تأملات قانونية على ضوء رهن الأصل التجاري

الأستاذ محمد الطاهري ترحم

من هيئة مراكش

تقديم:

- كان لي شرف الاستدعاء من طرف هيئة المحامين لأشارك في اللجنة الثقافية وأبادر رغم المشاغل إلى وضع ملاحظات حول الأصل التجاري ورهنه على ضوء القانون المغربي حتى لا أتقاعس عن المشاركة متمنيا التمتع بفعالية أكثر مستقبلا وشاكرا على استدعائي.

- لقد اقتضت دواعي التطور الهائل الذي عرفته البشرية في مختلف المناحي التفكير الجدي في خلق قالب قانوني ملائم يجاري كل المستجدات التقنية والآلية والمالية الحاصلة وكذا انعكاساتها الإيجابية على سير التجارة الدولية في سبيل تسهيل الحصول على الاستثمارات المالية اللازمة، ومن ثم أضحي من الضروري التخلي عن القواعد الجامدة التي عرفها نظام الرهن الحيازي التي تقتضي من الأساس تخلي المدين عن الشيء المرهون لفائدة الدائن وحيازة هذا الأخير له .

ذلك لأنه إذا كانت كل تلك الدواعي تتطلب جلب استثمارات مالية من المصاريف وغيرها لفائدة الصناعي والمزارع وباقي الأشخاص المتوفرين على وسائل الإنتاج على شكل قروض فإن الضمانات الواجبة لرجال المال كانت تستو جب في المقابل التخلي عن القواعد المذكورة المتعلقة بنظام الرهن الحيازي التقليدي من أجل خلق نظام أكثر تطورا ومرونة تتجلى معالمه في احتفاظ المدين بمنقولاته لفائدة دائنا خروجا عن متطلبات الفصل 1188 من ق .ل .ع .

وتخيل المصرفيون بادئ الأمر نظاما يكترون في إطاره محلات يزاول فيها التاجر أو الصانع الراغب في الحصول على القروض نشاطهم بكيفية يضحى فيما المصرفي هو المكتري بكيفية تتوفر له بمقتضاها إمكانيات حيازة البضائع والآليات المرهونة مقابل القروض الممنوحة، شريطة وضع إعلام بهذا الصدد على الواجهة الخارجية لتبينة الأغيار لهذه الوضعية .

بيد أن هذا الإيداع لم يخل من سلبيات بسبب المراحل المتعددة التي كان يستوجبها ذلك وكذا تعدد جهات التدخل فضلا عن أنه كان بمستطاع القضاة اعتبار أن إجراءات الإشهار المشار إليها، غير كافية ، مع ما يترتب عن هذا الوضع من عدو جواز مواجهة الأغيار بالضمانات الممنوحة

لذلك تم التفكير في إيجاد نمط آخر من الضمانات تتيح للمنتج والتاجر رهن الأصل التجاري الذي أخذ به المشرع المغربي بمقتضى ظهير 3131/12/1914 المأخوذ عن القانون الفرنسي الصادر بتاريخ 17/03/1909.

لقد كان الاجتهاد الفرنسي يرفض للوهلة الأولى إجازة الرهن على الأصل التجاري أمام صراحة الفصل 2076 من القانون المدني والفصل 92 ق .ت غير أنه أخذ يتخلى تدريجيا لأسباب عملية سبق التلميح إليها:

ولهذا أخذ يجيز صحة هذا الرهن مقابل وجوب توفر الشروط المنصوص عليها في الفصل 2075 من نفس القانون (المماثل للفصل 1195 من قانون الالتزامات والعقود) والمطبقة على الديون المنقولة .

لكن امتياز الدائن المرتهن ظل عاما ولهذا تدخل المشرع الفرنسي بتاريخ 1/3/1898 تعديل الفصل 2075 بالشكل الذي يمكن ترجمته على هذا النحو "كل رهن لأصل تجاري يجب أن يقع تقييده في سجل عمومي بمقر كتابة ضبط المحكمة التجارية المستعملة فيها تحت طائلة اعتباره باطلا في مواجهة الأغيار".

غير أن هذا النمو وحده لم يكن بطبيعة الحال كافيا لحماية حقوق الدائنين المرتهنين سواء بسبب عدم دقة شكليات التسجيل المشار إليها أو بسبب التمايز الحاصل بين موقع البائع الذي لا يحظى بأي إشهار خلافا للدائن المرتهن، مما حدا بالمشرع إلى التدخل وسن مقتضيات قانون 17/3/1090.

وهكذا وبالنظر لأن الأصل التجاري يعتبر منقولا معنويا حسب المستقر عليه عند غالبية الشراح وعند القضاء فقد أضحى من الجائز قانونا في ظل الفصل الثامن من ظهير 1914 وضعه تحت الرهن بدون مراعاة أي شكليات أو شروط أخرى غير تلك المنصوص عليها في القانون المذكور.

وكما سبقت الإشارة إليه فإن إقرار مقتضيات ظهير 1914 كانت ثمرة مجهودات حقيقية استهدفت محاولة التوفيق بين مصلحة المدين الراهن المتجلية في السماح له باستغلال أصله التجاري من جهة ومصالح الدائن الذي يهمه في المقام الأول أن يأتي الرهن بكافة مفاعيله القانونية ، في مواجهة الغير إذ يسوغ له ممارسة حق الأولوية والتتبع .

ولعل ما ساعد المشرع في وضع تلك المقتضيات ما يحوط ا(صل التجاري من مميزات من بينها عدو سريان القاعدة المنصوص في الفصل 456 ق .ل .ع في مواجهته والقائلة بأن الحيازة في المنقول سند الملكية.

ولما اعتقدت أن هذه المقدمة كانت متعينة لسبر أغوار الخلفيات التاريخية لظهير 1915 فسأعمل للتطرق إلى الموضوع بدءا بشروط إنشاء الرهن.

أولا: إنشاء الرهن:

يشترط لصحة الرهن في الأصل التجاري توفر كل الشروط الواجب توفرها في أي التزام وهي الرضا والمحل والسبب والأهلية .

وبالإضافة إلى ذلك توجد هناك قواعد خاصة تسري على الأصل التجاري وأطراف عقد الرهن .

أ- حول الراهن :

يشترط في الراهن أن يكون مالكا للأصل التجاري وضع آخر ولو كان المرتهن مسيرا حرا.

باري خروجا عن وإذا كان الأصل التجاري مستقلا في شكل شركة ذات اسم جماعي فإن من شأن رهن الأصل التجاري أن يؤدي إلى مصادرته ومن تم كان من الواجب موافقة كافة الشركاء على الرهن نظرا لخطورة أثاره ونتائجه على مدى وجود الأصل التجاري نفسه.

أما بالنسبة للشركات المجهولة الاسم فإنه لا يجوز إيقاع الرهن بإذن من المجلس الإداري متى لم تكن قوانين الشركة تتيح ذلك، إذ يجب في هذه الحالة صدور قرار من الجمعية العمومية للمساهمين .

أما الشركات المحدودة المسؤولية فاعتبارا للسلطات الواسعة التي يتمتع بها مسيرها عملا بالفصل 24 من قانون 24/7/1925 المطبق في المغرب بمقتضى ظهير 1/9/1926، فإنه من المسوغ له إيقاع الرهن في هذه الظروف .

ويتعين التذكير بقواعد الإفلاس المنصوص عليها في الفصلين : 206- 207 ق .ت إذ يجوز للمحكمة عملا بمبدأ آثار الإفلاس في الماضي المدعوة بفترة الريبة والشك وبطلب من الأطراف أن تحكم ببطلان كل رهن انصب على أصل تجاري في الفترة الزمنية المذكورة .

وغني عن البيان القول بأنه إذا حصل الرهن بعد الحكم بإشهار الإفلاس فإنه لا ينفذ في حق كتلة الدائنين باعتبار أن من أثر الإفلاس رفع يد المدين التاجر المفلس عن إدارة أمواله والتصرف فيها.

وتنحي محكمة استئناف الدار البيضاء إلى اعتبار أن البطلان المذكور هو بطلان نسبي لا تستفيد منه سوى كتلة الدائنين التي يحق لها وحدها بالتالي المطالبة بإعمال هذا الأمر في مواجهة التصرفات التي ينجزها المفلس في فترة الريبة خلافا لاتجاهات أخرى .

بالنسبة لأهلية التصرف فإن كل شخص يمكنه ممارسة التجارة يحق له إنشاء الرهن على الأصل التجاري وتبعا لذلك يجوز للقاصر المأذون له إيقاع الرهن عملا بالفصل الرابع من القانون التجاري.

وبالنسبة للمرأة المتزوجة فإن نفس القانون اتخذ موقفا مخالفا في هذا الصدد لأحكام الشريعة الإسلامية، إذ استلزم موافقة الزوج على قيام الزوجة بالأعمال التجارية مهما كان قانون أحوالها الشخصي كما هو معلوم مع وجوب التذكير بمقتضيات الفصل الثالث من ظهير الوضعية المدنية للأجانب بالمغرب التي تقرر أعمال قانون الأحوال الشخصية للمعني بالأمر بالنسبة لأهليته .

وإذا أنشئ الرهن من طرف شخص غير مالك للأصل التجاري المرهون فإن هذا الإجراء يعتبر مشوبا ببطلان نسبي فلا يجوزسوى للدائن باستثناء المدين المطالبة بإبطاله الفصل 311 وما يليه من ق .ل .ع .

ب) - الدائن المرتهن :

خلافا لما قررته بعض التشريعات كالقانون المصري في الفصل العاشر من القانون رقم 11 الصادر سنة 1950 فإن المشرع المغربي لم يحدد طائفة معينة من الدائنين اللذين يحق لمالك الأصول التجارية وضع الرهن عليها لضمان ديونه.

وبالتالي يكفي وجود الدين ولو حتى وصف خطأ بأن أجل أدائه يقع تحت شرط فاسخ بدلا من شرط واقف .

