تأملات قانونية على ضوء رهن الأصل التجاري

الأستاذ محمد الطاهري ترحم

من هيئة مراكش

تقديم:

- كان لي شرف الاستدعاء من طرف هيئة المحامين لأشارك في اللجنة الثقافية وأبادر رغم المشاغل إلى وضع ملاحظات حول الأصل التجاري ورهنه على ضوء القانون المغربي حتى لا أتقاعس عن المشاركة متمنيا التمتع بفعالية أكثر مستقبلا وشاكرا على استدعائي.

- لقد اقتضت دواعي التطور الهائل الذي عرفته البشرية في مختلف المناحي التفكير الجدي في خلق قالب قانوني ملائم يجاري كل المستجدات التقنية والآلية والمالية الحاصلة وكذا انعكاساتها الإيجابية على سير التجارة الدولية في سبيل تسهيل الحصول على الاستثمارات المالية اللازمة، ومن ثم أضحي من الضروري التخلي عن القواعد الجامدة التي عرفها نظام الرهن الحيازي التي تقتضي من الأساس تخلي المدين عن الشيء المرهون لفائدة الدائن وحيازة هذا الأخير له .

ذلك لأنه إذا كانت كل تلك الدواعي تتطلب جلب استثمارات مالية من المصاريف وغيرها لفائدة الصناعي والمزارع وباقي الأشخاص المتوفرين على وسائل الإنتاج على شكل قروض فإن الضمانات الواجبة لرجال المال كانت تستو جب في المقابل التخلي عن القواعد المذكورة المتعلقة بنظام الرهن الحيازي التقليدي من أجل خلق نظام أكثر تطورا ومرونة تتجلى معالمه في احتفاظ المدين بمنقولاته لفائدة دائنا خروجا عن متطلبات الفصل 1188 من ق .ل .ع .

وتخيل المصرفيون بادئ الأمر نظاما يكترون في إطاره محلات يزاول فيها التاجر أو الصانع الراغب في الحصول على القروض نشاطهم بكيفية يضحى فيما المصرفي هو المكتري بكيفية تتوفر له بمقتضاها إمكانيات حيازة البضائع والآليات المرهونة مقابل القروض الممنوحة، شريطة وضع إعلام بهذا الصدد على الواجهة الخارجية لتبينة الأغيار لهذه الوضعية .

بيد أن هذا الإيداع لم يخل من سلبيات بسبب المراحل المتعددة التي كان يستوجبها ذلك وكذا تعدد جهات التدخل فضلا عن أنه كان بمستطاع القضاة اعتبار أن إجراءات الإشهار المشار إليها، غير كافية ، مع ما يترتب عن هذا الوضع من عدو جواز مواجهة الأغيار بالضمانات الممنوحة

لذلك تم التفكير في إيجاد نمط آخر من الضمانات تتيح للمنتج والتاجر رهن الأصل التجاري الذي أخذ به المشرع المغربي بمقتضى ظهير 3131/12/1914 المأخوذ عن القانون الفرنسي الصادر بتاريخ 17/03/1909.

لقد كان الاجتهاد الفرنسي يرفض للوهلة الأولى إجازة الرهن على الأصل التجاري أمام صراحة الفصل 2076 من القانون المدني والفصل 92 ق .ت غير أنه أخذ يتخلى تدريجيا لأسباب عملية سبق التلميح إليها:

ولهذا أخذ يجيز صحة هذا الرهن مقابل وجوب توفر الشروط المنصوص عليها في الفصل 2075 من نفس القانون (المماثل للفصل 1195 من قانون الالتزامات والعقود) والمطبقة على الديون المنقولة .

لكن امتياز الدائن المرتهن ظل عاما ولهذا تدخل المشرع الفرنسي بتاريخ 1/3/1898 تعديل الفصل 2075 بالشكل الذي يمكن ترجمته على هذا النحو "كل رهن لأصل تجاري يجب أن يقع تقييده في سجل عمومي بمقر كتابة ضبط المحكمة التجارية المستعملة فيها تحت طائلة اعتباره باطلا في مواجهة الأغيار".

غير أن هذا النمو وحده لم يكن بطبيعة الحال كافيا لحماية حقوق الدائنين المرتهنين سواء بسبب عدم دقة شكليات التسجيل المشار إليها أو بسبب التمايز الحاصل بين موقع البائع الذي لا يحظى بأي إشهار خلافا للدائن المرتهن، مما حدا بالمشرع إلى التدخل وسن مقتضيات قانون 17/3/1090.

