تأملات في مشاكل العصر على ضوء تعاليم القران

الموجز :

ان المشاكل التي تتخبط فيها الانسانية في الظروف الحالية ترجع في مجموعها الى الخلل في التوازن بين العلم والحكمة من جهة، والى الاخذ بزمام الانسان، والسيطرة عليه عن طريق اختلاف حاجيات مصطنعة متجددة لا يؤبه بالغاية المتوخاة منها من جهة اخرى .

ان اعادة الاعتبار الى ما في الانسان من جبلية نبيلة تمر عبر ثلاث قنوات : الرشد، والمسؤولية، والتضامن .

والاسلام باعتباره الانسان خليفة الله في الارض وتكليفه اياه برسالة يمتد مفعولها لجميع مرافق الحياة الاجتماعية قد وفر له كرامة ذاتية وحمله مسؤولية متضامنة .

وان ما ينبني عليه النظام الاسلامي من مسؤولية وتضامن ليتجلى بصورة اوضح في القواعد المنظمة للاموال والممتلكات .

فالملكية بحكم الوظيفة التي سنها الاسلام لها تشكل عاملا اساسيا من عوامل التقدم والامن الجماعي .

والانسان عندما ينفتح قلبه ومشاعره لما تضمنه الكتاب المقدس من حكم وسنن يجد في نفسه الموارد التي تفتح امامه سبيل السعادة والامان .

***

في الوقت الذي تجتاز فيه الانسانية اخطر ازمة عرفتها طوال تاريخها المديد، من المرغوب فيه بل ومن الاكيد المفيد التساؤل عن اسباب هذه الازمة، وعن الوسائل التي تمكن من الخروج منها .

وان الموضوع الرئيسي الذي اختاره المعهد الدولي القانوني للدول الناطقة بالفرنسية لمؤتمره السادس عشر يعكس بصفة جلية مدى الانشغال المتولد عن هذه الازمة وهو، علاوة على ذلك، يبين بان تفاقم الخطر دفع باولي الفكر الى الاتجاه صوب آفاق اخرى غير التي كانت تعتبر الى وقت قريب انها المعين الوحيد للنور .

بيد انه من المنطق التساؤل عما اذا كان من المجدي في شيء ان يطبق على المشاكل الناجمة عن نوع خاص من التفكير والحياة والممارسة حلولا مستمدة من نظام مكون من عناصر متداخلة مترابطة متجانسة قوامه التسليم والايمان بمعتقدات من العبث بدونها محاولة ادراك كنهه ومداه او الاستنارة به في محيط غير محيطه .

ذلك ان التوحيد، كما سنرى فيما بعد، هو مبنى النظام الاسلامي وركيزته الاساسية .

ثم ان استيقاء العلاج من الكتب السماوية لمختلف المشاكل التي تزعزع اركان المعمور قد لا تستسيغها عقول لم تتحرر بعد من اوهامها القديمة المتجلية في اعتبار العلم وحده مصدر كل فلاح، والحال ان الاعتماد في تحقيق التقدم والازدهار على مجرد العلم والتقنيات دون اعتبار الدوافع والغاية التي من اجلها وجد البشر على وجه البسيطة قد ترتب عنه من الاضطراب والخلل في التوازن ما جعل العلم يطغى على ( الحكمة) ويقلل من شانها في اعين الناس واعتباراتهم .

وانعدام التوازن بين هذين العنصرين، عنصر العلم الجاف وعنصر الحكمة هو - فيما نعتقد - مصدر ما عم المعمور من بؤس مادي وشقاء فكري .

فهل هناك سبيل الى تحقيق التوازن من جديد غير سبيل القران ؟

ان الامر بالنسبة الى امر مسلم به تسليما يجعلني اشعر بكثير من الغبطة والارتياح في الافصاح عما استوحيته من تلاوة للقران على ضوء السؤال المطروح على المؤتمر .

ذلك ان الوقوف عند حدود الموضوع جعلني اترك جانبا الاصول الاخرى للقانون الاسلامي، واقتصر على المبادئ الاساسية المقررة من لدن القران لتنظيم التعايش والحياة الاجتماعية. فلن اتعرض بالتالي للقواعد القانونية بمدلولها الضيق الخاص بل ان اهتمامي سينحصر فيما قرره القران من تعاليم كاسس للنظام الاجتماعي علما بان استيحاء القران هو في ذات الوقت استيحاء للكتب السماوية الاخرى، اذ الدين الاسلامي هو تكملة وتتويج للديانات الاخرى، فمن الطبيعي ان يتضمن القران ما قررته الكتب السماوية التي سبقته من تعاليم مجردة عن كل تشويه او تحريف .

