الذي صدر ويسلم له نسخة من منطوق الحكم ويشار في اخره الى ان التبليغ والتسليم قد وقعا، ويشعر الرئيس علاوة على ذلك اذا كان الحكم قابلا لاستئناف الاطراف او وكلائهم بان لهم اجلا قدره ثلاثون يوما من يوم صدور الحكم للطعن فيه بالاستئناف، ويضمن هذا الاشعار من طرف الكاتب في الحكم بعد التبليغ ( ف 50/8 م م) وشروط هذه الحالة من التبليغ في الجلسة، لابد من الاشارة اليها في الحكم وخاصة شرط وقوع تسليم منطوق الحكم للمعني بالامر من طرف كاتب الضبط .

وهكذا فقد صدر قرار عن المجلس الاعلى بتاريخ 18/10/1978 قضى بانه : " حقا فان الحكم الابتدائي وان اشار الى وقوع التبليغ بالجلسة فانه لم يشر الى ان كاتب الضبط قد سلم منطوقه للمعنى بالامر طبق ما يفسره الفصل 50 من قانون المسطرة المدنية وان كل تبليغ لم يرافقه تسليم المنطوق لا يعتبر تبليغا، وبذلك تكون المحكمة عندما اعتبرت ان ذلك تبليغا تكون قد خرقت مقتضيات الفصل 50 من قانون المسطرة المدنية" (1) .

---------------

1) قرار المجلس الاعلى ع 718 بتاريخ 18/10/1978 مجلة قضاء المجلس الاعلى ع 25 . ص 50 .

--------------

وقد اكد المجلس الاعلى ايضا على ان القرار الذي قضى بعدم قبول الاستئناف، يكون قد خرق مقتضيات الفصل 50 من ق م م تاسيسا على كون التبليغ قد تقرر بالجلسة بتاريخ 6/6/1979 بالرغم من ان الحكم الابتدائي وان كان قد بلغ بالجلسة فان المحكمة لم تشعر الاطراف او وكلائهم بان لهم اجلا قدره 30 يوما من يوم صدور الحكم للطعن فيه ولم يتم التنصيص على ذلك ( قرار المجلس الاعلى عدد 1627 بتاريخ 2/11/83. مجلة المعيار ع 17 ص 28) .

هذا ويلاحظ على الفقرة 8 من الفصل 50 من قانون المسطرة المدنية ان تطبيقها نادر جدا، كما ان شروطها قد لا تتوفر بالسرعة المطلوبة والوقت المعدود والمكان المعين، مما جعل المؤتمر 23 لجمعية هيئات المحامين بالمغرب المنعقد بمراكش ايام 17/18/19 يونيه 1999 قد اوصى بالغائها .

هذا بالاضافة الى ان مقتضيات الفقرة المذكورة من الفصل 50 الانف الذكر لا يمكن تطبيقها على الاحكام الصادرة في مادة التحفيظ العقاري طبقا للمقتضيات الخاصة الواردة في الفصل 40 من ظهير التحفيظ التي توجب تبليغ ملخص الحكم مع الاشارة الى امكان استئنافه داخل الاجل (1) .

وبالاضافة الى ذلك كله، فان التجربة اظهرت من الناحية العملية ان هذا التبليغ لم يعط اية نتيجة لانه يتطلب حضور الاطراف وغالبا ما يكون الاطراف متغيبين يوم النطق بالحكم وحتى في حالة تسليم منطوق الحكم الى احد الاطراف فهو خال من الحيثيات ولا يفيد الطرف عند استئناف الحكم او القرار (2) .

وقاعدة سريان الاجل من تاريخ التبليغ كما هو مقرر في قانون المسطرة المدنية المغربي، هي قاعدة معكوسة في قانون المرافعات المدنية المصري (3)، اذ القاعدة هي حسبما جاء في المادة 213 من قانون المرافعات المصري ان ميعاد الطعن في الحكم يبدا من تاريخ صدوره ما لم ينص القانون على غير ذلك. واستثناء هذه القاعدة ان يبدا

-----------------

1) قرار المجلس الاعلى ع 1100 بتاريخ 16/5/1990 ذ. عبد العزيز توفيق، م. س. ص 203 .

2) احمد بوجلالة، مقال التبليغات والتنفيذات القضائية، كتاب عمل كتابة الضبط بالمحاكم. وزارة العدل، المعهد الوطني للدراسات القضائية، مطبعة ومكتبة الامنية الرباط، 1982 ص 317 .

3) ذة. امال المزايري، مواعيد المرافعات، منشاة المعارف الاسنكدرية، مطبعة اطلس القاهرة 1983. ص 38 .

----------------

ميعاد الطعن في الحكم من تاريخ اعلان الحكم الى المحكوم عليه في احوال ثلاثة هي :

1- حالة تخلف المحكوم عليه من الحضور في جميع الجلسات المحددة لنظر الدعوى مع عدم تقديمه مذكرة بدفاعه (م 213/1) .

2- حالة تخلف المحكوم عليه عن الحضور وعن تقديم مذكرة في جميع الجلسات التالية لتعجيل الدعوى بعد وقف السريان فيها لاي سبب من الاسباب ( م 213/1 ) .

3- حالة حدوث سبب من اسباب انقطاع الخصومة وصدور الحكم دون اختصام من يقوم مقام الخصم الذي توفي او فقد اهليته للخصومة او زالت صفته ( م 213/2) .

ولم يكن الحال في السابق على هذا المنوال، ذلك ان القاعدة كانت في ظل قانون المرافعات السابق ان بداية ميعاد الطعن هو تاريخ اعلان الحكم، وبمقتضى القانون رقم 100 لسنة 1962 عدلت هذه المادة او بعبارة اخرى عدلت القانون واصبح ميعاد الطعن في الحكم يبدا من تاريخ صدوره (1) .

استثناءات وعوارض اجال الطعون

أ‌- حالات توقف اجال الطعون :

1- طلب المساعدة القضائية امام المجلس الاعلى : تنص الفقرة الثانية من الفصل 358 من قانون المسطرة المدنية على ان : " اجل الطعن يوقف ابتداء من ايداع طلب المساعدة القضائية بكتابة ضبط المجلس الاعلى، ويسري هذا الاجل من جديد من يوم تبليغ مقرر مكتب المساعدة القضائية للوكيل المعين تلقائيا ومن يوم تبليغ قرار الرفض للطرف عند اتخاذه" .

وهذه المقتضيات القانونية هي نفسها التي سبق لقانون المساعدة القضائية الصادر بواسطة المرسوم الملكي بتاريخ : 1/11/1966 ان نص عليها في الفقرتين 5 و6 من الفصل 6 والذي جاء فيهما ما يلي : " ويوقف الاجل المنصوص عليه في الفصل 12 من الظهير الشريف الصادر في 2 ربيع الاول 1377 ( 28/9/1957 ) بشان المجلس الاعلى

---------------

1) المزايري، م. س. ص 40 .

---------------

ابتداء من يوم ايداع طلب المساعدة القضائية بالنيابة او النيابة العامة للمجلس الاعلى .. ويعمل من جديد بهذا الاجل ابتداء من اليوم الذي تم فيه على الطريقة الادارية او بواسطة رسالة مضمونة مع الاعلام بالتوصل لتبليغ مقرر قبول او رفض المكتب المساعدة القضائية الى الطرف الذي قدم طلب المساعدة القضائية" .

وفي هذا الصدد قضى المجلس الاعلى بان طلب المساعدة القضائية يوقف سريان اجل طلب النقض على اساس ان يستانف الاجل من يوم ابلاغ قرار مكتب المساعدة القضائية الى المعني بالامر شخصيا او لمحل سكناه (1) .

2- تغيير اهلية احد الاطراف : ينص الفصل 139 من قانون المسطرة المدنية على انه اذا وقع اثناء اجل الاستئناف تغيير في اهلية احد الاطراف اوقف الاجل ولا يبتدئ سريانه من جديد الا بعد خمسة عشر يوما من تبليغ الحكم لمن لهم الصفة في تسلم هذا التبليغ .

وتغيير اهلية احد الاطراف التي يتوقف معها الاجل بالنسبة للطعن بالاستئناف، يؤدي الى نفس النتيجة بالنسبة للطعن بطريق اعادة النظر ( ف 403/2 م م )، ولكن ليس لها اي تاثير بالنسبة للاجل الذي يخضع له الطعن بتعرض الغير الخارج عن الخصومة، باعتبار الاجل الذي يخضع له هو قبيل التقادم المسقط وبالتالي يتوقف ميعاد الطعن بطريق تعرض الغير الخارج عن الخصومة لمصلحة القاصرين غير الراشدين، وناقصي الاهلية الاخرين اذا لم يكن لهم وصي او مساعد قضائي او مقدم وذلك الى ما بعد بلوغهم سن الرشد او ترشيدهم او تعيين نائب قانوني لهم ( المادة 179 من قانون الالتزامات والعقود) هذا وتوجد عدة اسباب اخرى يتوقف معها اجل التقادم غير السبب المذكور انفا وهي المنصوص عليها في الفصول 378 و 380/4 و380/5 من قانون الالتزامات والعقود، اما بالنسبة للطعن بطريق النقض فان مقتضيات الفصل 139 م م تنطبق على الاجل المتعلق بالنقض طبقا للاحالة الصريحة بشان تطبيق القواعد العادية الخاصة بمحاكم الاستئناف فيما يخص جميع مقتضيات المسطرة الغير المنصوص عليها في الباب المتعلق بالمجلس الاعلى ( ف 380 م م ) .

--------------------

1) قرار المجلس الاعلى ع 390 بتاريخ 5/4/1972 مجلة القضاء والقانون، ع 123 ص 46 .

-------------------

ومقتضيات الفصل 139 من قانون المسطرة المدنية تطبق ايضا على اجل الطعن بالاستئـناف امام المجلس الاعلى في الاحكام الصادرة عن المحاكم الادارية، وبالتالي يتوقف الاجل نظرا لتغيير اهلية احد الاطراف، وذلك طبقا للاحالة الصريحة على هذا الفصل بواسطة المادة 45 من القانون رقم 90/41 بشان احداث المحاكم الادارية.

ونفس المقتضيات الفصل المذكور (139) تطبق ايضا بالنسبة لاجل استئناف احكام المحاكم التجارية لدى محاكم الاستئناف التجارية، طبقا للاحالة الصريحة على مقتضياته بواسطة المادة 18 من القانون رقم 53/95 بشان احداث المحاكم التجارية .

3- وفاة احد الاطراف : ينص الفصل 137 من قانون المسطرة المدنية على ان وفاة احد الاطراف توقف اجال الاستئناف لصالح ورثته ولا تقع مواصلتها من جديد الا بعد مرور خمسة عشر يوما التالية لتبليغ الحكم للورثة بموطن الشخص المتوفى طبقا للطرق المشار اليها في الفصل 54 .

وهكذا فبالنسبة للطعن بطريق اعادة النظر، فان مقتضيات الفصل 137 من قانون المسطرة المدنية تطبق على اجل هذا الطريق من الطعن وبالتالي يتوقف الاجل ان كان له محل .

اما بالنسبة للطعن بطرق النقض فان نفس الفصل ايضا، يطبق على اجل النقض وبالتالي يتوقف هذا الاجل ان كان له محل طبقا للاحالة الصريحة بشان تطبيق القواعد العادية الخاصة بمحاكم الاستئناف فيما يخص جميع مقتضيات المسطرة الغير المنصوص عليها في الباب المتعلق بالمجلس الاعلى ( ف 380 م م ) .

واما بالنسبة للطعن بطريق تعرض الغير الخارج عن الخصومة فان المقتضيات التي تطبق على توقف الاجل هي المقتضيات التي تسري على توقف اجل التقادم طبقا للفصول 387-379-380/4 و380/5 من قانون الالتزامات والعقود، وليس من ضمنها موت احد الاطراف .

ومقتضيات الفصل 137 من قانون المسطرة المدنية تطبق ايضا على اجل الطعن بالاستئناف امام المجلس الاعلى، في الاحكام الصادرة عن المحاكم الادارية، وبالتالي يتوقف الاجل نظرا لوفاة الاطراف، وذلك طبقا للاحالة الصريحة على هذا الفصل بواسطة المادة 45 من القانون رقم 90/41 بشان احداث المحاكم الادارية .

ونفس مقتضيات الفصل المذكور (137) تطبق ايضا بالنسبة لاجل استئناف احكام المحاكم التجارية لدى محاكم الاستئناف التجارية طبقا للاحالة الصريحة على متقضياته بواسطة المادة 18 من القانون رقم 53/95 بشان احداث المحاكم التجارية .

4- التبليغ الباطل : ان التبليغ الصحيح يقتضي شكليات معينة، يجب بيانها في الحكم والا اعتبر تبليغا باطلا(1) يتوقف معه سريان اجل الطعن. وهكذا فان قرار التبليغ الباطل في اوامر الاداء، يوقف سريان موعد الطعن (2) .

هذا وان توصل المحامي بنسخة من الحكم وفق طلبه لا يعتبر تبليغا قانونيا لان التبليغ القانوني لا يكون الا لاطراف الدعوى، وانه لا محل للمحامي في تبليغ الاحكام خارج قاعدة المحكمة (3)، كما ان تبليغ الحكم بواسطة محامي الطرف هو تبليغ غير صحيح ولا يترتب عنه الاثار القانونية عملا بمقتضيات المادة 137 من قانون المسطرة المدنية (4) .

ب‌- حالات سريان اجال الطعون :

أ‌- في طلب اعادة النظر لا يسري الاجل الا من يوم الاعتراف بالزور او التدليس او اكتشاف مستندات جديدة، او من التاريخ الذي يصبح فيه الحكم الصادر من المحكمة بشان الافعال الاجرامية مكتسبا قوة الشيء المحكوم به ( ف 404 م م ) .

ب‌- وفي حالة ارتكاز طلب اعادة النظر على سبب تعارض الاحكام فان الاجل لا يسري الى من تاريخ تبليغ الحكم الاخير ( ف 405 م م ) .

ت‌- اجل الطعن بالنقض لا يسري بالنسبة للقرارات الغيابية الا من اليوم الذي يصبح في التعرض غير مقبول ( ف 358/2 م م ) .

ث‌- في المادة التجارية فان اجل التعرض وتعرض الغير الخارج عن الخصومة ضد المقررات الصادرة بشان التسوية والتصفية القضائية وسقوط الاهلية التجارية لا يبدا الا من تاريخ النطق بالمقرر القضائي او من تاريخ نشره في الجريدة الرسمية اذا كان من اللازم اجراء هذا النشر ( المادة 729 من مدونة التجارة ).

--------------------

1) قرار المجلس الاعلى ع 16 بتاريخ 28/2/1977 مجلة القضاء والقانون، ع 127، ص 147 .

2) قرار الملجس الاعلى ع 383 بتاريخ 9/12/1977 مجلة القضاء والقانون، ع 128 ص 79 .

3) قرار المجلس الاعلى ع 587 بتاريخ 13/6/1982 مجلة المعيار، ع 5. ص 70 .

4) قرار المجلس الاعلى ع 1609 بتاريخ 10/12/1991 .

--------------------

وسريان اجل الطعن بالاستئناف في مواجهة السنديك يكون ايضا من تاريخ النطق بالمقرر ( المادة 73/2 م ت).

2- التعليق في لوحة الاشهار او التعليق اوالتبليغ للقيم : ينص الفصل 441 من قانون المسطرة المدنية على انه : لا تسري اجال الاستئناف اوالنقض في تبليغ الاحكام او القرارات المبلغة الى القيم الا بعد تعليقها في لوحة معدة لهذا الغرض بالمحكمة التي اصدرت الحكم او القرار مدة ثلاثين يوما واشهارها مقابل المصاريف المسبقة من المستفيد من الحكم او القرار بكل وسائل الاشهار حسب اهمية القضية .

وهذا الفصل يقتضي مسطرة خاصة في تبليغ الاحكام والقرارات القضائية الصادرة غيابيا بواسطة قيم، وعدم احترام ذلك يجعل الحكم كانه لم يبلغ بعد. وفي هذه الاطار فان المجلس الاعلى قرر بانه يجب اثبات القيام بالاشهار بالوسائل المنصوص عليها، كما ان شهادة كاتب الضبط بوقوع الاشهار صحيحا ومطابقا للقانون لا تكفي وان القرار الذي لم يبين كيفية وقوع الاشهار يعتبر ناقصا لبعض البيانات ومعرضا بسبب ذلك للنقض (1) .

وقد ذهبت محكمة الاستئناف بالرباط مذهب المجلس الاعلى في هذا الصدد فقررت فيما يخص الدفع بعدم قبول الاستئناف لوقوعه خارج الاجل القانوني انه غير مؤسس لكون شهادة كتابة الضبط بوقوع اشهار الحكم المستانف بجريدة العلم غير كافية لعدم لاستينافها لمقتضيات الفصل 441 من قانون المسطرة المدنية (2) .

ومما يلاحظ على هذا الفصل كون المشرع قد اشار فيه فقط الى سريان اجال الاستئناف والنقض دون الاشارة الى سريان اجل التعرض رغم ان الحكم الصادر عن طريق القيم يبقى غيابيا في الاصل. واعتقد ان ذلك لا يعني عدم تطبيق مقتضيات الفصل 54 من قانون المسطرة المدنية المتعلق بطريق الطعن بالتعرض اذا كان لها محل، اي اذا كان الحكم غير قابل للطعن بالاستئناف، وتطبق هذه القاعدة حتما على القرارات الصادرة غيابيا بواسطة قيم عن محاكم الاستئناف .

---------------

1) قرار المجلس الاعلى ع 4029 بتاريخ 23/11/1994 مجلة قرارات المجلس الاعلى عدد 48 ص 84 .

2) قرار محكمة الاستئناف بالرباط ع 5367 بتاريخ 15/7/1998 ملف مدني ع 2780/96 ( غير منشور ) .

