النقيب عبد الله درميش
احدثت المحاكم التجارية لاول مرة بالمملكة بمقتضى قانون95-53المامور بتنفيذه بظهير 1.97.65 بتاريخ 4 شوال 1417 ( 12/2/1997 ) ( ج . ر. ع 4482 بتاريخ 15/5/1997 ) بعد ان كان التفكير جادا في احداث محاكم اعمال .
ولكن قانون جديد ظرفيته الخاصة، وامام كل وليد صعوبات واشكاليات تعترضه في بداية حياته قبل ان يقوى على السير على قدميه .
فما هي الظروف التي ادت الى احداث هذه المحاكم في هذا الوقت بالذات (اولا) ثم ما هي الاشكاليات التي من المتوقع ان يعرفها هذا القانون ( ثانيا ) .
اولا : الظروف العامة الدولية والوطنية التي احاطت باحداث المحاكم التجارية منذ سنوات خلت والمغرب يسعى الى اعادة تقويمه الهيكلي اذ منذ تطور الظروف الدولية انطلاقا من سنة 1989 وانهيار الاتحاد السوفيتي ان لم نقل انتحاره، تغير نمط السلوك الدولي وهيمنت سياسة القطب الاحادي، وترددت شعارات"عولمة الاقتصاد" و " النظام العالمي الجديد" وسادت ثقافة التعاقد وتم التشجيع على المبادرة الفردية ، وتحت ضغوط دولية تم التوقيع على اتفاقية مراكش 15/4/1994 .
وامام الواقع الذي لا مفر منه بكل ما يحمل من مرارة والام اذ مصالح الدول النامية مرشحة للضعف و الهزال امام قانون المصالح المهيمن على كل الواجهات .
وحيال هذه الصورة القاتمة للواقع المرير لم يكن بامكان الضعفاء منا ان يقف موقف المتفرج من طوفان اقتصاد السوق وقد انطلقت قاطرته بسرعة جنونية يصعب ايقافها .
فكان لزاما على المغرب ان يواكب هذا التحول العالمي ويحاول ان يساير ايقاعه السريع بعقلية جديدة، وهكذا استضاف مؤتمر منظمة التجارة العالمية، ودخل في اتفاقية الشراكة مع المجموعة الاوربية ، وعدل دستوره ليشجع على المبادرة الفردية ( الفصل 15 من الدستور) واحدث نظام الجهوية، واستجابة للمادة 16/9 من اتفاقية مراكش كرس اللامركزية ووضع منظومة قانونية في المجال الاقتصادي والمالي والتجاري .
وبتاريخ 21/9/1993 صدرت عدة قوانين منها على الخصوص قانون 39.89 بشان تحويل منشات عامة الى القطاع الخاص ( قانون الخوصصة)، وقانون يتعلق باعادة تنظيم السوق المالية، وبورصة القيم، وقانون يتعلق بمجلس القيم المنقولة وبالمعلومات المطلوبة في الاشخاص المعنوية التي تدعو الجمهور الى الاكتتاب في اسهمها وسنداتها، وقانون الهيات المكلفة بالتوظيف الجماعي للقيم المنقولة .
كما اهتم المشرع بنظام المحاسبة فصدر ظهير 1.91.138 بتاريخ 25/12/1992 بتنفيذ القانون 9.98 المتعلق بالقواعد المحاسبية الواجب على التجار العمل بها مع المرسوم 2.93.521 بتاريخ 30/8/1993 بتطبيق القانون 15.89 المتعلق بتنظيم مهنة الخبرة وانشاء هيئة الخبراء المحاسبين واعاد المشرع نظرته حول نشاط المؤسسات الائتمانية ( ظ 1.93.147 بتاريخ 102 محرم 1414/6 يوليوز1993 ) .
واهتم المشرع ايضا بالاستثمارات الاجنبية ووضع قانون اطار رقم 18.95 بمثابة ميثاق للاستثمارات .
وفي قطاع التجارة سن من المشرع قوانين جديدة لشركات المساهمة ( ظ 1.96.124 بتاريخ 30/8/1996 ) والشركات الاخرى.
واخيرا احدث المشرع المغربي المحاكم التجارية الذي سينطلق العمل بها في الاسبوع الاول من الشهر المقبل ( ماي 1998 ) فما هي، اذن، الصعوبات والاشكاليات المتوقع ان تعرفها المحاكم التجارية ؟
ثانيا : بعض الاشكاليات التي سيطرحها قانون احداث المحاكم التجارية
كان التفكير في احداث المحاكم الاعمال يداعب امانينا الى ان فوجئنا بالاقتصار على احداث محاكم تجارية، وهي خطوة ايجابية، في حد ذاتها، وان كانت لا ترقي الى الطموحات والرهانات المستقبلية .
فهل تستجيب هذه المحاكم الى الهواجس التي ادت الى احداثها ؟ هل ستحافظ على مبدا تقريب القضاء من المتقاضين ؟ وهل ستخفف من عبء محاكم الولاية العامة ؟ وهل ستكرس مبدا اللامركزية ؟ وهل ستلبي حاجيات المستثمرين الاجانب؟ هل تستطيع القواعد القانونية لهذه المحاكم تبسيط المسطرة القضائية ورفع العناء عن المتقاضين ؟ ام ان هناك صعوبات واشكاليات ستعرقل سير الدعوى امام هذه المحاكم وتصيبها بالشلل ؟
يصعب علينا ان نجزم في هذه التساؤلات، لان القضاء هو الذي يبث الحركة والحياة في النصوص القانونية، ويستطيع ان يقوم اعوجاجها في حدود الصلاحيات التي يملكها .
