حول تعديل قانون المسطرة الجنائية الفرنسي الوضع رهن

حول تعديل قانون المسطرة الجنائية الفرنسي الوضع رهن

الاعتقال سيتخذ من طرف قضاء جماعي

ترجمة واعداد: عبد الصمد الزعنوني

مستشار باستئنافية الرباط

" قدم كل من وزير العدل Henri NALLET او الوزير المنتدب لدى وزارة العدل Michel SAPIN بفرنسا مذكرة بحث بخصوص قانون المسطرة الجنائية امام مجلس الوزراء بتاريخ الأربعاء20/11/1991. فبعد اشهر من النقاش الساخن قررت وزارة العدل التخلي عن فكرة قلب مجموع النظام القضائي. لقد اختار ميشال صابان الإبقاء على مهمة قاضي التحقيق واقترح بدل ذلك تقوية حقوق الدفاع و احداث قضاء جماعي خاص بالإيداع رهن الاعتقال. هذه النقطة الآخرة استمدتها المشروع من التعديل الذي اتخذه سنة1985 وزير العدل سابقا Robert BANDINTER.أما حضور المحامي خلال مرحلة الحراسة النظرية الذي يثار في العديد من المناسبات فانه تم استبعاده. ان مشروع قانون يستند على هذه الأسس سيقدم الى البرلمان الفرنسي خلال دورة الربيع المقبلة وستدخل المقتضيات القانونية الجديدة حيز التنفيذ ابتداء من فاتح يناير1993 أي قبل بضعة اشهر عن اصدار القانون الجنائي الجديد.

لقد عبرت السيدة MIREILLE DELMASE -MARTYرئيسة لحنة القضاء الجنائي وحقوق الإنسان في الاستجواب الذي خصت به الصحافة الفرنسية عن اسفها لكون المشروع المتخذ من طرف الحكومة يفتقر الى الجرأة والشجاعة. فوزراء العدل الذين تعاقبوا بساحة" فوندوم" طوال السنوات الأخيرة كان لديهم جميعا أمل تحقيق في يوم من الأيام اعادة تكييف و" نموذجة" التحقيق. لقد سبق ان لاحظ Robert BADINTER بان " التحقيق لم يعد يستجيب لمتطلبات هذا العصر" واختار سنة 1985 إعطاء الأفضلية للنظام الجماعي عن طريق خلق" غرف للحقيق" اما Albin CHALANDON فقد اقترح من جهته سنة 1987 احداث " غرف لطلبات منح السراح الموقف" بيد ان الاثنين باءا معا بالفشل: فسبب انعدام الوسائل والقناعة والإرادة السياسية ظلت هذه التعديلات المقترحة لفائدة الحريات ولتضييق الاعتقال الاحتياطي في طي النسيان . Michel SAPIN الذي وعد منذ التحاقه بالوزراء بتعديل " كبير وواسع". انكب منذ الربيع الأخير على التأملات والمشاريع والمقترحات المتراكمة خلال السنوات الاخيرة، وهو يتوفر على مؤهل للنجاح لم يكن متاحا أثناء محاولات التعديلات السابقة كالتقريرين المتمخضين عن لجنة Delmas MARTY - هذه اللجنة التي أحدثها ARPAILLAUGE Pierre سنة 1988 - سبق ان اقترحت قلب قانون المسطرة الجنائية باحداث " قاضي للحريات" ان التعديلات المذكورة كانت طموحة.

ان هذه الثورة المقترحة ليست مدرجة اليوم بجدول الأعمال، فبدل اللجوء الى قلب لقانون المسطرة الجنائية، آلام الذي يتطلب تعديلا لقانون النيابة العامة، اختارت الوزارة تكييف وملاءمة البنيات الموجودة مع تطوير الطابع الحضوري للمسطرة. الرهان واضح = يأمل السيد Michel SAPIN تغيير السلوك والذهنيات اثناء كل مرحلة من قانون المسطرة الجنائية، كبيرة ام صغيرة. وفصل وظائف البحث والوظائف القضائية المقترح من طرف لجنة Delmas- MARTY تم إذن التخلي عنه كما تم التخلي أيضا عن إدخال المحامي اثناء مرحلة الحراسة النظرية.

عمل جماعي

ان قطب ومحور التعديل الحالي المقترح من طرف Michel SAPIN هو اذن النظام الجماعي = بالاستناد على النظام الذي تصوره سنة 1985Robert BADINTER تقترح الوزارة اليوم أحداث بكل محكمة ابتدائية كبرى نظاما وهيئة جماعية تشمل كلا من قاضي التحقيق، ورئيس المحكمة او قاض منتدب من طرفه، وقاض اخر من قضاة الحكم للنظر في الإيداع رهن الاعتقال وتمديده كما ان" العمل الجماعي" لقضاة التحقيق سيتم علاوة على ذلك نهجه بخصوص القضايا المتشعبة، الصعبة، والخطيرة" ان أحداث هذا النظام الجماعي يفترض توفر الوسائل. ان الوزارة التي تمتنع عن اعطاء أرقام بشان المناصب التي سيتم احداثها ترى مع ذلك ان التعديل الحالي اقل تكلفة من حيث عدد المناصب المتطلبة من اقتراح Chalandon الذي كان يتطلب65 منصب قاض او من اقتراح Badinter الذي يتطلب حوالي 150 منصبا. ان التعديل الحالي سيخيب ما محالة ظن كل الذين كانوا يأملون خلال السنوات الاخيرة انقلابا حقيقيا لقانون المسطرة الجنائية، لان الهندسة الحالية للنظام تم الاحتفاظ بها.

هذا المشروع يذهب مع ذلك - وبوضوح - اكثر بعدا مما سبق ان اقترحه BadinterوChalandon = انه يضمن في الوقت ذاته حس جديدة يلتف حولها الإجماع والمتمثلة في إلغاء الامتياز القضائي، تعديل البطلان " صحيفة العالم الفرنسية بتاريخ 2 اكتوبر1991". ومقتضيات رمزية، وإلغاء النظام الحالي للاتهام " صحيفة العالم الفرنسية بتاريخ 17 اكتوبر1991" وتعديلين هامين: تعميق حقوق الدفاع واحداث هيئة قضائية جماعية يوجد من ضمنها قاضي التحقيق، كما ان الحراسة النظرية سيطالها بدورها تعديل طفيف بموجب هذا المشروع.

إلغاء الامتياز القضائي

ان القضاة والولاة " عمال الولايات" والولاة النواب والعمداء " العمدة أي رؤساء البلديات " وضباط الشركة القضائية يتابعون حاليا ويحاكمون من طرف هيئات قضائية تعينها الغرفة الجنائية لدى محكمة النقض [ 704 شكاية سنة 1990].

اما المشروع الحالي فينص على إخضاع " هؤلاء الأشخاص المحميين" لقانون المسطرة الجنائية العام الذي يسمح في جميع الأحوال من اجل التشكك المشروع او لفائدة حسن سير العدالة "هذا المقتضى الأخير سيعدل بكيفية تسمح باللجوء اليه بناء على مبادرة من كل الأطراف).

تعديل نظام البطلان

ان النظام الحالي الذي يؤدي أحيانا الى بطلان المسطرة من اجل مسائل شكلية بحتة ينجم عنه بطء وتعقيد بعض التحقيقات. لذا يفتح المشروع الباب للأطراف بمنحهم حق اثارة البطلان خلال سريان التحقيق " الدفاع والطرف المدني لا يمكنها حاليا القيام بذلك" وينشر بمجموع نظام المسطرة الجنائية النظام الحالي للملفات الجنائية من حيث تطهير البطلان قبل الجلسة".

إلغاء الاتهام

ان المشروع يفصل بين الاعلام بالأدلة " القرائن" ومباشرة حقوق الدفاع، وتضمن التنصيص على ثلاثة مراحل: " الوضع تحت الاختبار" الذي يسمح بمزاولة حقوق الدفاع منذ فتح التحقيق." الإدخال في الدعوى" عندما تكون القرائن واضحة ومتسقة " يمكن عندئذ إيداع الشخص رهن الاعتقال" و" الوضع موضوع الاتهام" عند إنهاء التحقيق. اما مصطلح " الوضع خارج الدعوى" فحل محل مصطلح عدم المتابعة.

من بين 73649 اتهام صدر بشأنها سنة 1990.

7762 أمر بعدم المتابعة أي نسبة 11,12 %.

تقوية حقوق الدفاع

يقترح المشروع نشر حقوق الدفاع والطرف المدني خلال إجراءات التحقيق وسيكون بوسعهما معا الحق في ان يطلبا من قاضي التحقيق القيام ببعض التحريات " سيما محاضر الاستماع والخبرات ". والأمر الذي يصدر قاضي التحقيق بهذا الشان يجب ان يكون معللا مع قابلية الطعن فيه بالاستيناف الأمر غير المسموح به حاليا.

إحداث هيئة قضائية جماعية للوضع رهن الاعتقال وتمديده

هذه الهيئة يؤسسها رئيس المحكمة، وتشكل من رئيس المحكمة او قاض منتدب من طرفه ومن قاضي التحقيق المكلف بالقضية وقاضي من قضاة الحكم. ان حضور قاضي التحقيق ضمن هذه التشكيلية تم تبريره حسب رأي الوزارة بانه " الأكثرية قدرة" على إفادة زملائه حول سير القضية الرائجة. وأوامر هذه الهيئة الجماعية ستكون قابلة للاستيناف امام غرفة الاتهام.

العمل الجماعي لقضاة التحقيق

هذا العمل سيتخذ بخصوص القضايا " المتشعبة، الصعبة والخطيرة"اذ يمكن اثرها لقضاة التحقيق العمل جماعيا منذ فتح التحقيق ويعين أذاك الرئيس واحدا او اثنين او ثلاثة من قضاة التحقيق وكذا أثناء سريان التحقيق مع استصدار موافقة قاضي التحقيق المكلف بالقضية لتعيين الآخرين.

تعديل إجراء الحراسة النظرية

يقترح المشروع تحديد معيار شرعي للوضع رهن الحراسة النظرية عند البحث التمهيدي من اجل ملاءمة " تناغم" الشروط الموضوعية الخاصة بتمديد فترة الحراسة النظرية وكذا عند التلبس بالجريمة. والشخص المودع قيد الحراسة سيكون بوسعه ان يطلب إخضاعه لفحص طبي منذ بداية هذا التدبير وقبل الاستماع إليه وسيتم اخبار السلطة القضائية" دون اجل بالوضع تحت الحراسة".

le mondeعن

du jeudi 21 novembre 1991 page 13

موقف دفاعي

خطورة جديدة في ميدان الحريات

في مقاله المنشور بصحيفة" العالم" الفرنسية عدد 21/11/91 الموما اليه ركز Michel SAPIN على ان الاتهام يعد اعتداء مشينا على مبدأ البراءة. والمفارقة حسب رأيه انه لكي يستفيد الشخص من حقوق الدفاع يجب ان يكون متهما.

1- ان مكافحة المخدرات تجند من اجلها كل الطاقات لكن يكفي نقصان إمضاء بأسفل وثيقة ليتم الإفراج عن المهربين بالجلسة.

2- يتطلب الامر ثلاثة قضاة للحكم على سارق بطاطس بغرامة قيمتها 500 فرنك.

3- بينما قاضي تحقيق منفرد يمكنه ان يضع ولمدة اشهر شخصا رهن الاعتقال الاحتياطي.

4- يجب توفر شروط وظروف دقيقة ليتسنى لعناصر الشرطة مراقبة تحديد الهوية لكن يكفي التمسك " بضرورة البحث" لإخضاع الشخص للحراسة النظرية لمدة 24 ساعة.

أنها أربعة أمثلة قدمها Sapin للتدليل على التناقضات التي تشوب النصوص الفرنسية وعدم كفايتها بالنظر الى حقوق الإنسان وحسن سير العدالة . وبالإمكان في رأيه الاستشهاد بأمثلة اخرى. هذه القواعد هي مع ذلك مضمنة بقانون المسطرة الجنائية الذي يجب ان يكون حسب Sapin " كتاب حماية الحريات".

وفي الوقت الذي يتابع فيه البرلمان الفرنسي فحص القانون الجنائي الجديد لتعديل اهم مقتضياته الأساسية فانه يرى ان الوقت حان أيضا للنظر في مشروع تعديل قانون المسطرة الجنائية. والتفكير في هذا المشروع انطلق منذ سنة1988 بمبادرة من الحكومة. ومنذ ذلك الحين بدا النقاش يتطور في جو من الإنصات والحوار وتبادل الرأي واصبح الآن الامر بأيدي المسؤولين السياسيين لاتخاذ القرار.

ان كل مشروع يتطلب توفر بوصلة " بوصلتي - يقول Sapin تسمى إعلان حقوق الانسان". ويرى ان المشروع يستهدف ضمان الحريات - احترام المساواة - قرينة البراءة - وحقوق الدفاع، وبخصوص البنيات ذاتها للتحقيق فان التعديل يستلهم القانون الذي هيأه سابقا Bdinter سنة 1985 = الابقاء على قضاء التحقيق- العمل الجماعي لقضاة التحقيق - احداث هيئة قضائية جماعية يناط بها البت في الاعتقال ويوجد من ضمنها قاضي التحقيق.

ان الهندسة التي تمت المحافظة عليها تمت بقدر كبير أيضا من الاقتراحات المستخلصة من أشغال أعمال اللجنة التي سبق ان ترأسها السيدة Delmas - Marty = تعديل الحراسة النظرية - الامتياز القضائي - البطلان - التوازن بين الأطراف اثناء سريان التحقيق.

ويضيف المشروع إلغاء فعل ولفظ الاتهام ويقترح استبداله بمسطرة اكثر احتراما لمبدأ قرينة البراءة.

ان اخر تعديل يتعلق بمجموع مراحل المسطرة الجنائية بدءا من الحراسة النظرية ووصولا الى الجلسة يعود الى سنة1897. منذ هذا التاريخ أصبحت ضرورة اتخاذ خطوة الى الأمام مدرجة بجدول الأعمال. بيد انه بالرغم من العديد من المحاولات فان تعديلات دقيقة هي التي ثم اتخاذها ليس الا.

الحقوق الأساسية للشخص

كان اذن من اللازم حسب Sapin فعل شيء ما. والمحاولة ذاتها تكتسي أهمية من" حجم كبير" والجدل اتخذ دورا وطابعا لاهوتيا بين أنصار الممارسة الاتهامية الانجلوسكسونية وانصار التقليد التحقيقي على الطريقة الفرنسية.

ويتساءل Sapin هل كان بالإمكان قلب النصوص والبنيات رأسا على عقب وتغييرها كلية وحذف مهام قاضي التحقيق ونقل التحقيق القضائي الى الضابطة؟

لقد خاطب في مقاله أولئك الذي يودون وضع التحقيق والمكلف به ( القاضي ) بالحضيض " الأسفل" ودعاهم ان ينكبوا على فحص أمثلة من خارج فرنسا. ان تغييرا من الحجم المطلوب " يقصد أنصار قلب النظام القضائي كلية" يعادل قلب مفاعلات طائرة في أعالي الجو ويرى انه أثناء التعديل يجب ان تواصل العدالة الزجرية سيرها ومهامها.

وإذا كان بفرنسا بعض رجال القانون يدافعون عن النموذج الجنائي الانجلوسكسوني فان Sapin يرى انه يكفي تجاوز البحر لسماع أعلى السلطات القضائية البريطانية نفسها تجيب بان خيرة رجالات قانونها هناك ينظرون نظرة احترام الى قضاة التحقيق بفرنسا ومسطرتها التحقيقية كما يرون في المناهج الفرنسية الأجوبة الممكنة والملائمة لما يثار لديهم من التساؤلات.

ويختمSapin مقاله بان يجب كل يوم استخلاص نتائج جديدة. وانه يجب استقبالا تحقيق مراحل أخرى بقصد تعميق الحريات والديمقراطية.

موقف نقد

في الاستجواب الذي خصت به الصحافة الفرنسية [العالم العدد أعلاه] عبرت السيدةMireille Delmas -Marty أستاذة بجامعة باريسI"السوربون" والتي كانت ترأس لجنة العدالة الجنائية وحقوق الانسان المؤسسة سنة 1988 والتي قدمت تقريرين اثنين بخصوص اصلاح القضايا الجنائية لوزير العدل سابق Pierre Arpaillange - أقول عبرت عن راي انتقادي لمشروع التعديل وترى انه يتضمن تدابير يخشى ان لا تتحقق أهدافها لانها مطعمة ببنيات صعبة التكييف والتوافق. ذلك ان المشرع كلما استهدف تعميق ضمانات التحقيق بفرض ضغوط " التزامات" جديدة على القاضي كلما تصاعدت آماد المساطر وكلما اصبح اللجوء الى التحقيق هامشيا وثانويا مما يعد مصدرا أوليا للعدد الضخم للاعتقالات الاحتياطية فنسبة القضايا المحالة على التحقيق بالنسبة لقضايا المتابعة انخفضت منذ 1960 من %20 الى اقل من %10. وبخصوص اكثر من%90 من القضايا الجنائية بوشر فيها البحث من طرف الضابطة والنيابة العامة أحيلت مباشرة على المحكمة من اجل المحاكمة.

ان السيدة Mireille تفضل بدل اللجوء الى تعديلات مدققة بخصوص مسائل تقنية ذات حساسية شديدة البدء بتحديد روح التشريع بالرجوع الى المبادئ الأساسية وهي بفرنسا عشرة: الشرعية- المساواة بين المتقاضين - الضمانات القضائية - الكرامة الإنسانية للشخص - حماية الضحية- قرينة براءة المتهم - احترام حقوق الدفاع - التوازن بين الأطراف - التعجيل بالمسطرة -التناسب ( التكافؤ).

