إن تحديد الطبيعة القانونية للقرارات التي يصدرها قاضي تطبيق العقوبات وقوتها الإلزامية ، سواء من حيث حجيتها أو طرق بالطعن المتعلقة بها، يقتضي ابتداء بيان خصائص هذه القرارات (أ) وأنواعها (ب) ليتأتى لنا بعد ذلك مناقشة إمكانية الطعن فيها(ج ).
أ / خصائص القرارات الصادرة من قاضي تطبيق العقوبات :
إن قانون المسطرة الجنائية جاء خاليا من أية إشارة في هذا الشأن، غير أن ما ورد في الفقرة الأخيرة من المادة 640 من أن وكيل الملك لا يأمر أعوان القوة العمومية بإلقاء القبض على المدين "إلا بعد صدور قرار بالموافقة على ذلك، عن قاضي تطبيق العقوبات "يسعفنا على الأقل في القول بأن ما يصدر عن قاضي تطبيق العقوبات يسمى قرارا وليس حكما .
كما أن الانطلاق من الكيفية المسطرية العملية التي يمارس بها قاضي تطبيق العقوبات اختصاصاته ، وكذا نموذج القرار الصادر عنه الذي أعدته وزارة العدل في هذا الشأن ، يسعف في بيان الخصائص التالية :
1- أنه قرار يصدر عن جهة قضائية .
لكون قاضي تطبيق العقوبات يعين من بين قضاة المحكمة الابتدائية (المادة 599
من ق .م .ج )، لذلك فإنه يخضع لبعض شكليات وبيانات الأحكام القضائية ، ومن ذلك :
ـ صدوره باسم جلالة الملك
ـ يجب أن يكون معللا سواء كان بتطبيق الإكراه البدني أو بعدم تطبيقه .
ـ يجب أن يكون وقعا من طرف القاضي والكاتب .....
2- أنه قرار يصدر مسألة غير نزاعية :
وبالتالي فهو لا ينشئ ولا يقرر حقا لطرف معين، ولا تأثير له على المراكز القانونية
لأطراف المقرر القضائي موضوع مسطرة الإكراه البدني، ومترتب على ذلك :
ـ صدور قرار قاضي تطبيق العقوبات في إطار مسطرة غير تواجهية وفي غيبة الأطراف
ـ عدم جواز إدلاء الأطراف بمذكرات أو أوجه دفاع أمام قاضي تطبيق العقوبات ، لأنه يضطلع بوظيفة المراقبة وليس البت في النزاعات ، وبالتالي فلا جدوى من طرح المذكرات أمامه، وكذلك لأن المنازعات التي قد تثار أمام قاضي تطبيق العقوبات تعتبر منازعات سابقة لأوانها، لكونها إما تتعلق بصحة إجراءات الإكراه البدني والحال أن هذه الإجراءات لم تستوف بعد، كما أنها ستكون موضوع مراقبة من قبل قاضي تطبيق العقوبات، وإما أن ترتبط بنزاعات عارضة تستلزم تأويلا وهو ما يخرج عن نطاق اختصاص قاضي تطبيق العقوبات ويرجع للمحكمة المصدرة للمقرر القضائي، وكذلك لأن العوارض الشكلية أو الموضوعية لمسطرة الإكراه البدني يرجع لقاضي تطبيق العقوبات إمكانية إثارتها تلقائيا، ومن ثم فلا محل لتدخل الأطراف في هذه المرحلة من المسطرة . وأن القول بغير ذلك سيضعنا أمام أوضاع إجرائية في غاية التعقيد، ومن ذلك :
- هل المسطرة شفوية أم كتابية ومن تم ضرورة الاستعانة بالمحامي من عدمها .
- مراعاة حقوق الدفاع من عدمها وما يدخل ضمنها من منح المهل للجواب والتعقيب والرد .
- هل يمكن لقاضي تطبيق العقوبات الحكم بعدم الاختصاص في حالة ما إذا تمت المنازعة أمامه في مدة الإكراه المحددة في المقرر المراد تنفيذه ، مادام أن هذه الصلاحية ترجح للمحكمة المصدرة للمقرر المراد تنفيذه المادة 643 ، 599 ، 600 من ق .م .ج ؟
- هل يمكن الطعن في قرار قاضي تطبيق العقوبات بإعادة النظر في حالة إغفال البت في أحد الطلبات، هل يمكن تجريح قاضي تطبيق العقوبات في حالة ثبوت أحد أسباب التجريح؟ وهل يعتبر ذلك مانعا يخول رئيس المحكمة تعيين من ينوب عنه، رغم أن المشرع في المادة 596 لم يتحدث إلا عن المانع المادي حيث نص على أنه "إذا حدث مانع لقاضي تطبيق العقوبات حال دون قيامه بمهامه" والحال أنه لا يبت، وبالتالي ينتفي موجب التجريح؟
- هل يمكن لقاضي تطبيق العقوبات تأجيل إصداره لقراره في حالة الإدلاء لديه بما يفيد الطعن (بالطعون غير العادية ) في المقرر موضوع مسطرة الإكراه أو بما يفيد الطعن بالزور في شهادة العوز أو الإغفاء من الضريبة المدلى بها من طرف المدين ..؟، وغيرها من المسائل التي يطول عرضها، والتي لا نضن أنها تحقق غاية المشرع من إقرار الرقابة القبلية على مسطرة الإكراه البدني،
- اقتصار رقابة قاضى تطبيق العقوبات على الوثائق المتضمنة بالملف كما أحيل من طرف وكيل الملك، دون غيرها من الوثائق التي قد يدلي بها الأطراف ، غير أنه يجب الإشارة إلى أنه بإمكان وكيل الملك الإدلاء بوثائق أخرى بعد إحالة الملف على قاضي تطبيق العقوبات مادام أن هذا الأخير لم يصدر قراره بعد .
