أحكام التعاقد بالنيابة في ضوء التشريع المغربي

للأستاذ محمد اوغريس نائب الوكيل العام للملك
لدى محكمة الاستئناف بالدار البيضاء
مقدمة :
من المبادئ المقررة في ميدان التعاقد ان العقد لا يلزم الا من كان طرفا فيه، فأثاره لا تنصرف الا الى متعاقديه بالذات ما دام قد ارتضيا ذلك.
غير هذه القاعدة ليست مطلقة، اذ قد يحدث أحيانا، وهذا جائز قانونا، ان يتعاقد شخص نيابة عن غيره فتنصرف آثار التعاقد مباشرة الى هذا الغير كما لو كان قد باشر العقد بنفسه فتترتب له الحقوق ويتحمل بالالتزامات الناشئة عنه، ويكون للأصيل الحق في المطالبة بها بنفسه كما يطالب بتنفيذ الالتزامات.
والتعاقد بالنيابة يقتضي حلول إرادة النائب محل إرادة الأصيل في إبرام تصرف قانوني باسم الأصيل ولحسابه وذلك ضمن حدود النيابة المرسومة له.
والتعاقد بالنيابة وليد التطور التاريخي بعد ان اختلف في تبيان أساسه وهو ذو فائدة كبرى في الحياة العملية.

وعليه، فسنتحدث عن أساس التعاقد بالنيابة، فائدته في الحياة العملية ثم نبين موقف التشريعات الحديثة منه بعد الحديث عن التطور التاريخي له وذلك قبل الحديث عن أحكام التعاقد بالنيابة التي سنتناولها في فصلين اثنين : الفصل الأول نعرف فيه بالنيابة، ونقارن بينها وبين الأوضاع المشابهة لها مع بيان أنواعها، وفي الفصل الثاني شروطها وأثارها.

1- أساس التعاقد بالنيابة :
اذا النائب هو الذي يبرم العقد، فان الأصل هو الذي تنصرف اليه أثاره إيجابية كانت ام سلبية، الأمر الذي يدعو الى التساؤل عن الأساس الذي تستمد منه النيابة مصدرها، حتى يمكن التسليم بانصراف آثار التعاقد الى شخص لم يكن طرفا فيه.
فما هو اذن الأساس الذي نبغي الاعتماد عليه من اجل تفسير الارتباط القائم بين إرادة الأصيل ارادة النائب؟
لقد اختلف الفقه بين قديم وحديث في ايجاد أساس قانوني لنظرية التعاقد بالنيابة.
فالفقهاء القدامى الذين درسوا الموضوع اختلفوا في تبيان أساسه، فلقد ذهب الفقه بويته ومن بعده فقهاء القرن التاسع عشر الى ان أساس ارتباط ارادة الأصيل بارادة النائب يقوم على مجاز او افتراض قانوني.
فالنائب وان كان يتقمص شخصية الأصيل ويتكلم بلسانه، ويحل ارادته محله، فان الأصيل هو الذي يعد عاقدا وبالتالي فان آثار العقد موجبة كانت ام سالبة تنصرف اليه وحده على الرغم من ان النائب هو الذي ابرم العقد مع الغير (1).
----------------------
(1) السنهوري - مصادر الحق - صفحة 168.
ماجد الحلواني - نظرية الالتزام - الجزء الأول، صفحة 72.
زهدي يكن - شرح قانون الموجبات والعقود - الجزء الرابع صفحة 61.
انور سلطان - النظرية العامة لالتزام - الجزء الأول، صفحة 58.
---------------------
غير ان هذا الراي لم يسلم من النقد لكونه لا ينسجم مع الواقع. ففي النيابة القانونية يستحيل القول بان النائب يتكلم بلسان الأصيل، اذ نجد الأصيل قد يكون عديم الاهلية او ناقصها كما ان النائب في النيابة الاتفاقية قد يمنح نصيبا من حرية التقدير مما يميزه عن الرسول الامر الذي يستعصي معه القول بان يتقمص شخصية الاصيل.
ولقد ظهر الى جانب هذا الراي، راي فقهي اخر يرى ان النيابة هي حصيلة تعاون مثمر بين ارادة النائب وارادة الاصيل، واول من قال به هو العلامة سافيني.
فارادة الاصيل قد تشترك الى جانب ارادة النائب مما يجعل لكل واحد منهما نصيبه في ابرام العقد والقول بالتالي بوجوب الاعتداد بكلا الارادتين .
غير انه لم يلبث ان تبين ان هذا الراي اذا كان يصدق على النيابة الاتفاقية التي تشترك فيها ارادة النائب عند ابرام العقد فانه لا يصدق على النيابة القانونية التي تكون ارادة الاصيل فيها منعدمة او ناقصة (2).
------------------------
(2) يرى بعض الفقه ان درجة اشتراك ارادة الاصيل الى جانب ارادة النائب تتفاوت بتفاوت حرية التقدير والتصرف المخولة للنائب في النيابة الاتفاقية على خلاف النيابة القانونية التي تنفرد فيها ارادة النائب وحدها بابرام التصرف.
والى جانب الرايين السابقين توجد نظريتان اولهما ترى ان اساس التعاقد بالنيابة هو ارادة الاصيل وثانيهما ارادة النائب.
فالاولى التي تعتمد على ارادة الاصيل ترى ان الارادة لا تلزم الا صاحبها فينبغي اعتبار العقد منعقدا بارادة الاصيل وهي ارادة نقلها النائب الى الغير. فالنائب لا يعدو ان يكون سوى مجرد وسيط يقتصر دوره على نقل ارادة الاصيل الى الغير.
ويؤخد على هذه النظرية كذلك انها لم تحدد طبيعة النيابة كما انها لم تعط تفسيرا واضحا لحالات النيابة ( انور سلطان - امرجع السابق - صفحة 69، 70. السنهوري - المرجع السابق - الصفحة 152).
----------------------------
اما افقه الحديث فيذهب الى ان اثار العقد التي تنصرف الى الاصيل اساسها مبدا سلطان الارادة. فارادة النائب وارادة الغير المتعاقد معه بامكانهما ان يضيفا اثار التعاقد الى الاصيل خصوصا وان القانون هو الذي يكون قد قضى بذلك او ان ارادة الاصيل هي التي ارتضت التصرف ورغبت في ذلك لما لها من مصلحة فيه.
ولعل مبدا سلطان الارادة الذي اهتدى اليه الفقه الحديث من اجل تفسير التعاقد بطريق النيابة افضل معيار وذلك لما لارادة الشخص من قدرة منشئة للتصرف (3).

2- فائدة التعاقد بالنيابة :
يلعب نظام التعاقد بالنيابة دورا هاما في الحياة العملية، فهو نظام كثير الشيوع تزداد اهميته يوما بعد يوم بحكم المعاملات التي يجريها الاشخاص وخاصة في المجال التجاري. (4)
فقد تدعو الضرورة احيانا اللجوء الى نظام النيابة، فتضحى ضرورية كما هوالشان في الحالة التي يكون فيها شخص الاصيل غير متمتع بالاهلية.
--------------------------
= اما النظرية الثانية فترى ان اساس التعاقد بالنيابة هو ارادة النائب وحدها وان العقد ينعقد بارادته والعلة في ذلك ان النيابة تؤدي الى انفصال السبب عن الاثر القانوني المترتب عنه والسبب وان كان من عمل النائب، فان الاثار المترتب عنه يضاف الى الاصيل مباشرة.
غير انه يؤخذ على هذه النظرية انها لم تبين الاساس الذي من اجله انفصل السبب عن الاثر واضيف الاثر المترتب عنه للاصيل.
(3) فرج الصدة - المرجع السابق - صفحة 134.
(4) يذهب روبير الى القول في هذا الصدد :
En dehors même des cas ou il est nécessaire le remplacemet d'une persone par une autre est commode et avantaguese. Il facilité trés notablement d'extension de l'activité juridique des particulierrs et par là, le développement des rapports d'affaires. (Traité pratique du droit civil, tome 8, page 71).
-----------------------------
اللازمة لمباشرة التصرف كالقاصر او المجنون مثلا (5) او كما هوالشان بالنسبة للحارس القضائي الذي يتولى النيابة عن غيره في ادارة امواله والمحافظة عليها او السنديك الذي يمثل المفلس ودائنيه في ادارة امواله.
غير ان هذا لا يعني ان النيابة تكون دائما ضرورية بل على العكس من ذلك فقد تستجد ظروف وحالات تقضي فيها مصلحة الاصيل بانابة الغير عنه، كما لو كان مسافرا ولا تسمح له الظروف بابرام العقد، او بعيدا عن مكان ابرامه وخاف من ضياع صفقة رابحة فينيب عنه الغير فيها لكونه يملك من المؤهلات ما يجعله كفئا للتعاقد فتكون النيابة حينذاك نافعة.
فالاصيل بفضل التعاقد بالنيابة يضحى اما دائنا او مدينا في التصرف على الرغم من انه لم يبرمه بذاته او لم يشارك فيه ساعة ابرامه.
وفي هذا المعنى ذهب الاستاذ عبد الفتاح عبد الباقي القول " ان النيابة نظام جليل الفائدة، واعماله كثير الشيوع في العمل، فمن الناحية قد تكون النيابة نظاما ضروريا ويحدث هذا على وجه الخصوص بالنسبة لعديمي الاهمية او ناقصيها كالقاصر او المجنون او المعتوه او السفيه او ذي الغفلة فلا يجيز القانون لهؤلاء ابرام التصرفات القانونية او بعضها بانفسهم، لكنه يقدر مع ذلك ان مصلحتهم قد تقتضي ابرامها حتى لا تتعطل مصالحهم وهنا تجوز النيابة كضرورة لامكان اجراء تلك التصرفات عن طريقها، وحتى في الاحوال التي لا تكون النيابة فيها ضرورية فقد تبرز كنظام نافع يسهل على الناس امور حياتهم عن طريق تمكينهم من اجراء
-----------------------
(5) في هذا المجال نجد المشرع قد نظم النيابة القانونية فعين من ينوب عن القاصر كالوالي والوصي والمقدم، وذلك حتى لا تتعطل مصالح اصيل ولا ينقطع سيرها العادي.
----------------------
تصرفات يتعذر تمكينهم من ابرامها بانفسهم لغيابهم عن مكان عقدها او لقلة المامهم بها او لكثرة مشاغلهم عنها ولاي سبب اخر" (6).
اما بودان فيذهب الى ان النيابة لا تطبق على العقود فقط بل تطبق حتى على التصرفات القانونية فاحيانا يلجا اليها الاشخاص الكاملي الاهلية من اجل توفير مشقة وذلك بانابة الغير عنهم كما هو الشأن بخصوص الوكالة واحيانا تدعو الضرورة اليها وفي هذه الحالة ينظمها القانون (7).
والاصل في التعاقد بالنيابة الجواز، حيث تجوز النيابة في كل تصرف قانوني ما لم ينص القانون على خلاف ذلك، او ما لم يتعلق الامر بتصرف شخصي محض حيث يشترط حضور الاصيل نفسه كما هوالشان في اداء الشهادة، او حلف اليمين (8).
واذا كان الاصل ان التعاقد بالنيابة يجوز في كل تصرف قانوني باستثناء التصرفات التي تعتبر اعمالا شخصية أي تلك التي يجب ان تصدر عن صاحبها شخصيا، فان من التشريعات من تذهب الى منعه بخصوص بعض التصرفات، كما هو الشان في التشريع الفرنسي الذي يمنع النيابة في الزواج على خلاف التشريع المغربي والشريعة الاسلامية اللذان يجيزانها.

3- التطور التاريخي لفكرة التعاقد بالنيابة :
لم تكن القوانين القديمة تسلم بفكرة التعاقد بالنيابة كما هو الشأن اليوم في القوانين الحديثة التي اصبحت تعترف بتعاقد الشخص نيابة عن غيره مع جعل اثار التعاقد تنصرف الى الاصيل.
---------------------
(6) دروس مصادر الالتزام صفحة 117.
وفي هذا المعنى راجع السنهوري - نظرية العقد - صفحة 206 وحشمت ابو ستيت - مصادر الالتزام - صفحة 114، وربير وبلانيول - المرجع السابق - الجزء 8 صفحة 71.
(7) بودان - القانون المدني - صفحة 13.
(8) جاء في المادة 882 من قانون الالتزامات والعقود : " تعتبر الوكالة كان لم تكن اذا كان محلها عملا لا يجوز اجراؤه بطريق النيابة اعطاء اليمين".
-------------------
فالقانون الروماني في بداية عهده لم يكن يعرف النيابة خصوصا وان رابطة الالتزام كانت رابطة شخصية ومحضة، تقتصر على المتعاقدين وحدهما دون امكانية امتدادها الى الغير، زيادة عل الاوضاع والشكليات التي كانت سائدة انذاك، حيث كان شكلية العقود تقضي بعدم امكانية مباشرتها الا من طرف المتعاقد نفسه وجعل اثارها تنسحب اليه وحده دون غيره.
غير ان مقتضيات التعامل ما لبثت ان تغيرت وجعلت القانون الروماني يسلم بفكرة نيابة الابن او العبد عن رب الاسرة وذلك في حدود ضيقة بجعل رب الاسرة دائنا لا مدينا نظرا لما له من سلطة عليهما. (10)
ففكرة التعاقد بالنيابة في القانون الروماني وقفت عند حدود نيابة الابن والعبد عن رب الاسرة ولم تتجاوزهما الى غيرها، سيما وان المجتمع الروماني في ذلك الوقت كان مجتمعا فلاحيا في طور النمو، والمعاملات التجارية فيه كانت بسيطة الشيء الذي جعل التصرفات القانونية تكون قليلة.
فالروماني لديه الوقت الكافي للقيام بالتصرفات القانونية التي يحتاج اليها وفي الحالة التي يتعذر عليه القيام بها بنفسه، فانه ينيب عنه فيها من هو تحت سلطته (11).
يتضح مما سبق ان النيابة في القانون الروماني بدون وساطة الابن او الرقيق كانت منعدمة، فالاجنبي الذي يتعاقد مع الوكيل لا علاقة تربطه بالموكل ولا يستطيع الرجوع عليه، كما ان الموكل بامكانه الرجوع على الوكيل دون المتعاقد الاجنبي الذي لا تربطه به اية رابطة، فرابطة التعاقد بقيت محصورة في اطار ضيق وهو قيام علاقة بين الوكيل والغير الاجنبي دون وجود اية علاقة مباشرة بين الموكل والغير الاجنبي كما هو الشان في التشريعات الحديثة.
----------------------
(9) السنهوري - نظرية العقد - صفحة 208.
ربير وبلانيول - المرجع السابق - صفحة 72 على الهامش.
جاء في المادة 10 من مدونة الاحوال الشخصية " يجوز للوالي ان يوكل من تعاقد نكاح وليته كما للزوج ان يوكل من يعقد عنه".
(10) سليمان مرقس - شرح القانون المدني - الالتزامات صفحة 91.
(11) فلاتيه - العقود لحساب الغير - صفحة 24.
---------------------
غير ان فكرة التعاقد بالنيابة ما لبثت ان تطورت بحكم التطور التاريخي، فاصبح الغير يتمتع بدعوى قبل الاصيل الى جانب دعواه قبل النائب وفي نفس الوقت منح النائب القانوني كالوالي والوصي دفعا يدفع به دعوى الغير الموجه ضده بحيث لم يبق لهذا الغير سوى دعوى واحدة وهي دعواه ضد الاصيل مما يؤدي الى القول ان النيابة اصبحت تامة.
فالقانون الروماني في هذه المرحلة التالية تمكن من ربط علاقة مباشرة بين الاصيل والغير في اطار النيابة القانونية دون النيابة الاتفاقية فجعل اثار العقد تنصرف الى الاصيل دون النائب.
ويرى الاستاذ سليمان مرقس " ان الغير قد اعطى في هذه المرحلة التالية دعوى قبل الموكل او الاصيل فوق دعواه الاصلية قبل الوكيل او النائب، ثم اعطي من ينوب عن غيره بقوة القانون الوصي او القيم دفعا يدفع به تلك الدعوى الاصلية بحيث لم يبق للغير الا دعواه قبل الاصيل. ومن جهة اخرى اعطي النائب القانوني دفعا يدفع به دعواه الاصلية ضده بعد ان اعطي الاصيل دعوى مباشرة قبل الغير. وهكذا وصل القانون الروماني الى ان يرتب على النيابة القانونية دون ان النيابة الاتفاقية علاقة مباشرة بين الاصيل والغير مع عدم تعلق اثار العقد، موجبة او سالبة بشخص النائب القانوني" (12).
-------------------
(12) سليمان مرقس - المرجع السابق - صفحة 92.
-------------------
ويؤيد هذا الراي ما ذهب اليه ماجد الحلواني بقوله : " ولهذا اخذت الحقوق الرومانية في نهاية عهدها بامكانية منح الاصيل والطرف الذي تعاقد مع النائب دعوى مباشرة لكل منهما اتجاه الاخر، بالاضافة الى دعوى النائب قبل المتعاقد معه ودعوى هذا قبل النائب، ولكنها لم تصل الى إقرار المبدا العام في النيابة والذي يقضي بان تترتب اثار العقد في ذمة الاصيل دون ذمة النائب" (13).
وهكذا تطورت فكرة النيابة في ظل القوانين الحديثة التي اجازت للشخص التعاقد نيابة عن غيره دائنا كان او مدينا، مع جعل اثار التصرف تنسحب الى شخص الاصيل الذي لم يكن طرفا في العقد جاعلة بذلك دور النائب يقتصر على انشاء العقد.
ولعل السبب في هذا التطور الحاصل يعود الى ما ذهب اليه الاستاذ السنهوري من ان القانون الكنسي الذي اجاز نيابة شخص عن اخر في تصرف قانوني يباشره بالنيابة عنه، وذلك بعد ان تحررت الارادة من الشكل وجعلت وحدها كافية لانشاء الالتزام (14).

4- موقف التشريعات الحديثة من نظرية التعاقد بالنيابة :
ذهب بعض الفقه الى القول بان فكرة التعاقد بالنيابة ما هي الا صورة حديثة نسبيا من صور الفن القانوني (15).
---------------------
(13) نظرية الالتزم - الجزء الاول - مصادر الالتزام، صفحة 76.
(14) مصادر الحق، صفحة 165.
(15) فرج الصدة - محاضرات في القانون المدني، صفحة 131.
--------------------
ففكرة التعاقد بالنيابة لم تبرز الى الوجود دفعة واحدة بل ظهرت تدريجيا بحكم التطور التاريخي، الامر الذي جعل بعض التشريعات تاخذ بها وتفرضها بتنظيم خاص بها فتبين احكامها وشروطها، كما هو الشان في التشريع الالماني والايطالي والسويسري (16). ونفس الاسلوب نهجه المشرع المصري في قانونه المدني الجديد الذي افرض نصوصا خاصة بها بعد ان كانت احكامها متفرقة في الباب المتعلق بالوكالة في ظل القانون المدني القديم (17)، وهو المنهج الذي نهجه المشرع السوري الذي نظم النيابة وخصها بالمواد 105-109 من قانونه المدني (18).
اما المشرع اللبناني فقد تناول احكام النيابة او التمثيل في الفصل الخاص بمفاعيل العقود في المادتين 223 و224 من القانون المدني ونفس الشيء فعله القانون العراقي الذي اقتصر على ايراد بعض المواد في الباب الخاص بالوكالة (19).
اما المشرع المغربي فشانه شان المشرع الفرنسي (20) لم يفرد بابا خاصا للنيابة وانما اقتصر على ما جاء في باب الوكالة في قانون الالتزام والعقود زيادة على النصوص المنظمة للنيابة الشرعية او القانونية الواردة احكامها في مدونة الاحوال الشخصية او قانون الالتزامات والعقود ذاته.
-----------------------------
(16) القانون المدني الالماني تعرض للنيابة في المواد 164-180 والقانون المدني السويسري في المواد 32-40 والمشروع الفرنسي الايطالي في المواد 30-37 .
(17) سليمان مرقس - المرجع السابق - صفحة 93 و94.
السنهوري - نظرية العقد - صفحة 207.
(18) فرج الصدة - المرجع السابق - صفحة 131.
(19) زهدي يكن - شرح قانون الموجبات والعقود اللبناني - الجزء الثالث عشر صفحة 65.
(20) نلاحظ ان المشرع المغربي في المادة 33 من قانون الالتزامات والعقود والذي جاء فيه : " لا يحق لاحد ان يلزم غيره ولا ان يشترط لصالحه الا اذا كانت له سلطة النيابة عنه بمقتضى وكالة او بمقتضى القانون" لم يقرر مبادئ مفصلة للنيابة وانما قرر امكانية وقوع النيابة قانونية او اتفاقية.
وقد جاء في المادة 1984 من القانون الفرنسي : ان الوكالة او النيابة هي عقد يمنح شخص بموجبه سلطة عمل شيء لحساب الموكل وباسمه، في حين جاء في المادة 879 من قانون الالتزامات والعقود المغربي: بان الوكالة - دون ايراد عبار ة النيابة - هي عقد بمقتضاه يكلف شخص شخصا اخر باجراء عمل مشروع لحسابه.
ولعل السبب الذي حدا بالمشرع الفرنسي الى عدم التمييز بين كلمة وكالة ونيابة وهو الخلط الذي وقع فيه كما ان كثير من العقود المبرمة لحساب الغير عن طريق النيابة قد تلتصق صوريا بالوكالة وذلك خلافا للواقع، كالتعاقد مع حق التقرير مثلا لذا نجد الفقه الفرنسي الحديث يحاول اخراج العناصر الاساسية للنيابة والعمل على فصلها عن الوكالة نظرا للخلط الموجود بينهما.
راجع فلاتيه - المرجع السابق - الصفحة 69 -71
--------------------------
ولعل السبب الذي من اجله افردت بعض التشريعات الحديثة امكنة خاصة بالنيابة يمكن في الفروق العملية الموجودة بين النيابة والوكالة.
تعريف النيابة مقارنتها بالاوضاع المشابهة لها، انواعها.
سنتناول هذا الفصل بالبحث في ثلاث فروع على الشكل الاتي :
الفرع الاول : تعريف النيابة.
الفرع الثاني : مقارنة النيابة بالاوضاع المشابهة لها.
الفرع الثالث : انواع النيابة .