لكن إذا كان الالتزام الأصلي لا يرتب أية دائنية لفائدة المستفيد من الرهن أو إذا كان باطلا أو انطفأ بفعل ما، فإن من نتائج هذا الوضع إبطال الرهن .

ومن جهة أخرى فيجوز إيقاع الرهن على الأصل التجاري سواء لضمان دين ماضي أو دين مستقبلي وهذا الأمر الذي يحدث عادة لضمان دين بنكي معتمد بحساب جاري لم يقع حصره بعد (قارنوا أحكام الفصل 1175 من ق .ل .ع ).

ومن المسوغ إيقاع الرهن لضمان دين غير مترتب بذمة صاحب الأصل التجاري بل لفائدة شخص أخر، وهذا ما يستنتج من مراجعة أحكام الفقرة الأولى من الفصل الرابع والعشرين من ظهير 31/12/1914 التي تشير إلى ضرورة ذكر اسم صاحب المحل التجاري إن لم يكن هو المدين ( الفقرة المذكورة تستعمل اسم الغريم ).

ج ) محل الرهن :

حتى يضحى من الجائز الحديث عن رهن الأصل التجاري فإنه لا مندوحة هناك من توفر الشروط التالية:

1- وجود أصل تجارى :

وهذا بديهي، إن الرهن ينصب على أصل تجاري ومن تم يتعين بالضرورة وجود محل تجاري بهذا المعنى، فبالأحرى إذا لا يكن إيقاع الرهن على محل مخصص لممارسة مهنة حرة كالمحاماة أو الهندسة .

وتأكيدا لهذا المدلول يجب أن يكون صاحب الأصل التجاري متوفرا على الشروط المنصوص عليها في الفصل الخامس من ظهير 24/5/1955 أي انصرام سنتين على عقد الكراء للمحل المعد للتجارة بالنسبة لعقود الكراء السنوية وأربع سنوات بالنسبة لعقود الكراء الشفاهية .

لكن هل يجوز منح رهن تجاري لفائدة الصيدلية. يبدو أنه من الجائز هذا بالنظر للتطور الحاصل في بلادنا في السنين الأخيرة الذي أضحى يعتبرها من الأعمال التجارية .

وبمقتضى الفصل التاسع من ظهير 1914 فإن العناصر المكونة للأصل التجاري التي يجوز رهنها هي التالية :

العلامة التجارية - الاسم التجاري - الحق في الإيجار - الزبناء والأثاث - لوازم المحل التجاري- براءة الاختراع - الرخص - علامات السلع المخترعة للتجارة - الصور - الأمثلة الصناعية - وعموما جميع الحقوق المتعلقة بالملك الصناعي سواء كان أدبيا أو فنيا.

ولا بد في هذه الحالة من إثارة تسائل أساسي حول ما إذا كانت تلك العناصر قد وردت تحديدا على سبيل الحصر أم على سبيل المثال .

يميل الفقه على ضوء تحليل مركز لمقتضيات الفصل المذكور المنصوص عليها أيضا في القانون الفرنسي والتي أخذ عنها القانون المغربي كما سبق البيان إلى القول بأن تلك العناصر وردت على سبيل الحصر مستدلا بعبارة .

" أي إنها الوحيدة القابلة للرهن" .

ولا ريب في أنه يتعين أعمال نفس المدلول بالنص السابق الذكر من ظهير 1915.

وعلى ضوء هذا التفسير فإن للدائن الذي يرغب في إيقاع رهن على عناصر غير تلك المنصوص عليها تحديدا في الفصل 9 من ظهير 1914 أن يلجأ إلى أعمال القواعد العامة المتعلقة بالرهن الحيازي.

وتأسيسا على هذا سيكون من غير الجائز إيقاع الرهن على البضائع في ظل مقتضيات الظهير المذكور رغم أنها من مكونات الأصل التجاري كما هو مستقر عليه فقها وقضاء.

وأن السبب في هذه الوضعية رغم غرابتها ناجمة عن أنه إذا كان المشرع يبعد فعلا البضائع عن الرهن المذكور رغم إجازته طبقا للقواعد العامة مقررا إياه للبائع فإن سببه يكمن في رغبة المشرع إبقاء امتياز البائع بصفته هو الذي يضعها بذمة المدين ولولا ذلك كله لما تعلقت بها حقوق الدائنين الآخرين .

لكن ما هو ا لعنصر الأساسي والجوهري ا لكفيل لاعتبار قيام الأصل التجاري.

وإذا كان الشراح ومعهم القضاء قد انقسموا بشأن الإجابة على هذا السؤال البالغ الأهمية فإن الرأي الراجح ينحي إلى أنه عنصر الزبائن وهكذا اعتبر القضاء قيام الأصل التجاري حتى في ظل غياب جميع العناصر باستثناء العنصر المذكور.

ورغم أهمية عنصر الحق في الإيجار البالغ فإن توفره وحده لا يكفي لقيام أصل تجاري كما استقر عليه رأي محكمة النقض الفرنسية .

وهذا بديهي لأنه يمكن قيام أصل تجاري حتى في ظل غياب العنصر السالف الذكر، ومن ثم يتعين انتقاء قرار صادر عن محكمة الاستئناف بالدار البيضاء، قضى بعدم قبول طلب رام لبيع أصل تجاري بحجة انعدام عنصر الإيجار بعلة أنه من أهم عناصر الأصل التجاري.

ومن جهة أخرى يجوز أن يشمل الرهن فروع الأصل التجاري دون أن يسوغ اعتبار أن حصول الرهن على الأصل الرئيسي يلحق باقي الفروع لأن لكل فرع عناصره اللازمة لتوفر الأصل التجاري وخاصة عنصر الزبائن، فيعتبر الفرع في هذه الحالة كأصل تجاري منفرد لا يسري عليه الرهن سوى بالتنصيص على ذلك صراحة كما تستوجب ذلك الفقرة الأخيرة من الفصل التاسع من ظهير 1914.

خلافا لما هو عليه الأمر بالنسبة للمخازن إذ تعتبر جزءا من الأصل التجاري (الفقرة الأخيرة من الفصل الأول من ظهير 24/5/1955).

2- الشروط الشكلية:

إن صحة الرهن الآتيين استنادا على مقتضيات الفصلين 10-11 ( الفقرتين 1-2 من ظهير 1914).

*- تحرير الرهن في شكل عقد رسمي أو عرفي مسجل.

*- تقييد ملخص له بالسجل التجاري يتضمن تاريخ العقد واسم صاحب الأصل التجاري ومحل سكناه واسم الدائن ومحل سكناه، مع بيان الفروع التي يمكن أن يشملها الرهن وكذا مركزها.

وخلافا لمقتضيات الفقرة الأولى من الفصل 61 ق .ت التي تجيز قيام الرهن الحيازي وإثباته بكافة الوسائل إعمالا بأحكام الفصل 60 منه فإن مقتضيات ظهير 1914 المومأ إليها سالفا توجب تحرير عقد الرهن وهو شرط صحة بغية تلافي كافة المنازعات التي قد تثور حول مداه .

بيد أن هذه الكتابة لا تشمل سوى الرهن نفسه، وهذا لا يعني استبعاد بيان سببه ومبلغ الدين مع تحديد الفوائد المنتجة إذا تم الاتفاق بشأنها.

ويجب تقييد الرهن في السجل التجاري خلال أجل خمسة عشر يوما من تاريخ إبرام العقد تحت طائلة السقوط واعتباره لغوا لا يعمل به حسب تعبير الفقرة الأولى من الفصل 11 من ظهير 31/12/1914، كما يجب القيام بنفس الإجراء بكتابة ضبط كل محكمة يوجد بدائرتها فرع من فروع الأصل التجاري المشمول بالرهن عملا بالفقرة الأخيرة من نفس الفصل مع الإشارة إلى أن هذا الإشهار لا يمكن أن يمتد للصحف خروجا عن متطلبات الفصل 20 ق .ت .

وأجل التقييد بالسجل التجاري المذكور ينطلق من تاريخ العقد المنشئ له وهو تاريخ التوقيع عليه .

ويظل التقييد ساري المفعول مدة خمس سنوات من يوم إجرائه ويبطل إذا لم يقع تجديده قبل انتهاء الأجل المذكور و ذلك عملا بالفصل 24 من ظهير 31/12/1914 وهو أثر خطير ولا شك وهو الأمر الذي أكده الاجتهاد القضائي لمحكمة استئناف البيضاء حديثا.

وغني عن البيان التذكير بأن عدم إشهار الرهن يترتب عنه اعتباره لغوا، لا يعمل به كما سلف الذكر، أي باطل بطلانا مطلقا ولا يمكن أمام صراحة النص القول بأن عدم القيد لا ينتج عنه سوى بطلان القيد وحده فلا تتأثر بذلك صحة الرهن كما ينحي إلى ذلك بعض الشرار.

فلا تخفى إذا الأهمية القصوى التي يكتسيها إشهار الرهن الذي رتب عنه المشرع اعتباره بمثابة العدو في حالة إهمال القيام بذلك باعتبار أن نفاذ الرهن في مواجهة الأغيار مرتبط أشد الارتباط بوقوع الإشهار حتى يسوغ لهؤلاء الإطلاع على الحقوق العينية التي تشغل الأصل التجاري المرهون بمجرد معرفة بيانات السجل التجاري الذي أصبح تقييد التجار والشركات التجارية إلزاميا بالنسبة لهم بمقتضى ظهير 1/9/1926.

وإذا ما تم نقل الأصل التجاري إلى مكان آخر غير الذي كان فيه سالفا فإنه يتحتم في هذه الحالة إعلام الدائنين المقيدين قبل وقوع الانتقال بخمسة عشر يوما على الأقل مع إبراز المكان الجديد الذي سينتقل إليه وذلك عملا بالفقرة الأولى من الفصل 13من ظهير 1914.