3 - أنه قرار يشكل ركنا أساسيا في تطبيق مسطرة الإكراه البدني :
على الأقل بالنسبة للديون الخاضعة في استخلاصها لقانون المسطرة الجنائية ،وهذا ما يبرز بوضوح من خلال ما نص المشرع في المادة 640 من ق .م .ج . على أنه "لا يمكن تطبيق الإكراه البدني في جميع الأحوال ولو نص عليه مقرر قضائي، إلا بعد موافقة قاضي تطبيق العقوبات ..." كما نص في الفقرة الأخيرة من نفس المادة على أن وكيل الملك لا يأمر "أعوان القوة العمومية بإلقاء القبض على الشخص المطلوب تطبيق الإكراه البدني في حقه، إلا بعد صدور قرار بالموافقة على ذلك عن قاضي تطبيق العقوبات"، ويستثنى من هذه الموافقة الحالة المنصوص عليها في المادة 641 من ق .م .ج . وذلك عندما يكون المدين المطلوب إكراهه ما يزال معتقلا وأصبح الحكم الصادر في حقه مكتسبا لقوة الشيء المقضي
(29) ويترتب على ذلك أن تطبيق الإكراه البدني رهين بالأساس بصدور قرار بالموافقة من قاضي تطبيق العقوبات تحت طائلة عدم صحة إجراءات الإكراه البدني.ولقد أثيرت في هذا الصدد مسألة في بالغ الأهمية ، وهو مد ى إلزامية موافقة قاضي تطبيق العقوبات في حالة المدين المطلوب إكراهه الصادرة في حقه مذ كرة بحث قبل دخول قانون المسطرة الجنائية الجد يد حيز التنفيذ :
أعتقد أنه ليس هناك من ضرورة قانونية تفرض إلزامية الحصول على موافقة قاضي تطبيق العقوبات بالنسبة لطلبات الإكراه البدني التي استوفيت إجراءاته التي كانت محددة في المادة 680 من قانون المسطرة الجنائية الملغى (توجيه إنذار . طلب اعتقال )، وصدر أمر بإلقاء القبض على المدين ، ثم مذكرة بحث عنه بعد تعذر إلقاء القبض عليه من طرف الضابطة القضائية ، وكل ذلك قبل دخول المقتضيات الجديدة حيز التنفيذ أي قبل فاتح أكتوبر2003، وذلك للاعتبارات التالية :
ـ لأن الإجراءات المسطرية التي كانت واجبة قانونا ثم إنجازها قبل دخول القانون الجديد حيز التنفيذ، وأننا دخلنا في مرحلة تنفيذ الإكراه البدني بعد صدور أمر بالاعتقال الذي لا يكون في ظل الوضع الراهن إلا بعد صدور قرار بالموافقة - وبذلك نكون قد تجاوزنا مرحلة الإجراءات .
ـ أن استلزام ضرورة موافقة قاضي تطبيق العقوبات ، يعني بالتبعية استلزام ضرورة الإدلاء بما يثبت عدم إمكانية التنفيذ على أموال المدين ، الذي يتوجب قانونا على قاضي تطبيق العقوبات التثبت من توفره ، تحت طائلة عدم قبول طلب تطبيق الإكراه البدني، ومادام أن هذا الشرط لم يكن واجبا في ظل القانون القديم ، فإن جميع ملفات الإكراه سيكون مآلها عدم القبول لهذه العلة ، اللهم إلا إذا بادر طالبي الإكراه إلى ممارسة إجراءات التنفيذ على الأموال قبل إلقاء القبض على المدينين .
ـ أن اشتراط موافقة قاضي تطبيق العقوبات في هذه الحالة سيفضي إلى إعادة إجراءات صحيحة ، ذلك أن صدور قرار بالموافقة عن قاضي تطبيق العقوبات يوجب على السيد وكيل الملك إصدار أمر جديد بالإيداع في السجن تطبيقا للمادة 640 من ق .م .ج التي تنص في فقرتها الأخيرة على أنه "لا يأمر وكيل الملك أعوان القوة العمومية بإلقاء القبض على الشخص المطلوب تطبيق الإكراه البدني إلا بعل صدور قرار بالموافقة على ذلك عن قاضي تطبيق العقوبات. .." وهو ما يعتبر مخالفة واضحة للمادة 754من ق .م .ج . التي قضت على أنه " تبقى إجراءات المسطرة التي أنجزت قبل تاريخ تطبيق هذا القانون صحيحة ولا داعي لإعادتها"، وبالتالي فما دام الأمر بالاعتقال المنجزة على ضوئه مذكرة البحث صحيحا، فلا داعي لإعادته ، ومن ثم لا حاجة لموافقة قاضي تطبيق العقوبات .
ب /- أنواع القرارات التي يصدرها قاضي تطبيق العقوبات :
يصدر قاضي تطبيق العقوبات ثلاثة أنواع من القرارات :
1/-
قرار بتطبيق الإكراه البدني
2/-
وقرار بتطبيق الإكراه البدني مع تحديد المدة3/-
وقرار بعدم تطبيق الإكراه البدني.1-
القرار بتطبيق الإكراه البدني : ويصدر هذا القرار بعد تأكد قاضي تطبيق العقوبات من استيفاء الملف، للأحكام الإجرائية والموضوعية للإكراه البدني، وانتفاء أي مانع من الموانع المقررة قانونا ، فهذا القرار لا يشكل إضافة إجرائية نوعية في مسطرة الإكراه البدني، وإنما يقتصر فقط على التصريح بمطابقة الإجراءات المتخذة من قبل طالب الإكراه
للمقتضيات المنصوص عليها قانونا.
2/-
القرار بتطبيق الإكراه البدني مع تحديد مد ة الإكراه : ويصدر هذا القرار في نطاق المادة 999 من ق .م .ج ، التي تنص على أنه " يحدد قاضي العقوبات مدة الإكراه البد ني المتعلقة بالمد ين المطلوب الإكراه في حقه و في حالة الحكم بتضامن المدينين، وتراعي في ذلك حصة المد ين المعني بالأمر من الد ين "، وتثار بخصوص هذا القرار مسألتين على جانب كبير من الأهمية .
ـ الأولى:
وهي هل اختصاص قاضي تطبيق العقوبات بتحديد مدة الإكراه البدني إنما ينحصر فقط في الحالة التي يكون فيها طلب الإكراه البدني يتعلق بأحد المدينين المتضامنين دون الباقي كما قد يفهم من خلال اشتراط المشرع ضرورة مراعاة حصة "المدين المعني بالأمر"؟ أم يشمل حتى الحالة التي يكون فيها طلب الإكراه البدني يهم كل المدينين المتضامنين؟
إن الارتباط بالمعنى الحرفي لنص المادة 644 أعلاه ، يسعف في ترجيح الاحتمال الأول ، إلا أن مراعاة غاية المشرع في إسناد هذه الصلاحية لقاضي تطبيق العقوبات، وتجاوزا للمشاكل التي كان يطرحها الفراغ التشريعي بخصوص هذه المسألة في قانون المسطرة الجنائية السابق ، حيت كان وكيل الملك هو الذي يقوم بهذه المهمة ، لكون المحكمة المصدرة للمقرر المراد تنفيذه لا تختص إلا إذا كانت مدة الإكراه غير محددة، أوهناك منازعة في هذا التحديد، وهو الأمر غير الوارد في حالة المدينين المتضامنين المحددة في حقهم جميعا مدة الإكراه ، وإعمالا لقاعدة أنه (لا تضامن في الإكراه البدني)، نرى أن اختصاص قاضي تطبيق العقوبات يتحقق حتى في الحالة التي يكون فيها طلب الإكراه البدني موجها ضد كل المدينين المتضامنين ، حيت يحدد مدة الإكراه الخاصة بكل مدين اعتبارا لحصته من الدين ، وهو الأمر الذي تبرز فعاليته في الديون المدنية، حيت يتعدد الكفلاء وتختلف المبالغ موضوع الكفالة ...