لكن من الان نبدي ملاحظاتنا حول بعض الاشكاليات :
I
- اشكالية تتعلق باحداث هذه المحاكم وتكوينها وتنظيمهاوتحديد عددها ومقارها ودوائر اختصاصها :
1- تكوين المحاكم التجارية من عدة اجهزة من بينها جهاز النيابة العامة
وخلق قاضي مكلف بمتابعة اجراءات التنفيذ :
تتكون المحاكم التجارية والتجارية الاستئنافية من الاجهزة العادية والى جانبها مؤسسة النيابة العامة ( م 2 وم 3 ) .
وباستقراء النصوص لمعرفة دور النيابة العامة امام هذه المحاكم، يلاحظ ان دورها ضئيل بمقارنته مع دورها امام المحاكم الابتدائية .
فقد تكون طرفا اصليا او منضما حسب القواعد الواردة في قانون المسطرة المدنية اذا تعلق الامر بنزاع تجاري وهي الحالات الواردة في الفصول 6 الى 10 م م .
كما ان للنيابة العامة دور اساسي في فتح مسطرة معالجة صعوبات المقاولة ( م 563 م. ت) وفي طلب استمرار المقاولة التي توجد في حالة التصفية ( م 620 م ت) او في اطلاع القاضي المنتدب على جميع المعلومات التي يمكن ان تكون مفيدة في نظام التصفية القضائية ( 641 م ت) او في الطلب الذي سيرفع الى المحكمة التجارية بخصوص سقوط الاهلية التجارية ( م 716 م ت) او الطلب الرامي الى تسوية عملية تاسيس شركة المساهمة ( م 12 من قانون 17.95 بشان ش المساهمة) او طلب حل الشركة ( م 426 ش م ) .
واذا كانت هذه الصلاحيات لا تطرح اي اشكال لمورد النص فان هناك صعوبات ستعترض النيابة العامة بخصوص مجالات لم يتطرق اليها قانون المحاكم التجارية ولا يحيل بشانها في المادتين (16 و20) وكمثال على ذلك :
ان النيابة العامة لدى هذه المحاكم سوف لا يكون لها اي اشراف او مراقبة على الاعوان القضائيين .
·
ذلك :
انه لا انسجام بين قانون المحاكم التجارية والمقتضيات الواردة في قانون احداث هيئة للاعوان القضائيين وتنظيمها (قانون 80/4) اذ ان ( الفصل 1) من هذا القانون يجعل الاعوان القضائيين خاضعين للمحاكم الابتدائية وتحدد اختصاصاتهم في دوائر هذه المحاكم ( ف 10) ويؤدون اليمين امامها ( الفصل 11) .
واذا تغيب عون قضائي او عاقه عائق مؤقت يصدر رئيس المحكمة الابتدائية امر بطلب من وكيل الملك بتعويضه باخر (الفصل 13)، وان وكيل الملك لدى المحكمة الابتدائية يتولى مراقبة اعمال واجراءات العون القضائي الممارس في دائرة اختصاصه ( الفصل 18) وتمتد هذه المراقبة الى التحقق من صحة الاجراءات وسلامة تداول القيم والاموال التي باشرها العون، هذا فضلا على الجانب العقابي التاديبي الذي يمكن لوكيل الملك انزاله بالعون القضائي كما هو بالنسبة للعقوبات من الدرجة الاولى او العقوبات التاديبية التي تحكم بها المحكمة الابتدائية بطلب من وكيل الملك ( الفصل 19) .
وامام المحاكم الابتدائية التي يعتبر فيها اللجوء الى الاعوان القضائيين اختياريا يلاحظ ان هناك دورا اساسيا للنيابة العامة تجاه هذه المؤسسة في حين انه امام المحاكم التجارية التي يعد فيها اللجوء الى الاعوان القضائيين الزاميا بالنسبة للاطراف وان كان اختياريا بالنسبة للمحكمة ( م 15)، ينعدم فيه اي دور للنيابة العامة سواء في المراقبة او الاشراف او التاديب وتكون الصلة منفصلة بين هذه المؤسسة وبين النيابة العامة .
ولاي نسجم ايضا قانون المحاكم التجارية مع باقي القوانين التجارية الاخرى، سواء المدونة او قوانين الشركات، اذ في القانون الاول اعطى امتيازا خاصا لمؤسسة الاعوان القضائيين ( م 15) وغيب ذلك تماما في باقي القوانين الاخرى التي تبلغ فيها الاجراءات دائما وفق قوانين المسطرة المدنية ( المواد 78 و115 و297 و340 و709 و710 من المدونة ) .
كما ان قانون المحاكم التجارية لا ينسجم مع قانون المسطرة الجنائية الذي اعطى صلاحيات واسعة للنيابة العامة ويبقى ان المحكمة التجارية تعرف فراغا بخصوص تسخير القوة العمومية ( الفصلان 42 و47 م. ج) مما سيعطل بعض المقتضيات المتعلقة بالتنفيذ الجبري لبعض الاحكام القضائية التي تتوقف على تسخير القوة العمومية .
كما ان النيابة العامة لدى المحاكم التجارية ستعرف صعوبات بخصوص مسطرة تطبيق الاكراه البدني، التي لا تتم الا بطلب يوجه الى وكيل الملك لدى المحكمة الابتدائية الذي عليه، اذ كانت شروط مستوفاة، ان يوجه اوامره الى رجال القوة العمومية لالقاء القبض على المحكوم عليه بالاكراه البدني، حسب الشروط المقررة في تنفيذ الاحكام القضائية (الفصل 680 ق م ج) .
وهكذا، يتضح ان النيابة العامة لدى المحاكم التجارية ستظل صلاحياتها ضيقة مادام انه لم يقع التفكير في اسناد الجرائـم الاقتصادية الى هذه المحاكم .
اما الجهاز الثاني الذي احدثه قانون المحاكم التجارية فهو " القاضي المكلف بمتابعة اجراءات التنفيذ" ( م 2 فقرة اخيرة ) ونبادر الى القول بان القاضي هو قاضي بدون صلاحيات قضائية، فهو ليس قاضيا للتنفيذ ولا يصل الى المؤسسة القضائية المنشودة منذ سنوات والتي ارتفعت بشانها الاصوات وحررت بها توصيات واقرتها كثير من التشريعيات .