الفرع الاول
تعريف النيابة
تعرف النيابة بانها حلول ارادة شخص يطلق عليه النائب في ابرام تصرف قانوني محل ارادة شخص اخر يطلق عليه الاصيل ولحسابه ضمن حدود النيابة المرسومة له مع جعل اثار هذا التصرف تنصرف مباشرة الى شخص هذا الاصيل.
ففي التعاقد بالنيابة تنصرف اثار التعاقد الى شخص الاصيل رغم انه لم يقم بابرامه ولا بالمساهمة حتى في ابرامه في حين اقتصر الامر فيه على النائب وحده والغير متعاقد معه.
فخلافا للقاعدة القائمة بان العقود لا تنتج اثارها الا بين متعاقديها فان اثار العقد تنصرف الى الاصيل رغم ان النائب هو الذي انشا العقد فنصل الى نفس النتيجة كما لو كان الاصيل هو الذي ابرمه بنفسه.
والاصيل في التعاقد بالنيابة كما سبق القول الجواز، وكل تصرف يجوز للشخص ان يجريه بنفسه يمكنه انابة الغير عنه في اجرائه يستوي في ذلك ان تتم النيابة عن احد طرفي العقد او عنهما معا كما هو الشان في التعاقد مع النفس (21).
فعن طريق النيابة اذن نصل الى نفس النتيجة المرجوة من التعاقد وهي انصراف اثار العقد الى الاصيل كما لو كان هو الذي تعاقد بنفسه مع الغير واختفاء شخصية النائب من ساحة التعاقد بمجرد الانتهاء من ابرام العقد فيصبح المتعاقدان الحقيقيان هما الاصيل والغير ذلك ان النائب انما كان يتعامل مع الغير على هذا الاساس أي باسم الاصيل ولحسابه (22).
وقد عرف كاربونيه النيابة بانها الالية التي بمقتضاها يبرم شخص النائب عقدا لحساب الاصيل فتنشا حقوقه والتزاماته في ذمة هذا الاخير وهذه الالية تمكن من ابرام عقود لصالح عديم الاهلية او ناقصها كالقاصر او الممنوع ما دام غير قادر على ابرامها (23).
------------------------
(21) راجع كتابنا التعاقد بطريق النيابة في ضوء التشريع المغربي - رسالة - كلية الحقوق، البيضاء. - راجع تعليقنا على القرار الصادر عن محكمة الاستئناف بالرباط بتاريخ 12/10/1982 تحت عدد 4267 على ضوء المادة 731 من قانون الالتزامات والعقود المغربي والذي تحدثنا فيه عن تعاقد الشخص مع نفسه وهو منشور بمجلة المحاكم المغربية عدد 33 - اكتوبر1984 صفحة 57.
(22) بودان - القانون المدني، صفحة 14.
(23) كاربونيه - القانون المدني، صفحة 176.
-----------------------
اما بلاينول وربير فقد ذهبا الى انه عندما يكون العقد المبرم من طرف شخص لصالح اخر من شانه ان يرجع الاثار القانونية موجبة كانت ام سالبة تترتب في ذمة الاصيل تكون هناك نيابة (24).
فالشخص في التعاقد بالنيابة يستطيع ان يجري باسم الغير ما لا يستطيع اجراؤه اصالة عن نفسه كما هو وارد بصريح النص في المادة 880 من قانون الالتزامات والعقود المغربي.
وقد عرف الاستاذ عبد الفتاح عبد الباقي النيابة بانها نظام قانوني مؤداه ان تحل ارادة شخص معين يسمى النائب محل ارادة شخص اخر هو الاصيل في انشاء تصرف قانوني تنضاف اثاره الى الاصيل لا الى النائب.(25)
غير ان الاستاذ موريل يرى ان النيابة هي وظيفة تعطى الى النائب على اثر اتفاق او حكم او نص يستطيع النائب بواسطتها ان يرتب اثارا قانونية في ذمة الاصيل المالية (26).

1- تمثيل الاشخاص المعنوية :
ان التعاقد بالنيابة لا يقتصر على الاشخاص الطبيعيين فحسب بل يشمل حتى الاشخاص المعنويين. ولما كان الشخص المعنوي لا يستطيع التعبير عن ارادته فقد بات من اللازم تعيين من ينوب عنه في التعبير عنها عند الرغبة في اجراء تصرفات قانونية.
والشخص المعنوي قد يكون شركة، جمعية عمومية، يحتاج من اجل تقوية نشاطه الى ابرام عقود مع الغير، وهذه العقود الا يتاتى ابرامه الا من طرف ممثليه من مدراء او متصرفين او وكلاء فتصرف اثاره الى الشخص المعنوي نفسه على الرغم من ان التعبير عن الارادة قد تم بواسطة النائب.
-----------------------
(24) ربير وبلافيول - المرجع السابق، صفحة 71.
(25) دروس من مصادر الالتزام، صفحة 117.
(26) زهدي يكن - شرح قانون الالتزامات والعقود الجزء الرابع، ص 61.
-----------------------
ويرى ربير وبلانيول ان الاشخاص المعنوية يمكن ان تكون وكيلة عن الغير، شانها في ذلك شان اشخاص طبيعية وان ارادة وكلائها تحل محلها في التعبير عن ارادتها.
وكما ان الشخص المعنوي لا يمكنه ان يتصرف الا بواسطة مدرائه ومتصرفيه ووكلائه فقد جرت العادة على القول بان هؤلاء يمثلونه (27).

2- التمثيل بواسطة المستخدم :
يعتبر المستخدم بمقتضى عقد العمل تابعا لمخدومه، فهو يطبق تعليماته فقط ولا ينوب عنه فعلاقته هي علاقة التابع بالمتبوع.
غير انه قد يحدث احيانا ان يمنح رب العمل لبعض مستخدميه بعض السلطات كتحديد ثمن البضاعة المعروضة للبيع مثلا او اختيار نوعية الزبناء، فيمتزج عقد العمل بالنيابة، وتبدو نيابة المستخدم عن مخدومه جلية واضحة، وعندئذ ينبغي تطبيق القواعد المتعلقة بالنيابة اذا ما مارسها في اطار السلطة الممنوحة له. ولا يهم بعد ذلك ما اذا كانت صريحة او ضمنية (28) تبعا لما اقره الاجتهاد من ان الطابع الاساسي للنيابة لا يتحقق الا في السلطة الممنوحة للوكيل وذلك بالعمل نيابة عن الموكل (29)
-------------------------
(27) ربير وبلانيول - المرجع السابق - صفحة 70-73.
فيرار جارجيت - نظرية الالتزامات، صفحة 80-82.
(28) ربير بلانيول - المرجع السابق - صفحة 71.
وقد جاء في المادة 884 من قانون الالتزامات والعقود المغربي " غير انه لا يفترض في الخدم انهم موكلون في شراء الحاجيات الضرورية لمنازل مخدومهم بالسلف ما لم يثبت ان من عادة المخدوم الشراء بالسلف". فالمشرع هنا يكون قد اقر الوكالة الضمنية للخادم.
(29) حكم محكمة النقض الفرنسية الصادر في 14 ابريل1886 ( انظر زهدي يكن - شرح قانون الموجبات والعقود اللبناني - الجزء 13 - صفحة 9.
-------------------------
الفرع الثاني
مقارنة النيابة بالاوضاع المشابهة لها.
يجب تمييز التعاقد بالنيابة عن بعض الاوضاع المشابهة، مبينين في ذلك اوجه الشبه واوجه الخلاف بالنسبة لكل حالة على حدة.

اولا : النيابة والرسالة :
في التعاقد بالنيابة يعبر النائب عن ارادته الشخصية التي تحل محل ارادة الاصيل فهو ليس بوسيط تقتصر مهمته على نقل ارادة احد الطرفين الى الطرف الاخر الذي يجعل منه رسولا.
فالنائب اذن يفترق عن الرسول ويظهر على الفرق جليا فيما ياتي :
فالرسول يقتصر دوره على نقل ارادة احد الطرفين الى الطرف الاخر، لا يهم بعد ذلك اذا ما كان نقل هذه الارادة قد تم شفويا او كتابيا ولا دخل لارادته الشخصية في عملية التعاقد. فالرسول هو بمثابة مبلغ بين الطرفين (30).
ويذهب حشمت ابو ستين الى ان الرسول ناقل لارادة الغير على حالها، أي كما عبر عنها ذلك الغير (31).
اما النائب فعكس الرسول فهو لا ينقل ارادة الاصيل بل يعبر عنها وذلك باحلال ارادته الشخصية محلها.
والتعاقد بنائب يعتبر كالتعاقد بين حاضرين اذ جمع النائب والغير متعاقد معه مجلس واحد، اما التعاقد برسول فيعتبر تعاقدا بين غائبين ما دام الاصيل يتعاقد بنفسه ولكن بواسطة رسول عنه حتى ولو جمع الرسول والطرف الاخر مجلس واحد.
--------------------------
(30) انظر مصطفى الزرقاء - محاضرات في القانون المدني السوري - صفحة 69.
(31) حشمت ابو ستيت - المرجع السابق - صفحة 12.
--------------------------
فالعبرة في التعاقد بالنيابة هي بارادة النائب التي تحل محل ارادة الاصيل، لذا وجب فيه ان يكون متمتعا بالتمييز، اذ لا يحصل ان يكون نائبا للصبي غير المميز لانعدام إرادته، وان تكون ارادته خالية من العيوب التي قد تشوبها كالغلط او التدليس او الاكراه، اما في التعاقد برسول فان العبرة بارادة المرسل لا الرسول الذي يعد ناقلا لها. ولا يشترط توافر اهلية الالتزام فيه ما دام قادرا على نقل الرسالة.
ويجمع الفقه على صحة الرسالة الواقعة من الصبي غير المميز او المجنون، أي انه يصح ان يكون رسولا، الصبي غير المميز او المجنون ما دام عيوب الارادة لا يرجع فيها الى الرسول بل الى المرسل.
فالتعاقد برسول لا يعدو ان يكون سوى مجرد اداة لنقل ارادة المرسل الى المرسل اليه، فدوره في التعاقد لا يختلف عن الدور الذي تقوم به ادارة البريد او التلغراف من اجل تبليغ الرسائل والبرقيات لاصحابها.
ولا يخفى ان التعاقد بالنيابة يدفع بالنائب الى اتخاذ نوع من المبادرة. وتتجلى هذه المبادرة في السلطة الممنوحة له، وبعبارة اخرى في مدى حرية التقدير التي يتوفر عليها بصفته نائبا. وعليه فلا يعتبر نائبا الرسول في التعاقد بين غائبين، ولا المستخدم الذي يبرم عقودا مع زملاء مخدومه ولا المستخدم الذي يوزع اوراق السينما، مقابل مبالغ معينة ما دامت مهامهم لا تسمح لهم باي تدخل شخصي(32).
وعليه كيفما كان نوع التفرقة بين النائب والرسول، فانه يمكن القول بصورة عامة ان النائب هو من يتمتع بقسط وافر من حرية التقدير في اجراء تصرف قانوني تترتب اثاره في ذمة الاصيل، اما الرسول فهو من يقتصر دوره على نقل ارادة شخص الاصيل - المرسل - الى الغير على حالها أي كما عبر عنها دون أي تدخل شخصي من جانبه.
---------------------
(32) موسوعة دالوز- كلمة وكالة - صفحة 196 بند 4.
بودان - المرجع السابق - الجزء 2 بند 296.
---------------------
وعلى الرغم من الفروق الموجودة بين النائب والرسول، فقد يحدث احيانا ان تجتمع في الشخص الواحد، وفي نفس الوقت صفة الرسول والنائب، ويتم ذلك في الحالة التي يصدر اليه فيها الاصيل تعليمات محددة لا يستطيع الخروج عنها في امر من امور العقد المزمع بالنيابة عنه مع ترك حرية التقدير له في بقية الامور (33).

ثانيا : النيابة والوكالة :
كثيرا ما يقع الخلط بين النيابة والوكالة، خصوصا وان القانون الروماني لم يعرف النيابة الا بعد مرور فترة طويلة من الزمن، فبقي الخلط سائدا في بضع التشريعات الحديثة التي لم تفرد بابا خاصا للنيابة حيث كانت تدرج النيابة في الباب الخاص بالوكالة (34).
ونظرا للفروق العملية الموجودة بين النوعين، قامت بعض التشريعات الحديثة ففرقت بين الوكالة والنيابة مبينة بذلك احكام هذه الاخيرة وشروطها واثارها (35).
---------------------
(33) ربير وبلانيول - المرجع السابق - الجزء 8 صفحة 78.
(34) اذا كان المشرع الفرنسي لم يفرد فصلا خاصا بالنيابة وانما اكتفى بما جاء في الوكالة فانه يتبين بالرجوع الى المفهوم المخالف للمادة 1119 مدني فرنسي ان التعاقد بطريقة النيابة جائز ( انظر السنهوري - نظرية العقد - صفحة 218 على الهامش).
(35) نجد القانون المدني الالماني ( في المواد 164-180) والقانون المدني السويسري ( في المواد 32-40) قد افرد كل واحد منهما بحثا خاصا لبيان احكام النيابة وشروطها واثارها.
اما قانون الموجبات والعقود اللبناني فقد اقتصر كما سبق الاشارة، على نظرية النيابة بوجه عام في المادة 223 و224 وان كان لم يتوسع فيها كما فعلت اغلبية التشريعات الحديثة.
انظر زهدي يكن - المرجع السابق - الجزء الرابع صفحة 75.
-----------------------
ويرجع الفضل في هذه التفرقة الى الفقهاء الالمان وعلى راسهم الفقيه اهرنج وهو اول من ميز بين النوعين أي النيابة والوكالة.
وقد عبر الاستاذ السنهوري عن الخلط الموجود بين النوعين بقوله :" ان الموضوعين متصلان احدهما بالاخر اوثق اتصال وان ما يذكر في النيابة يجب ان يكمل بالاحكام الخاصة بعقد الوكالة (36).
وعلى الرغم الخلط القائم بين الوكالة والنيابة قد ميز الفقه بينهما مبينا بان النيابة هي سلطة قانونية لتمثيل شخض معين في ابرام تصرق تستمد مصدرها ممن عقد الوكالة. اما الوكالة فهي العقد التي تستمد منه هذه السلطة، الامر الذي يتجلى منه بكل وضوح الفرق بين السلطة ومصدرها وبالتالي ينبغي عدم الخلط بينهما.
واذا كانت الوكالة اساسها العقد، فان النيابة اساسها الارادة المنفردة اذ الاعمال التي يقوم بها النائب لحساب الاصيل تعود اثارها الى هذا الاخير على الرغم من انه لم يقم بها بنفسه.
يتبين اذن انه ليس من الضروري وجود تلازم بين النيابة والوكالة، فقد توجد النيابة بدون وكالة كما قد توجد الوكالة بدون نيابة، وسنتحدث عن كل حالة على حدة.

أ‌) وجود النيابة بدون وكالة :
قد توجد النيابة على الرغم من انعدام الوكالة، وهذا هو الشان في النيابة القانونية كنيابة الولي، او في النيابة القضائية كنيابة الوصي او المقدم او الحارس القضائي او السنديك.
والجدير بالملاحظة ان عقد الوكالة الذي تستمد منه النيابة مصدرها قد ينتهي احيانا قبل انتهاء سلطة النيابة، كما هو الحال بالنسبة للوكيل الذي يستمر في انجاز اعمال تدخل في اطار الوكالة في وقت يكون فيه الموكل قد انهى عقد الوكالة من دون ان يخبره بذلك - كالعزم مثلا -.
---------------
(36) السنهوري - نظرية العقد - صفحة 210.
--------------
ب‌) وجود الوكالة بدون نيابة :
وقد توجد الوكالة ولكن بدون نيابة كما هو الشان في حالة تعاقد شخص الوكيل باسمه الشخصي، وليس باسم موكله - الاسم المستعار - او حالة تعاقد الوكيل بالعمولة.
ويلاحظ ان هناك فرقا بين الحالة التي يتعاقد فيها الوكيل باسم موكله ولحسابه حيث تنسحب اثار العقد الى الاصيل فنكون امام وكالة ونيابة في ان واحد وبين الحالة التي يكون فيها الشخص وكيلا عن الغير ولكنه يتعاقد باسمه حيث تنعدم النيابة وتبقى العلاقة قائمة بين الوكيل المتعاقد باسمه الشخصي والمتعاقد الاخر ومنحصرة عليهما وحدهما فنكون وكالة دون نيابة.
وعليه فالتمييز بين النيابة والوكالة يؤدي الى القول بوجود نوعين من الوكالة : الوكالة النيابة والوكالة غير النيابة (37).
----------------------
(37) الوكالة النيابة هي التي يطلق عليها الوكالة المكشوفة Mandat ostensible لكونها مقترنة بالنيابة والوكيل فيها يعمل باسم موكله ولحسابه حيث تحتوي على عنصرين عنصر الوكالة الذي هو نتيجة اتفاق بين الوكيل والموكل - عقد الوكالة - وعنصر النيابة وهو نتيجة ارادة صادرة عن اصيل تخول النائب صفة النيابة.
والوكالة غير النيابة ويطلق عليها Mandat simulé وهي الوكالة المجردة عن النيابة وتفرض على الوكيل التعاقد باسمه الشخصي وان كان يعمل لحساب الموكل. وفي والكالة غير النيابة قد يقتصر عمل الوكيل على التعاقد فقط بل يتعداه الى التنفيذ ويبقى ملزما بالعقد الى حين نقل اثاره الى ذمة الموكل.
راجع فلاتيه - العقود لحساب الغير - صفحة 174.
------------------------
ولعل اهم ما يميز النيابة عن الوكالة يكمن في اهلية الموكل والوكيل اولا لان اهلية الوكالة ليست هي بذاتها اهلية النيابة، وفي اقرار الموكل لمجاوزة الوكيل لحدود الوكالة ثانيا.

1- التمييز المتعلق بالاهلية :
يبدو للباحث منذ اول وهلة وجود خلط عند دراسة الوكالة كعقد يرتب التزامات متقابلة في جانب كل من الموكل والوكيل، والوكالة كعقد يضفي على الوكيل صفة النيابة عن الموكل.
فالنظر الى الوكالة باعتبارها عقدا يرتب التزامات متقابلة في كلا الجانبين يؤدي الى القول بضرورة توافر اهلية التصرف لدى الوكيل والموكل. فالموكل مثلا ملزم برد النفقات وتعويض الاضرار الناتجة عن تنفيذ الوكالة مع دفع الاجر للوكيل اذا كانت الوكالة ماجورة والوكيل من جانبه ملزم بتنفيذ الوكالة وتقديم الحساب عنها مع رد ما عنده للموكل، فهذه اعمال تدخل كلها في نطاق التصرف الامر الذي يستوجب معه ضرورة توافر اهلية التصرف في كل منهما.
اما اذا نظرنا الى الاهلية اللازمة توافرها عندما يضفي عقد الوكالة صفة النيابة على الوكيل فهي اهلية تختلف عن الاهلية السالف ذكرها.
فلما كان العقد المبرم من طرف الوكيل ستنصرف اثاره الى الموكل لزم في الموكل ان يكون متمتعا باهلية التصرف، وان يعتد بهذه الاهلية وقت مباشرة الوكيل للتصرف. اما الوكيل فلا حاجة لاشتراطها فيه وانما يكتفي فيه بالتمييز ما دامت شخصيته ستنمحي من ساحة التعاقد بمجرد ابرام التصرف وتبرز معها شخصية جديدة وهي شخصية الموكل.

2- التمييز المتعلق بخروج الوكيل عن حدود الوكالة :
عندما يتعاقد الوكيل مع الغير خارج الوكالة المعطاة له فانه يفقد صفة التعاقد بالنيابة عن الموكل، وبالتالي فان اثار التصرف لا تنصرف الى الاصيل كما ان هذا الاخير لا يلتزم به.
غير ان هذا لا يعني انعدام صفة النيابة عنه بالمرة، بل على العكس فقد تنقلب الوكالة الى نيابة في حالة الاقرار الصادر عن الموكل سواء كان صريحا او ضمنيا اذ الاقرار اللاحق كالتوكيل السابق (38).
فالاقرار يضفي على النائب صفة النيابة باثر رجعي ما دامت ارادة الموكل قد ارتضت التصرف.

ثالثا : النيابة والاشتراط لمصلحة الغير :
في الاشتراط لمصلحة الغير يتعاقد المشترط باسمه لا باسم المنتفع خلافا للنائب في التعاقد بالنيابة الذي يتعاقد باسم الاصيل ولحسابه.
فالذي يعد طرفا في التعاقد بالنيابة هو الاصيل لا النائب الذي تنتهي مهمته بمجرد ابرام العقد واتمامه. اما في الاشتراط لمصلحة الغير فان المشترط هو الطرف في العقد لا المنتفع (39).
ولما كان المشترط طرفا في العقد، فان قبول المنتفع للاشتراط امر ضروري حتى يسري في حقه عقد لم يكن طرفا فيه، بخلاف في النيابة فلا يحتاج لرضا الاصيل وانما يكتفي برضا النائب، ورضا النائب يغني عن رضاء الاصيل.
----------------------
(38) المادة 927 الفقرة الاولى من قانون الالتزامات والعقود المغربي.
(39) فرج الصدة - المرجع السابق - صفحة 101.
----------------------
ومعلوم ان المشترط لا يشترط لمصلحة الغير الا اذا كانت له مصلحة شخصية في الاشتراط اما النائب فانه ينوب عن الاصيل اما بمقتضى القانون او الاتفاق(40)، والغرض من النيابة هنا هو حماية مصالح الاصيل وضمان استقرارها.
واذا كان من اللازم تعاقد النائب باسم الاصيل فانه ليس ضروريا ذكر اسمه وذلك اكتفاء بان التعاقد يتم بالنيابة عن الغير، اما في الاشتراط لمصلحة الغير فان التعاقد يكون صحيحا حتى ولو كانت شخصية المنتفع غير معينة وقت التعاقد.
فالاشتراط لمصلحة الغير يختلف تمام الاختلاف عن التعاقد بالنيابة.
ففي التعاقد بالنيابة اذا كان النائب يقدم حساب للاصيل ويسترد نفقات المصاريف الناشئة عن النيابة، فان هذا ليس امر ضروريا في الاشتراط لمصلحة الغير ما دام للمشترط مصلحة شخصية فيه. كما ان الحق الناشئ عن التعاقد بالنيابة والذي استقر في ذمة الاصيل لا يستطيع النائب الرجوع عنه، اما المشترط فبامكانه الرجوع عن الاشتراط.

