اختصاص المحاكم الإدارية بالبت في النزاعات المتعلقة بالوضعية الفردية للموظفين والعاملين في مرافق الدولة والجماعات المحلية والمؤسسات العمومية.

اليد عبد الله لعلج:
المفوض الملكي بالمحكمة الإدارية بأكادير

مدخـل
لقد حددت المادة الثامنة من القانون 41/90 المحدثة بموجبه المحاكم الإدارية، اختصاص هذه الأخيرة بالبت ابتدائيا، في طلبات إلغاء قرارات السلطات الإدارية بسبب تجاوز السلطة ثم تطرقت لباقي الاختصاصات المحددة حصرا ومن بينها النزاعات المتعلقة بالوضعية الفردية للموظفين والعاملين في مرافق الدولة والجماعات المحلية والمؤسسات العمومية، ثم قيدت الفقرة ما قبل الأخيرة من هذا الفصل ممارسة تلك الاختصاصات بالشروط المنصوص عليها في القانون 41/90 نفسه.

وحيث يتبين من النص المذكور ومن مناقشات القانون أمام لجنة العدل والتشريع وأمام البرلمان أن قواعد الاختصاص فيه تختلط بقواعد الموضوع بحيث حدد القانون 41/90 شروط ممارسة تلك الاختصاصات كما يلي:
1- الباب الثالث ويتعلق بدعوى الإلغاء بسبب تجاوز السلطة وقد أفرد لها المواد 20 إلى 25.
2- الباب الرابع ويتعلق بالطعون الانتخابية في المواد من 26 إلى 27.
3- الباب الخامس ويتعلق بالطعون المتعلقة بالضرائب وتحصيل الديون المستحقة للخزينة العامة والديون التي في حكمها في المواد 28 إلى 36.
4- الباب السادس ويتعلق بنزع الملكية من أجل المنفعة العامة والاحتلال المؤقت في المواد من 37 إلى 40.
5- الباب السابع ويتعلق بالاختصاص المتعلق بالمعاشات في المواد من 41 إلى 43.
6- الباب الثامن ويتعلق بفحص شرعية القرارات الإدارية في المادة 44.
هذا وقد تطرق الباب الثاني للاختصاص بشقيه النوعي والمحلي، كما تطرق الباب التاسع لقواعد استئناف أحكام المحاكم الإدارية.

والمثير للانتباه بقراءة الأبواب المذكورة أن المشرع لم يحدد شروطا لبعض الدعاوي التي تختص بنظرها المحاكم الإدارية رغم أهميتها البالغة وهي:
1- النزاعات المتعلقة بالعقود الإدارية.
2- دعاوي التعويض عن الأضرار التي تسببها أعمال ونشاطات أشخاص القانون العام.
3- النزاعات المتعلقة بالوضعية الفردية للموظفين والعاملين في مرافق الدولة والجماعات المحلية والمؤسسات العمومية.

فهل أهمية هذه الدعاوي تقتضي عدم تقييدها بشروط قد تحد من فاعليتها؟ أم أن المشرع رأى أن الفقه والاجتهاد القضائي قد تكفل ومنذ زمن بعيد ببحث هذه المواضيع، ووضع القواعد المتعلقة بها وتطوريها تماشيا مع تطور وتشعب مهام الدولة.

لاشك أنه بمراجعة تقرير لجنة العدل والتشريع والوظيفة العمومية وكذا وقائع مناقشة القانون 41/90 أمام مجلس النواب يومي: 11 و 12 يوليوز 1991، وخاصة جواب واضعي المشروع على أسئلة ومداخلات السادة النواب عند تبرير رفض بعض التعديلات المقترحة على مشروع القانون، يتبين أن نية المشرع بالنسبة للكثير من الاختصاصات المسندة للمحاكم الإدارية انصرفت إلى عدم تقيد القاضي الإداري وترك باب الإبداع والاجتهاد أمامه لخلق القواعد الكفيلة بتطور ونمو القضاء وبالتالي القانون الإداري نظرا للدور التاريخي الذي لعبه هذا النوع من القضاء في إرساء وبلورة قواعد القانون الإداري.

