مسطرة التسوية القضائية ( او التصحيح القضائي)

احمد شكري السباعي

أستاذ التعليم العالي بكلية الحقوق الرباط اكدال

ممثل المغرب لدى لجنة الأمم المتحدة

للقانون التجاري الدولي

يتبين من دراسة القانون الجديد ان للمشرع اهدافا وغايات يروم تحقيقها، وطرق تقنية وادارية واقتصادية تكفل نجاح هذه الاهداف وتضمن انقاذ المقاولة، انقادا للانتاج والتشغيل، وحماية لموارد الدولة منن الاندثار او التناقص او التاكل فباندثار المقاولات تندثر هذه الاهداف وبتناقصها تتناقص، وبازدياد المقاولات وفعاليتها تزدهر الحركة التجارية وتتحقق هذه الاهداف .

ولقد ادرك المشرع المغربي ان تشريعات بداية القرن التاسع عشر والقرن العشرين يرجع تاريخ قانون التجارة المغربي الى 12 غشت 1913، الذي تاثر بمدونة نابليون لسنة 1807 - عاجزة كل العجز عن معالجة اوضاع المقاولات التي تعترضها صعوبات، ولا تتلاءم مع التطور الذي طرا على الاقتصاد العالمي الذي لا يمكن ان يكون الاقتصاد المغربي بمعزل عنه ؟ وان سيف الافلاس بات يدمر المقاولة والاقتصاد دون توفير لفرص العلاج فامراض الاقتصاد والمقاولات كامراض الانسان، ينبغي التفكير في علاجها قبل التفكير في استئصال المقاولة وتدميرها. فقوانين الافلاس التي اعتبرت بدورها في حالة افلاس تغلب المعطيات القانونية المحضة، التي لا ترحم التاجر والمقاولة التجارية والشركة التجارية ان وقع التوقف عن دفع الديون المستحقة ( المادة 197 من قانون غشت 1913 المنسوخ ) ان لم ينجح الصلح، وتحمي الضمان العام وحقوق الدائنين على حساب المعطيات الاقتصادية والاجتماعية وموارد الدولة، اسباب وعلل جعلت المشرع يلبس لباس القرن الحادي والعشرين الذي يفرض عصرنة الاقتصاد وتحديث القوانين، وخلق توازن اجتماعي بين المقاولين والمنعشين الاقتصاديين من جهة، وبين الدائنين من بنوك ومؤسسات مالية، خاصة كانت او عامة من جهة اخرى، وبين مصالح الافراد والمجتمع، فالمغرب يشكل جزءا من دول البحر الابيض المتوسط ويسعى الى الشراكة مع الاتحاد الاوربي، والى التعاون مع العالم الانجلوسكسوني، اللذين يعاني اقتصادهما، على الرغم من تقدمه وازدهاره امراضا كثيرة، ولكن تعالج بحكمة نسبية تراعي المصالح الاقتصادية والاجتماعية اولا، وبمعنى اخر، ان هذه الدول سخرت القانون لخدمة هذه المصالح الاقتصادية والاجتماعية لا العكس، دون هدر حقوق الدائنين، اسباب ودوافع جعلت المشرع يفكر كما تفكر هذه الدول المتقدمة في معالجة الامراض والصعوبات التي تعترض المقاولات، والعمل على تصحيح او تسوية اوضاع المقاولة باليات وتقنيات قانونية جديدة .

وقد وقع اختياري على تقنية تمويل المقاولة ليكون موضوع هذا البحث .

فلا غرو ان تسوية ( او تصحيح) وضعية المقاولة تحتاج الى تمويل او ائتمان، كما هي في حاجة الى تنفيذ العقود الجارية ( او التي في طور التنفيذ) ولتامين هذا التمويل وضمان مصالح اصحاب العقود الجارية، تبنى المشرع سياسة حكيمة تطمئن الممولين او الشركاء المتعاملين » « Les partenaires مع المقاولة - من بنوك ومؤسسات مالية وغيرهما - والمساهمين في انقاذها. وكذا اصحاب العقود التي اختار السنديك متابعة تنفيذها، وما كان لهؤلاء الممولين خاصة، ان يغامروا في هذه المرحلة الانتقالية او المؤقتة الحرجة، بتقديم الائتمان او التمويل لمقاولة في طور المعالجة. بعد ما زجت بها الصعوبات الاقتصادية والاجتماعية الى التوقف عن سداد ديونها ( المادة 560)، الا اذا كانوا على يقين بانهم سيحصلون على ديونهم في تاريخ استحقاقها، او على الاقل بالاولوية على سائر الديون الاخرى، سواء كانت عادية او مقرونة بامتياز او ضمان عند التفويت او التصفية، وهو الضمان القوي والفعال الذي تقدمه لهم المادة 575، تلك المادة التي تمنح امتياز الامتيازات للديون الناشــئة بصفة قانونية بعد صدور حكم فتح التسوية او التصحيح " Le redressement "، والتي جاء فيها " يتم سداد الديون الناشئة بصفة قانونية بعد صدور حكم فتح التسوية بالاسبقية على كل ديون اخرى، سواء اكانت مقرونة ام لا بامتيازات او بضمانات" .