وترىMireille ان توجيهات السياسة الجنائية حسب مشروع التعديل الجديد تفتقر الى الشفافية باعتباره يغيب بعضا من المبادئ الأساسية السالفة الذكر ومنها على الأخص مبدأ التعجيل بالمسطرة رغم ضرورة هذا المبدأ مما كان في رايها من اسباب ادانة فرنسا من طرف المحكمة الأوربية " استراسبورغ" لاتسام المساطر بمدد طويلة مقارنة مع الاتفاقية الأوربية كما ترى Mireille ان المشروع الحالي خال من النظرة الى الآفاق الاوربية وان فرنسا بوسعها في نظرنا ان تلعب دورا قياديا رائدا باقتراح مبادئ من شانها ان تصبح مشترك بين كل دول أوربا. وتمسكت من جهتها بأهمية التقرير الذي سبق ان اقترحته اللجنة التي ترأستها شخصيا وللتدليل على أهمية أوضحت بان نص التقرير المذكور سينشر بالإيطالية.

ويترجم الى الإنجليزية وان اعضاء قدامى من تلك اللجنة تم استدعاؤها من طرف عدة دول لتقديم الخطوط الرئيسية للتقرير.

وركزت السيدة Mireille في ختام كلمتها على انه الى جانب المبادئ الأساسية المشارة إليها اعلاه المحددة من طرف اللجنة التي سبق ان ترأستها فانه بزغت بأوربا فكرة تجاوز التعارض القائم بين النظام الاتهامي والنظام التحقيقي بقصد الإبقاء على الأفضل من كلا النظامين. فميزة النظام التحقيقي، أهمية المرحلة الإعدادية للدعوى ( القضية) والقواعد المحكمة الضابطة خلال هذه المرحلة للبحث والمحافظة على الأدلة وهو ما يقدره اليوم الانجليزيون. كما ان الفرنسيين يرون ان ميزة النظام الاتهامي تكمن في جعله القاضي حكما محايدا بفصل الوظائف القضائية عن وظيفة البحث مما يسمح بأعاد التوازن بين الاتهام والدفاع. ان هذا الاتجاه -تضيف Mireille - هو الذي يتنامى منذ حوالي 156 سنة بأوربا. ويجب عدم التفريط في فرصة إحداث تعديل طموح من اجل تجسيد نموذج اوربي للمسطرة الجنائية.

هوامش وملاحظات :

(1) ان القانون لكي يكون عادلا يجب تطويره باستمرار حتى يكون متلائما وما يطفو على السطح من مستجدات تفرض نفسها بإلحاح، على كل من المشرع والقضاء.

(2) ان المشروع الحالي لتعديل بعض نصوص المسطرة الجنائية يستند على مشاريع تعديل سابقة منها مشروع وزير العدل سابقا Robert Badinter وتقريري لجنة السيدة Mireille مع العلم انه سبق ان صدر أيضا بفرنسا قانون تحت رقم 643-70 مؤرخ في 17/7/1990 يستهدف ضمانات الحقوق الفردية للاشخاص باحداث تدابير بديلة يلتجئ إليها قاضي التحقيق سميت بتدابير " المراقبة القضائية" بدل اللجوء الى الاعتقال الاحتياطي وذلك بغية تقليص والحد من حدة وشدة الإكثار من هذا الأخير.

(3) ان دولة كفرنسا عندما يصدر بها مشروع قانون ذي أهمية تواكبه تغطية إعلامية واسعة وتبادر الصحافة الى نشره مذيلا بتعاليق من مشارب ومصادر مختلفة دفاعية وانتقادية تتوخى إبراز محاسن وثغرات النص في نقاش قانوني رصين يتخطى النظرة الحزبية الضيقة هو تقليد نرى انه قمين الاقتداء.

(4) ان السيد Robert Badinterالمشار اليه في هذا التعليق سبق ان شغل حسب علمنا رئيسا للمجلس الدستوري [اذ فرنسا كما نعلم تتوفر على محاكم عادية على رأسها محكمة النقض ومحاكم ادارية على رأسها مجلس الدولة ثم قضاءا دستوريا هاما يتمثل في المجلس الدستوري] وكذا رئيسا للأكاديمية الدولية للقانون الدستوري الكائن مقرها بتونس.

(5) بخصوص المحكمة الأوربية لحقوق الإنسان الموما إليها اعلاه نوضح انه سنة 1949 عمدت عشر دول أوربية غريبة الى تأسيس " مجلس أوربا" وفي السنة الموالية اصدر المجلس " اتفاقية حماية حقوق الإنسان والحريات الأساسية" وتقرر في هذه الاتفاقية إنشاء " لجنة أوربية لحقوق الإنسان" و"محكمة أوروبية لحقوق الإنسان" فهل لم يأت بعد الوقت لتأسيس محكمة عربية لحقوق الإنسان؟

(6) اتخذ المغرب مؤخرا بادرة تأسيس المجلس الاستشاري لحقوق الإنسان تمخضت عنه مقترحات بلور بعضها في نصوص قانونية وتشريعية كما انبثقت منه لجنة للمتابعة تمخض عنها اصدار مناشير تعنى باحترام الحقوق صادرة عن كل من وزارتي الداخلية والعدل فضلا عن عزم المغرب على إحداث قريبا محاكم ادارية لاستكمال دولة القانون ونوقش مؤخرا بلجنة التشريع بالبرلمان المغربي تعديل لمقتضيات الماديتين156 و406 من قانون المسطرة الجنائية يرمي الى الإفراج عن المتهم عند استيناف النيابة العامة لقرار الإفراج المؤقت المتخذ من طرف قاض التحقيق والمحكمة وهو تعديل يقوي من صلاحيات القضاء الجالس على حساب سلطات الاتهام وهو الاتجاه السائد باوربا كما أشير اليه أعلاه كما ان من شانه التخفيف من وطأة الاعتقال.

(7) للإحاطة بمبدأ قرينة البراءة وخصوصيات النظام الاتهامي على الطريقة الإنجليزية والنظام التحقيقي على الطريقة الفرنسية المشار إليهم في هذا التعليق نحيل القارئ على المؤلف الهام الذي هو عبارة عن رسالة دكتوراه المعنون " قرينة البراءة" la présomption d'innocence لمؤلفه الدكتور جلال السعيد.

(8) نختم هذا التعليق بالقول كل حرية اذا كان بفرنسا من يرون بان هذه الاخيرة بوسعها ان تلعب دورا قياديا على الصعيد الأوربي في مجال قانون المسطرة الجنائية وهو قانون حماية الحريات كما قيل والقانون الجنائي فإننا من جهتنا نرى ان المغرب الذي يشكل صلة وصل بين أوربا وافريقيا يتوفر على المؤهلات التي تخوله القيام بدور ريادي في الميدان القضائي عموما وذلك على صعيد المغرب العربي سيما في حالة متابعة ومواصلة إصلاح وضعية المحاكم العادية والإدارية منها وتعميقه استقبالا صلاحيات القاضي الدستوري" الغرفة الدستورية" ويمكن منذ الآن التنبؤ بان العشر سنوات المقبلة ستعرف مخاضا حيويا في مجالات التشريع وثراءا سيقع على القضاء عبء بلورته في اجتهادات قضائية تواكب وتساير المرحلة المقبلة.

* مجلة المحاكم المغربية، عدد 64-65، ص 43.

حق الافضلية

حق الافضلية

في نظام الملكية المشتركة للشقق

الاستاذ عبد العزيز توفيق

مستشار بالمجلس الاعلى

لدراسة حق الافضلية في نظام الملكية المشتركة للشقق يجب ان نمهد له بايجاز بقسم اول : نبحث فيه نظام الملكية المشتركة للشقق وتطوره بالمغرب، ونقسمه بدوره الى اربعة فصول :

* الفصل الاول : تعريف حق الملكية، عناصرها، انواعها .

* افصل الثاني : نظام ملكية الطبقات في الشريعة الاسلامية.

* الفصل الثالث : نظام ملكية الطبقات في قانون الالتزامات والعقود

* الفصل الرابع : نظام ملكية الطبقات حسب ظهير 16 نونبر 1946 كما وقع .

تتميمه وتغييره .

وندرس حق الافضلية في نظام الملكية المشتركة للشقق ونقارن بينه وبين الشفعة في العقار المحفظ في قسم ثان نقسمه بدوره الى ستة فصول :

* الفصل الاول : تعريف حق الافضلية .

* الفصل الثاني : التصرفات التي تبيح حق الافضلية .

* الفصل الثالث : الاشخاص الذين لهم حق الافضلية .

* الفصل الرابع : الاشخاص الذين تمارس حق الافضلية ضدهم

* الفصل الخامس : اجراءات حق الافضلية .

* الصفل السادس : مقارنة بين حق الافضلية وحق الشفعة في العقار المحفظ .

القسم الاول

الملكية المشتركة للشقق

الفصل الاول

تعريف حق الملكية

الملكية هي حق التمتع بالشيء، باستغلاله واستعماله والتصرف فيه، وفق ما تقتضيه القوانين والانظمة والاعراف من هذا التعريف يتبين ان عناصر الملكية في مفهومها الواسع، سواء كانت ملكية اموال عقارية، او ملكية اموال منقولة، او ملكية اموال معنوية ثلاثة : حق الاستعمال، حق الاستغلال، حق التصرف. والذي يهمنا في هذا الموضوع هي الاموال العقارية، اي الملكية العقارية التي تنقسم بدورها الى ثلاثة اقسام :

1- الملكية الفردية، والمفروزة : هي التي تعود لشخص واحد لا يشاركه فيها غيره، وهذه هي الملكية المقصودة لما نطلق كلمة " ملكية" بدون وصف، وهي الملكية التي كانت شائعة ولا تزال وان كانت في تناقض تدريجي .

2- الملكية الشائعة : هي التي تعود لافراد متعددين، اي ان ملكية الشيء ترجع لاكثر من واحد، سواء كانت هذه الملكية بنسب متساوية او بنسب مختلفة، ويكون كل مالك يملك في كل ذرة من الشيء المملوك بنسبة ما يملكه في العقار كله، الثلث، الربع

وقد نص الفصل 960 من قانون الالتزامات والعقود على انه " اذا كان الشيء او الحق لاشخاص متعددين بالاشتراك فيما بينهم وعلى سبيل الشياع، فانه تنشا حالة قانونية تسمى الشياع او شبه الشركة " فالملكية الشائعة اذن، هي التي يتعدد فيها ملاك الشيء دون تحديد لما يملكه كل شريك مع المجموع .

3- ملكية مفرزة في جزء ومشاعة في اجزاء اخرى منها. وهي ملكية حديثة العهد نسبيا تكون بملكية الشخص لجزء من العقار ملكية مفرزة فردية، وهي الشقة او الطبقة او المحل الذي يملك، ويمكن ان يكون الجزء المفرز شقة ادا كانت البناية مكونة من عدة طبقات والطبقة من اكثر من شقة او تكون طبقة، اذا كانت البناية مكونة من شقة واحدة في كل طبقة، وقد تكون متجرا او مصنعا في سفلي العمارة، فالمالك لكل من هذه الاجزاء يملكها وحده مفرزة مستلقة عن باقي الاجزاء الاخرى وعن باقي المالكين، ويملك في نفس الوقت شياعا مع غيره من ملاكي العمارة. الاجزاء الاخرى المعدة للاستعمال الجماعي المشترك كالممرات، والمصاعد، والسلاليم والافنية، والحدائق، والمرائب والاسطح وقواعد البناء .

وقد نص الفصل 856 من القانون المدني المصري على انه " اذا تعدد ملاك طبقات الدار او شققها المختلفة، فانهم يعدون شركاء في ملكية الارض وملكية اجزاء البناء المعدة للاستعمال المشترك بين الجميع". وبوجه خاص الاساسات والجدران الرئيسية والمداخل والافنية والاسطح والمصاعد والممرات والدهاليز وقواعد الارضيات، وكل انواع الأنابيب، الا ما كان منها داخل الطبقة او الشقة .

والحواجز الفاصلة بين شقتين تكون ملكيتها مشتركة بين اصحاب هاتين الشقتين". ويطابق هذا الفصل ما ورد في الفصل 860 مدني سوري والفصل 743 مدني جزائري، والفصل 1066 مدني اردني .

والملكية المشتركة للشقق اوالطبقات، هي ملكية وسط بين الملكية المفرزة، والملكية الشائعة، الا انها تتوفر على كافة عناصر الملكية من استعمال واستغلال وتصرف .

الفصل الثاني

ملكية الطبقات في الفقه الاسلامي

عرفت الشريعة الاسلامية الملكية المشتركة بالطبقات في ابسط صورها،

أي ملكية سفلي الدار، و

ملكية علوها، لان الابنية قديما لم تكن في الغالب تتعدى سفلي وطابق واحد فوقه، لان الحاجة لم تكن تدعو الى الاتجاه بالبناء اتجاها عموديا، لعدم الاكتضاض من جهة، ووفرة المساحات من جهة اخرى، وعدم التفكير في مصاريف مياه التطهير من جهة ثالثة .

وقد جاء في التحفة لابن عاصم (1) :

وجائز ان يشتري الهواء لان يقام معه البناء

-----------------

1- ابو بكر محمد بن عاصم الاندلسي المتوفي سنة 826 هـ .

-----------------

وكانت الشريعة الاسلامية تذهب الى استقلال ملكية السفلي عن ملكية العلوي، فمالك السفلي يملك وحده الارض والبناء عليها. ومالك العلوي يملك الوجه الاعلى من سقف السفلي والبناء الذي فوقه وحده كذلك وكانا بمثابة جارين لا شريكين، واوجبت على كل مالك منهما المحافظة على ما يملك وصيانته، وعدم الاضرار بالمالك الاخر، ولم تجز الشفعة في ملكية الطبقات لعدم قيام حالة الشياع بين ملاكيها (1) .

وقد جاء في المادة 1192 من مجلة الاحكام العدلية (2) .

" كل يتصرف في ملكه كيف شاء لكن اذا تعلق حق الغير به فيمنع المالك من تصرفه على وجه الاستقلال، مثلا سفلي ملك لواحد وفوقاني للاخر، فلصاحب الفوقاني حق القرار في التحتاني، ولصاحب التحتاني حق السقف في الفوقاني، وليس لاحدهما ان يفعل شيئا مضرا الا باذن الاخر، ولا انه يهدم بناء نفسه" .

وقد جاء في المادة 1193 : "اذا كان باب الفوقاني والحتاني من الجادة واحدا فصاحبا المحلين يستعملان الباب مشتركا، فلا يسوغ لاحدهما ان يمنع الاخر من الدخول والخروج".

وجاء في المادة 1315 من نفس المجلة : " اذا تهدمت الابنية التي فوقانيها لواحد، وتحتانيها لاخر اواحترقت، فكل واحد يعمر ابنيته كما في السابق ، ليس لاحدهما ان يمنع الاخر، ويقول صاحب الفوقاني لصاحب التحتاني، عمر ابنيتك لاركب انا بابنيتي عليها، فاذا امتنع صاحب التحتاني، يستاذن صاحب الفوقاني الحاكم، وينشئ الابنية الفوقانية والتحتانية ويمنع صاحب التحتاني من التصرف حتى يعطيه حصة مصرفه" .

-----------------

1) ابو الحسن علي التسولي المتوفي سنة 1258 هـ البهجة في شرح التحفة لابن عاصم ص 2 ص 14 -1951

2) مجلة الاحكام العدلية، اول مدونة استحدثت في العالم الاسلامي تنظم المعاملات المالية بما فيها اجراءات الدعوى على شكل تقنين حديث وضعت في الدولة العثمانية سنة 1293 هـ على مذهب الامام ابي حنيفة المذهب الرسمي للدولة العثمانية، واستمر العمل بها في الدول العربية التابعة للدولة العثمانية، وكان اخر دولة عربية عدلت عنها هي الاردن سنة 1978 وتقع المجلة في 1851 مادة

الفصل الثالث

ملكية الطبقات في قانون الالتزامات والعقود

لم يتطرق قانون الالتزامات والعقود الى الملكية المشتركة للطبقات او الشقق، لا ن الحاجة وقت صدوره " 12 غشت 1913" لم تكن تدعو اليه، بل ولا حتى محتملة، لان عدد سكان المغرب، وقتها لم يكن يتجاوز الخمسة ملايين، وكانت نسبة سكان القرى والبوادي منهم تتعدى 80% من مجموع ساكنة المغرب. كما كان عدد الاجانب المقيمين بالمغرب قليلا جدا ويقطنون المدن الساحلية، بل وحتى فرنسا نفسها لم تسن قانون ملكيات الشقق والطبقات الا سنة 1938 .

واكتفى مشرع قانون الالتزامات والعقود في هذا الشان وعلى غرار ما ورد في الشريعة الاسلامية بالنص على ملكية دار مكونة من سفلي وعلوي، فقد نص الفصل 483 منه على انه " يقع صحيحا بيع جزء محدد من الفضاء الطليق اوالهواء العمودي الذي يرتفع فوق بناء قائم فعلا، ويسوغ للمشتري ان يبني فيه بشرط تحديد طبيعة البناء وابعاده، ولكن لا يسوغ للمشتري ان يبيع الهواء العمودي الذي يعلوه بغير رضى البائع الاصلي " فهذه الاشارة الوحيدة التي وردت في قانون الالتزمات والعقود للملكية المشتركة بالطبقات.