رابعا : النيابة والتعهد عن الغير :
يتعاقد الشخص في التعهد عن الغير باسمه لا باسم المتعهد عنه، كما ان اثار العقد تنصرف اليه لا الى الغير المتعهد عنه، على خلاف النائب في التعاقد بالنيابة فانه يتعاقد باسم الاصيل ولحسابه فكان لزاما ان تنصرف اثار التعاقد الى هذا الاخير فتنتج مفعولها في ذمته ما دامت شخصية النائب ستنمحي بمجرد ابرام العقد.
فالتعاقد بالنيابة ينشئ علاقة مباشرة بين الاصيل والمتعاقد مع النائب كما لو كان العقد قد تم بينهما دون وساطة النائب. اما في التعهد عن الغير فالمتعهد يتعهد بحمل الغير المتعهد عنه على قبول الالتزام، وعند الرفض فان المتعهد يتحمل مسؤولية الالتزام.
-------------------
(40) لقد نص المشرع المغربي في المادة 879 من ق ل ع م على " انه يسوغ اعطاء الوكالة ايضا لمصلحة الموكل والوكيل او لمصلحة الموكل والغير بل ولمصلحة الغير وحده.
-------------------
وذا كان من المفروض ان يتحمل المتعهد مسؤولية الالتزام في حالة رفض المتعهد، عنه فانه لا وجود لمثل هذه المسؤولية في التعاقد بالنيابة ما دام النائب قد تعامل مع الغير باسم الاصيل ولحسابه وفي الحدود المرسومة للنيابة.
وعند قبول المتعهد عنه الالتزام، فان عقدا جديدا ينشا بينه وبين الغير المتعاقد معه، في حين نجد عقدا واحدا في التعاقد بالنيابة هو الذي تسري اثاره القانونية بين الغير والاصيل وهو العقد الذي ابرمه النائب مع الغير.
غير انه قد يحدث احيانا الا يتمكن النائب من الحصول على اذن الاصيل لسبب من الاسباب في خصوص امر معين، اما لبعده عن مكان العقد او وجود مانع كقطع شبكة المواصلات، وخوفا من ضياع صفقة رابحة يتعاقد النائب مع الغير متجاوزا حدود النيابة ومتعهدا عن الاصيل، فيقر الاصيل العمل الذي قام به النائب فيضحى عملا صحيحا، ويدخل في اطار النيابة.

خامسا : النيابة والالتزام عن الغير شرط اقراره اياه :
سبق القول ان النيابة هي حلول ارادة النائب محل ارادة الاصيل في ابرام تصرف قانوني تنصرف اثاره الى الاصيل الذي لم يكن حاضرا ساعة ابرامه. اما الالتزام عن الغير شرط اقراره اياه فهو قيام الشخص بابرام تصرف باسم الغير يلتزم فيه الحصول على رضاء هذا الغير.
فالنائب كالملتزم يتعاقد باسم شخص ثان لم يكن حاضرا ساعة التعاقد الا ان النائب في التعاقد بالنيابة عندما يتعاقد مع الغير باسم الاصيل ولحسابه فان اثار التصرف تنسحب الى هذا الاخير دون قيد ولا شرط. اما في الالتزام عن الغير شرط اقراره اياه فلابد من اقرار الملتزم عنه وحصول قبوله داخل اجل لا يتجاوز خمسة عشر يوما بعد اعلامه بالعقد حتى تنصرف اليه اثاره (41).

سادسا : النيابة والسمسرة :
اذا كان التعاقد بالنيابة يتلخص في كون النائب يقوم بابرام تصرف قانوني لحساب الاصيل وباسمه وذلك باحلال ارادته محل ارادة الاصيل وضمن حدود السلطة الممنوحة له فان السمسرة هي قيام شخص يدعى السمسار بربط العلاقة بين شخصين والعمل على التقريب بين وجهتي نظرهما في خصوص امر معين حتى يحصل الاتفاق بينهما.
فالسمسار اذن شخص يسعى الى حمل المتعاقدين على التعاقد وذلك بغية تحقيق الغرض الذي يقوم بالتوسط من اجله. اما النائب فانه ينوب عن الاصيل في ابرام العقد ومن ثم كان يعمل باسمه ولحسابه (42).
وعليه فارادة السمسار تقف عند حدودها ولا دخل لها في عملية التعاقد فهي تنتهي بمجرد ما يعثر السمسار على المتعاقد الاخر. اما النائب فهو يحل بارادته محل ارادة الاصيل في التعاقد.
ومن الملاحظ ان مشاركة السمسار احيانا في بعض المفاوضات الدائرة بين الطرفين المتعاقدين او تحرير العقد لا تاثير لها بتاتا في عملية التعاقد ما دام السمسار لا يعتبر طرفا في العقد خصوصا وان مهمته تنتهي بمجرد اتفاق الطرفين، غير انه ليس هناك ما يمنع من تكليف السمسار بابرام العقد، فيصبح نائبا وسمسارا في نفس الوقت، اذ ان قيامه بابرام العقد نيابة عن الاصيل لا يدخل في نطاق اعمال السمسرة بل على العكس في اطار النيابة،
------------------
(41) المادة 36 من قانون الالتزامات والعقود المغربي.
(42) مصطفى كمال طه - الوجيز من القانوني التجاري، صفحة 299.
حسن يونس - العقود التجارية، صفحة 83.
------------------
وفي هذه الحالة يجب القول اننا بصدد مرحلتين : مرحلة اولية يقوم فيها السمسار باعمال مادية كالتعريف بشخصية المتعاقدين والتقريب بين وجهتي نظرهما من اجل حملهما على التعاقد وهذا هو الغرض الاساسي من السمسرة ومرحلة ثانية يقوم فيها السمسار باعمال قانونية حيث لا يقتصر دوره على التوسط فقط بل يتعداه حتى يشمل ابرام العقد ذاته نيابة عن الاصيل ويصبح نائبا فتطبق عليه احكام التعاقد بالنيابة.

الفرع الثالث
انواع النيابة
ان نوعية النيابة تحدد، اما بتحديد المصدر المنشئ لها والذي يضفي على النائب صفة النيابة فتكون النيابة اما نيابة قانونية او نيابة قضائية او نيابة اتفاقية، واما بتحديد المصدر الذي يحدد مدى ولاية النائب فتكون النيابة اما نيابة قانونية او نيابة اتفاقية.
فاذا نظرنا الى نوعية النيابة من حيث المصدر المنشئ لها فسنجدها تنقسم الى ثلاثة انواع : النيابة القانونية، النيابة القضائية، والنيابة الاتفاقية.

اولا : النيابة القانونية :
تكون النيابة قانونية عندما يتولى القانون امر تعيين النائب الذي يقوم بشؤون الاصيل كالولي الذي يقوم بابرام تصرفات قانونية نيابة عن قاصره والفضولي الذي يعمل نيابة عن رب العمل والدائن في الدعوى غير المباشرة الذي يقيم دعوى نيابة عن مدينه المتقاعس عن دفعها (43).
--------------------------
(43) ذلك ان التشريعات التي تاخذ بالدعوى غير المباشرة كالقانون المصري والقانوني السوري والفرنسي واللبناني. اما التشريع المغربي وان كان لم ياخذ بالدعوى غير المباشرة فانه اجاز للدائن التمسك بالتقادم نيابة عن مدينه فيما اذا اقيمت عليه دعوى وكانت قد تقادمت وتنازل المدين عن التمسك بالتقادم ( المادة 374 من قانون الالتزامات والعقود المغربي).
-------------------------
فالمشرع حماية لمصالح بعض الفئات من افراد المجتمع من الضياع اما لقصرهم او لضعف ادراكهم او لاغفالهم او لبعدهم او لعدم كفاءتهم وضمانا للاستقرار نظم هذا النوع من النيابة.
ويذهب الدكتور مختار القاضي الى القول : " الى جانب هؤلاء الاشخاص هناك اخرون اعتبرهم القانون بحكم الوظيفة نوابا، وبامكانهم ان يباشروا بعض التصرفات القانونية كالوزراء ومديري المصالح حيث يعتبرون نوابا عن الحكومة في تصرفاتهم المالية بمقتضى القوانين الدستورية والادارية، ولما كانت هذه القوانين تعتبر الوظيفة تكليفا فان نيابتهم تعتبر نيابة قانونية وان تعيينهم في وظائفهم يكون عادة باختيارهم" (44).

ثانيا : النيابة القضائية:
تكون النيابة قضائية حين يكون تعيين النائب قد تم من طرف القضاء كما هو الشان بالنسبة للوصي والمقدم والحارس القضائي ووكيل التفليسة والمصفي القضائي .
والنائب يعتبر معينا من طرف القضاء ولو كان اختياره للنيابة قد جاء نتيجة اتفاق بين الاطراف ما دام تعيينه او تثبيته يتوقف على اجازة القضاء (45).
----------------------
(44) الدكتور مختار القاضي - اصول الالتزامات في القانون المدني - صفحة 80.
(45) جاء في المادة 151 الفقرة 2 من مدونة الاحوال الشخصية : " تعرض الوصاية بمجرد وفاة الاب على على القاضي لتثبيتها".
وجاء في المادة 152 من نفس المدونة " يعين القاضي مقدما اذا لم يكن للقاصر او الحمل وصي".
وجاء في المادة 819 من قانون الالتزامات العقود المغربي ويجوز بموافقة الاطراف المعينة اسناد الحراسة لشخص يتفقون عليه فيما عليهم كما يجوز الامر بها من القاضي في الاحوال التي يحددها قانون المسطرة" =
----------------------
ثالثا : النيابة الاتفاقية :
تكون النيابة اتفاقية اذا كان مصدرها العقد، وبعبارة اخرى هي النيابة الناتجة عن اتفاق بين الاصيل - الموكل - والنائب - والوكيل - بمقتضاه يتعامل هذا الاخير مع الغير نيابة عن الاصيل وباسمه.
والنيابة الاتفاقية قد ترد صراحة كأن يوكل زيد عمرو في شراء عقار له بمدينة الرباط فيقبل عمرو التوكيل، وقد ترد ضمنيا ويستفاد من ظروف الحال، كما لو قام الوكيل وادى مبلغا ماليا نيابة عن الموكل ولم يصدر أي اعتراض عن هذا الاخير بشان الاداء الحاصل، اذ يعتبر سكوته قبولا ضمنيا للتصرف المجري او كما هو الشان في الميدان التجاري اذ تثبت الادارة لكل واحد من الشركاء في شركة المفاوضة ويعتبر مفوضا في ادارتها.
غير انه اذا نظرنا الى نوعية النيابة في الوجهة الثانية أي من خلال المصدر الذي يحدد مدى ولاية النائب امكن القول بان الامر يختلف تمام الاختلاف عن الحالة الاولى ما دام القانون هو الذي يحدد ولاية النائب في كل من النيابة القانونية والنيابة القضائية والاتفاق هو الذي يحددها في النيابة الاتفاقية.
-------------------------
= وجاء في المادة 1065 من نفس القانون " لجميع الشركاء حتى من لم يكن مشاركا في الادارة الحق في المشاركة في اجراء التصفية.
وتجرى التصفية بواسطة الشركاء جميعا او بواسطة نصف يعين باجماعهم ما لم يكن قد حدد من قبل بمقتضى عقد الشركة .
واذا تعذر اتفاق المعنيين بالامر على اختيار المصفي او كانت هناك اسباب معتبرة تقتضي الا يعهد بمهمة التصفية للاشخاص المعينين في عقد الشركة فان التصفية تتم قضاء بناء على الطلب أي واحد من الشركاء".
وجاء في المادة 273 من مدونة الاحوال الشخصية : " يعين القاضي لتصفية الشركة من يتفق الورثة على اختياره فاذا لم يتفقوا على احد ورأى القاضي موجبا لتعيينه اجبرهم على اختياره على ان يكون من الورثة بقدر المستطاع وذلك بعد سماع اقوال هؤلاء وتحفظاتهم".
وجاء في المادة 217 من القانون التجاري المغربي " تعين المحكمة في حكمها باشهار الافلاس وكيلا للدائنين او عدة وكلاء ….."
--------------------------
وعليه فتكون نيابة الوكيل عن الموكل نيابة اتفاقية سواء بالنسبة للمصدر الذي يضفي على النائب صفة النيابة والمصدر الذي يحدد نطاق هذه النيابة.
ويرى الاستاذ السنهوري ان نيابة كل من الولي والفضولي والدائن تكون نيابة قانونية بالنسبة الى كل من المصدرين كذلك، وتكون نيابة كل من الوصي والقيم والحارس القضائي والسنديك نيابة قضائية بالنسبة الى المصدر الذي يضفي صفة النيابة، ونيابة قانونية بالنسبة الى المصدر الذي يحدد مدى ولاية النائب (46).

التفرقة بين النيابة القانونية والنيابة الاتفاقية :
سبق القول ان النيابة هي حلول ارادة النائب محل ارادة الاصيل في اجراء تصرف قانوني باسمه ولحسابه ضمن حدود النيابة. وهذا الحلول اما ان يكون ذا اصل تعاقدي عندما ينيب الموكل وكيلا عنه في ابرام التصرف - نيابة اتفاقية - واما ان يكون ذا اصل قانوني فيكون القانون هو الذي سمح لبعض الاشخاص بمباشرة بعض التصرفات نيابة عن الغير لكون هذا الغير - الاصيل - لا يتمتع بالقدرة اللازمة للقيام بها بنفسه - نيابة قانونية.
فمعيار التمييز اذن بين النيابة الاتفاقية والنيابة القانونية يكمن في كون النائب في النيابة الاتفاقية رغم احلال ارادته محل ارادة الاصيل في ابرام التصرف فانه غالبا ما يسير حسب تعليماته، كما لو اراد الموكل شراء دار معينة،
------------------
(46) السنهوري - مصادر الحق - صفحة 166.
في هذا المعنى انظر كاربونيه - القانون المدني - صفحة 115.
------------------
فينيب عنه الوكيل فيها ويحدد له ثمنا اقصى للشراء، فالنائب هنا لا يمكنه الخروج عن الثمن المعين له لشراء الدار. اما في النيابة القانونية فانه لا دخل لارادة الاصيل في اجراء التصرف ما دامت النيابة مشروطة بحكم القانون واشتراطها قائم على اساس حماية مصالح الاصيل (47).
فالعلاقة اذن بين النائب والاصيل ينظمها القانون في النيابة القانونية والاتفاق في النيابة الاتفاقية.
ووجود النائب الاتفاقي لا يمنع الاصيل القيام بنفسه بالعمل الذي وكل فيه النائب. فمثلا يقع صحيحا بيع الموكل السيارة التي وكل الوكيل في بيعها لان انابة الشخص غيره في القيام بتصرفات قانونية لا يحرمه اهلية القيام بها بنفسه (48).
اما في النيابة القانونية فالاصيل لا يستطيع مباشرة التصرف الذي ينوب عنه فيه النائب القانوني ما دام القانون هو الذي فرضها لوجود مانع يمنع الاصيل من القيام به بنفسه والا لما كان لوجود النيابة القانونية اهمية ولما تحققت الغاية المرجوة من النيابة وهي حماية مصالح الاصيل وضمان استقرارها.
-------------------
(47) فلاتيه - العقود لحساب الغير - صفحة 77.
(48) السنهوري - نظرية الحق - صفحة 225.
-------------------

الفصل الثاني
شروط النيابة واثارها
سنتحدث اولا عن شروط النيابة في فرع اول ثم عن اثارها ثانيا في فرع ثان.

الفرع الاول
شروط النيابة
لكي تتحقق النيابة ويلتزم الاصيل بالعقد المبرم من طرف النائب يجب ان تحل ارادة هذا الاخير محل ارادة الاصيل وان يتم التعاقد باسمه ولحسابه وذلك ضمن حدود السلطة الممنوحة له.
فالتعاقد بطريق النيابة حتى يكون صحيحا ومنتجا لكافة اثاره القانونية يجب ان تتوافر فيه الشروط الاتية :
اولا : ان تحل ارادة النائب محل ارادة الاصيل.
ثانيا : ان تجري ارادة النائب ضمن حدود السلطة المخولة له.
ثالثا : ان يتم التعاقد باسم الاصيل ولحسابه.
والحديث عن كل شرط من هذه الشروط يقتضي منا ان نستعرض في مبحث اول شرك الاول وهو حلول ارادة النائب محل ارادة الاصيل، وفي مبحث ثان الشرط الثاني وهو جريان ارادة النائب ضمن حدود السلطة المخولة له، وفي مبحث ثالث الشرط الثالث وهو وجوب تعاقد النائب مع الغير باسم الاصيل ولحسابه.

المبحث الاول
حلول ارادة النائب محل إرادة الاصيل
يتعاقد النائب بارادته الشخصية لا بارادة الاصيل فهو يعبر عنها ويقصد من وراء احلالها محل ارادة الاصيل احداث اثار قانونية في ذمة هذا الاخير.
فالتعاقد بالنيابة لا يعتبر حاصلا اذا كان النائب لا يقصد من وراء تعبيره احلال ارادته محل ارادة الاصيل اذ لا يكون نائبا بل مجرد رسول تقتصر مهمته على نقل ارادة الاصيل الى الغير (49).
فالنائب لا تكون له صفة النيابة الا اذا كان لارادته دور ايجابي في انشاء التصرف القانوني. وهذا لا يتم الا باحلال ارادته محل ارادة الاصيل وهي الفكرة الحديثة التي اهتدى اليها الفقه الحديث في موضوع النيابة بعد ان هجر الفكرة القدمية التي كانت تقضي بان النائب يتقمص شخصية الاصيل ويتكلم بلسانه.
والجدير بالذكر ان دور النائب في ابرام التصرف القانوني بالنيابة عن الاصيل ليس واحدا، فهو رهين بما يتمتع به النائب من سلطة في التقدير والتصرف ويختلف ذلك باختلاف الحالات :

الحالة الاولى : نقل ارادة الاصيل الى الغير :
يقتصر دور النائب في هذه الحالة على نقل ارادة الاصيل الىالغير كما لو كلف شخص شخصا اخر بنقل ارادة التعاقد الى شخص ثالث يسكن بالرباط او كلفه بتبليغ خطاب يتضمن التعبير عن ارادة المرسل في ابرام صفقة تجارية الى المرسل اليه.
فالناقل للارادة في كلا المثالين لا يعدو ان يكون سوى مجرد ناقل ولا يمكن القول بوجود نيابته ما دامت ارادته لم تحل محل ارادة المرسل بل اقتصر على نقلها ارادة الاصيل أي المرسل - الى الغير بالكيفية التي ارادها الاصيل.

الحالة الثانية : اكمال وتحديد ارادة الاصيل :
قد يرغب الاصيل في التعاقد مع الغير كان يريد شراء دار معينة غير ان ارادته ليست محددة بصورة كاملة كان يترك حرية اختيار اللون او اختيار الموقع او تحديد الثمن.
فعلى الرغم من ارادة النائب لم تتدخل تدخلا كاملا في ابرام التصرف ان دوره يعتبر دورا ايجابيا ما دامت ارادته قد تدخلت في اكمال وتحديد ارادة الاصيل. غير انه قد يحصل احيانا ان النائب قد ينفرد بتقدير كامل حول ما اذا كان بالامكان ابرام العقد ام لا فيصبح هو صاحب التقدير (50). والمثال الواضح على ذلك ما لو كلف الموكل الوكيل بشراء ارض فلاحية دون تحديد الثمن او كلفه بادارة امواله مخولا اياه سلطة ابرام أي عقد من شانه ان يؤدي الى استغلالها.
ودور الارادة في مثل هذه الحالة يظهر جليا في النيابة الاتفاقية حيث ان كلا من ارادتي النائب والاصيل تشتركان في ابرام التصرف بدرجات متفاوتة تبعا لسلطة التقدير والتصرف (51).
-----------------------
(49) سليمان مرقس - المرجع السابق، ص 94.
(50) ان اشتراك ارادة الاصيل مع ارادة النائب تظهر اهميتها بالخصوص عند البحث في عيوب الارادة وشروطها.
(51) يبدو ان الطابع الذي يسود حالات النيابة الاتفاقية هو ان النيابة هنا عبارة عن نيابة في الارادة، فارادة الاصيل لا تكون قد وصلت الى الحد الذي يسمح لها بابرام العقد فتتدخل ارادة النائب وتحل محلها.
----------------------
الحالة الثالثة : تخلف ارادة الاصيل :
هي الحالة التي لا يكون لارادة الاصيل فيها أي دور ايجابي. فارادته غير موجودة، وارادة النائب هي وحدها التي تنفرد بابرام العقد، ويظهر ذلك جليا في النيابة القانونية حيث تنعدم فيها على الغالب اهلية الاصيل - القاصر- ويتمتع النائب بارادة مطلقة وذلك مع التزامه الحدود التي يفرضها القانون.
فالنائب وان كان يعمل بحرية واستقلال، فانه يحافظ على مصالح الاصيل بل من واجبه المحافظة عليها لانه يعمل بالنيابة عنه.
ويذهب الاستاذ فرج الصدة الى " ان النيابة في هذه الحالة تكون قانونية وان النائب فيها يبرم التصرف بنفس الحرية والاستقلال اللذان يتوفران له حين يعمل لصالحه الخاص فليس عليه ان يعنى بارادة الاصيل لان هذه لا تكون موجودة وقت ابرام العقد، وانما يجب عليه ان يجعل محل اعتباره المصالح التي عهد اليها بها واراد ان يتحمل عبئها، فالنيابة هنا عبارة عن نيابة قانونية (52).