ويترتب على إغفال هذه المقتضيات صيرورة كل الديون المقيدة حالة ومستحقة الأداء عملا بالفقرة الثامنة منه .

أما إذا أهمل الدائن المُعْلم بانتقال الأصل التجاري المرهون إلى موقع آخر، القيام بالإجراءات التي تكفل المحافظة على سلامة رهنه فإن مؤداه عدم جواز مطالبته بجبر الأضرار الحاصلة له في مواجهة المكري الذي قام ببيع المنقولات المشتمل عليها الأصل التجاري المرهون .

ومن المناسب هنا التذكير بموقف محكمة النقض الفرنسية الذي اتخذته بمقتضى قرار جد مهم بشأن عواقب إهمال الدائن مراعاة متطلبات الفقرة الثانية المومأ إليها، ورفضت بالتالي اعتبار سقوط الرهن في هذه الحالة طالما لم يحصل أي ضرر للأغيار، إذ أن القصد من إقرار مقتضيات الفصل 13 هو حماية هؤلاء ليكونوا على بينة من المركز الائتماني الصحيح للتاجر.

أما إذا رغب المالك المكري للمحل المعد للتجارة المستغل فيه الأصل التجاري المرهون في فسح عقد الكراء فإن عليه أن يعلم بذلك أرباب الدين اللذين سبق تقييدهم بواسطة إعلامات إلى الأماكن المختارة التي عينوها بتقييداتهم دون أن يسوغ صدور حكم بهذا الصدد سوى بعد مرور شهر على الإعلام وذلك تأسيسا على متطلبات الفقرة الأولى من الفصل 14 من ظهير 31/12/ 1914 أما إذا فسخ الكراء على وجه المراضاة فإنه مع ذلك لا يصير نهائيا سوى بعد إعلام أرباب الدين المقيدين بمساكنهم المعينة ومضى أجل شهر واحد على ذلك الإعلام .

والهدف المتوخى من إقرار هذه المقتضيات التي تطبق في حالة الفسخ الحبي لعقد الكراء هو المحافظة على حقوق الدائنين من الضياع في حالة متابعة مالك المحل المعد للتجارة للمستأجر صاحب الأصل التجاري من أجل أداء الكراء والإفراغ بسبب رفض التجديد وفسخ عقد الكراء وهو الأمر الذي سيمكن المالك في حالة سماع القضاء لدعواه من استرجاع المحل المكري مع ما يترتب عن ذلك قانونا من إمكانيات التصرف في العين المؤجرة وعقد إيجار جديد مع الأغيار وبالتالي تبديد عناصر الأصل التجاري المرهون .

لكن قد يتساءل البعض عن الفائدة من هذا الإعلام ؟

لا شك أن الجواب معروف إذ أنه ستتاح الفرصة للدائنين المرتهنين عند مراعاة المقتضيات المذكورة من طرف المالك العقاري عمال بهذا الأخير لإيجاد حل ودي للمشكل القائم مع المكتري ولو عن طريق أداء واجبات الكراء أو حتى العثور على مشتر للأصل بتاريخ يمكنه أن يحافظ على حقوقهم تجاه المكتري السابق أو بعد إجراءات البيع الإجمالي للأصل التجاري المرهون لاستيفاء ديونه.

ويجوز للدائن المرتهن عند عدم مراعاة ما سبق ذكره من طرف المالك الرجوع إليه بطلب التعويض عن الأضرار الحاصلة له .

واعتبر المجلس الأعلى في قرار مبدئي هذا الإخلال مرتبا للمسؤولية التقصيرية للمالك يتمثل جزاؤها في التزامه بتعويض جميع الأضرار التي يتعرض لها الدائن بسبب فسخ العقد الواقع على غير علم منه المؤدي إلى تبديد عناصر الأصل التجاري.

والفقه والقضاء مستقران على ضرورة مراعاة تلك المقتضيات حتى في حالة توفر عقد كراء محل معد للتجارة على ما يعرف بالشرط الفاسخ المنصوص عليه في الفصل 26 من ظهير 24/5/1955 و(28 ).

آثار الرهن :

1)- بالنسبة للمال المرهون

من المعلوم أنه رغم إيقاع الرهن على أصل تجاري فإن المدين الراهن يظل محتفظا بحيازة استغلال أصله .

بيد أنه لتلافي الإضرار بالأصل المرهون وما قد يؤدي ذلك إلى إنقاص ضمان الدائن فإن المدين يتحمل تبعة خطيرة تتجسم في صيرورة الدين المضمون بالرهن حال الأداء إذا ما تصرف في الأصل التجاري المرهون بكيفية سيئة ترتب عنها تعيبا وذلك عملا بأحكام الفصل 1183 ق .ل .ع وهذا بطبيعة الحال إذا لم يقدم المدين لدائنه المرتهن ضمانا آخر يعادل أو يكمل الضمان .

أما إذا غادر صاحب الأصل التجاري المحل وأمسى عرضة للضياع أو لخطر ماثل فإنه يسوغ للدائن المرتهن اللجوء إلى قاضي المستعجلات للأمر بتعيين مسير مؤقت لاتخاذ كافة الإجراءات لضمان سلامة عناصر الأصل ا لتجاري.

ويتعرض لعقوبة حبسية تتراوح بين سنة وخمس سنوات وغرامة 120 إلى 500 درهم الراهن الذي يبدد أو يتلف شيئا مملوكا له رهنه في دين عليه أو على غيره وذلك عملا بالفصل 525 من القانون الجنائي.

يترتب عن الرهن لفائدة المرتهن الحق في الحصول على دينه المضمون من ثمن الأصل التجاري في حالة بيعه بالأسبقية ومتقدما على غيره من الدائنين العاديين أو الدائنين أرباب الديون المضمونة التابعين له رتبة مع الإشارة إلى أنه في حالة وجود عدد من الديون الممتازة فإن ترتيبها يقع بمراعاة تاريخ التقييد. أما إذا حدث التقييد في نفس اليوم، وتبين عدم كفاية منتوج البيع فإن كل دائن يأخذ نصيبا من منتوج البيع على قد ر نسبته في الدين وذلك إعمالا بأحكام الفصل 20من ظهير 1914.

ومن أثار الرهن كذلك منح صاحبه حق تتبع الشيء المرهون في أي يد انتقل إليها في حالة خروجه من يد المدين، وهذا يقتضي حتى التقييد على المال المرهون في حالة بيع المدين الراهن لأصله التجاري دون أن يسوغ للمشتري الدفع بقواعد حسن النية التي إنما تهم المنقولات المادية لا المعنوية للأصل التجاري.

لكن هذه القاعدة لا مجال لأعمالها عند بيع المدين الراهن عناصر مادية للأصل التجاري المنفردة وحدها، خلافا لما إذا انصب البيع على عناصر معنوية كالاسم التجاري مثلا إذ لا يسوغ للمشتري الاحتجاج بقاعدة الحيازة سند الملكية في هذه الحالة إذ لا تأتي أثرها بالنسبة للمنقولات المعنو ية .

وعلاوة على ذلك فإن الرهن يضمن كل الدين بكيفية غير قابلة للقسمة بمعنى أن مجموع الدين الواقع من قبله الرهن يقع ضمانه بثمن جميع عناصر الأصل التجاري الواقع عليه الرهن بكيفية غير قابلة للتجزئة .

وإذا ما توفي المدين فإن الدين ينقسم عليهم عملا بأحكام الفصل 186 ق .أ.ع ومع ذلك يظل الرهن قائما غير مقسم فلا يسوغ في هذه الحالة للوارث حتى في حالة دفع حصته من الدين المشترك أن يطلب استرداد نصيبه من الشيء ما دام الدين لم يدفع بتمامه وذلك عملا بأحكام الفقرة الأولى من الفصل 1202ق .أ.).

كما لا يحق للدائن الوارث المرهون أضرارا بباقي الدائنين بعد، وذلك عملا بالفقرة الأخيرة الذي قبض حصته من الدين أن يرد أو الورثة الذين لم يستوفوا حقوقهم من نفس الفصل .

وبإيجاز فإن الرهن يخول للدائن المقيد استيفاء حقه من ثمن الأصل التجاري بالأولوية على كافة الدائنين العاديين والدائنين الممتازين والمرتهنين اللاحقين له في المرتبة ويترتب عن القيد ضمان فوائد سنتين في نفس مرتبة الدين الأصلي عملا بالفصل 28 من ظهير 1914.

ويترتب عن هذا الرهن حتمية مواجهة الدائنين العاديين للأصل التجاري بمقتضيات الرهن، وهكذا فإنه بمقتضى أحكام الفقرة الرابعة من الفصل 23 من ظهير 1914 فإن تقييد الرهن يمكن أن يؤدي إلى حلول الديون السابقة التي كانت متعلقة باستغلال الأصل التجاري.

وتعتبر هذه المقتضيات مستجدة إذ أنه لم يكن من المألوف أن يترتب عن نقص إحدى الضمانات جعل الدين حالا.

بيد أن الفقه يشترط عند ئذ أن يكون الدين سابقا على الرهن وأن يرتبط باستقلال الأصل التجاري وأن يهم بالذات صاحب الأصل التجاري المرهون لأن الظهير المذكور لم يفترض سوى حالة استغلال الأصل التجاري من طرف مالكه نفسه خلافا لما إذا ترتب الدين بذمة المسير الحر.

ولا بد من تقديم طلب من هذا الشأن إلى القضاء لأن هذا الحل غير قائم بقوة القانون وبكيفية إلزامية .

وهذه المقتضيات تكتسي صبغة استثنائية مما يجب معه تفسيرها بكيفية ضيقة .