ونلاحظ مع الفقه الفرنسي، ان هذه المادة ما هي الا صياغة جديدة فرضها اندثار كتلة الدائنين، حيث كان يميز في ظل القانون القديم او الكلاسيكي ( نظام الافلاس) بين نوعين من الدائنين، الدائنين السابقين عن الحكم او الدائنين في الكتلة "créanciers dans la masse" والدائنين اللاحقين للحكم او دائني الكتلة " créanciers de la masse" (1)، وكانت الافضلية او الاسبقية دائما وفعلا للثانيين على الاوائل .

ولا يعد امتياز حق الاسبقية الذي تقدمه المادة 575، وهو حق مطلق ومقدم على سائر الامتيازات والضمانات الاخرى - الالية الوحيدة في هذا التشريع الجديد لضمان التمويل او تقديم الائتمان الى المقاولة في هذه المرحلة من المسطرة، بل تقوم الى جانبه اليات اخرى، وان كان هو افضلها وامضاها فعالية وقوة، يمكن ان يستعملها السنديك. او رئيس المقاولة بترخيص من القاضي المنتدب، وتتجسد في جواز تقديم رهن رسمي "Une hypothèque" او رهن - حيازي او دون انتقال الحيازة " ou un nantissement" قصد الحصول على التمويل او الائتمان ( المادة 578)، زد على كل ذلك التمتع بضمانات قضائية اخرى سطرتها المادة 653 والتي بمقتضاها يوقف حكم فتح المسطرة ويمنع كل دعوى قضائية يقيمها الدائنون اصحاب الديون الناشئة قبل الحكم، ترمي الى الحكم على المدين باداء مبلغ من المال، او فسخ عقد لعدم اداء مبلغ من المال، وكذا كل اجراء للتنفيذ بقيمه هؤلاء سواء على المنقولات او العقارات، وبمعنى اخر، ان حرمان اصحاب الديون الناشئة قبل الحكم من المقاضاة والتنفيذ، يشكل امتياز اخر لفائدة الممولين للمقاولة بعد الحكم الذين يبقى حقهم في المقاضاة قائما لاستيفاء ديونهم في تاريخ الاستحقاق، والاولوية او الاسبقية عند التفويت او التصفية القضائية وكل ذلك لضرورة تسوية وضعية المقاولة او تصحيحها وتجب التفرقة بين اثر حق الاولوية الذي يمنح حق الاسبقية عند الاقتضاء في مرحلة التفويت والتصفية القضائية وبين مجال نشاة حق الاولوية الذي يقتصر على مرحلة متابعة النشاط، بعد الحكم بالتسوية القضائية او التصفية القضائية .

ونستخلص من هذا العرض ومن المادة 575 نتيجتان هما :

أ‌- وجوب اداء الديون الناشئة بصفة قانونية بعد صدور حكم فتح التسوية او التصحيح في تاريخ استحقاقها، تحت طائلة المطالبة القضائية مع التعويضات ان كان لها محل (2) .

--------------------

1) مشيل جانتان : القانون التجاري، طبعة 1992، صفحة 362، فقرة 664 .

2) وان لم يذكر النص صراحة، لان القاعدة طبيعية قانونية، ويستفاد ضمنيا من سياق النص .

--------------------

ب‌- سداد هذه الديون بالاسبقية عن كل الديون الاخرى، سواء كانت مقرونة ام لا بامتيازات او بضمانات عند التفويت او التصفية القضائية الذين سنتولى دراستهما في الوقت المناسب .