وهكذا وبالنظر لأن الأصل التجاري يعتبر منقولا معنويا حسب المستقر عليه عند غالبية الشراح وعند القضاء فقد أضحى من الجائز قانونا في ظل الفصل الثامن من ظهير 1914 وضعه تحت الرهن بدون مراعاة أي شكليات أو شروط أخرى غير تلك المنصوص عليها في القانون المذكور.

وكما سبقت الإشارة إليه فإن إقرار مقتضيات ظهير 1914 كانت ثمرة مجهودات حقيقية استهدفت محاولة التوفيق بين مصلحة المدين الراهن المتجلية في السماح له باستغلال أصله التجاري من جهة ومصالح الدائن الذي يهمه في المقام الأول أن يأتي الرهن بكافة مفاعيله القانونية ، في مواجهة الغير إذ يسوغ له ممارسة حق الأولوية والتتبع .

ولعل ما ساعد المشرع في وضع تلك المقتضيات ما يحوط ا(صل التجاري من مميزات من بينها عدو سريان القاعدة المنصوص في الفصل 456 ق .ل .ع في مواجهته والقائلة بأن الحيازة في المنقول سند الملكية.

ولما اعتقدت أن هذه المقدمة كانت متعينة لسبر أغوار الخلفيات التاريخية لظهير 1915 فسأعمل للتطرق إلى الموضوع بدءا بشروط إنشاء الرهن.

أولا: إنشاء الرهن:

يشترط لصحة الرهن في الأصل التجاري توفر كل الشروط الواجب توفرها في أي التزام وهي الرضا والمحل والسبب والأهلية .

وبالإضافة إلى ذلك توجد هناك قواعد خاصة تسري على الأصل التجاري وأطراف عقد الرهن .

أ- حول الراهن :

يشترط في الراهن أن يكون مالكا للأصل التجاري وضع آخر ولو كان المرتهن مسيرا حرا.

باري خروجا عن وإذا كان الأصل التجاري مستقلا في شكل شركة ذات اسم جماعي فإن من شأن رهن الأصل التجاري أن يؤدي إلى مصادرته ومن تم كان من الواجب موافقة كافة الشركاء على الرهن نظرا لخطورة أثاره ونتائجه على مدى وجود الأصل التجاري نفسه.

أما بالنسبة للشركات المجهولة الاسم فإنه لا يجوز إيقاع الرهن بإذن من المجلس الإداري متى لم تكن قوانين الشركة تتيح ذلك، إذ يجب في هذه الحالة صدور قرار من الجمعية العمومية للمساهمين .

أما الشركات المحدودة المسؤولية فاعتبارا للسلطات الواسعة التي يتمتع بها مسيرها عملا بالفصل 24 من قانون 24/7/1925 المطبق في المغرب بمقتضى ظهير 1/9/1926، فإنه من المسوغ له إيقاع الرهن في هذه الظروف .

ويتعين التذكير بقواعد الإفلاس المنصوص عليها في الفصلين : 206- 207 ق .ت إذ يجوز للمحكمة عملا بمبدأ آثار الإفلاس في الماضي المدعوة بفترة الريبة والشك وبطلب من الأطراف أن تحكم ببطلان كل رهن انصب على أصل تجاري في الفترة الزمنية المذكورة .

وغني عن البيان القول بأنه إذا حصل الرهن بعد الحكم بإشهار الإفلاس فإنه لا ينفذ في حق كتلة الدائنين باعتبار أن من أثر الإفلاس رفع يد المدين التاجر المفلس عن إدارة أمواله والتصرف فيها.

وتنحي محكمة استئناف الدار البيضاء إلى اعتبار أن البطلان المذكور هو بطلان نسبي لا تستفيد منه سوى كتلة الدائنين التي يحق لها وحدها بالتالي المطالبة بإعمال هذا الأمر في مواجهة التصرفات التي ينجزها المفلس في فترة الريبة خلافا لاتجاهات أخرى .

بالنسبة لأهلية التصرف فإن كل شخص يمكنه ممارسة التجارة يحق له إنشاء الرهن على الأصل التجاري وتبعا لذلك يجوز للقاصر المأذون له إيقاع الرهن عملا بالفصل الرابع من القانون التجاري.

وبالنسبة للمرأة المتزوجة فإن نفس القانون اتخذ موقفا مخالفا في هذا الصدد لأحكام الشريعة الإسلامية، إذ استلزم موافقة الزوج على قيام الزوجة بالأعمال التجارية مهما كان قانون أحوالها الشخصي كما هو معلوم مع وجوب التذكير بمقتضيات الفصل الثالث من ظهير الوضعية المدنية للأجانب بالمغرب التي تقرر أعمال قانون الأحوال الشخصية للمعني بالأمر بالنسبة لأهليته .