ومع ذلك يجوز لهؤلاء في حالة قيام تدليس في إنشاء الرهن المطالبة بإبطاله في ظل القواعد العامة المعمول بها بمقتضى الفصل 112 من ق .أ .ع المرادف للفصل 1174 من القانون المدني الفرنسي مع وجوب ملاحظة أن تنطبق هذه المقتضيات نادرة الحدوث عمليا.

وما عدا ذلك فإن الرهن يؤتي أثاره في مواجهة كافة الدائنين العاديين .

ثانيا : تحقيق الرهون

يجوز للدائن المرتهن بمقتضى الفصل 16من ظهير 1914، بعد ثمانية أيام على إنذار المدين بالأداء وبقائه بدون جدوى لبيع الإجمالي للأصل التجاري المرهون .

وبعث الإنذار المذكور يعتبر إجراء جوهريا لا غنى عنه ويترتب عنه عدم مراعاة أن يجعل دعوى الدائن المرتهن غير مقبولة، إذ لا يمكن أن يصبغ على هذا الإجراء صفة إنذار مجرد بل هو إجراء مسطري يتحتم القيام به من أجل لفت انتباه المدين إلى العواقب الخطيرة التي ستنجم عنه بسبب عدم احترامه لالتزاماته .

وحيث أن هذا الموقف هو ما أكده المجلس الأعلى بقرار صادر بتاريخ 22/10/1963 وجاء فيا على الخصوص ما يمكن تعريبه : أن محكمة الاستئناف لو تخرق مقتضيات الفصل 16 من ظهير 1914 بل وطبقته بكيفية صحيحة بقضائها أنه سواء الاحتجاج المنظم من طرف البنك الشعبي أو الرسالة المضمونة الموجهة من طرفه إلى الشركة المكناسية للخشب لم يكونا واضحين وبدون بيانات مدققة، وكما لم يتضمنا ما يفيد العزم بإيقاع البيع للأصل التجاري الأمر الذي لا يستوفي متطلبات الفصل 16 المذكور

وباعتبار أن مخالفة هذا الإجراء يترتب عنه بطلان المسطرة فإنه لا مندوحة هناك من إثارته قبل كل دفع أو دفاع تحت طائلة عدم القبول إعمالا لمتطلبات الفقرة الأولى من الفصل 16 ق .م .م .

وتقدم هذه الدعوى أمام المحكمة المستفل بها الأصل التجاري وهذا الاختصاص له طابع استثنائي يتعلق بإجراء تنفيذي فلا يجوز للطرفين وبالتالي الاتفاق بتعديله كما هو مستقر عليه قضاء في الاختصاص .

وتبت المحكمة في الطلب خلال الأجل وعلى الكيفية المنصوص عليها في الفقرتين 6- 7 من الفصل 15 من ظهير 1914 إعمالا لمقتضيات الفقرة الأخيرة من الفصل 16 منه وكلا الفقرتين 6-7 المشار إليهما توجبان البت في هذه الدعوى خلال أجل قصير لا يتجاوز 15 يوما ابتدائيا وشهر استئنافيا وتم تحجيم أجل الطعن في الاستئناف إلى 15 يوما، ويكون القرار الاستئنافي الصادر في النازلة قابلا للتنفيذ على الأصل ولا تحترم الآجال عمليا.

وطلب البيع الإجمالي للأصل التجاري لا يمكن تقديمه سوى من طرف الدائن المرتهن المقيد بالسجل التجاري ولو كان دائنا امتيازيا آخر مثل المكري وذلك بالنظر لصراحة الفصل المذكور.

وإذا ما تجلى للدائن المرتهن أن الأصل التجاري لو يعد كافيا لتغطية الديون المثقلة بالرهن فإن له الخيار في العمل على استصدار حكم بالأداء ضد مدينه المرتهن في سبيل الحصول على سند تنفيذي يكفل له التنفيذ على باقي ممتلكاته عملا بالقاعدة القائلة أن الذمة المالية للمدين تشكل الضمان العام للدائنين إذ أنه لا يوجد نص يحول دون أعمال هذه المبادئ.

ويجب على الدائن المرتهن المطالبة ببيع الأصل التجاري بمجمله ولا تتأثر بهذه المسطرة أهمية الدين أو ضالته .

وإن إفلاس المدين أو تمتيعه بمز ية التصفية القضائية لا يمكن أن يترتب عنه أي أثر في مواجهة هذه الدعوى إذ أن قاعدة وقف المتابعات المنصوص عليها في الفصلين 203 و341 ق .ت لا تسري سوى في مواجهة الدائنين العاديين باستثناء الذين يتوفرون على امتياز خاص أو رهن .

وبالنظر لكون الرهن على الأصل التجاري ينصب على منقول معنوي ويخول صاحبه امتيازا خاصا واقعا على منقول معين فإنه يظل بمستطاعه تحقيق رهنه في مواجهة المفلس .

لكن ما العمل إذا ما أخذ وكيل الإفلاس زمام المبادرة وشرع يتابع إجراءات تحقيق الرهن على الأصل التجاري للمفلس أمام تردد الدائن المرتهن المقيد ؟

يرى الفقهاء والقضاة أنه لا يحق للدائن المذكور التعرض على تلك الإجراءات وتحمل تبعاتها، إذ كان من الواجب عليه للمحافظة على مصالحه التحرك ضد المدين الراهن واستصدار حكم ببيع أصله التجاري قبل أية مبادرة من السنديك .

وإذا كانت مقتضيات الفصل 63 ق .ت تتيح للدائن إمكانية تحقيق الرهن التجاري مباشرة دون سلوك مسطرة قضائية لاستصدار حكم في هذا الصدد في مواجهة المدين فإن الدائن المرتهن مجبر بالمطالبة قضاء ببيع الأصل التجاري إعمالا لمتطلبات الفصل 16المشا ر إليه .

وتقتصر سلطة المحكمة على الأمر بالبيع الإجمالي متى تبين لها مديونية المدين الراهن الفعلية بالمبالغ المطلوبة الواقع من أجل ضمانها الرهن ، فلا تتوفر بالتالي على أدنى سلطة للحكم بالأداء أساسا واحتياطيا بالبيع الإجمالي في حالة عدم استيفاء الدائن المرتهن لدينه خلال أمد يحدده نفس الحكم ، إذ أن هذا ناتج عن خلط بين أحكام الفصلين 14 و 18 من نفس الظهير وهو الأمر الذي تقع ملاحظته بالنسبة لبعض الأحكام التي تستجيب لمثل هذه الطلبات المتعارضة والمشوبة بخطأ واضح حتى في حالة توفر دين مقرون برهن على أصل تجاري.

وفي ختام هذا البحث نطرح سؤالا عريضا :

ماذا على المحكمة إذا ما أدلى المدين بحجج لإثبات أداء الدين المتنازع بشأنه؟

وهو حلقة لاستمرار النقاش ...

ذ. ترحم محمد الطاهر

المصدر مجلة المحامى

الشهادة الطبية قبل الزواج في القانون المقارن

الدكتور محمد الشافعي

أستاذ بجامعة القاضي عياض

كلية الحقوق ـ مراكش

ترجع المطالبة بفرض الشهادة الطبية قبل الزواج إلى النظرية التي قتوم أساسا على علم تحسين النسل

Eugénisme

هدفها الرئيسي المحافظة على صفات النوع البشري وتحسينه عن طريق منع الزواج بين الأفراد المصابين بأمراض خطيرة أو معدية أو وراية، لأن هذا النوع من الزواج يؤدي حسب هذه النظرية إلى خلق نسل معيب ومشوه، ولم يكن هذا القلق واردا من طرف الأنظمة الوطنية فحسب، بل كذلك من طرف الأنظمة العصرية. فالاهتمامات بتحسين النسل كانت من نصيب الدول الديموقراطية، كالبلدان الاسكندنافية التي أصدرت عدة قوانين تفرض على الراغبين في الزواج أن يخضعوا قبل كل شيء لفحص طبي وأن يتبادلوا فيما بينهم نتائج هذا الفحص، كالقانون النرويجي الصادر بتاريخ 31 مايو 1922، والقانون السويدي الصادر بتاريخ 11 يونيو 1920، والقانون الدانماركي الصادر بتاريخ 30 يونيو 1922. كذلك كان فرض الهادة الطبية قبل الزواج من نصيب الأنظمة السلطوية كما هو الشأن بالنسبة لألمانيا النازية التي منعت الزواج إذا كان أحد الزوجين مصابا بمرض معدي بالنسبة للزوج الآخر وللأولاد أو كان مصابا بخلل عقلي كما جاءت ذلك في القانون النازي الصادر بتاريخ 18 أكتوبر 1935(1).

ـــــــــــــــــــــــــــــــ

(1) أنظر

Annuaire de la société de législation comparée, Paris : 1938 p :70.

ـــــــــــــــــــــــــــــــ

وبالإضافة إلى هذا، أصبحت عدة دول تراقب بشدة الحالة الصحية للأفراد قبل الزواج لمعرفة الأهلية البدنية للرجل والمرأة، مما دفع بالبعض منها إلى اتخاذ بعض الإجراءات تمس بكرامة الإنسان وبحريته في الزواج، حيث نهجت هذه الدول سياسة تعقيم الأشخاص المصابين ببعض الأمراض المعدية أو الخطيرة، كما بدأت بلدان أخرى تفرض على مواطنيها الفحص الطبي قبل الزواج، لأن انتشار بعض الأمراض الفتاكة وغير القابلة للشفاء أصبح يمارس ضغطا ثقيلا على الدفع بعجلة مراقبة صحة المواطنين إلى الأمام. فالتقدم العلمي في ميدان الطب وعلم الأحياء أصبح يعكس في الوقت الراهن صورة سياسة تحسين النسل. وفي هذا الاتجاه سارت عدة قوانين لدول أمريكا اللاتينية حيث تمنع الزواج إذا كانت الأطراف المقبلة عليه مصابة بأمراض جنسية، أو بالسل، أو الجذام، أو بالسرطان كما نص على ذلك الفصل 92 من القانون المدني لبناما، والفصل 241 من القانون المدني للبيرو(2)، في حين تمنع بعض القوانين الأخرى الزواج بسبب العنة(3).