ويتطلب التعمق في دراسة هذا الامتياز معالجة بعض الاشكاليات التي لا تخلو من صعوبات في بعض الاحيان لغموض النصوص، وهي تحديد مجال او نطاق تطبيق المادة 575، وبداية ونهاية الفترة او المرحلة المؤقتة او الانتقالية والديون المعنية بهذا الامتياز والمقصود بقانونية الديون وغيرها من الاشكاليات .

1- مجال تطبيق المادة 575 :

استعمل المشرع في تحرير المادة 575 صياغة عامة، قد تجعل البعض يظن انها تستغرق، خلافا للحقيقة والواقع والقانون. كل الاوضاع والمراحل التي تمر بها المقاولة بعد صدور حكم فتح التسوية القضائية ( او التصحيح القضائي ) ومهما كانت المساطر المطبقة عليها سواء تعلقت بالمرحلة المؤقتة، او مرحلة حصر مخطط استمرارية المقاولة " le plan continuation" ( المادة 592) او التفويت الكلي للمقاولة " la cession totale" ( المادة 603)، او التصفية القضائية "la liquidation judiciaire" ( المادة 619 ).

ونظن ان صياغة المادة40 الفرنسية تفضل الصياغة المغربية - وان كانت تستوعبها - لانها حددت اثر هذه المادة والحالات التي تنطبق عليها، قاضية بوجوب وفاء الديون الناشئة بصفة قانونية بعد صدور حكم فتح المسطرة في تاريخ استحقاقها عند متابعة النشاط او الاستغلال، ويقع الوفاء او السداد في حالة التفويت الكلي، او التصفية، وفي حالة عدم الوفاء في تاريخ الاستحقاق عند متابعة النشاط بالاسبقية على كل الديون اخرى سواء كانت مقرونة ام لا بامتيازات او ضمانات باستثناء الديون المضمونة بامتيازات قانون الشغل .

ولكن، وعلى الرغم من عمومية المادة 575 ولعدم بيان مجال او حالات التطبيق لم يتقاعس المشرع المغربي عن وضع مادة خاصة بالتصفية القضائية، خشية من ان يقع التمييز بين التسوية القضائية ( او التصحيح القضائي) والتصفية القضائية لاختلاف

----------------

3) وان لم يذكر النص

---------------

مسطرة كل منهما، والغاية التي تروم كل واحدة منهما تحقيقها وحتى لا يقول قائل : ان المادة 575 تجري على التسوية القضائية دون التصفية القضائية، فكانت المادة 620 التي تمنح الامتياز ذاته، لاستيفاء الديون في تاريخ الاستحقاق، او حق الاولوية على كل الديون الاخرى، سواء كانت مقرونة بامتيازات او بضمانات عند الاقتضاء، تشجيعا ايضا للممولين او مقدمي الائتمان خلال المدة التي تحددها المحكمة لاستمرار مزاولة النشاط. وقد جاء في هذه المادة ما يلي : " اذا اقتضت المصلحة العامة او مصلحة الدائنين استمرار نشاط المقاولة الخاضعة للتصفية القضائية جاز للمحكمة ان تاذن بذلك لمدة تحددها اما تلقائيا او بطلب من السنديك، او وكيل الملك، وتطبق مقتضيات المادة 573 خلال هذه الفترة، بينما تطبق مقتضيات المادة 575 على الديون الناشة خلال هذه المدة" .

واذا كان مجال الامتياز بينا وواضحا فيما يتعلق بالمرحلة المؤقتة او الانتقالية في بلادنا ( مرحلة الملاحظة في فرنسا)، ومرحلة التصفية القضائية، فان الامر مثار تساؤلنا في المغرب، وجدل وخلاف في فرنسا، فيما يتعلق بمرحلة حصر مخطط استمرارية " le plan de continuation" المقاولة ( المادة 592) حيث تملك المحكمة سلطة تقديرية مطلقة في تحديد مدتها على شرط الا تتجاوز عشر سنوات ( المادة 596) .

وسنبين الموقف في القانون الفرنسي اولا ونحدد موقفنا ثانيا على ضوء القانون المغربي الجديد .