ـ الثانية :
وهي أن عددا كبيرا من المقررات القضائية التي يؤسس عليها طلب الإكراه البدني، في حق أحد المدينين المتضامنين ، حازت قوة الشيء المقتضى به قبل دخول قانون المسطرة الجنائية الجديد حيز التنفيذ، بالتالي فهي تتضمن مدد إكراه أطول من المدد المنصوص عليها في قانون المسطرة الجنائية الساري المفعول ، وذلك إما صراحة بتحديد مدة الإكراه ، وإما ضمنيا بتحديدها في الأدنى، ففي هذه الحالة، هل يراعى قاضي تطبيق العقوبات في تحديده لمدة الإكراه في حق المد ين المتضامن ء المد ة التي كانت سارية في ظل القانون الذي صدرت فيه المقررات القضائية المطلوب على ضوئها الإكراه ، أم يأخذ بعين الاعتبار المدة المحددة في القانون النافذ المفعول عند إصداره لقراره ؟
إن التقيد بمبدأ عدم رجعية القوانين ، يقتضي تطبيق المدد المنصوص عليها في القانون القديم، والذي صدرت المقررات القضائية وحازت قوة الشيء المقضي به في ظله، والقول بغير هذا سيفرغ المبدأ المذكور من مدلوله القانوني، وسيؤول إلى تعديل جميع المقررات القضائية الباتة المحددة لمدة الإكراه البدني، والحال أن من القواعد المسلم بها في أحكام التنفيذ، أن القوة التنفيذية للأحكام القضائية لا يجوز تعديلها أو تغييرها إلا عبر طرق الطعن الممكنة قانونا، أومن خلال العفو بنوعيه الخاص والشامل .
وينبني على هذا التحليل :
ـ أنه لا مجال للتمسك بمبدأ الأثر الفوري للمقتضيات القانونية الإجرائية ، لأن الأثر الفوري إنما يشمل فقط القضايا التي لازالت رائجة ، والمراكز القانونية التي لم تنته بعد، ولا أثر له على الأوضاع التي نشأت وانتهت في ظل القانون القديم، كما أنه من المعلوم كذلك أن التطبيق الفوري للمقتضيات المسطرية الجديدة مشروط كذلك بعدم الإضرار بالحقوق المكتسبة للأطراف في ظل القانون القديم ، ولعل هذا ما يفسر ما جاء في المادة 754. من ق م .ج . من أنه تبقى إجراءات المسطرة التي أنجزت قبل تاريخ تطبيق هذا القانون صحيحة ولا داعي لإعادتها"، والفقرة الثانية من المادة 755 من ق م .ج . من أن "المقررات الصادرة قبل تاريخ دخوله (أي ق .م .ج ) حيز التطبيق تظل خاضعة من حيت الطعون وآجالها للمقتضيات المضمنة في القوانين المنسوخة.
ـ أنه لا محل لتطبيق مقتضيات المادة 6 من القانون الجنائي بخصوص القانون الأصلح للمتهم ، والتي تنص على أنه "في حالة وجود عدة قوانين سارية المفعول، بين تاريخ ارتكاب الجريمة والحكم النهائي بشأنها، يتعين تطبيق القانون الأصلح للمتهم" ، لكون المادة المذكورة إنما تهم العقوبة والحال أن الإكراه البدني ليس عقوبة ، وإنما وسيلة من وسائل الإجبار على التنفيذ، شأنه في ذلك شأن الغرامة التهديدية ، كما تهم المتهم والحال أن المكره بدنيا ليس متهما، كما تشترط وجود قانونين موضوعيين ساريي المفعول، في حين أننا أمام قانون واحد ساري المفعول ،......
3. القرار بعدم تطبيق الإكراه البدني : ويصدر هذا القرار في الحالة التي يتأكد فيها قاضي تطبيق العقوبات من وجود مانع من موانع الإكراه ، أو تخلف أحد الشروط الشكلية .
ج / الطعن في القرارات الصادرة عن قاضي تطبيق العقوبات :
واضح من خلال الخصائص التي بيناه أعلاه ، للقرارات الصادرة عن قاضي تطبيق العقوبات أن الطبيعة القانونية لهذه القرارات ، تتراوح بين الطابع القضائي الولائي (كقرار صادر عن جهة قضائية )، وبين الطابع الإجرائي (باعتبارها إجراء من إجراءات الإكراه البدني )، بحيث يبرز الطابع الإجرائي أكثر في القرارين المتعلقين بتطبيق الإكراه البدني، وبتطبيق الإكراه البدني مع تحديد المدة ، في حين يغلب الطابع القضائي في القرار بعدم تطبيق الإكراه البدني، لتمحوره حول عنصر التعليل أكثر، وهو الأمر الذي ينعكس على مستوى التصور القانوني لإمكانية الطعن في هذه القرارات ، وبالتالي التساؤل حول إمكانية الطعن في قرارات قاضي تطبيق العقوبات استقلالا عن باقي إجراءات الإكراه البد ني؟
وبهذا الخصوص، وانطلاقا مما خلصنا إليه حول الطبيعة القانونية للقرارات الصادرة عن قاضي تطبيق العقوبات، فإنه يتعين في اعتقادنا التمييزبين نوعي القرارين الصادرين عن قاضي تطبيق العقوبات؟ بتطبيق الإكراه البدني أو عدم تطبيقه ، وهكذا :
1/ فإذا تعلق الأمر بقرار بتطبيق الإكراه البدني، أو بتطبيق الإكراه البدني مع تحديد المدة، فإننا نميل إلى تأكيد عدم قابليتها لأي طعن استقلالا عن الطعن في باقي إجراءات الإكراه البدني، وذلك للاعتبارات التالية :
مراعاة لصبغة النظام العام التي تلحق المقتضيات الجنائية الإجرائية والموضوعية ، والتي من مقتضاها أنه لا طعن ألا بنص ، ولا وجود لنص يجيز إمكانية الطعن في القرارات الصادرة عن قاضي تطبيق العقوبات .
أن قرار قاضي تطبيق العقوبات بتطبيق مسطرة الإكراه البدني، ما هو إلا إجراء جديد من إجراءات مسطرة الإكراه البدني، وبالتالي فهو يخضع من حيت المنازعة فيه لنفس مسطرة المنازعة في باقي إجراءات مسطرة الإكراه البدني.
