حول تعديل قانون المسطرة الجنائية الفرنسي الوضع رهن

حول تعديل قانون المسطرة الجنائية الفرنسي الوضع رهن

الاعتقال سيتخذ من طرف قضاء جماعي

ترجمة واعداد: عبد الصمد الزعنوني

مستشار باستئنافية الرباط

" قدم كل من وزير العدل Henri NALLET او الوزير المنتدب لدى وزارة العدل Michel SAPIN بفرنسا مذكرة بحث بخصوص قانون المسطرة الجنائية امام مجلس الوزراء بتاريخ الأربعاء20/11/1991. فبعد اشهر من النقاش الساخن قررت وزارة العدل التخلي عن فكرة قلب مجموع النظام القضائي. لقد اختار ميشال صابان الإبقاء على مهمة قاضي التحقيق واقترح بدل ذلك تقوية حقوق الدفاع و احداث قضاء جماعي خاص بالإيداع رهن الاعتقال. هذه النقطة الآخرة استمدتها المشروع من التعديل الذي اتخذه سنة1985 وزير العدل سابقا Robert BANDINTER.أما حضور المحامي خلال مرحلة الحراسة النظرية الذي يثار في العديد من المناسبات فانه تم استبعاده. ان مشروع قانون يستند على هذه الأسس سيقدم الى البرلمان الفرنسي خلال دورة الربيع المقبلة وستدخل المقتضيات القانونية الجديدة حيز التنفيذ ابتداء من فاتح يناير1993 أي قبل بضعة اشهر عن اصدار القانون الجنائي الجديد.

لقد عبرت السيدة MIREILLE DELMASE -MARTYرئيسة لحنة القضاء الجنائي وحقوق الإنسان في الاستجواب الذي خصت به الصحافة الفرنسية عن اسفها لكون المشروع المتخذ من طرف الحكومة يفتقر الى الجرأة والشجاعة. فوزراء العدل الذين تعاقبوا بساحة" فوندوم" طوال السنوات الأخيرة كان لديهم جميعا أمل تحقيق في يوم من الأيام اعادة تكييف و" نموذجة" التحقيق. لقد سبق ان لاحظ Robert BADINTER بان " التحقيق لم يعد يستجيب لمتطلبات هذا العصر" واختار سنة 1985 إعطاء الأفضلية للنظام الجماعي عن طريق خلق" غرف للحقيق" اما Albin CHALANDON فقد اقترح من جهته سنة 1987 احداث " غرف لطلبات منح السراح الموقف" بيد ان الاثنين باءا معا بالفشل: فسبب انعدام الوسائل والقناعة والإرادة السياسية ظلت هذه التعديلات المقترحة لفائدة الحريات ولتضييق الاعتقال الاحتياطي في طي النسيان . Michel SAPIN الذي وعد منذ التحاقه بالوزراء بتعديل " كبير وواسع". انكب منذ الربيع الأخير على التأملات والمشاريع والمقترحات المتراكمة خلال السنوات الاخيرة، وهو يتوفر على مؤهل للنجاح لم يكن متاحا أثناء محاولات التعديلات السابقة كالتقريرين المتمخضين عن لجنة Delmas MARTY - هذه اللجنة التي أحدثها ARPAILLAUGE Pierre سنة 1988 - سبق ان اقترحت قلب قانون المسطرة الجنائية باحداث " قاضي للحريات" ان التعديلات المذكورة كانت طموحة.

ان هذه الثورة المقترحة ليست مدرجة اليوم بجدول الأعمال، فبدل اللجوء الى قلب لقانون المسطرة الجنائية، آلام الذي يتطلب تعديلا لقانون النيابة العامة، اختارت الوزارة تكييف وملاءمة البنيات الموجودة مع تطوير الطابع الحضوري للمسطرة. الرهان واضح = يأمل السيد Michel SAPIN تغيير السلوك والذهنيات اثناء كل مرحلة من قانون المسطرة الجنائية، كبيرة ام صغيرة. وفصل وظائف البحث والوظائف القضائية المقترح من طرف لجنة Delmas- MARTY تم إذن التخلي عنه كما تم التخلي أيضا عن إدخال المحامي اثناء مرحلة الحراسة النظرية.