الفصل الرابع

ظهير 16 نونبر 1946 المنظم للملكية المشتركة

للشقق كما وقع تتميمه

لم يعرف ظهير 16

نونبر 1946 المنظم للملكية المشتركة للشقق هذا النوع من الملكية، وحسنا فعل، لان وضع التعاريف من اختصاص الفقه والقضاء اللذين يواكبان تطور الحياة ومستجداتها ومتغيراتها وتقلباتها الاحوال الاقتصادية وتطور الياتها،

ولان تعريف المشرع يجعل المعرف جامدا ويسكبه في قالب يصعب على الفقه والقضاء اختراقه تحت ستار " لا اجتهاد مع ورود النص" والتشريع بطبيتعه يسير ببطء كبير، بينما الفقه والقضاء كما تقدم يواكبان الحياة ويعيشانها .

ويكون القضاء ملزما بالفصل في النزاعات المعروضة عليه وفق ما تقتضيه العدالة فيظطر الى تاويل وتفسير النصوص القانونية الجامدة وفق ما يحقق المحافظة على الحقوق وايصالها الى ذويها .

موضوع تطبيق الملكية المشتركة للشقق .

بمقتضى الفصل الاول من ظهير 16 نونبر 1946 المعدل بظهير 7/7/1956 فان مقتضيات هذا الظهير لا تطبق الا على العقارات المحفظة او التي هي في طور التحفيظ، ولا نحتتاج الى اضافة تخصيصها بالاحياء الاوربية والمغربية من المدن الجديدة كما ورد في الفصل المذكور، لانه بحمد الله بعد استقلال المغرب، اصبحت الاحياء كلها مغربية .. واصبحت مقتضيات هذا الظهير تطبق على كل العقارات المحفظة او التي في طور التحفيظ اينما كانت سواء في المدن القديمة او الحديثة، وسواء في الاحياء القديمة او الجديدة. ان نظام الملكية المشتركة للشقق يشير الى ملكية الارض التي تبنى عليها الطبقات لملاكيها، اي ان الارض تكون في ملكية الباني، سواء كان فردا او شركة، وتصبح هذه الارض بعد الشقق وبيعها للملاكين ملكا شائعا بينهم كبقية الاجزاء المشتركة، ولكن الا يمكن ان تبنى هذه الشقق وبنفس النظام على ارض مكراة كراء طويل الامد، وهو كما نعلم حق عيني حسب ما نص عليه الفصل 87 وما بعده من ظهير 19 رجب 1333 هـ المطبق على العقار المحفظ، مع اداء ملاك الشقق اجرة كراء الارض الى مالكها بواسطة اتحاد الملاك، شرط ان تكون عقد بيع هذه الشقق تنص على ذلك بوضوح، فاذا كان الاصل هوالجوار فانه ليس هناك ما يمنع من اقامة ملكيات الشقق على ارض مكراة مقابل اداء كراء بسيط وفي هذا تشجيع للناس على اقتناء هذه الشقق، لان ثمن الارض اكبر بكثير من تكلفة بناء الشقق، ولان هذا النوع من الملكية معروف في الشريعة الاسلامية تحت اسم، ( حق الزينة) الذي قوامه حيازة اغراس او بناءات او اقامتها على ارض مملوكة للغير مقابل اداء كراء لمالك الارض، وغالبا ما تكون ملكية هذه الارض هي الاحباس التي يصعب عليها استصلاحها او بناؤها، مقابل كراء بسيط ويكون الكراء على وجه التبقية أي على الدوام، ولا يمكن للمكري ان يطلب افراغ المكتري الا برضى هذا الاخير (1)، وهو ما قننه ظهير 19 رجب 1333 تحت اسم حق السطحية، الفصل 97 من الظهير .

-------------------

1) محي الدين علم الدين : نظام الكراء بالمغرب ص 77 ط 1986. ابن معجوز الحقوق العينية في الفقه الاسلامي والتقنين المغربي ص 409 ط 1990 .

-----------------

القسم الثاني

حق الافضلية

في نظام الملكية المشتركة للشقق

الفصل الاول

تعريف حق الافضلية

حق الافضلية في نظام الملكية المشتركة للشقق هو حق اتحاد الملاك او احد الملاكين او بعضهم في الحلول محل المشتري الاجنبي الذي يشتري شقة او محلا خاضعا لنظام الملكية المشتركة، بعد اداء ثمن الشراء والمصاريف، وهو بمثابة حق الشفعة في العقار الشائع كما سنتعرض له في حينه .

والمشرع المغربي، وعكس المشرعين العرب الذين اخذوا بنظام الملكية المشتركة، شرع حق الافضلية، واعطى الحق لاتحاد الملاكين كمؤسسة او لاحد الملاك او لبعضهم وان يحل محل المشتري الاجنبي عن الاتحاد، والذي حمل المشرع المغربي على اقرار حق الافضلية في الملكية المشتركة، بالاضافة الى تجدر هذا النظام في الشريعة الاسلامية، هو دفع الضرر المتوقع من دخول شخص اجنبي عن الملاكين، فاذا كان الضرر متوقعا من دخول شريك جديد في الاراضي الفلاحية مثلا او في العقار المبني، فانه يكاد يكون محققا وبصورة اكبر في ملكية الطبقات التي تحتاج دوما الى تعاون الملاكين والتزامهم بالتعهدات التي يفرضها اتحاد الملاك على اعضائه لحسن تسيير الملكية المشتركة والانتفاع بها على احسن وجه واكمله والمحافظة على العقار وملحقاته واستعمال حق الافضلية في ملكية الطبقات قليل جدا الى درجة اني لم اعثر في 400 قرار من قرارات المجلس الاعلى الصادرة في الشفعة الا على قرارين اثنين هما : القرار رقم 681 صدر في الملف عدد 68465 بتاريخ 29 غشت 1979، والثاني تحت عدد 1680 صدر بتاريخ 11 شتنبر 1996 في الملف عدد 3229/89 .

الفصل الثاني

التصرفات التي تبيح ممارسة حق الافضلية

من الرجوع الى الفصل 27 من الظهير نجده ينص على انه "اذا وقع بيع او مزايدة بصورة ارادية او بامر قضائي لفائدة شخص اجنبي عن اتحاد الملاك، فعلى الطرف المستعجل ان يعلم الاتحاد برسم التفويت بواسطة رسالة مضمونة مع الاشعار بالتوصل، ويلتزم الاتحاد باخبار الملاك المشاركين في الحال" .

اذن فالتصرف الذي يبيح استعمال حق الافضلية هو التصرف بعوض اي البيع سواء كان البيع رضائيا يتم بين المالك البائع والمشتري بعد اتفاقهما على الثمن وشروط العقد الاخرى، او كان قضائيا، بناء على طلب دائن المالك الذي يحدد فيه الثمن بالمزايدة العلانية التي تقع بواسطة جهاز كتابة الضبط، حيث يرسو البيع على اخر مزايد، ويكون السوق في هذه الحالة هو الذي يحدد ثمن البيع. ففي هاتين الحالتين : البيع الرضائي او القضائي، يحق لاتحاد الملاك او لاحدهم او لبعضهم ان يباشر حق الافضلية، ويحل محل المشتري الاجنبي عن الاتحاد بعد ان يؤدي ثمن الشراء ومصاريفه .

اذ يمكن للاتحاد. كشخصية معنوية ان يقرر ممارسة حق الافضلية على احدى الشقق او احد المرائب والحلول محل المشتري الاجنبي، لاستعمال هذه الشقة اما مكتبا لاجتماعاته او دارا لحضانة اطفال اعضاء الاتحاد، او لاقامة الحفلات والاعراس التي يقيمها اعضاء الاتحاد او مرابا لسياراتهم الا انه في الواقع العملي يصعب استعمال هذا الحق من طرف اتحاد الملاك لاسباب منها عدم توفره على رصيد يسمح له باستعمال هذا الحق. كما لا يمكنه ان يستعمله لصالح احد اعضائه لانه في استطاعة كل عضو ان يباشر حق الافضلية على الشقة المبيعة .

اذا كان الفصل 27 المذكور نص على امكانية حق استعمال الافضلية في حالة البيع، فهل يمكن استعماله في حالة المقايضة، وهي الحالة التي يقع فيها استبدال عقار بشيء اخر، كان يقايض احد الملاكين بالشقة التي يملكها والخاضعة لنظام الملكية المشتركة بمتجر او مصنع او ارض فلاحية او شاحنة او ناقلة يملكها المقايض الاخر، اي في الحالة التي يكون فيها التزام كل طرف تسليم شيء معين، فاذا كان الفصل 27 المذكور، يحدد استعمال حق الافضلية في البيع فانه لا يمكن التوسع فيه، ليشمل كل نقل لملكية الشقة، بعوض ولو لم يكن مبلغا من المال، لكن في حالة المقايضة، فانه لابد من الاشارة الى الثمن المتفق عليه لكل من العوضين، والذي على اساسه نستخلص رسوم التسجيل، التي لابد من ادائها عند نقل ملكية كل حق عيني. ورسوم القيد في الرسم العقار، فمن هنا تطل علينا حق الافضلية، ويكون من حق اتحاد الملاك او احدهم او بعضهم استعمال حق الافضلية بالثمن المحدد في عقد المقايضة مع مصاريفه.

وقد استثنى الفصل 27 المذكور، في فقرته الثالثة من استعمال حق الافضلية في حالة البيع القضائي بشرطين اثنين .

الاول : ان يقع البيع بطلب من احدى شركات القرض العقاري في حالة عدم اداء مالك الشقة ما عليه من ديون لفائدة الشركة المقرضة، سواء كان المقرض بنكا او شركة او منظمة للقرض تعمل تحت مراقبة الدولة وبترخيص منها .

الثاني : ان يكون الثمن المحصل عليه من البيع بالمزايدة لا يغطي الدين الذي للمقرض على المقترض مع فوائده والمصاريف التي يتحملها المقرض بسبب اجراءات البيع والمطالبة به .

فاذا تحقق هذان الشرطان معا كان من حق المقرض استعمال حق الافضلية، وان يحل محل المشتري وفي هذه الحالة لا يلزم المقرض باداء كل الثمن لانه هو المستفيد منه وهو البائع ولكن يدفع فقط رسوم التسجيل، ومصاريف الاشهار والمزايدات واذا لم يستعمل المقرض هذا الحق عند توفر شروطه، كان من حق الاتحاد او احد اعضائه ان يستعمل حق الافضلية .

لكن اذا كان البيع قضائيا بالرغم من ارادة المالك وبطلب من مؤسسة بنكية ليست ممن ذكر اعلاه ، اي بسبب ديون لم تستعمل في تمويل شراء الشقة، هل يمكن لهذا الدائن ان يستعمل حق الافضلية على الشقة المبيعة، نعتقد ان استعمال حق الافضلية من طرف الممول وضع لمصلحته، ولا يمكن لهذا الدائن ان يستعمل حق الافضلية على الشقة المبيعة، نعتقد ان استعمال حق الافضلية من طرف الممول وضع لمصلحته، ولا يمكن ان يستفيد منه غيره اذ هي رخصة والرخصة لا يتوسع فيها .

الحق لكل شريك في ان يشفع ما بيع في شركته حتى ولو كان المشتري شريكا مثله الا ان الفرق الذي وضعته الشريعة هو ان المشتري الشريك المشفوع منه تترك له حصة بقدر ما يملك في العقار المشفوع جزء منه والاجنبي يؤخذ منه كل ما اشتراه، وقد قضى المجلس الاعلى بان " الفقه الاسلامي لا يمنع الاخذ بالشفعة من يد الشريك والشفعة من الاجنبي، الا من حيث اثرها فبالنسبة للاجنبي يؤخذ منه المبيع كله، بينما بالنسبة للشريك يترك له جزء من المبيع في حدود حصته التي كان يملكها قبل الشراء المشفوع" قرار عدد 322 صدر بتاريخ 26/4/78 ملف 6094 (1) .

الثاني : الاجنبي غير شركات القرض العقاري الممول للشقة المبيعة بالشروط المنصوص عليها اعلاه .

فاذا وقع بيع الشقة لاحد من هؤلاء كان من حق الاتحاد او احد اعضائه ممارسة حق الافضلية والحلول محل المشتري بعد اداء الثمن والمصاريف والا امتع حق ممارسة الافضلية .

الفصل الخامس

اجراءات ممارسة حق الافضلية

نص الفصل 27 من الظهير على انه " اذا وقع بيع او مزايدة بصورة ارادية او بامر قضائي لفائدة شخص اجنبي عن اتحاد الملاك المشاركين فعلى الطرف المستعجل ان يعلم الاتحاد برسم التفويت بواسطة رسالة مضمونة مع الاشعار بالتوصل ويلتزم الاتحاد باخبار الملاك المشاركين في الحال" .

1- اذا وقع بيع شقة خاضعة لنظام ملكية الطبقات، سواء كان البيع رضائيا او قضائيا وجب على الطرف المستعجل ان يشعر اتحاد الملاك المشاريكن بالبيع، والمقصود بالطرف المستعجل هو المشتري الذي يهمه الامر وهو المرشح لان يؤخذ منه ما اشتراه. اما البائع، فقد فرغ من المبيع واخذ ثمنه .

وهذا الاشعار يجب ان يوجه الى اتحاد الملاك المشاركين، وهي المؤسسة ذات الصفة في تمثيل الملاك المشاركين، وفي اشعارهم بوقوع البيع وشروطه، والاعلام يكون

---------------

1) عبد العزيز توفيق : قضاء المجلس الاعلى في الشفعة خلال اربعين سنة ص 28 ط 1999 .

---------------

برسالة مضمونة مع الاشعار بالتوصل كما ينص على ذلك الفصل 27 اوباشعار غير قضائي بواسطة الاعوان القضائيين ويبعث صحبته نسخة او صورة من عقد الشراء مع بيان جميع المصاريف التي انفقها المشتري في الشراء من رسوم التسجيل والقيد في الرسم العقاري واجرة السمسار وتحرير العقد، على ان تكون كل هذه المصاريف ثابتة بوثائق وقد قضى المجلس الاعلى " باب الشفيع ليس ملزما الا بعرض وايداع الثمن والمصاريف الثابتة لاغير قرار 1792 بتاريخ 10/7/1990 (1) .

يقوم السنديك نيابة عن الاتحاد باشعار جميع الملاكين اعضاء الاتحاد في اقرب وقت، والمشرع لم يضع شكلا خاصا لهذا الاشعار كما فعل في اشعار الاتحاد من طرف المشتري، فيمكن ان يكون برسائل عادية ويمكن ان يكون بمذكرة يوقع عليها كل الملاكين، ويكون من حق الاتحاد او بعض الملاكين او احدهم ان يمارس حق الافضلية وابتداء من تاريخ توصل الاتحاد لا من تاريخ توصلهم باشعار " السنديك"

يتعين على من اراد استعمال حق الافضلية :

ان يقوم باشعار المشتري برغبته في الحلول محله، وهذا الاشعار يكون برسالة مضمونة مع الاشعار بالتوصل او باشعار بواسطة الاعوان القضائيين .

2- ان يعرض ثمن الشراء ومصاريف العقد المحددة في الاشعار والوثائق المرفقة به على المشتري، ويتعين ان يكون الثمن كاملا يشمل جميع ما خرج من يد المشتري والا سقط حق الشريك في ممارسة حق الافضلية، فقد قضى المجلس الاعلى " بان الايداع الناقص لما خرج من يد المشتري المشفوع منه يعتبر كان الموضوع لم يكن قرار عدد 5354 بتاريخ 24 اكتوبر لملف 3639/91 (2). فاذا امتنع المشتري من تسليمها، اودعها الشريك باسم المشتري في صندوق المحكمة وسجل دعواه في الموضوع، واذا لم يقم طالب حق الافضلية باشعار المشتري وعرض الثمن عليه او ايداعه في حالة رفضه داخل شهرين ابتداء من تاريخ توصل الاتحاد بالاشعار سقط حقه في استعمال الافضلية .

-------------------

1- عبد العزيز توفيق م س ص 90 .

2- عبد العزيز توفيق م س ص 155

.

-------------------

اذا لم يقم المشتري باشعار الاتحاد بشرائه، فان استعمال حق الافضلية من طرف الاتحاد او احد الشركاء، يسقط بمضي سنة واحدة ابتداء من تاريخ تسجيل الشراء في الرسم العقاري للشقة المبيعة .

اذا قام مشتر شقة خاضعة لنظام الملكية المشتركة باشعار بعض الملاكين المشتركين بشرائه، ولم يشعر اتحاد الاملاكين، هل يعتبر هذا الاشعار بداية لاجل ممارسة حق الافضلية، اي هل يكون له اثر لتحريك اجل الشهرين اولا .

نعتقد انه لا اجتهاد مع النص، فالفصل 27 نص على ان الطرف المستعجل يعلم الاتحاد برسم التفويت .. ويلتزم الاتحاد باشعار الملاكين فما دام الفصل اوجب ان يكون الاشعار للاتحاد فان الاشعار اذا وقع لغيره يعتبر كان لم يكن، حتى بالنسبة للشخص او للاشخاص الذين وقع اشعارهم وقد قضى المجلس الاعلى في قراره عدد 623(1) بتاريخ 30 يناير 1996 الملف المدني عدد 3079/90 انه " اذا حدد المشرع طريقا خاصا لبداية اجل ما يتعين ليسري هذا الاجل ويعطي اثره القانوني ان تحترم المسطرة التي حددها القانون، كماقضى في قرار تحت عدد 681(2) بتاريخ 9 مارس 1979 في الملف المدني عدد 68465 بانه " يجب ان يبلغ البيع الى اتحاد الملاكين فلا يكفي مجرد العلم والا فان اجل الشفعة يمتد الى سنة كاملة تبتدئ من تاريخ تسجيل البيع على الرسم العقاري ( وبذلك فان اجل ممارسة حق الافضلية يبقى قائما لمدة سنة ابتداء من تاريخ تسجيل الشراء والرسم العقاري للعقار المبيع .