أ‌- الموقف في القانون الفرنسي :

يذهب بعض الفقه - بعد التردد والجدل - في فرنسا الى ان مجال الامتياز او الاسبقية المنصوص عليه في المادة 40 لا يمكن - اذا استثنينا حالة التصفية القضائية ( المادة 153) - ان يتجاوز مرحلة الملاحظة "la période d'observation" وبمعنى اخر لا يسوغ ان يعمل به في فترة ما بعد حكم حصر مخطط الاستمرارية او في حالة التفويت، فمشيل جانتان مثلا يرى ان من الحكمة وحسن السياسة ان نعتبر التاريخ الذي يصير فيه حكم حصر المخطط نهائيا هو وقت نهاية مجال تطبيق المادة 40، وفي كل الاحوال فاذا استمر النشاط او الاستغلال بعد انتهاء فترة الملاحظة. دون ان يقع حصر المخطط، فان استمرارية الاستغلال هذه تعد غير قانونية، ولا تستفيد من اثر المادة 40، لان الديون الناشئة هنا لم تكن بصفة قانونية (4) .

ويسير على ذات الاتجاه ايف شارتيي Chartier Yves - مع مبالغة واضحة (5) تستبعد كذلك الديون الناشئة بصفة قانونية خلال فترة التصفية القضائية، دون الاشارة الى فترة استمرارية الاستغلال خلال هذه المسطرة - قائلا " وحيث يفترض ان هذه الديون الناشئة بصفة قانونية خلال مرحلة الملاحظة"pendant la période d'observation » على خلاف ما كانت تطمح اليه ارادة المشرع فمن المحتم استبعاد الديون اللاحقة للحكم الذي يحصر المخطط او يصرح بالتصفية القضائية" (6).

اما روني رويلو فقد لخص الجدل والخلاف حول مجال تطبيق المادة 40 من خلال مراحل اعداد هذا النص قائلا : " لم تكن المادة 39 ( التي اصبحت الان 40) تنص عند المصادقة عليها اثناء القراءة الاولى من طرف مجلس الشيوخ "Le sénat" سوى الديون الناشئة عن متابعة المقاولة لنشاطها خلال مرحلة الملاحظة فقط، على ان تضاف مقتضيات مشابهة تخص مرحلة التصفية القضائـية" (7) .

ويتبين من تحليل هذه الاراء، ان حق الاولوية المنصوص عليها في المادة 40 فرنسية لا يجري الا على الديون الناشئة بصفة قانونية عن متابعة المقاولة لنشاطها خلال فترة الملاحظة التالية للحكم بالتصحيح القضائي "le redressement judiciaire" او خلال الفترة التي تحددها المحكمة كذلك، لمتابعة النشاط بعد التصريح بالتصفية القضائية "la liquidation judiciaire" .

ولقد كان الغرض من توضيح هذه الاشكاليات التي صاحبت مخاض ومجال تطبيق حق الاولوية المنصوص عليه في المادة 40 فرنسية هو تمهيد الطريق لادراك وفهم الموقف في القانون المغربي .

----------------

4) قانون الاعمال، طبعة 1989، صفحة 364 و365، فقرة 670 .

5) الا انه استدرك هذا الاطلاق في نهاية الفقرة .

6) الوسيط في القانون التجاري - الجزء الثاني - الطبعة العاشرة 1986، ص 350 و351 فقرة 216

7) المرجع السابق، ص 856 و857، فقرة 3063 .

--------------------

ب - الموقف في القانون المغربي :

نميز، فيما يتعلق بالموقف المغربي، بين مسطرتي التصفية القضائية والتسوية القضائية ( او التصحيح القضائي)، التي قد تنتهي اما الى حصر مخطط استمرارية المقاولة، او التفويت او التصفية القضائية .

لا يثير مجال تطبيق المادة 575 مغربية اية اشكاليات عندما تاذن المحكمة، بعد التصريح بالتصفية القضائية، باستمرار نشاط المقاولة خلال المدة التي تحددها ( المادة 620)، فالديون الناشئة بصفة قانونية خلال هذه المدة، التي تحدد المحكمة بدايتها ونهايتها بعد الحكم بالتصفية القضائية، وحدها تحظى بحق الاولوية المنصوص عليه في المادة 575 ( المادة 620) بمعنى الوفاء بالديون في تاريخ استحقاقها او سدادها بالاسبقية على كل الديون الاخرى، سواء كانت مقرونة ام لا بامتيازات او ضمانات .