وإذا أنشئ الرهن من طرف شخص غير مالك للأصل التجاري المرهون فإن هذا الإجراء يعتبر مشوبا ببطلان نسبي فلا يجوزسوى للدائن باستثناء المدين المطالبة بإبطاله الفصل 311 وما يليه من ق .ل .ع .

ب) - الدائن المرتهن :

خلافا لما قررته بعض التشريعات كالقانون المصري في الفصل العاشر من القانون رقم 11 الصادر سنة 1950 فإن المشرع المغربي لم يحدد طائفة معينة من الدائنين اللذين يحق لمالك الأصول التجارية وضع الرهن عليها لضمان ديونه.

وبالتالي يكفي وجود الدين ولو حتى وصف خطأ بأن أجل أدائه يقع تحت شرط فاسخ بدلا من شرط واقف .

لكن إذا كان الالتزام الأصلي لا يرتب أية دائنية لفائدة المستفيد من الرهن أو إذا كان باطلا أو انطفأ بفعل ما، فإن من نتائج هذا الوضع إبطال الرهن .

ومن جهة أخرى فيجوز إيقاع الرهن على الأصل التجاري سواء لضمان دين ماضي أو دين مستقبلي وهذا الأمر الذي يحدث عادة لضمان دين بنكي معتمد بحساب جاري لم يقع حصره بعد (قارنوا أحكام الفصل 1175 من ق .ل .ع ).

ومن المسوغ إيقاع الرهن لضمان دين غير مترتب بذمة صاحب الأصل التجاري بل لفائدة شخص أخر، وهذا ما يستنتج من مراجعة أحكام الفقرة الأولى من الفصل الرابع والعشرين من ظهير 31/12/1914 التي تشير إلى ضرورة ذكر اسم صاحب المحل التجاري إن لم يكن هو المدين ( الفقرة المذكورة تستعمل اسم الغريم ).

ج ) محل الرهن :

حتى يضحى من الجائز الحديث عن رهن الأصل التجاري فإنه لا مندوحة هناك من توفر الشروط التالية:

1- وجود أصل تجارى :

وهذا بديهي، إن الرهن ينصب على أصل تجاري ومن تم يتعين بالضرورة وجود محل تجاري بهذا المعنى، فبالأحرى إذا لا يكن إيقاع الرهن على محل مخصص لممارسة مهنة حرة كالمحاماة أو الهندسة .

وتأكيدا لهذا المدلول يجب أن يكون صاحب الأصل التجاري متوفرا على الشروط المنصوص عليها في الفصل الخامس من ظهير 24/5/1955 أي انصرام سنتين على عقد الكراء للمحل المعد للتجارة بالنسبة لعقود الكراء السنوية وأربع سنوات بالنسبة لعقود الكراء الشفاهية .

لكن هل يجوز منح رهن تجاري لفائدة الصيدلية. يبدو أنه من الجائز هذا بالنظر للتطور الحاصل في بلادنا في السنين الأخيرة الذي أضحى يعتبرها من الأعمال التجارية .

وبمقتضى الفصل التاسع من ظهير 1914 فإن العناصر المكونة للأصل التجاري التي يجوز رهنها هي التالية :

العلامة التجارية - الاسم التجاري - الحق في الإيجار - الزبناء والأثاث - لوازم المحل التجاري- براءة الاختراع - الرخص - علامات السلع المخترعة للتجارة - الصور - الأمثلة الصناعية - وعموما جميع الحقوق المتعلقة بالملك الصناعي سواء كان أدبيا أو فنيا.

ولا بد في هذه الحالة من إثارة تسائل أساسي حول ما إذا كانت تلك العناصر قد وردت تحديدا على سبيل الحصر أم على سبيل المثال .

يميل الفقه على ضوء تحليل مركز لمقتضيات الفصل المذكور المنصوص عليها أيضا في القانون الفرنسي والتي أخذ عنها القانون المغربي كما سبق البيان إلى القول بأن تلك العناصر وردت على سبيل الحصر مستدلا بعبارة .

" أي إنها الوحيدة القابلة للرهن" .

ولا ريب في أنه يتعين أعمال نفس المدلول بالنص السابق الذكر من ظهير 1915.

وعلى ضوء هذا التفسير فإن للدائن الذي يرغب في إيقاع رهن على عناصر غير تلك المنصوص عليها تحديدا في الفصل 9 من ظهير 1914 أن يلجأ إلى أعمال القواعد العامة المتعلقة بالرهن الحيازي.