أن المشرع حدد الجهات التي لها صلاحية البت في المنازعات المتعلقة بمسطرة الإكراه البدني، وهي رئيس المحكمة الابتدائية لمحل اعتقال أو إلقاء القبض على المدين، إذا تعلق الأمر بمنازعة في صحة إجراءات الإكراه البدني، كعدم توجيه إنذار للمدين أو لكون المقرر القضائي مطعون فيه بأحد طرق الطعن غير العادية ، أو لتوفر المدين على ما يحجز...، (المادة 643 من ق .م .ج )(30)، والمحكمة المصدرة للحكم المراد تنفيذه إذا تعلق الأمر بنزاع عارض يستلزم تفسيرا ، كما إذا تم تحديد مدة الإكراه البدني في أكثر من الحد الأقصى أو تم إغفال تحديد مدة الإكراه ، أو لوجود منازعة في سن المحكوم عليه ..،(المواد 599. 600. 643) (31)، ومن المعلوم أن المنازعة المحتملة في قرار قاضي تطبيق العقوبات بتطبيق الإكراه البدني، لن تخرج عن هذا الإطار، وبالتالي فإن الطعن يتم أمام هذه الجهات بحسب نوع المنازعة ، أما إذا انصبت المنازعة على القرار الصادر عن قاضي تطبيق العقوبات نفسه، بسبب بعض الاختلالات التي تعتريه ، كتضمينه اسما غير اسم المدين المطلوب ضده الإكراه ، أو لكون مدة الإكراه التي حددت في حق المدين المتضامن تتجاوز الحد الأقصى أو لا تتناسب كليا مع حصته من الدين...، ... فإن اختصاص البت في هذه المنازعة يرجع لنفس الجهتين أعلاه بحسب نوع الإخلال المثار بشأن القرار الصادر عن قاضي تطبيق العقوبات .
ومن تم فما دام إذن باب الطعن مفتوحا على هذا النحو، فلا ضرورة تدعو لتمييز القرار الصادر عن قاضي تطبيق العقوبات بمسطرة منازعة خاصة أو تقرير طرق طعن خاصة به ، وما يترتب عن ذلك من تطويل في الإجراءات وتعدد في المساطر، وهكذا فإن طرق المنازعة في إجراءات الإكراه البدني التي كانت متاحة في الوضع القانوني السابق ، هي نفسها التي تظل سارية في الوضع الراهن.
2) أما إذا تعلق الأمر بقرار بعدم تطبيق الإكراه البدني: ففي هذه الحالة فإن طالب الإكراه :
إما أن يقتنع بصحة المانع من تطبيق مسطرة الإكراه البدني المبين بقرار قاضي تطبيق العقوبات ، وهنا يكون من حقه إعادة الطلب من جديد بعد تصحيح الإجراءات أو تدارك المانع السابق ، ودون أن يحتج على ذلك بسبقية البت، اعتبارا لما أسفلناه بخصوص الطابع الإجرائي الولائي لقرارات قاضي تطبيق العقوبات، ونظرا لكونه يراقب ولا يبت .
وإما أن ينازع في السبب المبني عليه قرار بعدم تطبيق الإكراه البدني : وفي هذه الفرضية تتعقد المسألة ، حيث يبرز الطابع القضائي لقرار قاضي تطبيق العقوبات مجسدا في عنصر التعليل ، فتتحول المنازعة من منازعة في إجراء من إجراءات الإكراه البدني، إلى منازعة في تعليل قانوني، وهنا لا يمكن إسناد البت في هذا النزاع لا لرئيس المحكمة ولا المحكمة المصدرة للمقرر المراد تنفيذه ، لأن اختصاص هاتين الجهتين إنما يرتبط بالمنازعات المتعلقة بتنفيذ الإكراه البدني، بدليل اشتراط المشرع في المادة 643 من ق .م .ج وجود المدين في وضعية اعتقال حتى يتحقق اختصاص رئيس المحكمة للبت في النزاع ، كما يستشف كذلك من خلال تخويل المحكمة التي تبت في النزاعات العارضة ، صلاحية توقيف التنفيذ المتنازع فيه ، والحال في هذه الوضعية أن مسطرة الإكراه البدني لم يبدأ في تنفيذها، كما أن الحديث عن طعن إداري بالإلغاء، يبقى محل نظر، لكون القرار الصادر عن قاضي تطبيق العقوبات ، لا يعتبر قرارا إداريا بأي حال من الأحوال ، ولا تتوفر فيه خصائص القرارات الإدارية ، كما أن اللجوء إلى الطعن بالاستيناف في القرار بعدم تطبيق الإكراه البدني سيفتح المجال أمام تضخم الطعون في المسطرة الواحدة ، مما سيجعلنا أمام أوضاع معقدة ، من قبيل أجل الإستيناف ، وقابلية القرار اللإستنافي طعن فيه بالطرق غير العادية ... .، وهي أمور لا نعتقد أن غاية المشرع انصرفت إليها، وعموما فالمسألة تبقى في رحاب النقاش القانوني المفتوح ، في انتظار التعديل المرتقب لمدونة القانون الجنائي التي من المحتمل أن توسع من الصلاحيات المخولة لقاضي تطبيق العقوبات، وأن تتعرض لطرق الطعن في القرارات الصادرة عنه ، كما هو الحال في النظام القانوني الفرنسي، الذي حدد كيفية الطعن في القرارات الصادرة عن قاضي تطبيق العقوبات ، وذلك حتى نكون فعلا أمام قاض لتطبيق العقوبات ، وليس لإثارة العقبات .
هذه عموما بعض من كثير، وفيض من غزير المسائل التي يثيرها اختصاص قاضي تطبيق العقوبات في مراقبة صحة إجراءات الإكراه البدني، على المستويين العملي والنظري، عملنا ما وسعنا النظر على إخراجها من المستوى المهني الممارس ، إلى مستوى النقاش القانوني العام الذي تلتقي فيه على صعيد واحد كافة مصادر القانون الحية، فتضع تحت إمرة التشريع مرة ثانية ما سيفصح عنه التطبيق العملي من مواطن القصور، فعسانا بهذا أن نكون قد وفقنا في هذا المسعى، وأن لا نكون قد أثينا على ذكر أشياء من قبيل القول المنمق الذي لا يرجع إلى معنى محقق ، كما جاء في كتاب الإمتاع والمؤانسة لأبي حيان التوحيدي، آملين بعد ذلك في أن نكون قد وضعنا بين يدي السادة الباحثين أرضية لتعميق النقاش ، أو بالأحرى الحديث حول هذه المسائل ، فكما قال ابن الرومي :
لقد سئمت مآربي *** فكان أطيبها خبيث
إلا الحديث فإنه *** مثل اسمه أبدا حديث
والحمد لله العلي الذي لا يحصى نعيمه
حرر بتاريخ 18 مارس 2004
الهوامش
(1)
عبد العزيز العنزي: نظام العقوبات وتنفيذها في قانون الجزاء الكويتي والقوانين المقارنة ، مجلة الحقوق ملحق العدد الرابع ، السنة 26 شوال 1423 ، دجنبر 2002 ص 58.