ان المدنية الحالية لتستهدف، اساسيا، او بالاحرى، انفرادا، اشباع الحاجيات المصطنعة والمتجددة باستمرار غير ابهة اطلاقا بمدلولها الانساني ولا بالغايات المتوخاة منها الامر الذي اصبحت معه الشهوات والاهواء المقياس الاجدر بالاعتبار فترتبت عن ذلك اثارة وتوطيد اعمق الحواس الحيوانية عند البشر من انانية، وحنق، وعنف، واضطراب، وتشاؤم، وتلهف، وبالجملة تقلص (الانسان) وانقراض الاواصر الاجتماعية .

تلكم هي المظاهر الصارخة للنمط الذي تعيشه الانسانية حاليا، وتلك بالتالي هي اسباب الشقاء الذي تخبط فيه الجنس البشري .

فاعادة الاعتبار الى ( الانسان)، الى الجبلية النبيلة منه كفيلة بتحريره من مختلف المخاوف والضغوط بتقوية طاقاته التدبرية، والتفكيرية، والتقريرية، تمكينا اياه من ادراك كنه موقعه في المعمور، وعظمة مسؤوليته فوق البسيطة، وما هو فيه من حاجة الى التضامن في كل ما ياتيه من اعمال .

***

ان هذا التصور عن الانسان وعن دوره فوق البسيطة ليحتل حيزا هاما في القران الكريم .

وقبل التعرض لنماذج من الايات التي تجسم هذا التصور، من الضروري التذكير مقدما بمبدا التوحيد الذي هو في الحقيقة الركيزة الاساسية للنظام الاسلامي، فشهادة ان لااله الا الله، هي القاعدة الاولى من القواعد الخمس التي بني عليها الاسلام .

والافصاح بكل خنوع واقتناع صميم عن انعدام كل قدسية غير قدسية الباري جل علاه تجعل الانسان، يقينا منه بان مصدر الوجود والمنفرد بالربوبية والجلال هو الله تعالى، يربط في كل لحظة، وفي كل موقف سائر، ما في هذا الوجود من مخلوقات، واحداث، وافعال، بهذا المبدا الذي منه تنحدر كل القواعد التي بها تنضبط وتنتظم مبادرات الفرد وانشطته في سائر المجالات الفكرية، والسياسية، والاقتصادية، والاجتماعية .

ومتى امتلأ القلب والاحساس وغمرتهما سطوة الفريد الأوحد وجلاله اصبح كل ما في الوجود من سلطة، وقوة وغنى، وحسب، ونسب، وشرف، وجاه، نسبي القيمة، ضئيل الفعالية والنفوذ .

ولكي ما يكون هذا الاقرار وليد تدبر عميق فاقتناع، فتتسع مدارك المرء وتتوطد احكامه، ولكي ما يغمر هذا الجلال روح المرء وفكره فان الانسان مدعو الى التمعن فيما في السماء وما في الارض وما في نفسه هو، مدعو الى التساؤل عما يحيط به من اكوان، وعن جميع ما وضعه الخالق رهن اشارة الانسانية جمعاء، فالتطلع الى ادراك كنه هذا الكون المترامي الاطراف، المتعدد الاجناس، يؤهل المرء في التعرف على مدى ما اودعه الخالق فيه من نظام محكم وايات بينات .

فالقران مليء بالايات يحث فيها على التدبر والتفكير في مخلوقات الباري جل وعلا .

{ فلينظر الإنسان مما خلق (5) خلف من ماء دافق (6) يخرج من بين الصلب والترائب(7) }

سورة طارق .

{ فلينظر الإنسان إلى طعامه (24) إنا صببنا الماء صبا (25) ثم شققنا الأرض شقا(26) فأنبتنا فيها حبا (27) وعنبا وقضبا (28) وزيتونا ونخلا (29) وحدائق غلبا (30) وفاكهة وابا (31) متاعا لكم ولأنغامكم (32)}

سورة عبس

{ أفلا ينظرون إلى الإبل كيف خلقت (17) والى السماء كيف رفعت (18) والى الجبال كيف نصبت(19) والى الأرض كيف سطحت (20) فذكر إنما أنت مذكر (21) } .