وتأسيسا على هذا سيكون من غير الجائز إيقاع الرهن على البضائع في ظل مقتضيات الظهير المذكور رغم أنها من مكونات الأصل التجاري كما هو مستقر عليه فقها وقضاء.

وأن السبب في هذه الوضعية رغم غرابتها ناجمة عن أنه إذا كان المشرع يبعد فعلا البضائع عن الرهن المذكور رغم إجازته طبقا للقواعد العامة مقررا إياه للبائع فإن سببه يكمن في رغبة المشرع إبقاء امتياز البائع بصفته هو الذي يضعها بذمة المدين ولولا ذلك كله لما تعلقت بها حقوق الدائنين الآخرين .

لكن ما هو ا لعنصر الأساسي والجوهري ا لكفيل لاعتبار قيام الأصل التجاري.

وإذا كان الشراح ومعهم القضاء قد انقسموا بشأن الإجابة على هذا السؤال البالغ الأهمية فإن الرأي الراجح ينحي إلى أنه عنصر الزبائن وهكذا اعتبر القضاء قيام الأصل التجاري حتى في ظل غياب جميع العناصر باستثناء العنصر المذكور.

ورغم أهمية عنصر الحق في الإيجار البالغ فإن توفره وحده لا يكفي لقيام أصل تجاري كما استقر عليه رأي محكمة النقض الفرنسية .

وهذا بديهي لأنه يمكن قيام أصل تجاري حتى في ظل غياب العنصر السالف الذكر، ومن ثم يتعين انتقاء قرار صادر عن محكمة الاستئناف بالدار البيضاء، قضى بعدم قبول طلب رام لبيع أصل تجاري بحجة انعدام عنصر الإيجار بعلة أنه من أهم عناصر الأصل التجاري.

ومن جهة أخرى يجوز أن يشمل الرهن فروع الأصل التجاري دون أن يسوغ اعتبار أن حصول الرهن على الأصل الرئيسي يلحق باقي الفروع لأن لكل فرع عناصره اللازمة لتوفر الأصل التجاري وخاصة عنصر الزبائن، فيعتبر الفرع في هذه الحالة كأصل تجاري منفرد لا يسري عليه الرهن سوى بالتنصيص على ذلك صراحة كما تستوجب ذلك الفقرة الأخيرة من الفصل التاسع من ظهير 1914.

خلافا لما هو عليه الأمر بالنسبة للمخازن إذ تعتبر جزءا من الأصل التجاري (الفقرة الأخيرة من الفصل الأول من ظهير 24/5/1955).

2- الشروط الشكلية:

إن صحة الرهن الآتيين استنادا على مقتضيات الفصلين 10-11 ( الفقرتين 1-2 من ظهير 1914).

*- تحرير الرهن في شكل عقد رسمي أو عرفي مسجل.

*- تقييد ملخص له بالسجل التجاري يتضمن تاريخ العقد واسم صاحب الأصل التجاري ومحل سكناه واسم الدائن ومحل سكناه، مع بيان الفروع التي يمكن أن يشملها الرهن وكذا مركزها.

وخلافا لمقتضيات الفقرة الأولى من الفصل 61 ق .ت التي تجيز قيام الرهن الحيازي وإثباته بكافة الوسائل إعمالا بأحكام الفصل 60 منه فإن مقتضيات ظهير 1914 المومأ إليها سالفا توجب تحرير عقد الرهن وهو شرط صحة بغية تلافي كافة المنازعات التي قد تثور حول مداه .

بيد أن هذه الكتابة لا تشمل سوى الرهن نفسه، وهذا لا يعني استبعاد بيان سببه ومبلغ الدين مع تحديد الفوائد المنتجة إذا تم الاتفاق بشأنها.

ويجب تقييد الرهن في السجل التجاري خلال أجل خمسة عشر يوما من تاريخ إبرام العقد تحت طائلة السقوط واعتباره لغوا لا يعمل به حسب تعبير الفقرة الأولى من الفصل 11 من ظهير 31/12/1914، كما يجب القيام بنفس الإجراء بكتابة ضبط كل محكمة يوجد بدائرتها فرع من فروع الأصل التجاري المشمول بالرهن عملا بالفقرة الأخيرة من نفس الفصل مع الإشارة إلى أن هذا الإشهار لا يمكن أن يمتد للصحف خروجا عن متطلبات الفصل 20 ق .ت .

وأجل التقييد بالسجل التجاري المذكور ينطلق من تاريخ العقد المنشئ له وهو تاريخ التوقيع عليه .

ويظل التقييد ساري المفعول مدة خمس سنوات من يوم إجرائه ويبطل إذا لم يقع تجديده قبل انتهاء الأجل المذكور و ذلك عملا بالفصل 24 من ظهير 31/12/1914 وهو أثر خطير ولا شك وهو الأمر الذي أكده الاجتهاد القضائي لمحكمة استئناف البيضاء حديثا.