· ان التنصيص على هذه الفقرة تخلق صعوبات واشكاليات، اذ ستتداخل صلاحيات هذا القاضي المكلف مع صلاحيات رئيس المحكمة التجارية بخصوص مسطرة التنفيذ. فاذا كان هذا القاضي مكلفا بمتابعة اجراءات التنفيذ فهذا يعني ان له الصلاحية في تتبع اعمال الاعوان القضائيين او القيام بالاجراءات المتطلبة لتنفيذ الاوامر والاحكام والقرارات القضائية (الفصل 2 من قانون الاعوان القضائيين)، كما تتداخل صلاحيات هذا القاضي مع المهام المستندة لوكيل الملك لدى المحكمة الابتدائية بخصوص الاشراف والمراقبة على عمل العون القضائي كما سبقت الاشارة الى ذلك .
ومن الاشكاليات، كذلك، ان هذا القانون غير منسجم مع قوانين التنظيم القضائي للمملكة، اذ لم يدمج المشرع هذه المحاكم ضمن المحاكم العادية للمملكة، وكان عليه ان يعدل الفصل الاول من التنظيم القضائي، كما فعل بالنسبة للفصل العاشر من هذا القانون، وهو ما طرح الاشكالية حول طبيعة هذه المحاكم، هل هي محاكم عادية ام استثنائية؟
· كما انه بموازاة مع ذلك يتعين تعديل النظام الاساسي للقضاء، وبصفة خاصة الفصل 2 من هذا النظام، لمعرفة ترتيب القضاة الذين يباشرون عملهم بالمحاكم التجارية، والا فان اشكالية ترتيب القضاة ضمن هذه الدرجة او تلك ستبقى مطروحة .
2- من حيث توزيع هذه المحاكم ببعض جهات المملكة دون اخرى :
من الاشكاليات الحادة التي عرفها احداث هذه المحاكم وتحديد عددها عدم استجابة المادة الاولى من المرسوم المؤرخ في 28/10/1997 للمادة من القانون .
ذلك :
ان الفقرة الثانية من المادة الاولى من القانون تامر بتحديد عدد هذه المحاكم بجهات المملكة وهو ما لم تستجب له المادة الاولى من المرسوم التي اكتفت بتحديد عدد هذه المحاكم في ست محاكم تجارية وثلاث محاكم تجارية استئنافية وهو ما سيشكل، لا محالة، عرقلة اساسية امام المتقاضين لولوج هذه المحاكم. وسيؤدي بالضرورة، الى عدم ممارسة حق التقاضي الذي هو حق دستوري، او على الاقل سيحمل المتقاضين اعباء زائدة وقد تفوق هذه الاعباء في جانبها المادي في بعض الاحوال موضوع الدعوى .
وبالعمل بالمرسوم الحالي سنحيد عن عدة مبادئ سامية كالعدالة للجميع، والمساواة بين المتقاضين وتقريب القضاء من المتقاضين والعدالة السريعة المتبصرة، كما ان ذلك سيقلص من نظام الجهوية الذي اصبحت معه مؤسسة دستورية (الفصل 100 من الدستور) .
واذا كان المشرع يهدف الى تبسيط الاجراءات المسطرية، فان هذه المحاكم ستعرف كثيرا من القضايا الزهيدة بواسطة مسطرة كتابية ( م 19) وبقضاء جماعي ( م 4) وهو ما يقلص من الفعالية والمرونة والبساطة المتوخاة من هذه المحاكم.
ومن الصعوبات، كذلك، ما سيعترض هيئة الدفاع التي ستباشر وحدها الاجراءات امام هذه المحاكم ( م 13) اذ سيضطر المحامي المترافع الى تعيين محل المخابرة معه بمكتب احد زملائه بدائرة المحكمة التجارية او دائرة محكمة الاستئناف التجارية طبقا للفصل 38 من قانون مهنة المحاماة .
II
- اشكاليات تتعلق باختصاص المحاكم التجارية ( نوعيا ومحليا)ان اكثر الاشكاليات التي ربما ستواجه المحاكم التجارية، بكيفية حادة وتتطلب الحل العاجل هي تلك المتعلقة باختصاصها بنوعيه، النوعي والمحلي .
1- اشكاليات الاختصاص النوعي للمحاكم التجارية :
تناول قانون احداث المحاكم التجارية الاختصاص النوعي في المواد ( 5 الى 9) .
ومنذ الوهلة الاولى ترسم هذه المقتضيات عدة علامات استفهامية كان المشرع في غنى عنها ولكن الصياغة التي صيغت بها المواد كانت الى حد احداث البلبلة والاضطراب في بعض المبادئ الاولية، كالتساؤل حول طبيعة الاختصاص النوعي، هل هو من النظام العام ام ان الامر على خلاف ذلك ؟
الكل يتذكر النقاش الساخن الذي دار حول مقتضيات الفصل 16 من ق م م بخصوص الطبيعة القانونية للاختصاص النوعي، وجاء قانون احداث المحاكم الادارية في المادة 12 ووضع حدا لكل تاويل ونقاش واعتبر، بنص صريح، الاختصاص النوعي في القضايا الادارية من النظام العام، وهو ما لم يفعله صنوه قانون احداث المحاكم التجارية مما اعاد النقاش الممل من جديد الى الساحة القانونية .
وزاد في تعميق ذلك ما اتت به مقتضيات الفقرة الثالثة من المادة 5 التي سمحت للتاجر وغير التاجر على اسناد الاختصاص للمحكمة التجارية فيما قد ينشا بينهما من نزاع، بسبب عمل من اعمال التاجر، وهذا يعني الاتفاق على مخالفة قواعد الاختصاص النوعي .