الفصل السادس

مقارنة بين حق الافضلية وحق الشفعة

ان اجراءات ممارسة حق الافضلية هي نفسها المطبقة في ممارسة حق الشفعة في العقار المحفظ مع بعض الاختلاف نجمله في ما يلي :

1) اجل ممارسة حق الافضلية هو شهران اثنان في حالة قيام المشتري باشعار اتحاد الملاكين بالشراء مع بيان الثمن والمصاريف يبتدئ هذا الاجل ن تاريخ توصل

--------------

1- عبد العزيز توفيق م س ص 164 .

2- عبد العزيز توفيق م س ص 36 .

------------

الاتحاد بهذا الاشعار بينما يكون اجل الشفعة في العقار المحفظ في حالة اعلام الشركاء والثمن والمصاريف بعد تسجيل الشراء في الرسم العقاري هو ثلاثة ايام فقط ومن تاريخ توصل كل من الشركاء بالرسالة المضمونة مع الاشعار بالتوصل شخصيا، ولا يعني التوصل بواسطة الغير وقد قضى المجلس الاعلى بان " اجل الثلاثة ايام المنصوص عليها في الفصل 31 من ظهير 2/6/1915 لممارسة حق الشفعة لا يسري الا اذا وقع التبليغ شخصيا للمعني بالامر فلا يكفي التبليغ الذي وقع في موطنه لاقاربه او خدمه"قرار عدد 474 بتاريخ 06/06/1979 (1).

وفي حالة حضور الشركاء مجلس العقد، فان اجل الشفعة هو شهران من تاريخ تحرير العقد بالنسبة لما نص عليه" الفصل 32 من ظهير 19 رجب 1333 ".

2) اجل كل من ممارسة حق الافضلية وحق الشفعة هو سنة واحدة ابتداء من تاريخ تسجيل الشراء في الرسم العقاري اذا لم يقم المشتري باشعار كل الشركاء في العقار بالنسبة للشفعة في العقار المحفظ وباشعار اتحاد الاملاكين بالنسبة لملكية الطبقات. فاذا انتهت هذه السنة سقط حق الشريك في استعمال كل من الشفعة او حق الافضلية .

3- حق الافضلية لا يمارس ضد الشريك في الاتحاد بينما يمارس حق الشفعة ضد كل مشتر ولو كان شريكه على ان يترك له نصيبا بقدر حصته في العقار قبل الشراء .

4- حق الافضلية يمارس من طرف اتحاد الملاكين او من طرف اي شريك، ولا يمكن ان يمارس من طرف كل الملاك، وعند التزاحم يلجا الى القرعة. اما في العقار المحفظ فان كل شريك ياخذ في العقار المشفوع بقدر حصته، وتراعى في الاخذ بالشفعة عند تزاحم الشفعاء حق الاولوية بين المسلمين الفصل 30 دجنبر 19 رجب 1333 هـ لقول خليل، وقدم مشاركه في السهم، وقد قضى المجلس الاعلى بان "حقوق الاولوية في ممارسة الشفعة يبقى العمل بها بين المسلمين وفق احكام الشريعة الاسلامية" قرار عدد 769 بتاريخ 2/5/1982(2). واذ لم يتمتع احد من الشركاء بهذا

----------------

1- عبد العزيز توفيق م س ص 34

2- عبد العزيز توفيق م س ص 47 ش

---------------

الحق قسم بينهم المبيع المشفوع كل بقدر حصته في العقار المشاع مع ترك نصيب المشفوع منه اذا كان شريكا، واذا لم يكن شريكا اخذ منه الكل .

5- في حق الافضلية يعرض ويودع ثمن الشراء والمصاريف من طرف المعين للاخذ بالشفعة بالقرعة وفي الشفعة فان كل راغب فيها عليه ان يعرض ويودع جميع الثمن والمصاريف، كانه هو الشفيع الوحيد والا سقط حقه في الشفعة .

وفي حالة الحكم له باستحقاقه شفعة جزء بقدر حصته، يرجع له مازاد على ثمن حصته ونصيبه في الصائر .

* مجلة المحاكم المغربية، ، عدد 86، ص 25 .

جريمة قتل الام لطفلها الوليد

جريمة قتل الام لطفلها الوليد

في القانون المغربي

ذ/ عبد الحفيظ بلقاضي

استاذ التعليم العالي

مقدمة

اسوة بالمشرع الوضعي في القانون المقارن، فقد كفل المشرع المغربي حق الانسان في الحياة وعاقب على جريمة القتل العمد في صورتها البسيطة بالسجن المؤبد. ومن الواضح ان هذه العقوبة ذات حد واحد مما يقيد السلطة التقديرية للقاضي في مجال تطبيقها بحيث لا يبقى امامه اذا ما اراد النزول عن هذا الحد الا اعمال مقتضى الفصل 146 م. ج. الذي يقرر الظروف القضائية المخففة اذا كان يوجد في ملابسات ارتكاب الجريمة او في درجة اجرام المتهم ما يبرر ذلك.

الا ان من الملاحظ ان جرائم القتل العمد لا تثير لدى الراي العام درجة واحدة من الاستهجان: فاذا كان بعضها مما يهتز له الشعور الجماعي بقوة ويبدي بشانه مزيدا من السخط والاستنكار اعتبارا لما صاحب الجريمة من ملابسات تفصح عن مدى استفحال النزعة الاجرامية لدى الفاعل او بالنظر الى الصفة الوحشية للوسائل المستعملة في التنفيذ مثلا. فان بعضها الاخر يرتكب في ظروف ينم تحليلها عن خضوع الفاعل لقوى معينة دفعته الى الجريمة دفعا مما يستدعي النظر الى مسؤوليته بعين التخفيف.

وامام هذا الاختلاف البين في الحالات المعروضة لا يجد المشرع الوضعي بدا من تنويع الجزاءات المستحقة وفق ما يقتضيه مبدا تفريد العقاب.

ومراعاة لهذا المبدا الاساسي في التجريم والعقاب، فقد تضمن القانون الجنائي المغربي في حالات محددة من القتل العمد النص على عدد من الظروف المشددة ترفع بها العقوبة من السجن المؤبد الى الاعدام، كما ورد النص في حالات اخرى، على بعض الاعذار القانونية المخففة يترتب على توافر شروط تطبيقها تقرير عقوبة اخف من العقوبة المقررة في المادة 392 . (1)

والاسباب التي راعاها المشرع الوطني تمتيعا للقاتل بالتخفيف تعود في اهم حالاتها اما الى عذر الاستفزاز ( المواد : 316 وما بعدها)، واما الى صفة معينة في الجاني، وهو ما يتحقق بالنسبة للام التي تقدم على ازهاق روح وليدها (م. 397/2).

والواقع ان جريمة قتل الطفل الوليد infanticide من اشد الجرائم ارتباطا باوضاع المجتمعات، سواء من جهة العادات والمعتقدات السائدة، او من جهة القوانين السارية (2).

--------------------------------------------------

1) ولا باس من بعض الاستطراد هنا للاشارة الى ان النظام الذي اتبعه المشرع المغربي في العقاب على القتل العمد في صورتيه البسيطة والمشددة يتسم بالصرامة البالغة، وهذا ما يتجلى بوضوح تام لدى مقارنة هذا النظام ببعض النماذج الاخرى في نطاق القانون المقارن كالنموذج الفرنسي او الاسباني :

- القانون الفرنسي الجديد العام 1994 افرد عقوبة السجن لمدة 30 سنة للقتل العمد في صورته البسيطة (م. 21/1)، وخصص للقتل المقترن باحد الظروف المشددة عقوبة السجن المؤبد (م 21/2-4) بل ان العقوبة الاصلية في حالة القتل العمد البسيط يمكن النزول بها، في حالات معينة، الى حدود السنتين سجنا مشمولتين بوقف التنفيذ.

- القانون الاسباني الجديد الصادر عام 1995 عاقب بالسجن من 10 الى 15 سنة القتل العمد في صورته البسيطة (م. 138)، وبالسجن من 15 الى 20 سنة في حالة اقتران القتل باحد الظروف المشدد المنصوص عليها في المادة 139، وبالسجن من 20 الى 25 في حالة اقتران الجريمة بظرفين او اكثر من ظروف التشديد (م. 140).

2) لم يتضمن القانون الروماني- الذي كان يعترف لرب الاسرة بسلطة مطلقة على افراد اسرته- نصوصا محددة بشان جريمة قتل الوليد، ولم تنل هذه الظاهرة اهتماما خاصا من المشرع في بعض البلاد الاوربية الواقعة تحت تاثير القانون الجرماني الا مع بداية العصور الوسطى حيث بدا النظر اليها باعتبارها صورة مشددة للقتل العمد ومعاقبا عليها باقصى عقوبة الا وهي عقوبة المحرقة.

بيد ان عددا من مفكري وفلاسفة الانوار ما لبث ان انتصب منددا بهذه المعاملة العقابية الرهيبة مسلطا الاضواء على الوضعية البدنية والنفسية الحرجة للمراة خلال فترة الوضع والنفاس، ومدافعا عن ضرورة شمولها بعين الرافة والاشفاق، وبالتالي الاقرار بتمتيعها بعذر مخفف من العقاب.=

-------------------------------

وينم استقراء التاريخ الحديث لهذه الجريمة، في نطاق القانون المقارن، عن كون التشريعات الوضعية قد اتجهت في العقاب عليها اتجاهات مهينة تراوحت بين عدم ايراد مقتضيات خاصة في هذا الشان اكتفاء بالنصوص الزاجرة للقتل العمد في صورته البسيطة او المشددة (في حالة اقترانه بسبق الاصرار)، وبين اعتبار وقوع القتل على طفل حديث العهد بالولادة نموذجا اجراميا مستقلا وقائما بذاته، تمثل صفة الضحية فيه عنصرا جديرا بالتشديد حينا، و بالتخفيف حينا اخر.

اما الدعوى الى التشديد فتجد سندها في ذلك الشعور بالسخط الاستنكار الذي يتولد تجاه من لا يتردد في القضاء على حياة كائن ضعيف ومجرد تماما عن وسائل الدفاع عن النفس، مما يتحمل المجتمع معه بواجب القيام بتوفير اسباب الحماية والرعاية الخاصة. بينما تتأسس الدعوة الى التخفيف على اعتبارات مفادها ان الام التي تدفعها الضرورة الى التخلص من وليدها انما هي اولى بالرحمة والاشفاق (1).

من هنا. تنوع المعاملة العقابية التي سادت الانظمة الوضعية، وذلك تبعا للزاوية التي ينظر من خلالها الى هذا النموذج الاجرامي الخاص : فاذا نظر اليه من زاوية الطفولة البريئة والمستضعفة وجب تغليظ العقاب على الجاني واعتبرت جريمته

------------------------------------------------

= وقد كتب الماركيز ( بيكاريا) في هذا السياق قائلا ( ليس قتل الطفل الوليد الا نتيجة ورطة لا يمكن دفعها. بحيث تكون المراة المستسلمة لحظة ضعف او الواقعة تحت وطاة اكراه، قد وجدت نفسها امام الاختيار المرير بين القبول بواقع العار والهوان او ازهاق روح كائن لما يتولد لديه الاحساس بعد بالم فراق الحياة، فكيف لها اذا ان تتجنب الانحياز للحل الثاني الذي من شانه تجنيبها هي و طفلها سيئ الحظ مغبة الشفاء المحتم ؟) انظر:

BECCARIA (c), Dei delitti delle pense, SXXXI, citato da :

ANTOLISEI (F) Manuale di diritto penale, partez speciale I, settima edizione a cura di L.

Conti, Milano Guiffré. Editore, 1977, n 14, p. 48, nota (14).

وانظر اكثر تفصيلا:

STANPA BRAUNC () Las corrientes huminatarias del siglo XVIII y su influencia en la concepcion del infanticido como «delictus exptus ». Anuario de derecho penal y Ciencias penales, Madrid, 1953, pp, 47 y seg.

(1GARRAUD (R), Traité théorique et pratique du droit pénal français, 3 éd. Recueil Si - rey 1953, T.V. n 1876, p. 182.

--------------------------------------------------------------

قتلا عمديا مشددا، واذا نظر اليه من زاوية الام الخاطئة والتي تلجئها الظروف الى التخلص من نتاج خطيئتها اخفاء للعار وحفاظا على الشرف عد الفعل قتلا مخففا.

ومراعاة لهذين الاعتبارين المتباينين لم يجد المشرع المغربي بدا من التنصيص في المادة 397 على تشديد عقوبة قتل الوليد كلما قارفه شخص من دون الام، وعلى تقدير عذر قانوني مخفف اذا كانت الام هي المساهمة في الجريمة بصورة اصلية او تبعية:

" من قتل عمدا طفلا وليدا يعاقب بالعقوبات المقررة في الفصلين 392 و393، على حسب الاحوال المفصلة فيهما.

الا ان الام، سواء كانت فاعلة اصلية او مشاركة في قتل وليدها، تعاقب بالسجن من خمس سنوات الى عشر. ولا يطبق هذا النص على مشاركيها ولا على المساهمين معها".

هذا، وستنصب معالجتنا للموضوع على دراسة مضمون الفقرة الثانية من هذه المادة، دون فقرتها الاولى التي لا تعدو ان تكون تطبيقا من تطبيقات القتل العمد البسيط او المشدد.

من هنا، كان اهتمامنا موزعا في هذا النطاق بين المحورين التاليين:

الرجوع الى المصدر الاصلي للنص كخطوة ضرورية في سبيل تحقيق مناطه (الفرع الاول)، من جهة، ثم تحليل الشروط التي يلزم توافرها اعمالا لمقتضاه (الفرع الثاني)، من جهة اخرى.

الفرع الاول: الاصل التاريخي للنص والعلة في تقريره

لما كانت المادة 397/2 ماخوذة عن القانون الفرنسي القديم، بكل ما طرا على هذا الاخير- على مدار قرن ونصف من الزمان- من تعديلات تشريعية متلاحقة، كان فهمها الدقيق رهينا برصد اهم ملامح التطور التي شهدها هذا الميدان ( اولا) كما ان تفسيرها السليم يظل مرتبطا بتحديد العلة الحقيقية في تقريرها (ثانيا).

اولا: التطور التاريخي لجريمة قتل الوليد

صدرت المدونة الجنائية الفرنسية الاولى خلوا من النص على جريمة قتل الوليد Infanticide وكان العقاب على هذه الحالة يتم اما على اساس القتل العمد البسيط او على اساس القتل العمد المقترن بظرف سبق الاصرار. اما المدونة النابوليونية الصادرة عام 1810 فقد اعتبرت هذه الجريمة جناية خاصة معاقبا عليها بالاعدام سواء أكان مرتكبها اما للضحية او احدا غيرها، وسواء اقترن ارتكابها بسبق الاصرار او لم يقترن. وبالنظر الى الشدة البالغة التي كانت تتسم بها العقوبة الواجبة التطبيق في هذه الحالة، من جهة، والى ان المحلفين غالبا ما كانوا يقعون تحت التاثير الشديد للظروف الدافعة للامهات الى التخلص من ولدانهن، من جهة اخرى، فان محاكم الجنايات كثيرا ما كانت تتراخى في تطبيق العقوبة المذكورة وتنطق ببراءة المتهمات الماثلات امامها.

وعلاجا لهذا الوضع، لم يجد المشرع الفرنسي بدا من التدخل بمقتضى القانون الصادر في 21 نوفمبر1901 الذي ميز في هذا الشان بين حالتين : حالة ارتكاب الجريمة من قبل شخص من الغير حيث كانت تطبق عقوبة القتل العمد البسيط او عقوبة القتل العمد المقترن باحد ظروف التشديد، وحالة ارتكاب الجريمة من قبل ام الضحية حيث كانت تطبق عقوبة مخففة تتمثل اما في الاشغال الشاقة المؤبدة ( بدلا عن عقوبة الاعدام) اذا ما اقترن القتل بسبق الاصرار، واما في الاشغال الشاقة المؤقت ( بدلا عن الاشغال الشاقة المؤبدة) اذا ما اتخذ القتل صورة بسيطة.

الا ان هذا الاصلاح لم يحقق اثره في الحد من ظاهرة تمادي المحاكم في تبرئة المتهمات او النطق في حقهن بمجرد عقوبات جنحية بسيطة. وامام هذا التساهل المفرط كان لزاما على المشرع التدخل ثانية من خلال القانون الصادر في 2 سبتمبر1941 الذي يعتبر بموجبه وصف جريمة قتل الوليد من جناية الى جنحة معاقب عليها بالسجن من ثلاث الى عشر سنوات مع حرمان مرتكبها من الاستفادة من وقف التنفيذ ومن الظروف القضائية المخففة على حد سواء(1).

الا ان هذا الاصلاح لم يتردد صداه ايجابيا لدى الاوساط المعنية، بل كان عرضة لنقد شديد من ناحيتين: من حيث انه مما يتنافى مع الاعتبارات الاخلاقية والقانونية النزول بواقعة ذات خطورة اجرامية بالغة الى مستوى الجنح، من جهة، ومن حيث ان هذا الاصلاح الذي اريد به الحزم والصرامة حيال هذا النوع من الجرائم سرعان ما افرغ من محتواه على اثر ما ادخل عليه من تعديلات بناء على القانون الصادر في 11 فبراي 1951 الذي اعاد للقضاء الزجري حريته كاملة في اختيار الجزاءات مما افسح المجال امام الجناة في جرائم قتل الوليد للاستفادة من نظام وقف التنفيذ فضلا عن الظروف المخففة، من جهة اخرى.

اما الحلقة الاخيرة في هذا المسار التطوري الطويل فتجسدت في القانون الصادر في 13 ابريل 1954 الذي اختار المشرع الفرنسي من خلاله الرجوع الى النظام الذي كان مقررا في ظل قانون 21 نوفمبر1901 مع فارق يتمثل في خضوع الام القاتلة لعقوبة مخففة واحدة وهي السجن من عشر الى عشرين سنة بغض النظر عن ارتكابها الجريمة بسبق اصرار او بدونه.