وغني عن البيان التذكير بأن عدم إشهار الرهن يترتب عنه اعتباره لغوا، لا يعمل به كما سلف الذكر، أي باطل بطلانا مطلقا ولا يمكن أمام صراحة النص القول بأن عدم القيد لا ينتج عنه سوى بطلان القيد وحده فلا تتأثر بذلك صحة الرهن كما ينحي إلى ذلك بعض الشرار.

فلا تخفى إذا الأهمية القصوى التي يكتسيها إشهار الرهن الذي رتب عنه المشرع اعتباره بمثابة العدو في حالة إهمال القيام بذلك باعتبار أن نفاذ الرهن في مواجهة الأغيار مرتبط أشد الارتباط بوقوع الإشهار حتى يسوغ لهؤلاء الإطلاع على الحقوق العينية التي تشغل الأصل التجاري المرهون بمجرد معرفة بيانات السجل التجاري الذي أصبح تقييد التجار والشركات التجارية إلزاميا بالنسبة لهم بمقتضى ظهير 1/9/1926.

وإذا ما تم نقل الأصل التجاري إلى مكان آخر غير الذي كان فيه سالفا فإنه يتحتم في هذه الحالة إعلام الدائنين المقيدين قبل وقوع الانتقال بخمسة عشر يوما على الأقل مع إبراز المكان الجديد الذي سينتقل إليه وذلك عملا بالفقرة الأولى من الفصل 13من ظهير 1914.

ويترتب على إغفال هذه المقتضيات صيرورة كل الديون المقيدة حالة ومستحقة الأداء عملا بالفقرة الثامنة منه .

أما إذا أهمل الدائن المُعْلم بانتقال الأصل التجاري المرهون إلى موقع آخر، القيام بالإجراءات التي تكفل المحافظة على سلامة رهنه فإن مؤداه عدم جواز مطالبته بجبر الأضرار الحاصلة له في مواجهة المكري الذي قام ببيع المنقولات المشتمل عليها الأصل التجاري المرهون .

ومن المناسب هنا التذكير بموقف محكمة النقض الفرنسية الذي اتخذته بمقتضى قرار جد مهم بشأن عواقب إهمال الدائن مراعاة متطلبات الفقرة الثانية المومأ إليها، ورفضت بالتالي اعتبار سقوط الرهن في هذه الحالة طالما لم يحصل أي ضرر للأغيار، إذ أن القصد من إقرار مقتضيات الفصل 13 هو حماية هؤلاء ليكونوا على بينة من المركز الائتماني الصحيح للتاجر.

أما إذا رغب المالك المكري للمحل المعد للتجارة المستغل فيه الأصل التجاري المرهون في فسح عقد الكراء فإن عليه أن يعلم بذلك أرباب الدين اللذين سبق تقييدهم بواسطة إعلامات إلى الأماكن المختارة التي عينوها بتقييداتهم دون أن يسوغ صدور حكم بهذا الصدد سوى بعد مرور شهر على الإعلام وذلك تأسيسا على متطلبات الفقرة الأولى من الفصل 14 من ظهير 31/12/ 1914 أما إذا فسخ الكراء على وجه المراضاة فإنه مع ذلك لا يصير نهائيا سوى بعد إعلام أرباب الدين المقيدين بمساكنهم المعينة ومضى أجل شهر واحد على ذلك الإعلام .

والهدف المتوخى من إقرار هذه المقتضيات التي تطبق في حالة الفسخ الحبي لعقد الكراء هو المحافظة على حقوق الدائنين من الضياع في حالة متابعة مالك المحل المعد للتجارة للمستأجر صاحب الأصل التجاري من أجل أداء الكراء والإفراغ بسبب رفض التجديد وفسخ عقد الكراء وهو الأمر الذي سيمكن المالك في حالة سماع القضاء لدعواه من استرجاع المحل المكري مع ما يترتب عن ذلك قانونا من إمكانيات التصرف في العين المؤجرة وعقد إيجار جديد مع الأغيار وبالتالي تبديد عناصر الأصل التجاري المرهون .

لكن قد يتساءل البعض عن الفائدة من هذا الإعلام ؟

لا شك أن الجواب معروف إذ أنه ستتاح الفرصة للدائنين المرتهنين عند مراعاة المقتضيات المذكورة من طرف المالك العقاري عمال بهذا الأخير لإيجاد حل ودي للمشكل القائم مع المكتري ولو عن طريق أداء واجبات الكراء أو حتى العثور على مشتر للأصل بتاريخ يمكنه أن يحافظ على حقوقهم تجاه المكتري السابق أو بعد إجراءات البيع الإجمالي للأصل التجاري المرهون لاستيفاء ديونه.