عمل جماعي

ان قطب ومحور التعديل الحالي المقترح من طرف Michel SAPIN هو اذن النظام الجماعي = بالاستناد على النظام الذي تصوره سنة 1985Robert BADINTER تقترح الوزارة اليوم أحداث بكل محكمة ابتدائية كبرى نظاما وهيئة جماعية تشمل كلا من قاضي التحقيق، ورئيس المحكمة او قاض منتدب من طرفه، وقاض اخر من قضاة الحكم للنظر في الإيداع رهن الاعتقال وتمديده كما ان" العمل الجماعي" لقضاة التحقيق سيتم علاوة على ذلك نهجه بخصوص القضايا المتشعبة، الصعبة، والخطيرة" ان أحداث هذا النظام الجماعي يفترض توفر الوسائل. ان الوزارة التي تمتنع عن اعطاء أرقام بشان المناصب التي سيتم احداثها ترى مع ذلك ان التعديل الحالي اقل تكلفة من حيث عدد المناصب المتطلبة من اقتراح Chalandon الذي كان يتطلب65 منصب قاض او من اقتراح Badinter الذي يتطلب حوالي 150 منصبا. ان التعديل الحالي سيخيب ما محالة ظن كل الذين كانوا يأملون خلال السنوات الاخيرة انقلابا حقيقيا لقانون المسطرة الجنائية، لان الهندسة الحالية للنظام تم الاحتفاظ بها.

هذا المشروع يذهب مع ذلك - وبوضوح - اكثر بعدا مما سبق ان اقترحه BadinterوChalandon = انه يضمن في الوقت ذاته حس جديدة يلتف حولها الإجماع والمتمثلة في إلغاء الامتياز القضائي، تعديل البطلان " صحيفة العالم الفرنسية بتاريخ 2 اكتوبر1991". ومقتضيات رمزية، وإلغاء النظام الحالي للاتهام " صحيفة العالم الفرنسية بتاريخ 17 اكتوبر1991" وتعديلين هامين: تعميق حقوق الدفاع واحداث هيئة قضائية جماعية يوجد من ضمنها قاضي التحقيق، كما ان الحراسة النظرية سيطالها بدورها تعديل طفيف بموجب هذا المشروع.

إلغاء الامتياز القضائي

ان القضاة والولاة " عمال الولايات" والولاة النواب والعمداء " العمدة أي رؤساء البلديات " وضباط الشركة القضائية يتابعون حاليا ويحاكمون من طرف هيئات قضائية تعينها الغرفة الجنائية لدى محكمة النقض [ 704 شكاية سنة 1990].

اما المشروع الحالي فينص على إخضاع " هؤلاء الأشخاص المحميين" لقانون المسطرة الجنائية العام الذي يسمح في جميع الأحوال من اجل التشكك المشروع او لفائدة حسن سير العدالة "هذا المقتضى الأخير سيعدل بكيفية تسمح باللجوء اليه بناء على مبادرة من كل الأطراف).

تعديل نظام البطلان

ان النظام الحالي الذي يؤدي أحيانا الى بطلان المسطرة من اجل مسائل شكلية بحتة ينجم عنه بطء وتعقيد بعض التحقيقات. لذا يفتح المشروع الباب للأطراف بمنحهم حق اثارة البطلان خلال سريان التحقيق " الدفاع والطرف المدني لا يمكنها حاليا القيام بذلك" وينشر بمجموع نظام المسطرة الجنائية النظام الحالي للملفات الجنائية من حيث تطهير البطلان قبل الجلسة".

إلغاء الاتهام

ان المشروع يفصل بين الاعلام بالأدلة " القرائن" ومباشرة حقوق الدفاع، وتضمن التنصيص على ثلاثة مراحل: " الوضع تحت الاختبار" الذي يسمح بمزاولة حقوق الدفاع منذ فتح التحقيق." الإدخال في الدعوى" عندما تكون القرائن واضحة ومتسقة " يمكن عندئذ إيداع الشخص رهن الاعتقال" و" الوضع موضوع الاتهام" عند إنهاء التحقيق. اما مصطلح " الوضع خارج الدعوى" فحل محل مصطلح عدم المتابعة.

من بين 73649 اتهام صدر بشأنها سنة 1990.

7762 أمر بعدم المتابعة أي نسبة 11,12 %.