اولا :الاعتداد بارادة النائب وبنيته :
يتبين مما سبق ان حلول ارادة النائب محل ارادة الاصيل في ابرام التصرف هو اساس التعاقد بالنيابة فما دام النائب يعبر عن ارادته وما دامت هذه الارادة هي التي تنشئ التصرف او تساهم احيانا في انشائه وجب النظر الى هذا التعبير من حيث توفره على كل المقاولات الاساسية حتى يكون تعبيرا عن ارادة صحيحة ومتجها الى احداث اثاره القانونية في ذمة شخص الاصيل.
-------------------------
(52) فرج الصدة - المرجع السابق - صفحة 138.
-------------------------
فقد ينظر الى ارادة النائب وحدها من حيث الشروط والعيوب وغير ذلك من الحالات (53). كما ينظر اليها في حالة اشتراكها بارادة الاصيل فيقع تعاون بين الارادتين من اجل انشاء التصرف ينبغي معه الاعتداد بالارادتين معا وبالقدر الذي ساهمت به كل واحدة منهما في انشاء التصرف.
فارادة النائب قد تنفرد وحدها في ابرام التصرف القانوني نيابة عن الاصيل ودون أي تدخل من جانب ارادة هذا الاخير، واكثر ما يتحقق هذا الانفراد في النيابة القانونية كنيابة الولي مثلا.
فعيوب الارادة يجب مراعاتها في شخص النائب، لا في شخص الاصيل، ما دامت ارادته وحدها هي التي انفردت بابرام التصرف، فالعقد يكون قابلا للابطال اذا ما تعيبت ارادة النائب بعيب من عيوب الرضا كالغلط او التدليس او الاكراه او الاستغلال او صدر اكراه او تدليس تجاه الطرف الاخر المتعاقد معه.
فاذا اشترى الولي مثلا خاتما لحساب قاصره معتقدا انه من الذهب الخالص، فتبين بعد ذلك انه من الفضة المطلية بالذهب، فان ارادته تكون قد تعيبت بعيب من عيوب الرضا وهي الغلط ويكون العقد قابلا للابطال حتى ولو كان الاصيل - القاصر - الذي ستنصرف اليه اثار العقد لم يقع في الغلط بل حتى ولو كان يعمل حقيقة الامر وبان خاتم ليس من ذهب. اما اذا كان الولي يعلم بحقيقة الخاتم الذي اشتراه لقاصره في حين ان القاصر يعتقد ان الخاتم هو من ذهب فيقع في غلط ، فان العقد يعتبر صحيحا والبيع سليم وصحيح ولا يعتد بما وقع فيه القاصر من غلط.
---------------------
(53) كحالة العلم ببعض الظروف مثلا او افتراض علمه بها.
---------------------
فحسن نية او سوءها يرجع فيها الى شخص النائب دون الاصيل ما دامت ارادته قد حلت محل ارادة الاصيل، كما ان العلم ببعض الظروف او الجهل بها يرجع فيها الى النائب كذلك، ولو قام النائب الحسن النية وتعامل مع مدين له في اجراء تصرف بعوض فلا يحق للدائن في الطعن بالدعوى الا بوصية في هذا التصرف ما دام النائب الذي تعامل مع المدين غير عالم باعساره. اما اذا كان النائب سيء النية أي كان يعلم بحالة اعسار المدين وتصرف معه على الرغم من علمه بحالته امكن للدائن ممارسة الطعن في التصرف حتى لو كان الاصيل حسن النية، فلو قام النائب ووفى دينا على الاصيل الى دائن ظاهر وكان يعتقد انه هو الدائن الحقيقي فان الوفاء يكون صحيحا مبرءا لذمة الاصيل حتى ولو كان الاصيل يعلم حقيقة الامر. اما اذا كان النائب سيء النية أي كان يعلم بان الشخص ليس بدائن حقيقي، فان الوفاء يقع باطلا وغير صحيح حتى ولو كان الاصيل يعتقد ان ذاك هو الدائن الحقيقي (54).
من خلال ما سبق يتضح ان الاصل في التعاقد بالنيابة ان العقد ينعقد بارادة النائب لا باردة الاصيل، كما ان العبرة بحسن النية وسوئها يرجع فيها بالدرجة الاولى الى النائب (55) ما دامت ارادته قد حلت محل ارادة الاصيل في التعاقد.
ولما كانت ارادة اصيل قد تشترك احيانا الى جانب ارادة النائب في ابرام التصرف، فانه ينبغي الاعتداد كذلك بحسن وسوء نية الاصيل عندما يصدر الى النائب تعليمات محددة يتصرف ضمن حدودها.

ثانيا : استثناء الاعتداد بارادة الاصيل وبنيته :
قد تشترك ارادة الاصيل الى جانب ارادة النائب في التعاقد فينتج عن ذلك تعاون بين الارادتين بسبب هذا التدخل، فقد تكون ارادة الاصيل غير محددة فيترك للنائب امر تحديدها، ومثال ذلك ما لو عزم الموكل على شراء سيارة معينة فيترك للنائب امر تحديد الثمن واختيار اللون.
----------------------
(54) السنهوري - نظرية العقد - صفحة 172.
(55) بلانيول وربير المرجع السابق، صفحة 75.
----------------------
في هذه الحالة نجد ان كل واحدة من الارادتين ستلعب دورها في ابرام التصرف اذا وجب الاعتداد بهما معا، وبالقدر الذي ستساهم بها كل واحدة منهما في ابرام التصرف، وعلى هذا الاساس ينبغي النظر الى العيوب التي يمكن ان تشوب كل واحدة منهما كالعلم ببعض الظروف او جهلها فلو ان الموكل كلف الوكيل بشراء ارض معينة صالحة للزارعة بمنطقة معينة، فتبين بعد الشراء انها غير صالحة للزراعة فوقع في غلط، فان العقد المبرم من طرف الوكيل بناء على تعليمات الموكل يكون قابلا للابطال على الرغم من سلامة ارادة الوكيل ما دامت ارادة الموكل معيبة وذلك في نطاق القدر الذي ساهمت به في ابرام التصرف.
كذلك يجب الاعتداد بحسن وسوء نية الاصيل في الحالة التي يعمل بها النائب وفق تعليماته (56)، اذ لا يحق للاصيل ان يتمسك بجهل النائب لظروف كان يعلمها او كان من المفروض حتما ان يعلمها بحكم طبيعتها، فلو وكل شخص شخصا اخر في شراء عقار معين بذاته، وكان الموكل يعلم بان الشيء الموكل فيه مشوب بعيب وهو امر يجهله الوكيل، فلا يصح القول لا بضمان العيب ولا برجوع الموكل على البائع بالضمان ما دام قد علم بالعيب وعلة ذلك ان النائب عندما يقوم بهذا العمل فهو لا يقوم به وحده، وانما بمساهمة ارادة الاصيل معه في انشاء التصرف الامر الذي ينبغي معه القول بوجوب تحمل الأصيل قسطه من المسؤولية. (57)
------------------------
(56) حشمت ابو ستيت - المرجع السابق - صفحة 120.
سليمان مرقس المرجع السابق - صفحة 94 و95.
السنهوري - نظرية العقد - صحفة 172.
(57) يذهب بعض الفقه الى القول الى ان النائب في هذه الحالة يكون اقرب من الرسول منه الى النائب ( عبد الفتاح عبد الباقي - المرجع السابق - صفحة 124 والسنهوري - المرجع السابق - صفحة 172).
------------------------
غير ان هذا الاستثناء لا يطبق الا على النيابة الاتفاقية دون النيابة القانونية. والسبب في ذلك واضح وهو ان النائب القانوني اذا ما عين في اطار النيابة القانونية فان ارادة الاصيل لا يعتد بها في اجراء التصرف بخلاف في النيابة الاتفاقية فان الاصيل - الموكل - على الرغم من تعيين نائب عنه فهو لا يحرم من سلطته في ابرام التصرفات التي وكل الغير فيها ويبقى محفتظا بها.

ثالثا : حكم العقد يخضع لاهلية الاصيل :
اذا كان النيابة تسوجب حلول ارادة النائب محل ارادة الاصيل في اجراء التصرف حتى يكون صحيحا، فان ذلك لا يستلزم توافر اهلية التصرف في النائب ما دامت اثار التصرف ستنصرف الى الاصيل فالذي يجب ان تتوفر فيه الاهلية اللازمة للتعاقد. وقد علق الاستاذ سليمان مرقس على هذه الوضعية بقوله : " بانه اذا كان النيابة قانونية فلا يشترط اهلية الاصيل للعقد الذي يبرمه نائبه. والغالب ان يشترط القانون الاهلية الكاملة فيمن يعتبره نائبا عن غيره" (58).

تابع على الصفحة 12

مسطرة القيم في قانون المسطرة المدنية

عبد اللطيف مشبال رئيس الغرفة
بمحكمة الاستئناف بالدار البيضاء
تكتسي مسطرة القيم اهمية بالغة نظرا للدور الذي تلعبه على مستوى ترسيخ حقوق الافراد والجماعات.
ويترتب عن التطبيق الغير سليم لهذه المسطرة، حرمان هؤلاء من استعمال حقوق اساسية تهم بالتحديد حقوق الدفاع، التي تعد من ابرز ملامح حقوق الانسان.

ولا ريب في ان المشرع باقراره مقتضيات هذه المسطرة، عالج هذه المسالة من زاويتين: الاولى من زاوية اقرار حقوق المدعى الواضحة والتي يتولى القاضي البت فيها وحسمها بالنظر الصحيح للحجج المعروضة عليه وتاسيسا على مقتضيات القانون الواجب التطبيق باعتباره السيد في هذا الميدان دون مجال الوقائع الذي يتحكم فيه الخصوم، بمراعاة المبادئ الاساسية للقانون الاجرائي، وعلى راسها مبدأ الوجاهية في الدعوى.

والثانية زاوية مراعاة حقوق المدعى عليه، الذي قد ينمحي من الوجود فجأة ويغادر موطنه المعروف فيستعصي بالتالي على المدعى معرفة عنوانه الجديد الامر الذي شكل عائقا حقيقيا يحول دون امكانية استدعائه بكيفية قانونية، ولهذا فقد تدخل المشرع وسن مقتضيات خاصة لمعالجة هذه الوضعية واتاح للقاضي تعيين قيم في شخص احد اعوان كتابة الضبط وحدهم وتحديدا، خلافا لما كان عليه الوضع في ظل قانون المسطرة المدنية القديم.

هذا التعيين يمكن ان يتم في خضم سير المسطرة، امام القضاء، بمختلف مراحله بقرارات تصدرها المحكمة المعروض عليها النزاع.
كما ان هذا التعيين قد يتم في ظروف اخرى مغايرة بعد صدور الحكم على - سبيل المثال - وتعذر تبليغه الى المعني بالامر، او في حالة تبليغ مساطر الحجوز، او عملية البحث عن احد الورثة.
فميدان تطبيق مسطرة القيم شاسع ومتباين ولا يمكن بالتالي في ظرف وجيز تناول مختلف جوانب الموضوع بالتفصيل الواجب.

لذلك ساقترح في هذا السبيل تقديم المناولة التالية التي ستهم المحاور التي اعتبرها اساسية لهذا الموضوع الهام فعلا.
المحور الاول: الطبيعة القانونية لتعيين القيم.
المحور الثاني: شروط تعيين القيم.
المحور الثالث: نطاق تطبيق مسطرة القيم.
المحور الرابع: مهام القيم.
المحور الخامس: وصف الحكم الصادر بقيم.
المحور السادس: مسطرة تبليغ الحكم الى القيم.

المحور الاول:
الطبيعة القانونية لعمل القيم
يعتبر الامر القاضي بتعيين القيم عملا ولائيا يصدر عن القاضي في نطاق سلطته الولائية، وبالتالي فانه لا يكتسب حجية الشيء المقضي به، ويمكن ان يصدر في غيبية الاطراف.
والامر المذكور يعالج حالة متغيب في مواجهة خصومه او اجراء تعيين، لاسباب متباينة يدخل من ضمنها تعذر الادلاء بعنوانه الحقيقي، مع العمل بان المتقاضين ملزمون قانونا بمقتضى الفصل الخامس من قانون المسطرة المدنية بمراعاة قواعد حسن النية، ومن ثم فهم ملزمون بعدم تغليط المحكمة بالادلاء بعناوين غير حقيقية لخصومهم قصد تمرير مسطرة القيم في ظروف غير قانونية.

المحور الثاني:
شروط تعيين القيم
ان تعيين القيم لا يتم سوى في حالات معينة نتيجة ظروف محددة ابرزها المشرع بدقة بمقتضى الفقرة 7 من الفصل 39 من قانون المسطرة المدنية الذي حدد هذه الظروف بالقول " انها الاحوال التي يكون فيها موطن او محل اقامة الطرف غير معروف، ويتجلى من خلال هذه الاحكام انه لا يمكن اللجوء الى هذه المسطرة سوى في حالات جد استثنائية، تهم حالة تعذر معرفة عنوان الطرف المعني الذي تم استدعاؤه بكيفية قانونية ورجعت شهادة التسليم او الطي البريدي حاملا الملاحظة ان المعني غادر العنوان او انه مجهول فيه.

ومن الجائز في اعتقادي تطبيق مسطرة القيم في مواجهة المدعى عليه او المطعون ضده متى لم يتوفر المدعى او الطاعن على عنوان المعني لتفادي الاشكاليات المشار اليها، كما ينبغي تطبيق هذه المسطرة حتى في حالة تعذر التبليغ بالنسبة للطرف المجهول العنوان خارج المملكة باعتبار ان مقتضيات هذه المسطرة تشمل جميع الحالات التي يتعذر فيها تسليم التبليغ.

والمقتضيات المشار اليها اعلاه هي ترديد لنفس المقتضيات التي نص عليها ظهير 27/4/1920 الذي احدث مؤسسة القيم في ظل القانون الاجرائي القديم والتي تم اقتباس احكامها من مقتضيات الفصل 69 من القانون الفرنسي للاجراءات، علما بانه بفرنسا يقع التبليغ الى النيابة العامة التي تقوم بإلصاق نسخة بباب المحكمة بعد ان يكون المبلغ قد قام بالبحث عن المكان الذي قد يوجد به المعني بالامر. وتقوم النيابة العامة من جهتها بابحاث وتخبر المبلغ بالنتائج ( انظر رولط - التعليق ص 45).

ولابد من الاشارة بهذا الصدد الى قرار مبدئي اصدرته محكمة النقض الفرنسية يحدد ابعاد مسطرة القيم الذي جاء فيه:
" ………………لا يمكن اتباع هذه الوسيلة الاستثنائية من التبليغ سوى " في حالة استحالة اكتشاف موطن المعني بعد استنفاذ كافة وسائل البحث" المطبوعة بطابع الحرص وقواعد حسن النية لتفادي صيرورتها وسيلة " لابعاد المدعى عليه من قضائه الطبيعي وحرمانه من حق الدفاع".
" قرار محكمة النقض الفرنسية الصادر بتاريخ 7/2/1893 مشار اليه ببحث السيد لوسيان كورنبوا حول القيم في التشريع المغربي - مجلة المحاكم المغربية عدد 198- 19/11/1925".

واعتقد انه رغم التباين الشكلي لمسطرة القيم بين قانوننا الاجرائي والقانون الاجرائي الفرنسي فانه من المناسب استلهام نفس المبادئ التي كرسها القرار المشار اليه.
هل يمكن تعيين قيم في جميع الحالات التي ترد فيها شواهد التسليم حاملة لملاحظات عون التبليغ بان المعني بالامر غير معروف ؟

اعتقد شخصيا انه رغم ان المشرع ينص صراحة على امكانية اجراء هذا التعيين لأول وهلة عند رجوع شهادة التسليم وهي حاملة لملاحظات عون التبليغ تفيد اغلاق المؤسسة المدعى عليها او مغادرة المدعى عليه عنوانه لجهة مجهولة فان الافيد ومن باب تطبيق قواعد الحرص التي اشار اليها قرار محكمة النقض الفرنسية. الموما اليه ان تامر المحكمة بتجديد الاستدعاء وهي امكانية تنص عليها صراحة مقتضيات الفقرة7 من الفصل 39 من قانون المسطرة المدنية.
كما انه يمكن عند الاقتضاء مطالبة المدعى الادلاء بعنوان اخر للمدعى عليه.

المحور الثالث:
نطاق تطبيق مسطرة القيم
يمكن القول ان نطاق مسطرة القيم هي الخصومة المدنية عامة باعتبار ان مقتضياتها وردت في قانون المسطرة المدنية علما بان هناك نصوصا متناثرة تناولت مسطرة القيم ولهذا أقترح تناول هذا الموضوع من زاويتين:
1) نطاق تطبيق مسطرة القيم في الخصومة الاصلية
يقصد بهذه الخصومة مجموعة الاجراءات القضائية العادية الرامية الى الحصول على حكم قضائي وتوصف بانها عادية لانها تشمل الحالة المسطرية العامة لولوج قضاء الموضوع المعتبر بانه اهم وجه للحماية القضائية.
واذا كان سير الخصومة حتى النهاية لا يمكن ان يتوقف على محض ارادة الخصوم فان تخلفهم لا يمكن ان يشكل عائقا دون البت في النازلة وبالتالي فان تعذر التبليغ للطرف المعني بسبب كونه مجهولا بالعنوان فانه هذا من شانه ان يبرر تدخل المحكمة بتعيين قيم عنه.

ونحن نعلم ان مبدأ المواجهة ما بين الخصوم مرتبط شديد الارتباط بمبدا احرام حقوق الدفاع ومؤداه ان المحكمة لا يمكنها ان تفصل في النازلة المعروضة عليها قبل سماع جميع الاطراف في حين تختل هاته المواجهة عند تخلف المدعى عليه وعدم التمكن من معرفة عنوانه مع ما يترتب عن ذلك من تعيين لقيم في حقه.
ولذلك فان قضاء الموضوع يعين احد اعوان كتابة الضبط في الحالات المنصوص عليها في مقتضيات الفصل 39 من قانون المسطرة المدنية عند توفر شروط ذلك بطبيعة الحال.

2) نطاق تطبيق مسطرة القيم في الخصومة الخاصة:
تطبق هذه مقتضيات بالنسبة للمسطرة الاستعجالية المعتبرة خروجا عن القواعد العامة للقضاء العادي وهذا واضح من مراجعة احكام الفصل 151 من قانون المسطرة المدنية التي تحيل على الفصل 39 من قانون المسطرة المدنية.
غير ان البعض يرى وعن حق ان من شان التطبيق الحرفي لهذه الاحكام ان يتعارض مع دواعي الاستعجال نظر للبطء الذي تتسم به مسطرة القيم.

ويجوز تطبيق مسطرة القيم بمناسبة التعرض على الاحكام الغيابية مهما كانت ابتدائية او استئنافية. اما بالنسبة لامكانية تطبيق هذه المسطرة امام المجلس الاعلى فان الحائز ايضا القيام بذلك نظرا لعموم الفصل 380 من قانون المسطرة المدنية وذلك بالرغم من كون الفصول 354 الى 385 من نفس القانون لم يتضمن أي نص بهذا الخصوم وذلك تاسيسا على احكام الفصل 380 منه الذي ينص بكيفية واضحة على ان المجلس الاعلى يطبق القواعد العادية الخاصة بمحاكم الاستئناف فيما يخص جميع مقتضيات المسطرة المطبقة في هذا الباب وهو الاتجاه الذي يؤكده وتكرسه عدة احكام للمجلس.

كما ان مسطرة القيم تطبق ايضا امام محكمة اعادة النظر، تاسيسا على الفصل 406 الذي يشير الى ان هذا الطلب، يقدم الى المحكمة التي اصدرت الحكم المطعون فيه، مما يعني ان اجراءات هذا الطعن تخضع لنفس الاجراءات المنظمة للخصومة الواقع الطعن في مواجهة حكمها.

اما بالنسبة للطعن بتعرض الغير الخارج عن الخصومة فان الفصل 304 من قانون المسطرة المدنية لا يفيد بان هذا الطعن يقدم وفق القواعد المتعلقة بالمقالات الافتتاحية للدعوى مما يفسح مجالا للتساؤل حول شكليات هذا المقال الواجب مراعاتها. على ان ذلك لا يحول دون وجوب تطبيق نفس القواعد المسطرية المتبعة امام المحكمة المتعرض امامها بالنظر لعدم وجود نص مخالف ضمن النصوص المنظمة لهذا الطعن مما يتعين معه بالتالي وجوب تطبيق مسطرة القيم في هذه الحالة.

ومن جهة اخرى، فانه لا مجال لتطبيق مسطرة القيم بالنسبة للمساطر المتعلقة بالاوامر بناء على طلب او الاوامر بالادلاء نظرا لصدورها في غيبية الاطراف دون مواجهة، غير انه خروجا عن مقتضيات الفصل 441 من قانون المسطرة المدنية، الذي سنتطرق اليه فيما بعد، فانه ليس من الملائم تطبيق مسطرة القيم بشان تبليغ اوامر الاداء تاسيسا على مقتضيات الفصل 162 من قانون المسطرة المدنية الذي اورد مقتضيات خاصة بهذا الخصوم، حينما نص على ان تبليغ هذه الاوامر يتم الى المدين شخصيا في موطنه او محل اقامته، دون ان يعني ذلك عدم جواز تطبيق مسطرة القيم بمناسبة الطعن بالاستئناف في مواجهة هاته الاوامر.

كما ان هناك نصوصا خاصة متناثرة تهم المسطرة المذكورة نذكر منها على سبيل المثال الفصل 46 من ظهير نزع الملكية الذي اشار الى مسطرة القيم وتبليغ الاحكام الصادرة بواسطته والفصل 469 من قانون المسطرة المدنية الذي يتعلق بتطبيق مسطرة القيم بمناسبة انجاز البيوعات العقارية.

3) نطاق تطبيق مسطرة القيم من حيث الاطراف:
يصح التساؤل في مستهل هذا المحور حول مدى صحة موقف محاكم الموضوع بشان الموقف المتخذ بصفة عامة بشان المدعى او الطاعن الذي لا يتوصل بالاستدعاء، والذي ينحو الى عدم تطبيق مسطرة القيم بشأنهما.
فهل يجوز بالتالي تطبيق مسطرة القيم مهما تغير مركز الخصوم من مدعى الى مدعى عليه ومن مستانف الى مستانف ضده.

في هذا الصدد يمكن القول ان اجتهاد المجلس الاعلى قد استقر على وجوب تطبيق احكام الفقرتين الثانية والثالثة من الفصل 39 من قانون المسطرة المدنية بمعنى وجوب اعادة الاستدعاء بالبريد المضمون للطالبين او للمدعى ( قرار المجلس الصادر بتاريخ 25/10/78 في الملف المدني 65228 - المنشور بمجموعة قرارات المجلس الاعلى - المادة المدنية 1966/1982).

ومن شانه ذلك حصول صعوبات في تطبيق هذا المنحى لانعدام الوسائل المادية من اجل اداء الرسوم البريدية رغم ان جميع التبليغات تقع تغطيتها تبعا للمصاريف القضائية. ثم ان المجلس الاعلى قد ذهب صراحة الى وجوب تطبيق مسطرة القيم في حق المدعى الواقع استدعاؤه ورجعت شهادة الاستدعاء المتعلقة به تفيد ان عنوانه غير صحيح. ( قرار رقم 175 الصادر في 8/2/84 - الغرفة المدنية ملف 80625) .