ويجوز للدائن المرتهن عند عدم مراعاة ما سبق ذكره من طرف المالك الرجوع إليه بطلب التعويض عن الأضرار الحاصلة له .

واعتبر المجلس الأعلى في قرار مبدئي هذا الإخلال مرتبا للمسؤولية التقصيرية للمالك يتمثل جزاؤها في التزامه بتعويض جميع الأضرار التي يتعرض لها الدائن بسبب فسخ العقد الواقع على غير علم منه المؤدي إلى تبديد عناصر الأصل التجاري.

والفقه والقضاء مستقران على ضرورة مراعاة تلك المقتضيات حتى في حالة توفر عقد كراء محل معد للتجارة على ما يعرف بالشرط الفاسخ المنصوص عليه في الفصل 26 من ظهير 24/5/1955 و(28 ).

آثار الرهن :

1)- بالنسبة للمال المرهون

من المعلوم أنه رغم إيقاع الرهن على أصل تجاري فإن المدين الراهن يظل محتفظا بحيازة استغلال أصله .

بيد أنه لتلافي الإضرار بالأصل المرهون وما قد يؤدي ذلك إلى إنقاص ضمان الدائن فإن المدين يتحمل تبعة خطيرة تتجسم في صيرورة الدين المضمون بالرهن حال الأداء إذا ما تصرف في الأصل التجاري المرهون بكيفية سيئة ترتب عنها تعيبا وذلك عملا بأحكام الفصل 1183 ق .ل .ع وهذا بطبيعة الحال إذا لم يقدم المدين لدائنه المرتهن ضمانا آخر يعادل أو يكمل الضمان .

أما إذا غادر صاحب الأصل التجاري المحل وأمسى عرضة للضياع أو لخطر ماثل فإنه يسوغ للدائن المرتهن اللجوء إلى قاضي المستعجلات للأمر بتعيين مسير مؤقت لاتخاذ كافة الإجراءات لضمان سلامة عناصر الأصل ا لتجاري.

ويتعرض لعقوبة حبسية تتراوح بين سنة وخمس سنوات وغرامة 120 إلى 500 درهم الراهن الذي يبدد أو يتلف شيئا مملوكا له رهنه في دين عليه أو على غيره وذلك عملا بالفصل 525 من القانون الجنائي.

يترتب عن الرهن لفائدة المرتهن الحق في الحصول على دينه المضمون من ثمن الأصل التجاري في حالة بيعه بالأسبقية ومتقدما على غيره من الدائنين العاديين أو الدائنين أرباب الديون المضمونة التابعين له رتبة مع الإشارة إلى أنه في حالة وجود عدد من الديون الممتازة فإن ترتيبها يقع بمراعاة تاريخ التقييد. أما إذا حدث التقييد في نفس اليوم، وتبين عدم كفاية منتوج البيع فإن كل دائن يأخذ نصيبا من منتوج البيع على قد ر نسبته في الدين وذلك إعمالا بأحكام الفصل 20من ظهير 1914.

ومن أثار الرهن كذلك منح صاحبه حق تتبع الشيء المرهون في أي يد انتقل إليها في حالة خروجه من يد المدين، وهذا يقتضي حتى التقييد على المال المرهون في حالة بيع المدين الراهن لأصله التجاري دون أن يسوغ للمشتري الدفع بقواعد حسن النية التي إنما تهم المنقولات المادية لا المعنوية للأصل التجاري.

لكن هذه القاعدة لا مجال لأعمالها عند بيع المدين الراهن عناصر مادية للأصل التجاري المنفردة وحدها، خلافا لما إذا انصب البيع على عناصر معنوية كالاسم التجاري مثلا إذ لا يسوغ للمشتري الاحتجاج بقاعدة الحيازة سند الملكية في هذه الحالة إذ لا تأتي أثرها بالنسبة للمنقولات المعنو ية .

وعلاوة على ذلك فإن الرهن يضمن كل الدين بكيفية غير قابلة للقسمة بمعنى أن مجموع الدين الواقع من قبله الرهن يقع ضمانه بثمن جميع عناصر الأصل التجاري الواقع عليه الرهن بكيفية غير قابلة للتجزئة .