سورة الغاشية

{ كلا سيعلمون (4) ثم كلا سيعلمون (5) ألم نجعل الأرض مهادا (6) والجبال أوتادا (7) وخلقناكم أزواجا (8) وجعلنا نومكن سباتا (9) وجعلنا الليل لباسا (10) وجعلنا النهار معاشا (11) وبنينا فوقكم سبعا شدادا (12) وجعلنا سراجا وهاجا (13) أنزلنا من المعصرات ماء تجاجا(14) لنخرج به حبا ونباتا(15) وجنات الفافا(16)} .

سورة النبأ

{ إن في خلق السموات والأرض واختلاف الليل والنهار والفلك التي تجري في البحر بما ينفع الناس وما انزل الله من السماء من ماء فأحيا به الأرض بعد موتها وبث فيها من كل دابة وتصريف الرياح والسحاب المسخر بين السماء والأرض لآيات لقوم يعقلون (163) } .

سورة البقرة

فالقران عندما يحث الانسان على التدبر واعمال ما لديه من طاقات فكرية يرشده في الواقع الى الوسيلة التي تمكنه من بلوغ الرشد وتحقيق التحرر .

بيد ان التحرر في مفهوم القران لا يعني اطلاق العنان الى الغرائز الحيوانية مصدر اللا مسؤولية والفوضى .

وحتى يكون هذا التحرر والانعتاق والرشد وليد شعور بالكرامة وارادة تحدو الى العمل المسؤول والمتكتل لصالح الجماعة فان القران يذكر الانسان بانه خليفة الله في الارض، وان من تبعيات هذا التكريم ما حمله به من امانة :

{ وإذ قال ربك للملائكة اني جاعل في الأرض خليفة قالوا أتجعل فيها من يفسد فيها ويسفك الدماء ونحن نسبح بحمد ونقدس لك قال اني اعلم ما لا تعلمون (29)} .

سورة البقرة

{ ولقد كرمنا بني آدم وحملناهم في البر والبحر ورزقناهم من الطيبات وفضلنا هم على كثير ممن خلقنا تفضيلا (70) }

سورة الاسراء

{ وعد الله الذين آمنوا منكن وعملوا الصالحات ليستخلفنهم في الأرض كما استخلف اللذين من قبلهم . (53)}

سورة النور

فتذكير الانسان بانه خليفة الله في الارض يجعله اكثر شعورا بمدى ما حباه الله من كرامة وبما كلفه من مسؤولية .

وهذه الخلافة من جهة اخرى، تستدعي طبعا، لكي ما يكون المرء جديرا بها واهلا لها السلوك المثالي، والقيام بالواجب على الوجه الاكمل، الامر الذي يتطلب بدل الجهد والعمل المتواصل، اعتبارا اياهما من مشمول العبادات اذ ان ذلك هو السبيل الوحيد الممكن من تادية الرسالة والقيام بالمسؤولية، ذلك ان من لوازم خلافة الله في الارض تحمل الرسالة المنوطة بالبشر على وجه البسيطة :

{ إنا عرضنا الأمانة على السموات والأرض والجبال فأبين أن يحملنها وأشفقن منها وحملها الإنسان انه كان ظلوما جهولا (72) }

سورة الاحزاب

والرسالة المنوطة بالانسان تشمل مرافق الحياة باسرها، ويستفيد من منافعها بنو البشر عامة اساسها المساواة المطلقة، وانعدام الواسطة بين الخالق والمخلوق، وهي لم تشرع لصالح جنس من الاجناس، او لطبقة من الطبقات بل ولا لنوع منفرد من الحكومات، هدفها بناء عالم يتسم في آن واحد بالقدسية والانسانية، وتنصهر فيه وتنسجم الاوامر الربانية والمتطلبات الاجتماعية، فالاسلام يشكل وحدة لا تتجزأ من الدين والحياة الاجتماعية، من الاعتقاد وقواعد السلوك .