من هنا، فقد استقر الوضع النهائي، في ظل سريان المدونة الجنائية الفرنسية القديمة على تجريم قتل الوليد في احدى صورتين: صورة " محايدة (2) "NEUTREاذا كان مرتكبها احد الاغيار اما بصفته فاعلا او شريكا في قتل بسيط او قتل مقترن باحد ظروف التشديد ( م 300 ج. ف) صورة ( خاصة ( Spéciale(3) حيث تكون ام الوليد هي المقترفة للجريمة اما بصفتها فاعلة او شريكة في قتل مخفف ( م. 302/2 ج. ف ) (4).

------------------------------------------------

1) GARCON (E), op. Cit. Art. 300, n. 10 et s.

(2), (3) VITU (A), Droit pénal spécial … N. 2089, p. 1097.

4) هذا، وتجدر الاشارة الى ان المدونة الفرنسية الجديدة صدرت خلوا من كل اشارة الى جريمة قتل الوليد Infanticide سواء في صورتها المحايدة او الخاصة .

------------------------------------------------

وغني عن البيان ان هاتين الصورتين هما اللتان نقلهما المشرع المغربي في الفقرتين الاولى والثانية من المادة 397 من المدونة الجنائية.

ثانيا : علة تقرير العذر المخفف

يسود السياسات الجنائية الحديثة بشان جريمة قتل الام لوليدها اتجاهان رئيسيان: اتجاه يقرر العذر المخفف اعتبارا لباعث محدد وراء اقدام الام على الفعل قوامه اتقاء العار والتستر على الفضيحة بسبب الحمل الناتج عن علاقة جنسية غير مشروعة، ويمثل هذا الاتجاه كل من القانون الايطالي ( م. 578) والليبي (م. 373) والسوري الذي ينص في المادة 537 منه على انه ( تعاقب بالاعتقال المؤقت الوالدة التي تقدم اتقاء للعار، على قتل وليدها الذي حبلت به سفاحا).

وتخفيف العقاب يجد اساسه، في نطاق هذا الاتجاه، في اعتبارات معينة مؤداها الحرج الاجتماعي البالغ والشقاء النفسي المرير اللذان تقع فيهما الام التي تضع وليدها وضعا غير شرعي مما يدفعها الى التخلص منه تحريرا لنفسها من الشعور بالخطيئة.

اما الاتجاه الثاني فلا يشترط لقيام جريمة قتل الوليد سوى نية ازهاق الروح دونما تطلب لذلك القصد الجنائي الخاص الذي قوامه ارتكاب الجريمة بغرض التستر على الفضيحة. ومن القوانين الاخذة بهذا الاتجاه: القانون الفرنسي (القديم ) والقانون المغربي. ويقيم هذا الاتجاه تخفيف العقاب على اساس بعض الاعتبارات البدنية او الفزيولوجية: ان الام التي تتجاهل عاطفتها البديهية لتقضي على حياة وليدها غالبا ما تقدم على فعلها، وهي لا تزال تحت تاثير الاضطراب الجسمي والنفساني الناجم عن الوضع.

وبناء على ذلك، تتمتع الام بالعذر المخفف، في ظل القانون المغربي حتى في حالة وليدها الشرعي، وان كان هذا مستبعد الحدوث الا في حالات نادرة كولادة الطفل مشوها او رغبة الام في قطع علاقتها نهائيا بزوجها السابق (1).

----------------------------------

1) احمد الخمليشي : المرجع السابق، ص 68-69.

----------------------------------

الفرع الثاني : شروط تطبيق العذر المخفف

لما كانت جريمة قتل الوليد صورة معينة من القتل العمد كان لا بد لقيامها قانونا من ارتكاب فعل الاعتداء بنية القتل، من جهة (اولا )، ومن توجيه هذا الفعل ضد وليد، من جهة اخرى (ثانيا).

اولا: فعل الاعتداء المتضمن لنية القتل

قتل الوليد كغيره من صور القتل العمد يرتبط وجوده ماديا باتيان الجاني نشاطا يتحقق به فعل الاعتداء، ونتيجة اجرامية تتأدى في ازهاق روح الضحية، ورابطة سببية تحكم الصلة بين هذين العنصرين.

بيد ان ثمة اشكالا خاصا يثور هنا يتعلق بمدى التساوي في القيمة القانونية بين تحقيق الجريمة عن طريق الامتناع وتحقيقها بفعل الارتكاب، وبعبارة اخرى فان التساؤل يتعلق بمدى اعتبار التسبب في النتيجة الاجرامية بالوسائل الايجابية كالاقدام على قتل الوليد خنقا اوغرقا او باحدى الالات القاطعة او الواخزة معادلا في الاثر القانوني لاحداثها بالوسائل السلبية كالاحجام عن ربط الحبل السري للوليد او الامتناع عن ارضاعه وتغذيته او عدم بذل العناية الضرورية لاستمرار بقائه.

الواقع من الامر ان هذا الاشكال الخاص ليس الا امتدادا لتلك الاشكالية العامة التي تدور حول مدى جواز قيام جريمة القتل العمد قانونا- كمبدا عام- بمحض الترك او الامتناع (1).

ان السائد في بعض الانظمة الوضعية ان القتل العمد يقع بالترك او الامتناع كلما كان الممتنع ملتزما قانونا او طبقا لاتفاق خاص او بسبب فعله السابق برعاية المجني عليه او انقاد حياته.

------------------

1) راجع محاضراتنا في القانون الجنائي الخاص، مكتبة دار الامان، الرباط 2001، ص. 33 وما بعدها.

----------------

وتطبيقا للمبدا العام الذي يسود مثل هذه الانظمة والذي تتقرر بموجبه المساواة التامة في الوسائل المسخرة ترتيبا للنتيجة الاجرامية، لا يمانع جمهور الشراح في ايطاليا (1) واسبانيا (2) وسويسرا(3)، فضلا عن بعض البلاد العربية (4)، في قيام جريمة قتل الوليد باستعمال احدى الوسائل السلبية.

اما الراي الراجح في فرنسا فقها وقضاء (5) فيقول بان الجرائم الايجابية - والتي من بينها القتل العمد- تستلزم لقيام ركنها المادي ان يرتكب الجاني فعلا ايجابيا يؤدي الى تغيير ملموس في العالم الخارجي، وهو وازهاق روح انسان، ولا يمكن مساءلة شخص على ارتكابها اذا كان ما صدر عنه موقف سلبي او امتناع.

وعلى هذا فان تفسير نصوص القتل على نحو يؤدي الى شموله الفعل والامتناع يتضمن خروج عن مبدا شرعية الجرائم والعقوبات وتجاوزا لسلطات القاضي الجنائي في التفسير، فضلا عن استحالة اثبات العلاقة السببية بين الامتناع والنتيجة.

ويبدو ان هذا الاتجاه هو الاقرب الى موقف القانون المغربي (6) صحيح ان النشاط المادي الذي يتحقق به فعل الاعتداء قد جرت صياغته في عبارة واسعة (7)

---------------------------------

1) ANTOLISEI (F), op. Cit, n 14, p, 49

2) RODRIGUEZ DEVESA (j.M), dercho penal espanol. Sexta edicion, Madrid, 1975, p, 58

Guello GALON (E), derecho penal. Parte especial, 13 a ed. (Revisado y puesto al dia Por c. camargo hemandez), bosch, barcelona 1972, p, 517.

3) GRANVEN (j.) la répression de l'homicide en droit suisse, R.S.C., 1966, P 284.

4) محمد الفاضل: المرجع السابق، ص .417

جلال ثروت: المرجع السابق: رقم 203، ص. 267.

محمد رمضان بارة : قانون العقوبات الليبي، القسم الخاص، الجزء الاول : جرائم الاعتداء على الاشخاص، الدار الجماهيرية للنشر والتوزيع والاعلان، ط الثاني، 1993، ص.

5) VITU (A) ; Op Cit, ni 1703. P. 1367.

Rassat (M.L) ; Droit pénal spécial, Dalloz - Delta ; 1997, n. 239, pp. 243 -244.

ANGEVIN (H), juris - classeur pénal, art. 221-1 à 221-5, V° «Atteintes volontaires à la vie », 1995.

LEVASSEUR (G), Répertoire de droit pénal ; V° «Homicide », 1986, n. 7

6) راجع عكس هذا الراي :

احمد الخمليشي : المرجع السابق، ص 18 وما بعدها.

7) جاء في المادة 392 من المدونة الجنائية ان (( كل من تسبب عمدا في قتل غيره يعد قاتلا ))

----------------------------------

يوحي ظاهرها بان القتل العمد قد يقع بفعل ايجابي كما قد يقع بالترك او الامتناع. الا ان هذه الحجة اللفظية قاصرة الدلالة- في تقديرنا - للقول بتساوي الفعل الايجابي مع الترك او الامتناع، سيما وانه لا يوجد في القانون المغربي - كما هو الشان في القانون الايطالي او الالماني او الليبي مثلا - نص عام يقر المساواة بينهما ويعترف للامتناع بذات القيمة القانونية التي يعترف بها الفعل الايجابي. بل ان افراد المشرع المغربي نصوصا خاصة للعقاب على حالات محددة من الامتناع وهي الفصول 410 و430 و463 تنهض دليلا حاسما على عدم صلاحية انطباق المادة 392 على القتل المرتكب بنشاط سلبي .

فاذا تاكد لدينا من خلال التحليل الصادر من الامتناع عن عمل لا يصلح لقيام المسؤولية العمدية عن القتل، فان هذا الامتناع لا يصلح - من باب اولى - اساسا للعقاب على جريمة قتل الوليد بالنظر الى الصياغة التي افرغت فيها المادة 397 والتي حرص المشرع على تضمينها الاشارة الصريحة الى "فعل القتل" سواء في فقرتها الاولى او الثانية، مما يصبح معه الاستنتاج سائغا بان القتل يتضمن فعل ارتكاب وليس مجرد امتناع.

صحيح ان القضاء على حياة الوليد كثيرا ما يقع بالامتناع عن ارضاعه او حرمانه من العناية التي هو في حاجة اليها- كما سبقت الاشارة - الا ان المتابعة الجنائية لا تتم في هذه الحالة على اساس المادة 397/2، وانما بناء على تكييف قانوني اخر، قد يكون قتلا خطا (م. 432) وامتناعا عن تقديم المساعدة (م. 430 و431) او ترك الاطفال او العاجزين وتعريضهم للخطر( م. 459 وما بعدها ).

من هنا، فان جريمة قتل الوليد لا تتحقق الا بوسيلة ايجابية من شانها احداث الوفاة (1) والنيابة العامة هي التي تقيم الدليل على الصفة الايجابية للفعل استنادا الى تقرير الطب الشرعي.

--------------------------

1) في هذا المعنى: VITU (A), Op. Cit, n 2091, p 1698

LEVASSEUR (G) - Répertoire V° «Infanticide », 1968, n. 6 p 177

وانظر في معنى مخالف: 201 GARRAUD (R) , op. Cit. N. 1985, p.

GOYET(), Droit pénal spécial, 8e éd par Rousselet, Patin et Arpaillange, Dalloz 1968, n. 604, p 416.

--------------------------

بيد ان جريمة قتل الوليد لا تكتمل مقومات العقاب عليها قانونا بمجرد تحقق الركن المادي المتأدي في الاعتداء المميت، وانما يلزم بالاضافة الى ذلك توافر نية القتل animus necandi لدى الام الجانية. ويترتب على اشتراط هذه النية الخاصة ان مجرد الضرب او الجرح المفضي الى الموت دون نية احداثه يمثل حالة تقع خارج نطاق تطبيق الفقرة الثانية من المادة 397 المشار اليها، وان كانت هذه الحالة افتراضية بحتة على اعتبار انه لا يوجد ثمة ما يحمل الام او غيرها على الاعتداء على الطفل الوليد عمديا دون استهداف ازهاق روحه.

ومهما يكن من امر، فان النيابة العامة هي التي يقع عليها عبء اثبات القصد الجنائي المتضمن لنية القتل، فضلا عن اثبات عنصر سبق الاصرار في حالة ادعاء اقتران الجريمة بهذا الظرف.

والى جانب الاعتراف، فان طبيعة الاعتداء الواقع على الضحية، وواقعة اخفاء الحمل عن الوسط المحيط بالمتهمة او ثبوت قيامها بالفحوصات الضرورية قبل الوضع ، تمثل قرائن يمكن الاستدلال بها على توافر المقومات النفسية للجريمة، وان كان الفصل فيها اثباتا او نفيا على ضوء الظروف المحيطة مسالة واقعية لقاضي الموضوع تقديرها بحسب ما يقوم لديه من الادلة.

هذا، ويجب ان نلاحظ هنا ان النص العربي للمادة 397/2 المنوه بها قد صدر خلوا من الاشارة الى ظرف سبق الاصرار خلافا للنص الفرنسي الذي اورده صراحة :

Toute fois, la mère, autour principal ou complice du meurtre ou de l'assassinat de son enfant nouveau -né…. »

ومفاد هذا النص الصريح ان تبييت المتهمة لنية قتل وليدها بعد الوضع اذا لم تسعفها الظروف للتخلص منه قبل ذلك، انما يقع وقوعا غير مؤثر في التكييف القانوني للجريمة، وبالتالي، فان النص المقرر للعذر المخفف يظل واجب التطبيق انصياعا للقاعدة الاصولية التي تقرر ان : النص الخاص يقيد النص العام.

اما خارج هذا النص الصريح، فانه لا مناص من الاحتكام الى القواعد العامة التي تحكم طائفة جرائم القتل العمد، وبالتالي، فان جريمة قتل الوليد قد تشدد عقوبتها بسبب ممارسة التعذيب او استعمال الوسائل الوحشية اذا ما ثبت تنفيذها بطريقة بشعة، وقد يكيف الفعل احيانا باعتباره فعلا مكونا لجريمة التسميم ( م. 398) اذ ما عمدت الام القاتلة الى استعمال بعض المواد السامة للقضاء على حياة الوليد. وغني عن البيان ان عذر التخفيف لا ينطبق في هذه الحالة او تلك لانتقاء علته (1) التي تفترض اقتراف الجريمة تحت تاثير الانزعاج العاطفي تاثيرا يفقد الجانية توازنها النفسي (2).

ثانيا: ان يكون ضحية الاعتداء وليدا

يستدعي قيام هذا الشرط التمييز بين الوليد والجنين (1)، والتحقق من ولادته حيا (2)، وتحديد المدة التي تستمر فيها صفة الوليد قائمة (3).

1- يقتصر نص الفقرة الثانية من المادة 397 على الوليد nouveau-né وهو الطفل الذي لم ينقض على ميلاده حيا، الا وقت قصير ويراد احاطة امره بالتستر والكتمان (3).

واشتراط هذه الصفة في الضحية هو الذي يميز جريمة قتل الوليد عن جريمة الإجهاض التي ينصب فعل الاعتداء فيها على جنين. اما الوليد فهو الطفل الذي لم يعد جنينا، واما ولد وبدا يتصل مباشرة بالعالم الخارجي ويحيا دون وساطة امه، والميلاد باعتباره الواقعة التي يبدا بها الاعتراف القانوني بالحياة انما يتحقق ببداية عملية الوضع الطبيعي لا بتمامها، بمعنى ان الكائن الحي ينطبق عليه وصف الوليد

------------------------------

1) VITU (A), Op. Cit, n. 2091, p. 1698.

2) قارن في معنى مخالف جزئيا:

VOUIN (R) ET RASSAT (M.L), Op. Cit, n. 161, p. 177.

3) Cass. Crim. 13 Mars 1856, d. p. 56. 1.225. cité par :

LEVASSEUR (G), Rep. Dr. pén. V° «infanticide », n. 9

------------------------------

خلال المدة الزمنية التي تستغرقها عملية الولادة مادام هذا الكائن قد استقل بكيانه عن كيان امه لاكتمال نضجه واستعداده للخروج الى الحياة مهما تعسرت ولادته وايا كان الوقت الذي استغرقته.

اما اذ قضي على حياة هذا الكائن قبل ذلك فلا يعتبر الفعل قتلا بل اجهاضا.

2- ولقيام جريمة قتل الوليد لا بد من ان يكون هذا الاخير قد ولد حيا vivant، ولكن ليس شرطا ان يكون قابلا للحياة viable(1)، فاذا تمت ولادة الطفل حيا عد الاعتداء عليه قتلا وان كان موته محتما. وغني عن البيان ان الادعاء العام هو الذي يقع عليه اثبات حياة الطفل المجني عليه.

3- ولكن، متى يكون الطفل وليدا وكيف يتحدد النطاق الزمني لحداثة العهد بالولادة؟

مما لا شك فيه ان لتحديد هذا النطاق الزمني اهمية عملية بالغة:

بثبوت صفة الوليد يتقرر العذر المخفف لفائدة الام القاتلة وتكون عقوبتها هي السجن من خمس الى عشر سنوات، وبانتقائها تصبح جريمة قتل الطفل مقترنة بظرف مشدد يرفع العقوبة الى الاعدام.

لئن كان من المتفق عليه ان صفة الوليد تستمر فترة وجيزة لا تزيد عن بضعة ايام فان تحديد اللحظة الزمنية التي تنتهي عندها مسالة تقديرية متروكة لقاضي الموضوع الذي يقررها على ضوء العلة التي تقرر من اجلها سبب التخفيف والتي تتخلص- كما راينا- في وقوع الام تحت سطوة الانزعاج العاطفي (2).