------------------

3- صدور القانون : اذا كان اجل الطعن قد بدا في ظل قانون معين طبق عليه هذا القانون من حيث سريانه ومدته ولو صدر قبل انتهائه قانون معدل له من شانه ان يطيل اجل الطعن او يقصره وذلك احتراما للحقوق المكتسبة، وبالمقابل فاذا لم يكن اجل الطعن قد بدا سريانه فان القانون الجديد الذي يقع تحريكه في ظل تبليغ الحكم هو الواجب التطبيق، وقد حكم المجلس الاعلى في هذا الصدد " بان الاجال التي ينبغي اعتبارها هي التي كان معمولا بها قانونا حسب التبليغ، ولا يمكن الاضرار بمصالح المبلغ له بمقتضى قانون جديد، لذلك فان الحكم المطعون فيه كان على صواب عندما احتسب اجال الاستئناف ( شهران) على اساس الفصل 226 من ظهير المسطرة المدنية الملغى باعتبار ان التبليغ قد وقع في ظله على اساس اجل شهر المنصوص عليه في الفصل 134 من قانون المسطرة المدنية الجديد". كما قرر ايضا انه لما بلغ الامر المتعرض عليه بتاريخ 25/10/1970 وفي ظل ظهير 28/7/1970 فان اجل التعرض على ذلك الامر لم يبدا سريانه قانونا الا من تاريخ التبليغ الموما اليه، ويجب اذا ان تطبق عليه مقتضيات ظهير 28/7/1970 لا ظهير 20/1/1951 الذي صدر الامر في نطاقه واصبح ملغى وقت التبليغ" (1) .

4- القرارات الضمنية لا تحتاج الى تبليغ : ان القرارات الضمنية الصادرة في اطار قانون المحاماة لا تحتاج الى تبليغ. وهكذا فقد حكمت محكمة الاستئناف بمكناس في هذا الصدد بما يلي : " نصت الفقرة الاولى من الفصل 60 من مرسوم 19/12/1968 على ان طلبات استئناف القرارات المتعلقة بالتاديب تقدم في الثمانية ايام الموالية لتاريخ تبليغ مقرر المجلس التاديبي لمن يعنيه الامر، كما يؤخذ من الفقرة الاخيرة من هذا الفصل ان الطلب يعتبر مرفوضا تلقائيا عند عدم البت فيه بعد مضي اجل شهر على ايداعه، ان مثل هذا القرار الضمني مبلغ في حد ذاته لا يحتاج الى تبليغ لانه ينتج من امرين هما ايداع الطلب وعدم البت فيه بعد مضي اجل شهر على ايداعه، ان مثل هذا القرار الضمني مبلغ في حد ذاته لا يحتاج الى التبليغ لانه ينتج من امرين هما ايداع الطلب وعدم البت فيه بعد مضي شهر على ايداعه، وعليه فان اجل الاستئناف يبتدئ من تاريخ اعتبار وجوده ويمتد الى الثمانية ايام المقررة في القانون (2) .

-------------

1) الطيب بن لمقدم " الطعون المدنية في التشريع المغربي" ج 1، م . س

2) قرار محكمة الاستئناف بمكناس ع 664 بتاريخ 16/10/1978 مجلة رابطة القضاة ع 1 ص 127 .

------------

ج‌- حالات مضاعفة اجال الطعون :

ان اجال الطعون قد تضاعف ثلاث لمصلحة الاطراف الذين ليس لهم موطن ولا محل اقامة بالمملكة المغربية (ف 136 م م ) .

وهذا النص يكون المشرع، في قانون المسطرة المدنية، قد سار في نفس النهج الذي سار فيه بالنسبة لتوجيه الاستدعاءات ومضاعفة اجال الحضور حسب البعد الجغرافي للدول المجاورة طبقا للفصل 41 من قانون المسطرة المدنية .

وهكذا فان الفصل 136 من قانون المسطرة المدنية يطبق على الاجل في حالة الطعن بطريق اعادة النظر وبالتالي يضاعف هذا الاجل ان كان له محل ( ف 403/2 م م ) .

اما بالنسبة للطعن بطريق النقض فان نفس الفصل يطبق على اجل الطعن بالنقض، وبالتالي يضاعف هذا الاجل ان كان له محل، وذلك طبقا للاحالة الصريحة بشان تطبيق القواعد العادية الخاصة بمحاكم الاستئناف فيما يخص جميع مقتضيات المسطرة الغير المنصوص عليها في الباب المتعلق بالمسطرة امام المجلس الاعلى ( ف 380 م م ) .

هذا وقد احالت المادة 45 من القانون رقم 90/41 بشان احداث المحاكم الادارية على مقتضيات الفصل 136 من قانون المسطرة المدنية، وبالتالي فان اجل استئناف الاحكام الصادرة عن المحاكم الادارية امام المجلس الاعلى قد يضاعف بالنسبة للاطراف الذين ليس لهم موطن ولا محل اقامة بالمملكة المغربية .

وايضا فان مقتضيات الفصل 136 المذكور يطبق على اجل الاستئناف في حالة استئناف احكام المحاكم التجارية امام محاكم الاستئناف التجارية، وذلك طبقا للاحالة الصريحة على مقتضياته بواسطة المادة 18 من القانون رقم 35/95 بشان احداث المحاكم التجارية .

د- حالات انقطاع اجال الطعون:

ان حالات انقطاع اجل الطعون تشمل فقط الطعن بطريق تعرض الغير الخارج عن الخصومة ولا تشمل باقي طرق الطعن الاخرى .

وهكذا ينقطع اجل الطعن بطريق تعرض الغير الخارج عن الخصومة في الحالات التالية :

1- بكل مطالبة قضائية او غير قضائية يكون لها تاريخ ثابت ولو رفعت امام قاض غير مختص او قضي ببطلانها لعيب في الشكل ( ف 381/1 أ. ل. ع ).

2- بطلب قبول الغير دينه في تفليسة المحكوم له ( ف 381/2 ل ع ) .

3- بكل اجراء تحفظي او تنفيذي يباشره الغير على امواله المحكوم له، او بكل طلب يقدم للحصول على الاذن في مباشرة هذه الاجراءات ( ف 381/3 ل ع ) .

س - حالات الطعون الاستثنائية :

ان المشرع المغربي لم يحدد اي اجل لممارسة الطعون الاستثنائية، عدا الطعن باحالة حكم حاكم الجماعة او المقاطعة على رئيس المحكمة الابتدائية، والذي قرر بداية احتسابه من تاريخ صدوره. اما باقي الطعون الاستثنائية كالاستئناف الفرعي والاستئناف الناتج عن الاستئناف الاصلي، وكذلك الطعن لفائدة القانون او الطعن باحالة الاحكام على المجلس الاعلى من طرف الوكيل العام وايضا الطعن لتجاوز السلطة او الطعن باحالة الاحكام على المجلس الاعلى من طرف الوكيل العام للملك بامر من وزير العدل، فلم يحدد المشرع لها اي اجل معين .

وفي ظل النصوص القديمة، كان للاستئناف الفرعي او العارض اجل معين شانه شان الاستئناف الاصلي، كما كان عليه الامر في ظهير 26 شوال 1336 الموافق 4/8/1918 .

وقد جاء في هذا الصدد قرار المجلس الاعلى الصادر بتاريخ 9/11/1959 بما يلي : " يخضع الاستئناف الاصلي والاستئناف العارض للاجل المقرر في الفصل 17 مكرر من ظهير 26 شوال 1336 موافق 4 غشت 1958 وهو 15 يوما من تاريخ الحكم ان كان حضوريا او من تاريخ الاعلام به ان صدر غيابيا" (1) .

---------------

1) قرار المجلس الاعلى ع 34/59 بتاريخ 9/11/1959 قضاء المجلس الاعلى في المواد المدنية، كلية العلوم القانونية والاقتصادية والاجتماعية بالرباط ص 13 .

--------------

وكان ايضا للاستئناف الفرعي اجل معين في بعض القوانين الخاصة، كقانون المحاماة الصادر بمقتضى المرسوم الملكي بتاريخ 19/12/1968، حيث حدد للطرف المستانف عليه اجل ثمانية ايام لتقديم استئناف فرعي. وهكذا فقد نص الفصل 60 من المرسوم المذكور على انه : " في حالة استئناف مقدم من طرف المحامي او المدعي العام، يمنح الطرف الذي بلغ اليه الاستئناف اجل ثمانية ايام لتقديم استئناف فرعي، ويجري هذا الاجل من يوم تسلم المستانف عليه الرسالة المضمونة المشار اليها في المقطع الثالث من هذا الفصل" .

اما في الوقت الحاضر، فان العمل القضائي وضع للاستئناف الفرعي بعض الحدود، ويتجلى ذلك في كون ان الاستئناف الفرعي يقدم كل الاحوال الا انه لا يمكن ان يؤدي الى تاخير الفصل في الاستئناف الاصلي، بل ويكون مقبولا حتى بعد صدور قرار تمهيدي في النزاع، وكذلك بعد صدور الامر بالتخلي" (1) .

المبحث الرابع

اثار عدم احترام اجال الطعون

اولا : سقوط الحق في الطعن :

اذا لم يحترم الاجل المقرر قانونا لاستعمال طريق من طرق الطعن العادية وغير العادية والاستثنائية، فان هذا الطعن يسقط بقوة القانون اذا ما مر هذا الاجل او لم يحترم .

وهكذا فقد نصت المادة 511 من قانون المسطرة المدنية على انه : " تحترم جميع الاجال المحددة بمقتضى هذا القانون لممارسة احد الحقوق والا سقط الحق" .

فالطعن بالتعرض هو حق للطرف المحكوم ضده غيابيا اذا كان الحكم غير قابل للاستئناف ( ف 130) .

كما ان استعمال الطعن بالاستئناف هو ايضا حق للاطراف في جميع الاحوال هذا اذا قرر القانون خلاف ذلك ( ف 134)، ونفس الحق هو كذلك بالنسبة للاستئناف الفرعي ولباقي الطعون غير العادية والاستثنائية

----------------

1) الطيب بن لمقدم، م س. ص 49 .

---------------

وقد نصت المادة 215 من قانون المرافعات المصري على هذه القاعدة كما يلي : " يترتب على عدم ومراعاة مواعيد الطعن في الاحكام سقوط الحق في الطعن. وتقضي المحكمة بالسقوط من تلقاء نفسها"، قد وردت نفس الصيغة في قانون اصول المحاكمات السوري في المادة 222 .

ثانيا : تغريم الطعون الكيدية :

ارتاى المشرع ان يخضع الطعون التعسفية او التي تكتسي صبغة المجازفة او التي يكون القصد منها المماطلة والتسويف، الى عقاب واجبار الطاعن على ايداع مبلغ من المال تختلف قيمته حسب المحكمة التي قدم امامها الطعن او حسب مبلغ الدين. وهذه العقوبة المالية المحتمل فرضها من طرف المحكمة على الطاعن تسمى الغرامة المدنية وتؤدى لفائدة الخزينة .

1- وهكذا فبالنسبة للطعن بالاستئناف، اذا ما رات المحكمة ان استئناف الامر بالاداء لم يقصد منه الا المماطلة والتسويف وجب عليها ان تحكم على المدين بغرامة مدنية لا تقل عن 10 % من مبلغ الدين ولا تفوق 25 % من هذا المبلغ لفائدة الخزينة ( ف 124 م م ) .

2- اما بالنسبة للطعن بتعرض الغير الخارج عن الخصومة، فانه يحكم على الطرف الذي لا يقبل تعرضه بغرامة لا تتجاوز 100 درهم بالنسبة للمحاكم الابتدائية و300 درهم بالنسبة لمحاكم الاستئناف و500 درهم بالنسبة للمجلس الاعلى ( ف 305 م م ) .

3- واما بالنسبة للطعن بالنقض، فانه يجب على المجلس الاعلى اذا ما تبين له ان طلب النقض يكتسي صبغة المجازفة او التعسف ان يحكم على الطالب باداء غرامة مدنية لصالح الخزينة لا تتجاوز 3.000 درهم ( ف 376/2 م م ) .

وبمقتضى قانون المالية لسنة 1997-1998 تم تعديل هذه الفقرة حيث اصبح مبلغ الغرامة يتراوح ما بين 3.000 و30.000 درهم .

4- واما بالنسبة للطعن باعادة النظر، فانه يحكم على الطرف الذي يخسر طلب اعادة النظر بغرامة يبلغ حدها الاقصى 200 درهم امام المحكمة الابتدائية و500 درهم امام محكمة الاستئناف و1.000 درهم امام المجلس الاعلى ( ف 407 م م ) .

وقد ارتفعت هذه الغرامات بمقتضى قانون المالية لسنة 1997-1998 بحيث اصبحت 1.000 درهم امام المحكمة الابتدائية و2.500 درهم امام محكمة الاستئناف و5.000 درهم امام المجلس الاعلى .

ثالثا : تعويض المطعون ضده :

اذا كانت الطعون تعسفية او تكتسي صبغة المجازفة او يكون القصد منها المماطلة والتسويف، فانه يكون من حق المطعون ضده او الطرف الاخر عند الاقتضاء بطلب تعويض عن ذلك، يخضع للسلطة التقديرية للمحكمة المرفوع لديها الطعن سواء كان الطعن عاديا او غير عادي، وقد نص المشرع بصفة صريحة على امكانية تعويض المطعون ضده سواء بالنسبة للطعن بالنقض التعسفي او بالنسبة للطعن باعادة النظر طبقا للفصول305 و376/3 و407 من قانون المسطرة المدنية .

ويدخل ضمن الطعون التعسفية ممارسة هذا الحق خارج الاجل القانوني لهذه الطعون .

ومؤخرا رفع احد الموكلين دعوى امام المحكمة الابتدائية بالخميسات ضد نائبه ( المحامي) طلب فيها التعويض عن الاضرار التي اصابته من جراء عدم تقديم المحامي للطعن بالاستئناف داخل اجله القانوني وذلك على اساس ان محكمة الاستئناف بالرباط قررت عدم قبول الاستئناف لوقوعه خارج الاجل القانوني، الا ان المحكمة الابتدائية بالخميسات حكمت بعدم قبول الطلب لكون المجلس الاعلى لم يبت بعد في نقطة الخلاف هذه والمتعلقة بالاجل القانوني، وقد جاء في تعليله ما يلي : " حيث انه اعتبارا لكون المدعي بنى طلباته على التقصير المنسوب للمدعى عليه في تقديم الطعن بالاستئناف داخل الاجل القانوني ولان القرار الاستئنافي مطعون فيه بالنقض بخصوص هذه النقطة بالذات، سيما وان المدعى عليه يدفع بكون الاستئناف وقع داخل الاجل القانوني، ويؤيده في ذلك المدعي نفسه، فالخطا المدعى به يبقى محاطا بالاحتمال الى حين صدور قرار المجلس الاعلى في هذه النقطة، الامر الذي يبقى معه دعوى المدعي سابقة لاوانها فعلا ويتعين التصريح بعدم قبولها" (1) .

------------

1) ملف مدني عدد 502/98 حكم عدد 158 بتاريخ 7/4/1999 ( غير منشور ) .

-----------

رابعا : وقف التنفيذ

في بعض الحالات المحددة بصفة قانونية، يكون لاجل الطعن اثر موقف، بحيث يوقف تنفيذ الحكم .

وهكذا فقد نصت الفقرة الاخيرة من الفصل 134 من قانون المسطرة المدنية على ان اجل الاستئناف يوقف التنفيذ ما لم يؤمر بالنفاذ المعجل قضائيا. كما ان الفصل 216 من قانون المسطرة المدنية، نص ايضا على انه : " يكون للاستئناف والطعن بالنقض ولاجالهما اثر واقف"، وهذه الحالة خاصة بالاستئناف والنقض المتعلقين بحكم التطليق .

وكما ان اجل الطعن بالاستئناف واجل الطعن باعادة النظر واجل الطعن بالنقض يوقف ايضا تنفيذ الحكم الفاصل في الزور الفرعي المتعلق بحذف او تمزيق المستند كلا او بعضا او تصحيحه او اعادته الى اصله ( ف 99 م م)، ايضا فان اجل استئناف الاحكام الصادرة عن المحاكم الادارية يوقف التنفيذ، اذ انه تطبق في حالة استئناف هذه الاحكام امام المجلس الاعلى المادة 45 من قانون المحاكم الادارية التي تحيل على الفصول من 134 الى 139 من قانون المسطرة المدنية .

وعلى العكس من ذلك فان المشرع في قانون انشاء المحاكم التجارية اعتبر ان اجل استئناف الامر بالاداء غير موقف. ونص على ذلك في الفقرة الثانية من المادة 22 من قانون انشاء المحاكم التجارية حيث جاء فيها من انه : " في هذه الحالة وخلافا لمقتضيات الفصلين 121 و126 من قانون المسطرة المدنية، لا يوقف اجل الاستئناف والاستئناف نفسه تنفيذ الامر بالاداء الصادر عن رئيس المحكمة" .

المبحث الخامس

واجبات المحامي في ممارسة الطعون خلال اجالها

كيفما كانت الطعون التي يمارسها المحامي نيابة عن موكله، سواء كانت عادية او غير عادية او كانت استثنائية، فان على المحامي واجب تجاه زميله الذي يستفيد موكله من ذلك الحكم او القرار المطعون فيه. وهذا الواجب يتجلى في اخبار زميله بهذا الطعن في الوقت المناسب ذلك ان هذه القاعدة المنصوص عليها في الانظمة الداخلية لهيئات المحامين بالمغرب، هي من اجل الحفاظ على دعامات المهنة وكرامتها وروابط الزمالة ومتانتها .

وقد نص النظام الداخلي السابق لهيئة المحامين بالرباط في الفصل 28 منه على ما يلي :

" ويتعين على المحامي بمجرد قيامه باي طعن كيفما كان وفي اية مادة كانت ان يبادر بابلاغ ذلك الى الزميل المنصب عن الطرف الاخر"، واضاف : " كل اخلال بهذه المقتضيات يشكل مخالفة مهنية تعرض مرتكبها للعقوبات التاديبية". ونفس المقتضيات نص عليها النظام الداخل الحالي لهيئة المحامين بالرباط في الفصلين 24 و123، وكذلك نص عليها النظام الداخلي لهيئة المحامين بالقنيطرة في الفصلين 24 و129 منه والمصادق عليه بتاريخ 05/11/1993 من طرف مجلس الهيئة. ومن واجبات المحامي ايضا ان يمارس الطعون باسبابها في الاجال المحددة لها قانونا ومهما كانت قساوة الظروف عليه، ذلك ان مرض المحامي لا تاثير له في عدم تقديم اسباب الطعن بالنقض في الميعاد المعين قانونا (1)، ولا يعتبر من قبيل الظروف القاهرة التي تحول دون تقديم اسباب الطعن في الميعاد(2)، ذلك لان التقرير بالطعن وتقديم اسبابه من شان الطاعن لا المحامي عنه، فاذا لم يقدم اسباب الطعن الا بعد الميعاد فلا يقبل الاعتذار عن التاخير بمرض المحامي(3). ومن الواجبات ايضا ان على المحامي ان يحصل على اذن كتابي من نقيب الهيئة في حالة الطعن ضد حكم صدر لفائدة محام بصفة شخصية، طبقا للفقرة الاخيرة من ف 24 من النظام الداخلي لهيئة المحامين بالرباط. والذي يقابله الفقرة الاخيرة من ف 24 من النظام الداخلي لهيئة المحامين بالقنيطرة والتي تنص على ما يلي : " غير انه اذا دعي لتقديم طعن ضد حكم صدر لفائدة محام بصفة شخصية، فان عليه ان يتستاذن النقيب اذا كان زميله مسجلا بنفس الهيئة، ويكتفي باشعار نقيب الهيئة ان كان الزميل مسجلا امام هيئة اخرى" .