وفي القانون المدني الفرنسي، لا يوجد نص خاص بالحالة الصحية كشرط لانعقاد الزواج لأنه عادة لا تأثير لجسم الإنسان في الزواج على تكوين العقد بحيث لا يؤخذ بعين الاعتبار عند الزواج إلا بإرادة الأطراف(4)، فعدم توفر الراغبين في الزواج على صحة جيدة لا تعتبر شرطا من شروط صحة الزواج، غير أنه يمكن أن يشكك في هذا الشرط عندما تكون الحالة الصحية لأحد الأطراف قد أثرت بشكل مباشر على رضا الطرف الآخر(5)، غير أن إلزام الراغبين في الزواج حاليا بالإدلاء بشهادة طبية قد عرف عدة مناقشات حادة، واختلافات بين معارضي وأنصار سياسة تحسين النسل أثناء وضع مشروع القانون الخاص بإحداث هذه الشهادة (المبحث الأول)، كما أن بعض الدول العربية سارت في القوت الحاضر على منوال القوانين الغربية في فرض الشهادة الطبية على الراغبين في الزواج (المبحث الثاني).

ـــــــــــــــــــــــــــــــ

(2) أنظر:

Juriclasseur de droit comparé- fascicules Panama et pérou.

(3) الفصل 47 من القانون المدني لفنزويلا والفصل 102 من القانون المدني للسلفادور.

(4) أنظر

Jean Carbonnier, Droit civil- la famille, éditions thémis, tome II ; 1993, n° 24 p : 58.

(5) انظر

LOMBOIS, de l'influence de la santé sur l'existence des droits civils, paris 1967 : Pradel,la condition civile du malade, paris, 1963.

ـــــــــــــــــــــــــــــــ

المبحث الثاني الشهادة الطبية في القنون الفرنسي

قبل الوصول إلى الحل النهائي الذي اعتمده القانون الفرنسي بخصوص الشهادة الطبية قبل الزواج، فإن إحداث هذه الشهادة قد قطع عدة مراحل، كما تعرض لعدة انتقادات عنيفة واختلافات فقهية أثناء كل المشاريع الخاصة به (المطلب الأول). ففي الوقت الراهن، أصبح الإدلاء بالشهادة الطبية إلزاميا بالنسبة لكل من أراد أن يتزوج، فالإدلاء بها مرتبط بنشر مشروع الزواج وليس بإبرامه، غير أن هذه الشهادة لا تشكل في الواقع مانعا للزواج في حالة عدم تسليمها إلى ضابط الحالة المدنية الذي يعتبر السلطة المختصة بإبرام الزواج في فرسنا(المطلب الثاني).

المطلب الأول: الأصل التاريخي للشهادة الطبية.

لم يفرد القانون المدني الصادر سنة 1804 نصا خاصا بالصحة البدنية للراغبين في الزواج، إلا أنه بعد مرور قرن ورع من الزمان على ظهور هذا القانون عرضت على البرلمان آنذاك عدة اقتراحات من اجل إحداث شهادة طبية قبل الزواج على غرار البلدان الأوربية الأخرى التي سبقت فرنسا في هذا المجال(6). فالاقتراح الأول تقدم به الأستاذ بينار

Pinard بتاريخ 24 نونبر 1926 يقضي بأن كل مواطن فرنسي أراد الزواج لا يسجل في سجلات الحالة المدنية إلا بعد الإدلاء بشهادة طبية تثبت خلوه من أي مرض خطير أو معد لقرينه ونسله في المستقبل، ويجب أن تتضمن هذه الشهادة نتائج الفحص الطبي وأن تعرض على ضابط الحالة المدنية(7)، أما الاقتراح الثاني، فتقدم به النائب البرلماني لباريس السيد دوفال أرنو Duval-Arnould

سنة 1927، غير أن هذا الاقتراح قد استمد نصه من بعض القوانين الأجنبية حيث يقضي بأن لا يقوم ضابط الحالة المدنية بنشر مشروع الزواج إلا بعد إدلاء الراغب في الزواج بشهادة طبية تثبت بأنه خضع لفحص طبي وأن يكون المعني

ـــــــــــــــــــــــــــــــ

(6) انظر:

Jean Arnould, l'examen médical prénuptial, in Eglise et l'eugénisme - la famille à la croisée des chemins. Association du mariage chrétien, paris 1930 p : 106 et s.

(7) أنظر:

Journal officiel, documents parlementaires, session extraordinaire, 1926, annexe n° 3585 n° 131.

ـــــــــــــــــــــــــــــــ

بالأمر على علم بنتائج الفحص الذي قام به الطرف الآخر(8)، ويتضح من هذا الاقتراح، أن الهدف من الإدلاء بالشهادة الطبية هو اطلاع الراغب في الزواج على الحالة الصحية للذي سيكون عليها قرينه في المستقبل وفي هذه الحالة يبقى حرا في اتخاذ القرار: إما بالعدول عن مشروع زواجه أو في أن يزوج إذا اتضح له أن الذي سيكون شريك حياته مصاب بمرض كيفما كانت طبيعة هذا المرض.

وبخصوص الاقتراح الثالث، فتقدم به السيد كودار

Godart

سنة 1932 ويتمثل في إضافة فقرة ثانية إلى الفصل 63 من القانون المدني. وطبقا لهذا الاقتراح، يتلقى ضابط الحالة المدنية قبل نشر مشروع الزواج شهادة طبية يكون تاريخها أقل من شهر تثبت أن المعني بالأمر قد تم فحصه قصد الزواج(9).

غير أن كل هذه المشاريع قد تعرضت لعدة انتقادات، وساء من الناحية الأخلاقية والفلسفية أو من الناحية الدينية حيث اعتبر فرض الشهادة الطبية مساسا بمبدأ حرية الفرد في الزواج، كما أن مشكل الزواج يجب أن لا ينظر إليه فقط من الناحية الاجتماعية ولا الاقتصار فيه على الاعتبارات البدينة التي لا تشكل بمفردها العنصر الدافع في هذا المجال، بل هناك في الزواج عنصر آخر ذو أهمية بالغة والمتمثل في الأخلاق، والذي يجب أن يؤخذ بعين الاعتبار في الدرجة الأولى. وفي هذا الصدد، تدخل المشرع الفرنسي لإحداث الشهادة الطبية قبل الزواج بموجب القانون الصادر في 16 دجنبر 1942، والمتعلق بحماية الأمومة والطفولة والذي عدل فيما بعد بمقتضى قانون 29 يوليوز 1943(10)، غير أن هذين القانونين قد حضرا في عهد حكومة فيشي

Vichy للماريشال بيتان Pétain

التي كانت تابعة آنذاك للنظام النازي، مما دفع بالمشرع الفرنسي إلى إلغائهما بموجب الأمر الصادر في نوبر 1945، أي بعد تحرير فرنسا من الغزو الألماني خلال الحرب العالمية الثانية، ولكن هذا الأمر كرس تقريبا كل ما تضمنه قانونا 1942 و 1943.

المطلب الثاني: تنظيم الشهادة الطبية.

بموجب الأمر الصادر في 2 نونبر 1945 والذي لازال ساري المفعول إلى يومنا هذا، أضاف المشرع الفرنسي فقرة ثانية إلى الفصل 63 من القانون المدني، مفادها أن ضابط الحالة المدنية لا يمكنه أن ينشر مشروع

ـــــــــــــــــــــــــــــــ

(8) انظر

LAURA BAIRDEAU , le certificat prénuptial ; étude de droit comparé et de législation, thèse, paris 1930 p : 275.

(9) انظر

Journal officiel, documents parlementaires, Sénat, 1932 annexe n° 52 p : 31.

(10) انظر

Voirin, le certificat d'examen prénuptial ( commentaire de la loi du 29 juillet 1943), j.c.p 1943, I ; 342.

ـــــــــــــــــــــــــــــــ

الزواج(11) ـ وحتى في حالة الإعفاء من هذا النشر(12) ـ إلا بعد تسليمه شهادة طبية من طرف الخاطب والمخطوبة تثبت بأنهما فحصا من أجل الزواج وأن لا يزيد تاريخ هذه الشهادة على الشهرين.

وبالإضافة إلى هذه الفقرة، يقضي الفصل 153 / ل من قانون الصحة العمومية بأن الطبيب الذي يقوم بفحص الراغب في الزواج ـ طبقا للفقرة الثانية من الفصل 63 من القانون المدني ـ لا يمكنه أن يسلم الشهادة الطبية إلا بعد اطلاعه على نتائج التحليلات والفحوص التي قام بها المعني والمتمثلة فيما يلي:

1 ـ إخضاع كل من الرجل والمرأة للفحص السريري لمعرفة الأمراض الزهرية، وكذلك لفحص الرئتين إذا اقتضى الحال ذلك.

2 ـ إخضاع النساء اللواتي لم يتجاوزن سن الخمسين ( أي لازن في سن الإنجاب) للفحوص الخاصة بالحميراء (

Rubéole) وداء المقوسات(Toxoplasmose

) (13)، وكذلك لفحص فصيلة الدم.

وفي نفس الوقت، يسلم الطبيب لكل واحد من الزوجين، مع الشهادة الطبية، كتيبا خاصا بالتربية الصحية(14) كما يقترح بمناسبة الفحص الطبي على الراغبين في الزواج ـ بعد اطلاعهما على خطر العدوى ـ إخضاعهما للفحص لكسف مرض فقدان المناعة المكتسبة (السيدا) طبقا للفصل 48 من القانون الصادر في 27 يناير 1993(15).