واستلهاما لعلة التخفيف هذه فقد جرى عمل القضاء الفرنسي على ان حداثة العهد بالولادة تثبت للطفل طوال المدة المقررة للتصريح بالولادة والقيد في

---------------------------

1) AUSSEL (J-M), Op. Cit. N. 278

2) GARRAUD (R) - Op. Cit, n. 1884, p. 198-199.

3) GARCON (E) - Code pénal annoté, art. 300, n. 23

---------------------------------

سجل الحالة المدنية، وهذه المدة محددة قانونا في ثلاثة ايام بيد ان تلك الصفة تزول حتى قبل انصرام هذا الاجل كلما ثبت شيوع خبر الولادة في الاوساط المحيطة بالام (1)

هذا، وقد ورد في المادة 397 المشار اليها بان التخفيف هنا ذو طابع شخصي يقتصر على الام دون غيرها بحيث لا يستفيد منه الفاعل الاصلي الذي اشتركت معه الام، ولا المساهم او المشارك معا ولو كان ابا للوليد القتيل.

ولا شك ان مقتضى هذه المادة يشكل استثناء مزدوجا على القاعدة المنصوص عليها في المادة 130 من المدونة الجنائية بشان العقوبة المقررة للاشتراك في الجريمة: اذا كانت الام مشاركة في جريمة قتل الوليد كانت عقوبتها اخف من عقوبة الفاعل الاصلي اما اذا كانت هي المساهمة في الجريمة بصورة اصلية، فان عقوبة المشاركين معها تصبح اشد من عقوبة الفاعل.

والخروج عن القواعد العامة يجد تبريره هنا في الوضعية الخاصة بالام التي يعتبر العذر المخفف قصرا عليها من دون غيرها من الاشخاص (2).

----------------------------------------

1) راجع في نقد هذا الاتجاه: VITU (A), Op. Cit. N. 2090, p. 1697.

2) راجع اكثر تفصيلا:

عبد الحفيظ بلقاضي : مدخل الى الاسس العامة للقانون الجنائي ج. II، مكتبة دار الامان، الرباط، 2001، ص. 277 وما بعدها.

----------------------------------------

* مجلة المحاكم المغربية، عدد 88، ص 74.

جرائم العرض في القانون الجنائي المغربي والشريعة الإسلامية

للأستاذ توفيق عبد العزيز نائب الوكيل العام للملك

لدى محكمة الاستئناف بالدار البيضاء

يقصد بجرائم العرض تلك الجرائم التي تخدش الحياء في الانسان وتمس بحيائه العرضي سواء وقعت عليه او وقع نظره عليها بدون رضاه.

واذا كان من حق كل انسان ان يصون عرضه ويحفظ كرامته فقد تدخل المشرع لحماية هذا العرض وصون هذه الكرامة وسن عقوبات متفاوتة في الشدة لكل من سولت له نفسه ان يعبث بهذا العرض بل تدخل لحماية المجتمع حتى ولو لم يتضرر شخص معين بالذات كجرائم الفساد والشذوذ الجنسي.

ونظرا لما لجرائم العرض او الجرائم المخلة بالاداب كما يحلو للبعض ان يسميها من اهمية وما تثيره من مشاكل وما بينها من تداخل وتشابه - حاولت ان أعالج هذا الموضوع بشيء من التفصيل مستدلا ببعض الاجتهادات مع مقارنة القانون المغربي ببعض التشريعات العربية كالقانون المصري والسوري لما بينهما وبين القانون المغربي من تشابه وارتباط، خاتما البحث بدراسة هذه الجرائم في الشريعة الاسلامية مبينا الفرق بينها وبين القانون الوضعي في هذا الصدد مع بيان امكان تطبيق الشريعة الاسلامية في هذا الميدان.

ويمكن اجمال جرائم العرض في الجرائم الاتية :

الاخلال العلني بالحياء، هتك العرض - الشذوذ الجنسي - الفساد - الخيانة الزوجية - الاغتصاب - وهي الجرائم المنصوص عليها على عقوبتها في الفرع السادس من الباب الثامن من القانون الجنائي تحت عنوان (في انتهاك الآداب).

الإخلال العلني بالحياء -

ينص الفصل 483 من القانون الجنائي المغربي على ان من ارتكب اخلالا علنيا بالحياء وذلك بالعرى المتعمد او بالبذاءة في الاشارات او الافعال يعاقب بالحبس من شهر واحد الى سنتين وبغرامة من مائة وعشرين الى خمسمائة درهم".

ويعتبر اخلالا علنيا متى كان الفعل الذي كونه قد ارتكب بمحضر شخص او اكثر شاهدوا ذلك عفوا أو بمحضر قاصر دون الثامنة عشرة من عمره او في مكان قد تتطلع اليه انظار الجمهور" ومن التدقيق في هذا العصر يتبين ان اركان جريمة الاخلال العلني بالحياء ثلاثة :

1) الركن المادي وهو كل فعل يرتكبه الجاني ويكون مخلا بالحياء.

2) العلانية ولها نفس المعنى اللغوي وهي اهم ركن في الجريمة.

3) الركن المعنوي النية الجرمية او خطا الجاني.

1- الركن المادي :

يتكون هذه الركن من أي فعل أو حركة او اشارة يقوم بها الجاني، ويكون من شانها خدش الحياء العام سواء استطال هذا الفعل على جسم انسان ما - بشرط الا يبلغ درجة جريمة هتك العرض - حتى ولو كان جسم الجاني نفسه أو لم يقع على جسم انسان ما، فالشخص الذي يقوم بكشف عورته في الشارع العمومي، او في مكان معرض لرؤية الجمهور، والشخص الذي يقبل امراة بكيفية تثير الغريزة الجنسية والشخص الذي يعقد احدى يديه ويدخل فيها وسطى اصابعه الاخرى او الراقصة التي تقوم برقصة هزة البطن بكيفية بذيئة والشخص الذي يقوم بحركات تثير فكرة التمازج الجنسي، كل هؤلاء يرتكبون جريمة الاخلال العلني بالحياء اما الاقوال مهما كانت فاحشة ما لم تصحب بحركات او اشارات، وكذلك الصور والرسوم مهما كانت فاضحة وفاحشة فانها لا تعدو ولا تكون جريمة الاخلال العلني بالحياء وانما تدخل في زمرة جرائم السب والقذف العلني وتعاقب حسب قانون حرية الصحافة فالشخص الذي يقوم في جمع عام او خاص ويتفوه باقوال في غاية البذاءة والفحش لا يكون مرتكبا لجريمة الاخلال العلني بالحياء ولكن يكون مرتكبا لجريمة السب العلني وكذلك من يقف على قارعة الطريق ويعترض سبيل النساء بالكلام الفاحش أو القول البذيء يكون مرتكبا لجريمة السب العلني أو لجريمة التحريض على الفساد اذا كان يقصد من وراء ذلك جلب اشخاص للفساد وكان دوره يقتصر على الوساطة فيه وقد اعتبرت محكمة النقض المصرية في حكم لها ان " توجيه المتهم للمجني عليها في الطريق العام الفاظا تخدشها في شرفها اعتبارها وتجرح كرامتها يعد سبا من" (1).

ومن أمثلة جرائم الاخلال العلني بالحياء تقبيل امراة في مكان عمومي او لمس يدها او ذراعها او عنقها او ثديها بكيفية يكون من شان اثارة الغريزة الجنسية سواء كان هذا الفعل في حد ذاته مشروعا ام لا فالشخص الذي يقبل زوجته او الزوجة التي تقبل زوجها او الزوج الذي يلمس زوجته في مكان من اماكن اثارة الغريزة الجنسية من جسدها يكون قد قام بعمل مشروع يقره القانون والشرع والعرف وكل من قام بنفس الاعمال السابقة مع امراة لا تربطه معها علاقة الزواج يكون قد قام بعمل غير مشروع ولكن كلا من العملين سواء كان مشروعا او غير مشروع اذا ارتكب في مكان عام او معرض لرؤية الجمهور او بحضور قاصر يقل عمره عن 18 سنة يعد مخالفا للاداب العامة وبالتالي يكون جريمة الاخلال العلني بالحياء لان الاخلاق العامة والتقاليد تدعو الى التستر عند القيام بهذه الاعمال.

الأخلاق العامة :

الاخلاق العامة هي مجموعة القواعد والاعراف التي يلتزم الناس في مكان معين وزمان معين باتباعها والتقيد بها والسير وفقها وهي تختلف باختلاف الازمنة والامكنة والمجتمعات فما كان في الماضي يعد عملا مخلا بالحياء لم يعد اليوم كذلك وما يعد مخلا بالحياء في الدول الاسلامية لا يعد كذلك في الدول غير الاسلامية وما يعد مخلا بالاداب في البادية والارياف لا يعد كذلك في المدن، كما ان ما يعد عورة في جسم المراة لا يعد عورة في جسم الرجل فالرجل يكشف صدره او بطنه ولا يعد ما قام به مخلا بالحياء بينما اذا فعلت المراة ذلك تكون قد ارتكبت عملا مخلا بالحياء. والشخص ذكرا كان او انثى - الذي يلبس ملابس شاطئ البحر ويجول بها في الشوارع يكون قد ارتكب عملا مخلا بالحياء بينما لا يعد كذلك في شاطئ البحر.

فالإخلال العلني بالحياء اذن مسالة نسبية على القاضي ان يستقيها من المحيط الذي وقعت فيه الجريمة لا من تصور من وقعت عليه وشعوره (2) ولا يكتفي القاضي في حكمه بان يقول ان المتهم ارتكب عملا مخلا بالحياء بل عليه ان يتبين الافعال التي ارتكبها بكل تحديد الا كان حكمه معرضا للإبطال.

وعلى العموم فان كل عمل او حركة او اشارة من شانها اثارة الغريزة الجنسية او اثارة فكرة التمازج الجنسي سواء وقعت على شخص برضاه او وقعت على الجاني نفسه لان المشرع لم يرد من تجريم هذا الفعل حماية شخص معين بالذات جرائم العرض او الاغتصاب، وانما اراد حماية الشعور العام من رؤية الفاعل آو حركات او إشارات تخدش حياءه تعد عملا مخلا بالحياء.

2- الركن الثاني :

العلانية : ينص الفصل اعلاه على ان من "ارتكب اخلالا علنيا بالحياء" والمقصود بالعلانية هنا معناها اللغوي وهو اتيان فعل آو حركة او اشارة في مكان عام او معرض لرؤية العموم، والعلانية اهم ركن في جريمة الاخلال العلني بالحياء ذلك ان المشرع كما مر معنا اعلاه، لم يقصد بتجريم هذا الفعل حماية شخص معين من الناس وانما قصد الى حماية الشعور العام، لما يحدثه هذا الفعل من جرح في الشعور الاخلاقي وحماية الناس من ان تقع ابصارهم على مناظر بذيئة لا يرغبون في رؤيتها فاذا ما ارتكب شخص فعلا من الافعال المخلة بالحياء في مكان خاص او بعيد عن أعين الناس فان ركن العلانية لا يتوفر وبالتالي لا يقع تحت طائلة الفصل 483 اعلاه والمشرع المغربي - خلافا للمشرع المصري(3)- اوضح العناصر اللازمة لتكوين ركن العلانية في جريمة الاخلال العلني بالحياء وذلك بقوله في الفصل 483 " يعتبر الاخلال علنيا متى كان الفعل الذي كونه قد ارتكب بمحضر شخص او اكثر شاهدوا وذلك عفوا او بمحضر قاصر دون الثامنة عشرة من عمره او في مكان قد تتطلع اليه انظار العموم" وبناء على ما ورد في هذه الفقرة يمكن تقسيم الاماكن الي تتوفر فيها العلانية المطلوبة لقيام هذه الجريمة الى :

أ‌- المكان العام

ب‌- المكان المطروق

ج‌- المكان الخاص المعرض للانظار

د‌- المكان الذي يوجد فيه قاصر.

أ‌- المكان العام :

هو المكان المفتوح للجمهور يدخله من يشاء وأنى شاء ومتى شاء كالطرق العامة والقناطر والحدائق العامة ولا فرق بين ان يكون دخولها مجانا كالشوارع والازقة او بمقابل كالمسارح والمقاهي ويمكن تقسيم المكان العام الى:

مكان عام بطبيعته.

مكان عام بالتخصيص.

مكان عام بالمصادقة.

فالمكان العمومي بطبيعته هو المكان المفتوح لجمهور الناس يدخلونه متى شاءوا وأنى شاءوا كالشوارع والحدائق والساحات العمومية والازقة والمنتزهات والملاعب الرياضية فاذا ما ارتكب شخص فعلا مخلا بالحياء في مكان من هذه الاماكن يكون قد ارتكب جريمة الاخلال العلني بالحياء لتوافر ركن العلانية حتى ولو ارتكب هذا الفعل ليلا، ذلك ان هذه الاماكن تطرق في كل وقت وهي بطبيعتها معرضة لمرور الجمهور منها في أي وقت.

والمكان العمومي بالتخصيص هو المكان المباح دخوله لكل شخص اراد وذلك اما بمقابل واما بشروط خاصة او مجانا ولكنه اقل تعرضا للجمهور من النوع الاول ولا يباح دخوله عادة الا في اوقات كالمساجد والمسارح والمقاهي والمدارس والمطاعم وسيارات النقل العمومي وعربات القطار والمؤسسات العمومية كمكاتب البريد وقاعات المحاكمات والمكاتب الإدارية بشرط ان يقع فيها الفعل المخل بالحياء في وقت تكون فيه ابوابها مفتوحة وتستقبل العموم اما اذا وقع فعل مخل بالحياء في مكان من هذه الاماكن ليلا او في وقت كانت ابوابها مقفلة وليس بها احد غير الفاعل والضحية الذي وقع عليه الفعل او الفاعل وحده ان أوقع الفعل على نفسه كالعرى مثلا، فان ركن العلانية لا يتوفر بالتالي فان الفاعل يكون بمنجي من العقاب المنصوص عليه في الفصل 483 المذكور اعلاه. وقد ذهبت محكمة النقض الفرنسية الى ان الفعل المنافي للحياء المقترف من مدرس ابتدائي على احد طلاب المدرسة في غرفة من غرف الدراسة يفقد صفة العلانية اذا وقع بعد وقت الدراسة وفي وقت غياب أي شاهد ومع اتخاذ احتياطات خاصة بمنع رؤيته وذلك لان المدرسة تفقد صفة العلانية منذ الوقت الذي تغلق ابوابها دون طلابها " (4)

والامكنة العمومية بالمصادقة هي اماكن خاصة مقتصرة على افراد معينين اختياريا كالنوادي والدكاكين والمخازن واجباريا كالسجون. فهذه الاماكن تكون خاصة بمن خصصت لهم او بمن انشاها الا ان وجود الجمهور ولو بمجرد الصدفة هو الذي يعطيها صفة العلانية فاذا ما ارتكب شخص عملا مخلا بالحياء في وقت يكون فيه الجمهور موجودا في هذه الامكنة فان ركن العلانية يتوفر وبالتالي يقع الفاعل تحت طائلة الفصل 483 اعلاه والمقصود بالجمهور عدد من الناس حتى ولو كن شخصا واحدا غير الفاعل فاذا ما ارتكب سجين عملا مخلا بالحياء في السجن ورآه أو امكن ان يراه سجين آخر أو احد حراس السجن ولو ليلا فانه يعد مرتكبا لجريمة الاخلال العلني بالحياء ومن الاماكن العمومية بالمصادقة المصاعد والسلالم المتركة وممرات العمارات ودهاليزها -.

ب‌- المكان المطروق :

هو مكان عام الا انه اقل تعرضا لغشيان الناس له من المكان العام كالشواطئ في غير فصل الصيف او الصحاري او الاماكن النائية عن العمران او قمم الجبال و الحدائق في فصل الشتاء فهذه اماكن يطرقها الناس متى أرادوا ولكن هناك اوقات تكاد تكون فيها خالية من الناس فاذا ما ارتكب شخص فعلا مخلا بالحياء في مكان من هذه الاماكن وقع تحت طائلة الفصل 483 المذكور اعلاه لتوفر ركن العلانية في فعله سواء كان فيه احد أم لم يكن، لإمكان وجود الناس في أي وقت (5).

ج‌- المكان الخاص المعرض للأنظار :

المكان الخاص المعرض للأنظار هو المكان الخصوصي اما لفرد واحد واما لمجموعة افراد لا يتعداهم الى غيرهم كالمنازل والسيارات الخاصة والنوادي المغلقة فهذه اماكن خاصة لا تتوفر فيها العلانية المطلوبة في الفصل 483 اعلاه الا انها قد تتعرض لانظار الجمهور فتكتسي بذلك صفة العلانية (6) كالمنزل الذي يترك صاحبه نوافذه المطلة على الشارع او زقاق او على منازل اخرى مفتوحة وكالنادي الذي يترك بابه او نوافذه مفتوحة فيستطيع الجمهور رؤية ما يجري بداخله دون عائق، اما إذا تسلق المشاهد جدارا او سلما او فتح نافدة احكم اغلاقها ليرى ما يجري في الداخل فان ركن العلانية لا يتوفر لان رؤية ما يجري في الداخل لم تأت عن عمل الفاعل وانما من عمل المشاهد، ولان المشرع من جهة اخرى حمى شعور الذين تجرحهم المناظر المخلة بالحياء دون رضا منهم أما الذين يسعون الى رؤية هذه المناظر فانهم يعدون مشاركين في ارتكاب هذا الفعل، بالتالي فان المشرع لم يتدخل لحمايتهم وهكذا مثلا اذا دخل شخص اختياريا لناد من نوادي العراة فانه لا يقبل منه الإدعاء بان شعوره الاخلاقي قد جرح لانه هو الذي ذهب الى هذا النادي وهو يعلم ما يجري فيه وذلك لا يعد إخلالا بالحياء العمل الذي يرتكبه شخص في حقل بعيد عن المساكن وعن الطريق العمومي ومحاط من جميع الجهات بحقول اخرى مملوكة لمقترف الجرم.