وهذا يعني ان محاكمة الموضوع ملزمة باعمال نفس المنحى ووجوب تعيين قيم في مثل هذه الظروف وهو موقف سليم في اعتقادي نظرا لصياغة الفصل 39/7 من قانون المسطرة المدنية التي تشير الى كلمة الطرف دون أي تحديد اخر.
لهذا فان تعيين القيم يجوز علاوة على ذلك وبالاحرى في مواجهة المدعى عليهم او المستانف عليهم والمستعصي توصلهم بالاستدعاء للاسباب المبينة سالفا.

المحور الرابع:
مهام القيم
ينبغي بهذا الصدد التطرق الى مهام القيم والى مسؤولياته:
1) مهام القيم:
ان دور القيم الاساسي يكمن في القيام ببحث عن الطرف المعني بمساعدة النيابة العامة والسلطات الادارية بتقديم كل المستندات او المعلومات المفيدة للدفاع عن الطرف المعني وذلك حسبما هو واضح من احكام الفصل 39 من قانون المسطرة المدنية.

غير انه يلاحظ من الحالات الملموسة المطبقة في هذا الشان ان المعمول به الان ينحو الى اختزال المسافات حتى اضحى من مسطرة القيم مجرد اجراء شكلي محض ينحصر في تعيين القيم دون أي انتظار لمآل هذه المسطرة خروجا عن المتوخى من احداثها.

ومثل هذه الممارسات في اعتقادي تعتبر خرقا للقانون لكونها تهتم دون مراعاة لمهام القيم المشار اليها انفا. وقد يرد البعض على هذا التحليل بان مجال دور القيم هو بمناسبة الاجراءات التالية لصدور الحكم غير ان هذه القولة مردود عليها بان مقتضيات الفصل 39 من قانون المسطرة المدنية المحددة لمسطرة القيم، قد وردت حصرا ضمن احكام الباب الثالث من قانون المسطرة المدنية المتعلقة بالمسطرة امام المحكمة الابتدائية، ومن باب تحصيل الحاصل انها مقتضيات واجبة المراعاة امام هذه المحاكم ومحاكم الاستئناف وبمناسبة طرق الطعن الاخرى كما سبق بيانه في حين ان المقتضيات المتعلقة بالتبليغ كما هو منصوص عليه في الفصل 441 من قانون المسطرة المدنية فقد وردت بمناسبة استعراض طرق التنفيذ المنصوص عليها بالقسم التاسع من نفس القانون ثم انه من وجهة النظر العملية فان من شان عدم إفساح المجال للقيم للقيام بدوره المنصوص عليه قانونا قبل صدور الحكم المساس بحقوق الدفاع ولذلك فانها تهم قاعدة اساسية تتعلق بالنظام العام.
ومحكمة الاستئناف تحرص على وجوب تطبيق هذه المقتضيات لذلك فانها لا تتوانى على الغاء الاحكام الصادرة خروجا عن ذلك ( قرار 30/7/93 - ملف تجاري 152/90) .

2) مسؤولية القيم:
لابد من الاشارة في هذا الصدد الى جواز تعيين القيم من بين الاعوان القضائيين نظرا لاحكام الفقرة الثانية من الفصل 42 من القانون المتعلق بتنظيم هيئة الاعوان القضائيين والذي يشير الى ان هؤلاء يباشرون التبليغات القضائية ضمن الشروط المقررة في قانون المسطرة المدنية.
ولما كان كاتب الضبط هو موظف عمومي فان مسؤوليته تخضع لنظام الوظيفة العمومية.

ووكالة القيم عن الطرف المتغيب تعتبر وكالة قضائية وسواء انصب من طرف اعوان كتابة الضبط او من ضمن الاعوان القضائيين فانه لا يزاول مهامه بكيفية مجانية بل مقابل مرتب بالنسبة لكاتب الضبط، ومقابل اجر بالنسبة للعون القضائي. ومن ثم تخضع هذه المسؤولية لاحكام الوكالة القضائية، مع وجوب التشدد في تطبيق احكامها بالنظر لانها تقدم مقابل اجر وذلك وفق احكام الفصلان 903/904 من ل.ع.

ويتحمل كاتب الضبط مسؤولية الخطا الشخصي، الذي يرتكبه عند مزاولته مهامه ويجوز للمتضرر الحصول على تعويض عن الضرر اللاحق به من جراء سوء تطبيق مسطرة القيم ( كعدم اجراء البحث الاداري على سبيل المثال) وذلك وفقا للاحكام العامة.

المحور الخامس:
وصف الحكم الصادر بقيم
لا إشكال في ان معيار الغياب او الحضور يهم المدعى عليه فحسب وهذا ما يمكن استنباطه من احكام الفقرة الاولى من الفصل 344 من قانون المسطرة المدنية غير انه يحق التساؤل حول معيار الوصف بالنسبة للمدعى المستانف المنصب في حقه قيم.

يمكن بهذا الصدد الرجوع الى اجتهاد المجلس الاعلى الذي اعتبر:
" حيث ان القرار لا يمكن اعتباره غيابيا بالنسبة للمستانف لانه في جميع الاحوال يعتبر مدليا بمستنتجاته مما تبقى معه الوسيلة بدون اساس". ( قرار 0/27 الصادر بتاريخ 12/10/58 - ملف مدني 3410/83).
وتطبق نفس الاحكام حتى ولم تم الترافع شخصيا بدون اذن ( قرار 23/4/86 - ملف مدني 45 - غير منشور).

كما ان تطبيق مسطرة القيم، يجعل الحكم الصادر غيابيا بقيم في مواجهة المعني بهذه المسطرة فحسب، دون غيره من الخصوم. فما يجوز له الطعن فيه بالتعرض علما بانه يترتب عن هذا الطعن طلب سحب الحكم الغيابي واعادة النظر في الدعوى، مع تمكين المتغيب من ابداء اوجه دفاعه التي لم يسبق له ان أبداها قبل صدور الحكم مع ما يترتب عن ذلك من اعادة الاطراف الى الحالة التي سبقت صدور القرار، خلافا للأثر المترتب عن الاستئناف الذي يقصد منه منح الفرصة للخصوم لتخطئة الحكم المستانف.

المحور السادس:
مسطرة تبليغ الحكم الى القيم
تعتبر هذه المقتضيات المنصوص عليها بمقتضى الفصل 441 من قانون المسطرة المدنية من المستجدات التي اتى القانون الاجرائي الحالي وبواسطتها تم حسم جدل كان قائما في ظل المسطرة المدنية السابق حول امكانية القيام بعملية تبليغ الاحكام الغيابية الصادرة بواسطة قيم الى هذا الاخير نفسه لتضحى نهائية، مع الاشارة الى ان الفصل 46 من قانون نزع الملكية الجديد اشار الى هذه الامكانية مع تحديد نشر الحكم الصادر في هذه القضايا في صحيفتين مأذون لهما بنشر الاعلانات القانونية.

ورغم وضوح نص الفصل 441 المذكور من كون مدى ثلاثين يوما تبدا في السريان من تاريخ اجراء التعليق في لوحة الاعلانات بالمحكمة المعنية فان التساؤل يطرح حول جدوى امكانية احتساب هذه المدة ايضا من تاريخ النشر باحدى الصحف.
واذا ما تم العثور على المعني بمسطرة القيم باتخاذ اجراءات الاشهار فان المناسب في هذه الحالة هو وجوب تحويل مسطرة التبليغ الى المعني بالامر شخصيا.

ويترتب عن تطبيق مقتضيات الفصل 441 من قانون المسطرة المدنية، صيرورة الحكم نهائيا في مواجهة المحكوم ضده، مع وجوب الاشارة الى مقتضيات خاصة من تلك المتعلقة باحكام الفصل 328 من قانون المسطرة المدنية الذي نص على ان اجل التعرض على الاحكام الصادرة في مادة الافلاس ينطلق من تاريخ صدورها اذا كانت غير خاضعة لاجراءات لصق الملخص ونشره في الصحف فلا يسري بالتالي الاجل سوى من تاريخ القيام بهذه الاجراءات حتى ولو صدرت بواسطة قيم.

اما اذا لم تطبق مقتضيات الفصل 441 بالشكل السليم والمتعين فانه لا يمكن ان تترتب عن ذلك اية اثار في مواجهة المحكوم عليه الذي يحق له الطعن فيه بواسطة طرق الطعن المقرر قانونا وتكون مقبولة شكلا اذا ما تعلق النزاع فيما يهم مراعاة الاجل ( قرار المجلس الاعلى الصادر بتاريخ26/2/85 - ملف عقاري 1697 منشور بمجلة قضاء المجلس عدد 39 ص 12).

وفي حالة تعذر متابعة اجراءات التنفيذ في مواجهة المحكوم عليه بسبب كونه مجهولا او ما في حكم ذلك فانه من الجائز ان يسلم للقيم المعين في حقه التبليغ الانذاري وذلك بناء على طلب يصدره رئيس المحكمة الابتدائية بصفته قاضيا للاوامر بناء على طلب دون جواز تطبيق هذه المقتضيات في حالة ما اذا كان القيم قد نصب في مرحلة سابقة عند متابعة اجراءات الخصومة.

وتطبق ايضا نفس المقتضيات في مواجهة الوارث المجهول العنوان، اذ يتعين للمستفيد من الحكم استصدار امر بتعيين قيم عن المعني بالامر لمتابعة الاجراءات في حقه كما يتجلى من احكام الفصل 443 من قانون المسطرة المدنية.

ختاما لابد من القول ان مسطرة القيم حسب التطبيق اليومي السائد حاليا لا تجاري مقتضيات قانون المسطرة المدنية حتى اضحت مجرد شكليات بسيطة ومحضة لا تراعى فيها ما يوجبه القانون من اجراءات تنحو بالاساس الى تحصين دور هذه المؤسسة التي كان يهدف المشرع من اقرارها ضمان حقوق المتقاضين المتغيبين مع ما يترتب عن ذلك من احتمال اهدار حقوقهم .
فمن الواجب اذن الحرص على تطبيق ما هو منصوص عليه قانونا في هذا الصدد.

ولابد من طرح السؤال العريض التالي من اجل اثراء النقاش:
هل يمكن لمحكمة الطعن رغم ثبوت احترام مسطرة الفصل 441 من قانون المسطرة المدنية ان تصرح بقبول هذا الطعن متى تجلى ان المحكوم له مارس حقوقه بسوء نية وأخفى عن عمد العنوان الحقيقي للمدعى عليه لتفويت فرصة ابداء حقه في الدفاع ؟.

مجلة المحاكم المغربية عدد 70، ص 29

التقرير الادبي

باسم الله الرحمان الرحيم

زميلاتي زملائي ،
مقدمة
يسعدني ان التقي بكم في اول جمع تعقده الجمعية العمومية التي هي القاعدة والمؤسسة الاولى لهيئتنا، والتي تضم جميع الزميلات والزملاء المسجلين بالجدول وتنبثق منها بقية المؤسسات، ومنها مؤسسة المجلس والنقيب .

زميلاتي زملائي.
تذكورن انني خاطبتكم بعد ان ترشحت لمنصب النقيب في شهر ديسمبر 1999 بنشرة من حوالي ثلاثين صفحة قدمت فيها البرنامج العام الذي كنت انوي تطبيقه بمعاونة المجلس في الفترة المنتهية في ديسمبر سنة2002، ولذلك فان محاور هذا التقريرالادبي الذي اقدمه لكم اليوم ستكون حول ما تحقق من ذلك البرنامج ستة شهور من الفترة بعد الاسترشاد براي المجلس والالتزام بمقرراته .

لقد اهتم المجلس المذكور بعدة محاور اهمها :
اولا : تطوير الجانب المهني للمحاماة بهيئتنا من خلال :
1) المحافظة على اعراف المهنة وتقاليدها وتطويرها الى الاحسن .
2) الاهتمام بسير المحاكم .
3) العلاقات الخارجية وعلاقات الهيئة بغيرها من مرافق المجتمع المدني .
4) الاهتمام باجهزة الهيئة ومؤسساتها وخصوصا من ذلك الادارة واعادة هيكلتها .
5) العناية بالتمرين .

ثانيا : الاهتمام بالجانب الثقافي من خلال : 1) الاهتمام بالمجلة 2) والحرص على تنظيم الندوات الثقافية بصفة منتظمة وفي المناسبات المختلفة .

ثالثا : الجانب الاجتماعي من خلال :
1- العناية بالتامين
2- التقاعد
3- النادي
4- وتحسين الوضعية المادية للمحامين .
ويشرفني واعضاء المجلس العاملين معي ان اقول اننا حققنا خلال هذه الشهور الستة عدة منجزات تدل على ان هناك عملا جديا لا يستهان به في الجوانب المشار اليها كلها، وان ما تم انجازه يدل على اننا سنرى في الشهور المقبلة انجازات اخرى تزيد في تقريبنا من الغايات التي نسعى اليها جميعا، وهي تحسين حال المهنة من جميع جوانبها المادية والمعنوية، واقدم لكم زميلاتي زملائي فيما يلي عرضا موجزا لبعض ما تم انجازه ماديا بعمل النقيب والمجلس .

عمل النقيب :
ان قانون المهنة وكذا نظامها الداخلي يلقي على مؤسسة النقيب عدة تكاليف يومية ذات طابع استعجالي آني تستدعي الحلول السريعة، وتتطلب من النقيب التفرغ التام والحضور الدائم لمواجهة كل ما يطرا من مشاكل لاجل التدخل السريع لتقديم ما يجب من حلول واصدار ما يجب من توجيهات وقرارات واخص الذكر هنا الاتعاب والمنازعات بين الزملاء والشكايات .

ففيما يرجع للاتعاب فقد اهتم النقيب بتصفية الملفات التي بقيت بدون بت خلال الفترة السابقة فبادر الى البت فيها بالسرعة المطلوبة، بحيث يمكن ان اقول ان الملفات المتخلفة عن الفترة السابقة لغاية ديسمبر 1999، جلها وقع البت فيها كما انه يجرى البت بسرعة في الملفات الجديدة، المقدمة خلال الفترة الحالية ابتدا من يناير 2000 اذ تم البت في ملفات سجلت في شهر يونيه، وذلك بغاية تحقيق الاستعجال المطلوب في هذه المسطرة التي تتطلب بطبيعتها اصدار قرارات عاجلة لما لها من طابع مهني واجتماعي، ولكونها تتعلق بالاتعاب التي يعرف الجميع ما لها من اهمية بالنسبة للمحامي وبالنسبة لموكله، والتي يمكن ان يؤدي تاخير البت فيها الى نزاعات ومشاكل اخرى يحسن المبادرة الى تلافيها .

وفيما يرجع للشكايات المرفوعة من الغير والمنازعات المتبادلة بين المحامين، فانها تاخذ نفس الاهتمام لاجل البت فيها بالسرعة المطلوبة، بتطبيق القانون مع مراعاة مصالح المهنة وحرمتها، ولا يخفى الموقف الحرج للنقيب في هذا الموضوع حيث يجب عليه ان يراعي الظروف الخاصة لبعض الشكايات، التي تاتي غالبا لاسباب كيدية من غير ان يكون للمحامي اي تقصير فيما حدث، كما ان ما يكون من هذه الشكايات ناتجا عن اخطاء حقيقية صادرة من المحامي، يحتاج الى كثير من التبصر والحكمة، لاجل تطويقها وحصر اثارها على المهنة تلافيا لان تكون لها اصداء خارجية يستغلها البعض للنيل من حرمة المهنة .

وداخل هذه الاعتبارات فان النقيب يبذل مجهودا كبيرا لاجل الوصول في ذلك الى حلول تتسم بالحكمة ورفع الضرر، من غير ان يكون لذلك عواقب سيئة على المهنة، وهناك الخلافات التي تقع بين الزملاء نتيجة للمنازعة حول النيابة او خرق التقاليد والاعراف في المعاملة، وهذا يحتاج من النقيب الى مجهود اكبر لاجل التسديد بين المتنازعين للحفاظ على روح الزمالة بينهم، وكثيرا ما توصلنا بفضل تفهم الزملاء وحنكة وتبصر العضو المكلف بالتسوية الى حلول تسديدية يتم فيها التوصل الى حلول متراضي عليها، وفي احيان اخرى يضطر النقيب الى اتخاذ قرار يلزم فيه من عليه الحق بالقيام بما يجب رفعا للضرر عن زميله، وهذا امر لا مفر منه لاجل الحفاظ على حرمة المهنة وتقاليدها وحمل الجميع على الانضباط .

وهناك المنازعات التي تقع بين الزملاء والسادة القضاة او كتاب الضبط او غيرهم وهذا ايضا من المشاكل التي تاخذ من اهتمام النقيب والمجلس الشيء الكثير ولاجل اعطائها ما تستحقه من عناية فقد تاسست لجنة من اعضاء المجلس لاجل الاهتمام بها وبغيرها مما يشابهها وهي لجنة سير المحاكم التي تقدم في هذا الجانب، تحت اشراف النقيب، خدمات جديرة بالتنويه .

وبوجه عام فان عمل النقيب له اهميته الكبيرة، اذ فيه تتجسم مؤسسة النقيب بكل ما يجب ان يكون لها من سلطة وقوة لفرض احترام تقاليد المهنة واعرافها، على الزميلات والزملاء فيما بينهم اولا، وكذا في علاقاتهم مع الغير من عموم الناس وخواصهم من افراد الهيئة القضائية وغيرهم، وتاخذ جهدنا ووقتنا الشيء الكثير، ونسعى دائما الى ان تكون مواقفتنا وقراراتنا حافظة لحرمة المهنة واستقلالها ومكانتها في المجتمع .

عمل المجلس :
لاجل تاطير اعمال الاساتذة اعضاء المجلس، بادرنا الى تاسيس لجان مختلفة تتفرغ لشؤون المهنة الاجتماعية والثقافية وغيرها، كما تخصصت كل لجنة في شان معين تحت الاشراف العام للنقيب، فهناك مثلا لجنة الشؤون الاجتماعية واخرى للشؤون الثقافية وثالثة لشؤون التمرين ورابعة لشؤون النادي الى اخر ما ورد في الجدول العام الذي سبق تعميمه ونشره بدورية النقيب .

كما تقرر بجانب هذا ان يكون لاعضاء المجلس حضور دائم مستمر بمختلف المحاكم ذات الدرجة الاولى ومحكمة الاستنئاف، وتقرر بجانب هذا انشاء خط هاتفي يكون رهن اشارة الزميلات والزملاء بقصد ربط الاتصال الفوري- وفي اي وقت - بالهيئة في كل ما يجب الاتصال في شانه بالنقيب او اعضاء المجلس، لاجل القيام بالتدخل او الاجراء الواجب .

علاوة على هذا فقد تم وضع برنامج لاستقبال المشتكين، يقوم بتنفيذه الاساتذة الاعضاء بتوزيع وتوقيت سبق بالاعلان عنه ونشره بالدورية وهو عمل يستحق منا كل تنويه .
وكل هذا بغاية تنظيم اعمال المجلس وتفعليها، وتاكيد الحضور اليومي والاني لمؤسسات الهيئة وبصفة خاصةالكتابة العامة للهيئة التي اعيد تنظيمها وتم تطوير اسلوب عملها، على النحو الذي يفرضه القانون والاعراف المهنية، وتلافيا لاي ادعاء بالتقصير، في هذا الجانب، لاسيما في هذه الظروف الحرجة التي تقتضي ان نبادر الى العمل الجدي الحاسم، الذي يجعل المحامين ومؤسساتهم في مقدمة من يبرهن على الشعور بالمسؤولية والقيام بالواجب .

ولذلك فان كل الاعمال التي سنتعرض لها فيما يرجع للشؤون الاجتماعية والثقافية والمهنية بوجه عام يرجع الفضل فيها الى الاساتذة الاعضاء المؤطرين لهذه الغاية حسبما ذكر، من غير اغفال لجهود الزميلات والزملاء الذين قاموا مشكورين واستجابة لدعوة النقيب، بالانضمام الى بعض اللجان المشار اليها، لاجل مساعدتها بما لديهم من خبرات فيما يختص به من نشاط اجتماعي او تربوي او مهني .

الجانب المهني :
يمكن الاشارة في الجانب المهني الى ثلاث محاور رئيسية كان التركيز عليها ضروريا لاجل القيام فيها بما يجب اما لاصلاح خلل موجود، او لاجل التطوير للوصول الى ما هو احسن، هذه المحاور هي :
1- الادارة او الاجهزة التي تباشر من خلالها مؤسسات الهيئة عملها من حيث اشخاصها ومن حيث وسائل العمل وادواته .
2- التمرين وتنظيماته وشؤونه الخاصة والعامة النظرية والعملية .
3- سير المحاكم وعلاقات الزميلات والزملاء مع مرافق القضاء واشخاصه .

ففيما يرجع للادارة فقد بادرنا الى اعادة هيكلتها من الجانب البشري بادخال عدة تغييرات وتنظيمات راعينا فيها ازالة بعض الفوضى او التسبب الذي يعوق عمل الاعوان ويعرقل الوظائف المسندة اليهم والتي كانوا هم انفسهم يعانون منها لان الفوضى لا يستفيد منها اي احد ومن غير حاجة لتفاصيل كثيرة يمكن ان نقول ان كثيرا من السلبيات التي كانت تعرقل عمل الاعوان وتؤثر في نتائج عملهم تم القضاء عليها بعدة تنظيمات حددت المسؤوليات والاختصاصات ورفعت الاضرار التي كانت ادارة الهيئة تعاني منها من الجانب البشري، وذلك بغاية انشاء ادارة متخصصة وذات كفاءة تقنية تكون دائما رهن اشارة مؤسسات الهيئة بمرافقها لتنفيذ اعمالها من غير ان يحدث اي اضطراب او توقف بمناسبة تجديد المؤسسات ليكون عملها ذا طابع مستمر ومستقر وننتهز الفرصة لنحيي المسؤول على الادارة على ابتكاراته في هذا المجال مع طمعنا في المزيد من الحرص والتشدد ليتم الانضباط بين صفوف العاملين بالهيئة .