اما مجال تطبيق المادة 575 بعد الحكم بالتسوية القضائية ( او التصحيح القضائي) فيثير اشكاليات خلقت بعض الغموض لعمومية النص، الذي استعمل عبارة " بعد صدور حكم فتح التسوية" الذي تنشا بعده عدة مراحل، المرحلة المؤقتة او الانتقالية ( في فرنسا تسمى مرحلة الملاحظة)، مرحلة حصر مخطط استمرارية المقاولة، مرحلة التفويت، مرحلة التصفية القضائية التي سبق عرض مجال تطبيق المادة 575 خلال مسطرتها .

ولا ياتي هذا الغموض من عمومية النص فقط بل كذلك من عدم تسمية وذكر المرحلة الانتقالية في النص، وتحديد مدتها بالدقة اللازمة، وان كان اجتهادنا قد قادنا الى انها تبدا من تاريخ الحكم بالتسوية القضائية وتنتهي بالحكم بحصر مخطط استمرارية المقاولة او بالتفويت او الحكم بالتصفية القضائية، معتبرين مدة الاربعة اشهر القابلة للتجديد من طرف المحكمة لمرة واحدة بناء على طلب من السنديك - اذ قد ترتفع الى ثمانية اشهر - ( المادة 579) هي مجرد اقصى مدة لعرض اقتراح السنديك - اما مخطط التسوية يضمن استمرارية المقاولة، او تفويتها الى احد الاغيار tiers او التصفية القضائية - على القاضي المنتدب .

وعلى الرغم من هذا الغموض النسبي، نقرر ان مجال تطبيق حق الاولوية او الامتياز المنصوص عليه في المادة 575 يقتصر فقط على متابعة المقاولة لنشاطها في المرحلة المؤقتة او الانتقالية، ولا يتجاوز حدود هذه المرحلة، بمعنى، لا يشمل مرحلة حصر مخطط استمرارية المقاولة، ولا التفويت، ولا حتى التصفية القضائية، ما لم تاذن المحكمة خلال هذه المسطرة بمتابعة النشاط لمدة تحددها - سبق الكلام عنها - تطبيقا للمادة 620 .

ويرجع استبعادنا لمرحلة ما بعد الحكم بحصر مخطط استمرارية المقاولة لعدة اسباب منها ان المحكمة لا تقرر استمرارية المقاولة الا اذا كانت هناك امكانات جدية لتسوية وضعها وسداد خصومها ( المادة 592)، وتشهد ايضا على الاجال والتخفيضات الممنوحة من الدائنين خلال الاستشارة، ويمكنها ان تخفض هذه الاجال والتخفيضات ان اقتضى الحال ( المادة 598 ) ذلك .

اما فيما يتعلق بالتفويت فالامر واضح للفرق القائم بين التفويت ومتابعة النشاط .

2- بداية ونهاية المرحلة الانتقالية او المؤقتة التي هي مناط تطبيق حق الاولوية المنصوص عليه في المادة 575 .

لن نتكلم هنا سوى عن بداية ونهاية مجال تطبيق المادة 575، اي متابعة النشاط خلال المرحلة الانتقالية الفاصلة ما بين حكم التسوية القضائية وحكم حصر مخطط استمرارية المقاولة، اما متابعة النشاط خلال المدة التي تحددها المحكمة بعد الحكم بالتصفية القضائية فقد سبق الكلام عنها، كما ان متابعة النشاط او الاستغلال بعد حكم حصر مخطط الاستمرارية فسيقع التحدث عنه عند معالجة هذا الموضوع .

تنطلق المرحلة الانتقالية او المؤقتة ابتداء من تاريخ الحكم، وبعبارة النص " بعد صدور حكم فتح التسوية ( المادة 575) لان المقاولة تحتاج الى الائتمان لتمويل متابعة نشاطها في هذه المرحلة (8) ( المادة 571) ويندثر الامتياز او حق الاولوية او الاسبقية هذا اما بصدور حكم حصر مخطط الاستمرارية، او التفويت او الحكم بالتصفية القضائية، وهكذا يتبين ان حق الاسبقية المنصوص عليه في المادة 575 بداية ونهاية يبدا بتاريخ حكم وينتهي بتاريخ حكم، وبمعنى اخر، يبدا بحكم فتح التسوية القضائية ( او التصحيح القضائي) وينتهي بحكم حصر مخطط الاستمرارية او التفويت او التصفية القضائية ( المادة 590) .

ولاشك ان مسالة زمن حق الاولوية هذا ( المادة 575) يطرح مشكلة الاثبات ويعتد مبدئيا بتاريخ العقد، الذي يقارن بتاريخ الحكم لمعرفة ماذا كان سابقا عنه او لاحقا

------------------

8) التي جاء فيها : " نتابع نشاط المقاولة بعد اصدار حكم التسوية القضائية" .