تقوية حقوق الدفاع

يقترح المشروع نشر حقوق الدفاع والطرف المدني خلال إجراءات التحقيق وسيكون بوسعهما معا الحق في ان يطلبا من قاضي التحقيق القيام ببعض التحريات " سيما محاضر الاستماع والخبرات ". والأمر الذي يصدر قاضي التحقيق بهذا الشان يجب ان يكون معللا مع قابلية الطعن فيه بالاستيناف الأمر غير المسموح به حاليا.

إحداث هيئة قضائية جماعية للوضع رهن الاعتقال وتمديده

هذه الهيئة يؤسسها رئيس المحكمة، وتشكل من رئيس المحكمة او قاض منتدب من طرفه ومن قاضي التحقيق المكلف بالقضية وقاضي من قضاة الحكم. ان حضور قاضي التحقيق ضمن هذه التشكيلية تم تبريره حسب رأي الوزارة بانه " الأكثرية قدرة" على إفادة زملائه حول سير القضية الرائجة. وأوامر هذه الهيئة الجماعية ستكون قابلة للاستيناف امام غرفة الاتهام.

العمل الجماعي لقضاة التحقيق

هذا العمل سيتخذ بخصوص القضايا " المتشعبة، الصعبة والخطيرة"اذ يمكن اثرها لقضاة التحقيق العمل جماعيا منذ فتح التحقيق ويعين أذاك الرئيس واحدا او اثنين او ثلاثة من قضاة التحقيق وكذا أثناء سريان التحقيق مع استصدار موافقة قاضي التحقيق المكلف بالقضية لتعيين الآخرين.

تعديل إجراء الحراسة النظرية

يقترح المشروع تحديد معيار شرعي للوضع رهن الحراسة النظرية عند البحث التمهيدي من اجل ملاءمة " تناغم" الشروط الموضوعية الخاصة بتمديد فترة الحراسة النظرية وكذا عند التلبس بالجريمة. والشخص المودع قيد الحراسة سيكون بوسعه ان يطلب إخضاعه لفحص طبي منذ بداية هذا التدبير وقبل الاستماع إليه وسيتم اخبار السلطة القضائية" دون اجل بالوضع تحت الحراسة".

le mondeعن

du jeudi 21 novembre 1991 page 13

موقف دفاعي

خطورة جديدة في ميدان الحريات

في مقاله المنشور بصحيفة" العالم" الفرنسية عدد 21/11/91 الموما اليه ركز Michel SAPIN على ان الاتهام يعد اعتداء مشينا على مبدأ البراءة. والمفارقة حسب رأيه انه لكي يستفيد الشخص من حقوق الدفاع يجب ان يكون متهما.

1- ان مكافحة المخدرات تجند من اجلها كل الطاقات لكن يكفي نقصان إمضاء بأسفل وثيقة ليتم الإفراج عن المهربين بالجلسة.

2- يتطلب الامر ثلاثة قضاة للحكم على سارق بطاطس بغرامة قيمتها 500 فرنك.

3- بينما قاضي تحقيق منفرد يمكنه ان يضع ولمدة اشهر شخصا رهن الاعتقال الاحتياطي.

4- يجب توفر شروط وظروف دقيقة ليتسنى لعناصر الشرطة مراقبة تحديد الهوية لكن يكفي التمسك " بضرورة البحث" لإخضاع الشخص للحراسة النظرية لمدة 24 ساعة.

أنها أربعة أمثلة قدمها Sapin للتدليل على التناقضات التي تشوب النصوص الفرنسية وعدم كفايتها بالنظر الى حقوق الإنسان وحسن سير العدالة . وبالإمكان في رأيه الاستشهاد بأمثلة اخرى. هذه القواعد هي مع ذلك مضمنة بقانون المسطرة الجنائية الذي يجب ان يكون حسب Sapin " كتاب حماية الحريات".

وفي الوقت الذي يتابع فيه البرلمان الفرنسي فحص القانون الجنائي الجديد لتعديل اهم مقتضياته الأساسية فانه يرى ان الوقت حان أيضا للنظر في مشروع تعديل قانون المسطرة الجنائية. والتفكير في هذا المشروع انطلق منذ سنة1988 بمبادرة من الحكومة. ومنذ ذلك الحين بدا النقاش يتطور في جو من الإنصات والحوار وتبادل الرأي واصبح الآن الامر بأيدي المسؤولين السياسيين لاتخاذ القرار.