ومن جانب التجهيز فان هناك تفكيرا جادا في البحث عن مكان يناسب حجم الهيئة ومؤسساتها، لان هذا حل لابد منه بالنظر لما عرفته هيئتنا من تطورات في الكم والكيف، اصبحت تحتم البحث عن بناية في شكل مركب يناسب حالة الهيئة ووضعها الحالي وبجانب هذا فان المجلس يعمل بجد على التجهيز الالي للادارة بكل ما تحتاج اليه من ادوات واليات لتسهيل عملها وتقليل الجهد البشري المرهق وتحقيق السرعة التي تتطلبها الظروف.
وفيما يرجع للتمرين وشؤونه العامة والخاصة فقد اهتم المجلس بامره من عدة جوانب استدعتها ظروف خاصة بغاية تنظيمه لتحقيق الغايات المادية والمعنوية المتوخاة منه على وجه احسن، مع الاشارة الى عن عدد المتمرنين وصل لغاية 13 يونيه 2000 الى 587 زميلا .

وقد كان مما اهتم به المجلس في اول اجتماع له دراسة وضعية المرشحين وطلباتم لاجل الاسراع بالبت فيها، فقام بتوزيع ملفاتهم على اكبر عدد من الاعضاء لاعداد التقارير الضرورية للبت فيها .
وقد درس المجلس مشاكل التمرين من جوانب اخرى استدعتها الظروف الجديدة، ومن ذلك مثلا دارسة احداث معايير جديدة للقبول تقضي على بعض السلبيات او تقلل منها وتحقق الجدية المطلوبة، وهناك عدة اقتراحات رفعتها لجنة التمرين الى النقيب الذي احالها بدوره على المجلس وكانت موضوع مناقشة داخل المجلس، فتقرر فيها ما هو مناسب وضروري للارتفاع بمستوى المهنة وتحقيق الجدية والانضباط والالتزام وغير ذلك مما يجب توفره في محامي المستقبل وكانت بعض هذا المعايير موضوع المنشور رقم 5 .

ولاجل تسهيل اداء التمرين وجعله اكثر فائدة فقد تقرر تقسيم المتمرنين الى اثني عشر فوجا تؤطرهم مجموعة من الاساتذة اعضاء المجلس بتنظيم جديد مع الحرص على اجبارية الحضور المنتظم وتطبيق مقتضيات المادتين 16 و17 من قانون المحاماة والمادتين 75 و76 من النظام الداخلي في حالة ارتكاب المتمرن لتغيب غير مبرر .
وقد احدث لاول مرة مركز الامتحان الاهلية خاص بمدينة الدار البيضاء التي اصبح لها بذلك مركز مستقل لاداء هذا الامتحان المصيري المهم .

واما عن سير المحاكم فقد اخذ من النقيب والمجلس اهتماما كبيرا تجلى في عدة تحركات كتابية وعملية تهدف كلها الى تسهيل الاداء اليومي للمحامي في مرافق القضاء من غير مشاكل مزعجة او معوقة او مهنية .
وفي هذا الصدد جرت وتجري اتصالات مع رئاسات المحاكم والنيابات العامة بها لدراسة بعض المشاكل الطارئة من ذلك مثلا الاتصال الذي اجرته لجنة سير المحاكم مع السيد رئيس ابتدائية انفا لدراسة بعض الصعوبات التي تم التوصل في بعضها الى حلول سبق ان كانت موضوع منشور، ومن ذلك تدخلنا لدى السيد الوكيل العام بمحكمة الاستئناف في شان تجاوز مقتضيات المادة 65 من قانون المحاماة عندما لاحظنا ان بعض الزملاء اصبحوا يتسدعون مباشرة الى النيابة العامة للاستماع اليهم بناء على الشكايات المرفوعة الى السيد الوكيل العام او السادة وكلاء الملك بدلا من احالةالشكاية على مؤسسة النقيب اولا لتاخذ المسطرة مجراها الاختصاصي التدريجي المعروف ولعل السبب في هذا التحول الذي تتصوره النيابة العامة راجع بالاساس الى عدم الجواب على مراسلات واستضاحات النقيب من طرف بعض الزملاء الذين لا يابهون ولا يهتمون احيانا بمكاتبات النقيب، وبالمناسبة نهيب بكل الزملاء الى المبادرة بالجواب عاجلا على كل التظلمات والشكايات مهما كانت طبيعتها ولو واهية، وكيفما كان الجواب ليتمكن النقيب من معالجة المواقف، والا فان المجلس سيكون مضطرا الى ترتيب الجزاء القانوني على عدم الجواب، الا وهو الاحالة على المجلس التاديبي وهو ما حدث فعلا في عدة حالات .

وهذا زيادة على الاتصالات التي تجري في المستوى الاعلى مع الوزارة لاسيما من خلال اللجنة القضائية المحدثة تطبيقا للاتفاقية المبرمة بين جمعية هيئات المحامين ووزارة العدل، بقصد دراسة الصعوبات والمشاكل بغاية الوصول الى الحلول الناجعة .

وقد ادى هذا النشاط الى ان اصبحت الصعوبات التي تعرقل عمل المحامي محل رصد دائم وتقارير تحررها لجنة سير المحاكم، مع التذكير باننا احدثنا صناديق المقترحات للاخبار بكل صعوبة لتطويقها في حينها ومكانها وايجاد الحل لها .

الجانب الاجتماعي :
اهم محاور هذا الجانب و التامين والتقاعد والنادي ونشاطه. وفيما يخص التقاعد والتامين فانها محل اهتمام جدي لاجل القيام في شانها بما يجب لتحسين النتائج وتحقيق مكتسبات اكثر وتلافي اخطاء وسلبيات الماضي، وقد عقدنا لحد الان اجتماعين مع شركة التامين وصندوق الايداع لدراسة المشاكل والصعوبات التي تم التوصل الى حلول في شان البعض منها، وقد فوجئنا جميعا بمشكل يعد بحق معضلة تتجلى في اكتشاف عدة شيكات لم يقع صرفها لاصحابها المستحقين لها في حينها حتى مرت عليها سنوات على الرغم من ان طابعها المتعلق بصحة الزميلات والزملاء كان يوجب التعجيل بارسالها لاصحابها قصد الاستفادة منها .

لقد رفض البنك المعني صرف هذه الشيكات وارجعها الى المستفيدين منها بعلة تقادمها ونظرا لان سبب رفضها لا يعني سقوطها مدنيا، فاننا بصدد اتخاذ الاجراءات المناسبة لاجل تمكين المستفيدين منها، من قبض مستحقاتهم وهذا كل ما يمكن اجراؤه في شان هذا الخطا الغير المغتفر الذي نتاسف له غاية الاسف، ونعتذر لضحاياه وان كنا غير مسؤولين عنه .

وفيما يرجع للنادي وشؤونه، فقد انصب عليه الاهتمام بجد نظٍريا وعمليا، وتوصلنا في ذلك الى عدة اصلاحات جوهرية حسنت من خدماته للزميلات الزملاء، من ذلك مثلا ان تسييره اصبح بيد الهيئة مباشرة وكان لهذا نتائج مفيدة اهمها ان مالية النادي اصبحت تستفيد من دخله وارباحه على عكس ما كان عليه الامر سابقا .

وبجانب هذا فقد تم تكثيف نشاطاته الاجتماعية بمختلف انواعها بقصد تحقيق اكبر المنافع، لاسيما فيما يرجع لنشاط الطفولة المتعلق بابناء الزميلات والزملاء حيث قامت لجنة الطفل بوضع برنامج عام يجري تنفيذه اسبوعيا بشكل دائم ومستمر لفائدة الاطفال ويحتوي علىعدة انشطة تربوية وثقافية ورياضية وترفيهية .

وقد كان مما اوجبته الظروف تنظيم الدخول الى النادي ليصبح مقننا ومقيدا حسبما تم الاخبار بذلك في اعلان سبق نشره في حينهّ، وذلك بقصد تلافي بعض التسيب الذي لا يليق بهذا المرفق الاجتماعي الذي يجب ان يكون له احترامه الواجب المستمد من مكانة اصحابه ورواده .
ولا ننسى الحفل التقليدي المنظم بمناسبة تجديد المؤسسات يوم الجمعة 14 ابريل 2000، حيث كان مناسبة لتجمع كبير للزميلات والزملاء الذين تجاوز عدد الحاضرين منهم الالفين وخاطبناهم بالمناسبة بكلمة سبق نشرها بالعدد 4 من الدورية .

الجانب الثقافي :
ان الجانب الثقافي لهيئتنا له اهمية كبيرة لا تخفى علينا باعتبار ان مهنة المحاماة تقوم في الاساس على المعرفة القانونية، وان المحامي يجب ان يظل مواصلا لدراسة القانون نظريا من خلال اطلاعه على كل جديد من الابحاث والاحكام وان الهيئة يجب بناء على هذا ان توفر للزميلات والزملاء اكثر قدر من الفرص التي تمكنهم من ذلك .

واستنادا الى ما سبق ان وعدنا به فقد انصب اهتمامنا على تنشيط المرافق الثقافية للهيئة باحياء ما تعطل منها واحداث التجديدات والتحسينات الضرورية في كل ما يتعلق بهذا الجانب .

وقد كان من ذلك ان بادرنا الى احياء دورية النقيب التي عادت الى الصدور بانتظام لتحقيق تواصل كان ضروريا بين الهيئة ومؤسساتها وبين الزميلات والزملاء الذين يجدون فيها اخبار الهيئة في كل ما يتعلق بنشاطها ومؤسساتها مع ادراج بعض الوثائق من منشورات وبلاغات وبيانات وغيرها .
وقد بذلنا جهدا كبيرا لاجل الحفاظ لها على انتظامها بحيث لا يكاد ينصرم الشهر حتى يكون العدد الخاص به بيد الزميلات والزملاء ينقل اليهم اخبار الشهر في حينها .
وقد كان ايضا مما بادرنا تنفيذه ندوة الشهر الثقافية التي تقرر عقدها في الجمعة الاخيرة من كل شهر تتناول موضوعا انيا تستدعيه المناسبة كصدور تشريع او غير ذلك .

وقد تم لحد الان عقد اربع ندوات الاولى حول التشريعات الجديدة في ميدان الكراء، والثانية حول " التصريح بالديون والتسوية القضائية"، والثالثة حول " تحقيق الديون" والرابعة " جريمة القذف من خلال الممارسة الصحفية" حضرها بجانب الزميلات والزملاء عدد من افراد الهيئة القضائية منهم السيد الرئيس الاول لمحكمة الاستئناف ومنهم بعض المستشارين بها وبالمجلس الاعلى وبعض وكلاء الملك، وقد كانت هذه الندوات مفيدة في وموضوعها سواء من حيث العروض المقدمة او من حيث المناقشات التي تعقبها .
وبالمناسبة ننوه بكل من شاركنا في تنشيط هذه الندوات الاساتذة محمد الكشبور ومحمد جلال امهمول وعبد اللطيف العباسي وحمو الدريدر واخيرا الاستاذ عبد اللطيف الحاتمي .

واما المجلة " مجلة المحاكم المغربية " العزيزة على قلبي، فقد كان طبيعيا ان يتجه اليها الاهتمام بشكل اساسي بقصد اعادة اصدارها بانتظام مرة كل شهرين، وقد تمكنا بفضل جهود رئيس تحريرها واللجنة المكلفة بها من تهييئ ثلاثة اعداد يوجد عددان اثنان بين ايديكم والعدد الثالث سيصرد في الايام القليلة المقبلة، وسنبدل كل الجهود الممكنة ليبقى لمجلتنا حضورها الدائم حتى يزول ذلك الفراغ الذي احدثه غيابها محليا ووطنيا، وحرصا على ان تحقق مجلة المحاكم غاياتها من غير اي عائق اعدنا لها مجانيتها لتصبح مرفقا ثقافيا مفتوحا امام الجميع من غير تكلفة مادية ونرجوا من الزملاء ان لا يطالبوننا باكثر مما نقوم به، حيث ليس لدينا الامكانيات لتسليم المجلة بمكاتب المحامين .

علاقات الهيئة بغيرها من مرافق المجتمع المدني
محليا ووطنيا ودوليا
لا يخفى ان لهيئتنا عدة علاقات وارتباطات مع كثير من المنظمات الحقوقية والانسانية زيادة على هيئات المحامين الاخرى محليا ووطنيا ودوليا، حيث ترتبط وطنيا ارتباطا عضويا بجمعية هيئات المحامين بالمغرب التي تحتل في مكتبها منصبين مهمين الاول يتعلق بالشؤون الثقافية في شخص عضو المجلس النقيب الاستاذ ابراهيم السملالي والثاني يتعلق بشؤون التمرين في شخص عضو المجلس الاستاذ مولود بطاش، كما ترتبط هيئتنا عربيا باتحاد المحامين العرب ارتباطا قويا وصل الى حد اكتساب منصب الامين العام المساعد في شخص النقيب ابراهيم السملالي كما ان هيئتنا كانت مرشحة لمنصب الامين العام في شخص النقيب السملالي اثناء الانتخابات الاخيرة، الذي كان على مرمى حجز من الفوز .

وبجانب هذا فان لهيئتنا ارتباطات اخرى بعدة تنظيمات حقوقية، منها مثلا المنظمة المغربية لحقوق الانسان، التي اصبح يراسها عضو المجلس الاستاذ عبد الله الولادي الذي انتخب اخيرا لهذا المنصب، كما ان عضوي المجلس الاستاذين الطاهر جلال والسعدية وضاح انتخبا عضوين بمكتبها .

ونتيجة لهذه الارتباطات فان هيئتنا تكون دائما في مقدمة من يستدعى للحضور والمشاركة في المؤتمرات والاجتماعات او الندوات التي تعقدها هذه المنظمات من حين لحين، حيث شاركت هيئتنا لحد الان منذ يناير 2000 في حوالي عشر مؤتمرات او اجتماعات او ندوات في شخص النقيب وبعض اعضاء المجلس كان منها ثلاث اجتماعات لمكتب جمعية هيئات المحامين ومؤتمر المنظمة المغربية لحقوق الانسان والندوة الدولية حول العنف ضد النساء، والافتتاح الرسمي لندوتي التمرين بتونس وبوردو ومهرجان التضامن مع الصحافة.

واخر نشاط من هذا النوع كان الحضور في شهر ماي بالاجتماع الدوري للمكتب الدائم لاتحاد المحامين العرب بالجزائر، وبطبيعة الحال فان هذه الارتباطات يترتب عنها ان تقوم هيئتنا من حين لحين باستضافة بعض المؤتمرات او الندوات الوطنية والدولية زيادة على ما هو محلي منها ونحن الان بصدد الاستعداد لاستضافة الاجتماع الدوري المقبل للمكتب الدائم لاتحاد المحامين العرب الذي تقررعقده بالدار البيضاء ايام 19 و20 و21 نونبر 2000 .

زميلاتي زملائي،
هذا باختصار ما يمكن ان اقول لكم في هذا الاجتماع الاول لجمعيتنا العمومية التي تنعقد بمرور ستة شهور من بداية الفترة، ولا شك وانكم تلتمسون ان هناك جهودا مبذولة بجد لاجل اصلاح ما يجب اصلاحه، واستدراك ما يجب استدراكه في جميع شؤون المهنة ومرافق الهيئة ومؤسساتها تحقيقا لما وعدناكم به من قبل، ونحن نقيبا ومجلسا جادون لتحقيق الباقي ان شاء الله وبحوله .

ولا يفوتنا في الاخير التنبيه الى اننا نحتاج الى كثير من النقد الذاتي لاجل ان نلتفت الى احوال المهنة التي تعاني كثيرا من التردي المستمر يجر علينا وعلى مهنتنا متاعب ليس من المعقول ان نقف ازاءها موقفا سلبيا، وكان الامر لا يعنينا لنترك الفرصة لمن يريد الصيد في الماء العكر ان يهاجمنا بالادعاءات الخطرة التي تسيء الى حرمة المهنة وكرامة المحامي، ان الامر يتطلب منا جميعا اليوم وغدا مواقف جدية جديرة برجال القانون ومهنة الدفاع عن الحقوق والا فان العاقبة ستكون وخيمة لان هذا سيؤدي بنا الى ان نفقد مصداقيتنا في المجتمع المدني .

هذا فان المجلس قد عقد العزم على القيام بحركة تصحيحية من خلال المجلس التاديبي للتصدي للانحرافات التي تسيء الى المهنة، ولاستئصال الاورام التي اصابت الجسم المهني .
واذا كان هذا الكلام عاما فانه يجب الحديث عن الموضوع بشيء من التخصيص والتمثيل لنشير في ذلك بالخصوص الى الاستهانة باعراف المهنة وتقاليدها فيما يخص علاقات الزميلات والزملاء بعضهم ببعض، حيث كثرت الخروق من كل نوع وكثرت الاستهانة بمؤسسات الهيئة وما يجب ازاءها من الانضباط والاحترام المفروضين بقسم المهنة، كما يجب ان لا ننسى الاهمال المزمن لاداء وجيبات بالاشتراك الذي يحرم خزينة الهيئة من مواردها الطبيعية ويؤدي الى حرمان الزميلات والزملاء انفسهم من المنافع التي كان يمكن ان تصرف فيها تلك الموارد لتحقيقها لهم، لقد وصلت ديون خزينة الهيئة اليوم على الزميلات والزملاء الى ما يفوق المليار والنصف من السنتيمات المبلغ مرشح للزيادة والارتفاع كما هو واضح .

ان هذا الاهمال يؤدي الى اضرار تصيب الهيئة ومصالحها من الزملاء انفسهم لا من غيرهم، ولذلك فان اخطاره المادية والمعنوية كبيرة لذلك ايضا فان من واجب مؤسسات الهيئة المختصة ان تبادر الى تطبيق القانون في شانه، واننا لندعو بالمناسبة جميع الزميلات والزملاء الحاضرين والغائبين الى ان يتعهدوا بالتعاون مع هيئتهم ومؤسساتها للقضاء على هذا الاخلال الكبير، لنرد لخزينة هيئتنا اعتبارها وعليهم ان يتقبلوا ويستجيبوا لكل الاجراءات التي سوف نتخذها لهذه الغاية، والمجلس الان منكب على دراسة هذه المعضلة لايجاد تصور للحلول الممكنة دون ارهاق الزملاء .

واخيرا، ادعو الجمعية العمومية بان لا تقتصر على المناقشات المالوفة للتقريرين الادبي والمالي، بل تتخطى الى مناقشة في احوال المهنة وفي شؤونها خصوصا واننا في وقت ارتفعت فيه عدة شعارات ونريد ان نكون سباقين الى تجسيدها على ارض الواقع، لنثبت بذلك مصداقيتنا .
شكرا لكم على الحضور وعلى الاستماع

والسلام عليكم
النقيب : عبد الله درميش
الدار البيضاء، في 07/07/00
* مجلة المحاكم المغربية، عدد 83، ص 111 .

الحيازة الفعلية في التبرعات بين الفقه والقانون الوضعي

ودور المجلس الاعلى في التوفيق بينهما

الاستاذ السيد محمد الاجراوي رئيس الغرفة الشرعية بالمجلس الاعلى
نحتفل في هذه الايام المباركة بمرور اربعين سنة على تاسيس المجلس الاعلى، وهي مناسبة طيبة اغتنمها فرصة للمساهمة في هذه التظاهرة القانونية المتميزة بهذا العرض المتواضع الذي اقدمه في موضوع الحيازة الفعلية في التبرعات وهو موضوع - على اقدميته - احتفظ دائما بطابعه الجديد المنبعث من مختلف التطورات الطارئة على مختلف جوانبه خصوصا منها ما تتعلق بشكلية وطرق تحقيق الحيازة واثباتها .

والمجلس الاعلى بدوره ساير التطورات الفقهية والقانونية الطارئة على موضوع الحيازة في التبرعات واصدر منذ بداية الستينات عدة قرارات تتصل بهذا الموضوع سوف نشير لاهمها في هذا العرض وفي البداية نرى انه لابد لنا ان نعرف بالتبرع ثم بالحيازة الفعلية التي ترتبط به قبل التطرق لاحكام الحيازة المختلفة .

ويمكن تعريف التبرع بوجه عام بانه تمليك مال او منقول بغير عوض، فخاصية انعدام العوض تشمل جميع التبرعات ثم يتميز كل نوع منها بخاصية او اكثر تميزه عن باقي الانواع الاخرى، وهذا الخاصيات المميزة تكون باعتبار المتبرع به ذاتا او منفعة، بحيث تميز العمري والعارية والحبس عن هبة الذات والصدقة بها مثلا، وقد يكون باعتبار القصد والباعث حيث تميز الهبة عن الصدقة بكون الباعث في الاولى صلة ومودة المعطى لها والمتبرع عليه ويكون الباعث في الثانية وجه الله تعالى ورجاء ثوابه وهذا موضوع لسنا بصدد بحثه في هذا العرض .

اما الحيازة او الحوز فلها في اللغة معان مختلفة، الاقرب منها لموضوعنا ما اورده الشيخ محمد الرازي في الصحاح حيث قال : الحوز الجمع والضم وبابه قال وكتب وكل من ضم شيئا في نفسه فقد حازه واحتازه ايضا، والحيز ما يضم الى الدار من مرافقها وبعد ما اورد لسان العرب عدة معان للحوز قال : والحوز من الارض ان يتخذها شخص يبرز حدودها فيستحقها ولا يكون لاحد فيها معه حق في ذلك الحوز وقال : وحاز الشيء يحوزه اذا قبضه وملكه واستبد به وقال : والحوز الملك وقال ايضا والحوز الجمع وكل من ضم شيئا الى نفسه من مال او غيره فقد حازه حوازا وحيازة الخ .

اما عن الفقهاء فالحوز رفع يد المعطي من التصرف في الملك " المعطى" ورد ذلك الى المعطى له او لمن ينوب عنه، وعرف الامام ابن عرفة في كتابه الحدود الحوز الشامل لجميع التبرعات بقوله رفع خاصية تصرف الملك فيه عنه بصرف التمكن منه للمعطى له او نائبه .

اما حكم الحيازة فانها شرط لابد منه باتفاق الائمة الاربعة مالك والشافعي وابي حنيفة وابن حنبل وجمهور فقهاء هاته المذاهب على اشتراطها ومخالفا الظاهرية في اشتراطها واخذوا بظاهر الادلة وقالوا ان الهبة عقد والله عز وجل قال : { يا ايها الذين امنوا اوفوا بالعقود }. وقالوا ان الالتزام بها وبغيرها من التصرفات عهد الله تعالى يقول : { واوفوا بعهد الله اذا عاهدتم } وراي الامامية مع راي الائمة الاربعة، والاصل في اشتراط الحيازة في التبرعات ما وردته عائشة الصديقة عن والدها الصديق ابي بكر انه كان نحلها جداد عشرين وسقا من ماله لم تحزه فلما حضرته الوفاة قال لها يا بنية ان احب الناس بعدي لانت وان اعز الناس علي فقرا بعدي لانت واني قد كنت نحلتك جداد عشرين وسقا من مالي ولو كنت جددتيه واحرزتيه لكان لك وانما هو الان مال الورثة وانما هما اخواك واختاك فاقتسموه على كتاب الله .