كذلك ينص القانون على أن يقوم الطبيب بإبلاغ المعني الأمر بملاحظاته عن نتائج الفحص الطبي وأن يثير انتباهه إلى أهميتها. وفي حالة الخطورة، يؤكد الطبيب على مدى أهمية ملاحظاته إلى المعني كتابة طبقا لمقتضيات الفصل 6/3 من المرسوم الصادر في 19 يونيو، وهكذا يكون المعني بالأمر على علم بما أصابه وبالتالي يقرر إما العدول عن مشروعة في الزواج، أو يتزوج رغم إصابته بأمراض معدية خطيرة.

فالنصوص المتعلقة بالشهادة الطبية لم تحدد بالضبط طبيبا خاصا بفحص الراغبين في الزواج، وإنما يقوم به كل طبيب يمارس مهنته قانونا مما يؤدي إلى استنتاج الملاحظات التالية:

1 ـ حرية كل من الرجل والمرأة في اختيار الطبيب الذي يقوم بفحصهما، أي يمكن للراغبين في الزواج أن

ـــــــــــــــــــــــــــــــ

(11) المقرر بموجب الفصلين 63 و 166 من القانون المدني.

(12) أنظر الفصل 169 من القانون المدني.

(13) أنظر مرسوم 17 مارس 1997 الخاص بتشخيص مصلي

sérodiagnostic de la rubéole ودورية 27 شتنبر 1983 خاصة بالوقاية من داء المقوسات Toxoplasmose

.

(14) الفقرة الثانية من الفصل 153/ ل من قانون الصحة العمومية.

(15) أنظر:

BICK. Le sida, mesures de santé publique et protection des droits individuels, J.C.P.1991.13541.

ـــــــــــــــــــــــــــــــ

يسلما ضابط الحالة المدنية شهادتين طبيتين سلمت لهما من طرف طبيب واحد أو طبيبين مختلفين.

2 ـ يكون الفحص فرديا.

3 ـ يفحص الطبيب الراغب في الزواج ـ وساء الرجل أو المرأة ـ بدون أن يأخذ بعين الاعتبار وضعية الطرف الآخر.

وبخصوص مدة صلاحية الشهادة الطبية، يجب أن لا يزيد تاريخها على الشهرين إلا أن الفصل 8 من الأمر الصادر بتاريخ 2 نونبر 1945 قد مدد الأجل إلى ثلاثة أشهر بالنسبة للعسكريين والملاحين الذين يتزوجون بدون أن يحضروا شخصيا مراسم إبرام الزواج، أي اللذين يتزوجون عن طريق الوكالة(16)، كذلك يمكن لوكيل الجمهورية أن يعفي المعني بالأمر من الإدلاء بالشهادة الطبية في حالات استثنائية والتي ترجع له السلطة في تقديرها، ولكن يجب تسليم شهادة الإعفاء محل الشهادة الطبية إلى ضابط الحالة المدنية قبل نشر مشروع الزواج.

كذلك لا تنص الفقرة الثالثة من الفصل 169 من القانون المدني على تسليم الشهادة الطبية إلى ضابط الحالة المدنية في الحالة التي يكون فيها أحد الزوجين مريضا مرض الموت، فالشهادة الطبية المسلمة إلى ضابط الحالة المدنية لا تتضمن أية إشارة إلى الحالة الصحية للراغب في الزواج، وإنما تشهد فقط على أن المعني بالأمر قد تم فحصه قصد الزواج.

ومما سبق يستنتج ما يلي:

1 ـ إن الفحص الطبي أصبح إجباريا ما عدا في الحالات الاستثنائية التي ينص عليها القانون، ولا يمكن لضابط الحالة المدنية أن يقوم بنشر مشروع الزواج دون أن يتسلم الشهادة الطبية من الراغب في الزواج.

2 ـ يبقى الفحص الطبي سريا، أي أن الطبيب لا يكون ملزما بإخبار الأغيار بنتائج الفحوص الطبية التي قام بها المعني بالأمر (مثلا الخاطب الآخر والطبيب الذي فحصه، الآباء، العمدة، ضابط الحالة المدنية..) فمن طبيعة تسليم الشهادة الطبية عدم المساس بالسر المهني الذي يخضع له الطبيب.

3 ـ في حالة مخالفة مقتضيات الفقرة الثانية من الفصل 63 من القانون المدني، أي عند إبرام الزواج بدون شهادة طبية، فإن ضابط الحالة المدنية يتابع أمام المحكمة الدرجة الكبرى لأداء غرامة لا يتعدى مقدارها 200 فرنك تطبيقا للفصل 94 من القانون الصادر في 4 غشت 1956، كما أن لهذه الغرامة طبيعة مدنية(17).

ـــــــــــــــــــــــــــــــ

(16) انظر

F. Terre, droit civil, les personnes-la famille, paris 1994 p

: 187.

(17)

A. BENABENT, droit civil, la famille, édit, litec 1997 p

: 350.

ـــــــــــــــــــــــــــــــ

وليست جنائية (18)، أما الزوجان، فلا يخضعان لأية عقوبة ف حالة زوجهما بدون تسليم الشهادة الطبية إلى ضابط الحالة المدنية.

4 ـ لا يتضمن القانون أية عقوبة إذا أخل الطبيب بالتزاماته، بل يكون خاضعا لضميره ولأخلاق المهنة التي يمارسها، أي أن المسألة تبقى متعلقة بضمير الطبيب وبولاء الزوجين لبعضهما البعض، فالطبيب يكون مسؤولا إذا تهاون مثلا في طلب إجراء الفحص السريري الذي أصبح الآن ضروريا لمعرفة مرض الحميراء Rubéole. ففي هذه الحالة، يكون الطبيب قد ارتكب خطأ مهنيا عن الضرر الذي يلحق مهنيا عن الضرر الذي يلحق الطفل حيث يفقد هذا الأخير كل ما أمل في تفادي الآثار المترتبة عن هذا المرض الذي أصيبت به أمه في بداية الحمل (19)، كما يكون الطبيب مسؤولا في حالة ما إذا قام بفحص غير كامل تاركا الراغب ف الزواج في جهل تام لمرضه الخطير (20).

5 ـ الإدلاء بالشهادة الطبية يعتبر فقط شكلية أولية للزواج وليس شرطا يجعل هذا الأخير مستحيلا عند عدمها، فالزواج المبرم بدون هذه الشهادة لا يعتبر باطلا بل يبقى صحيحا، غير أنه في الحالة التي لا يطلع الراغب في الزواج بقرينه الآخر في القانون الفرنسي (21)، وفي هذا الصدد، يمكن للطرف المتضرر أن يعتمد على إخفاء المرض من طرف زوجه لطلب الطلاق للخطأ طبقا للشروط التي ينص عليها الفصل 242 من القانون المدني، أو لطلب فسخ الزواج بسبب غلط في صفة جوهرية من صفات الشخص (22) إذا كانت فعلا الحالة الصحية للزوج الآخر جد خطيرة.

وأخيرا، يرى بعض الفقه أن موقف المشرع الفرنسي من فرض الشهادة الطبية قبل الزواج هو موقف مثالي (23)، في حين يقول البعض الآخر إنه موقف حكيم جدا (24)، لأن الهدف من هذه الشهادة هو وضع

ـــــــــــــــــــــــــــــــ

(17)أنظر:

Cass.crim 23 novembre 1949 D.1950 p.40, 23 novembre 1950. J.C.P II 5970

.

(18) أنظر:

LEROY, de amendes prévues par le code civil pour sanctionner les infractions commises en matière d'état civil.

(19)أنظر:

civ. 16 juillet 1991. J.C.P 1991 IV 336. R.T.D civ 1992. 51

.

(20) أنظر:

Y.GUYON. DE l'obligation de sincérité dans le mariage

R.T.D. civ 1964, p. 473.

(22) أنظر الفصل 180 من القانون المدني.

(23) أنظر:

CULIOLI, la malade d'un

époux, idéalisme et réalisme en droit matrimonial français. R.T.D civ 1968 p : 2515.

(24) أنظر:

R.NERSON, Influence de la biologie sur le droit civil R.T.D civ 1970 p. 677

.

ـــــــــــــــــــــــــــــــ

كل راغب في الزواج أمام مسؤوليته وبالتالي يتحمل الآثار المترتبة عنها، أي أن الفرد، سواء كان رجلا أو امرأة، يبقى حرا في أن يتزوج أو لا يتزوج عندما يكتشف بعد الفحص أنه مريض، فتقدير الفحص الطبي يوكل إلى ضمير الزوجين وشرف اعتبارهما، مما دفع ببعض الفقهاء إلى القول إن فرض الشهادة الطبية قبل الزواج لا فعالية له بحيث لا يدفع إلا القليل جدا ن الأشخاص (رجالا ونساءا) إلى العدول عن مشروع زواجهم في حالة ما إذا كانوا غير مؤهلين من الناحية الصحية لإبرام الزواج (25).

كذلك أصبح مستقبل الشهادة الطبية قبل الزواج يطرح عدة استفهامات، لأن الإحصاءات الصادرة عن المعهد الوطني للدراسات الديموغرافية (26) تبين أن نسبة الزيجات أصبحت تتقلص منذ سنة 1973، وأن معدل الطلاق يرتفع أكثر فأكثر، في حن أن عدد الرجال والنساء الذين يعيشون حياة حرة بدون زواج يزداد سنة عن أخرى، ناهيك عن أن عدد الأطفال غير الشرعيين يرتفع كل سنة حيث أن نسبتهم قفزت من 7% سنة 1970 إلى 30% سنة 1990. كما أن العائلة الطبيعية غير المبنية على الزواج أصبحت حاليا قائمة بذاتها في القانون الفرنسي، بل معترف بها من طرف التشريعات المدنية والاجتماعية والضريبية، والأكثر من ذلك أن هذه التشريعات تحميها وأحيانا تفضلها عن العائلة الشرعية، فكل هذه العوامل أدت في الواقع إلى نفور الكثير من الأفراد (رجالا ونساء) من الزواج وبالتالي عدم خضوعهم للفحص الطبي المطلوب قبل إبرام الزواج عادة.