وفي راينا الذي لا يتزحزح، فان اختصاص المحاكم التجارية نوعيا هو من النظام العام على الرغم من بعض المؤشرات المعاكسة التي تظهر من مواد قانون المحاكم التجارية، وكل ما يترتب عن ذلك من اثار قانونية .
وتلوح في الافق صعوبة اكثر اهمية، وهي التي تطرحها صياغة ( المادة 5) من قانون احداث المحاكم التجارية، فهل الحالات المذكورة في تلك المادة جاءت على سبيل الحصر، ام انها على سبيل المثال فقط ؟ بعبارة اخرى، هل تبنى المشرع المغربي في الاختصاص النوعي المعيار التحديدي والحصري ؟
سؤال يستحق وقفة قصيرة للتامل في مقتضيات تلك المادة ومقارنتها مع نصوص واردة في قوانين تجارية اخرى .
ان الصياغة التي استعملها المشرع في ( المادة 5) توحي بان المشرع قد اعتمد المعيار الحصري والتحديدي، وان الحالات جاءت على سبيل الحصر .
لكن ذلك الفهم قد يطرح عدة صعوبات، منها على الخصوص ان بعض المنازعات ذات الاهمية القصوى قد لا تستوعبها المادة المذكورة على حالتها، رغم انها تندرج ضمن صميم اختصاص المحاكم التجارية، فمثلا :
بعض المنازعات المتعلقة بالعمليات المرتبطة بانشطة المؤسسات الائتمانية كما جاءت في ( المادة 5) من قانون المؤسسات الائتمانية او بعض العمليات الاخرى التي يمكن لوزير المالية ان ياذن بها لمؤسسات الائتمان ( م 7) .
· كذلك فان ( المادة 5) تناولت الدعاوي المتعلقة بالعقود التجارية ومن بينها العقود البنكية، لكن المجال البنكي لا يعرف فقط العقود البنكية بل هناك بعض العمليات البنكية التي لم تشر اليها المادة رغم انها من صميم العمليات التجارية .
المنازعات المتعلقة بالشركات في مرحلة التاسيس، لا تتوفر الشركة على الشخصية المعنوية وتخضع لقانون شركات المساهمة وتبدا حياتها الا من تاريخ تقييدها في السجل التجاري، مما يبقى معه التساؤل عن الجهة القضائية المختصة للنظر في النزاعات بين المؤسسين في مرحلة التاسيس. فالمادة 8 من قانون شركات المساهمة تجعل العلاقات بين هؤلاء خاضعة لعقد الشركة او للمبادئ العامة في قانون الالتزامات والعقود .
·
النزاعات التي تخضع لمقتضيات ظهير 24/5/1955 المتعلق بعقود كراء الاملاك والاماكن المستعملة للتجارة والصناعة او الحرف، وهي النزاعات التي عرفت نقاشا حادا في كل الندوات التي انعقدت او في كل الكتابات التي كتبت حول ( م 5)، اذ انقسمت الاراء فيما بينها باسناد الاختصاص للمحاكم التجارية وان كان الراجح في نظرنا ان الاختصاص يعود للمحاكم التجارية في كل النزاع الخاضع لظهير 24/5/1955 لان الفقرة الخامسة من ( م 5) جاءت طليقة وبدون تحديد، و" الحق في الكراء" من اهم عناصر الاصل التجاري. ووظيفة ظهير 24 ماي 1955 هي حماية التاجر والاصل التجاري وهو ما نحت اليه كذلك مدونة التجارة في المواد ( 80 و91 و112 ) التي اضفت اهمية خاصة وحماية امتيازية على الحق في الكراء باعتباره عنصرا اساسيا في الاصل التجاري .
·
المنازعات المتعلقة بالحوادث البحرية او ما يطلق عليه " التصادم البحري"
· ان كان المشرع في الفقرة الثانية من ( المادة 5) يستثنى من اختصاص المحاكم التجارية قضايا حوادث السير فانه لم يفعل ذلك بالنسبة للحوادث البحرية، فهل القضايا المتعلقة بالتصادم البحري تدخل في اختصاص هذه المحاكم ؟ سبق لهذه الاشكالية ان طرحت في فرنسا الى ان تدخل المشرع الفرنسي بمقتضى مرسوم 9 يناير 1960 وحسم هذه ااشكالية .
ونحن عندنا ستعرف هذه القضايا اشكالية الاختصاص لان المادة 5 لا يمكن ان تستوعبها على حالتها تلك .
المساطر المتعلقة بمعالجة صعوبات المقاولة، وهي من اهم ما استحدثته مدونة التجارة اذ يمكن ان تشبه ذلك بعيادة صحية طبيبها هو رئيس المحكمة التجارية ولا ندري المبررات التي جعلت المشرع يسكت عنها في المادة 5 ق م ت حينما تحدث عن الاختصاص النوعي ويذكرها في المادة 11 من هذا القانون حينما تناول الاختصاص المحلي.
لكن هذا السكوت قد لا يطرح اشكالا كبيرا في اختصاص المحكمة التجارية في هذه المعالجة بقدر ما تطرح الفقرة الثانية من المادة 566 من المدونة اشكالا يتعلق باختصاص المحكمة التجارية في الدعاوى المتصلة بمسطرة المعالجة، بمعنى هل المحكمة التجارية التي فتحت مسطرة المعالجة امامها تكون مختصة في كل الدعاوى المتصلة بهذه المسطرة على الرغم من طبيعتها القانونية. كالنزاعات المدنية والادارية والنزاعات الاجتماعية .
·
في راينا ان النزاعات المرتبطة بمسطرة المعالجة والمتصلة بها كيفما كانت طبيعتها تدخل في اختصاص المحكمة المفتوحة امامها مسطرة المعالجة، تاسيسا على نظرية الاحتواء وهكذا مثلا فان العقود التي ابرمت بدون مقابل من طرف المدين في الفترة ما قبل الستة اشهر السابقة عن التوقف عن الدفع يمكن للمحكمة التجارية ان تبطلها مهما كانت طبيعة هذا العقد حتى ولو كان مدنيا ( م 681 المدونة) .