ومن تم كانت الرسالة المنوطة بالانسان رسالة كل فرد على حدة ثم في ذات الوقت رسالة المجموع كذلك، فكل فرد فرد مسؤول عن العمران وتوازنه في نطاق المعمور قاطبة، ايمانه بالله وبما قرره من تعاليم هو رائد الشخص في كل ما ياتيه من اعمال، وهو مصدر كل ما يخطه من قوانين لتنظيم الجماعة التي يعيش في احضانها .

وهكذا كان الشعور بالمسؤولية المنبثق عن الرسالة التي حمله الله اياها هو الوازع المستحث كلما تاقت النفس الى فعل الخير، والرقيب الصارم وبالتالي الحاجب الواقي من نزوات النفس وغرورها .

وهذا الشعور بالمسؤولية يشكل على الصعيد الجماعي الرابطة الوثيقة التي تشد ازر بني الانسان بعضهم الى بعض .

فاذا ما نحن اردنا تجنب تحطم الانسان وخراب المجتمع، وهما الظاهرتان المتجليتان في عصرنا الحاضر، فمن الضروري ان نعيد للانسان كرامته، ونقوي في نفسه الشعور بما له من مسؤولية حيال نفسه وحيال مجتمعه عن طريق تمجيد الرسالة التي يتحملها، وتوطيد روح التضامن والتكافل .

فالمسؤولية من جهة والتضامن من جهة اخرى هما ابرز مظاهر المجتمع الاسلامي، وهما في ميدان الملكية والاموال والمعاملات اكثر جلاء ومفعولا كما يتبين ذلك من مختلف الايات التي سنوردها في هذا المضمار .

وقبل التعرض لما خطه القران الكريم في هذا الميدان من الضروري التذكير مقدما بمبدأين اثنين اكد عليهما القران بصفة متكررة وهما :

ان كل ما في الوجود هو ملك خالص لله تعالى يوزعه على عباده كيف يشاء :

{ لله ما في السموات والأرض إن الله هو الغني الحميد (25) }

سورة لقمان

ان نعم الدنيا من مال وممتلكات هي وديعة عند الفرد لا يستمتع بها فقط، بل وكذا ليبتلي الله بها عباده المؤمنين :

{ إنا جعلنا ما على الأرض زينة لها لنبلوهم أيهم احسن عملا (7) }

سورة الكهف

فاقتناع المؤمن بان خيرات الدنيا من مال ومتاع هي ملك لله القادر على ان يسلبها عنه متى شاء يجعله اكثر تصورا وتسليما بتعرض تلك النعمة الى الزوال، فيدفعه ذلك الى العمل على التمتع بها على الوجه الاكمل واستعمالها فيما شرعه الاسلام لها .

ذلك انه بالاضافة الى الزكاة اللازمة في الاموال لمن لهم الحق فيها خصص القران عدة ايات لممتلكات الدنيا، ولنذكر منها على سبيل المثال :

{ كلوا من طيبات ما رزقناكم ولا تطغوا فيه فيحل عليكم غضبي (79) }

سورة طه

{ وابتغ فيما آتاك الله الدار الآخرة ولا تنسى نصيبك من الدنيا واحسن كما احسن الله إليك ولا تبغ الفساد في الأرض إن الله لا يحب المفسدين (77) }

سورة القصص

{ وهو الذي جعلكم خلائف الأرض ورفع بعضكم فوق بعض درجات ليبلوكم فيما آتاكم (67)}

سورة الانعام

{ لن تنالوا البر حتى تنفقوا مما تحبون (91) }

سورة

آل

عمران

{ واللذين يكنزون الذهب والفضة ولا ينفقونها في سبيل الله فبشرهم بعذاب اليم (34) }

سورة التوبة

{ خذ من أموالهم صدقة تطهرهم وتزكيهم ……..(104) }

سورة التوبة

{ وإذا أردنا أن نهلك قرية أمرنا مترفيها ففسقوا فيها فحق عليها القول فدمرناها تدميرا(16)}

سورة الاسراء

من مختلف هذه الايات وغيرها التي تمس نفس الموضوع يتجلى :

ان القران يحث على العمل وعلى استغلال جميع الخيرات التي حبي الله بها الانسان، منيطا به مهمة استثمارها، وتنميتها بجميع الطرق المشروعة لصالحه الشخصي طبعا ولصالح الجماعة كذلك، عملا على تحقيق الازدهار العام .