وأخيرا، فإن كل الصوائر التي يكلفها الفحص الطبي (تحليلات وفحوص...) يتحملها صندوق الضمان الاجتماعي عندما يكون المعني بالأمر منخرطا فيه.

ـــــــــــــــــــــــــــــــ

(25)

أنظر: Philippe MALAURIE, la famille edit, Cujas : Paris 1993, p 736 : Claude COLOMBET, la famille P.U.F. Paris 194, p 42. Marty et Raynaud droit civil, les personnes,

édit, Sirey, Paris 1976 p : 81.

(26) Colloque national sur la nuptialité Sorbonne, Paris 1991in Revue Population n° 3. 1992.

ـــــــــــــــــــــــــــــــ

المبحث الثاني

الشهادة الطبية في القوانين العربية

نظرا لانتشار الأمراض الخطيرة والفتاكة التي أصبحت تهدد صحة الأفراد بل المجتمع بكامله، بدأت عدة دول عربية تراقب الحالة الصحية لمواطنيها عن طريق الإدلاء بشهادة طبية تثبت خلوهم من أي مرض معد على غرار ما يجرب به العمل في مجالات أخرى (طلب شهادة طبية عند مزاولة عمل أو وظيفة أو للسكن في الحي الجامعي ...) ومن بين التشريعات التي فرضت الشهادة الطبية قبل الزواج، القوانين السورية والعراقية واللبنانية في الشرق الأوسط والقانون التونسي والمغربي في شمال إفريقيا.

فمن بين الأعمال الإدارية التي تسبق الزواج في قانون الأحوال الشخصية السوري تقديم طلب الزواج لقاضي المنطقة مرفوقا بعدة وثائق من بينها شهادة من طبيب يختاره الطرفان تثبت خلوهما من الأمراض السارية ومن الموانع الصحية للزواج، وللقاضي التثبت من ذلك بمعرفة طبيب يختاره (27).

كذلك ينص قانون الأحوال الشخصية العراقي أن يرفق البيان الذي يتقدم به الزوجان لتسجيل زواجهما بتقرير طبي يؤيد سلامتهما من الأمراض السارية والموانع الصحية وبالوثائق الأخرى التي يشترطها القانون (28).

وعلى غرار هذين القانونين، فرض المشرع اللبناني الشهادة الطبية على الراغبين في الزواج بموجب مرسوم قانون عدد 78 الصادر بتاريخ 9 شتنبر 1983، فهذه الشهادة تثبت خلو المعني بالأمر من الأمراض المعدية والمضرة بقرينه وذريته، غير أنها تبقى سرية إلا بالنسبة للطرف الآخر الذي يمكنه الاطلاع على نتائج الفحص الطبي حتى يكون الطرفان على علم بحالتهما الصحية قبل إبرام زواجهما.

ومن بين تشريعات دول المغرب العربي التي فرضت الشهادة الطبية قبل الزواج، القانون التونسي الصادر بتاريخ 3 نونبر 1964 والفقرة السابعة من الفصل 41 من مدونة الأحوال الشخصية المغربية الذي عدل بموجب ظهير 10 شتنبر 1993 حيث غير هذا الظهير وتمم بعض فصول المدونة، ولذا سنقتصر على دراسة هذه الشهادة في القانونين التونسي من جهة (المطلب الأول) والمغربي من جهة ثانية (المطلب الثاني).

ـــــــــــــــــــــــــــــــ

(27)المادة 41/ج من قانون الأحوال الشخصية السوري.

(28)المادة 10/2 من قانون الأحوال الشخصية العراقي.

ـــــــــــــــــــــــــــــــ

المطلب الأول: الشهادة الطبية في القانون التونسي.

عندما صدرت المجلة التونسية للأحوال الشخصية بتاريخ 13 غشت 1957 لم تكن تتضمن أي نص خاص بالحالة الصحية للراغبين في الزواج وإنما حددت فقط سنا لأهلية الزواج (29).

غير أنه بعد مرور سبع سنوات على صدور هذه المجلة، تدخل المشرع التونسي لإحداث شهادة طبية سابقة للزواج بموجب القانون عدد46 لسنة 1964 المؤرخ في 3 نونبر 1964.

وفي هذا الصدد، يقضي الفصل الأول من هذا القانون بأنه لا يمكن لضباط الحالة المدنية أو العدول الذين وقع اختيارهم لتحرير عقود الزواج أن يقوموا بإبرام الزواج إلا بعد أن يتسلموا من كلا الشخصين العازمين على الزواج شهادة لا يزيد تاريخها على الشهرين، تثبت أن المعني بالأمر قد وقع فحصه قصد الزواج دون أن تذكر بها إشارة أخرى.

وينص الفصل الثاني من هذا القانون على أن توجه بصفة خاصة عناية الطبيب أثناء الفحص إلى الإصابات المعدية والاضطرابات العصبية ونتائج الإدمان على المشروبات الكحولية وغيرها من الأمراض الخطيرة وخاصة مرض السل ومرض الزهري بالنسبة للقرين وللذرية.

وفي هذا الصدد، لا يسلم الطبيب الشهادة المنصوص عليها في الفصل الأول من القانون المشار إليه أعلاه إلا بعد اطلاعه على:

- فحص طبي عام.

- فحص الرئتين بالأشعة وتصويرهما إذا اقتضى الحال ذلك.

- فحص الدم.

ويجب على الطبيب أن يطلع المعني بالأمر على ملاحظاته ويبين له مدى أهميتها، كما يمكنه أن يرفض تسليم الشهادة إن تبين له أن هذا الزواج غير مرغوب فيه ويؤجل تسليم هذه الشهادة إلى أن يزول خطر العدوى من المريض أو تصير حالته الصحية غير مضرة لذريته (30).

ويمكن للفحص المنصوص عليه أعلاه أن يقع حسب اختيار المعنيين بالأمر: إما لدى الأطباء وبمخابر التحليلات لطبية المقبولة لهذا الغرض من طرف كتابة الدولة للصحة العمومية والشؤون الاجتماعية، وإما بالمستشفيات العمومية، ويكون الفحص والتحليلات وكذلك تسليم الشهادة الطبية مجانا إذا وقع القيام بها بالمستشفيات (31)، غير أنه يمكن للحاكم في الحالات الاستثنائية إعفاء الشخصين العازمين على الزواج أو أحدهما من تقديم الشهادة الطبية ولا تطلب الشهادة من كلا الشخصين العازمين على الزواج إذا كان أحدهما في حالة احتضار (32)، وتقع متابعة ضباط الحالة المدنية والعدول الذين لا يمتثلون لأحكام الفصل الأول من هذا القانون أمام المحكمة الابتدائية ذات النظر ترابيا ويعاقبون بغرامة قدرها مائة دينارا (33).

يتضح مما سبق أن المشرع التونسي ألزم الراغبين في الزواج بالإدلاء بشهادة طبية قبل إبرام العقد. وكما هو الشأن في القانون الفرنسي، فإن نتائج الفحص الطبي تبقى سرية بالنسبة للطرف الآخر وللأغيار (ضباط الحالة المدنية ـ العدول ـ العائلة)، أو بعبارة أخرى يكون المعني بالأمر مسؤولا أمام ضميره فقط، كما أن عدم احترام المقتضيات الخاصة بهذه الشهادة لا يؤدي إلى إبطال الزواج وإنما يعاقب ضابط الحالة المدنية أو العدول الذين قاموا بإبرام العقد بغرامة مالية. كذلك يمكن للطبيب أن يرفض تسليم الشهادة الطبية إذا تبين له أن الزواج المرغوب في انعقاده قد يلحق أضرارا بالطرفين أو بنسلهما أو يؤجل تسليم هذه الشهادة إلى أن يزول خطر العدوى، غير أنه لا يوجد نص في القانون المتعلق بإحداث الشهادة الطبية قبل الزواج أو في غيره من القوانين يمنع المعني بالأمر من اللجوء إلى طبيب آخر.

وأخيرا يجب أن يتم إعداد الشهادة الطبية السابقة للزواج المنصوص عليها بالقانون عدد 46 لسنة 1964 المؤرخ في 3 نونبر 1964وفق النموذج الذي أقرته وزارة الصحة العمومية بموجب القرار الصادر عنها بتاريخ19 دجنبر 1985 (34).

ـــــــــــــــــــــــــــــــ

(31)الفصل 4 من قانون 3 نونبر 1964.

(32)لفصل 5 من قانون نونبر 1964.

(33)الفصل 7 من قانون نونبر 1964.

(34)منشور بالرائد الرسمي للجمهورية التونسية عدد 90 الصادر في 27 دجنبر 1985، ص: 1737.

ـــــــــــــــــــــــــــــــ

شهادة طبية سابقة للزواج

أنا الممضي أسفله الدكتور:

الاسم واللقب:

الرقم بمجلس عمادة الأطباء:

المؤسسة:

العنوان: العدد:

نهج / شارع:

المدينة / المنطقة / الولاية:

دكتور في الطب، أشهد بأي قمت لغاية الزواج بفحص،

السيدة / الآنسة / لسيد:

المولود (ة) في بـ

بطاقة التعريف القومية عدد:

مسلمة بـ :

العنوان:

وحررت هذه الشهادة بعد إجراء فحص سريري كامل واطلعت على نتائج الفحوص التكميلية التالية، كما وقع التنصيص عليها بالقانون عدد 46 لسنة 1964، المؤرخ في 3 نونبر 1964.

- الفحوص المتعلقة بالدم.

- اختبار الكشف عن أمراض الزهري.

- فصيلة الدم.

- فحوص الأشعة.

- لصورة الصدرية.

وأصرح علاوة على ذلك بأني قدمت نصائح تتعلق بالعوامل الوراثية بحكم صلة القرابة بين الزوجين المفترضين ونصائح تتعلق بطرق التوازن في الولادة.