* الطلبات المتعلقة بالعقوبات المالية وسقوط الاهلية :
تكون المحكمة التجارية التي فتحت مسطرة المعالجة امامها مختصة كذلك في اصدار العقوبات المالية المنصوص عليها في مدونة التجارة ( م 703)، كما تكون كذلك هذه المحكمة مختصة للنطق بالحكم سقوط الاهلية التجارية عن كل شخص طبيعي او اعتباري ( من م 712 الى 720 من المدونة ) .
هذا ويلاحظ ان المدونة وقوانين الشركات قد اتت بعقوبات مالية واخرى زجرية فبعض العقوبات المالية تصدر بحكم من المحكمة في حين ان بعضها الاخر يحددها المشرع على شكل غرامات تستخلص عن طريق وزارة المالية ( الفصل 49 من مدونة التسجيل)، ودونما الحاجة الى الحكم بها كالغرامات المنصوص عليها في المادتين 306 و307 من مدونة التجارة .
الدعاوى المتعلقة بطلبات يقل موضوعها عن الف درهم :
· من بين الاشكاليات ايضا التي ستطرح على المحاكم التجارية تداخل اختصاص هذه المحاكم مع اختصاص محاكم الجماعات والمقاطعات .
اذ باستقراء كل نصوص قانون المحاكم التجارية فانه لم يحدد النزاعات من حيث القيمة التي تدخل في اختصاصها ولم يستثن من ذلك اختصاصات محاكم الجماعات والمقاطعات كما فعل بالنسبة للمحاكم الابتدائية في الفصل 18 ق م م او في مسطرة الامر بالاداء ( الفصل 155 م م ) .
دعوى الشفعة بشان استحقاق حقوق الشركة التي فوتت للاغيار في الحالة التي تبرم فيها اتفاقات بين المساهمين او بين المساهمين والاغيار بشان شروط تفويت حقوق الشركة وان تنص على الخصوص على عدم اجراء التفويت الا بعد مدة معينة او اجراءه تلقائيا بصورة تفضيلية لفائدة اشخاص يتمتعون بحق الشفعة ( م 257 من ق ش) .
· وفي هذه الحالة فان المشرع قد سكت عن الجهة المختصة فهل يدخل ذلك في النزاعات القائمة بين الشركاء في شركة تجارية .
الامر باداء مبلغ مسبق من الدين :
· تقضي المادة (7) من قانون المحاكم التجارية ان للمحكمة ان تامر باداء مبلغ مسبق وفق شروط حددتها المادة المذكورة.
ونلاحظ بداية ان هذه القاعدة ليست بالحديثة في التشريع المغربي اذ كان الفصل 179 م م سباقا اليها، ولا ندري اهمية هذا المقتضى من الناحية العملية مادام ان المشرع في قانون المحاكم التجارية وضع قواعد لو احترمت لوقع البث بسرعة وفي اجل محدود .
وعن الاشكاليات التي يمكن ان يطرحها تطبيق هذه المادة فتتعلق بالمسطرة التي ستسلكها المحكمة في اصدار امرها هل يتوقف ذلك على طلب المعني بالامر وهل يخضع هذا الامر لقواعد الاوامر القضائية من تبليغ وتاشيرة من وزارة المالية ثم الا يفرغ هذا المقتضى من مضامينه حينما قيد المشرع ذلك بالضمانات العينية او الشخصية الكافية التي يتعين تقديمها.
- الحكم في الدفع بعدم الاختصاص النوعي :
اتى المشرع بمقتضيات جديدة خاصة بالدفع بعدم الاختصاص النوعي في ( المادة 8) ونتوقع ان يعرف تطبيق هذه المادة اشكاليتين اثنين، اولهما ان محكمة الاستئناف التجارية تحيل القضية على المحكمة المختصة، فهل هذه الاخيرة تكون ملزمة بقرار الاحالة، ام من حقها ان تتجاهل قرار الاحالة وتصدر حكما مخالفا ؟
ان القوانين عندنا ساكتة بخصوص هذه المسالة اللهم الا ما تعلق بقرار الاحالة من المجلس الاعلى مما سيطرح اشكالا امام غياب جهة مختصة للبث في تنازع الاختصاص على الرغم من الفصول 300 وما يليه من ق م التي لا تفي بالمقصود.
ولتعرف العدالة استقرارها وليطمئن المتقاضون الى القضاء نرى ان تكون محكمة الاحالة ملزمة بقرار الاحالة وهو ما نصت عليه المادة 110 من قانون المرافعات المدنية والتجارية المصري .
وثاني الاشكاليتين هو ان الفقرة الاخيرة من ( م 8) تجعل قرار محكمة الاستئناف التجارية بخصوص الدفع بعدم الاختصاص لا يقبل اي طعن كان عاديا او غير عادي، وهو ما يجعل الاستدلال بعدم الاختصاص امام المجلس الاعلى كوسيلة من وسائل الطعن بالنقض غير ذي موضوع ( الفصل 359 م م ) .
هذا، فان الحكم في الاختصاص الذي يخضع لهذه القواعد هو الذي يصدر من المحكمة التجارية كمحكمة موضوع، اما الامر القاضي بعدم الاختصاص الصادر عن القاضي المنتدب وتكون محكمة اخرى هي المختصة ليست هي التي فتحت المسطرة امامها، فان الامر لاي قبل الاستئناف بل يسري اجل مدته شهران يجب على المدعي ان يرفع الدعوى خلال هذه المدة الى المحكمة المختصة تحت طائلة السقوط ( م 697 المدونة) .