الخميسات في 7/05/20

النقيب الطيب بن لمقدم

--------------

1) حكم محكمة النقض المصرية في الطعن رقم 1307 س 41 ق جلسة 23/4/1972 مجلة المحاماة المصرية، ع 9، 10 س 55. ص 9 .

2) حكم محكمة النقض المصرية في الطعن رقم 1319 س 40 ق جلسة 14/3/1971 الموسوعة الذهبية، الاصدار الجنائي، الدار العربية للموسوعات، القاهرة، ج 8. ص 221 .

3) حكم محكمة النقض المصرية في الطعن رقم 1307 س 41 ق جلسة 23/4/1972 مجلة المحاماة المصرية، ع 9، 10 س 55. ص 9 .

----------------

* مجلة المحاكم المغربية، عدد 83، ص 80 .

دور النيابة العامة في اطار المسطرة المدنية

ادريس السياسي محام عام بالمجلس الاعلى بالرباط

النيابة العامة - هذا المصطلح - يطلق في النظام القضائي المغربي على فئة من رجال القضاء، يوحدهم جميعا السلك القضائي ويشملهم النظام الاساسي لرجال القضاء - الظهير الشريف بمثابة قانون الصادر في 26 شوال 1394 ( 11/11/1974) .

ويقوم بمهام النيابة العامة قضاة بمختلف درجات المحاكم، كما جاء في تاليفها وتنظيمها في الظهير الشريف بمثابة قانون رقم 1.74.338 المؤرخ في 24 جمادى الثانية عام 1394 ( 15/07/1974) المتعلق بالتنظيم القضائي للمملكة ( الفصول 2 و6 و10) .

وبالنسبة للجلسات التي تعقدها هيئة الحكم في القضايا الجنائية، يعد حضور القاضي الممثل للنيابة العامة بها دائما، دون مشاركته في التداول واصدار الاحكام، عنصرا اساسيا في تشكلها، وضروريا لصحة انعقادها (الفصول 4 و7 و11 من نفس القانون المشار اليه اعلاه ) .

اما بالنسبة للقضايا المدنية فان حضور النيابة العامة بالجلسات التي تعقدها هيئة الحكم بالمحاكم الابتدائية ومحاكم الاستئناف، هو بالاساس اختياري، بمعنى انه موكول لاجتهاد النيابة العامة لتحضر وتتدخل كلما اقتضت المصلحة العامة ذلك حسب اجتهادها وحسب معطيات وملابسات كل قضية، ولا يكون الزاميا الا في الاحوال المحددة بمقتضى قانون المسطرة المدنية، وخاصة اذا كانت النيابة العامة طرفا رئيسيا كمدعية او مدعى عليها، وكذا في سائر الاحوال المقررة بمقتقضى نص خاص ( الفصلان 4 و7 من نفس القانون المشار اليه اعلاه والفصل 10 من قانون المسطرة المدنية). غير ان حضورها الزامي في جميع الجلسات التي يعقدها المجلس الاعلى، لا فرق بين جلسات القضايا الجنائية وجلسات القضايا المدنية ( الفصل 11 من القانون التنظيمي المشار اليه اعلاه والفصل 375 من قانون المسطرة المدنية ) .

ويختلف دور النيابة العامة في الميدان الجنائي عنه في الميدان المدني .

ففي الميدان الجنائي : وهو في الواقع، الميدان الاساسي لنشاط النيابة العامة، تنظم دورها فيه النصوص القانونية الصادرة في هذا الميدان .

اما في الميدان المدني : فقد تكفل بتنظيم نشاطها فيه، بصفة اساسية قانون المسطرة المدنية المصادق عليه بمقتضى الظهير الشريف بمثابة قانون رقم 1.74.447 المؤرخ في 11 رمضان عام 1394 ( 28/09/1974) والذي حل محل قانون المسطرة المدنية الصادر بمقتضى الظهير الشريف المؤرخ في 9 رمضان عام 1331 (12/08/1913) وبالاخص في القسم الاول - الباب الثاني منه ( الفصول من 6 حتى الفصل 10 ) .

وقد اقتصرت في ورقة العمل هاته التي اتقدم بها بمناسبة الذكرى الاربعينية لتاسيس المجلس الاعلى، على بيان دور النيابة العامة في القضايا المدنية الخاصة، وبكل ايجاز، نزولا عند قرار لجنة التنظيم .

دور النيابة العامة في القضايا المدنية

الاصل في مهام النيابة العامة انها تقوم، وبمساعدة الشرطة القضائية التي تعمل تحت اشرافها، من التثبت من وقوع الجرائم وجمع الادلة عنها والبحث عن مرتكبيها، ثم اقامة الدعوى العمومية على من يكشف البحث عن ضلوعه في ارتكاب الجريمة كفاعل اصلي او شريك او مساعد، لتطبق عليه العقوبة المقررة في القانون الجنائي، ومن تم، فان النيابة العامة تنوب عن المجتمع في الدفاع عن حقه في حياة امنة، وحماية جميع افراده من كل فعل يمس بحقهم في الحياة وبحقوقهم المادية والمعنوية، وذلك عوض اسناد هذه المهمة الخطيرة الى المجتمع نفسه كما كان سائدا في العهود الغابرة .

غير ان المشرع جعل دورها ممتدا حتى الى بعض النزاعات المدنية التي تكتسي صبغة خاصة تقتضي تدخلها لدى القضاء بهدف الحفاظ على نظام عام، او تطبيق قانون، او تحقيق مصلحة عامة .

وقد تولى قانون المسطرة المدنية تحديد دور النيابة العامة امام المحاكم المدنية وذلك في فصول خمسة من الفصل 6 حتى الفصل 10 .

فالفصل 6 ينص على انه :

يمكن للنيابة العامة ان تكون طرفا رئيسيا او ان تتدخل كطرف منضم وتمثل "الاغيار في الحالة التي ينص عليها القانون" .

اذن فدور النيابة العامة في القضايا المدنية اما ان يكون بصفتها طرفا رئيسيا فيها، واما ان يكون بصفتها طرفا منضما فقط .

اولا : دورها كطرف رئيسي :

وهي تكون طرفا رئيسيا في النزاع عندما تكون هي المدعية، اي تاتي المبادرة منها بتقديم طلب للقضاء بقصد اصدار حكم او قرار، وذلك في الاحوال التي يسمح لها القانون بذلك او تكون مدعى عليها، بمعنى ان الغير الذي وجه دعواه عليها هو الذي جعلها طرفا رئيسيا في نزاعه معها. ففي كلتا الحالتين تكون طرفا رئيسيا .

والاحوال التي نص القانون فيها على دور النيابة العامة كطرف رئيس بصفتها مدعية او مدعى عليها كثيرة ومتفرقة في نصوص قانونية مختلفة، وحتى في نص قانوني واحد .

فمن الاحوال الواردة في قانون المسطرة المدنية :

التدابير الواجب اتخاذها ضد اولياء القاصرين ( الفصل 190 ) .

القضايا المتعلقة بتسيير اموال الغائبين ( الفصل 263 ) .

قضايا التركات الشاغرة ( الفصل 267 ) .

قضايا التحجير ( الفصل 197 ) .

التصريحات القضائية المتعلقة بالحالة المدنية وتصحيح وثائقها ( الفصول 217 و218 و219 ) .

ومن الاحوال الواردة في غيره من النصوص القانونية :

احالة بعض الاحكام الصادرة عن محاكم الجماعات او المقاطعات ( الفصل 20 من الظهير الشريف المؤرخ في 24 جمادى الثانية عام 1394 ( 15/07/1974) بشان تنظيم محاكم الجماعات والمقاطعات ) .

حالة النزاع من طرف المحكوم عليه باداء مبالغ مالية في صحة اجراءات الاكراه البدني المتخذة في حقه (الفصل 683 من قانون المسطرة الجنائية ) .

التعرض على بعض مطالب التحفيظ لفائدة المحجورين والغائبين والمفقودين وغير الحاضرين - الفصلان 26 و29 من ظهير التحفيظ العقاري المؤرخ في 9 رمضان عام 1331 ( 12/08/1913 ) .

دعاوي البطلان وسقوط الحق في قضايا براءات الاختراع المسلمة من المكتب المغربي للملكية الصناعية - الفصل 52 - الفقرات 2 و4 و5 - والفصل 54 - الفقرتان 3 و4 - من الظهير الشريف الصادر بتاريخ 23/06/1956 المتعلقة بحماية الملكية الصناعية .

بعض القضايا المتعلقة بمهنة المحاماة - الظهير الشريف رقم 1.93.162 بمثابة قانون المؤرخ في 10/09/1993 بتنظيم مهنة المحاماة - مثل :

طلبات الوكيل العام للملك لدى محكمة الاستيناف التي يوجهها الى نقيب الهيئة بقصد اتخاذه بعض الاجراءات بشان محام ( 56-64-71) او بقصد ان يتخذ مجلس الهيئة مقررات ( المادة 73 ) طعنه لدى محكمة الاستيناف في المقررات الصادرة عن مجلس الهيئة وفي محاضر انتخاب اعضاء مجلس الهيئة واتخاب النقيب ( المادة 90 ) وفي بعض القرارات الصادرة عن النقيب. ( المادة 92 ) طلبه من محكمة الاستيناف معاينة بطلان المداولات والمقررات المتخذة من طرف الجمعية العامة او مجلس الهيئة خارج نطاق اختصاصهما او خلافا للمقتضيات القانونية او من شانها ان تخل بالنظام العام ( المادة 86 ). متابعته تاديبيا للنقيب او لعضوين فاكثر من مجلس الهيئة امام محكمة الاستيناف ( المادة 69 ) وطعنه لدى المجلس الاعلى في القرارات الصادرة عن محكمة الاستيناف في القضايا المشار اليها اعلاه ( المادة 93 ) باستثناء القرارات المتعلقة بتحديد اتعاب المحامين والتي لا تقبل اي طعن ( المادة 92 ) .

قضايا المنازعات بشان الجنسية - الظهير الشريف الصادر بتاريخ 6/9/1958 .

طعن النيابة العامة امام المحكمة الابتدائية في صحة تصريح من التصريحات التي تمت الموافقة عليه سابقا بشان الرغبة في في اكتساب الجنسية المغربية او في فقدانها او التنازل عنها او استرجاعها (الفصل 28 منه ) .

رفع الدعوى من طرف النيابة العامة او من المعني بالامر ضدها بشان الاعتراف بالجنسية او انكارها - فتكون النيابة العامة طرفا رئيسيا بصفتها مدعية او بصفتها مدعى عليها ( الفصلان 36 و41 ) .

قضايا حل الجمعيات - الظهير الشريف الصادر بتاريخ 15/11/1958 المنظم لحق تاسيس الجمعيات والمغير بمقتضى الظهير الشريف الصادر في (11/04/1973) .

ففي حالة بطلان تاسيس جمعية ( الفصل 3 منه ) تعلن المحكمة حلها بطلب من النيابة العامة. وفي حالة مخالفة مقتضيات الفصل 5 منه يمكن ان يصدر حل الجمعية بطلب من النيابة العامة ايضا ( الفصل 7 منه ) .

متابعة الاعوان القضائيين تاديبيا - القانون رقم 80-41 باحداث هيئة الاعوان القضائيين وتنظيمها المنفذ بمقتضى الظهير الشريف الصادر بتاريخ 25/12/1980 .

فعندما تقع مخالفة مهنية من طرف احد الاعوان القضائيين تستحق عقوبة تاديبية من الدرجة الثانية ( السحب المؤقت والسحب النهائي لرخصة مزاولة المهنة) فان متابعته تاديبيا تكون من طرف المحكمة الابتدائية وبطلب من وكيل الدولة لديها ( الفصل 19 من القانون المذكور) .

متابعة العدول تاديبيا - الظهير الشريف الصادر بتاريخ 06/05/1982 بشان تنظيم خطة العدالة .

فاذا ما ارتكب عدل من العدول المسندة اليهم مهمة التوثيق مخالفة مهنية فان متابعته تاديبيا تكون امام محكمة الاستيناف بطلب من الوكيل العام للملك لديها - كما يمكن له الطعن بالنقض ضد القرار الاستينافي ( الفصل 16 من الظهير المذكور ).

والنيابة العامة عندما تكون طرفا رئيسيا في المسطرة، سواء كانت مدعية او مدعى عليها، يكون حضورها الزاميا في الجلسات ( الفصل 10 من ق م م ) .

وتتساوى مع الطرف الاخر في التقاضي، بحيث تعتبر كانها طرف عادي، لها ماله، وعليها ما عليه من الحقوق والواجبات المقررة في مسطرة التداعي، بحيث يجب ان تبلغ طلباتها ومذكراتها اليه كما تبلغ طلباته ومذكراته اليها، ويكون لها حق الترافع اولا اذا كانت هي المدعية وان ترافع بعد المدعي اذا كانت مدعى عليها، ولا يمكن للطرف الاخر ان يخرجها لانه ليس للخصم ان يجرح خصمه. ويحق لها ان تستعمل جميع طرق الطعن المخولة للطرف الاخر ما عدا الطعن بالتعرض ( الفصل 7 من قانون المسطرة المدنية ) لانه لا يتصور غياب النيابة العامة. وهي عندما تكون طرفا رئيسيا في الدعوى يجب ان تبلغ اليها الاحكام والقرارات الصادرة في النزاع لكي تجري اجال الطعن بالنسبة اليها .

ثانيا : دور النيابة العامة بصفتها طرفا منضما

لقد نص الفصل 6 من قانون المسطرة المدنية على انه يمكن للنيابة العامة ان تكون طرفا رئيسيا او ان تتدخل كطرف منضم .

وقد بينا فيما تقدم بعض القضايا التي يكون فيها دور النيابة العامة طرفا رئيسيا في الدعوى سواء كانت مدعية او مدعى عليها .

ونبين فيما يلي، وبايجاز، القضايا التي يكون فيها دور النيابة العامة طرفا منضما .

جاء في الفصل 8 من قانون المسطرة المدنية :

" تتدخل النيابة العامة كطرف منضم في جميع القضايا التي يامر القانون بتبليغها اليها، وكذا في الحالات التي تتطلب النيابة العامة التدخل فيها بعد اطلاعها على الملف، او عندما تحال عليها القضية تلقائيا من طرف القاضي " .

ثم جاء الفصل 9 مبينا ومحددا القضايا التي يجب تبليغها الى النيابة العامة، وجاء في الفقرة 12 منه انه :

" يمكن للنيابة العامة ان تطلع على جميع القضايا التي ترى التدخل فيها ضروريا" .

ثم جاء في الفقرة 13 بعدها : " للمحكمة ان تامر تلقائيا بهذا الاطلاع" .

ويعلم من هذه النصوص ان النيابة العامة تتدخل كطرف منضم اما بصفة الزامية من طرف القانون، واما بصفة اختيارية من طرفها .

أ‌- الحالات التي يكون تدخل النيابة العامة فيها كطرف منضم الزامية .

لقد اوجب المشرع على النيابة العامة ان تتدخل بصفتها طرفا منظما في قضايا محددة اوجب على المحكمة ان تبلغها اليها كما جاء في الفصل التاسع من قانون المسطرة المدنية الذي يقول : " يجب ان تبلغ الى النيابة العامة الدعاوي الاتية :

1- القضايا المتعلقة بالنظام العام والدولة والجماعات المحلية والمؤسسات العمومية و" الهبات والوصايا لفائدة المؤسسات الخيرية وممتلكات الاحباس والاراضي الجماعية .

2- القضايا المتعلقة بالاحوال الشخصية والنيابات القانونية .

3- القضايا المتعلقة بفاقدي الاهلية، وبصفة عامة، جميع القضايا التي يكون فيها ممثل قانوني نائبا او مؤازر لاحد الاطراف .

4- القضايا التي تتعلق وتهم الاشخاص المفترضة غيبتهم .

5- القضايا التي تتعلق بعدم الاختصاص النوعي .

6- القضايا التي تتعلق بتنازع الاختصاص، تجريح القضاة والاحالة بسبب القرابة " او المصاهرة" .

7- مخاصمة القضاة .

8- قضايا الزور الفرعي .

ففي هذه القضايا كلها يجب على النيابة العامة ان تتدخل كطرف منضم لتقدم مستنتجاتها فيها كتابة او شفويا .

واذا كان المشرع اوجب على المحكمة ان تبلغ الى النيابة العامة ملفات القضايا المعروضة عليها والتي تتعلق المنازعات فيها باحد الموضوعات المبينة اعلاه، واوجب على النيابة العامة ان تتدخل فيها كطرف منضم، فانه لا يهدف من وراء ذلك الى مساندة النيابة العامة لطرف ضدا على اخر، لان مثل هذا الموقف يمس بمبدا المساواة بين الخصوم الذي هو اساس العدالة، وانما هدفه يتجاوز شخصية الاطراف بحيث ان تدخل النيابة العامة كطرف منضم لا يجعلها طرفا في النزاع، بل تظل اجنبية عنه. وتدخلها منظور فيه الى الدفاع عن نظام عام او مصلحة عامة او حماية حقوق غائبين او اشخاص مفترضة غيبتهم او فاقدي الاهلية، وبعبارة اخرى، فهي تكون طرفا منضما الى الدعوى لا لفائدة طرف من الاطراف، وذلك بواسطة تقديم ملتمساتها الى المحكمة، وفي حدود النزاع كما هو معروض عليها .

ويجب ان تقع الاشارة في الحكم الى ايداع النيابة العامة لمستنتجاتها او تلاوتها بالجلسة تحت طائلة بطلان الحكم ( الفقرة الاخيرة من الفصل 9) .