متى ثبت انه لم يتمكن من مشاهدته سوى شاهد واحد دخل بدون حق في ملك المتهم وافسد عليه ما اتخذه من احتياطات وكذلك السيارات الخاصة .

د‌- المكان الذي يوجد فيه قاصر

ألحق المشرع المغربي المكان الذي يوجد فيه قاصر دون الثامنة عشرة حتى ولو كان خاصا بالمكان العام وذلك حماية للناشئة من الانحلال الخلقي والانحراف بل حتى ولو كان الفاعل أبا او أما لهذه القاصر، اذن كل من ارتكب عملا مخلا بالحياء بحضور قاصر دون الثامنة عشرة يعد مرتكبا لجريمة الاخلال العلني بالحياء وبالتالي يقع تحت طائلة الفصل483 المذكور اعلاه سواء وقع الفعل على القاصر او على الفاعل نفسه او على شخص اخر ما دام الفعل، وقع بحضور القاصر. لكن ما الحكم اذا وقع الفعل الجنائي بحضور قاصر حضر عن اختيار وعلم الى المكان الذي وقعت فيه الجريمة ؟ الحقيقة ان المشرع اعتبر الشخص الذي حضر آو شاهد الفعل المخل بالحياء عن طيب خاطر غير جدير بالحماية كما يدل على ذلك عندما عبر بكلمة عفوا الواردة في الفصل 483 المذكور فان المشرع حماية منه للقاصرين اعتبر رضاهم كعدمه ولم يعتد بهذا الرضى، والحق المكان الخاص الذي وقع فيه الفعل المخل بالحياء بحضور قاصر بالمكان العام لتوفر العلانية فيه بحضور القاصر، لكن هل يعد مرتكبا لجريمة الاخلال العلني بالحياء من ارتكب فعلا شائنا بحضور شخص أعمى آو أصم ؟ لا شك ان احد هاذين الشخصين الأعمى او الأصم اذا كان جسمه هو الذي تعرض للفعل الشائن كمن يمس عورة أحدهما لو يضع يد أحدهما على ذكر الفاعل مثلا او يضع يده على نهد امرأة عمياء او صماء فان الجريمة تعد قائمة وبالتالي يقع الفاعل تحت طائلة الفصل 483 أعلاه لكن اذا وقع بمحضر أحدهما فلا جدال في رؤية الأصم.

تعتبر كرؤية المبصر ما دام المقصود هو رؤية الاشارات او الحركات او الافعال لكن بالنسبة للاعمى إذا كان الفعل الذي قام به الفاعل لا يدع شكا في كون الفعل المخل بالحياء ارتكب فان الجريمة تعد قائمة كمن يقبل امرأة بشهوة او يقوم بحركات ويتفوه بالفاظ غزلية تخدش حياء الاعمى فان الجريمة تعد - مرتكبة قد ذهبت محكمة النقض الفرنسية الى ان " الفعل الفاضح يكتسب العلانية حتى ولو كان الشاهد الوحيد له لم يشاهد ببصره متى كان وجوده معروفا لمرتكبي الفعل وكان الفاعلان لم يعملا على اخفاء امرهما بل انه بالأقوال التي تفوها بها وبالأصوات المتقطعة التي خرجت قد وقف الشاهد على طبيعة الافعال المخلة بالحياء المغايرة للآداب التي اقترفت في حظيرته بحيث تأثرت منها عاطفة الحياء لديه(8) كما ذهبت محكمة النقض المصرية في تعريفها للفعل الفاضح بانه ذلك الفعل العمد المخل بالحياء الذي يخدش في المرء حياء العين والإذن ليس إلا" - بمعنى انه لا تستلزم العلانية رؤية الشهود للفعل فمجرد السماع يكفي للدلالة على العلانية في الفعل الفاضح إذا أمكن سماع الحركات التي تدل عليه.

الركن الثالث : القصد الجنائي :

لا ضرورة في قيام الإخلال العلني بالحياء لوجود القصد الجنائي بل يكفي ارادة الفاعل ارتكابه الفعل وعلمه بانه فعله مخل بالحياء لذلك فان مجرد إهمال الفاعل يعد كافيا لتوفر الركن المادي أي القصد الجنائي وهكذا مثلا من قام بفعل مخل بالحياء في مكان خاص ولكنه ترك النوافذ التي تطل على الشارع العمومي او مكان عام او حتى على منزل اخر مفتوحة او أغلقها بكيفية لم تستر ما يقع في الداخل فانه يعد مرتكبا لجريمة الاخلال العلني بالحياء ولو لم يقصد إيذاء الشعور العام. وقد قضت محكمة المصرية بان من يدخل دكان حلاق ويتبول في الحوض الموجود به فيعرض نفسه بغير مقتضى للانظار بحالته المنافية للحياء يتوافر في حقه القصد الجنائي في جريمة الفعل الفاضح العلني (9).

لكن اذا كان العرى مثلا غير إرادي كمن تعدى عليه اللصوص فسرقوا لباسه وتركوه عاريا أو من اشتعلت النار في ملابسه فاضطر لخلعها حماية لنفسه من الحريق، او من كان في نزاع مع شخص اخر فمزق له ملابسه بكيفية انكشفت معها عورته او من كان في سباق او ساحة رياضية فسقط سرواله او تمزق.

وهكذا في كل حالة يكون فيها العري غير اختياري فان الركن المعنوي لا يتوفر، وبالتالي فان جريمة الاخلال العلني بالحياء تكون غير قائمة.

ويكون مرتكبا لجريمة الإخلال العلني بالحياء من قام بعمله المخل بالحياء دون احتياطي او دون تبصر، كمن يرتكب عملا شائنا في مكان محتمل الرؤية من الغير كحقل غير مستور او مكان مقفر او ساحل نهر. لان هذه أماكن عامة كما تقدم أعلاه.

الفرع الثاني : هتك العرض

تمهيد : لم يعرف المشرع المغربي - كما فعل قبله المشرع الفرنسي والسوري والمصري - جريمة هتك العرض وانما ترك تعريفها وتقديرها للفقه والقضاء، وحسنا فعل، ولان الافعال التي تكون جريمة هتك العرض كثيرة ومطاطة ويصعب ان لم يستحيل تعدادها وحصرها بالاضافة الى انها أي الافعال المكونة الجريمة هتك العرض باعتبارها من الجرائم المخلة بالاداب العامة تختلف زمنا ومكانا كما مر معنا في جريمة الاخلال العلني بالحياء لذلك اكتفى المشرع بذكر الجريمة وعقوبتها وبيان اركانها.

فقد نص الفصل 484 من القانون الجنائي على " انه يعاقب بالحبس من سنتين الى خمس من هتك بدون عنف او حاول هتك عرض قاصر يقل عمره عن خمس عشرة سنة، سواء كان ذكرا او انثى".

ونص الفصل 485 من نفس القانون على انه " يعاقب بالسجن من خمس الى عشر سنوات من هتك او حاول هتك عرض شخص ذكرا كان ام انثى مع استعمال العنف".

فاذا كان المجني عليه قاصرا يقل عمره عن خمس عشرة سنة يعاقب الجاني بالسجن من عشر الى عشرين سنة".

وشدد المشرع عقوبة هتك العرض في الفصلين 487 و488 من نفس القانون فرفع عقوبة السجن المحدد الى نهايتها وهي 30 سنة.

ومن التدقيق في الفصل 485 اعلاه يبين انه اضاف الى العنصرين الاساسيين الفعل المادي والقصد الجنائي، عنصرا اخر هو العنف ستقسم هذه الجريمة عند دراستنا لها الى ثلاثة فصول:

الفصل الاول : هتك العرض البسيط

الفصل الثاني : هتك العرض المشدد

الفصل الثالث : الشروع في جريمة هتك العرض.

الفصل الاول : هتك العرض البسيط

تكون جريمة هتك العرض بسيطة اذا لم يصاحبها عنف او ما دخل في معناه من التهديد او المباغة كما سنرى عند دراستنا لجريمة هتك العرض المشددة لكن بشرط ان يكون سن الضحية اقل من خمس عشرة سنة كان المجني عليه ذكرا او انثى وسواء ايضا كان الفاعل ذكرا او انثى لان جريمة هتك العرض ترتكب من طرف الذكر كما تركب من طرف الانثى " ومن التدقيق في الفصل 484 اعلاه يبين ان اركان الجريمة ثلاثة : 1) فعل مادي 2) القصد الجنائي 3) سن المجني عليه -

المبحث الاول - الركن المادي:

يتكون الركن المادي في جريمة هتك العرض من كل فعل مناف للاداب يقع عمدا على جسم المجني عليه او على مكان من جسمه يعد عورة بكيفية تخجل المجني عليه والملاحظ ان جنحة الاخلال العلني بالحياء تتكون من فعل مناف للاداب يقع على شخص او على الجاني نفسه بينما جريمة هتك العرض لا تقع - الا على شخص غير الجاني وتكون من القبح والبذاءة بمكان، اذن فكل جريمة هتك العرض تحتوي ضمنها على جريمة الاخلال العلني بالحياء.

ويعتبر من قبل هتك العرض اخذ صبي ووضعه فوق العضو التناسلي ولو لم يقع ايلاج، وكذلك ضم امراة وتقبيلها، وتمزيق ثياب شخص ذكرا كان او انثى وكشف عورته، ولو لم يصاحب هذا الفعل اية ملامسة لجسم المجني عليه، وكذلك قرص عجز المراة وقرص نهديها ولو من فوق الثياب وضع العضو التناسلي في يد شخص او مكان من جسمه يعد عورة حتى ولو لم تقع الملامسة، وعلى الجملة فان جريمة هتك العرض تتكون من كل فعل فاحش مخل بالحياء يقع على جسم انسان، وقد جاء في حكم لمحكمة النقض المصرية " ان حصر الحالات التي يصرح ان تندرج تحت جريمة هتك العرض والقول بان ما عداها خارج عن الجريمة المذكورة انما هو مبدا جنائي تناولت فيه المحكمة هتك العرض من ناحيتها الاكثر وقوعا تلك الناحية التي يقع فيها المساس بجزء من جسم المجني عليه يدخل عرفا في حكم العورات وقطعت المحكمة بان مثل هذا المساس يجب حتما وفي كل الاحوال ان يعد من قبيل هتك العرض لما فيه الاخلال بالحياء المجني عليه العرضي، وظاهرا ان هذا لا يفيد ان افعال هتك العرض محصورة في هذه الناحية او ان \الجريمة لا يتصور وقوعها على هذا النوع بل قد يتصور للعقل في احوال قد تكون في ذاتها نادرة او قليلة الوقوع امكان الاخلال بحياء المجني عليه العرضي بافعال لا تصيب من جسمه موضعا يعد عورة ولا يجوز مع ذلك التردد في اعتبارها من قبيل هتك العرض، نظرا لمبلغ ما يصاحبها من فحش ولانها من ناحية اخرى اصابت جسم المجني عليه فخدشت حياءه العرضي وان لم يقع المساس فيها بشيء من عوراته كما لو وضع الجاني عضوه التناسلي في يد المجني عليه او في فمه او في جزء اخر من جسمه لا يعد عورة وهذه الافعال ونظائرها لا يمكن ان يشك في انها من قبيل هتك العرض وكل ذلك مما ينبغي ان يبقى خاضعا لتقدير المحكمة اذ من المتعذر ان لم يكن من المستحيل حصره في نطاق واحد واخضاعه لقاعدة واحدة (10)".

فجريمة هتك العرض اذن تتكون من أي فعل مخل بالحياء يقع على جسم انسان ويخدش عاطفة الحياء عنده حتى وان لم يترك اثرا في جسم المجني عليه، ولا يشترط في جريمة هتك العرض ان تتم المباشرة الجنسية لذلك فان الشخص العنين اذا اخذ شخصا ووضع عضوه التناسلي على عورته فانه يعد مرتكبا لجريمة هتك العرض.

وجريمة هتك العرض كجريمة الاخلال العلني بالحياء تقع من الرجل كما تقع من المراة فالمراة التي تمزق ثياب مراة قصدا حتى تكشف عورتها او ثياب رجل حتى تكشف عورته، تعد مرتكبة لجريمة هتك العرض وكذلك المراة التي تطوق رجلا وتقبله او تاخذ طفلا وتضع عضوه التناسلي على عورتها تعد مرتكبة جريمة هتك العرض وكذلك من يدخل اصبعه في عورة رجل او امراة ولو من فوق الثياب يعد مرتكبا لجريمة هتك العرض.

المبحث الثاني: القصد الجنائي

جريمة هتك العرض جريمة عمدية أي لابد لقيامها من ان يتوفر القصد الخاص لدى الفاعل أي انه يريد ان يهتك عرض شخص اخر بقطع النظر عن الدافع الى ذلك او هو الدافع الجنائي او حب الانتقام، او مجرد السخرية من المجني عليه ام اذلاله ام مجرد حب الاستطلاع؟ لذلك لا عقاب على من التصق بامرة عفوا في مكان مزدحم بالناس كوسائل النقل العام ولا على من سقط فجأة فحاول التمسك بامراة كانت بجواره، فمزق ثيابها الى ان بدت عورتها، وكذلك لا عقاب على من تشاجر مع اخر وتماسكا بالاطواق الى ان مزق ثيابه وكشفت عورته كل الحالات لا عقاب عليها لتخلف الركن المعنوي وهو القصد الجنائي الذي يعاقب المشرع عليه.

المبحث الثالث : سن المجني عليه

لا تتوفر جريمة هتك العرض البسيط الا اذا كان سن المجني عليه خمس عشرة سنة فاقل، ذلك ان المشرع حمى الاحداث من الانحراف الخلقي واعتبر سن 15 سنة فاقل قرينة قاطعة على عدم رضاهم وجعل مسؤولية ارتكاب جريمة هتك العرض على عاتق الفاعل وحده، هذا ما لم يصاحب الجريمة عنف او اكراه حيث تنقلب الى جريمة هتك العرض مشددة.

والعبرة في تحديد سن الضحية بتاريخ ازدياده الحقيقي لا بما قدره الجاني. لذلك لا يعتد بادعاء مرتكب جريمة هتك العرض ضد قاصر يقل عمره عن 15 سنة ان المجني عليه اخبره بان سنه اكثر من 15 سنة او بانه ظن ان سن الجاني عليه اكثر من 15 سنة لما يتوفر عليه الضحية من بنية قوية وطول القامة كما ان العبرة بسن المجني عليه ترجع الى يوم ارتكاب الفعل لا يوم تقديم المتهم ولا يوم محاكمته.

وسن المجني عليه ركن من اركان جريمة هتك العرض البسيط، لذلك لا من النص عليه في الحكم والا كان معرضا للنقض اذ ان سن المجني عليه هو الذي يكون جريمة هتك العرض (11) والا اعتبر الفعل جريمة اخرى غير جريمة هتك العرض البسيط، فاذا وقعت جريمة هتك العرض بين - شخصين راشدين وبدون عنف فانه يكون جريمة الشذوذ بالجنسي اذا كان معا من جنس واحد واما جريمة الفساد اذا كانا من جنسين مختلفين، وهكذا ترى ان سن المجني عليه هو الذي - يكيف هذه الجريمة بجريمة هتك العرض البسيط ام لا.

والملاحظ ان القانون الجنائي المصري رفع سن الضحية في جريمة هتك العرض البسيط الى ثماني عشرة سنة كاملة ( الفصل 26) من قانون العقوبات.

الفصل الثاني : هتك العرض المشدد

من التدقيق في الفصل 485 اعلاه يتبين انه شدد عقوبة جريمة هتك العرض وجعلها جناية وذلك بادخال عنصر جديد هو العنف، ثم اضرب في الفقرة الثانية من نفس الفصل ظرف تشديد اخر هو سن المجني عليه اذا لم يتم 15 سنة كاملة من عمره، ثم شدد العقوبة في الفصلين 487 و488 من نفس القانون لذلك سندرس عناصر جريمة هتك العرض المشددة كما فعلنا في دراسة هتك العرض البسيط، وذلك بالبحث في عناصر الجريمة ثم التشديد الواردة عليها وسنخصص مبحثين الاول: لاركان الجريمة والثاني: لظروف التشديد.

المبحث الاول: اركان جريمة هتك العرض المشدد

مر معنا ان اركان جريمة هتك العرض البسيط ثلاثة وهي الفعل المادي والقصد الجنائي وسن المجني عليه والملاحظ ان الركنين الاولين، ركنان في جريمة هتك العرض من حيث هي سواء كانت بسيطة ام مشددة، لذلك سنكتفي بما قلناه عنها في جريمة هتك العرض البسيط وندرس الركن الجديد وهو العنف ثم نتطرق الى سن المجني عليه الذي يعد في جريمة هتك العرض المشددة مجرد طرف تشديد يرفع العقوبة من عشر سنوات الى عشرين سنة ثم الى تشديد العقوبة في حالة حدوث افتضاض او بالنظر الى صفة الجاني او عدده.