2- الاشكاليات التي يطرحها الاختصاص المحلي امام المحاكم التجارية :
تعتبر المادة (10) من قانون المحاكم التجارية تكرارا لمقتضيات الفصل 27 من ق م م، وهي عبارة عن قواعد بديهية في الاختصاص المحلي التي جاءت لفائدة المدعى عليه او المدين .
الا ان هذه القواعد ليست مطلقة فلها بعض الاستثناءات، فمثلا فان ( م 340 م ت) تجعل الاختصاص في بيع الشيء المرهون يرجع الى المحكمة الموجود مقرها في موطن الدائن او الشخص المتفق عليه .
والجديد في قواعد الاختصاص المحلي في قانون المحاكم التجارية ما اتت به المادتان 11 و12 وهي التي تطرح بعض الاشكاليات منها على الخصوص :
الدعاوي المتعلقة بالشركات : استثناها المشرع من الفقرة 13 من الفصل 28 من ق م م وجعل الاختصاص ينعقد الى المحكمة التي يوجد بدائرتها مقر الشركة او فرعها .
· فما المقصود بدعاوي الشركات ؟ هل الشركات بذلك المفهوم الذي اعطاه المجلس الاعلى لدعاوى الشركات ؟ أي تلك الدعاوى التي يكون موضوعها الشركة نفسها فيما يتعلق بادارتها او كيانها او نشاطها بين اعضائها، لا التي يكون موضوعها التزام بين الشركة والغير ( قرار المجلس الاعلى بتاريخ 23/1/1991 ملف تجاري 4731/86 قرارات المجلس الاعلى 1970-1997)، ام المقصود من دعاوى الشركات تلك التي ترفع ضد الشركة من طرف الاغيار، نعتقد ذلك والا لما عدل المشرع الفقرة 13 من الفصل 28 م م واضاف فرع الشركة ؟
ومما يطرح هذا الاشكال بحدة عدم الانسجام بين هذه الفقرة وبين الفقرة 4 من ( م5) التي تتعلق بالنزاعات الناشئة بين شركاء في شركة تجارية .
ثم ان هذه الفقرة تطرح كذلك اشكالية خاصة بالمقصود بمقر الشركة هل هوالمقر الاجتماعي للشركة الوارد في النظام الاساسي لها ام هو مقر النشاط الفعلي للشركة .
انه سيحدث تضارب بخصوص هذه المسالة وهو ما حدث في فرنسا الى ان تدخل المشرع سنة 1985 ورجح المقر الفعلي للشركة عن المقر الاجتماعي .
الاشكاليات الخاصة بالاجراءات التحفظية :
· من المستجدات التي اتى بها قانون المحاكم التجارية انه وضع حدا لذلك الاضطراب الذي تعرفه هذه المسالة فوحد بذلك الاختصاص واسنده للمحكمة التي يوجد بدائرتها موضوع هذه الاجراءات وهو ما سبق اليه القضاء المستعجل الذي جعل الاختصاص المحلي في القضايا الاستعجالية للمحل الذي يثار فيه عنصر الاستعجال .
الا ان الاشكالية التي يمكن ان تطرح هو المكان الذي يوجد به موضوع هذه الاجراءات قد يكون عن احدى المحاكم التجارية، مما يصعب معه تطبيق هذا المقتضى .
لذلك فان مدونة التجارة في بعض الحالات، كما هو الحال في عقد النقل، اسندت الاختصاص للسلطة القضائية بيعن المكان ولم تجعله بالضرورة للمحكمة التجارية ( م 472 و474 م ت ) .
اما المادة 12 ق م ت فتسمح للاطراف وفي جميع الحالات ان يتفقوا كتابة على اختيار المحكمة المختصة محليا .
ان كانت هذه القاعدة لا تثير اي اشكال في اطار القواعد العامة للاختصاتص المحلي الا انها تخلق صعوبات وتطرح اشكالا بعد ان اتى المشرع في المادة 11 باستثناءات للاختصاص المحلي .
فهل يقصد المشرع في المادة 12 ان الاختصاص المحلي
- حتى في الحالات المذكورة في المادة 11- ليس من النظام العام ؟ ويمكن للاطراف الاتفاق على اختيار المحكمة التي تكون مختصة محليا .اننا لا نجاري هذا الاتجاه، لان المادة 11 هي استثناء فوق استثناء، استثناء من الفصل 28 م م الذي هو ايضا استثناء من الفصل 27 م م، اضف الى ذلك اننا لا يمكن ان نتصور ترك اختيار المحكمة المختصة رهن ارادة الاطراف في المساطر المتعلقة بصعوبات المقاولة التي نظمها المشرع كلية باحكام امرة .
هذا، فعلى الرغم من ان المشرع المغربي ابقى على قواعد الاختصاص المحلي العادية واتى باستثناءات في المادة 11 فيحب ان نشير الى ان هناك استثناءات اخرى واردة في مدونة التجارة وفي قانون الشركات وكمثال على ذلك الدعاوى المتعلقة ببيع ورهن الاصل التجاري اذ ان اغلبها يباشر امام المحكمة التي يقع او يستغل بدائرتها الاصل التجاري (المواد 113 و 114 و 123 م . ت) وباقي الحالات الاخرى المنصوص عليها في المواد (139 و 149 و 152 و 374) .
III
- الاشكاليات التي يطرحها اختصاص رئيس المحكمة التجارية :يكون رئيس المحكمة التجارية مختصا بوصفه رئيسا لهذه المحكمة او بوصفه قاضيا للامور المستعجلة .
1- اختصاصات رئيس المحكمة التجارية بنصوص خاصة :
تسند المادة 20 من ق م ت لرئيس المحكمة التجارية الاختصاصات المسندة الى رئيس المحكمة الابتدائية بموجب قانون السطرة المدنية وكذا الاختصاصات المخولة له في المادة التجارية .