وبحكم هذا، سلمت الشهادة مباشرة لمعني (ة) بالأمر للاستظهار بها لدى من له النظر.

حرر بـ في

الإمضاء والختم.

المطلب الثاني: القانون المغربي.

لما صدر مدونة الأحوال الشخصية وخاصة الكتاب الأول منها المتعلق بأحكام الزواج والطلاق (35) لم يفرد المشرع نصا خاصا بالأهلية البدنية لإبرام الزواج، كما أن توفر الراغب في الزواج على صحة جيدة لا يدخل في تعداد شروط صحة عقد الزواج، غير أن مدونة الأحوال الشخصية حددت سنا تكتمل به أهلية النكاح بالنسبة للفتى والفتاة (36)، كما سمحت للقاضي في أن يأذن في زواج المجنون أو المعتود إذا تبث بتقدير هيئة من أطباء الأمراض العقلية أن زواجه يفيد في علاجه واطلع الطرف الآخر على ذلك ورضي به (37).

وقبل تهيئ المشروع الأولي لمدونة الأحوال الشخصية من طرف لجنة عينت آنذاك بموجب ظهير 19 غشت 1957، اقترح أحد أعضائها إحداث شهادة طبية قبل الزواج حماية للزوجين أنفسهما ولنسلهما حيث يرى:" أن من الإصلاحات الاجتماعية التي يجب الاهتمام بها العناية بسلامة المتزوجين من الأمراض المعدية أو التي لا تقبل الشفاء، ومعنى هذا أنه يجب فرض الإدلاء بشهادة طبية تؤكد ذلك قبل إبرام العقد، فإذا ثبت وجود مرض معد فلا ينبغي الإفضاء بخبره إلا للمريض نفسه ثم التعجيل بمعالجته، إن هذا النوع من الاحتياط حسن في نظرنا للمساعدة على التوقي من الأمراض ومن الوقوع في عدة خصومات تترتب على اكتشاف ما لم يكن منتظرا من الآفات بعد الدخول، أما الأمراض التي لا تقبل المعالجة لفوات إبانها مثلا أو لعجز الطب في حالته الحاضرة عن القيام بها فيجب أن يشعر بها الطرفان معا ويترك لهما الاختيار في العقد على الرغم من ذلك أو عدمه، لأن الأمر يدخل حينئذ في باب الإحسان ومشاركة الغير في آلامه، وهي عاطفة إنسانية لا ينبغي أن يحرم من يحس بوجودها" (38).

غير أن واضعي مدونة الأحوال الشخصية لم يأخذوا بهذه الأفكار، مما دفع ببعض الفقه المغربي (39) إلى طلب فرض الفحص الطبي على المتقدم للزواج يؤكد سلامته من الأمراض السارية اعتمادا على الحديث

ـــــــــــــــــــــــــــــــ

(35) بموجب ظهير 22 نونبر 1958.

(36) أنظر الفصل 8 من مدونة الأحوال الشخصية.

(37) الفصل 7 من مدونة الأحوال الشخصية.

(38) علال الفاسي، النقد الذاتي ـ بيروت ـ القاهرة ـ بغداد 1966، ص: 283.

(39) عبد النبي ميكو، الوسيط في شرح مدونة الأحوال الشخصية المغربية، الجزء الأول، الرباط، 1976، ص: 173، محمد الشافعي، أحكام الأسرة في ضوء مدونة الأحوال الشخصية، الطبعة الثالثة، مراكش 1998، ص: 167.

ـــــــــــــــــــــــــــــــ

الشريف:" تخيروا لنطفكم فإن العرق دساس"، وقوله أيضا:" فر من المجذوم فرارك من الأسد"، غير أن الأمر بقي على ما عليه منذ سنة 1957 إلى أن تدخل المشرع بمقتضى ظهير 10 شتنبر 1993 لتغيير وتتميم بعض فصول مدونة الأحوال الشخصية، ومن بين التعديلات التي أدخلها في مجال الأعمال الإدارية التي تسبق الزواج عدم توثيق العقد إلا بعد توفر العدلين على مستندات ومن بينها إدلاء كل من الخاطب والمخطوبة بشهادة طبية تثبت خلوهما من الأمراض المعدية (40).

يتضح مما سبق أن الراغب في الزواج اصبح يخضع حاليا للفحص قبل توثيق عقد الزواج وبالتالي لا يمكن للعدلين أن يتوليا العقد إلا بعد توفرهما على شهادة مسلمة من طرف الطبيب الذي قام بفحص المعني بالأمر، غير ن موقف المشرع من رض الشهادة الطبية قبل الزواج جاء غامضا وبالتالي يطرح عدة تساؤلات:

أولا: لم يبين المشرع المقصود بالأمراض المعدية، فهل يجب فحص الراغب في الزواج للكشف عن كل مرض معدي؟ أم يجب فقط أن تقتصر الفحوص الطبية على بعض الأمراض دون أخرى كمرض الزهري ومرض السل؟ فما هو موقف المشرع المغربي من مرض المناعة المكتسبة (السيدا أو إيدز) الذي أصبح يهدد العالم بأسره؟

ثانيا: لم يحدد المشرع الجهة المختصة في منح الشهادة الطبية، كما أنه لم يحدد بدقة الفحوص والتحليلات التي يخضع لها المعني بالأمر. هل يخضع لفحص طبي عام أم لبعض الفحوص الأساسية كفحص الرئتين؟

ثالثا: ما هو مصير الراغب في الزواج إذا تبين للطبيب أن حالته الصحية مضرة لقرينه ولذريته؟ هل في هذه الحالة يرفض الطبيب تسليم الشهادة الطبية؟ فما هي التدابير التي يجب اتخاذها عندما يقوم المعني بإبرام زواجه إذ ليس هناك ما يمنعه بالقيام بفحص ثان عند طبيب آخر؟

رابعا: ما هي العقوبة التي يخضع لها العدلان في حالة توثيق عقد الزواج بدون الشهادة الطبية؟

خامسا: هل الغرض من الفحص الطبي هو الحصول فقط على شهادة عادية من أي طبيب كما هو الشأن بالنسبة للشواهد الطبية التي يدلى بها أمام المحاكم الجنائية والجنحية؟

سادسا: هل الهدف من فرض هذه الشهادة هو معرفة سلامة الراغب في الزواج من الأمراض المعدية، أم لابد أن توجه عناية الطبيب أثناء الفحص إلى الاضطرابات العصبية وكذلك نتائج الإدمان على المشروبات الكحولية وغيرها؟

ـــــــــــــــــــــــــــــــ

(40) الفصل 41/7 من مدونة الأحوال الشخصية.

ـــــــــــــــــــــــــــــــ

يتضح مما سبق أن المشرع المغربي فرض الشهادة الطبية على الراغبين في الزواج ولكن بدون أن ينظم مسطرتها تنظيما محكما، فالطبيب يمنح هذه الشهادة بمجرد فحص المعني بالأمر بالعيادة دون اللجوء إلى التحليلات اللازمة لكشف الأمراض المعدية الخطيرة، مما يفرغ هذه الشهادة من محتواها، كما أن هذا الأمر يشكل منفذا للمشرع حتى لا يفرض مجانية الحصول على الشهادة الطبية والتحليلات اللازمة لمنحها، كما أن اللجوء إلى التحليلات الكاملة والوافية لمعرفة خلو الراغب في الزواج من الأمراض المعدية قد يؤدي إلى مصاريف قد يتعدى مبلغها مقدار الصداق.

وبتاريخ 14 دجنبر 1993، صدرت دورية مشتركة رقم 46 لوزارتي العدل والصحة، تحدد نموذج الشهادة الطبية قبل الزواج، كما درت دورية أخرى عن وزير العدل بتاريخ 17 يناير 1994 (41)، يبين فيها أن يكون التعامل مع هذه الشهادة بنوع من المرونة وذلك بإمكانية قبولها إذا تضمنت أن لمعني بالأمر لا تظهر عليه ـ بعد الفحص السريري ـ علامات لمرض معدي.

وإذا كان المشرع المغربي قد رغب فعلا في توثيق عقد الزواج عن طريق إثقال كاهل الخاطب والمخطوبة بمجموعة من الوثائق، فإنه مع الأسف لم يعتبر كتابة هذا العقد شرطا لصحته، أي أن الزواج يمكن أن يبرم دون هذه لكتابة وبالتالي تبقى كل الإجراءات المتخذة، سواء تجاه التعدد أو مرض أحد الزوجين أو غيرها حبرا على ورق، لأن الراغب في الزواج وخاصة بالبادية يمكن أن يلجأ إلى الزواج العرفي الذي لازال سائدا في المجتمع المغربي، فالمشرع لم يلغ الفقرة الرابعة من الفصل الخامس من مدونة الأحوال الشخصية التي كانت (42) ولازالت تقضي بأنه يجوز للقاضي بصفة استثنائية سماع دعوى الزوجية واعتماد البينة الشرعية في إثباتها، ولكن لإعطاء فاعلية لكل التعديلات التي أدخلها المشرع على بعض مقتضيات المدونة، كان عليه أن يفرض كتابة عقود الزواج رسميا.

ـــــــــــــــــــــــــــــــ

(41)أنظر مجلة الملحق القضائي، العدد 1994، ص: 180.

(42)الفقرة الثالثة سابقا.

ـــــــــــــــــــــــــــــــ

شهادة طبية

أنا الموقع أسفله الدكتور:

أشهد أنني فحصت يومه: ....................... بطلب منه / منها

رقم البطاقة الوطنية (إن وجدت):

وتبين بعد الفحص السريري أن المعني بالأمر لا تظهر عليه علامة لمرض معدي.

وسلمت له / لها هذه الشهادة للإدلاء بها قصد الزواج.

(1) يشطب على ما لا فائدة فيه

في:

مجلة المحامى