والقران اذ يندد تنديدا شنيعا بخزن الذهب والفضة ويدعو الى تجنب الاسراف، يحث على الاستمتاع بخيرات الدنيا شكرا لها واظهارا لنعم الله عليه، كما يحث القران على اشراك الغير في هذا الاستمتاع معطيا الاسبقية للاهل والاقارب غير ناس من عداهم من المخلوقات .

والقران اذ يدعو الى انفاق ما فضل عن الحاجة لصالح الجماعة دون اسراف، يذكر باستمرار بانه من العبث محاولة ضمان رزق الغد بالاعتماد على ما يملكه الفرد مهما كثر المال وتنوعت الممتلكات، فالغد القريب والبعيد في قبضة الخالق يقرر بشانه ما يشاء .

والقران اذ يعرض في سياق قصص الامم الماضية الى نماذج من المجتمعات التي حق عليها الهلاك بسبب استعمال المال لغير ما شرع له او بسب تخاذل افرادها حيال الاثار السيئة المترتبة عن تراكم الثروات، او بسبب عدم استنكارهم ومقاومتهم للانحلال والفساد الناجمين عن حياة البذخ والترف، يذكر المرة تلو الاخرى بان استعمال المال في الصالح العام ادعانا لارادة الخالق جل وعلا هو الوسيلة الوحيدة لتكاتف الجهود من اجل تحقيق ازدهار كامل ينعدم معه الحقد، والحسد، وتستتب عن طريقه بالتالي دعائم الامن والاستقرار .

وهكذا فان المسؤولية المترتبة عن كسب المال تشمل المحافظة عليه واستثماره وكذا استغلاله استغلالا يستجيب لارادة مالكه الحقيقي، وينسجم مع الدور المعلق على المال في سير شؤون الحياة .

ذلك ان الاسلام اذ يجعل من التكاتل والتضامن الاجتماعي جزءا لا يتجزا من العبادة ومظهرا اكيدا من مظاهر الامة الاسلامية يقرر بان الملكية مجرد وظيفة اجتماعية يحاسب عليها من اودعها الله في يده ادراكا منه بان مصيره ووضعيته دنيا اخرة رهين بقيامه بالوظيفة المسندة اليه على الوجه الاكمل .

وهذا التداخل والترابط بين الايمان والمسؤولية الاجتماعية للفرد خصوصية كانت او جماعية هو الذي يفسر ما نلاحظه من كون الافصاح عن الاوامر في القران يعقبها في الحين التذكير بالثواب الجزيل الذي يمكن للمسلم ان يترقبه ان هو اتبع الاوامر واجتنب النواهي، وبالعقاب الشديد لكل من ابتعد عن هذا النهج القويم .

انه لمن السهولة تصور الوقع الذي من الممكن ان تتركه اوامر مقدمة على هذا النمط في نفوس يغمرها الايمان بالله ويحفزها التضامن المسؤول .

وان مسؤولية كهذه يحدوها ايمان آخذ بمشاعر القلب لمن شانها اليوم، كما كان الامر سابقا، ان تزود المرء بالموارد التي تمكنه من التوصل الى التوازن بين ما له وعليه وان هذا التوازن لضروري وكاف في نفس الوقت ان يوفر السكينة والاطمئنان، تلك السكينة التي من حق كل فرد ان يطمح اليها، ومن واجبه ان يعمل على تحقيقها .

ان الاقرار بكون ما يعانيه الانسان من ويلات جسمانية وروحية ومن قلق واضطراب هو وليد عمله وتصرفاته لكاف في التعرف على مصدر الداء :

{ ظهر الفساد في البر والبحر بما كسبت

أيدي

الناس ليذيقهم بعض الذي عملوا لعلهم يرجعون (40) } .

سورة الروم

فاذا ما استتب هذا الاقرار، وانفتحت مشاعر المرء وخوالجه لرحمة الله وما تضمنه الكتاب المقدس من هداية، فان عليه ان يغترف من نفسه وطاقاته معين العمل الذي يفتح امامه طريق التقدم والازدهار وسيلة، وسببا، والسعادة المتأصلة الحقيقية غاية، وهدفا :

{ إن الله لا يغير ما بقوم حتى يغيروا ما بأنفسهم (12) }

سورة الرعد

* مجلة المحاكم المغربية، عدد 29، ص 29 .

0 التعليقات:

Post a Comment