(2)
فنجاح سياسة إدارة السجون هو المظهر الأساسي لفعالية قانون العقوبات .
(3)
انظر في تفصيلات هذه الأنظمة: عبد الحميد الشواربي : التنفيذ الجنائي في ضوء القضاء والفقه ، مشأة المعارف بالإسكندرية طبعة 2003، ص 194 وما يليها .
(4)
أما في فرنسا فيعين قاضي تطبيق العقوبات بمرسوم لرئيس الجمهورية بعد استشارة المجلس الأعلى للقضاء، إلا أن الملاحظ أن المشرع لم يحدد نوعية العلاقة بين قضاة تطبيق العقوبات في حالة تعددهم فيما يتعلق بالنيابة عن بعضهم البعض ، وتوزيع العمل بينهم ، وفي تحديد القاضي الذي تحال عليه ملفات الإكراه البدني من بين باقي القضاة ، وغيرها من التساؤلات التي قد تثيرها هذه الوضعية ...
(5)
القانون رقم 98-23 المتعلق بتنظيم وتسيير المؤسسات السجنية الصادر بتنفيذه الظهير الشريف رقم 200- 99-1- المؤرخ في 13 جمادى الأولى 1420 موافق 25 غشت 1999 والمنشور بالجريدة الرسمية عدد: 4726 الصادرة بتاريخ 16/09/1999 الصفحة 2248 وما يليها .
المرسوم رقم 485 -00-2 الصادر في 6 شعبان 1421 (03 نونبر 2000) المتعلق بكيفية تطبيق القانون رقم 98-23 الخاص بتسيير المؤسسات السجنية.
(6)
والملاحظ من خلال هذه الصلاحية أن قاضي تطبيق العقوبات لا يملك أي اختصاص في تصحيح وضعية المعتقل في حالة التثبت من عدم قانونية الاعتقال سوى إنجاز تقرير بذلك يرفع إلى النيابة العامة التي ترجع إليها تلك الصلاحية .
(7)
تنص الفقرة الثامنة من المادة 596 على أن قاضي تطبيق العقوبات "يمكنه تقديم مقترحات حول العفو والإفراج المقيد بشروط " وتنص المادة 625 على أنه "يعد رئيس المؤسسة السجنية التي يقضي بها المحكوم عليه عقوبته اقتراحات الإفراج المقيد بشروط إما تلقائيا أو بناء على طلب من المعني بالأمر أو عائلته أو بتعليمات من وزير العدل أو مدير إدارة السجون أو بمبادرة من قاضي تطبيق العقوبات طبقا لمقتضيات المادة 155 من المرسوم رقم 485-00-2..." وتنص الفقرة الأخيرة من المادة 528 على أنه توجه "نسخة من قرار الإفراج المقيد بشروط إلى القاضي المكلف بتطبيق العقوبات" .
(8) إن هذا التوجه الذي سلكه المشرع المغربي في إخضاع تطبيق مسطرة الإكراه البدني للرقابة القضائية المسبقة نجد له مقابلا في قانون التنفيذ العراقي رقم 45 لسنة 1980 الذي نص في المادة 40 منه على انه أولا: لا يجوز حبس المدين في جميع الأحوال إلا بناء على طلب من الدائن وقرار من المنفذ له العدل (يقابل قاضي التنفيذ في الأنظمة القضائية التي أخذت بهذه المؤسسة ) ثانيا: إذا لم يكن المنفذ العدل قاضيا عرض الأمر على قاضي البداءة الأول (يقابل رئيس المحكمة الابتدائية في التنظيم القضائي المغربي) ليقرر الحبس من عدمه وفقا لأحكام القانون" .
(9) وفي هذا السياق فقد صدر مؤخرا قرار للمجلس الأعلى وضع حدا للتضارب القضائي والفقهي الذي كان مثارا بخصوص هذه المسألة خاصة بالنسبة للأحكام الصادرة في الدعاوى المدنية ، وأكد بأنه لا يمكن تنفيذ الإكراه البدني في حق المحكوم عليه قبل صيرورة الحكم به باتا سواء كان التعويض محل الإكراه محكوما به بمقتضى دعوى مدنية أصلية أو تابعة وهكذا جاء في قرار المجلس الأعلى عدد 3969 الصادر في الملف مدني عدد 3245/2001 بتاريخ 26/12/2002 "ومن جهة أخرى فإن موضوع النزاع يتعلق بالمنازعة في صحة إجراءات تنفيذ الإكراه البدني الذي نظم بموجب قانون المسطرة الجنائية وظهير20/02/1961 وكلاهما ينصان صراحة على أنه لا يمكن التنفيذ بطريق الإكراه البدني لم لا إذا اكتسب الحكم موضوع التنفيذ قوة الشيء المقضي به بصفة لا تقبل الرجوع" (* ) منشور بمجلة قضاء المجلس عدد 59-60 السنة 24 يناير - يوليوز 2002 ص 141-144 .
(3) أنظر للمزيد من الإطلاع حول هذا النقاش :1) مصطفى التراب : نظام الإكراه البدني كوسيلة للإجبار على التنفيذ، مجلة لقسطاس العدد 1997 ص 28ومايليها -2) عبد الإله المستاري: ظهير 20/20/1961 المتعلق بتطبيق الإكراه البدني في الديون المدنية والحالات التي ترد عليه : مجلة المحامي العدد 40 ص 16 وما يليها . إلا أنه تجب الإشارة إلى كون أن المشرع خرج عن هذه القاعدة فيما يخص تطبيق الإكراه البدني بشأن العقوبات المالية المتعلقة بالجنح والمخالفات الجمركية وذلك بمجرد ما يصبح الحكم غير قابل لطرق الطعن العادية، وهكذا جاء في المادة 264 من مدونة الجمارك على انه "ينفذ الإكراه البدني بشأن جنحة أو مخالفة جمركية رغم الطعن بالطرق غير العادية، بمجرد صدور الحكم النهائيي" وهو نفس المقتضى الذي نصت عليه الفقرة الثانية من المادة 132 من مدونة تحصيل الديون العمومية وهو الأمر الذي يطرح اكثر من تساؤل حول مبررات هذا الاستثناء؟
الذي يشمل حتى الأحكام الصادرة في إطار ظهير 3 أبريل 2003 الذي نقل الاختصاصات التي كانت مخولة لشركة التبغ الى إدارة الجمارك وفق ما نصت عليه المادة 26 من الظهير المذكور، كما يطرح التساؤل حول مدى إلزامية موافقة قاضي تطبيق العقوبات لإعمال مسطرة الإكراه البدني في شأن المقررات القضائية الصادرة في هذا الإطار، مادام أن المادة 641 من ق م .ج . لا تستثني من موافقة قاضي تطبيق العقوبات إلا حالة وحيدة ، وهي أن يكون المدين معتقلا، وأن يكون سند الاعتقال هو نفسه المقرر المؤسس عليه طلب الإكراه البدني، وأن يصبح الحكم حائزا لقوة الشيء المقضي به والمدين لازال في وضعية اعتقال .