واعتبارا لكون تدخلها في المسطرة كطرف منضم لا يجعلها طرفا رئيسيا فيه، فانه ليس لها ان ترافع قبل الطرفين المتداعيين، وانما تكون هي اخر من يرافع، ولا يكون للطرفين حق التعقيب على مرافعتها، ويمكن للاطراف استعمال مسطرة التجريح في حق ممثل النيابة العامة كما يجرح قضاة الحكم ( الفصل 299 من قانون المسطرة المدنية ) وليس للنيابة العامة ان تستعمل اي طريق من طرق الطعن في الحكم الذي تصدره المحكمة، ضرورة انها ليست بطرف في النزاع .

نعم يكون للوكيل العام للملك لدى المجلس الاعلى اذا علم بوجود صدور حكم انتهائي على وجه مخالف للقانون او لقواعد المسطرة ولم يتقدم احد من الاطراف بطلب نقضه في الاجل المقرر، حق احالته على المجلس الاعلى بقصد نقضه لفائدة القانون بحيث لا يمكن لاي من الاطراف ان يستفيد من النقض اذا ما وقع ليتخلص من الحكم المنقوض ( الفصل 381 من قانون المسطرة المدنية ) .

كما انه اذا ما تلقى الامر من وزير العدل، يحيل الى المجلس الاعلى القرارات الصادرة عنه والتي قد تكون متسمة بتجاوز القضاة فيها سلطاتهم. وهنا اذا وقع الالغاء فانه يسري على جميع اطراف الدعوى بحيث يستفيد منه من كان القرار صدر ضده، وذلك على عكس الالغاء لفائدة القانون ( الفصل 382 من نفس القانون).

واذا كانت القضايا التي يجب على المحكمة ان تبلغها الى النيابة العامة لكي تتدخل فيها كطرف منضم محددة في نص الفصل التاسع من قانون المسطرة المدنية فانه بالنسبة للمجلس الاعلى يجب ان تبلغ اليه جميع القضايا المعروضة عليه، كما جاء في الفصل 366 من قانون المسطرة المدنية، الفقرة الثانية، والذي يقول : " اذا راى المستشار المقرر ان القضية اصبحت جاهزة اصدر امرا بالتخلي عنها وتبليغها الى النيابة العامة مع وضع تقريره " .

ويجب على النيابة العامة دائما ان تقدم مستنتجاتها خلال اجل 30 يوما، كما يجب ان تكون حاضرة بالجلسات التي يعقدها المجلس الاعلى وان يقع الاستماع اليها بعد الاستماع الى الاطراف ان طلبوا ذلك ( الفصل 372 ) .

ب‌- الحالات التي يكون الخيار فيها للنيابة العامة في التدخل

فمن جهة اولى : جعل المشرع للنيابة العامة، الحق في الاطلاع على ما تشاء من الملفات المعروضة على المحكمة لتتدخل فيها اذا ما رات ان المصلحة العامة تقتضي تدخلها .

وهنا يكون تدخلها اختياريا وتلقائيا .

وبالطبع، فان استعمالها لهذا الحق الاختياري والتلقائي في التدخل الذي خوله لها القانون انما يكون لرعاية مصلحة عامة، لا لرعاية مصلحة شخصية لطرف من الاطراف الذين يجب ان تصان حقوقهم في التقاضي صيانة كاملة عن اي تدخل كيفما كان مصدره. ولهذا فان على النيابة العامة ان تتخذ الحذر الشديد حتى لا تدخل الا عندما يكون لتدخلها مبرر تمليه مصلحة العدالة وحماية القانون، لا المصلحة الشخصية للاطراف التي يجب ان تبقى بمناى عن اي تدخل .

وهي عندما تتدخل تدلي بمستنتجاتها كتابة او شفويا .

ومن جهة اخرى - جعل المشرع للمحكمة الحق في تبليغها تلقائيا الى النيابة العامة كل قضية رات ان المصلحة العامة تقتضي ان تطلع النيابة العامة عليها .

وهنا ايضا يكون للنيابة العامة الخيار في تقديم مستنتجاتها ان رات في النازلة ما يبرر ذلك، من غير ان تكون ملزمة بتقديم مستنتجاتها لمجرد ان المحكمة احالت عليها القضية بقصد الاطلاع، والحال انها ليست من القضايا الواجبة التبليغ الى النيابة العامة كما سبق بيانه .

وفي الحالات التي يكون تدخل النيابة العامة فيها اختياريا لا تكون بالطبع ملزمة بالحضور بالجلسة مثل عدم الزامها بتقديم مستنتجاتها .

ويستخلص مما تقدم ان النيابة العامة، وهي تقوم بدورها الاساسي في القضايا الجنائية، تقوم في نفس الوقت بدور ذي اهمية كبيرة في القضايا المدنية، وهذا ما يجعل العبء الذي تتحمله ثقيلا جدا، علاوة على مختلف نشاطاتها الولائية والادارية المتعددة .

* مجلة المحاكم المغربية، العدد 84، ص 30 .

المناولة المينائية و التشوين طبقا للاحكام الجديدة للقانون البحري الجزائري

محمد بن عمار

استاذ محاضر في الحقوق

جامعة ابي بكر بلقايد - تلمسان

في القديم كانت السفينة تنتقل من ميناء الى اخر لنقل البضائع حسب الطلب اي بطريقة غير منتظمة. كانت البضائع قليلة الوزن فكان طاقم السفينة يقوم بنفسه بعملية الشحن في ميناء الذهاب كما كان يقوم بفك هذه البضاعة وتفريغها في ميناء الوصول. كانت السفينة ترسو في ميناء مدة طويلة وعليه كان الطاقم يستفيد من وقت كاف سواء لشحن او لتفريغ البضاعة، غالبا ما كانت تشحن وتفرغ البضائع على ظهر البحارة . في بعض الاحيان كانت تستعمل تجهيزات السفينة وفي احيان اخرى كانت تتم الاستعانة بعمال اجانب على السفينة .

مع تطور وسائل النقل البحري وظهور رحلات منتظمة وكذا ارتفاع حجم الحمولة برزت الى الوجود مؤسسات مختصة في عمليات الشحن والتفريغ. نشاطات هذه المؤسسات لم تقصر على هذا الجانب المادي بل امتدت الى جانب اخر قانوني يتمثل في استلام البضاعة والمحافظة عليها في انتظار شحنها او في انتظار تسليمها لاصحابها - يعبر على العمليات ذات الطابع المادي للمناولة المينائية « La Manutention portuaire » بينما يعبر على العمليات ذات الطابع القانوني بالتشوين "Lacconage".

القانون البحري في صيغته الاصلية (1) لم يميز بين هذين النشاطين ونظمهما في الباب السابع منه تحت عنوان"الشحن والتفريغ في الموانئ"، وخلافا لذلك،

-------------------

1) راجع الامر 76-80 المؤرخ في 23/10/1976 الجريدة الرسمية رقم 29 الصادرة 10/04/1977 ص 550 .

-----------------

التعديلات التي ادخلت على القانون البحري مؤخرا ( 2 ) اقرت هذا التمييز في فصلين اثنين من الباب الخامس - الاول ينظم المناولة المينائية والثاني التشوين - اذا لم يقم المشرع الجزائري، هذا التمييز في قانون1976السبب ربما هو ممارسة النشاط في حد ذاته الذي كان مقتصرا على شركة عمومية واحدة بصفة احتكارية .

قبل دراسة احكام المناولة المينائية والتشوين وفقا للتعديلات التي ادخلت على القانون البحري علينا ان نذكر بكيفية ممارسة هذه النشاطات منذ الاستقلال الى يومنا هذا .

1- تاريخ المناولة المينائية والتشوين

مباشرة بعد الاستقلال وقبل انشاء الشركة الجزائرية للملاحة البحرية سمح لبعض المقاولات المملوكة للفرنسيين بالاستمرار في القيام بنشاطاتها .

في سنة 1963 انشات الشركة الجزائرية CNAN التي كانت تمارس نشاطات مختلفة كنقل المسافرين وعلميات السمسرة والوكالة وقطر السفن وكذلك المناولة المينائية والتشوين .

بعد مغادرة الفرنسيين استفادت الشركة الوطنية للملاحة البحرية من وسائل مقاولتهم واصبحت المؤسسة الوحيدة التي تقوم بشحن وتفريغ البضائع على مستوى الموانئ في البلاد. هذا النوع من الاحتكار الفعلي لعمليات الشحن والتفريغ للبضائع كرس قانونيا بعد صدور الامر 69-50 في 17 جوان 1969 (3). تضمنت هياكل الشركة الوطنية للنقل البحري قسما للمناولة المينائية والتشوين - نمو هذا الاخير نتج عنه ميلاد شركة وطنية مستقلة في عام 1971(4)، مهمتها الاساسية هي شحن وتفريع البضائع، سميت بالشركة الوطنية للشحن والتفريغ في الموانئ SONAMA » « .

-------------------

2) راجع القانون رقم 98-05 المؤرخ 25/06/1998 المعدل والمتمم

3) راجع المرسوم رقم 69-50 المؤرخ 17/06/1969 والمتضمن الشركة الوطنية لجزائرية النقل البحري للشحن والتفريغ في الموانئ

4) راجع الامر 71-16 المؤرخ في 09/04/1971 لمتضمن انشاء " سوناما" .

------------------

في سنة 1982 مع ظهور اول بوادر السياسة الانفتاحية للدولة الجزائرية باللجوء الى ما عرف انذاك باعادة هيكلة المؤسسات الاقتصادية (5)، حلت شركة " سوناما" وعوضت بمؤسسات مينائية متواجدة الى حد الان على مستوى عشرة موانئ - الملاحظ اليوم ان هذه المؤسسات رفع عنها احتكار ممارسة عدة نشاطات مينائية.

المادة892 من القانون المعدل والمتمم للقانون البحري تنص صراحة على ان " اعمال المناولة والتشوين نشاطات تجارية مينائية يمكن ممارستها من طرف كل شخص طبيعي من جنسية جزائرية او شخص معنوي خاضع للقانون الجزائري ." .

كان يوجد نوعان من عمال الموانئ منهم المحترفون ومنهم المؤقتون. كانت شروط العمل تحددها اتفاقية جماعية ابرمت في عام 1946 وعدلت بعد الاستقلال في عام 1965 - فئة المحترفون يتمتعون بأسبقية في التوظيف كانت لديهم بطاقة الاحتراف - التوظيف كان يتم يوميا عن طريق المكتب الرئيسي لليد العاملة أين كانوا يتجهون كل صباح - من امتيازات هذه الفئة انه في حالة عدم توظيفهم كان لهم الحق في الحصول على تعويض مالي ولو كان ضعيفا .

لقد عمدت الدولة الجزائرية على تحسين وضعية عمال الموانئ والجميع يعرف التضحيات التي قدموها خلال الثورة التحريرية خاصة في ميناء العاصمة وميناء وهران .

ففي اول ماي 1974 الغى النظام السابق للتوظيف الذي كان معمولا به وادمج كل العمال المحترفين بقوة القانون في شركة " سوناما" كما ادمج اغلبية المؤقتين لاعتبارات اجتماعية الى نفس الشركة واصبح يعمل بالنظام الدائم فقط .

الملاحظ ان الجزء القليل من العمال المؤقتين الذين لم يستفيدوا من الادماج في " سوناما" وظفوا في شركات وطنية اخرى .

اذا كان العنصر البشري هام في عمليات المناولة المينائية والتشوين فان الوسائل المادية لها اهميتها - تنوعها او عدم تنوعها وكذلك كثرتها او قلتها يؤثر على

______________

5) راجع المرسوم 80-242 المؤرخ في 04/1980 المتضمن اعادة هيكلة المؤسسات الاقتصادية .

----------------------

سرعة شحن او تفريغ البضائع - ان بقاء السفينة راسية داخل الميناء لمدة طويلة لا يخدم لا مصلحة مالكها ولا مصلحة مالك البضائع .

لقد عانت ولازالت تعاني الموانئ الوطنية من العجز في الوسائل وكذا من قدمها مما يفسر المشاهد للسفن التي تنتظر سواء داخل الموانئ او خارجها دورها من اجل تفريغها او شحن البضائع على متنها .

تنقسم وسائل الشحن والتفريغ الى وسائل عمومية ووسائل خاصة - ويدخل ضمن النوع الاول .

اجهزة شحن وتفريغ البضائع والمناولة على الارصفة وكذلك رفع الصواري وازال الصواري الاصلية الخ .

المخازن التي تودع فيها البضائع مؤقتا من اجل التعريف عليها .

محطة نقل المسافرين وامتعتهم .

رافعات مختلفة ( رافعة مسند قلاب، رافعة قنطرية، رافعة على السكة الخ ) .

عند عدم او قلة الوسائل العمومية غالبا ما يقوم اصحاب البضاعة سواء مرسليها او المرسل اليهم بعملية الشحن والتفريغ بانفسهم مستعملين في ذلك وسائلهم الخاصة. المبدا هو انه لا يسمح بمثل هذا الاستعمال الا عند عدم توفر الوسائل لدى مؤسسة الميناء .

منذ سنتين، وخاصة بعد ان تبنت الجزائر سياسة اقتصادية جديدة مبنية على حرية التجارة، تعرف الموانئ تحولات جديدة تمثلت في انشاء مرافئ للحاويات Terminaux à conteneurs في عدة موانئ وتجهيز هذه الاخيرة بوسائل ومعدات جديدة .

بعدما وضحنا الاطار المادي للمناولة المينائية والتشوين نتعرض الان الى الاطار القانوني لممارسة هذه الانشطة .

2- الاطار القانوني لممارسة المناولة المينائية والتشوين

تهدف المناولة المينائية الى التكفل بالبضاعة ماديا بحيث يقوم مقاول المناولة بشحن البضائع ورصها وفكها وانزالها كما يلتزم بوضع البضائع على السطوح الترابية والمغارات واخذها هذا الالتزام جوهري - المناولة اذن لا تحتوي فقط على الشحن والتفريغ، وانما تتوسع لتشمل التكفل بالبضاعة على الارصفة او بجانب السفينة او حتى على السطوح الترابية او في المغارات وهي في انتظار شحنها او تفريغها .

حسب المادة 920 من القانون الصادر في 25 جوان 1998 (6)، يشمل التشوين العمليات الموجهة لتامين الاستلام والتاشير والتعرف في اليابسة على البضائع المشحونة او المنزلة وحراستها الى ان يتم شحنها او تسليمها الى المرسل اليه .

على خلاف المناولة المينائية يقوم مقاول التشوين بالتكفل القانوني للبضاعة العمليتان في الحقيقة متكاملتان .

التمييز الذي قام به المشرع الجزائري في الاحكام الجديدة للقانون البحري بين المناولة المينائية والتشوين لا يعني بتاتا وجود مقاولات خاصة او تختص في احد النشاطين - بالعكس مادام اننا بصدد حرية التجارة وحرية المقاولة، القانون لا يمنع على اية مقاولة الاحتراف في المناولة المينائية والتشوين معا، بل اكثر من ذلك قد يقوم وكيل العبور بعمليات المناولة المينائية ويبقى تصرفه صحيحا ما لم يمنع القانون صراحة ذلك .

تعتبر عقود المناولة المينائية والتشوين عقود رضائية لا يشترط لصحتها الكتابة كما يستخلص ذلك من المادتين (7) 913 و921 من القانون المعدل والمتمم للقانون البحري عكس ما كانت تنص عليه المادة 875 فقرة 1 الملغاة من القانون البحري، من جهة اخرى تعتبر عقود المناولة المينائية والتشوين عقود تجارية يجوز اثباتها بجميع الوسائل وفقا لما جاءت به المادة 30 من القانون التجاري .

_____________

6) انظر اعلاه ص 2

7) راجع : René Rodiere : Traité Droit Maritime; Tome 3. Dalloz p53.

-------------------

قد يصعب تحديد الطبيعة القانونية لعقد المناولة المينائية وعقد التشوين لانهما يحتويان على عدة عمليات. اذا نظرنا الى عمليات المناولة المينائية التي تشمل شحن وتفريغ البضائع او انزالها ووضعها على السطوح الترابية وفي المغارات، نستطيع ان نصنف هذا العقد ضمن عقود المقاولة(8)، اما عقد التشوين الذي يشمل على عمليات قانونية تتمثل في تامين الاستلام والتاشير والتعرف على البضائع وتسليمها الى المرسل اليه قد يكون عقد وكالة او عقد انابة لان مقاول التشوين يحل محل صاحب البضاعة. يمكن اعتبار كذلك عقد التشوين عقد وديعة ما دام ان مقاول التشوين يلتزم بحراسة البضائع .

تنفيذ عقد المناولة المينائية وعقد التشوين يدفع الى التعرف على التزامات ومسؤوليات المتعاقدين، ففي عقد المناولة المينائية لابد من تحديد من هم اطراف العقد، هذه الاطراف قد تحددها نوعية الخدمات - فعندما يتعلق الامر بالعمليات المادية، المتمثلة في شحن البضائع، ورصها وفكها وانزالها، حتميا الطرف المتعاقد مع المقاول المكلف بالمناولة المينائية هو الناقل - هذا الاخير يبقى مسؤولا طبقا للمادة 773 من القانون البحري على تحميل البضاعة ورصها وصيانتها حتى ولو اوكل المهمة لصاحب البضاعة - فمقاول المناولة المينائية يقوم بعمليات الشحن والتفريغ لحساب الناقل .

اما عندما يتعلق الامر بعمليتي وضع البضائع على السطوح الترابية والمعازات واخذها، هنا يمكن لمقاول المناولة المينائية ان يقوم بهااما لحساب الناقل واما لمن له الحق في البضاعة (9) .

على كل يجب على المقاول طبقا للمادة 914 من القانون المعدل والمتمم للقانون البحري ان يقوم بعمليات المناولة المينائية معتمدا في ذلك الكفاءة المهنية والتاهيل - نفس الالتزام قائـم بالنسبة لمقاول التشوين وذلك عملا بنص المادة 922 من القانون المذكور .

_____________

8) راجع المادة 549 من القانون المدني الجزائري .

راجع E. du Pontavice. P. Cordier : Transport et affrètement maritimes - Dalmas 2° Edition 1990 p 162.

-----------------

تنص المادة 915 من القانون البحري المعدل والمتمم انه يكون مقاول المناولة المينائية مسؤولا في حالة خطئه تجاه من طلب خدماته - ووفقا لهذا المبدا اساس مسؤولية المقاول هو العقد - يجوز لكل من يتعاقد معه متابعته في حالة خطئه على هذا الاساس - المتعاقد مع المقاول قد يكون الشخص الذي تعاقد معه مباشرة او تعاقد بصفة غير مباشرة بواسطة شخص اخر كما ورد آنفا .