يلاحظ من هذا النص ان الاحالة تقتصر فقط على قانون المسطرة المدنية وعلى القوانين التي تتناول النزاعات ذات الطبيعة التجارية مما يطرح اشكال حول الاختصاصات الاخرى التي ترجع لرئيس المحكمة الابتدائية والتي لم تقع عليها الاحالة كما هو الحال مثلا بالنسبة للفصلين 13 و 14 من قانون مؤسسة الاعوان القضائيين، اذ يمنح هذان الفصلان اختصاصات هامة لرئيس المحكمة بصفته تلك عندما يتغيب العون القضائي او تقع له اعاقة تحول دون قيامه بالاجراءت.
وتتوقع ان تثقل الصلاحيات والمهام التي تحيل عليها م 20 كاهل رئيس المحكمة التجارية اذ علمنا ان حوالي 28 يرجع فيها النظر لرئيس المحكمة في قانون المسطرة المدنية وحوالي 32 حالة في مدونة التجارة، بالاضافة الى اختصاصاته بوصفه قاضيا الامور المستعجلة. وتتميز هذة الحالات في مجملها بالدقة والصعوبة ومن الاختصاصات التي تدخل في صميم اختصاصات الرئيس وقد لا يجوز له اسناد ذلك لمن ينوب عنه من القضاة .
يختص كذلك رئيس المحكمة التجارية في مسطرة الامر بالاداء حسب مستجدات م 22 . وبالتنصيص على مقتضيات خاصة بمسطرة الامر بالاداء في المادة التجارية تكون هذه المسطرة ذات ازدواجية وهو شيء غير محمود في مجال القانون، فيستحب ان تكون مسطرة الامر بالاداء موحدة وتسند الى جهة قضائية واحدة .
· ومن بين الاشكاليات التي يمكن ان تعرفها هذة المسطرة في نطاق المادة 22 هي تلك التي تتعلق "بالسندات الرسمية" .
فهل تكون جميع الديون المثبتة بالسندات الرسمية من اختصاص رئيس المحكمة التجارية بغض النظر عن طبيعة الدين هل هو تجاري ام مدني، اداري ام اجتماعي او غير ذلك؟ وهل اصبح معيار " طبيعة النزاع" لا يلعب اي دور في هذا الاختصاص.
لا ندري ما هي الدوافع التي دفعت المشرع الى اعتماد " السند الرسمي" في مسطرة الامر بالاداء التجارية وهو ما يتعارض مع المرونة والحرية في الاثبات التجاري .
هذا، فضلا، على اننا قد نكون امام بعض الديون التجارية ذات الاهمية الكبرى ولا تكون مثبتة بالاوراق التجارية او السندات الرسمية ونلتجئ بشانها الى مسطرة الامر بالاداء امام رئيس المحكمة الابتدائية والعكس ايضا صحيح قد نكون امام ديون مدنية زهيدة وتكون بالسندات الرسمية ونسلك في شانها مسطرة الامر بالاداء امام رئيس المحكمة التجارية ونزيد في اثقال كاهله .
اما الاشكالية التي تطرحها الفقرة (2 من م 22) فتتعلق بالطبيعة القانونية للتنفيذ المؤقت للامر بالاداء رغم الاستئناف واجله، فهل هو تنفيذ مؤقت بقوة القانون، ام هو تنفيذ مؤقت قضائي، ام من طبيعة خاصة؟
ان هذا التنفيذ المؤقت ليس من قبيل هذا او ذاك بل هو من طبيعة خاصة، والاشكالية التي تطرح هي المتعلقة بالفقرة الاخيرة من م 22 بحيث تكون محكمة الاستئناف التجارية هي المختصة بايقاف التنفيذ جزئيا او كليا بقرار معلل، لكن اي هيئة من هيئات محكمة الاستئناف يرجع لها النظر؟ هل محكمة الاستئناف في هيئتها الجماعية العادية، ام في هيئة غرفة المشورة؟
في راينا ان غرفة المشورة هي التي تكون مختصة للبت في طلب ايقاف التنفيذ الذي يجب ان يقدم من صاحب المبادرة وفق القواعد العامة في التقاضي وطبقا لمقتضيات الفصل 147 من ق م م التي تحيل عليها م 19 من ق م ت .
2- اختصاصات رئيس المحكمة التجارية بصفته قاضيا للامور المستعجلة :
يكون رئيس المحكمة التجارية قاضيا الامور المستعجلة وفق نصوص خاصة، او طبقا للقواعد العامة .
اما اختصاص رئيس المحكمة التجارية بنصوص خاصة، فهذا يعني ان الرئيس يكون مختصا بصفته قاضيا للامور المستعجلة دونما الحاجة في البحث عن عنصري القضاء المستعجل المتعلقين بالاستعجال وعدم المساس بالموضوع .
والاشكالية المطروحة بهذا الصدد هي انه اذا كان المشرع يفترض قيام الاستعجال وعدم المساس بالموضوع، فما هو الشان بالنسبة للاجراءات المسطرية، وكذا بالنسبة للاثار القانونية التي تترتب عن الاوامر الاستعجالية الصادرة قي هذا الاطار .
اما بالنسبة لاختصاص رئيس المحكمة التجارية طبقا للقواعد العامة، فيجب ان نتوقف عند المادة 21 من ق م ت التي اكدت في الفقرتين 1 و2 على القواعد البديهية للقضاء المستعجل، واستحدثت في الفقرة الاخيرة مقتضيات هامة وجديرة بالاعتبار، اذ يمكن للقاضي الاستعجالي التجاري ان يامر باتخاذ تدابير تحفظية او ارجاع الحالة الى ما كانت عليه لدرء ضرر حال او لوضع حد لاضطراب ثبت جليا انه غير مشروع رغم وجود منازعة جدية .