(10) الملاحظ أن هناك تعددا في الجهات التي لها صلاحية البث في المنازعات والإغفالات المرتبطة بمسطرة الإكراه البدني وكذا في طبيعة المقررات الصادرة عنها، وهو ما كان يمكن توضيعه إزاء الجدول الآتي:
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
نوع المنازعة أو الإغفال الجهة المختصة طبيعة الحكم الصادر الأساس القانوني
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
- النزاعات المتعلقة بصحة رئيس المحكمة الابتدائية بمحل مشمول بالنفاذ المعجل
إجراءات الإكراه عندما يكون المدين إلقاء القبض أو الاعتقال رغم الطمن بالاستئناف
المادة 643
المدين مقبوضا عليه أو في حالة ( يبت فيه بشكل استعجالي)
من ق. م. ج
اعتقال
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
ـ النزاعات العارضة التي تستلزم تفسيرا لا يقبل أي طعن ما عدا الطعن بالنقض
ـ لأخطاء المادية الصرفية المؤثرة المحكمة المصدرة للحكم ( بيت فيه بغرفة المشورة ) المواد 599-600
في مسطرة الإكراه البدني المراد تنفيذه 643 من ق م ج
ـ إغفال البت في طلب الإكراه البدني أو
تحديد مدته
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
تحديد مدة الإكراه البدني في حالة تضامن قاضي تطبيق العقوبات سكوت المشرع المادة 644
المدينين
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
(11)- انظر بخصوص مفهوم النزاعات العارضة التي تستلزم تفسيرا وكذا المنازعات المتعلقة بصحة إجراءات الإكراه البدني، إدريس بلمحجوب : قواعد تنفيذ العقوبات ، الجزء الأول العقوبات السالبة للحرية والعقوبات المالية ، مطبعة بابل 1988، ص 242 وما يليها .
(12)- تنص المادة 134 من مدونة تحصيل الديون العمومية على أنه "يبقى الإكراه البدني فر ميدان تحصيل الغرامات والإدانات النقدية خاضعا للفصول 675 إلى 687 من قانون المسطرة الجنائية، ويتعين إثارة الانتباه في هذا الصدد، إلى أن المصاريف والرسوم القضائية لا تتدخل ضمن مفهوم الإدانات النقدية ، وإن كانت تخضع فيما يخص مسطرة الإكراه البدني إلى قانون
المسطرة الجنائية (المادة 135من مدونة التحصيل)، والدليل على ذلك أن مدونة تحصيل الديون العمومية ، في العديد من مقتضياتها تميز بين الإدانات النقدية ، وبين الصوائر والمصاريف القضائية ، ومن ذلك المادة 131 التي تنص على انه تستخلص الغرامات والإدانات النقدية والصوائر والمصاريف القضائية من طرف المحاسبين المكلفين بالتحصيل التابعين لإدارة المالية ومن طرف مأموري كتابات الضبط بمحاكم المملكة ..."، وهو نفس التمييز الوارد في المواد 10 و137، . . . أما مفهوم الإدانات النقدية الوارد في المادة 134 ، فيشمل بالخصوص العقوبات المالية الصادرة بشأن الجنح والمخالفات الجمر كية ، حيث تنص الفقرة الثانية من المادة 132 من مدونة التحصيل على أن "الإدانات النقدية في ميدان الجمرك والضرائب غير المباشرة التي تكتسي طابع تعويض مدني، تكون قابلة للتنفيذ بمجرد ما يصبح نهائيا القرار المتعلق بها والذي لا يقبل أي طريق من طرق الطعن العادية .
كما تشمل العقوبات المالية الصادرة في مادة التبغ والمخالفات الغابوية وفي مادة الصرف . ...، أما الغرامات فتشمل الغرامات الصادرة في الجنايات والجنح والمخالفات المنصوص عليها في القانون الجنائي وفي بعض النصوص الخاصة كجرائم المخدرات والغش في البضائع ....، وهذه الإحالة على مقتضيات المسطرة الجنائية ، جاءت انسجاما مع موقف المشرع في مدونة تحصيل الديون العمومية ، في منع الإكراه البدني فيما يخص الديون التي تقل عن 8000 درهم، إذ الغالب في الغرامات والإدانات النقدية ألا تتجاوز هذا المبلغ ، فكانت الإحالة لهذه العلة ، غير أن هذا الانسجام القانوني ينطوي على نوع من التمايز بين الملزمين أمام القانون ، إذ الملزم بدين عمومي- غير الغرامات والإدانات النقدية يستفيد من الضمانات المنصوص عليها في مدونة تحصيل الديون العمومية، ومن ذلك: - عدم جواز اللجوء إلى الإكراه البدني إذا كان الدين يقل عن 8000 درهم، (م77).- محضر عدم وجود ما يحجز يثبت به العسر،(م 57) .- استثناء سكنى الملزم من الحجر إذا كانت قيمتها لا تتعدى 200.000 درهم، (م 46) .....