اما بالنسبة للغير الخارج عن العقد فلا يحق له متابعة مقاول المناولة المينائية الا على اساس المسؤولية التقصيرية عندما نلحق به ضررا .

كذلك بالنسبة لمقاول التشوين لا تسمح المادة 924 من القانون البحري من متابعته على اساس العقد الا لمن طلب خدماته .

اذا كان التزام مقاول المناولة المينائية التزام بوسيلة فان التزام مقاول التشوين هو التزام بنتيجة وعليه لا يسال الاول على الخطا الثابت (Faute prouvée) بينما يمكن متابعة الثاني على اساس الخطا المفترض (Faute présumée) على عكس القانون المدني الذي يقرر مبدا التعويض الكامل عن الاضرار، فان مقاول المناولة المينائية يستفيد من مبدا تحديد المسؤولية الذي يعرف به للناقل البحري، فالمادة 916 من القانون المعدل والمتمم للقانون البحري ترجع الى الفصل الخاص بمسؤولية الناقل او بالضبط الى المادة 881 منه .

نشير هنا الى ان مبدا تحديد المسؤولية لا يمكن التمسك به الا في حدود المسؤولية العقدية، معنى ذلك ان خارج هذه الحدود تبقى المسؤولية كاملة .

لا يستفيد مقاول التشوين من مبدا تحديد المسؤولية، فهو مطالب بالتعويض عن الاضرار التي تلحق البضائع دون ان تفوق قيمة التعويض القيمة الفعلية للبضائع- من جهة اخرى يغض مقاول التشوين من المسؤولية اذا بقيت البضائع لمدة تتعدى الاجال المسموحة ما لم يتفق الاطراف على خلاف ذلك .

ان توقف السفينة اكثر من اللازم في الميناء ليس في صالح مالكها لذا نصت المادة 917 من القانون البحري المعدل والمتمم على انه بعد انقضاء الاجل التعاقدي لا يمكن لمقاول المناولة المينائية ان يتحرر من مسؤوليته على الضرر الذي احدثه للسفينة بسبب اي تاخر في عمليتي الشحن والتفريغ - وبالعكس يجوز للمقاول ان يدفع بعدم مسؤوليته اذا تبين ان تجاوز الاجل لا يرجع اليه نشير الى ان الطرف الذي يتسبب في توقف عمليات الشحن والتفريغ هو المسؤول على النفقات الناتجة عن هذا التوقف ولا يستطيع ان يتمسك بعدم مسؤوليته الا في حالة القوة القاهرة .

يشترط القانون ان يحدد التعويض على تجاوز الشحن والتفريغ في عقد المناولة .

وفي راينا المشرع الجزائري اراد من خلال هذه الاحكام ان يدفع بمقاولي المناولة المينائية والتشوين الى القيام باعمالهم في اوقات معقولة حتى ينزع على الموانئ الوطنية تلك الصورة السلبية التي كثيرا ما تميزت بها والمتمثلة في الانسداد والاكتضاض - نعرف ان هذا الانتظار للسفن له انعكاسات اقتصادية ومالية .

اخيرا الدعاوي سواء المترتبة عن عقد المناولة المينائية او عن عقد التشوين تنقضي بعد سنة واحدة يسري من يوم انتهاء اخر عملية منصوص عليها في احد العقدين. يمكن ان يوقف سريان هذه المدة طبقا لما نصت عليه المواد 317 و318 من القانون المدني الجزائري في حالة المطالبة القضائية او الحجز او اقرار المدين لحق الدائن .

الخاتمة

وضع المشرع الجزائري من خلال تعديل القانون البحري احكاما جديدة من شانها ارجاع للميناء طبيعته الاصلية وهي مكان للعبور وليس مكان يستعمل لايداع البضائع - كذلك هذه الاحكام قد ينتج عن تطبيقها التقليل من اكتضاض الموانئ .

بالفعل نص على انه لا يمكن للبضائع العابرة على الموانئ ان تمكث اكثر من الوقت اللازم لاستيفاء الاجراءات، واذا انقضى الاجل، يوجه اعذار لصاحب البضاعة او وكيله حتى يلتزم برفع السلع، وفي حالة عدم استجابة صاحب البضاعة للاعذار الموجه اليه فان البضائع تحول الى المناطق الفسحة والمساحات الجمركية، يتحمل صاحب البضاعة مصاريف التحويل .

* مجلة المحاكم المغربية، العدد 84، ص 89 .

اشكالية جناية المواقعة بغير الرضا ( الاغتصاب ) في قانون العقوبات الليبي

احمد محمد بونة استاذ بجامعة خليج سرت ليبيا

تمهيد وتقسيم :

الحرية الجنسية حماها المشرع الليبي كغيره من التشريعات الاخرى، باعتبار ان الاعتداء على هذه الحرية يتمثل في اكراه الشخص على مسلك جنسي يرفضه وتاباه الشرائع والاعراف والقيم الاجتماعية التي تحصر السلوك الجنسي المشروع بين الزوجين فقط .

لقد نص المشرع الليبي على جريمة المواقعة وبين عقوباتها في الباب الثالث من الكتاب الثالث من قانون العقوبات تحت عنوان ( الجرائم ضد الحرية والعرض والاخلاق) في المواد ( من 424 - 407)، الا اننا نكتفي في هذا المقام بدراسة جريمة المواقعة المنصوص عليها في المادة ( 407 ق ع ل ) المعدلة بالقانون رقم 70 لسنة 1973 م في شان اقامة حد الزنا وتعديل بعض احكام قانون العقوبات .

كما نقوم باطلالة على القانون المذكور اعلاه كلما كان ذلك لازما، ونشير ايضا الى القانون رقم 10 لسنة 1985 م بتقرير بعض الاحكام الخاصة بجرائم الاداب العامة الذي اعتبر الجرائم المرتكبة ضد الحرية والعرض والاخلاق المنصوص عليها في الباب الثالث من الكتاب الثالث من قانون العقوبات ومن بينها جريمة المواقعة دون الرضا معتبرا اياها من الجرائم المخلة بالشرف التي يحرم من تطبق عليه من ميزات هامة في الحياة العملية .

فتنص المادة (407 من ق ع ل) المعدلة بالقانون رقم 70 لسنة 1973 في شان اقامة حد الزنا وتعديل بعض احكام قانون العقوبات على انه :

1) كل من واقع اخر بالقوة اوالتهديد اوالخداع يعاقب بالسجن مدة لا تزيد عن عشر سنوات .

2) وتطبق العقوبة ذاتها على من واقع ولو بالرضا صغيرا دون الرابعة عشرة او شخصا لا يقدر على المقاومة لمرض في العقل او الجسم، فاذا كان المجني عليه قاصرا اتم الرابعة عشرة ولم يتم الثامنة عشرة فالعقوبة بالسجن مدة لا تزيد على خمس سنوات .

3) واذا كان الفاعل من اصول المجني عليه او من المتولين تربيته او ملاحظته او ممن لهم سلطة عليه او كان خادماعنده اوعند من تقدم ذكرهم يعاقب بالسجن ما ببين خمس سنوات وخمس عشرة سنة .

4) وكل من واقع انسانا برضاه يعاقب هو وشركه بالسجن مدة لا تزيد على خمس سنوات.

كما تنص المادة الاولى من قانون اقامة حد الزنا رقم 70 لسنة 1973 م على ان " الزنا هو ان ياتي رجل وامرة فعل الجماع بغيران تكون بينهما علاقة الزوجية المشروعة".

وتنص المادة الثانية في الفقرة الاولى من القانون ذاته على ان " يجلد الزاني بالجلد مائة جلدة ويجوز تعزيره بالحبس مع الجلد".

من خلال هذه النصوص نلاحظ ان هناك تجريما لفعل الجماع غير المشروع في قوانين اثنين، الاول قانون العقوبات، والثاني القانون الخاص في شان اقامة حد الزنا .

ففي العمل فان النيابة العامة تقوم باحالة المتهم الى المحاكمة بتهمتين، الاولى بارتكابه فعل الزنا غير المشروع طبقا لقانون حد الزنا رقم 70 لسنة 1973 م، اما الثانية فهي جناية المواقعة طبقا لاحكام ( المادة 407 ق ع ل)، على اعتبار ان قانون حد الزنا اولى بالتطبيق واستبعاد احكام قانون العقوبات وذلك بايقاف تنفيذ عقوبة الحد المنصوص عليه في هذا القانون ولااستبدال غيرها بها ولا تخفيضها ولا العفو عنها" .

كما استقر قضاء المحكمة العليا الليبية على عدم تطبيق احكام ( المادة 407 ق ع ل) الا في حالة امتناع اقامة الحد في جريمة الزنا عند تخلف دليلها الشرعي او سقوط احد الاركان الواجب توافرها فيه، وذلك ما جاء في احد احكامها بان " امتناع اقامة الحد في جريمة الزنا ليس من شانه افلات الجاني من العقاب عن فعل الوطء المحرم متى ثبت ارتكابه له وفقا لوسائل الاثبات المقررة في المسائل الجنائية، اذ ان القانون رقم 70 لسنة 1973 م في شان اقامة حد الزنا لم يلغ نص المادة 407 من قانون العقوبات والخاصة بالعقاب على المواقعة .

كما ان القانون المذكور قد تضمن ما يؤكد رغبة المشرع في العقاب تعزيرا على المواقعة وذلك باضافته في المادة الثامنة منه فقرة رابعة الىالمادة 407 من قانون العقوبات تعاقب على المواقعة بالرضا لطرفيها، وكذلك ما نص عليه في الفقرة الاخيرة من المادة العاشرة من قانون اقامة حد الزنا من احكام القانون المذكور لا تخل باحكام القانون العقوبات، وهذا المسلك من المشرع ليس فيه خروج على نصوص الشريعة الاسلامية ومبادئها العامة، ذلك لان امتناع اقامة حد الزنا لتخلف الدليل الشرعي او لانتفاء ركن من الاركان اللازمة لاقامته لا ينفي عن فعل الوطء المحرم كونه معصية وهو بهذا الوصف يعطي الحق لولي الامر ان يقرر له العقاب المناسب حماية للمجتمع وصونا للاعراض ولا يكون هناك تعارض بين عدم قيام جريمة الوطء المحرم كجريمة زنا معاقب عليها حدا وقياما كجريمة مواقعة معاقب عليها تعزيزا لكونها من المعاصي" (1) .

غير ان الذي يهمنا في هذا السياق هو جناية المواقعة حسب نص المادة (407 ق ع ل) اما قانون اقامة حد الزنا فاننا سنتعرض له بالقدر اللازم من خلال ثنايا هذا البحث .

كما نشير الى القانون رقم 10 لسنة 1985م بتقرير بعض الاحكام الخاصة بجرائم الاداب العامة، حيث اعتبر الجرائم المرتكبة ضد الحرية والعرض والاخلاق المنصوص عليها في الباب الثالث من الكتاب الثالث من قانون العقوبات - جناية المواقعة دون الرضا هنا - من الجرائم المخلة بالشرف يترتب على الادانة به الحرمان من تولي بعض المناصب والصلاحيات .

وعليه يمكن تقسيم هذا الموضوع الى المباحث الاتية :

المبحث الاول : اركان جناية المواقعة .

المبحث الثاني : الشروع في المواقعة .

المبحث الثالث : عقوبة جناية المواقعة بغير الرضا .

المبحث الرابع : الظروف المشددة .

وعلى ذلك تتضح الصورة .

---------------

جلسة 27 اكتوبر 1981 م، مجلة المحكمة العليا الليبية، س 18، عدد 2 و 3، ص 98 وما بعدها .

المبحث الاول

" اركان جناية المواقعة"

تقوم جناية المواقعة على ركنين اساسيين هما :

1- الركن المادي

2- الركن المعنوي

وعليه سنعالج هذين الركنين كل في فقرة مستقلة .

الفقرة الاولى : الركن المادي

ونفصل القول في عناصر الركن المادي الذي يتحقق بمواقعة الغير دون رضاه، وذك في عنصرين اثنين فنقول:

العنصر الاول : فعل المواقعة : يتحقق فعل المواقعة بالاتصال الجنسي اي بايلاج الجاني عضو التذكير في قبل او دبر المجني عليها - او عليه - ويستوي في ذلك ان يكونا ( الجاني والمجني عليه) من جنس مختلف ذكر وانثى او من جنس واحد كاتيان الذكر للذكر .

وقد خالف قانون العقوبات الليبي بهذا المسلك غيره من التشريعات (1) التي لا تعتد في المواقعة الا باختلاف الجنسين، اي مواقعة رجل لامراة في المكان الطبيعي للوطء - اي القبل - حيث اقتبس ذلك من نص المادة (519 عقوبات ايطالي ) (2) واستقر عليه الفقه والقضاء في ايطاليا، كما استقر عليه ايضا قضاء المحكمة العليا الليبية حيث قضت في حكم لها بان " القانون الليبي اذ عبر في جريمة المواقعة المنصوص عليها في المادة (407 ق ع ل) بعبارة ( كل من واقع اخر) انما قصد بذلك عقاب من يرتكب هذه الجريمة على اي من الجنسين بغير تفرق بين الذكر والانثى، فكلمة المواقعة الورادة في النص انما تنصرف الى مواقعة الذكر للانثى واتيان الذكر للذكر - وبهذا المعنى جرى نص المادة 519 من قانون العقوبات الايطالي الذي نقلت عنه المادة

------------------

1- كما لقانون الجنائي المغربي قانون العقوبات المصري .

2- التي تعتبر المصدر التاريخي للمادة (407 من ق ع ل ) .

-------------------

407 واستقر عليه اجماع الفقه والقضاء في ايطاليا - وحتى كان ذلك فلا محل للتحدي لان بعض التشريعات الاخرى قد نهجت علىغير هذا المذهب متى كان النص المراد تفسيره هو منقطع الصلة بهذه التشريعات وغير مستمد او مقتبس منها" (1) .

واذا تم الايلاج في قبل او دبر فيستوي - بعد ذلك ان يكون الجاني قد ادخل كل او جزء من عضوه التناسلي، بلغ الشهوة (2) ( الوطر ) ام لا، كما لا يشترط فض غشاء البكارة عند المراة .

وبطبيعة الحال فان فعل المواقعة لا يقع من زوج على زوجته حتى وان ارغمها على الوطء بدون رضاها اذ ذلك حق له بمقتضى عقد الزوجية، اما اذا انقضت عدتها من طلاق بائن فان الجريمة تقوم (3) .

ولا تقوم الجريمة بعبث يد الجاني بالاعضاء التناسلية للمراة ولو ادخل اصبعه في فرجها، او حتى ملامسة عضوه التناسلي فرجها وامنى عليه (4) .

ولا يجوز فعل المواقعة الا اذا كان احد طرفيه رجلا، اذ المتصور ان الرجل هو الجاني والمراة هي المجني عليها، فلا تقوم الجريمة من انثى فذلك يعد هتك عرض في حالة ما تم الفعل بغير رضا المجني عليها، اما اذا تم بالرضا فلا جريمة، واما اذا تم الفعل علانية فان الجريمة التي تتحقق هي الفعل الفاضح المخل بالحياء .

----------------

1- جلسة 7 ديسمبر 1955 م، مجموعة المبادئ القانونية، ج 1، ص 309 .

2- حسن صادق المرصفاوي، المرصفاوي في قانون العقوبات الخاص، 1991، منشاة المعارف الاسكندرية، مصر، ص، 643، مبروك السنهوري، التشديد والتخفيف في قانون العقوبات المصري، ط 1، 1993، مؤسسة الثقافة الجامعية، الاسكندرية، مصر، ص 624، احمد الخمليشي، القانون الجنائي الخاص، ج 2، ط 2، 1405 - 1986، مطبعة المعارف الجديدة، الرباط، المغرب، ص 266، ابو المعاطي حافظ ابو الفتوح، شرح القانون الجنائي المغربي، القسم الخاص ط 1، 1403 - 1983، مطبعة النجاح الجديدة، الدار البيضاء، المغرب، رقم 190، ص 167 .

3- ابو المعاطي حافظ ابو الفتوح، المرجع السابق، رقم 190، ص 167 .

4- محمد رمضان باره، قانون العقوبات الليبي، القسم الخاص، الجزء الاول جرائم الاعتداء على الاشخاص، ط 2، 1403، و. ر - 1993، الدار الجماهرية للنشر والتوزيع والاعلان، مصراته، ليبيا، ص 204 مبروك السنهوري، المرجع السابق، ص 625 .

------------

ويشترط ان يتم فعل المواقعة على انسان حي، اما اذا وقع الفعل عليه بعد وفاته (1)، او على حيوان فالجريمة لا تقوم لانعدام الحرية الحسية لديه ويمكن ان يكون جرائم اخرى كاهانة الجثث المادة (292 ق ع ل)، او القسوة على الحيوان المادة ( 502 ق ع ل) .

وهنا يثار سؤال مهم : وهو هل فعل المواقعة الذي نصت عليه المادة (407 ق ع ل ) هو ذات الفعل المنصوص عليه في قانون اقامة حد الزنا رقم 10 لسنة 1973 م ؟

واي النصين واجب التطبيق قبل الاخر ؟

للاجابة على هذا السؤال اقول :

تنص المادة الاولى من قانون اقامة حد الزنا على ان " الزنا هو ان ياتي رجل وامراة فعل الجماع بغير ان يكون بينهما علاقة الزوجية المشروعة" .

وبما ان الاحالة الواردة في المادة (10) من نفس القانون تنص على ان : " يطبق المشهور من ايسر المذاهب فيما لم يرد بشانه نص خاص في هذا القانون بالنسبة الى جريمة الزنا المعاقب عليه حدا " (2) .

ومؤدى هذا النص يقود الى القول بانه اذا كانت عبارة معينة تحتمل التاويل بالنسبة الى فعل من الافعال بحيث يجب الحد على قول ويمتنع على قول اخر فانه يجب الاخذ بالمذهب القائل بالمنع لانه المذهب الايسر، والايسر هو ما فيه مصلحة المتهم(3)، ومن جهة اخرى فان راي الامام ابي حنيفة ان فعل الوطء من الدبر لا يوجب الحد لا على الوطء ولا على الموطوء ذكرا كان او انثى، واذا ان الوطء حراما لان الزنا هو الوطء الحرام في القبل، فاللواط ليس بزنا ولا في معنى الزنا من اشتباه الانساب وتضيع الولد ولم يوجد ذلك في الفعل (4) .