لذلك، فهذه المداخلة المتواضعة لا ترمي إلى بحث هذا الاختصاص الهام للمحاكم الإدارية في دراسة تأصيلية معمقة ـ فاتساع الموضوع تضيق في بحث تفصيلاته ندوات وندوات ـ قدر ما يرمي إلى إلقاء الضوء عليه وطرح الإشكاليات المتعلقة به مع محاولة الجواب عليها قدر الإمكان.
لذلك ارتأينا أن ندس الموضوع في ثلاثة مباحث تتكلم في مبحث أول عن الموظفين والعاملين الذين ينطبق عليهم النص إذ لأول مرة يشمل اختصاص القضاء الإداري غير فئة الموظفين. وفي مبحث ثان سنحاول تحديد ماهية النزاعات المتعلقة بالوضعية الفردية، وفي مبحث ثالث نتطرق لموقع هذه المنازعات بين دعوى الإلغاء ودعوى القضاء الشامل نظرا للآثار الهامة التي تترتب على تلك التفرقة.

المبحث الأول:
تحديد مفهوم الموظفين والعاملين بمرافق الدولة والجماعات المحلية والمؤسسات العمومية.

بقراءة النص يتبين أن المشرع اشترط لانعقاد الاختصاص للمحاكم الإدارية بالنزاعات في الوضعية الفردية أن تتعلق بطائفتين من الأشخاص لا ثالث لهما وهما الموظفون العموميون والعاملون بمرافق الدولة والجماعات المحلية والمؤسسات العمومية، فمن هم الموظفون ومن هم العاملون بمرافق الدولة والجماعات المحلية والمؤسسات العمومية.

أولا: الموظفون:
إن تحديد صفة الموظف العمومي وتحديد مدلول الوظيفة العمومية يختلف من حيث الزاوية التي يهدف المشرع إلى تنظيمها ونطاق تطبيقه لسريان التشريعات ضيقا واتساعا بحسب هذه النظرة.
فمدلول الموظف في القانون الجنائي أكثر اتساعا عنه في مجال القانون الإداري.

وحيث أن الذي يهمنا هنا هو مفهوم ومدلول الموظف في القانون الإداري فدراستنا ستقتصر على هذا النطاق وحده.
ولقد عرف المشرع المغربي في الفصل الثاني من ظهير: 24/02/1958 بشأن النظام الأساسي للوظيفة العمومية الموظف بأنه" كل شخص يعين في وظيفة قارة ويرسم في إحدى درجات السلم الخاص بأسلاك الإدارية التابعة للدولة ويعتبر أيضا موظفون متمرنون حسب مقتضيات المرسوم الملكي المؤرخ في : 17/05/1968 المتعلق بتحديد المقتضيات المطبقة على الموظفين المتمرنين بالإدارات العمومية كل شخص يعين في وظيفة دائمة ولم يعلن عن ترسيمه في إحدى الدرجات التسلسلية لأسلاك إدارة الدولة بحيث يطبق عليهم مع مراعاة مقتضيات هذا المرسوم قانون الوظيفة العمومية.

كما أن الفصل الرابع من القانون الأساسي للوظيفة نص على أن تطبق مقتضيات هذا القانون أيضا على أعضاء السلك الديبلوماسي والقنصلي ورجال التعليم والهيئات المكلفة بالتفتيش العام للمالية، وأعوان الشرطة وإدارة السجون ورجال المطافئ وأعوان المصلحة العامة لإدارة الجمارك والضرائب غير المباشرة والمفتشون والمراقبون والحراس بالبحرية التجارية، وضباط الموانئ وموظفو المنارات، وموظفو المياه والغابات. باستثناء ما يتعلق بنظام التأديب وتوقيت العمل وشروط التوظيف والترقي حيث تطبق المقتضيات الخصوصية المتعلقة بقانون كل فئة من هؤلاء الموظفين.

وبالرغم من أن مقتضيات الفصل الرابع المذكور أعلاه قد استثنت من تطبيق القانون الأساسي للوظيفة العمومية رجال القضاء العسكريين التابعين للقوات المسلحة الملكية وهيئة المتصرفين بوزارة الداخلية لاعتبارات خاصة بوضعيتهم الوظيفية، بحيث توجد قوانين خاصة بكل فئة، فإنهم مع ذلك يظلون موظفين عموميين مقتضيات الفصل الثاني من ظهير: 24/2/1958، وتسري عليهم قوانين الوظيفة العمومية الخاصة بهم.