(13)- ويمكن التساؤل في هذا الصدد عن العلة وراء استبعاد الإكراه البدني في الديون العمومية من رقابة قاضي تطبيق العقوبات، هل لكون القانون قد أحاط تحصيل الديون العمومية بالكثير من الضمانات على النحو الذي يجعل من تدخل قاضي تطبيق العقوبات مجرد عبء إجرائي قد يؤثر في سرعة الاستخلاص ، وبالتالي ينعكس على السيولة المالية المفترض ضخها في ميزانية الدولة ، أم أن إسناد صلاحية تحديد مدة الإكراه البدني في الديون العمومية لقاضي المستعجلات بالمحكمة الابتدائية بمقتضى المادة 80 من مدونة تحصيل الديون العمومية التي تنص على أنه "يتم اللجوء في الإكراه البدني بناء على طلب يعين المدين إسميا" ويوجه هذا الطلب إلى المحكمة الابتدائية من طرف المحاسب المكلف بالتحصيل بعد التأشير عليه من لدن رئيس الإدارة التابع لها المحاسب المكلف بالتحصيل أو الشخص الذي يفوضه لذلك ....، يبت قاضي المستعجلات في الطلب العروض عليه داخل أجل ثلاثين يوما، ويحد مدة الحبس وذلك طبق الأحكام الواردة في هذا الفرع تقوم مقام الرقابة المخولة لقاضي تطبيق العقوبات في هذا الشأن، وإن كان اختصاص رئيس المحكمة في هذا الصدد يطرح نفس الإشكالية بخصوص نطاق الصلاحيات المخولة له وهل هي صلاحيات شكلية أم حتى موضوعية أيضا؟ وكذا بالمسطرة المتبعة أمامه هل يبت في إطار الفصل 148من ق. م. م. أم في إطار مسطرة تواجهية في نطاق الفصل 149 من ق م م . كما قد يستفاد من استعمال المشرع لتعبير قاضي المستعجلات ، وبالتالي ضرورة حضور المدين ، بالإضافة إلى المسائل المثارة بخصوص كيفية الطعن في قراره برفض التحديد؟ وهل يخضع في هذا الصدد لقواعد الطعن في الأوامر الإستعجالية أم لا ؟ انظر في تفصيل بعض هذه المسائل، محمد قصري: قراءة في المدونة الجديدة لتحصيل الديون العمومية لقانون رقم 97-15، منشورات المجلة المغربية للإدارة المحلية والتنمية، سلسلة مواضيع الساعة العدد 31/2001 يوم دراسي ص 50 وما يليها . (14)- لقد حدد المشرع في الفقرة الثالثة من المادة 364 من ق م .ج . مفهوم المقرر القضائي بكونه "كل حكم أو قرار أو أمر صادر عن جهة قضائية".
(15) الملاحظ بعض التشريعات العربية قد خرجت عن هذه القاعدة وأجازت حبس المحكوم عليه حتى ولو لم يكن من أجل أداء مالي، كما فعل المشرع العراقي في قانون التنفيذ رقم 95 لسنة 1980 في حق المحكوم عليه الذي يمتنع من تسليم صفير إلى من له الحق فيه أو من تسليم شيء، وهكذا جاء في المادة 48 على أنه "إذا امتنع المحكوم عليه عن تسليم الصغير فيجب حبسه مهما بلغت المدة حتى يسلمه، على أنه لا يجوز الحبس عندما يكون عدم التسليم خارجا عن إرادة المحكوم عليه" وجاء في المادة 49 من نفس القانون على أنه " إذا امتنع المدين عن تنفيذ الحكم أو المحرر التنفيذي المتضمن تسليم شيء معين ليس بحكم الدين ، ولم يكن ذلك الشيء ظاهرا للعيان وعجز عن تقديم أدلة مقنعة عن تلفه أو ضياعه جاز التحري عنه بقرار من المنفذ العدل، وحبس المدين وفق أحكام هذا القانون" أما في إطار القانون المغربي فإن الوضعية الأولى تمت معالجتها جنائيا بمقتضى جريمة الامتناع عن تسليم طفل لمن له حق الحضانة عليه .
(16) أنظر لمزيد من الإيضاح بخصوص هذه الأحكام ، أحمد الخمليشي: شرح قانون المسطرة الجنائية ، الجزء الأول ، مطبعة النجاح الجديدة ، الطبعة الخامسة 1999، ص 172وما يليها.
(17) تجدر الإشارة في هذا السياق إلى عدم وجود انسجام بين المقتضي القانوني الذي لا يجيز تطبيق الإكراه البدني ضد مدين لفائدة زوجه أو أصوله أو فروعه (المادة 636 من ق م .ج .) وبين حبس المحكوم عليه بالنفقة في إطار جريمة الامتناع عن أداء النفقة المحكوم بها (الفصل 480 من القانون الجنائي) فالغاية التي روعي تحقيقها بإلغاء الإكراه البدني في ديون النفقة ثم الرجوع عنها بالإبقاء على جرائم إهمال الأسرة، وكان الأصوب لو أن العكس هو الحاصل بالنظر لاختلاف آثار كل من العقوبة والإكراه على الزوج المخل، وذلك سيرا على نهج العديد من الدول العربية التي أجازت الإكراه البدني في ديون النفقة كمصر والعراق وسوريا .
(18) أنظر في تفصيل الأموال غير القابلة للحجز في القانون المغربي، الطيب برادة : التنفيذ الجبري في التشريع المغربي، شركة بابل للطباعة ، 1988، ص 217 وما يليها .
(19) ظهير شريف رقم 280.57.1 المؤرخ في 23 جمادى الثانية 1377 بشان مصلحة الدرك الملكي، منشور بالجريدة الرسمية عدد 2366 وتاريخ 28 فبراير 1958 ص 498.
(20) قرار منشور بمجلة الإشعاع عدد 4 ص 158، ومشار إلى ملخصه بمجلة القصر العدد 7 يناير 2004 ص124.
(21) والملاحظ أن المشرع لم يمنع المحكوم عليه الموجود رهن الاعتقال بمزية الأجل المخول للمدين الموجود في حالة سراح ، كما لم يستلزم ضرورة الإدلاء بما يثبت عدم إمكانية التنفيذ على أمواله، بل إن تطبيق الإكراه البدني في هذه الحالة لا يخضع لموافقة قاضي تطبيق العقوبات وإنما لمراقبة السيد وكيل الملك ، وهو وضع لا يخلو من نظر، خاصة وأن الفقرة الأخيرة من المادة 641 نفسها تحيل على الفقرة الأخيرة من المادة 635 من ق م .ج بخصوص إثبات العسر المانع من أعمال مسطرة الإكراه البدني، مما كان من اللازم معه تخويل المدين أجلا للوفاء أو حتى لإثبات العسر، وكل ذلك مع مراعاة أن المادة 641 من ق م .ج لا تطبق إلا في حالة وحيدة وهي أن يكون المقرر الذي ينبني عليه الإكراه البدني هو نفسه سند اعتقال المدين وفق ما سنوضحه لاحقا .
(22) الملاحظ أن المشرع حدد أجل الإنذار في أكثر من شهر، وكان من المحبذ أن تحدد بالأيام مراعاة لتمايز عدد أيام شهور السنة بين 29، 30 و 31 يوما، كما أن كلمة واحد المقترنة بكلمة "شيء" لا لزوم لها، فكلمة الشهر لا تحمل التعدد حتى تقيد بعدد معين .
(23) فالوقف في الاستعمال القانوني في إطار المسطرة الجنائية لم يرتب عليه المشرع بطلان الإجراءات السابقة لحدوثه ، ومن ذلك الوقف في التقادم ( المادة 6من ق م .ج ) ووقف الدعوى العمومية لوجود مسطرة صلح جارية أو بعد صدور أمر قضائي عن رئيس المحكمة بالتصديق على الصلح (المادة 41 من ق .م .ج .