ان كل مشروع يتطلب توفر بوصلة " بوصلتي - يقول Sapin تسمى إعلان حقوق الانسان". ويرى ان المشروع يستهدف ضمان الحريات - احترام المساواة - قرينة البراءة - وحقوق الدفاع، وبخصوص البنيات ذاتها للتحقيق فان التعديل يستلهم القانون الذي هيأه سابقا Bdinter سنة 1985 = الابقاء على قضاء التحقيق- العمل الجماعي لقضاة التحقيق - احداث هيئة قضائية جماعية يناط بها البت في الاعتقال ويوجد من ضمنها قاضي التحقيق.

ان الهندسة التي تمت المحافظة عليها تمت بقدر كبير أيضا من الاقتراحات المستخلصة من أشغال أعمال اللجنة التي سبق ان ترأسها السيدة Delmas - Marty = تعديل الحراسة النظرية - الامتياز القضائي - البطلان - التوازن بين الأطراف اثناء سريان التحقيق.

ويضيف المشروع إلغاء فعل ولفظ الاتهام ويقترح استبداله بمسطرة اكثر احتراما لمبدأ قرينة البراءة.

ان اخر تعديل يتعلق بمجموع مراحل المسطرة الجنائية بدءا من الحراسة النظرية ووصولا الى الجلسة يعود الى سنة1897. منذ هذا التاريخ أصبحت ضرورة اتخاذ خطوة الى الأمام مدرجة بجدول الأعمال. بيد انه بالرغم من العديد من المحاولات فان تعديلات دقيقة هي التي ثم اتخاذها ليس الا.

الحقوق الأساسية للشخص

كان اذن من اللازم حسب Sapin فعل شيء ما. والمحاولة ذاتها تكتسي أهمية من" حجم كبير" والجدل اتخذ دورا وطابعا لاهوتيا بين أنصار الممارسة الاتهامية الانجلوسكسونية وانصار التقليد التحقيقي على الطريقة الفرنسية.

ويتساءل Sapin هل كان بالإمكان قلب النصوص والبنيات رأسا على عقب وتغييرها كلية وحذف مهام قاضي التحقيق ونقل التحقيق القضائي الى الضابطة؟

لقد خاطب في مقاله أولئك الذي يودون وضع التحقيق والمكلف به ( القاضي ) بالحضيض " الأسفل" ودعاهم ان ينكبوا على فحص أمثلة من خارج فرنسا. ان تغييرا من الحجم المطلوب " يقصد أنصار قلب النظام القضائي كلية" يعادل قلب مفاعلات طائرة في أعالي الجو ويرى انه أثناء التعديل يجب ان تواصل العدالة الزجرية سيرها ومهامها.

وإذا كان بفرنسا بعض رجال القانون يدافعون عن النموذج الجنائي الانجلوسكسوني فان Sapin يرى انه يكفي تجاوز البحر لسماع أعلى السلطات القضائية البريطانية نفسها تجيب بان خيرة رجالات قانونها هناك ينظرون نظرة احترام الى قضاة التحقيق بفرنسا ومسطرتها التحقيقية كما يرون في المناهج الفرنسية الأجوبة الممكنة والملائمة لما يثار لديهم من التساؤلات.

ويختمSapin مقاله بان يجب كل يوم استخلاص نتائج جديدة. وانه يجب استقبالا تحقيق مراحل أخرى بقصد تعميق الحريات والديمقراطية.

موقف نقد

في الاستجواب الذي خصت به الصحافة الفرنسية [العالم العدد أعلاه] عبرت السيدةMireille Delmas -Marty أستاذة بجامعة باريسI"السوربون" والتي كانت ترأس لجنة العدالة الجنائية وحقوق الانسان المؤسسة سنة 1988 والتي قدمت تقريرين اثنين بخصوص اصلاح القضايا الجنائية لوزير العدل سابق Pierre Arpaillange - أقول عبرت عن راي انتقادي لمشروع التعديل وترى انه يتضمن تدابير يخشى ان لا تتحقق أهدافها لانها مطعمة ببنيات صعبة التكييف والتوافق. ذلك ان المشرع كلما استهدف تعميق ضمانات التحقيق بفرض ضغوط " التزامات" جديدة على القاضي كلما تصاعدت آماد المساطر وكلما اصبح اللجوء الى التحقيق هامشيا وثانويا مما يعد مصدرا أوليا للعدد الضخم للاعتقالات الاحتياطية فنسبة القضايا المحالة على التحقيق بالنسبة لقضايا المتابعة انخفضت منذ 1960 من %20 الى اقل من %10. وبخصوص اكثر من%90 من القضايا الجنائية بوشر فيها البحث من طرف الضابطة والنيابة العامة أحيلت مباشرة على المحكمة من اجل المحاكمة.

