الجرائم ضد الإنسانية: من له حق التدخل ؟


ذ.أمين مبارك الساسي(2)

تثير الجرائم ضد الإنسانية في القانون الدولي مسألة الاختصاص الدولي، بمعنى أنها شؤون خارجة عن الاختصاص المحلي أو المجال المحفوظ لدولة ما، وذلك لأن المشاكل المتعلقة بالجرائم ضد الإنسانية أصبحت مسألة دولية وبالتالي تقتضي علاجا دوليا.

فمن حيث المبدأ أصبح التدخل الخارجي في القضايا المتعلقة بالجرائم ضد الإنسانية أمرا مقبولا.
وقبل التطرق للإجابة عن السؤال المطروح أعلاه، أود في البداية أن أبين وجهة نظري فيما يخص طريقة طرح الإشكالية، إشكالية من له حق التدخل:
فتقريب الموضوع من زاوية "حق التدخل" يفترض أن هناك تنازعا في الاختصاص، من أجل كسب الحق في التدخل، فيما يتعلق بالمشاكل التي تهم الإنسانية.

وهذا يدعم بدون شك آراء عارضها الذين يدعون اكتساب هذا الحق بما لهم من مصالح مباشرة وأخرى غير مباشرة في التدخل في بعض الحالات، وفي عدم التدخل في حالات أخرى.

ومع الأسف، فإن معالجة الموضوع من هذه الزاوية يحول الأنظار عن صلب الإشكالية المطروحة، ولا يمكننا من الحصول على العنصر المعنوي للجواب المطلوب لو طرح السؤال كالتالي:
في الجرائم ضد الإنسانية من يقع عليه الالتزام بالتدخل ؟ أم أن حماية الإنسانية وكرامة الإنسان ستتوقف على إرادة وحرية تصرف بعض المؤسسات حيث تسود المبادلة (Reciprocity) و" التصافق " السياسي (Political bargaining) ؟.

فالمفروض أن أية دولة أو مؤسسة تدعي كسبها لحق التدخل، تكون ملزمة أوتوماتيكيا بواجب التدخل، وبناء على ذلك تنتقل نقطة التركيز إلى تحديد المدين بهذا الالتزام بالتدخل duty - (bearer).

إن مراجعة حالات التدخل السابقة في العالم، لم تساعد قط على تحديد المدين بهاذ الالتزام بل أثارت ارتباكا وحيرة، وشكا، فمعظم التدخلات التي تمت تحت مظلة الإنسانية كانت في حقيقتها تحالفات حرة بقيادة الولايات المتحدة الأمريكية من دون مشاركة كل الدول ذات السيادة المكونة للمجتمع الدولي.

وهناك ثلاث ملاحظات تستحق الوقوف عندها تهم التدخلات السابقة يمكن إبرازها في ما يلي:
1 ـ كل العمليات العسكرية اتخذت باسم "المجتمع الدولي".

2 ـ كان المجتمع الدولي ممثلا أو مدعما من طرف مؤسسة دولية، وفي هذا السياق فإن قضية بينوشي كانت مجرد قيام دعوى قضائية ضده لخرقه لحقوق الإنسان، كما هي متعارف عليها دوليا، ولارتكابه جرائم ضد الإنسانية لا غير، ولا يعتبر ذلك تدخلا دوليا، أما حالة إنجلترا في قضية بينوشي فهي إنما طبقت تصورها لمفهوم الحصانة والتسليم فقط.

3 ـ لقد لعبت الولايات المتحدة الأمريكية دورا إيجابيا وأساسيا وحاسما في هذه العمليات.
إذن فـ "المدين" الملزم بالتدخل هو بدون شك المجتمع الدولي الذي يعتبر في نهاية المطاف جوهر كل تدخل دولي في الشؤون المتعلقة بالجرائم ضد الإنسانية.
وإذا كان المجتمع الدولي في آخر المطاف هو جوهر كل تدخل، فإن تساؤلنا بناء على ذلك سيصبح: من يمثل المجتمع الدولي؟.