-----------------

له، الذي قد يكون رسميا (9) ( المواد 418 الى 424 ق ل ع) او عرفيا، والورقة العرفية دليل على تاريخها ( المادة 425 ق ل م ) ما لم يثبت العكس، ويقع هذا الاثبات بكافة الوسائل سواء كان العقد او التصرف تجاريا (10) او مدنيا .

ويجب ان يفرق ايضا بين نشاة الدين وتاريخ استحقاقه، وتكون العبرة هنا بتاريخ نشاة الدين لا باستحقاقه، فاذا نشا الدين قبل الحكم الا انه اصبح مستحقا بعد تاريخ الحكم فلا يحضى هذا الدين بحق الاولوية المنصوص عليه في المادة 575 التي تتكلم عن الديون الناشئة بصفة قانونية بعد صدور حكم التسوية، لا المستحقة بعد صدور حكم التسوية، وعلى العكس من ذلك، فان مفعول المادة 575 يشمل الديون الناشئة بصفة قانونية بعد صدور حكم التسوية حتى ولو كانت مستحقة بعد المرحلة الانتقالية او المؤقتة، ويشمل الاثر كذلك الديون الناشئة بعد صدور الحكم، ولو كانت متولدة عن عقود او تصرفات ابرمت قبل الحكم كما هو الشان في العقود الجارية او في طور التنفيذ ( المادة 573) .

3- المعنى المقصود بالديون الناشئة بصفة قانونية، وطبيعتها ومدى هيمنة هذا الامتياز او حق الاولوية على باقي الديون الاخرى .

تشترط المادة 575 ان تكون الديون ناشئة بصفة قانونية "les créances nées régulièrement " وبمعنى اخر، ان تنشا عن تصرفات تدخل في سلطات او اختصاصات السنديك، او في الاختصاصات التي يمارسها المدين او رئيس المقاولة وحده - حسب انماط الادارة ( المادة 576 و577) - ولا يعد الدين قد نشا بصفة قانونية، اذا كان التصرف محظورا على احدهما، ومع ذلك تجاوز هذا الحظر، (11) وقام بابرام التصرف، او كان التصرف يتوقف على ترخيص من القاضي المنتدب ( مثلا المادة 578) - الا ان التصرف ابرم دون الحصول على هذا الترخيص، ولا يكون الدين كذلك قانونيا اذا كان ناشئا قبل الحكم، او نشا خارج المرحلة الانتقالية او المؤقتة اي بعد حكم حصر مخطط الاستمرارية، او حكم التفويت او حكم التصفية - ما عدا في الحالة التي تاذن فيها المحكمة ايضا بمتابعة النشاط طبقا للمادة 620 - القضائية .

----------------

9) يقصد ب ق ل ع م : قانون الالتزامات والعقود المغربي .

10) راجع كذلك روبلو، المرجع السابق، صفحة 787 و788 فقرة 2966 .

11) غالبا ما يكون المعيار مبدا غل اليد .

---------------

وتعتبر الديون ناشئة بصفة قانونية سواء كانت تعاقدية، او غير تعاقدية، وبمعنى اخر، ان اثر المادة 575 يشمل الديون التعاقدية، وتعويضات المسؤولية التقصيرية، والديون القانونية او الشرعية كالديون الضرائبية والاجتماعية - كالأجور واشتراكات الضمان الاجتماعي وفواتير المياه والكهرباء وغيرها - الناشئة عن متابعة المقاولة لنشاطها .

وقد يتساءل الباحث حول ما اذا كان اثر المادة 575 يقتصر على الديون المهنية الناشئة عن مهنية تجارية او حرفية بصفة قانونية بعد صدور حكم فتح التسوية القضائية، ام يشمل كذلك الديون غير المهنية التي تنشا بصفة قانونية بعد الحكم. كالديون الشخصية أو الخاصة، والديون العـائلية، او الديون الناشئة عن انشطة مستقلة عن انشطة المقاولة المحكوم عليها بالتسوية القضائية .