المبحث الاول : العنف

لم يعرف المشرع المغربي العنف، وانما ترك تعريفه للفقه والقضاء لذلك يمكن ان نعرف العنف بانه كل ضغط غير مشروع يقع على شخص لحمله على القيام بعمل لا يرضاه، والضغط يمكن ان يكون ماديا كما يمكن ان يكون معنويا، فكل الافعال التي تقع على شخص ذكرا كان او انثى من شانها ان تزيل رضاه تعتبر عنفا. فهكذا يكون قد ارتكب جريمة هتك العرض بالعنف من اخذ شخصا ذكرا كان او انثى وازال ثيابه بقوة وهتك عرضه ولا يشترط في العنف ان يحدث اثرا كالعنف المنصوص عليه في الفصل 400 من القانون الجنائي (12) بل يكفي ان تكون اثار العنف والاكراه بادية على حالة الضحية حتى لو لم ينتج عنه عجز مؤقت عن الاشغال الشخصية كما يعد مرتكبا لجريمة هتك العرض بالعنف من هتك عرض شخص وهو نائم. اذ في حالة النوم تنتفي ارادة النائم ولا يمكن ان يقال بان الجاني لم يرتكب مع المجني عليه عنفا كما يعد مرتكب جريمة هتك العرض(13) بالعنف الطبيب او الممرض او أي شخص يعطي للمجني عليه منوما او مخدرا سواء كان بالحقن او بالشرب، ويقوم بهتك عرضه، لان في حالة التنويم او التخدير يفقد المخدر او المنوم حتى سيطرته على جسده وبالتالي تنتفي ارادته وكذلك يعد مرتكبا لجريمة هتك العرض بالعنف من تناول مع المجني عليه مخدرا ولو بمحض ارادتهما معا، وكانا يعلمان ان الماكول او المشروب يخدر اذا خدر المجني عليه قام الجاني وهتك عرضه ولا عبرة بكون المجني عليه تناول المخدر بمحض ارادته لانه اراد التخدير ولم يرد هتك عرضه.

كما يعد مرتكبا لجريمة هتك العرض بالعنف من اوهم امراة انه طبيب فكشفت عن موضع العفة منها وادخل فيه اصبعه موهما اياها بانه يفحصها ذلك ان هذا الوهم وهذا الخداع من الجاني افقد المراة ارادتها ولو علمت حقيقة الجاني لما رضيت بان تقع عليها الجريمة كذلك يعد مرتكبا لجريمة هتك العرض بالعنف من اغتنم فرصة غياب الزوج ليلا ودخل سرير زوجته فاوهمها وهي نائمة بانه زوجها وتمكن من هتك عرضها ولا يقتصر العنف على الاكراه بالقوة بل حتى بالتهديد سواء كان تهديدا ماديا او معنويا كمن يطلب من شخص ان يسمح له بهتك عرضه وهو يحمل في يده مسدسا او سكينا او أي تهديد من شانه ان يضعف مقاومة المجني عليه او عليها وان يضطر للاستسلام لمطالب الجاني وكذلك من يطلب امراة ان تسمح له بهتك عرضها - مع ملاحظة ان هتك العرض بالنسبة للمراة يتكون من سائر الافعال الفاحشة كما تقدم اعلاه وتشمل الاتصال بها جنسيا من الخلف اما الاتصال بها من الامام فلا يعد جريمة هتك العرض كما سنعرض له عند دراستنا لجريمة الاغتصاب - والا خطف ابنها او تعرض له بشر او تعرض لاحد اقاربها بضرر كبير. ويشترط ان يكون التهديد حالا وحقيقيا ويترك في نفس المجني عليه اثرا يزيل ارادته ويفقده القدرة على الاختيار او المقاومة.

والمقصود بالعنف كما مر، كل عمل سواء وقع بالاكراه او بالتهديد او الحيلة يفقد المجني عليه ارادته. وقد نص المشرع في الفصل 268 من قانون العقوبات على ان " كل هتك عرض انسان بالقوة او بالتهديد او شرع في ذلك يعاقب بالاشغال الشاقة من ثلاثة سنين الى سبع ."

ومن الملاحظ ان المشرع المصري استعمل كلمتي القوة والتهديد وهما في نظري يعادلان كلمة " عنف" التي استعملها المشرع المغربي، ذلك ان العنف كما مر معنا يشمل الاقوال والافعال التي تؤثر في نفس المجني عليه، وتزيل ارادته او تفقده بصفة عامة حق الاختيار، وقد اعتبر القضاء المصري الخديعة كالقوة لانها تزيل رضا الضحية فقد قضت محكمة النقض المصرية بانه " متى ثبت ان المجني عليها قد انخدعت بمظاهر الجاني فاعتقدت انه طبيب فسلمت بوقوع الفعل عليها ولم تكن لترضى به لولا هذه المظاهر فان هذا يكفي للقول بان المجني عليها لم تكن راضية بما وقع من المتهم ويتوافر فيه ركن القوة (14)". وقضت أيضا "بان جريمة هتك العرض اذا وقعت على شخص نائم تعتبر بالقوة لان النوم معدم لرضائه خصوصا اذا ظهر منه عند يقظته ما يدل على عدم الرضا (15)" وجاء في حكم اخر لنفس المحكمة " يعد هتك العرض بقوة دخول الرجل في سرير امراة بظروف تجعلها تظنه زوجها (16)".

المبحث الثاني : سن الضحية

راينا فيما سبق ان سن الضحية يكون ركنا من جريمة هتك العرض البسيط أي عندما تكون جنحة ويقابل هذا الركن ركن العنف في جريمة هتك العرض المشددة او عندما تكون جناية وندرس الان ظروف تشديد جناية هتك العرض وهي الظروف التي تؤثر في الجريمة ولا تكون ركنا من اركانها الذي تنعدم بانعدامه كما مر معنا ولكنها تشدد العقوبة فقط ومنها سن الضحية فقد نص الفصل 485 من القانون الجنائي في فقرته الاخيرة على انه " اذا كان المجني عليه قاصرا يقل عمره عن خمس عشرة سنة يعاقب الجاني بالسجن من عشر الى عشرين سنة".

ولقد مر معنا في جريمة هتك العرض البسيط ان المجني عليه اذا كان قاصرا ووقعت عليه جريمة هتك العرض دون عنف فان الجاني يكون تحت طائلة الفصل 484 من ق م ج أي العقوبة المقررة تتراوح ما بين سنتين و5 سنوات - واعتبر المشرع رضى المجني عليه القاصر غير معف للجاني من العقاب وزيادة في حماية القاصرين من ان يقعوا ضحايا للشذوذ الجنسي، وصونا لاخلاقهم من الانحراف، شدد المشرع عقوبة الجاني اذا ما استعمل العنف ضد قاصر يقل عمره عن 15 سنة ولا نعيد دارسة العنف مرة اخرى بل نكتفي بما قلنا عند دراستنا للعنف كركن من اركان جريمة هتك العرض.

المبحث الثالث : حدوث افتضاض عند المجني عليها نتيجة هتك عرضها

الافتضاض هو تمزيق غشاء البكارة او احدث ثقب كبير فيه تزيل عن الانثى صفة البكارة نتيجة الضغط عليه بجسم صلب والافتضاض في جريمة هتك العرض لا يكون بالعضو التناسلي للرجل لان الغشاء لا يمزق او يثقب الا بعد ولج جزء من عضو التذكير، وفي هذه العملية أي عملية الولوج ولو جزئيا، نكون امام فعل مواقعة كاملة الشيء الذي يخرج الجريمة عن جريمة هتك العرض ويجعلها اغتصاب، كما سنرى ذلك بتفصيل عند دراستنا لهذه الجريمة وانما يكون الافتضاض في جريمة هتك العرض بادخال اي جسم صلب في فرج الانثى كالاصابع مثلا لذلك فان بعض اعضاء النيابة العامة كثيرا ما يخطئون في الوصف القانوني الذي يعطونه لجريمة الاغتصاب ضد قاصرة نتج عنه افتضاض وصورة القضية مثلا ان شخصا اخذ فتاة صغيرة يقل عمرها عن 15 سنة وباشرها فنتج عن ذلك افتضاض بكارتها اذ تكيف الفعل على انه جريمة هتك عرض قاصر بالعنف نتج عنه افتضاضها والواقع ان هذه الجريمة جريمة اغتصاب قاصر نتج عنه افتضاض، المنصوص عليها وعلى عقوبتها في الفقرة 2 من الفصل 486 من ق ج وقد رفع المشرع عقوبة الفاعل في حالة حدوث افتضاض نتيجة جريمة هتك العرض من خمس الى عشر سنوات في جريمة هتك العرض البسيط المنصوص عليها في الفصل 484 من القانون الجنائي ومن عشر الى عشرين سنة عندما يستعمل العنف وكان سن المجني عليه اكثر من 15 سنة ورفع العقوبة من عشرين الى ثلاثين سنة وهي الحد الاقصى لعقوبة السجن المؤقت عندما يكون سن المجني عليها اقل من 15 سنة وصاحب الفعل عنف.

المبحث الرابع: صفة الجاني

اولى المشرع المغربي كالمشرع المصري صفة الجاني اهمية كبرى وجعله ظرف تشديد في جريمة هتك العرض، فقد نص في الفصل 487 من ق ج على انه " اذا كان الفاعل من اصول الضحية او من لهم سلطة عليها او وصيا او خادما بالاجرة عندها او عند احد من الاشخاص السالف ذكرهم او كان موظفا دينيا او رئيسا دينيا وكذلك أي شخص استعان في اعتدائه بشخص او عدة اشخاص فان العقوبة هي السجن من خمس الى عشر سنوات في الحالة المشار اليها في الفصل 484 والسجن من عشر الى عشرين سنة في الحالة المشار اليها في الفقرة الاولى من الفصل 485 والسجن من عشرين الى ثلاثين سنة في الحالة المشار اليها في الفقرة الثانية من الفصل 485. وغاية المشرع من جعل صفة الجاني اما بصلته مع الضحية واما بتعدد افراده ظرف تشديد في جريمة هتك العرض، هي حماية الضحية من الوقوع فريسة سهلة في يد اولئك الذين تكون لهم صلة القرابة او العمل والذين لا تحترز الضحية عند الاختلاط بهم، وانما تركن اليهم كل الركون، وهؤلاء الاشخاص مذكورون حصرا في الفصل المشار اليه اعلاه وهم :

1- اصول الضحية ويقصد بهم كل من تناسلت منه الضحية تناسلا حقيقيا كالاب والجد، والام والجدة ومن المعلوم ان التبني لا يعتبر تناسلا حقيقيا، لذلك لا يدخل المتبني الذي هتك عرض متبناه في هذه الزمرة ولكن ما هو حكم الاصل من الرضاع؟ الواقع انه وان جاء في الحديث الشريف انه "يحرم من النسب " فان المرضع او زوجها لا يعد اصلا للمرضع ( فتحا) وبالتالي لا يدخل في زمرة الاصول وان كان يعد من زمرة من لهم سلطة على الضحية اذا يعيش معه وعلى نفقته .

2- الذين لهم سلطة على الضحية : لم يوضح المشرع المغربي من هم هؤلاء الاشخاص وما هي السلطة القانونية او الفعلية او الادبية فقط لذلك تؤخذ الكلمة على اطلاقها، ونقول بانها كل سلطة تكون للشخص على اخر تشمل سلطة المراقبة والتوجيه كالاخ الاكبر بالنسبة لاخوته الصغار الذين يعيشون معه وتحت نفقته والمربي والمتبني للشخص المتبنى كزوج ام الضحية مثلا وكالمعلم الذي يعطي دروسا للضحية سواء كانت هذه الدروس عامة تعطى ضمن مجموعة من الاطفال او دروسا خاصة تعطى اما في منزل المعلم او المتعلم، وكذلك مدير وموظفو ومستخدمو المؤسسات التربوية والاصلاحية . كدور الايتام ودور الحضانة ودور اعادة تربية الشباب المنحرف، وكل مؤسسة تتولى رعاية الشباب وتكوينه وتثقيفه كالمخيمات الصيفية وجمعيات الاسفار .

3- الوصي على الضحية: الوصي هو من له حق الاشراف وتسيير شؤون الضحية في غيبة الاب ويعرف الوصي بانه الممثل القانوني الذي يعينه الاب لتسيير شؤون ابنائه ومراقبتهم وادارة امورهم المالية والادبية في حياة الاب عند غيابه او في حالة وفاته، ويدخل ضمن الوصي المقدم وهو الشخص الذي يعينه القاضي لتسيير شؤون القاصر وتدبير امواله .

4- الخادم بالاجرة: وهو كل شخص تربطه بالضحية او بالاشخاص الذين تقدم ذكرهم علاقة التبعية سواء كانت هذه دائمة او مؤقتة، فالخادم بهذه الصفة يسهل عليه الاتصال بالضحية ويمكن ان يدخل دارها او غرفتها في كل وقت وبدون احتراز من الضحية، فالخادم الذي يخدم بيت الضحية سواء كان تابعا لها او لاصولها او لمن لهم عليها حق المراقبة والاشراف او لوصي الضحية، اذا ما ارتكب جريمة هتك العرض لشخص ذكرا كان او انثى، فان العقوبة تشدد في حقه حسب الترتيب المذكور في الفصل 487 اعلاه فالاجير الذي تستقدمه الضحية لاصلاح شيء في المنزل كالكهربائي او النجار او الصباغ، وتدخله البيت ثم ينتهز هذه الفرصة ويهتك عرض الضحية او يشرع في هتكه يقع تحت طائلة الفصل المذكور، تشدد عليه العقوبة.

5- الموظف الديني او الرئيس الديني: المقصود بالموظف الديني هو الشخص المكلف بارشاد الناس الى امور دينهم ويكون بمثابة المعلم كائمة المساجد والمؤذنين بها والمرشدين الدينيين الذين تطمئن اليهم نفس الضحية لما لهم من طابع ديني. اما الرؤساء الدينيون فهم رؤساء الاديرة والكنائس ولا يعرف في الاسلام نظام الرؤساء الدينيين، فاذا ما ارتكب واحد من هذا الصنف جريمة وهتك عرض فان العقوبة تشدد عليه.

الفصل الثالث: الشروع في جريمة هتك العرض

نص الفصل 484 من القانون الجنائي على انه يعاقب بالحبس من سنتين الى خمس من هتك بدون عنف او حاول هتك عرض قاصر.

ونص الفصل 485 من نفس القانون على انه يعاقب بالسجن من خمس الى عشر سنوات من هتك او حاول هتك عرض أي شخص، ومن التدقيق في الفصلين السابقين نرى ان المشرع المغربي كالمشرع المصري سوى في العقوبة يبين الفعل التام في جريمة هتك العرض ومحاولتها ومن الممكن ان يثور جدال فقهي في المغرب كما ثار(17) في مصر عن امكان الشروع في جريمة هتك العرض سواء كانت بسيطة او مشددة او عدم امكانه أي بمعنى انه هل يتصور الشروع في جريمة هتك العرض، او جميع الافعال التي تكون هذه الجريمة تنسب الى الجريمة التامة وان الجاني متى ارتكب أي فعل من الافعال التي تكون جريمة هتك العرض يعد مرتكبا للجريمة، لانه ليس لهذه الجريمة درجات يتميز منها البدء عن التنفيذ، وحجة من يدعي التمييز هو ان المشرع المصري سوى في العقوبة بين الجريمة التامة ومحاولتها، وذهب فريق اخر الى ان التمييز بين الجريمة التامة ومحاولتها يتصور في حالة واحدة فقط وذلك عندما تكون الجريمة بالعنف او التهديد، ولكن الواقع ان جريمة هتك العرض كجميع الجرائم التي يعاقب الشروع فيها متى كانت الافعال التي قام بها الجاني لا تدع مجالا للشك في انه يريد اتيان الجريمة التامة وان يعدل عن اتمامها الا لسبب خارج عن ارادته فلها درجات يتميز منها البدء في التنفيذ عن التنفيذ التام سواء كانت جريمة هتك العرض بسيطة او مشددة أي سواء جنحة او جنائية ولنضرب لذلك امثلة:

من اخذ طفلا الى مكان خال من الناس او بيت لا احد فيه الا الفاعل والضحية وشرع في فك ازرار سروال الضحية ليكشف عن عورته ثم يفاجا بشخص اخر يدخل البيت او يقتحم مكان الخلوة فان الفاعل يعد

مرتكبا للشروع في جريمة هتك العرض ويدخل تحت طائلة الفصل 484 من القانون الجنائي.

وكذلك من اخذ شخصا ذكرا كان او انثى قاصرا او راشدا واسقطه على الارض وسار يكشف عن عورته وذلك بتمزيق ثياب الضحية او يفك ازرار سرواله، وعلا صياح هذا الاخير واستغاثته واقبل بعض الناس للاغاثة فان الجاني يكون مرتكبا محاولة هتك العرض بالعنف ويقع تحت طائلة الفصل 485 من القانون الجنائي.

وكذلك من يقبل على شخص نائم وشرع في فك سرواله وازالته او تمزيقه من الخلف، يعد كذلك مرتكبا لمحاولة جريمة هتك العرض.

وتقدير كون الفعل الذي قام به الجاني يعد محاولة لارتكاب جريمة هتك العرض او مجرد جنحة الاخلال العلني بالحياء ترجع لسلطة قاضي الموضوع التقديرية الذي يمحص الافعال والاحداث وظروف القضية وملابساتها ونية الجاني ولا رقابة للمجلس الاعلى على القاضي في تقدير ذلك.

اذا لم تكن الافعال التي قام بها الجاني في نظر القاضي كافية لاعتبارها جريمة هتك عرض يمكن ان يغير الوصف القانوني الذي اعطته النيابة العامة للجريمة وتكييفها على انها جنحة الاخلال العلني بالحياء باعتبار ان كل جريمة هتك العرض تحتوي ضمنها جريمة الاخلال العلني بالحياء كما راينا اعلاه.

وللبحث بقية

بعض المراجع

10- شرح قانون العقوبات ط 2 ص 340-341

11- الجرائم الجنسية ص 211

12- القانون الجنائي اخراج وطبع وزارة العدل المغربية ص 428

13- قانون العقوبات لمحمود بنصور الطبعة الاولى سنة 71 ص 334

14- شرح قانون العقوبات القسم الخاص ص 344

15- الجرائم المخلة بالاداب ص 373

16- نفس المرجع السابق

17- نفس المرجع ص 362

* مجلة المحاكم المغربية، عدد 15، ص 8.