واستخلص الامام القرطبي في تفسيره من قول الله تعالى : { فرهان مقبوضة} في المسالة السادسة ان الرهن يصح بقبضه ويبطل اذا استرده الراهن من يد المرتهن، وفقهاؤنا يجمعون على اشتراط الحيازة في سائر التبرعات والنصوص الواردة في هذا الشان كثيرة في المغرب قال سحنون قلت لابن قاسم ارايت لو حبس او تصدق رجل بنخل حائط وبقي في حيازته ولم يقبضه المحبس او المتصدق عليه فقال الحائط ميراثا وقال ميارة: ان الحيازة الفعلية في سائر التبرعات شرط والشروط ما يلزم من عدمه العدم الى ان قال فان لم يجز اصلا ولم يطالب المتبرع عليه بالاجبار على الحيازة او طالب بذلك في مرض الموت بطل التبرع ومثل ذلك لكافة الشراح التاودي والتسولي والعراقي والوزاني في حاشيتهما وقال السجلماسي عند شرح بيت العمل الفاسي ( والحوز قبل الموت شرط نور ( زكاة او صدقة للغير) اي ان الحيازة في جميع التبرعات شرط وهو مبدا لا خلاف فيه) .

وقال الشيخ الحطاب في الالتزامات " اعلم ان الالتزامات اذا لم تكن على وجه المعارضة لا تتم الا بالحيازة وتبطل بالموت والفلس وقبلها كما في سائر التبرعات" .

وهو ما اكده شراح المختصر لدى قوله في الهبة ( وبطلت ان تاخر حوزها لدين محيط) وفي الرسالة لابن ابي زيد القيرواني ( ولا تم هبة ولا صدقة ولا حبس والا بالحيازة فان مات قبل ان تحاز منه فهي الميراث) المراد منه اورد ابن جزي في قوانينه في باب الهبة ان شرط الهبة الذي هو الحوز لا يشترط في هبة الثواب وهو في غيرها شرط تمام وعند مالك والشافعي شرط صحة وعند ابن حنبل ليس شرط تمام وهو خطا بين، يتجلى من الرجوع لمصادر الفقه في هذه المذاهب، وبالرجوع اليها يتاكد ان الحيازة في التبرعات عند المالكية شرط تمام ومن فقهائهم من يقول بانها شرط صحة فقد تبع شراح التحفة ومحشوها الغرفاطي في قوله ( والحوز شرط صحة التحبيس قبل حدود موت او تفليس ) واكد ميارة ان الحيازة والحوز شرط صحة اخذا من البيت واضاف ان الشرط ما يلزم من عدمه العدم وانه لا مفهوم للحبس ….

وانه شرط صحة في سائر التبرعات اما الشافعي وابو حنيفة فجمهور فقهائهما على ان الحوز شرط صحة في التبرعات ويشاطرهم الامامية هذا الراي اما الحنابلة فجمهورهم يؤكد على ان الحيازة شرط في صحة التبرع في المكيل والموزن خاصة. واكد الامام ابن قدامة وهو من اجل فقهائهم في كتابه المغنى في كتاب الهبة والعطية ان سائر التبرعات مدلولها واحد وهو تمليك بغير عوض وان الحيازة شرط في صحتها مستدلا باجماع الصحابة وما ورته عائشة عن والدها رضي الله عنهما من الاثر المشار اليه اعلاه واضاف بعد ذلك ان الواهب قبل القبض ان شاء اقبض الهبة وامضاها وان شاء رجع فيها ومنعها ولا يصح قبضها الا باذنه وقال بعد هذا واذا مات الواهب او الموهوب له قبل القبض بطلب الهبة فتبين ان الحنابلة اكثر تشددا في اشتراط الحيازة في التبرعات مما يتبين منه ان ما لابن جزي مجرد خطا. والحيازة في التبرعات خاصية من الخاصيات التي تميزت بها عقود التبرعات في الفقه الاسلامي والحكمة في اشتراطها ان المشرع لما اعتبر المال من الكليات الخمسة الواجب الاحتفاظ عليها وهي النفس والعقل والدين والمال والنسل وقرن المال بالدين والنفس والعقل وهي اسس يتميز بها الانسان وكان الاصل في الطبيعة البشرية التعلق بالمال والشح به عن انفاقه دون مقابل اضافة الى ركن الصيغة وهي قول يدل على ان التبرع شرطا ماديا يتمثل في اقتران القول بعمل مادي هو صرف المتبرع به وتسليمه للمتبرع عليه ليدل هذا العمل على طيب نفس المتبرع بهذا التصرف وجديته فيه فكان هذا العمل يشكل في الواقع شكلية خاصة امتازت بها عقود التبرعات عن غيرها من العقود العوضية العادية .

وعلى هذا الاساس تشدد الفقهاء في التبرع بدار السكنى فاشترطوا لصحة التبرع بها ثبوت استغناء المتبرع بها عنها بما يدل على الاستغناء وذلك باخلائها من جميع شواغله وتركها فارغة دون عودته اليها خلال سنة كاملة يتم بعدها الحوز والتحويز فان عاد لها خلال السنة ولو بكراء بطل التبرع وهذا ما اشار له صاحب التحفة في قوله :
ومــن يحبس دار سكنــاه فلا ... يصح الا ان يعاين الخـــلا
وفي قوله :
وان يكـــن موضع سكناه يهب ... فان الاخلاء له حكم وجب
وقد اشار الشيخ التسولي هنا الى ان المفترض في التبرع بدار سكناه هو استمراره ساكنا بها حتى يثبت الاخلاء والتخلي عنها وعدم عودته لها خلال السنة .

وتمييز عقد التبرع بخاصية شيء لم ينفرد به التشريع الاسلامي وحده ولكنه يوجد في غير هذا التشريع من القوانين الوضعية العربية وغيرها كما هو الشان في القانون المصري مثلا الذي اشترط في عقد الهبة الذي يشهده الموثق ان يتم بمحضر شاهدين لاتربطهما علاقة عائلية لا بالموثق ولا بطرفي عقد التبرع يشهدان معه على التبرع ويوقعان معه على ويثقته ... وكذلك الشان في القانون المدني الفرنسي فانه هو الاخر ميز عقود التبرع بخاصيات تربتط بالسبب الباعث عليه على خلاف ما يجري عليه الامر بالنسبة لغيرها من عقود المعاوضة فاجازت المادة 955 منه للواهب الرجوع في هبته اذا خاب ظنه في الموهوب له وصدرت منه تصرفات تدل على نكرانه الجميل، كما اجازت له المادة 960 من نفس القانون الرجوع في الهبة التي انجزها في وقت لم يكن له فيه عقب " وازداد له" ولد بعد انجاز الهبة وهي ميزة خاصة بعقود التبرع تشكل استثناء من القاعدة ان العقود اذا تمت اصبحت ملزمة ولم يكن لاي طرف من طرفيها الاستقلال بالرجوع فيها الا برضى وموافقة الطرف الاخر .

وهكذا يظهر ان اشتراط الحيازة في عقود التبرعات في الفقه يعتبر ميزة من الميزات التي تختص بها عقود التبرعات في مختلف التشريعات وانه يعتمد اساسا تشريعيا وحكمه ظاهرة .
واذا تقرر ان الحيازة الفعلية شرط في التبرعات فما هي الوسيلة القانونية التي يمكن بها اثبات توافر هذا الشرط ؟
ان هذا جانب اخر من الجوانب التي تتصل بالموضوع وهو جانب دقيق تشعبت فيه الاراء تبعا لتشعب الحالات التي يثيرها هذا الجانب .

والافضل ان تتم حيازة المتبرع عليه للمتبرع به فور وقوع التبرع وتشهد البينة الشاهدة له بمعاينتها للحيازة الفعلية وتقترن شهادتهم بالتبرع بشهادتهم بمعانية الحيازة في نفس العقد المنشء للتبرع فتسلم الهبة من المطاعن التي قد يثيرها الخصوم .

واثبات الحيازة بمعاينة البينة الشاهدة بالتبرع هو الماثور عن الامام مالك واصحابه ففي المدونة ولا يقضي بالحيازة الا بمعاينة البينة لحوزه في حبس او رهن او هبة او صدقة ولو اقر المعطي في صحته ان المعطى له قد حاز وشهد عليه باقراره بينة ثم مات لم يقض بذلك ان انكر الورثة حتى تعاين البينة الحوز .

وهو الذي اعتمده الموثقون قال ابن سلمون ولا بد من حوزه في حياة المحبس وقبل فلسه ومرض موته والا بطل وذلك اي الحوز بالشهادة على المعاينة ولا يجزىء فيه الاقرار الخ … المراد منه نقله شراح التحفة لدى قولها والحوز بشرط التحبيس وقالوا لا مفهوم للحبس لان مثله جميع التبرعات، وقال التسولي " والحوز رفع يد المعطي من التصرف في الملك ورد ذلك الي يد المعطي له او من يمثله الى ان قال : والمذهب انه لابد فيه من المعانية ولا يكفي فيه الاقرار من المحبس او المحبس عليه فلو جاء في الوثيقة حوازا تاما ولم يقولوا معاينة فذلك غير كاف لاحتماله المعاينة والاعتراف فان كان الشهود احياء استفسروا والا بطل الوقف الا ان يكونوا من اهل العلم فيحمل على المعاينة الخ … قاله العبدوسي، ومرادهم بالمعاينة طواف البينة على الملك المتبرع به من جميع جهاته وشهادتهم بوضع المبترع عليه يديه عليه وان لم يشاهدوا تصرفه فيه كما يتم في الدور ومثلها فيما له ابواب تغلق بتخلي المتبرع عنها وتسليم مفاتيحها المتبرع عليه وجعلها رهن اشارته وان لم يسكن او يعتمرها بالفعل .

واثبات الحيازة بالمعاينة، وهو الذي سار عليه الاجتهاد القضائي في مختلف المحاكم. ففي 22/4/94 اصدرت محكمة الاستئناف بمكناس قرار تحت عدد 21465 بالملف عدد 3753 بطلب بمقتضاه عقد الهبة المؤرخ بفاتح يناير 62 متعلق بالملك موضوع الرسم العقاري 9419 لعلة عدم التنصيص فيه على معاينة البينة لحيازة الملك المتبرع به حيث لاتتصور معاينة البينة للحيازة في هذه الهبة لانعقادها بوثيقة عرفية … وليس بشهادة عدلين.

كما ان المجلس الاعلى، سار في هذا الاتجاه منذ السبعينات في عدة قرارات، منها القرار عدد 264 الصادر بالملف 49148 المنشور بالعدد 126 من مجلة القضاء والقانون الصفحة 139 الذي جاء فيه " يشترط لصحة التبرعات حيازة المتبرع عليه لما وقع به التبرع قبل حصول المانع وجاء في قرار اخر صادر عن القسم الاول من الغرفة الشرعية بتاريخ 28 مارس 1989 تحت عدد 499 بالملف 282/87 نشر في العدد 43-42 من مجلة قضاء المجلس الاعلى ما يلي : حقا ما نعته الوسيلة على القرار المطعون فيه الذي اعتمد رسم الصدقة عدد 265 الذي طعنه فيه بانه مجرد عما يثبت الملكية وخال من معاينة الحيازة ولم يجب القرار من هذا الدفع الذي تمسك به الطاعنان في المرحلتين وله اثره فقها لاشتراط الفقهاء الحيازة بالمعاينة في التبرعات الخ .

كما سبق للقسم الثاني من الغرفة الشرعية ان اصدر قرارات مماثلة منها القرار عدد 359 الصادر في 22 مارس 83 بالملف 94005 الذي جاء " حيث ان القرار المطعون فيه اعتبر تقسيم الاب املاكه بين اولاده في حياته عطية تسري عليها احكام التبرعات"، وهو اعتبار صحيح الا انه اعتبر الاعتراف بحوز الاملاك المعطاة كاف في صحة العطية وراى تبعا لذلك بان رسم الصدقة والابراء كاف في صحة العطية والحال انه لايتوفر على شرط معاينة البينة علاوة على عدم اشتمال الابراء على اشهاد الاب بالعطية مع ان الاعتراف بالحوز لايكفي ولا يغني عن الاشهاد بمعاينة البينة للحيازة في التبرعات الخ … المراد منه وهو منشور بالعدد 32 من مجلة القضاء والقانون ص 63 وفي غيرها على ان المجلس سبق له ان اصدر قرارا يوحي التعليق عليه المنشور في العدد 27 من قضاء المجلس الاعلى بعدم التقيد بمبدا معاينة البينة للحيازة وهو القرار عدد 284 الصادر في 22/4/80 بالملف 83548 وقد جاء فيه : لما اعتمدت المحكمة فيما قضت به من رفض دعوى الصدقة على القول بان رسم الصدقة خال من معاينة حيازة المتصدق عليه قبل حدوث المانع والحال ان الطاعن ادلى برسم يفيد تصرفه في المتصدق به ولم تناقش المحكمة هذه الوسيلة الدفاعية وتستخلص منها ما اذا كانت وثائق الملف تفيد حيازة المتصدق عليه حيازة قانونية قبل حصول المانع او بعده الخ …

والملاحظ ان القرار المنقوض سار في الاتجاه الذي سارت فيه المحاكم والمجلس الاعلى من وجوب ثبوت الحيازة بمعاينة البينة لها .
واذا كان الاجتهاد القضائي سار على هذا النهج فان الفقه المالكي لم يعتبر هذه الوسيلة هي الوسيلة الوحيدة اللازمة لاثبات الحيازة الفعلية في التبرعات فلم يقصر اثبات الحيازة على معاينة البينة كما هو راي بعض الفقهاء ولكنه توسع في طرق اثباتها اعتبارا للظروف ومختلف الاحوال التي يتم فيها التبرع وتطور الفقه في هذا الجانب اعتبارا للتطورات الفكرية والاجتماعية .

وقد سبق ان اشرنا الى ان طائفة من فقهائنا تعتبر الحيازة في التبرعات شرط تمام فيها وعلى هذا الاساس فقد راوا ان التبرع ينعقد بالاشهاد به ويصبح موجودا غير تام بحيث لايتم ولا يكتمل الا بالحيازة، وهكذا فان حصلت الحيازة وتم الاشهاد بها مع الاشهاد بالتبرع كان منعقدا او تاما وان لم يحصل مع الاشهاد بالتبرع بقي معلقا متوقفا على حصول شرط تمامه وفي هذه الحالة يحق للمتبرع عليه ان يتصدى للملك المتبرع به ولو دون اذن المتبرع تحقيقا لشرط الحيازة كما يحق له اجبار المتبرع على اتمام التبرع بتحقيق الحيازة التي هي شرط فيه والى ذلك يشير الشيخ خليل في باب الهبة وحيز وان بلا اذن واجبر عليه وبطلت ان تاخر لدين محيط الخ … اي يحاز المتبرع به من طرف المتبرع عليه سواء اذن في ذلك المتبرع او لم ياذن اذ لا يشترط التحويز على المذهب وان امتنع المتبرع من الحوز فانه يجبر عليه ولو بواسطة القضاء بمبادرة من المتبرع عليه حيث يلزم القضاء المتبرع بتمكين المتبرع عليه من المتبرع به لان الهبة تملك بمجرد الاشهاد بها فيحق للموهوب له طلبها ولو عند المحاكم ان امتنع الواهب من التسليم، قال ابن عبد السلام : القبول والحيازة معتبران الا ان القبول ركن، والحيازة شرط الخ … وينبغي ان يقيد ما للمختصر هنا من الحوز بلا اذن بما ذكره في باب الشهادات لدى قوله وان قدر على شيئه فله اخذه ان يكون غير عقوبة، وامن فتنة ورديلة الخ والا تعين اللجوء للقضاء الذي يحسم النزاع .

وقد ازداد الفقه توسعا في هذا الجانب، حيث قرر ان الحيازة تثبت وتتحقق بكل تصرف يدل على حصولها كالاكراء والمغارسة والمساقاة وما شاكل ذلك فاذا تصرف الموهوب له في الشيء الموهوب بشيء مما ذكر فذلك دليل على حصول الحيازة وكاف في اعتبارها متحققة وذلك ما اشار له سيدي عبد الرحمن بن سيدي عبد القادر الفاسي في عمله وعن معاينة حوز يكفي عقد كراء ونحوه في الوقف الخ …

وفي هذا الاطار اعتبر الفقهاء امعانا في التوسع في هذا الجانب انه اذا تعذر حوز الشيء المتبرع به لسبب يحول دون تحقيق الحيازة الفعلية فان الاشهاد بالتبرع يغني عن الحيازة لتعذر تحقيقها قال ابن سلمون وسئل ابن رشد عمن تصدق على ابن له … باملاك واشهد الاب بتبتيل الصدقة والابن بقوبلها ووقع القبض في بعضها بالمعاينة وبقي سائرها لم يتطوف عليه ولا خرج اليه لكونه في مصر مخوف من العدو ولا يدخله احد الا على غرر ولم يعتمر ذلك احد الى ان مات الاب ؟

فاجاب : اذا حال الخوف دون الوصول الى موضع الاملاك المتصدق بها لاجل حيازتها بالتطوف عليها اكتفى الاشهاد ولا تبطل الصدقة ان مات المتصدق قبل الوصول الى محل الصدقة لحيازتها … الخ .
ويؤخذ من هذا النص ان الاكتفاء بالاشهاد بالتبرع عن الحيازة في حالة تعذر القيام بها لسبب مانع من تحقيقها انما ورد استثناء من وجوب ثبوتها بمعاينة البيئة الشاهدة بالتبرع بتحقيقها واستخلص الغرناطي من هذا النص قاعدة نظمها في قوله : ( ويكتفي بصحة الاشهاد ان اعوز الحوز لعذر باد)، وقريب من هذا اشار له الشيخ خليل في قوله في باب الهبة او استصحب هدية او ارسلها ثم مات او المعينة له ان لم يشهد الخ، قال الشراح هنا هذه المسالة تنطوي على ستة عشر صورة بعضها تصح فيه الهدية والبعض الاخر تبطل فيه ويعني الشيخ رحمة الله ان الشخص الذي يرسل هدية لاخر او يصطحبها معه لتسليمها اليه فيموت المهدي في الطريق او المهدي له قبل تسلم الهدية، فان الهدية تبطل لانعدام شرط الحوز الا ان يشهد بها سلفا فان الاشهاد بها يقوم مقام الحوز …

والملاحظ ان الهدية اذا ارسلت للموهوب له بواسطة رسول فان الرسول يكون نائبا عن الموهوب في الحيازة لان الحيازة التي هي شرطها تحققت اما اذا كان المهدي هو الذي اصطحب الهدية ولم يتمكن من تسليمها للموهوب له لموت احدهما قبل التسليم فانما تظهر صحة الهدية اذا كانت لمن يحوز عنه كابنه الصغير وكل شخص له نيابة قانونية عنه اما اذا كانت لاجنبي او لولده الكبير ممن لا يتاتى له النيابة عنه في الحيازة فقد استشكل ذلك غير واحد من الشراح منهم المحشيان : الرهوني وكنون واستظهروا عدم صحة الهدية في الصورتين لانعدام الحيازة لان النصوص الواردة في الاستغناء بالاشهاد عن الحيازة مقيدة بوجود الغذر المانع من حصول الحيازة كما يتضح ذلك من فتوى ابن رشد المشار لها سلفا، والموت لا يعتبر من الاعذار وانما هو من الموانع التي تبطل الهبة ان لم تحز قبول حصولها .

ومن البديهي ان الاعذار المعتبرة في هذا الباب هي عوارض تحول دون تحقيق الحيازة وللمحكمة سلطة تقديرها واعتبار ما تراه منها معفيا ومن الاعذار التي اعتبرها الفقهاء ان يجد المتبرع عليه في طلب الحيازة ويسعى جادا في تحقيقها فلا يتم له لسبب خارج عن ارادته .

فيخلص مما سبق ان الحيازة في التبرعات شرط تمام فيها عند بعض المالكية وشرط صحة عند بعضهم وعند الشافعية والحنفية والحنابلة والامامية ولم يشد عن هذا الاجماع الا الظاهرية ومن لف لفهم وان المذهب على انها تثبت بمعاينة البينة الشاهدة بالتبرع بحصولها وتحقيقها وان لم يتم ذلك في الاشهاد بالتبرع فيمكن للمتبرع عليه ممارستها وتحقيقها تلقائيا بتصديه للمتبرع به وحيازته ولو بدون اذن المتبرع فان امتنع اجبر على تحقيقها ولو بواسطة القضاء .

وان التصرفات الدالة على التملك ونقل الحيازة كالتفويت والاكراء والمغارسة والمساقات كالحيازة وان الاشهاد في التبرع يغني عنها ان حال دون تحقيقها عذر قاهر لايتاتى معه تحقيقها وان تقدير العذر موكل لسلطة القضاء ويعتبر في الاعذار الجد والحرص على تحصيلها دون التمكن من تحقيقها الى حين حصول المانع .