(24) وهو نفس الغموض الذي ورد في المادة 82 من مدونة تحصيل الديون العمومية التي جاء فيها بأنه، "يمكن ......... المدين (وكان الأولى استعمال عبارة إلقاء القبض أو اعتقال) جديد من أجل المبالغ المتبقية، إذا لم يف بتعهداته التي أدت إلى إيقاف مفعول الإكراه البدني "وكذا بالمادة 83 التي جاء فيها بأنه لا يسقط الدين بحبس المدين، إلا أنه لا يمكن اعتقاله من جديد. وكان الأدق استعمال عبارة إكراهه ) من أجل نفس الدين باستثناء الحالة المنصوص عليها في المادة السابقة" .
(25) هناك حالة ثالثة لوقف إجراءات الإكراه البدني، وهي التي تنتج عن قرار المحكمة المصدرة للمقرر المراد تنفيذه بإيقاف التنفيذ المتنازع عليه عند نظرها في النزاعات العارضة التي تستلزم تفسيرا، والمثارة بشان إجراءات الإكراه البدني، حيت تنص الفقرة الثانية من المادة 641 من ق م .ج على أنه "يمكن للمحكمة أن تأمر بتوقيف التنفيذ المتنازع عليه " .
(26) وإن كان إسناد هذه الصلاحية لوكيل الملك يثير مسألتين في بالغ الأهمية ، الأولى وهي إمكانية الطعن في هذا التحديد في حالة ما إذا كانت المدة الجديدة لا تتناسب وما بقي من مبلغ الدين بعد الأداء الجزئي، الثانية: وهي الجهة المختصة للبت في هذا الطعن ، وفي اعتقادنا فإن المحكمة المصدرة للمقرر الجاري تنفيذه، هي التي لها هذه الصلاحية، مادام أن النزاع يدخل ضمن صنف النزاعات العارضة، وما دام أنها هي الجهة التي لها أصلا صلاحية تحديد مدة الإكراه البدني وهو الحل الذي نرجعه فيما يخص الطعن في قرار قاضي تطبيق العقوبات بتحديد مدة الإكراه البدني في حق المدين المطلوب إكراهه ، في حالة تضامن المدينين (المادة 644 من ق م .ج ).
(27) تنص المادة 81 من مدونة تحصيل الديون العمومية على أنه "يمكن للمدينين الذين صدر في حقهم الأمر بالإكراه البدني أن يتجنبوا أو يوقفوا آثاره إما بالإدلاء الكلي لديونهم، وإما بعد موافقة المحاسب المكلف بالتحصيل الذي طلب الاعتقال.
(28) هذه المادة هي تقنين تشريعي للقاعدة المتداولة من كون أنه " لا يجوز إكراه المدين من أجد نفس الدين مرتين "، لكن إعمال هذه القاعدة - كما هو واضح من خلال المادة 647 نفسها - مرتبط ببعض الشروط وهي:
*-خضوع المدين الإكراه البدني سابق انتهى بالوفاء أو قضاء مدة الإكراه أو تنازل الدائن، ويستثني من ذلك الأداء الجزئي، فلا يمنع من إعادة اعتقال المدين ، وان كنا في الواقع لسنا أمام إكراه جديد، وإنما فقط استئناف مسطرة الإكراه السابقة التي توقفت بسبب الأداء الجزئي...
*- تعلق طلب الإكراه الجديد بنفس الدين موضوع الإكراه السابق أو بأحكام صدرت قبل تنفيذه ، ولا تتضمن مبالغ تستلزم بسبب مجموعها مدة إكراه أطول من المدة التي سبق تنفيذها، وهكذا فإذا كانت الأحكام صادرة بعد تنفيذ الإكراه البدني الأول ، أو قبل تنفيذه لكنها اشتملت على مبالغ توجب في مجموعها مدة إكراه أطول من المدة التي تم تنفيذها، أو كان الدين ناتجا عن سند تنفيذي غير الحكم القضائي، أمكن إكراه المدين من جديد .
(29)
تثير صياغة المادة 641 من ق .م .ج . مسألة على جانب كبير من الأهمية، وهي هل عدم لزوم موافقة قاضي تطبيق العقوبات على تطبيق الإكراه البدني تستلزم بالضرورة أن يكون المقرر القضائي المؤسس عليه طلب الإكراه هو نفسه سند اعتقال المدين بدليل نص المشرع في نفس المادة على صيرورة الحكم الصادر في حق المحكوم عليه المعتقل مكتسبا لقوة الشيء المقضي به، أم فقط وجود المدين المطلوب إكراهه في وضعية اعتقال ولو كان الدين موضوع طلب الإكراه لا علاقة له باعتقال المدين ؟ أعتقد أن التأويل الأول هو الأولى بالترجيح وقوفا عند صريح المادة 641 نفسها، وتقيدا بمبدأ التفسير الضيق للمقتضيات الجنائية ، وحتى لا يرحم المدينين المعتقلين من ضمانات الرقابة المخولة لقاضي تطبيق العقوبات وما يرتبط بها من ضرورة البدء بالتنفيذعلى أموال المدين ....
(30)
تنص المادة 643 من ق م .ج . على أنه "إذا وقع نزاع، أحضر المحكوم عليه بالإكراه البدني المقبوض عليه أو الموجود في حالة اعتقال إلى المحكمة الابتدائية الكائن مقررها بمحل إلقاء القبض أو الاعتقال ويقدم إلى رئيس المحكمة للبت في النزاع إذا كان النزاع يتعلق بصحة إجراءات الإكراه البدني، بت الرئيس في الخلاف بشكل استعجالي، وينفذ أمره رغم الطعن بالاستيناف في حالة نزاع عارض يستلزم تفسيرا تطبق مقتضيات المادتين 599 و 600 اعلاه".
(31)
تنص المادة 599 من ق . م .ج . على أنه "يرجع النظر في النزاعات العارضة المتعلقة بالتنفيذ إلى المحكمة التي أصدرت المقرر المراد تنفيذه ويمكن لهذه المحكمة أيضا أن تقوم بتصحيح الأخطاء المادية الصرفة الواردة فيه" تنص المادة 600 من ق م .ج . على أنه "تنظر المحكمة في النزاعات العارضة بغرفة المشورة بناء على ملتمس من النيابة العامة أو بناء على طلب يرفعه الطرف الذي يهمه الأمر، ويستمع إلى ممثل النيابة العامة وإلى محامي الطرف الذي طلب ذلك والى الطرف شخصيا إن اقتضى الحال. يمكن المحكمة أن تأمر بتوقيف التنفيذ المتنازع عليه لا يقبل المقرر الفصل في النزاع أي طعن ما عدا الطعن بالنقض".
مجلة المرافعة