ان السيدة Mireille تفضل بدل اللجوء الى تعديلات مدققة بخصوص مسائل تقنية ذات حساسية شديدة البدء بتحديد روح التشريع بالرجوع الى المبادئ الأساسية وهي بفرنسا عشرة: الشرعية- المساواة بين المتقاضين - الضمانات القضائية - الكرامة الإنسانية للشخص - حماية الضحية- قرينة براءة المتهم - احترام حقوق الدفاع - التوازن بين الأطراف - التعجيل بالمسطرة -التناسب ( التكافؤ).

وترىMireille ان توجيهات السياسة الجنائية حسب مشروع التعديل الجديد تفتقر الى الشفافية باعتباره يغيب بعضا من المبادئ الأساسية السالفة الذكر ومنها على الأخص مبدأ التعجيل بالمسطرة رغم ضرورة هذا المبدأ مما كان في رايها من اسباب ادانة فرنسا من طرف المحكمة الأوربية " استراسبورغ" لاتسام المساطر بمدد طويلة مقارنة مع الاتفاقية الأوربية كما ترى Mireille ان المشروع الحالي خال من النظرة الى الآفاق الاوربية وان فرنسا بوسعها في نظرنا ان تلعب دورا قياديا رائدا باقتراح مبادئ من شانها ان تصبح مشترك بين كل دول أوربا. وتمسكت من جهتها بأهمية التقرير الذي سبق ان اقترحته اللجنة التي ترأستها شخصيا وللتدليل على أهمية أوضحت بان نص التقرير المذكور سينشر بالإيطالية.

ويترجم الى الإنجليزية وان اعضاء قدامى من تلك اللجنة تم استدعاؤها من طرف عدة دول لتقديم الخطوط الرئيسية للتقرير.

وركزت السيدة Mireille في ختام كلمتها على انه الى جانب المبادئ الأساسية المشارة إليها اعلاه المحددة من طرف اللجنة التي سبق ان ترأستها فانه بزغت بأوربا فكرة تجاوز التعارض القائم بين النظام الاتهامي والنظام التحقيقي بقصد الإبقاء على الأفضل من كلا النظامين. فميزة النظام التحقيقي، أهمية المرحلة الإعدادية للدعوى ( القضية) والقواعد المحكمة الضابطة خلال هذه المرحلة للبحث والمحافظة على الأدلة وهو ما يقدره اليوم الانجليزيون. كما ان الفرنسيين يرون ان ميزة النظام الاتهامي تكمن في جعله القاضي حكما محايدا بفصل الوظائف القضائية عن وظيفة البحث مما يسمح بأعاد التوازن بين الاتهام والدفاع. ان هذا الاتجاه -تضيف Mireille - هو الذي يتنامى منذ حوالي 156 سنة بأوربا. ويجب عدم التفريط في فرصة إحداث تعديل طموح من اجل تجسيد نموذج اوربي للمسطرة الجنائية.

هوامش وملاحظات :

(1) ان القانون لكي يكون عادلا يجب تطويره باستمرار حتى يكون متلائما وما يطفو على السطح من مستجدات تفرض نفسها بإلحاح، على كل من المشرع والقضاء.

(2) ان المشروع الحالي لتعديل بعض نصوص المسطرة الجنائية يستند على مشاريع تعديل سابقة منها مشروع وزير العدل سابقا Robert Badinter وتقريري لجنة السيدة Mireille مع العلم انه سبق ان صدر أيضا بفرنسا قانون تحت رقم 643-70 مؤرخ في 17/7/1990 يستهدف ضمانات الحقوق الفردية للاشخاص باحداث تدابير بديلة يلتجئ إليها قاضي التحقيق سميت بتدابير " المراقبة القضائية" بدل اللجوء الى الاعتقال الاحتياطي وذلك بغية تقليص والحد من حدة وشدة الإكثار من هذا الأخير.