------------------

1- حسن صادق المرصفاوي، المرجع السابق، ص 644، ادواز غالي الذهبي، الجرائم الجنسية للتشريع الليبي المقارن، ط 1، 1973، المكتبة الوطنية، بنغازي، ليبيا، ص 111 .

2- راجع القانون رقم 8 لسنة 1975 م الذي ينص على ان يستعاض عن عبارة " المشهور في مذهب الامام مالك" اينما وردت في التشريعات الحدود بعبارة المشهور من ايسر المذاهب .

3- جلسة 25 يونيه 1974 م، مجلة المحكمة العليا الليبية، س 11، عدد 2، ص 195 .

4- علاء الدين ابي بكر بن مسعود الكاساني، بدائع الصنائع في ترتيب الشرائع، ط 2، 1982 م، دار الكتاب العربي، بيروت، لبنان، ص 7، ص 33، وما بعدها .

-----------------

وينبني على ذلك

ان تبطيق حد الزنا لايتم الا بايلاج ذكر الفاعل في قبل انثى لا

تربط بينهما علاقة الزوجية المشروعة، وبالتالي فان اتيان الانثى في دبرها واتيان الذكر للذكر يعتبر مواقعة يطبق عليه نص المادة ( 407 ق ع ل ) .

وعليه فان أي علاقة غير مشروعة بين ذكر وانثى تخضع لتطبيق حد الزنا اولا، اما اذا تخلف احد شروطه فان المادة (407 ق ع ل) اولى بالتطبيق .

العنصر الثاني : انعدام الرضا :

ينعدم الرضا عند المجني عليه متى تم الفعل بدون مساهمة ارادية في تنفيذه، كالاكراه المادي باستعمال العنف ضده يفقده القدرة على المقاومة، ويجب ان يكون العنف من اجل اشباع الحاجة الجنسية لدى الجاني، ولا يعتبر في حكم العنف الدي يعدم ارادة المجني عليه تحطيم سور او كسر باب او نافذة اذا تلاه رضا المجني عليه بالوقاع بعد ذلك(1)، وكذلك افعال العنف التي ترتكب ضد الغير - الخادمة او احد اقارب المجني عليه - ان رضي هو بالافعال الصادرة من الجاني (2) .

وقد يقوم بالاكراه اكثر من شخص لارتكاب المواقعة وعندها يكونون فاعلين اصليين، والقانون لا يشترط استمرار الاكراه طيلة الاتصال الجنسي، بل يكفي ان يكون هوالوسيلة التي مكنت المجني عليه للجاني لاتمام غرضه، والعبرة في هذا الشان بتاثير الاكراه على ارادة المجني عليه، وهو امر موضوعي يفصل فيه قاضي الموضوع دون رقابة عليه من محكمة النقض ( المحكمة العليا ) عندما يكون سائغا وموصل الى النتيجة التي انتهت اليها .

------------------

وعليه اذا بدا الفعل بالقوة اوالخديعة فصادف قبولا من المجني عليه افضى في النهاية للوقاع، فان الفعل من جانب المراة لا يعتبر هتك عرض، بل تتحقق عندها المواقعة بالرضا، وهذا ما حكمت فيه محكمة النقض المصرية في حكم لها بان " هتك العرض اذا بدئ في تنفيذه بالقوة فصادف من المجني عليه قبولا ورضا صحيحين فان ركن القوة يكون منتفيا فيه، لان عدم امكانية تجزئة الواقعة المكونة له لارتكابه في ظروف وملابسات واحدة، بل في وقت واحد تنفيدا لقصد واحد لا يمكن معه القول بان المجني عليه لم يكن راضيا بجزء منه وراضيا بجزء اخر، كما ان العبرة في هذا المقال ليست بالقوة لذاتها، بل بها على تقدير انها معدمة للرضا، فاذا ما تحقق الرضا ولم يكن للقوة اي اثر في تحققه فان مساءلة المتهم عنها لا يكون لها ادنى مبرر ولا مصوغ"، راجع نقض مصري 25 مارس 1940، مجموعة القواعد القانونية في 25 عاما، 20، رقم 34، و35، ص 1190) .

2- مبروك السهنوري المرجع السابق، ص 630 .

-----------------

وقد يكون الاكراه معنويا كافشاء سر يهدد بحياة المراة الزوجية، او التهديد بالحاق اذى بشخص اخر عزيز عليك كالتهديد باتهامه بجرائم خطيرة على مستقبله كجرائم امن الدولة (1)، قد يكون بمباغتة المراة او خداعها بالمواقعة بعد جعلها في وضع ملائم اثناء الكشف الطبي على جسمها، او اثناء القيام بعمليات تدليك لها، او ممارسة التداريب الرياضية اوالرقص، اوالدخول عليها فجاة في الحمام، وكان يدخل الجاني الى سرير امراة ظنته زوجها وتمت مواقعتها على هذا الظن، ومن يضبط امراة متلبسة بجريمة سرقة مثلا فيهددها بتسليمها للشرطة ويكشف امرها اذا لم تمكنه من نفسها فتفعل فانه يعد مرتكبا لجرمية المواقعة، ومن يعرض علىالمجني عليه خدمة مقابل تمكينه من نفسه .

يدق الامر هنا هل بموفقته على ذلك يعتبر رضاه متوافرا ام غير متوافر ؟

يرى بعض الفقه (2) ان المجني عليه لا يتوافر فيه الرضا مادام قد استجاب لرغبة الجاني في مقابل الخدمة التي رغب فيها، كاستخراج جواز سفر او رخصة او اصدار حكم لفائدة امراة او لاحد اقاربها، او تمكنيها من الحصول على عمل او أي فائدة اخرى .

ومع مسايرتنا لهذا الراي واحترامه الا اننا نشدد في هذا الصدد على ان الخدمة التي انصاع المجني عليه لتمكين الجاني من نفسه يجب ان تكون الحاجة اليها ملحة جدا ولا مفر منها، ومحكمة الموضوع هي التي لها كلمة الفصل في ذلك بتقديرها لكل ظروف وملابسات الدعوى المعروضة امامها، اما اذا كان في وسعه الاستغناء عنها فان رضاه يكون متوفرا، كما يرى الاستاذ الدكتور احمد الخمليشي، ونحن نشاطره الراي بانه من الصعوبة بمكان التفرقة بين وسائل الضغط التي تسلب الارادة وبين وسائل الضغط التي تستجيب لها المراة عند رغبتها في الحصول على ذلك المقابل الذي تم عرضه عليها .

----------------

1- احمد الخمليشي، المرجع السابق، ص 267 .

2- احمد الخمليشي، المرجع السابق، ص 267 .

---------------

وتتحقق المواقعة بدون رضا المجني عل

يها

وان كانت " بغيا" (1) او اكره الجاني عشيقته حتى لو كان له بها اتصال سابق مما يوحي بان رفضها غير جدي وانها راضية في حقيقة الامر .

اما اذا حملت المراة رجلا على ان يواقعها بالقوة او بالتهديد او بالحيلة، فانها لاتكون مرتكبة لجريمة المواقعة على الرغم من ان فعلها قد تحقق فيه الوطء فعلا، لان الفعل لم يتم منها بل بسعيه، ومن ناحية اخرى فان الرجل لا يعد جانيا وان كان مواقعا، لان فعل الوقاع لم يصدر منه بالقوة او التهديد او الحيلة، بل حدت رغما عن انفه (2) .

وعلى كل حال فان هذه الجريمة تعتبر هتك عرض من الجاني حسب نص المادة (408 ق ع ل)، ومثالها ايضا اذا ما جاءت امراة اثناء الليل الى فراش رجل واستلقت بجانبه على انها زوجته فاتاها على هذا الاساس، وكما اذا حملت مجنونا او صغيرا على وقاعها .

ولكن اي الفعلين اسبق : هتك العرض ام المواقعة ؟

-----------------

1- " كانت بعض التشريعات القديمة تعتبر مواقعة العاهر (La pubblica méritrice) بغير رضاها جريمة مقترفة بظرف مخفف، على ظن ان اثيانها كرها ليس فيه جسامة اغتصاب غيرها من العفيفات .

وكان هذا هو مسلك التشريع الايطالي في العصور الوسطى، وظل حكمه كذلك حتى اوائل القرن العشرين، اذ بقي هذا الحكم منصوصا عليه في القانون سنة 1889، ثم عدل التشريع الايطالي عن هذا الحكم بعد ذلك.

وقيل تبريرا لهذا العدول ان العاهرة التي تسلم جسدها على سبيل الاتجار لمن يطلبه لا تتجرد مع هذا من حقها في التصرف بحرية في نفسها في مجال العلاقات الجنسية، وبذلك فالجريمة التي تقع عليها رغم ايرادتها لا تختلف في شيء عن تلك التي تقع غيرها من العفيفات، كما ان الخطورة الاجرامية، التي يفصح عنها مسلك الجاني لا تختلف باختلاف المركز الاجتماعي لضحيته .

واذا كان القانون لا يفرق من حيث العقوبة بين اتيان العفيفات العاهرات، فان في الفقه الايطالي مع ذلك اتجاها يــرى (الاعتبارات خلقية) وجوب مراعاة القاضي لظروف الواقعة، ويوصيه باستعمال سلطته التقديرية عند تجديد مقدار العقوبة حتى لا تكون هناك جفوة بين الواقع والتطبيق السليم للقانون"، اورده عوض محمد عوض، الجاني والمجني عليه في جريمة المواقعة، دراسة مقارنة للتشريعين المصري والليبي، مجلة دراسات قانونية، المجلد الثالث، 1973 م، منشورات الجامعة الليبية، كلية الحقوق، بنغازي، ليبيا، هامش 3، ص 150 وما بعدها .

2- عوض محمد عوض، المرجع السابق، ص 133 .

--------------------

في الواقع : ان كل مواقعة يسبقها بالضرورة هتك عرض والعكس غير صحيح، فجريمة هتك العرض المنصوص عليها في المادة (408 ق ع ل) تتحقق بكل فعل يمس بجزء من جسم الانسان يدخل فيما يمكن اعتباره عورة ويخدش عاطفة الحياء عنده، فالحدث الذي يكون جريمة هتك العرض هو نفسي يتمثل في عدم الرضا بالفعل ذاته مما يثلم كرامة المجني عليه لاخلاله بحيائه العرضي .

اما المواقعة فهي دائما تالية لفعل هتك العرض ولا يتصور فعلها بدونه بحكم الطبيعة البشرية، وفي هذا السياق قضت المحكمة العليا الليبية في حكم لها بان " قضاء هذه المحكمة قد استقر على ان افعال هتك العرض التي يقارفها الجاني في حالة المواقعة تعتبر جزءا لا يتجزا من النتيجة الاخيرة اي المواقعة وتنطوي فيها لان طبيعة الجريمة المذكورة تقتضي اثبات هذه الافعال .

كما ان الجاني ياتيها بحكم الطبيعة البشرية، فضلا عن انه لا يتصور ارتكابه المواقعة، مجردة عن الافعال المكونة لهتك العرض، كما ان هذه الافعال، هتك العرض والمواقعة ينظمها فكر جنائي واحد وتتم بنشاط اجرامي واحد ايضا" (1) .

ومما يؤيد ذلك ايضا حكم المحكمة العليا الليبية حيث جاء فيها " ان افعال هتك العرض التي تسبق فعل المواقعة والتي يرتكبها الجاني بنشاط اجرامي واحد بهدف المواقعة التي تتم في نفس المكان والزمان هذه الافعال تعتبر جزءا لا يتجزا من النتيجة الاخيرة التي انتهت اليها وتنطوي فيها لان فعل المواقعة لا ياتى الا اذا باشره الجاني مقترنا بتلك الافعال بحكم الطبعية البشرية وتكون الواقعة في هذه الحالات فعلا واحدا يكون جريمة واحدة وهي جريمة المواقعة ويعتبر التعدد فيها ظاهريا ومجرد اداة من المادة 76 عقوبات ويتعين العقاب عليه بعقوبة الجريمة الاشد وهي جريمة المواقعة" (2) .

------------------

1- جلسة 27 فبراير 1973 م، مجلة المحكمة العليا الليبية، س 9، عدد 2 و3، ص 210 .

2- جلسة 22 يونيه 1971 م، مجلة المحكمة العليا الليبية، س 8، عدد 2، ص 63 .

----------------

الفقرة الثانية : الركن المعنوي

( القصد الجنائي ) في جناية المواقعة

يتحقق القصد الجنائي في جناية المواقعة بامرين :

احدهما توافر العلم لدى الفاعل بحقيقة نشاطه المادي اي بمواقعة شخص اخر ذكر او انثى - وعلمه بان الفعل غير مشروع .

ثانيهما انعدام رضا الشريك، ففي حالة ما اذا كانت انثى فان قصدها يتحقق بتمكين شخص اخر بايلاج قضيبه في قبلها او دبرها مع علمها بعدم مشروعية ذلك الوطء، كما ينطبق ذلك في حالة ما اذا كان الموطوء ذكرا يجب ان تنصرف ارادته الى تمكين شخص اخر - ذكر- من ايلاج قضيبه في دبره .

والعلم بحقيقة الوقائع المادية المكونة للجريمة يتوفر بمجرد البدء في الفعل المادي نفسه مما يكشف بوضوح عن قصد الجاني، والقصد المعتبر في هذه الجناية هو القصد العام بانصراف العلم والارادة الى الوقائع التي تقوم عليها الجناية مما يقضي الى فعل الوقاع .

اما اذا ثبت ان الجاني اعتقد ان صلته بالمجني عليها مشروعة فان ذلك ينفي القصد الجنائي لديه، كمن يجامع زوجته التي طلقها طلقا رجعيا بعد انقضاء عدتها منه معتقدا ان عدتها لم تنته بعد، ففي هذه الحالة ينتفي قصده لانتفاء علمه بانها بانت منه وصارت اجنبية عليه (1) .

والعلم بعدم رضا المراة بالصلة الجنسية يتحقق بمقاومتها وجديته، واما اذا كانت هي قابلة لذلك بداخلها وتمتنع في الظاهر، او كان يعتقد الجاني انه الحياء الطبيعي الذي يكون عند كل انثى فتلك مسالة يترك الامر فيها لتقدير قاضي الموضوع حسبما يتبين له من ظروف وملابسات كل دعوى .

وارتكاب العنف يعتبر قرينة على العلم بعدم الرضا وان المراة جادة في رفضها بتلك المقاومة، وفي العمل فان الجاني في اغلب القضايا يدفع بان ما ابدته

-----------------

1- محمد رمضان باره، المرجع السابق، ص 210 وما بعدها، حسن صادق المرصفاوي، المرجع السابق، ص 645، مبروك السنهوري، المرجع السابق، ص 637، ادوار غالي الذهبي، المرجع السابق، ص 127 .

----------------

المراة من مقاومة هو في الواقع لا يرقى الى الرفض الجاد وبخاصة اذا كانت له علاقات سابقة بالمومس(1) .

وفي حالة توافر القصد الجنائي فلا عبرة بالباعث على الاغتصاب او بدوافع ارتكابه، فيستوي ان يكون بباعث الشهوة او التشفي والانتقام الى غيرها من البواعث (2) .

وفي هذا الصدد جاء في حكم للمحكمة العليا الليبية بانه لا عبرة بالبواعث بما اثاره الجاني من ان المجني عليها هي التي الهبت شعوره بمسلكها فحالات الانفعال والهوى لا تعفي من المسؤولية الجنائية ولا تنقصها طبقا للمادة (95 ق ع ل) (3) .

المبحث الثاني

الشروع ( في المواقعة)

البدء الفعلي في التنفيذ يكون الجريمة التامة اذا تم ايلاج كما بيناه في فعل المواقعة، اما اذا اوقف فعل الجاني او خاب اثره لاسباب لا دخل للارادته فيها فان عقابه يتم بمقتضى احكام الشروع المواد ( 459 و60 و407 ق ع ل) .

فيتحقق الشروع في حالة ما اذا كانت الافعال التي تسبق التنفيذ الفعلي تدل عليه كان يوقع الجاني المجني عليه ارضا ويخلع له سرواله حتى ركبتيه ويضع يده على فمه تمهيدا لمواقعته، الا ان المجني عليه بدا يصرخ طالبا الاستغاثة الامر الذي جعل الشاهدين يهبان لنجدة المجني عليه، بحضورهما الىالمصدر الذي ينبعث منه الصراخ مما اضطر المتهم الى ترك المجني عليه (5)

----------------------

1- مبروك السنهوري، المرجع السابق، ص 638 .

2- ابو المعاطي حافظ ابو الفتوح، المرجع السابق، رقم 192، ص 169، محمد رمضان باره، المرجع السابق، ص 210، مبروك السنهوري، المرجع السابق، ص 636 .

3- جلسة 17 اكتوبر 1978 م، مجلة المحكمة العليا الليبية، س 15، عدد 3، ص 277 وما بعدها .

4- المحاولة في القانون الجنائي المغربي .

5- جلسة 23 فبراير 1982م، مجلة المحكمة العليا الليبية، س 19، عدد 2، ص 139 وما بعدها، وانظر حكم مشابه، جلسة 19 مارس 1974م، مجلة المحكمة العليا الليبية، س 10، عدد 4، ص 205 .

--------------------

وجاء في حكم اخر بانه " لما كان لا يشترط لتحقيق الشروع المنصوص عليه في المادة 59 من قانون العقوبات ان يبدا الفاعل تنفيذ جزء من الافعال المكونة للركن المادي للجريمة بل يكفي لاعتبار الفعل شروعا في حكم المادة المشار اليها ان يبدا الجاني تنفيذ فعل سابق على تنفيذ الركن المادي للجريمة ويؤدي اليه حالا ومباشرة، فاذا كانت الافعال التي اثبتها الحكم في حق الطاعن استنادا الى اقوال المجني عليها من ان الطاعن طرحها ارضا وقيد يديها بحبل ووضع منديلا على فمها لمنعها من الصراخ وتجرد من ملابسة وشرع في فتح سروالها فانها تعتبر من افعال الشروع في جريمة المواقعة بالقوة لانها كانت ستؤدي اليها حالا ومباشرة ولم تتم الجريمة لسبب لا دخل لارادة الطاعن فيه، وهو كما اثبته الحكم تظاهر المجني عليها بالرضا بمواقعة لها بعد ان يحضر لها كوبا من الماء فانتهزت فرصة انصرافه لاحضار الماء وهربت الى خارج المنزل من نافذة حجرة كانت مفتوحة" (1) .