ونصل بعد هذا الى جانب مهم في الموضوع وهو اثبات الحيازة الفعلية في التبرعات بالاملاك المحفظة وهل يغني عنها تسجيل سند التبرع على الرسم العقاري للملك المتبرع به .
وقد اشرنا سلفا الى جمهور الموثقين - كالفشتالي وابن سلمون وفرعون وشراحهم كالشيخ الهواري وغير هؤلاء وغير هؤلاء من الفقهاء اختاروا في اثبات الحيازة في التبرعات وسيلة المعاينة اي معاينة البينة الشاهدة بالتبرع لحصول واقعة الحيازة واعتبروا هذا الاختيار اكمل واحسن واسسوا وثائقهم على وجوب اقتران الاشهاد بالتبرع بالشهادة بمعاينة البينة الشاهدة به لواقعة الحيازة وكان العدول يسيرون في انشاء وتحرير وثائق التبرع على هذا النهج فلما صدر في 9 رمضان 1331 موافق 12/8/1913 المرسوم الملكي المتعلق بالتحفيظ العقاري كانت وثائق التبرعات تحرر على النهج المذكور واذا تعلق الامر بملك محفظ فانها تسجل على رسمه العقاري مستوفية للشروط الفقهية المطلوبة فيها فلم يكن هناك ما يدعو لاثارة الجدل حول هذا الجانب واستمر الحال على هذا النحو الى نهاية الثمانينات حيث ظهرت اختلافات في وجهات النظر في هذا الجانب لم تكن معروفة فيما قبل حيث كانت المحاكم تعتبر معاينة البينة للحيازة في التبرع شرطا لازما وشكلية ضرورية في عقد الاشهاد بالتبرع وصدرت احكام وقرارات بهذا الشان منها قرار محكمة الاستئناف بمكناس عدد 21465 الصادر في 22 ابريل 1974 بالملف 13753 الذي ابطل عقد الهبة العرفي المحرر في 10 يناير 62 والمعرف بامضائه في 20 يناير 62 الوارد على الملك موضوع الرسم العقاري 9419 لعدم توفر شرط الحيازة بمعاينة البينة لها اضافة الى ما ثبت من كون الملك المتبرع به مرهون وهو في حيازة المرتهن فلا تتاتى مع ذلك حيازة المتبرع عليه له وهذا القرار ان كان يقرر ضرورة ثبوت الحيازة بمعاينة البينة لا فرق في ذلك بين الملك المحفظ وغير المحفظ فانه لاي يتناول الجانب المطروح للنقاش وهو امكانية الاستغناء عنها بالتسجيل على الرسم العقاري باعتبار تسجيل سند التبرع على الرسم العقاري للملك المتبرع به يقوم مقام الحيازة ويغني عنها .

على ان المجلس الاعلى كان اصدر بتاريخ 25/12/91 عدد 3204 بالملف 1902 في نزاع بين جمعية علماء سوس وبين ورثة المرحوم الحاج عبد الله بن محمد بن عبد الله بن احمد السوسي الذي كان وهب للجمعية ملكه " ام الخير" ذا الرسم العقاري عدد 10680 بالرباط ولم تسجل الهبة على الرسم العقاري واكتفى بتقييد احتياطي انتهت مدته فزال ومات الواهب وسجل ورثته على الرسم العقاري فطلبت الجمعية التشطيب على الاراثة من الرسم العقاري وتسجيل الهبة واستجاب المحافظ لهذا الطلب في 19/11/70 ونازع الورثة في ذلك وطلبوا ابطال التسجيل الذي تم في 19/11/70 فتقدمت الجمعية بطلب مضاد يرمي الى اعادة تسجيل الهبة في حالة ابطال تسجيلها الذي تم في 19/11/70 وامرت ابتدائية الرباط بالتشطيب على هذا التسجيل كما امرت باعادة التسجيل استجابة للطلب المضاد وايدت محكمة الاستئناف الحكم فيما قضى به من اعادة التسجيل للهبة بمقتضى قرارها عدد 4295 الصادر في 6/8/81 بالملف 616/79 الذي نقضه الملجس الاعلى بمقتضى قراره السالف الذكر بعلة : ان الفقهاء ان كانوا يعتبرون ان الحيازة شرط في صحة التبرعات قبل حصول المانع فان المعتبر هنا في الاملاك المحفظة هو نقل الملكية وليس مجرد الحوز المادي للعقار واذا كان التحويز ينقل الملكية بالنسبة للعقار غير المحفظ فان هذا الاجراء لايكفي بالنسبة للعقار المحفظ ولا يتم الا بالتسجيل على الرسم العقاري للملك المتبرع به عملا بمقتضيات الفصلين 66 و67 من قانون التحفيظ، واعتبارا لاحكام الفصل 106 من قانون التحفيظ الذي يوجب تطبيق احكامه وحدها في حالة تعارضها مع احكام الفقه وانتهت تعليلات القرار الى ان الهبة تعتبر باطلة لكون سندها لم يسجل على الرسم العقاري للملك الموهوب في حياة الواهب حتى مات فترجع الهبة ملكا لورثته .

واذا كانت النتيجة التي انتهى اليها القرار في منطوقه اعتمدت بالاساس عدم التسجيل فان العلل الاخرى التي بني عليها القرار فيها اكثر من جانب يستدعي المناقشة لانها اعتبرت تسجيل سند التبرع على الرسم العقاري كل شيء بالنسبة للتبرع بالملك المحفظ فهو يحقق الملكية ويبرر وجودها القانوني وفي نفس الوقت يعتبر بمثابة الحيازة القانونية وان لم تتحقق الحيازة المادية والفعلية التي اعتبرها الفقهاء شرطا في اتمامه كما ذهبت الى وجود تعارض بين احكام الفقه والمقتضيات التي سنها قانون التحفيظ يتسوجب تطبيق هذه المقتضيات طبقا لمقتضى الفصل 106 من مرسوم التحفيظ دون المقتضيات الفقهية .

وفي هذا خلط واضح بين نصوص الفقه المتعلقة بالحيازة في التبرعات وبين مقتضيات التحفيظ التي تتلاءم وتنسجم مع مقتضيات الفقه ولا تتعارض معها في اي جانب ويمكن الجمع بينهما بل ويجب هذا الجمع فلا حاجة لتطبيق مقتضيات الفصل 106 من قانون التحفيظ الذي الغي لان التبرع بالملك المحفظ يجب فيه الامران تسجيل سند التبرع على الرسم العقاري للملك المتبرع به لان التسجيل هو الذي يضفي على السند صيغة الوجود القانوني له ويمده بالقوة الثبوتية كما سوف تبين ذلك اما الحيازة المادية فهي شرط تمام في صحة التبرع لايتم الا بوجودها وهي خصوصية امتازت بها عقود التبرعات .
وقد سبق لنا اثناء مناقشتنا للجانب الفقهي للحيازة ان بسطنا وجهات النظر الفقهية المختلفة المربتطة بالموضوع فلا داعي للتكرار .

اما بالنسبة لقانون التحفيظ فانه اوضح في الفصلين 1 والثاني منه ان الغاية منه هي جعل العقار المحفظ خاضعا لنظام خاص لايجوز اخراجه منه ويترتب على ذلك اقامة رسم للملكية يسجل برسم عقاري ويعتبر وقت التسجيل ساعة ميلاد العقار بحيث يبطل ماعداه ويطهر الملك من جميع الشوائب التي تتعلق به قبل التسجيل الا ما يدون منها بالرسم الجديد ومعنى هذا ان الغاية التي يهدف لها التشريع العقاري هي غاية تنظيمية ادارية ترمي الى تطهير العقار وانشاء رسم عقاري له وابطال ما عداه وضبط احواله وابراز هويته وانشاء سجل حالته المدنية الذي يضم جميع العمليات والتغيرات والعوارض التي تطرا على حياته وتتبعها بالضبط والتسجيل بحيث لايعتبر منها الا ما تم تسجيله برسمه المؤسس له دون ما عداه مما لم يثبت تسجيله بسجله الخاص به .

وباستقراء احكام هذا القانون فانه يميز بين حالتين الاولى حالة انشاء الرسم العقاري والثانية حالة التسجيلات اللاحقة لانشائه التي يتابع ورودها على حياته، فالحالة الاولى اعتبرها المشرع حاسمة واحاطها بهالة من التقديس فاعتبر مرحلة انشاء الرسم العقاري قاطعة وفاصلة بين عهد لايعتبر واخر جديد يشكل منطلق حياة العقار القانونية وتظهير الملك من جميع ما كان عالقا به قبلها نظرا لما يسبق تاسيس الرسم العقاري من اجراءات وتحريات واشهارات يسري اثرها على العموم وفتح باب المنازعة على مصراعيه وفق شروط معينة فاذا تمت هذه الاجراءات وحفظ الملك فان المحفظ في اسمه هو المالك الوحيد المعتبر وكان تاسيس الرسم العقاري نقطة تحول حاسمة في حياة الملك المحفظ واصبح خاضعا لاعتبارات وقواعد خاصة ولم يبق هناك اي مجال بعد انشاء الرسم العقاري للبحث في سند انشائه والطعن فيه باية وسيلة من الوسائل ولا الى الوصول الىاي حق عيني تعلق به مهما كانت اسبابه .

اما الحالة الثانية فهي حالة التسجيلات الواردة على الملك المحفظ بعد تاسيس رسمه العقاري وتقوم اغلبيتها على الالتزامات المتعلقة بالعقار والتي ترمي الى نقل حق عيني او تعديله او تقييده وهذه الالتزامات تنتج عن السندات التي تنشئها وهي التي تسجل على الرسم العقاري وبمقتضى الفصل 66 من قانون التحفيظ فان التسجيل وهو اجراء تنظيمي هو الذي يعطي للسند المسجل المنشئ للالتزام القوة الثبوتية المستمدة من القانون وبمعنى اخر فان التسجيل ينفخ الروح في السند الذي يكون قبله بمثابة جثة جامدة لا قيمة لها قبل حصوله وهو بهذا المعنى يضفي على السند وجودا قانونيا على الحالة التي انشئ عليها بحيث لايضيف لمدلوله شيئا زائدا عليه فالتسجيل يساوي السند في مدلوله فيكون صحيحا كما يكون باطلا وناقصا وغير متوفر على القيود الازمة لتمامه او صحته فمن الطبيعي ان لايكون تسجيل السند نهائيا وقطعيا بحيث يحول دون الطعن فيه … او في السند المؤسس عليه والقاعدة في هذا الباب : ان التسجيل لا يساوي بين طرفي العقد الا مقدار ما يساويه نفس العقد اساس التسجيل ويترتب على ذلك انه قد يبقى ويدوم وقد يضمحل ويزول تبعا للسند المسجل وما قد يتعرضه من اقرار … او ابطال حسب الاحوال وهذا ما يجعل المحافظ حريصا عند التسجيل على التنصيص على ان التسجيل تم تبعا للشروط الموجودة بالعقد .

وقد اثار هذا الجانب الهام انتباه المشرع، فبعدما اورد المقتضيات المتعلقة بالتسجيلات في الباب الثاني ضمن الفصول 69 وما بعده الى 90 نص في الفصل 91 على ان كل ما ضمن بالسجل العقاري من تسجيل وتقييد احتياطي يمكن ان يشطب عليه بمقتضى كل عقد او حكم نهائي يثبت انعدام او انقضاء الواقع او الحق الذي يتعلق به ما ذكر من التضمين وذلك بالنسبة لجميع الاشخاص الذين يعنيهم حق وقع اشهاره للعموم بصفة قانونية، وعلى هذا الاساس فان الشخص الذي يوصي لاحد اولاده بملك محفظ ويسجل الوصية على الرسم العقاري فان هذا التسجيل يكون باطلا تبعا لبطلان العقد اساسه لمخالفة هذا التصرف قاعدة لا وصية لوارث وبمقتضى ما ذكره فقهاؤنا من ان عقد التبرع يكون منعقدا ويبقى معلقا حتى يتم بالحيازة فان لم تحصل حتى تعلق بالمتبرع مانع فانه يبطل واذا كان عقد التبرع متعلقا بعقار محفظ فان هذا العقد يكتسب وجوده القانوني بالتسجيل ويبقى معلقا كما هو الشان بالنسبة للعقد المتعلق بملك غير محفظ فاذا حصل المانع للمتبرع بعد التسجيل على الرسم العقاري وقبل حصول الحيازة الفعلية جاز لمن يهمه الامر المطالبة بابطال الهبة والتشطيب عليها من الرسم العقاري لاختلال الشرط الواجب توفره في التبرع … وهي قاعدة فقهية ايضا .

وقد اشار الاستاذ بول دوكرو في مؤلفه القيم : القانون العقاري المغربي بمناسبة تعليقه على الفصل 91 المشار نصه اعلاه في ص 178 وما بعدها الى الصفحة 182 في البند 262 الى : انه اذا كان الرسم اساس التسجيل قد تم الاعلان قضائيا عن بطلانه لاي سبب من الاسباب فان التسجيل يكون تبعا لذلك باطلا ويتم التشطيب عليه من طرف المحافظ اثر تقديم المقرر القضائي الحائز لقوة الشيء المقضى به متسدلا على ذلك بقرار محكمة النقض الصادر في 21/5/46 المنشور بالصفحة 237 من قرارات ما وراء البحار لسنة 1947 .

واجتهادات المجلس الاعلى والمحاكم قارة على وجوب ابطال سندات التسجيل التي يشوبها عيب مبطل لها والتشطيب عليها من الرسوم العقارية .
وذلك ما يؤكد ان التسجيل لا يساوي بين طرفي العقد الا ما يساويه العقد المسجل فاذا كان العقد صحيحا فالتسجيل كذلك واذا كان معرضا للبطلان فالتسجيل مثله، وابطال السند يترتب عليه بطلان تسجيله لان التسجيل كما قدمنا يضفي على السند صيغة الوجود القانوني ويمنحه القوة الثبوتية المستمدة من القانون ولا يضيف لمدلوله شيئا زائدا عليه … فلا يتم النقص الموجود فيه ولايصحح العيب الموجب لبطلانه وهي قاعدة عامة يستثنى منها ما نصت عليه الفقرة بالاخيرة من الفصل 66 من مرسوم 12/8/13 في كون ابطال التسجيل تبعا لابطال السند لايسري ضد الغير حسن النية اذا حصل على حقوق سجلها بناء على سند بني على تسجيل سابق مبني على السند المصرح ببطلانه كما اكد ذلك الاستاذ بول دوكرو في اخر البند 262 السالف الذكر … ويستخلص مما تقدم ان تسجيل سند التبرع بالملك المحفظ على رسمه العقاري لايغني عن الحيازة الفعلية ولايقوم مقامها اذا لم تثبت هذه الحيازة في سند التبرع بالبينة المعاينة لحصولها … او باية وسيلة اخرى من وسائل اثبات الحيازة المشار لها صدر هذا التعليق بما في ذلك حالة الاعفاء منها المترتب عن العذر القاهر الذي يحول دون حصولها المسقط لشرطها متى تبت ذلك العذر حسب الفقه المشار له فيما سبق، فاذا لم تثبت الحيازة كما يجب - فقها - حتى حصل المانع المعتبر شرعا، فان التبرع يكون باطلا حتى ولو سجل سنده على الرسم العقاري للملك المتبرع به ويترتب على ذلك استعاذة المتبرع او ورثته لما وقع التبرع به فاذا انشيء التبرع صحيحا بالتنصيص في عقده على معاينة البينة الشاهدة به للحيازة او ثبتت الحيازة بوسيلة اخرى من الوسائل التي يقرها الفقه قبل حصول المانع ولم يسجل هذا التبرع على الرسم العقاري فان التبرع يكون صحيحا مستوفيا لشرطه ويمكن للطرف المتبرع عليه ان يطلب تسجيله على الرسم العقاري ان كان لايزال في اسم المتبرع كما يمكن له ان يطلب التشطيب على التسجيلات التي انجزت بعد التبرع عن سوء نية لتسجيل سند تبرعه طبقا لما يفهم من الفقرة الاخيرة من الفصل 66 من قانون التحفيظ العقاري .

فالتبرع سواء تعلق بملك محفظ او غير محفظ لابد من الاشهاد به … ولا بد من توفر الحيازة فيه … ولاعطاء القوة الثبوتية القانونية للتبرع بالملك المحفظ لابد من تسجيل سند التبرع على الرسم العقاري للملك المتبرع به ليعتبر موجودا قانونيا ولا مفهوم لسند التبرع بل جميع السندات الاخرى المتضمنة لالتزامات عوضية لايمكن اعتبار وجودها الا بتسجيلها طبقا لمقتضى الفصل 66 من قانون التحفيظ وهذه القاعدة قاعدة تنظيمية ضبطية الغاية منها ضبط واثبات التصرفات الواردة على الاملاك المحفظة لتكون ثابتة في سجلاتها الكاشفة لحالتها المدنية بحيث لايعتبر منها ما لم يدون في تلك السجلات وتسجيل السند يعتبر صورة طبق الاصل من مضمونه ولايمكن باي حال ان يكون تسجيل سند التبرع على الرسم العقاري للملك المتبرع به قائما مقام الحيازة الفعلية التي جعلها الفقه شرط صحة او تمام في التبرعات ولا يمكن لهذا التسجيل ان يغني عنها اذا لم يثبت طبقا لما قرره الفقه في ثبوتها حسب الاصول للاسباب الاتية :

1- الحيازة في التبرع شرط صحة او تمام والشرط ما يلزم من عدمه العدم ولا يلزم من تحققه وجود ولا عدم لذاته، ومقتضى ذلك فانه يترتب على عدم تحقق الشرط انعدام الماهية واعتبارها غير موجودة .
2- ان التسجيل حسب القواعد المقررة في قانون التحفيظ لايساوي الا قيمة السند المسجل ولا يضيف لمدلوله شيئا زائدا على المعنى الذي يتضمنه السند كما ان التسجيل يوصف بمختلف الاوصاف التي يوصف بها السند فيكون باطلا وصحيحا وسالما ومعيبا حسب الاحوال التي تعرض لكل منهما … والتسجيل تابع في الوصف لاساسه .
3- ان التسجيل انما يضفي على السند صبغة الوجود القانوني ويمده بالقوة الثبوتية المستمدة من القانون فيترتب على ذلك ان السند الغير المسجل يعتبر في حكم المعدوم وان التسجيل هو الذي ينفخ فيه الروح ويحقق وجوده القانوني… وهذه كلها اعتبارات وهمية لايتناولها الحس بخلاف الحيازة الفعلية فانها تصرف مادي محسوس يدرك بمعاينة الحلول والتصرف بوضع اليد وجميع التصرفات الدالة على الاختصاص بالمحوز والتصرف فيه .

فلا يمكن القول بان الاعتبارات الوهمية التي لاتدرك بالحس تعني وتقوم مقام الحيازة الفعلية التي هي تصرف مادي يشاهد ويظهر بالحلول ويدرك بالمعاينة وباسلوب المناطقة فان القول بان تسجيل سند التبرع بالملك المحفظ على رسمه العقاري يغني عن الحيازة الفعلية المشترطة في صحة او تمام تبرعات يؤدي الى القول بان التسجيل المذكور يكمل النقص الحاصل في السند المسجل ولا قائل بذلك على الاطلاق .
واذا سلمنا بهذا فانه لامانع من سريان هذه القاعدة على جميع العقود الاخرى التي تتضمن التزامات متعلقة بحقوق عينية تنشا ناقصة او معيبة لان ما جرى على المثل يجري على المماثل .

لذلك يتعين فهم التسجيل بمفهومه الذي توخاه المشرع في كل من قانون التحفيظ العقاري والقانون المطبق على الاملاك المحفظة. واعتباره فقط مصدرا للقوة الثبوتية القانونية التي يضيفها التسجيل على السند المسجل حيث ينفخ فيه روح الوجود القانوني ويبعث فيه الاعتبار القانوني المستمد من القانون.
اما الحيازة الفعلية وهي تصرف مادي وحلول يدرك بالعيان وهي خاصية مقصورة على عقود التبرع باعتبارها شرط صحة او تمام يفتقد عند وجود التبرع او بعد وجوده فهما مختلفان واجتماعهما ضروري فلا يغني احدهما عن الاخر .

وعلى هذا الاساس درج المجلس الاعلى في كثير من قراراته على اعتبار السندات المعتمدة لنقل الملكية والمشوبة بعيب موجب لبطلانها سندات باطلة على الرغم من تسجيلها على الرسوم العقارية ولم يتردد في التصريح ببطلانها والتشطيب عليها من تلك الرسوم والامثلة على ذلك كثيرة خصوصا في الاراثة ومختلف العقود التي تعتمد كاساس لنقل ملكية العقار المحفظ من الموروث الى الوارث ومن المالك الى غيره نتيجة تصرفات عوضية وغير عوضية طالما كانت السندات المعتمدة مشوبة بعيب ينص الفقه على بطلانها بسببه .

وفي هذا الاطار فقد صدر اخيرا عن غرفة الاحوال الشخصية والميراث قراران احدهما في القضية عدد 559/95 ابرم قرار محكمة الاستئناف بالرباط الذي ابطل الهبة الواقعة على دار سكنى الواهب لزوجته لعدم ثبوت اخلائها من شواغله لمدة سنة كما يوجد ذلك الفقه المقرر في هبة دار السكنى المشار له اعلاه ولثبوت استمرار الواهب في السكنى بها مع زوجته الموهوب لها الى حين وفاته بها .

والثاني صدر في القضية عدد 452/96 نقض قرار محكمة الاستئناف بالرباط الذي صحح الهبة الواقعة من الواهب لزوجته في مرض موته الثابت طبقا للفقه المقرر في بيت التحفة المشهور وهو : صدقة تجوز الا مع مرض - موت وبالدين المحيط تعترض، وعلى ما ثبت من معطيات الملف التي توجب تطبيق الفقه المشار اليه القراران صدرا معا في 9/07/1997 .

والعمل بالمجلس قار على ابطال السندات المعيبة المسجلة على الرسوم العقارية والتصريح بالتشطيب عليها من تلك الرسوم وعدم اعتبارها فكيف يمكن القول بان تسجيل سندات التبرع المعيبة باختلال بعض شروطها يغني عن تلك الشروط ويكمل النقص الموجود بها ؟؟ مع العلم ان التسجيل يعطي فقط القوة الثبوتية للسند ولا يضيف لمضمونه اي شيء زائد على ذلك .

واذا كان من واجبنا ان نساير الركب الحضاري في مجالات التجارة والاقتصاد وفي مجالات الشغل والنقل والسير ومختلف مظاهر الحضارة الانسانية التي تعتبر ثراتا مشتركا بين كافة دول العالم المتحضر فان من واجبنا ايضا الحفاظ على هويتنا كامة اسلامية تعتمد كتاب الله وسنة رسوله صلى الله عليه وسلم والفقه الاسلامي المستمد منهما في كل ما يتعلق باحوالنا الشخصية وموارثنا وما يتعلق بهذه الاحوال من وصايا وصدقات وهبات خصوصا وان احكام الفقه الاسلامي قلما تتعارض مع القوانين الوضعية في مجال التبرعات وان قواعد الفقه سارية المفعول لم تلغ ولم تعدل ومن واجب القضاء ان يطبق القوانين المعمول بها وفي اطار القواعد المعمول بها في هذا الشان .

اعتقد انني بلغت نهاية هذا العرض واملي ان اكون قد وفقت في الالمام باهم جوانب موضوع الحيازة المشترطة في التبرعات وما توفيقي الا بالله عليه توكلت واليه انبت .

* مجلة المحاكم المغربية، العدد 84، ص 13 .