فما المقصود، اذن، بالعبارة الاخيرة هل يعني ذلك ان القاضي الاستعجالي التجاري اصبح بامكانه ان يبث في موضوع النزاع؟
ستعرف هذه المسالة جدالا قويا وستتضارب الاراء بشانها. وفي راينا، فان المشرع لا يسمح للقاضي الاستعجالي التجاري ان يبث في الموضوع بل سمح له باتخاذ اوامره، المذكورة في تلك الفقرة، رغم وجود منازعة جدية، بمعنى اخر ان التمسك بعنصر عدم المساس بالموضوع او المنازعة الجدية امام القاضي الاستعجالي التجاري قد خفت حدته، وامكن لقاضي المستعجلات ان يصرف عنه النظر ويبث في تلك الحالات ويتخذ اوامره بشانها ويحيل الاطراف على الجهة المختصة في الموضوع .
وستطرح، كذلك اشكاليات بخصوص الحالات المشار اليها في الفقرة الاخيرة وبصفة خاصة، ارجاع الحالة الى ما كانت عليه لدرء ضرر حال او لوضع حد لاضطراب ثبت جليا انه غير مشروع .
وفي راينا ان القاضي الاستعجالي التجاري من حقه ان يتدخل لاصدار اوامره كلما ثبت له من ظاهر الوقائع والوثائق ان هناك اعتداء على حق من الحقوق، كالاعتداء على حق الملكية بالاحتلال، او نزع اسم تجاري، او غصب حق من حقوق الملكية الصناعية او الملكية الفنية، او المساس بالحريات كحرية العمل .
مستنتجات ختامية :
ان الاشكاليات التي ستعرفها المحاكم التجارية ستكون متشعبة، وان العمل امام هذه المحاكم، بعددها الحالي، وبميكانزماتها سيكون مضنيا ومرهقا للمتقاضين من كل الجوانب، ولا ندعي اننا استوفينا كل الاشكاليات، او ان ما اثرناه يرفى الى درجة اشكالية. فالقضاء، الذي عليه يلعب دوره الحقيقي، هو الكفيل بتذليل مجمل الصعاب التي يمكن ان تعترض تطبيق هذا القانون وكما يقولون " فان الخبرة معلم كبير" .
ومن وجهة نظرنا فاننا نقترح :
اعادة النظر في هذا القانون الوليد الذي يجب ان يكون فعالا ومنسجما مع سياسة المشرع التجاري الذي وسع النطاق التجاري على حساب النطاق المدني، اذ ستعرف المحاكم التجارية اقبالا كبيرا وستتدفق عليها القضايا بعد ان وقع التقليص من الولاية العامة للمحاكم الابتدائية، والمحافظة على الواقع الراهن، في نطرنا، كالنكوص الى الوراء .
·
- التفكير في احداث " محاكم الاعمال" ليكون اختصاصها موسعا يشمل القضايا الاجتماعية والتجارية وكذا قضايا الجرائم الاقتصادية ويتم دمج المحاكم التجارية اليها حتى لا تتعدد الاليات والتقسيمات في حين ان الهدف واحد ومشترك يتمثل في تشجيع الاستثمارات وتخليق وتفعيل المعاملات التجارية وحماية المقاولات الصغرى والمتوسطمة والكبرى .
وضع قوانين مسطرية متكاملة وشاملة في قانون واحد يطبق على القضايا المدنية والتجارية والادارية دون سلوك طريقة "الاحالة" من هذا القانون الى ذاك .
الى حين اعادة النظر جوهريا في قانون المحاكم التجارية وتحديدها، ان الضرورة ملحة الان لرفع العناء على المتقاضين مما يتعين معه اصدار تشريع يسند الاختصاص في المواد التجارية الى غرفة تجارية متخصصة تابعة للمحاكم الابتدائية حيث لا توجد محاكم تجارية .
·
\اصلاح قطاع العدالة على ضوء التوجيهات الملكية التي اعطت في اكثر من مناسبة، وبصفة خاصة الخطب الملكية: 24/5/1955 الذي القى في اعضاء المجلس الاعلى للقضاء وبتاريخ 29/8/1995 الذي القى في مسؤلي قطاع العدل وبتاريخ 13 ابريل 1998 بمناسبة رئاسة جلالته للمجلس الاعلى للقضاء، ونقتطف الكلمات التالية من اقوال صاحب الجلالة :
· "ان العلل والامراض الاساسية التي تنخر، اليوم، جسد العدالة وضمائر القضاة، الحاجة الى التكوين، الحاجة الى اللامركزية. القضاء لم يصبح، فقط، اساسا لطمانينة الرعية والمجتمع، بل اصبح امرا ضروريا للنماء" .
"هكذا نرى ارساء قواعد التجديد والتمازج مع روح العالم التي تسير بسرعة تفوق الروتين العادي" .
"انني اعتقد ان تلك المحاكم التي سترى النور في مملكتنا والتي سيكون على راسها قضاة، اعتبر ان اولئك القضاة هم بالنسبة لي اهم بكثير من وزراء المالية ووزراء الصناعة والتجارة ووزراء الاستثمارات الخارجية، اذ لا فائدة في
الاستثمار اذا كان غير محفوظ وغير محاط بما يجب من الاحاطة، ومن التسلح بالقوانين اللازمة حتى يمكنه ان يكون مدعاة لجلب استثمارات جديدة وتشجيعا لاناس اخرين في هذا الميدان" .
وعليه، فانه يتعين اعادة النظر في الياتنا، وفق حاجياتنا واصالتنا وواقعنا، مع الاخذ بعين الاعتبار حالات التساكن التي اختارها المغرب مع الخارج، دون زيف ودون التظاهر بغير حقيقتنا كمن يزخرف نفسه من الخارج غير عابئ بالمضمون، فعلينا ان نتعلم طريقة اصطياد السمك لانها خير لنا من التفنن في اعداد اطباقه للاستهلاك، او كما تقول المقولة : "ان لم تكن في صدارة السباق فسوف تخسر، اذ ليس هناك غير ميدالية ذهبية واحدة" .
* مجلة المحاكم المغربية، عدد 81، ص 92 .
0 التعليقات:
Post a Comment