(3) ان دولة كفرنسا عندما يصدر بها مشروع قانون ذي أهمية تواكبه تغطية إعلامية واسعة وتبادر الصحافة الى نشره مذيلا بتعاليق من مشارب ومصادر مختلفة دفاعية وانتقادية تتوخى إبراز محاسن وثغرات النص في نقاش قانوني رصين يتخطى النظرة الحزبية الضيقة هو تقليد نرى انه قمين الاقتداء.

(4) ان السيد Robert Badinterالمشار اليه في هذا التعليق سبق ان شغل حسب علمنا رئيسا للمجلس الدستوري [اذ فرنسا كما نعلم تتوفر على محاكم عادية على رأسها محكمة النقض ومحاكم ادارية على رأسها مجلس الدولة ثم قضاءا دستوريا هاما يتمثل في المجلس الدستوري] وكذا رئيسا للأكاديمية الدولية للقانون الدستوري الكائن مقرها بتونس.

(5) بخصوص المحكمة الأوربية لحقوق الإنسان الموما إليها اعلاه نوضح انه سنة 1949 عمدت عشر دول أوربية غريبة الى تأسيس " مجلس أوربا" وفي السنة الموالية اصدر المجلس " اتفاقية حماية حقوق الإنسان والحريات الأساسية" وتقرر في هذه الاتفاقية إنشاء " لجنة أوربية لحقوق الإنسان" و"محكمة أوروبية لحقوق الإنسان" فهل لم يأت بعد الوقت لتأسيس محكمة عربية لحقوق الإنسان؟

(6) اتخذ المغرب مؤخرا بادرة تأسيس المجلس الاستشاري لحقوق الإنسان تمخضت عنه مقترحات بلور بعضها في نصوص قانونية وتشريعية كما انبثقت منه لجنة للمتابعة تمخض عنها اصدار مناشير تعنى باحترام الحقوق صادرة عن كل من وزارتي الداخلية والعدل فضلا عن عزم المغرب على إحداث قريبا محاكم ادارية لاستكمال دولة القانون ونوقش مؤخرا بلجنة التشريع بالبرلمان المغربي تعديل لمقتضيات الماديتين156 و406 من قانون المسطرة الجنائية يرمي الى الإفراج عن المتهم عند استيناف النيابة العامة لقرار الإفراج المؤقت المتخذ من طرف قاض التحقيق والمحكمة وهو تعديل يقوي من صلاحيات القضاء الجالس على حساب سلطات الاتهام وهو الاتجاه السائد باوربا كما أشير اليه أعلاه كما ان من شانه التخفيف من وطأة الاعتقال.

(7) للإحاطة بمبدأ قرينة البراءة وخصوصيات النظام الاتهامي على الطريقة الإنجليزية والنظام التحقيقي على الطريقة الفرنسية المشار إليهم في هذا التعليق نحيل القارئ على المؤلف الهام الذي هو عبارة عن رسالة دكتوراه المعنون " قرينة البراءة" la présomption d'innocence لمؤلفه الدكتور جلال السعيد.

(8) نختم هذا التعليق بالقول كل حرية اذا كان بفرنسا من يرون بان هذه الاخيرة بوسعها ان تلعب دورا قياديا على الصعيد الأوربي في مجال قانون المسطرة الجنائية وهو قانون حماية الحريات كما قيل والقانون الجنائي فإننا من جهتنا نرى ان المغرب الذي يشكل صلة وصل بين أوربا وافريقيا يتوفر على المؤهلات التي تخوله القيام بدور ريادي في الميدان القضائي عموما وذلك على صعيد المغرب العربي سيما في حالة متابعة ومواصلة إصلاح وضعية المحاكم العادية والإدارية منها وتعميقه استقبالا صلاحيات القاضي الدستوري" الغرفة الدستورية" ويمكن منذ الآن التنبؤ بان العشر سنوات المقبلة ستعرف مخاضا حيويا في مجالات التشريع وثراءا سيقع على القضاء عبء بلورته في اجتهادات قضائية تواكب وتساير المرحلة المقبلة.

* مجلة المحاكم المغربية، عدد 64-65، ص 43.

0 التعليقات:

Post a Comment