ومما هو جدير بالملاحظة ان قانون اقامة حد الزنا رقم 71 لسنة 73 م يخلو من النص الصريح علىعقوبة الشروع في حالة ارتكاب جريمة الزنا المنصوص عليها في القانون ذاته، وعليه فان احكام الشروع المنصوص عليها في قانون العقوبات هي الواجبة التطبيق في هذا الشان، وذلك حسب الاحالة الواردة في المادة العاشرة : الفقرتين الاولى والثالثة من قانون رقم 71 لسنة 73 م بشان اقامة حد الزنا وتعديل بعض احكام قانون العقوبات.

وفي حالة ما اذا اتجهت ارادة الفاعل الى مجرد المساس بعورة انسان اخر دون ان يشكل جريمة المواقعة وهو عالم بان فعله يخل بالحياء العرضي لمن وقع عليه الفعل، فان عقابه لا يصل الى درجة الشروع في المواقعة، بل يعاقب حسب نص المادة ( 408 ق ع ل ) الخاص بجريمة هتك العرض .

------------------

1- جلسة 17 اكتوبر 1978 م، مجلة المحكمة العليا الليبية، س 15، عدد 3، ص 277 .

-----------------

المبحث الثالث

عقوبة جناية المواقعة بغير الرضا

الذي يهمنا في هذا البحث هو جناية المواقعة بغير الرضا التي نص عليها المشرع الليبي في المادة (407 ق ع ل) على انه :

1) كل من واقع اخر بالقوة اوالتهديد او الخداع يعاقب بالسجن مدة لا تزيد على عشر سنوات .

2) وتطبق العقوبة ذاتها على من واقع ولو بالرضا صغيرا دون الرابعة عشرة او شخصا لا يقدر على المقاومة لمرض في العقل اوالجسم، فاذا كان المجني عليه قاصرا اتم الرابعة عشرة ولم يتم الثامنة عشرة فالعقوبة بالسجن مدة لا تزيد على خمس سنوات .

3) واذا كان الفاعل من اصول المجني عليه او من المتولين تربيته او ملاحظته او ممن لهم سلطة عليه او كان خادما عنده او عند من تقدم ذكرهم يعاقب بالسجن ما بين خمس سنوات وخمس عشرة سنة...".

يتضح من خلال هذا النص ان المشرع اولى عناية خاصة بعناصر القوة او التهديد او الخداع، بان جعلها مؤشرات ترادف عدم الرضا عند المجني عليه، وبالتالي يستحق العقاب حسب النص السابق بيانه كلما وقع الفعل بدون رضا المجني عليه ومتى تم فعل المواقعة على هذا النحو فان ارادة المجني عليه تكون منعدمة بما يشلها عن المقاومة (1) .

وعليه فان جناية المواقعة تكون متوافرة اذا تم الاكراه باستعمال العنف بالقوة المادية للتغلب على مقاومة المجني عليه، وان يكون الجاني قاصدا من عنفه اشباع الحاجة الجنسية لديه باغيا مواقعة الضحية، ولا يشترط في القوة ان تكون على درجة معينة من الجسامة، بل يكفي ان تكون قد حملت المجني عليه للاستجابة لرغبة

-----------------------

1- راجع احكام المحكمة العليا الليبية الاتية : جلسة 2 فبراير 1971 م، س 7، عدد 3، ص 202، جلسة 22 يونيه 1971، س 8، عدد 2، ص 63، جلسة 7 يناير 1975، س 11، عدد 4، ص 106 .

---------------------

الجاني، كما لا يشترط ان تترك القوة اثرا ما على جسم المجني عليه، ولكنها تتوافر كلما كان من شانها شل مقاومته حتى وان لم تترك اثرها عليه (1) .

كما لا يعتد برضا المجني عليه في حالة ما اذا تم تهديده بالقوة، وفي هذا الصدد حكمت المحكمة العليا الليبية بتوافر ركن القوة اذا كان الجاني قد شهر على المجني عليها سكينا ليرغمها على مواقعتها، وواقعها بالقوة تحت تاثير ذلك التهديد (2) .

كما جاء في احد احكامها ايضا بان اتيان النائم يجعل ركن القوة متوافرا لانعدام ارادة المجني عليه (3) .

ففي حالة ما اذا اولج الجاني عضوه التناسللي والمجني عليها نائمة ولم تنتبه الا والحال كذلك فانه لا خلاف حول توافر اركان الجناية .

وسواء اكان ذلك نوما تلقائيا ام احداثه الجاني باعطاء المجني عليها مادة منومة او مخدرة عن اي طريق كان (4)، او عن طريق التنويم المغناطسي وبالتالي فان ارادتها ووعيها ينعدمان فلا تستطيع المقاومة نظرا لتاثير تلك المواد متى مارس معها الجاني الصلة الجنسية .

كما ان الاغماء في حكم النوم تتحقق به جريمة المواقعة بغير الرضا على اعتبار ان المجني عليه تمت مواقعته وهو في حالة عدم الوعي .

ولا يعتد برضا المجني عليه اذا صدرت تحت غش او تدليس كايهام امراة من مطلقها انه ما زال زوجا لها واخفى حقيقة الطلاق عنها ثم يتصل بها جنسيا وهي راضية معتقدة بانها ما زالت في عصمته، غير انه يمكن التحفظ على هذه الصورة بانه يتعين لتحقق الجناية ثبوت ان المراة لم تكن لترضى بهذه الصلة غير المشروعة متى علمت بحقيقة الامر، اما اذا تناهى الى علمها انفصام عرى الزوجية وهي راضية

------------------

1-انظر جلسة 16 اكتوبر 1976 م، مجلة المحكمة العليا الليبية، س 13، عدد 3، ص 114 .

2- جلسة 23 مايو 1972 م، مجلة المحكمة العليا الليبية، س 8، عدد 4، ص 208 .

جلسة 28 نوفمبر 1979 م، مجلة المحكمة العليا الليبية، س 15، عدد 2، ص 175 .

3- جلسة 27 يونيه 1964 م، مجموعة المبادئ القانونية الليبية، جـ 1، ص 308 .

4- سواء عن طريق الشم ام الحقن . الخ .

-----------------

بذلك الاتصال علىالرغم من ذلك فالجريمة التي نحن بصددها لا تقوم (1) وتصبح مواقعة بالرضا .

وفي فرض اخر كما اذا دخل الجاني الى فراش امراة وهي نائمة فتعتقد وهي بين النوم واليقظة بانه زوجها راضية بمواقعته فيقتضي وطره منها (2) .

وقد جرى قضاء المحكمة العليا الليبية على اعتبار ركن القوة متوافرا لانعدام الارادة عند المجني عليه (3)، ونحن لا نؤيد هذا المسلك لانه صعب الاثبات والخوض فيه لا يصل الى نتيجة منطقية في اغلب الاحيان، فالارادة المدركة الواعية هي التي تدرك حقيقة الفعل وماهيته، اما اذا كانت معيبة فذلك ولا شك مما يصعب فهمه الفهم الصحيح الذي يجعل القاضي يقع في اشكالات عديدة ولا يطمئن وجدانه عند اصداره الحكم في تلك المسالة، اذ التدليس على المطلقة التي انقضت عدتها، والنائمة التي تظن ان من يطرقها زوج لها او عشيق اعتاد طلبها في ساعة من ساعات الليل فان اثبات ذلك من الصعوبة بمكان (4) .

ومن نافلة القول بان عنصر الاكراه في المواقعة عند توافر شروطه وذلك سواء اكان المجني عليه ذكرا او انثى عفيفة او ساقطة لا يشترط استمراره الى حين تمام الفعل، بل المقصود هو وقوعه رغما عن ارادة المجني عليه (5) .

والمعول عليه في هذا الشان بوقت ارتكاب الجريمة بمعنى بداية الاكراه المكون للركن المادي للجريمة لا بنهاية الفعل والفراغ منه(6). ويجب ان يكون المجني عليه قد رضخ للجاني رغم ارادته فعلا - هذا ما عبرت عنه المادة 407 ق ع ل - اما اذا كان راضيا بما يقوم به الجاني وانه يمانع فقط ويخامره الرضا بداخله فتلك مواقعة بالرضا .

---------------

1- محمود محمود مصطفى، شرح قاون العقوبات، القسم الخاص، ط 6، 1964، رقم 269، ص 540 .

2- نقض مصري، جلسة 14 مايو 1951 م، مجموعة احكام النقض، س 2، رقم 391، ص 1089 .

3- جلسة 27 يونيه 1964 م، مجموعة المبادئ القانونية الليبية، ج 1، ص 308 .

4- يؤيد هذا الراي، مبروك السنهوري، المرجع السابق، ص 632 وما بعدها .

5- جلسة 12 يناير 1982 م، مجلة المحكمة العليا الليبية، س 19، عدد 61 ص 151 .

6- جلسة 2 مايو 1980 م مجلة المحكمة العليا الليبية، س 17، عدد 2، ص 206 .

------------

وفي العمل فان المتهم في جناية المواقعة دائما يحاول تبرئة نفسه بالقول : بان المجني عليه ارتضى مواقعته ليدفع عن نفسه عنصر الاكراه، ويتم اثبات الاكراه بشتى طرق الاثبات في المسائل الجنائية، وتقدير مدى تاثير التهديد على ارادة المجني عليه تستخلص من واقع الحال كصراخه والاستنجاد بالغير او حال تلبس الجاني بفعله وهو يرتكب فعله اثناء تنويم او تخذير المجني عليه، او ظهور علامات العنف على جسم المجني عليه الى غيرها من القرائن البسيطة التي يمكن اثبات عكسها، كل ذلك تستقل به محكمة الموضوع التي لها اليد الطولي في القضية المعروضة امامها على بساط البحث دون رقابة عليها من محكمة النقض متى كانت مستندة في ذلك على اسباب سائغة تقود حتما للنتيجة التي انتهت اليها .

المبحث الرابع

الظروف المشددة

نصت المادة ( 407 ق ع ل) على عدة ظروف تشدد بموجبه عقوبة جناية الموافقة بغير الرضا، وهذه الظروف هي صغر السن، الشخص المريض عقلا او جسما، او كون الفاعل من اصول المجني عليه او من المتولين تربيته، او من لهم سلطة عليه او خادما عنده او عند من سبق ذكرهم اي ( الصفة التي تلحق الفاعل) .

ونفصل القول في هذه الظروف :

1) صغر السن : تنص المادة ( 407/2 ق ع ل ) علىان " تطبق العقوبة ذاتها على من واقع ولو بالرضا صغيرا دون الرابعة عشرة او شخصا لا يقدر على المقاومة لمرض في العقل اوالجسم، فاذا كان المجني عليه قاصرا اتم الرابعة عشرة ولم يتم الثامنة عشرة فالعقوبة بالسجن مدة لا تزيد على خمس سنوات" .

ويلاحظ ان الشطر الاخير من هذا النص الذي مفاده " فاذا كان المجني عليه قاصرا اتم الرابعة عشرة ولم يتم الثامنة عشرة فالعقوبة بالسجن مدة لاتزيد على خمس سنوات"، قد الغي بموجب الفقرة الرابعة المضافة الى المادة ( 407 ق ع ل) بحكم المادة الثامنة من قانون رقم 70 لسنة 73 م في شان اقامة حد الزنا وتعديل بعض احكام قانون العقوبات .

وبهذا فان المشرع قد اعتد بعدم الرضا التام في نص الفقرة الاولى من المادة ( 407 ق ع ل) بالنسبة لرضا الصغير الذي لم يتم الرابعة عشرة من العمر، فقد نص في الفقرة الثانية من المادة نفسها بان " تطبق العقوبة ذاتها على من واقع ولو بالرضا صغيرا دون الرابعة عشرة او شخصا لايقدر على المقاومة لمرض في العقل او الجسم ." .

وعليه فان السن المعتبر اثناء المحاكمة هو سن الصغير عند ارتكاب الجريمة ضده، فلا يحق للمتهم ان يحتج بجهله لسن المجني عليه واعتقاده بانه كان يظن ان سنه تتجاوز الرابعة عشرة، وذلك تطبيقا للمادة ( 422 ق ع ل) فالمشرع قد وضع قرينة لا تقبل اثبات العكس (1) في هذه الحالة كان تقدم مومس قاصر نفسها طوعا الى شخص باعتبار ان عمرها يتجاوز الرابعة عشرة كما ان الظاهر يشير الى ذلك كضخامة جسدها او طوله الى غيرها من المؤشرات الاخرى .

وما لم يدفع الجاني امام المحكمة بانه كان يستند على الوقائع ترجح هذا الاعتقاد كشهادة الميلاد التي تدل على ان سنه اعلى من اربعة عشرة سنة ميلادية لان السن تحسب بالتقويم الميلادي، وذلك حسبما جاء في المادة (13 ق ع ل) التي تنص على انه " اذا رتب القانون الجنائي اثرا قانونيا على زمن بحسب ذلك الزمن بالتقويم الميلادي ولا يدخل يوم البدء في حسبان المدد" .

وعلى محكمة الموضوع ان تاخذ بشهادة الميلاد او صورة من كتيب العائلة او اي مستخرج اخر من سجلات المواليد، وفي هذه الحالة لا اختيار لها في ذلك والا ادى عملها هذا الى اصدار حجتها بدون مبرر قانوني (2) .

وتقدير هذه المسائل والظروف والملابسات مما يدخل في اختصاص محكمة الموضوع بدون رقابة عليها من المحكمة العليا مادامت مبنية على اسباب سائغة تقود عقلا ومنطقا الى النتائج التي توصلت اليها .

كما انه يعد في حكم الصغير الشخص الذي لايقدر على المقاومة لمرض في العقل او الجسم مهما كانت سنه المادة ( 407 ق ع ل ) .

------------------

1- جلسة 20 يناير 1970 م، مجلة المحكمة العليا الليبية، س 6، عدد 1، و2 و3، ص 134 .

2- جلسة 16 مايو 1978 م، مجلة المحكمة العليا الليبية، س 15، عدد 3، ص 181 .

ومما هو جدير بالملاحظة هنا ان المشرع الليبي لم يعتد في صغر السن بالجهل اوالغلط بسن المجني عليه، وذلك حسب النص المشار اليه في المادة ( 422 ق ع ل) اما في حالة الشخص غير القادر على المقاومة لمرض في العقل اوالجسم فانه لم ينص على ذلك مما يعني انه يعتد بالغلط الواقع على المرضى في العقل اوالجسم اثناء وقوع الفعل عليهم، ففي حالة ما اذا كان الجاني لا يعلم ان من وقع عليه الفعل شخص مريض وثبت ذلك امام المحكمة المعروضة عليها القضية فانه يعاقب بمقتضى المادة ( 407/4 ق ع ل) المضافة بالقانون رقم 70 لسنة 1973 م، التي تنص على انه " كل من واقع انسانا برضاه يعاقب هو وشريكه بالسجن مدة لا تزيد على خمس سنوات" .

وتقدير ذلك مسالة موضوعية تفصل فيها محكمة الموضوع بما لها من سلطة البت في ذلك بعد ان تتاكد من ان الجاني لم يكن عالما بالفعل الذي يصدر منه على المجني عليه حسب الادلة المنطقية التي تسوقها في حكمها دون رقابة عليها من المحكمة العليا في هذا الشان .

ويلاحظ ايضا ان القانون رقم 10 لسنة 1985 م، بشان تقرير بعض الاحكام الخاصة بجراءم الاداب العامة انه في مادته الاولى قد اعتبر من الجرائم المخلة بالشرف الجرائم ضد الحرية والعرض والاخلاق المنصوص عليها في الباب الثالث في الكتاب الثالث من قانون العقوبات التي من بينها جريمة المواقعة بغير الرضا، ففي حالة الادانة بهذه الجريمة فانه تترتب عليها الاثار المنصوص عليها في المادة الثالثة من القانون ذاته وهي :

1- الحرمان من التصعيد لامانات المؤتمرات الشعبية واللجان الشعبية والاتحادات والنقابات والروابط المهنية.

2- عدم الصلاحية لتولي شؤون الوصاية والقوامة .

3- عدم قبول الشهادة امام الجهات ذات الاختصاص القضائي في غير المسائل الجنائية .

4- الحرمان من الحصول على شهادة حسن السيرة والسلوك .

5- عدم الصلاحية لتولي وظيفة مامور الضبط القضائي ولو كان قد رد الى المحكوم عليه اعتباره، وعلى المحكمة ان تامر بنشر منطوق الحكم على نفقة المحكوم عليه .

غير انه يثور سؤال مفاده هل تطبق احكام الفقرة الرابعة من المادة ( 407 ق ع ل) على الصغير الذي يقع عليه فعل المواقعة برضاه اذا تجاوز الرابعة عشرة من عمره ولم يتم الثامنة عشرة منه ؟

يلاحظ في هذا الشان ان المشرع باضافته فقرة رابعة الىالمادة ( 407 ق ع ل ) فان نص هذه الفقرة اصبح متعارضا مع حكم الفقرة الثانية من المادة نفسها الذي ينص على انه " فاذا كان المجني عليه قاصرا اتم الرابعة عشرة ولم يتم الثامنة عشرة فالعقوبة بالسجن مدة لا تزيد على خمس سنوات" .

يتضح من هذا النص ان القاصر في هذه الحالة يعد مجنيا عليه لا شريكا في المواقعة وان اتم الرابعة عشرة ولم يتم الثامنة عشرة من عمره فيعاقب بمقتضاها اذا تمت برضاه، اما اذا تم الفعل بدون رضاه فان العقوبة المقررة هو نص المادة ( 407 ق ع ل ) .

وفي بداية صدور القانون رقم 70 لسنة 1973 م في بشان اقامة حد الزنا وتعديل بعض احكام قانون العقوبات ولمحاولة التوفيق بين الفقرتين الثانية من المادة ( 407 ق ع ل ) والرابعة التي اضيفت بحكم قانون اقامة حد الزنا اجتهدت بعض المحاكم في ليبيا بقولها : ان النص العام لا ينسخ نصا خاصا، بل يسري العام على اطلاقه ويرد الخاص استثناء عليه، وان النص الخاص لا ينسخ نصا عاما، بل يسري العام على ما كان عليه من الاطلاق في التطبيق ويرد الخاص استثناء عليه .