وإذا ما توفي المدين فإن الدين ينقسم عليهم عملا بأحكام الفصل 186 ق .أ.ع ومع ذلك يظل الرهن قائما غير مقسم فلا يسوغ في هذه الحالة للوارث حتى في حالة دفع حصته من الدين المشترك أن يطلب استرداد نصيبه من الشيء ما دام الدين لم يدفع بتمامه وذلك عملا بأحكام الفقرة الأولى من الفصل 1202ق .أ.).

كما لا يحق للدائن الوارث المرهون أضرارا بباقي الدائنين بعد، وذلك عملا بالفقرة الأخيرة الذي قبض حصته من الدين أن يرد أو الورثة الذين لم يستوفوا حقوقهم من نفس الفصل .

وبإيجاز فإن الرهن يخول للدائن المقيد استيفاء حقه من ثمن الأصل التجاري بالأولوية على كافة الدائنين العاديين والدائنين الممتازين والمرتهنين اللاحقين له في المرتبة ويترتب عن القيد ضمان فوائد سنتين في نفس مرتبة الدين الأصلي عملا بالفصل 28 من ظهير 1914.

ويترتب عن هذا الرهن حتمية مواجهة الدائنين العاديين للأصل التجاري بمقتضيات الرهن، وهكذا فإنه بمقتضى أحكام الفقرة الرابعة من الفصل 23 من ظهير 1914 فإن تقييد الرهن يمكن أن يؤدي إلى حلول الديون السابقة التي كانت متعلقة باستغلال الأصل التجاري.

وتعتبر هذه المقتضيات مستجدة إذ أنه لم يكن من المألوف أن يترتب عن نقص إحدى الضمانات جعل الدين حالا.

بيد أن الفقه يشترط عند ئذ أن يكون الدين سابقا على الرهن وأن يرتبط باستقلال الأصل التجاري وأن يهم بالذات صاحب الأصل التجاري المرهون لأن الظهير المذكور لم يفترض سوى حالة استغلال الأصل التجاري من طرف مالكه نفسه خلافا لما إذا ترتب الدين بذمة المسير الحر.

ولا بد من تقديم طلب من هذا الشأن إلى القضاء لأن هذا الحل غير قائم بقوة القانون وبكيفية إلزامية .

وهذه المقتضيات تكتسي صبغة استثنائية مما يجب معه تفسيرها بكيفية ضيقة .

ومع ذلك يجوز لهؤلاء في حالة قيام تدليس في إنشاء الرهن المطالبة بإبطاله في ظل القواعد العامة المعمول بها بمقتضى الفصل 112 من ق .أ .ع المرادف للفصل 1174 من القانون المدني الفرنسي مع وجوب ملاحظة أن تنطبق هذه المقتضيات نادرة الحدوث عمليا.

وما عدا ذلك فإن الرهن يؤتي أثاره في مواجهة كافة الدائنين العاديين .

ثانيا : تحقيق الرهون

يجوز للدائن المرتهن بمقتضى الفصل 16من ظهير 1914، بعد ثمانية أيام على إنذار المدين بالأداء وبقائه بدون جدوى لبيع الإجمالي للأصل التجاري المرهون .

وبعث الإنذار المذكور يعتبر إجراء جوهريا لا غنى عنه ويترتب عنه عدم مراعاة أن يجعل دعوى الدائن المرتهن غير مقبولة، إذ لا يمكن أن يصبغ على هذا الإجراء صفة إنذار مجرد بل هو إجراء مسطري يتحتم القيام به من أجل لفت انتباه المدين إلى العواقب الخطيرة التي ستنجم عنه بسبب عدم احترامه لالتزاماته .

وحيث أن هذا الموقف هو ما أكده المجلس الأعلى بقرار صادر بتاريخ 22/10/1963 وجاء فيا على الخصوص ما يمكن تعريبه : أن محكمة الاستئناف لو تخرق مقتضيات الفصل 16 من ظهير 1914 بل وطبقته بكيفية صحيحة بقضائها أنه سواء الاحتجاج المنظم من طرف البنك الشعبي أو الرسالة المضمونة الموجهة من طرفه إلى الشركة المكناسية للخشب لم يكونا واضحين وبدون بيانات مدققة، وكما لم يتضمنا ما يفيد العزم بإيقاع البيع للأصل التجاري الأمر الذي لا يستوفي متطلبات الفصل 16 المذكور

وباعتبار أن مخالفة هذا الإجراء يترتب عنه بطلان المسطرة فإنه لا مندوحة هناك من إثارته قبل كل دفع أو دفاع تحت طائلة عدم القبول إعمالا لمتطلبات الفقرة الأولى من الفصل 16 ق .م .م .