لقد اختلف الفقه حول هذه المسالة، فالبعض يرى ان جميع الديون الناشئة بصفة قانونية بعد صدور حكم فتح التسوية القضائية تحظى بالاولوية بصرف النظر عن طبيعتها، سواء كانت ديونا مهنية او غير مهنية، مرتبطة او مستقلة عن المقاولة ام لا، اعتمادا على عمومية النص، ولكون المسطرة تشمل سائر اموال المدين وليس فقط ذمة المقاولة، فيكون من العدل تبعا لذلك، ان يشمل اثر المادة سائر الديون ولو لم تكن مهنية مرتبطة بها، الا ان البعض الاخر، يرفض هذا الادعاء ويعتبر منح حق الاولوية حتى للديون غير المهنية على الديون الاخرى، امرا غير مقبول عقلا ويجافي المنطق (12) ويهدر حقوق الدائنين الاخرين خاصة اصحاب الامتيازات والضمانات تجارية كانت ام حرفية .

ونعتبر المقصود بالديون هنا الديون المهنية فقط، لان الغاية هي توفير التمويل والائتمان لمتابعة المقاولة لنشاطها لا الديون غير المهنية كالديون الشخصية او العائلية او التي ترتبط بالمقاولة المحكوم عليها بالتسوية، والقول بغير ذلك يعد عرقلة للتسوية او التصحيح .

ويشمل حق الاولوية الى جانب اصل الدين الفوائد التي لا تخضع للايقاف المنصوص عليه في المادة 659 لترتبها عن ديون نشات بصفة قانونية بعد صدور حكم فتح التسوية القضائية لا قبله، وبمعنى اخر، ان حكم فتح المسطرة لا يوقف سوى سريان الفوائد القانونية او الاتفاقية او التاخيرية الناجمة عن ديون نشات قبل الحكم لا بعده وان يقع الوفاء

-----------------------

12) راجع الق شارتيي، المرجع السابق، صفحة 352 .

----------------------

بكامل الدين - اصل وفوائد - في تاريخ الاستحقاق يوما بيوم، او شهرا بشهر، او سنة بسنة، او اكثر طبقا للاتفاق، ودون تاخير او اجل استعطافي، فان لم يقع الوفاء في الاجل كان من حق الدائن المقاضاة والتعويضات وايقاع الحجوز وغيرها من الاجراءات حماية لحقوقه نظرا لعدم توقف الدعاوي الفردية بالنسبة له - تلك الدعاوي التي تتوقف او تمنع فقط على الدائنين اصحاب الديون التي نشات قبل الحكم ( المادة 653) لا بعده - ولاعفائه حتى من التصريح بديونه - التصريح الذي يفرض على الدائنين الذين يعود دينهم الى ما قبل صدور حكم فتح المسطرة ( المادة 686) لا بعده - وعند الاقتضاء - في حالتي التفويت والتصفية القضائية - يتم السداد بالاسبقية على كل ديون اخرى سواء كانت مقرونة ام لا بامتيازات او بضمانات ( المادة 575)، حتى لو كان الدين مضمون بحق الحبس même celles assor-ties d'un droit « de rétention » (13) ( المواد 291 الى 305 ق ل ع م ) او تعلق الامر برهن حيازي لمنقول ( المادة 1184 ق ل ع م ) (14) .

ولقد جانب روني رويلو الصواب وافتقد السند القانوني، عندما دعا الى الاعتراف بالاسبقية للدائن المالك لحق الحبس، والدائن المرتهن رهنا حيازيا وان لم ينص القانون على ذلك (15) .

وخلاصة القول، ان مؤسسة التمويل "le financement" مؤسسة هامة وحيوية، ولا يمكن الحكم عن نجاحها او فشلها الا من خلال الممارسة العملية .

--------------------

13) وقد نصت المادة 291 على ما يلي : حق الحبس هو حق حيازة الشيء المملوك للمدين، وعدم التخلي عنه الا بعد وفاء ما هو مستحق للدائن، ولا يمكن ان يباشر الا في الاحوال الخاصة التي يقررها القانون" .

14) وقد نصت المادة 1184 ق ل ع م ما يلي : " الرهن الحيازي للمنقول، يخول للدائن الحق في ان يحبس الشيء المرهون الى تمام الوفاء بالدين وان يبيعه عند عدم الوفاء به، وان يستوفي دينه من ثمن المرهون عند بيعه وذلك بالامتياز والاسبقية على اي دائن اخر

15) المرجع السابق، صفحة 859 فقرة 3065 .

------------------

* مجلة المحاكم المغربية، عدد 80، ص 12 .

0 التعليقات:

Post a Comment