وفي التطبيق العملي على وقائع اي دعوى من هذا القبيل فان المجني عليه لا يعد شريكا في المواقعة ولا في هتك العرض الا اذا كان قد اتم الثامنة عشرة سنة من عمره، اما اذا لم يكن قد اتمها فلا يعتبر شريكا بل مجنيا عليه حسب حكم الفقرة الثانية من المادة ( 407 ق ع ل ) التي لم تنسخ صراحة ولا ضمنا الا بتشريع يماثلها في القوة .

وتطبيقا لذلك فقد برات محكمة الاستئناف بنغازي المتهمة من تهمة المشاركة في فعل المواقعة وحكمت لها باعتبارها مجنيا عليها لا مشاركة في تلك الواقعة لانها لم تبلغ الثامنة عشرة من عمرها عند ارتكاب الجريمة وفقا لاحكام قانون العقوبات (1) .

---------------------

1- جلسة 17 يناير 1981 م، مجلة المحكمة العليا الليبية، س 21، عدد 4، ص 235 .

الا ان المحكمة العليا الليبية حسمت موضوع الخلاف بعد ذلك في احد احكامها بان اعتبرت حكم الفقرة الثانية من المادة ( 407 ق ع ل ) منسوخا ضمنا بحكم الفقرة الرابعة اللاحقة لها تطبيقا للمبدا العام المنصوص عليه في المادة الثانية من القانون المدني الليبي فقد جاء في ذلك الحكم بان " المشرع قبل اضافته الفقرة الرابعة الى كل من المادتين ( 407 و408 من ق ع ل ) كان يعتبر الصغير الشريك في جريمة المواقعة او هتك العرض بالرضا مجنيا عليه فيهما، ثم اضاف الى كل منهما الفقرة الرابعة التي وردت بتاثيم فعل كل من يرتكب المواقعة اوهتك العرض بالرضا بصفة مطلقة وبدون تخصيص، وجاء حكمها متضاربا مع حكم الفقرة الثانية بمعاقبة طرفي الجريمة، ومن تم فان حكم الفقرة الثانية يعتبر منسوخا ضمنا بحكم الفقرة الرابعة اللاحقة لها .

ووفق ما جرى به قضاء هذه المحكمة، ولاجدال في ان العلاقة بين حكم الفقرة الثانية وبين حكم الفقرة الرابعة من المادة ( 407 ق ع ل ) ليست علاقة نص خاص بنص عام في مفهوم نص المادة ( 12 ق ع ل) التي عالجت التفرقة بينهما، كما اورد الحكم المطعون فيه، ذلك ان النص العام يحمل على عمومه بينما يطبق النص الخاص كلما احتوى على عناصر النص العام الى جانب اشتماله على عنصر او اكثر يكون لازما لتطبيقه فلا تضارب ينهما رغم وجود عامل متصل بذات الموضوع الذي يتناوله كل من النصين، اما اذا كانت الواقعة ينطبق عليها اكثر من نص باحكام متناقضة، فهذا يعني وجود تضارب بين النصوص يستحيل التوفيق بينهما، ولما كانت الفقرتان الثانية والرابعة من المادة ( 407 ق ع ل ) السالفة الذكر متضاربتين متناقضتين وكانت الفقرة الثانية سابقة في وجودها على الفقرة الرابعة، والعمل بالفقرة الرابعة تطبيقا للالغاء الضمني المقرر من المبدا العام المنصوص عليه في المادة الثانية من القانون المدني، فضلا عن ان حكم الفقرة الرابعة يتمشى مع حكمه اتجاه المشرع الجديد في تاثيم فعل المواقعة او هتك العرض بالرضا على طرفيه وعلى اطلاقه دون تخصيص وعلى نقيض التشريع السابق الذي كان لا يؤثم هذا الفعل اذا رضي به من وقعت عليه الجريمة، غاية ما في الامر انه جعل من ظرف السن دون الرابعة عشرة بالنسبة له في حكم عدم الرضا المطلق بما ياخذ حكم حصول الفعل بالقوة اوالتهديد اوالخداع المنصوص عليه في الفقرة الاولى من كل من المادتين ( 407 و408 ق ع ل )، ويجعل من طرف صغر سنه بين الرابعة عشرة والثامنة عشرة في حكم عدم الرضا النسبي بما يحمل من وقعت منه الجريمة المساءلة الجنائية ولكن بشكل اخف" (1) .

وعليه فان الصغير الذي لم تبلغ سنه الرابعة عشرة من عمره وترتكب في حقه جناية المواقعة برضاه فلا يعاقب حسب نصوص قانون العقوبات الليبي وذلك تطبيقا لنص المادة ( 80 ق ع ل)، اما الصغير الذي اتم الرابعة عشرة من عمره ولم يبلغ الثامنة عشرة عند ارتكاب الفعل وكانت له قوة الشعور والارادة فانه يسال جنائيا تحت طائلة الفقرة الرابعة من المادة ( 407 ق ع ل) على ان تخفض العقوبة في شانه بمقدار ثلتي المادة ( 81 ق ع ل) .

2- الصفة التي تلحق بالفاعل : تنص المادة ( 407/3 ق ع ل) على انه " اذا كان الفاعل من اصول المجني عليه او من المتولين تربيته او ملاحظته او ممن لهم سلطة عليه او كان خادما عنده او عند من تقدم ذكرهم يعاقب بالسجن ما بين خمس سنوات وخمس عشرة سنة" .

يتضح من النص السابق بيانه ان المشرع شدد عقوبة الجاني في حالة ما اذا تمت بدون رضا المجني عليه المادة (407 ق ع ل) .

كما ان المادة الثانية من القانون رقم 10 لسنة 1985 م بشان تقرير بعض الاحكام الخاصة بجرائم الاداب العامة نصت على انه " تزاد عقوبة الجرائم المشار اليها في المادة السابقة الى الثلثين اذا كان الجاني من العاملين باجهزة الشرطة اوالامن الشعبي المحلي او ممن لهم صفة مامور الضبط القضائي .

وتزاد العقوبة الى الضعف اذا كان الجاني من المكلفين بحماية الاداب العامة او رعاية الاحداث او كان رئيسا للمجني عليه في العمل او ممن عهد اليه برعايته او تربيته او تثقيفه او علاجه او الاشراف عليه اوالقيام بشان من شؤونه" .

وعليه فان زيادة العقوبة على النحو السابق بيانه على جريمة المواقعة بغير الرضا باعتبار ان هذه الجريمة تعتبر احدى الجرائم المخلة بالشرف، وذلك مؤسس على

-----------------------

1- جلسة 26 ابريل 1984 م، مجلة المحكمة العليا الليبية، س 21، عدد 4، ص 235 وما بعدها .

---------------------

نص الفقرة الثالثة من المادة ( 407 ق ع ل) والمادة الثانية من القانون رقم 10 لسنة 1985 م بشان تقرير بعض الاحكام الخاصة بجرائم الاداب العامة .

ولكن في حال التطبيق العملي يبرز بعض التعارض بين احكام الفقرة الثالثة من المادة ( 407 ق م ل)، والمادة الثانية من القانون رقم 10 لسنة 1985 م، وبذلك لا مفر من العمل باحاكم القانون الجديد فيما وقع فيه التعارض وذلك تطبيقا لمبدا الالغاء الضمني حسبما قررته المادة الثانية من القانون المدني الليبي (1) .

ويتبين التعارض هنا من ان نص الفقرة الثالثة من المادة (407 ق ع ل) ينص على انه " اذا كان الفاعل من اصول المجني عليه او من المتولين تربيته او ملاحظته او ممن لهم سلطة عليه او كان خادما عنده اوعند من تقدم ذكرهم يعاقب بالسجن ما بين خمس سنوات وخمس عشرة سنة" .

وان المادة الثانية من القانون رقم 10 لسنة 1985 م نصت على زيادة عقوبة الاشخاص المذكورين الى الضعف مما يتعين اعمال قاعدة الالغاء الضمني المنصوص عليها في المادة الثانية من القانون المدني الليبي، وبتطبيقها تكون عقوبةالجاني في جريمة المواقعة دون الرضا - الواقعة على صغير السن - كالاتي :

1- صلة القرابة، اذا كان الفاعل من اصول المجني عليه او من المتولين تربيته او ملاحظته او ممن لهم سلطة عليا عليه او كان خادما عنده او عند من تقدم ذكرهم، فانه يعاقب حسب مقتضيات نص المادة ( 407/3 ق ع ل) وهي السجن ما بين خمس سنوات وخمس عشرة سنة .

2- ويلاحظ ان عبارة ( من اصول المجني عليه) المنصوص عليها في المادة ( 407 ق ع ل) جاءت على اطلاقها، وبالتالي فان العقوبة تشدد على الجاني عند وقوع الجريمة من الاب او اب الاب وان علا، وكذلك من اب الام وان علا، ويستوي ان يكون المجني عليه هو الابن او ابن الابن وان نزل، او البنت او بنت البنت وان نزلت،

-----------------

1- تنص المادة الثانية من القانون المدني الليبي علىانه " لايجوز الغاء نص تشريعي الا بتشريع لاحق ينص صراحة على هذا الالغاء، او يشتمل على نص يتعارض مع النص التشريعي القديم او ينظم من جديد الموضوع الذي سبق ان قرر قواعده ذلك التشريع" .

-----------------

وبالتالي يكون تشديد العقاب على الجاني مهما يكن اذا كان من اصول المجني عليه مطلقا .

كما يلاحظ ان الاب او الجد من الرضاع لا ينطبق النص عليه، كما لا ينطبق ايضا على الاب بالتبني واصوله (1).

2- صفة العمل : اذا كان الجاني من العاملين باجهزة الشرطة اوالامن الشعبي المحلي او ممن لهم صفة مامور الضبط القضائي فان عقوبته تزاد الى حد الثلثين طبقا لنص الفقرة الاولى من المادة الثانية من القانون رقم 10 لسنة 1985 م المشار اليه سابقا، ولكن اية عقوبة التي تشملها الزيادة ؟

المقصود بالعقوبة هنا هي ما نصت عليه الفقرة الاولى من المادة ( 407 ق ع ل) وهي السجن مدة لا تزيد على عشر سنوات، ويجب مراعاة ان زيادة العقوبة الى الثلثين انما ينصب على مقدار العقوبة التي يوقعها القاضي وذلك حسب نص المادة ( 29 مكررة ق ع ل) التي تنص على انه " كلما نص القانون على ان العقوبة تزاد او تنقص في نطاق حدود معينة لظرف مشدد او مخفف فان الزيادة او النقص انما تنصب على مقدار العقوبة التي يوقعها القاضي ما لم ينص القانون على غير ذلك"، بمعنى انه يعاقب الجاني بمقتضى المادة ( 407/1 ق ع ل) ثم يزيد ذلك العقاب بمقدار الثلثين، كان تحكم المحكمة على الجاني بتسع سنوات سجنا نافذا فالعقوبة تزاد بمقدار الثلثين أي بخمسة عشرة سنة سجنا نافذا .

3- صفة التكليف : تنص المادة ( 2/2 من القانون رقم 10 لسنة 1985 م) بتقرير بعض الاحكام الخاصة بجرائم الاداب العامة او رعاية الاحداث او كان رئيسا للمجني عليه في العمل او ممن عهد اليه برعايته او تربيته او تثقيفه او تدريبه او علاجه او الاشراف عليه او القيام بشان من شؤونه" .

ويقصد بالعقوبة المقصودة بالزيادة هنا هي عقوبة السجن مدة لا تزيد على عشر سنوات التي نصت عليها الفقرة الاولى من المادة ( 407 ق ع ل) ومقدار الزيادة هنا المقصود به ما يوقعه القاضي بالفعل في حكمه تطبيقا للمادة ( 29 مكررة ق ع ل )

-------------------

1- ادوار غالي الذهبي، المرجع السابق، ص 139 .

-------------------

كما لو حكم القاضي على جان بسبع سنوات سجنا نافذا فان العقوبة تضاعف الى اربعة عشرة سنة سجنا نافذا.

ومن ناحية اخرى اذا كان الجاني من المكلفين بحماية الاداب العامة او رعاية الاحداث او كان رئيسا للمجني عليه في العمل فان القانون الخاص الذي يحدد اختصاص الوظيفة للجاني في كل من هذه القوانين هو الذي يجب الرجوع اليه لتحديد تلك الوظيفة لمعرفة مركزه القانوني في ذلك السلك .

وفي حالة ما اذا كان الجاني يتولى رعاية المجني عليه او تربيته او تثقيفه او تدريبه او علاجه او الاشراف عليه او القيام بشان من شؤونه فانه بمجرد ان يكون قد عهد اليه بذلك من والديه اومن لهم حق الوصاية او الولاية عليه بحكم من المحكمة او احد اقاربه، ومثال ذلك كأن يكون المجني عليه تلميذا او متدربا عند الجاني، وبعبارة اخرى من يكون له نفوذ عليه سواء أكان قوننيا ام فعليا .

ويخرج عن ذلك زوج الاخت فانه لا يعتبر من المتولين تربية او ملاحظة او الاشراف على اخت الزوجة او ممن لهم سلطة عليها بمقتضى القانون، اما في حالة ما اذا كانت تقيم معه في بيت واحد مع اختها ويتولى الجاني الاشراف الفعلي والنفقة عليها فان التشديد يقوم، اما اذا توافرت رابطة المصاهرة فقط دون الاشراف الفعلي فلا يكن القول بتوافر ظرف التشديد في حقه (1) .

ولكن ما العمل اذا ما توافرت اكثر من صفة في الجاني ؟

للاجابة عن هذا السؤال يمكن الحديث عنه في حالتين :

الحالة الاولى : في حالة توافر اكثر من صفة من الصفات المذكورة في النص السابق بيانه في الجاني مما يستوجب تشديد العقاب في واقعة واحدة، فهنا يجب الحكم بالزيادة الاشد اذا كان هناك اختلاف في مقدار الزيادة المنصوص عليها، كان يكون الجاني من العاملين باجهزة الشرطة فتزاد عقوبته بمقدار الثلثين المادة (2/1) من القانون رقم 10 لسنة 1985 م وفي نفس الوقت يكون رئيسا للمجني عليه في العمل مما يقتضي ان تزاد العقوبة الى الضعف طبقا لنص المادة ( 2/2 ) من القانون رقم 10 لسنة 1985 م .

-----------------------

1- جلسة 28 مايو 1974 م، مجلة المحكمة العليا الليبية، س 11، عدد 1، ص 148 .

----------------------

ففي هذه الحالة وهي توافر صفتين في واقعة واحدة فانه تزاد العقوبة بمقدار الثلثين، فقط، كان يحكم على الجاني بست سنوات سجنا نافذا فتزاد العقوبة بمقدار الثلثين فتصبح العقوبة عشر سنوات سجنا نافذا .

الحالة الثانية : في حالة ما اذا توافر بالفاعل اكثر من صفة تتطلب نفس التشديد في واقعة واحدة كأن يكون الجاني من المكلفين برعاية الاحداث ورئيسا للمجني عليه في العمل، ففي هذه الحالة على الرغم من توافر اكثر من صفة في الجاني الا انه يجب ان تزاد العقوبة مرة واحدة فقط بمقدار الضعف، كان يحكم على الجاني بثمان سنوات سجنا نافذا، فتزاد العقوبة بمقدار الضعف أي تصبح ستة عشرة سنة سجنا نافذا، فهذه الصفات نص عليها المشرع على سبيل التبادل على اعتبار ان توافر احداها يكفي لتشديد العقاب، ومن ناحية اخرى فان توافر اكثر من صفة منها لا يؤدي الى تشديد العقاب اكثر مما يقتضيه توافر واحدة منها في الواقعة نفسها (1).

وفي كل الاحوال فانه اذا توافرت شروط تشديد العقاب علىالجانب فانه لايخل بحال من الاحوال من تطبيق العقوبات التبعية المنصوص عليها في المادة 2 من القانون رقم 10 لسنة 1985 م بشان تقرير بعض الاحكام الخاصة بجرائم الاداب العامة السابق بيانها .

-----------------

1- راجع محمد رمضان باره، المرجع السابق، ص 221 .

----------------

قائمة المراجع

1) ابو المعاطي حافظ ابو الفتوح، شرح القانون الجنائي المغربي، القسم الخاص، الطبعة الاولى 1403، 1983، مطبعة النجاح الجديدة، الدار البيضاء، المغرب .

2) احمد الخمليشي، القانون الجنائي الخاص، الجزء الاول، الطبعة الثانية 1405 - 1986، مطبعة المعارف الجديدة، الرباط، المغرب .

3) محمد رمضان باره، قانون العقوبات الليبي، القسم الخاص، الجزء الاول، جرائم الاعتداء على الاشخاص، الطبعة الثانية، 1403 و. ر - 1993، الجماهيرية للنشر والتوزيع والاعلان، مصراته، ليبيا .

4) محمود محمود مصطفى، شرح قانون العقوبات، القسم الخاص، الطبعة السادسة، 1964، دار مطابع الشعب، القاهرة، مصر .

5) مبروك السنهوري، التشديد والتخفيف في قانون العقوبات المصري، الطبعة الاولى 1993، مؤسسة الثقافة الجامعية، الاسكندرية، مصر .

6) علاء الدين ابي بكر بن مسعود الكاساني، بدائع الصنائع في ترتيب الشرائع، الطبعة الثانية، 1982 م، دار الكتاب العربي، بيروت، لبنان .

7)عوض محمد عوض، الجاني والمجني عليه في جريمة المواقعة، دراسة مقارنة للنشر بعين المصري والليبي، مجلة دراسات قانونية، المجل الثالث 1973 م، منشورات الجامعة الليبية، كليةالحقوق، بنغازي، ليبيا .

8) مجلة المحكمة العليا، يصدرها المكتب الفني بامانه العدل والامن العام، طرابلس، ليبيا .

9) مجموعة التشريعات الجنائية، الجزء الاول، العقوبات، 1424، ميلادية، اعداد ادارة القانون بامانة العدل والامن العام، طرابلس، ليبيا .

10) مجموعة القواعد القانونية، تصدر عن وزارة العدل بمصر .

11) مجموعة احكام النقض، تصدر عن وزارة العدل بمصر .

11 مكرر) ادوار غالي الذهبي، الجرائم الجنسية في التشريع الليبي المقارن، الطبعة الاولى، 1973، المكتبة الوطنية، بنغازي، ليبيا .

* مجلة المحاكم المغربية، عدد 86، ص 81 .