وتقدم هذه الدعوى أمام المحكمة المستفل بها الأصل التجاري وهذا الاختصاص له طابع استثنائي يتعلق بإجراء تنفيذي فلا يجوز للطرفين وبالتالي الاتفاق بتعديله كما هو مستقر عليه قضاء في الاختصاص .

وتبت المحكمة في الطلب خلال الأجل وعلى الكيفية المنصوص عليها في الفقرتين 6- 7 من الفصل 15 من ظهير 1914 إعمالا لمقتضيات الفقرة الأخيرة من الفصل 16 منه وكلا الفقرتين 6-7 المشار إليهما توجبان البت في هذه الدعوى خلال أجل قصير لا يتجاوز 15 يوما ابتدائيا وشهر استئنافيا وتم تحجيم أجل الطعن في الاستئناف إلى 15 يوما، ويكون القرار الاستئنافي الصادر في النازلة قابلا للتنفيذ على الأصل ولا تحترم الآجال عمليا.

وطلب البيع الإجمالي للأصل التجاري لا يمكن تقديمه سوى من طرف الدائن المرتهن المقيد بالسجل التجاري ولو كان دائنا امتيازيا آخر مثل المكري وذلك بالنظر لصراحة الفصل المذكور.

وإذا ما تجلى للدائن المرتهن أن الأصل التجاري لو يعد كافيا لتغطية الديون المثقلة بالرهن فإن له الخيار في العمل على استصدار حكم بالأداء ضد مدينه المرتهن في سبيل الحصول على سند تنفيذي يكفل له التنفيذ على باقي ممتلكاته عملا بالقاعدة القائلة أن الذمة المالية للمدين تشكل الضمان العام للدائنين إذ أنه لا يوجد نص يحول دون أعمال هذه المبادئ.

ويجب على الدائن المرتهن المطالبة ببيع الأصل التجاري بمجمله ولا تتأثر بهذه المسطرة أهمية الدين أو ضالته .

وإن إفلاس المدين أو تمتيعه بمز ية التصفية القضائية لا يمكن أن يترتب عنه أي أثر في مواجهة هذه الدعوى إذ أن قاعدة وقف المتابعات المنصوص عليها في الفصلين 203 و341 ق .ت لا تسري سوى في مواجهة الدائنين العاديين باستثناء الذين يتوفرون على امتياز خاص أو رهن .

وبالنظر لكون الرهن على الأصل التجاري ينصب على منقول معنوي ويخول صاحبه امتيازا خاصا واقعا على منقول معين فإنه يظل بمستطاعه تحقيق رهنه في مواجهة المفلس .

لكن ما العمل إذا ما أخذ وكيل الإفلاس زمام المبادرة وشرع يتابع إجراءات تحقيق الرهن على الأصل التجاري للمفلس أمام تردد الدائن المرتهن المقيد ؟

يرى الفقهاء والقضاة أنه لا يحق للدائن المذكور التعرض على تلك الإجراءات وتحمل تبعاتها، إذ كان من الواجب عليه للمحافظة على مصالحه التحرك ضد المدين الراهن واستصدار حكم ببيع أصله التجاري قبل أية مبادرة من السنديك .

وإذا كانت مقتضيات الفصل 63 ق .ت تتيح للدائن إمكانية تحقيق الرهن التجاري مباشرة دون سلوك مسطرة قضائية لاستصدار حكم في هذا الصدد في مواجهة المدين فإن الدائن المرتهن مجبر بالمطالبة قضاء ببيع الأصل التجاري إعمالا لمتطلبات الفصل 16المشا ر إليه .

وتقتصر سلطة المحكمة على الأمر بالبيع الإجمالي متى تبين لها مديونية المدين الراهن الفعلية بالمبالغ المطلوبة الواقع من أجل ضمانها الرهن ، فلا تتوفر بالتالي على أدنى سلطة للحكم بالأداء أساسا واحتياطيا بالبيع الإجمالي في حالة عدم استيفاء الدائن المرتهن لدينه خلال أمد يحدده نفس الحكم ، إذ أن هذا ناتج عن خلط بين أحكام الفصلين 14 و 18 من نفس الظهير وهو الأمر الذي تقع ملاحظته بالنسبة لبعض الأحكام التي تستجيب لمثل هذه الطلبات المتعارضة والمشوبة بخطأ واضح حتى في حالة توفر دين مقرون برهن على أصل تجاري.

وفي ختام هذا البحث نطرح سؤالا عريضا :

ماذا على المحكمة إذا ما أدلى المدين بحجج لإثبات أداء الدين المتنازع بشأنه؟

وهو حلقة لاستمرار النقاش ...

ذ. ترحم محمد الطاهر

المصدر مجلة المحامى

0 التعليقات:

Post a Comment