هل هي مؤسسات الأمم المتحدة؟ أم منظمة الحلف الأطلسي؟ ثم إن إنشاء دفاع أوربي مشترك، والذي سيغير الخريطة السياسية للعالم، ألن يدعي لنفسه حق التدخل في الحالات التي يريدها؟ وهل سيزداد دور المؤسسات المالية مثل صندوق النقد الدولي (IMF) والبنك الدولي (WB)؟، خصوصا عندما تكون المديونية الخارجية لأية دولة مرتفعة مثل روسيا وصربيا، يكسبهما بدورهما حقا ولو غير مباشر في التدخل.

لقد شهد العالم ويشهد تدخلات مختلفة في نزاعات مختلفة، إلا أن النقاش الدائر كان يدور حول "الحق" في التدخل مع الأسف، وليس حول "الالتزام" بالتدخل.

فغياب الالتزام بالتدخل سيتضح أكثر عندما نستعرض بأن المجتمع الدولي اختار، عن قصد، عدم التدخل في قضايا معينة نوردها على سبيل المثال:
ـ القضية الفلسطينية؛
ـ النظام العنصري في جنوب إفريقيا؛
ـ ملف التيبت؛
ـ قضية الأكراد داخل تركيا؛
ـ النزاع الشيشاني.

أما في ما يخص قضية بينوشي فإن حق التدخل قد أخذ شكل التسليم للقضاء وتأكيد سيادة القانون.
ومن هنا يتبين أن هناك عدة أطراف أدعت كسب حق التدخل، وقد أثرت على ممارسته ثلاث عوامل أساسية:
1 ـ الأطراف المعنية بالأمر؛
2 ـ الموقع الجغرافي للنزاع؛
3 ـ القوة الدفاعية العسكرية لمرتكبي الجرائم ضد الإنسانية.
ومنح حق التدخل حسب هذه المعايير لا يكفي ويؤدي إلى المعاملة بمعيار مزدوج.
وبناء على ذلك يحق لنا القول بأن المجتمع الدولي يعيش ديناميكية وحركة، كما أن مكوناته في تغير مستمر من نزاع إلى آخر، وهو ما يطرح تساؤلا مشروعا حول ما إذا كان هذا الأسلوب والطريقة التي اتبعتها حتى الآن المؤسسات المدعية بتمثيل المجتمع الدولي الأسلوب الأصلي والذي يجب احترامه لمعالجة مشكل الجرائم ضد الإنسانية.

وفي الوقت الحاضر لا نرى أية مؤسسة دولية قادرة ومؤهلة لتملك حق وواجب التدخل دون أن تقوم بتغيير عميق لسياستها وعملية صنع قرارها، ونعتقد بأن الحصول على حق وواجب التدخل لحماية الإنسانية يتوقف على توفر خمسة شروط أساسية:

أولا: حياد واستقلال المؤسسة الممثلة للمجتمع الدولي، ونعتقد في هذا الصدد بأن منظمة الأمم المتحدة مؤسسة دولية مناسبة شريطة أن ينتقل القرار الدولي من مجلس الأمن إلى الجمعية العامة.

ثانيا: تحديد وتعريف للجرائم ضد الإنسانية بكل دقة وموضوعية لتلافي معاملة المعيار المزدوج.

ثالثا: إخضاع قرار التدخل لمسطرة سريعة وفعالة لكون حياة الإنسان عزيزة وغالية لا تسمح بانتظار حصول تسويات سياسية.

رابعا: معالجة الجرائم ضد الإنسانية والحيلولة دون ارتكابها يتطلب التعديل والتخفيف من قواعد الحصانة في القانون الدولي.

خامسا: معالجة جراح الماضي التي خلفها ارتكاب جرائم ضد الإنسانية، تطبيقا لمبدأ عدم قابلية الجرائم ضد الإنسانية للتقادم بأسلوب إنساني وشجاع من أجل التوجه نحو مستقبل يحمل تركة الماضي خدمة للإنسانية.

هوامش:

(1)العرض من ترجمة الكاتب لملخص دراسة مطولة أعدها باللغة الإنجليزية.
(2)مجاز في القانون الخاص (باللغة الفرنسية)، دبلوم الدراسات العليا في القانون التجاري الدولي (جامعة مونشستير بإنجلترا)، طالب باحث في التحضير لدكتوراه الدولة في القانون الضرائبي الدولي بنفس الجامعة.

مجلة المرافعة