ثانيا: العاملون بمرافق الدولة والجماعات المحلية والمؤسسات العمومية:
لقد أحسن المشرع صنعا حينما فرق بين الموظفين وغيرهم من العاملين بمرافق الدولة والجماعات المحلية والمؤسسات العمومية قطعا لكل خلاف قد يثور حول اختصاص المحاكم الإدارية بالنزاعات المتعلقة بالوضعية الفردية لغير الموظفين، بحيث أعطى لهذه المحاكم اختصاصات شاملة فيما يتعلق بالنزاعات المذكورة سواء تعلق الأمر بموظف حسب مفهوم القانون الإداري، أو بمجرد عامل بمرفق من مرافق الدولة أو الجماعات المحلية أو بمؤسسة من المؤسسات العمومية فمن هم العاملون بمرافق الدولة والجماعات؟.

1- العاملون بمرافق الدولة:
لقد سبق أن حددنا مفهوم الموظف بمرافق الدولة فيما سبق إلا أن الأشخاص الذين يعملون بمرافق الدولة المتعددة كالتعليم والصحة والأشغال العمومية والدفاع الوطني وغيرها لا يعتبرون دائما وبالضرورة موظفين عموميين فقد لا تتوفر فيهم شروط الموظف العمومي كالأعوان المتعاقدون مع الإدارة والأعوان المؤقتون والأجانب المتعاقدون.
وهؤلاء الأشخاص يخضعون لمقتضيات العقود الخاصة التي تربطهم بالإدارة والقوانين الخاصة التي تنظم وضعياتهم، وعند عدم وجد عقد أو قانون خاص يخضعون للقواعد العامة للوظيفة العمومية باعتباره الإطار العام لجميع أعوان الدولة.
وبالنسبة للأجانب تطبق عليهم المعاهدات المبرمة بين الإدارة المغربية والدولة الأجنبية التي ينتمي إليها العامل المذكور.

2- العاملون بالجماعات المحلية:
لد حدد الفصل الرابع والتسعون من الدستور الجماعات المحلية بالمملكة في الجهات والعاملات والأقاليم والجماعات الحضرية والقروية.
وقد صدر مرسوم بتاريخ: 27/9/1977 بمثابة النظام الأساسي لموظفي الجماعات بحيث أخضع جميع العاملين بالجماعات كيفما كانت طريقة توظيفهم لنفس المقتضيات التنظيمية،بحيث 'ن جميع النصوص التنظيمية المعمول بها بالنسبة لموظفي الدولة تلقائيا على موظفي الجماعات المحلية، وإن كان النظام الأساسي الجماعي قد بسط في بعض الميادين تسير شؤون الموظفون الجماعيين.

3- العاملون بالمؤسسات العمومية:
عرف الأستاذ سليمان الطماوي المرفق العمومي على أنه" مشروع يعمل باضطراد وانتظام تحت إشراف رجال الحكومة بقصد تقديم خدمة للجمهور مع خضوعه لنظام قانوني معين".
والمؤسسات العمومية هي شخصية معنوية من أشخاص القانون العام تتمتع بالاستقلال الإداري والمالي وتقوم بنشاط معين بهدف تحقيق المصلحة العامة.

وقد قسم الفقه المؤسسات العمومية إلى نوعين:
مؤسسات عمومية إدارة وتتناول أنشطة مختلفة عما يمارسه الأفراد كمرفق الدفاع والشرطة...وهذه المرافق لا تتوخى الربح بل تقدم خدماتها تحقيقا للمنفعة العامة وحدها وهي سبقت الإشارة إليها عند دراسة العاملين والموظفين بمرافق الدولة.

مؤسسات عمومية اقتصادية واجتماعية، وقد ظهرت هذه المؤسسات مع ظهور الأفكار الاشتراكية التي أوجبت على الدولة التدخل في عدد من النشاطات الاقتصادية كمرفق النقل العمومي وتوزيع الماء والكهرباء وغيرها، وهذه المؤسسات بدورها تتمتع بالشخصية المعنوية والاستقلال المالي، وهي وإن كانت تستهدف الربح، فإن هدفها الأساسي هو تحقيق المنفعة العامة، وقد تسمى المؤسسة العمومية إذ ذاك مكتبا وطنيا أو وكالة مستقلة أو صندوقا وطنيا أو مؤسسة أو معهدا وطنيا، وقد أشار الدكتور عبد القادر باينة في كتابه المختصر في القانون الإداري إلى عدة أنواع من المؤسسات العمومية، كالصندوق الوطني الإداري إلى عدة أنواع من المؤسسات العمومية، كالصندوق الوطني للقرض الفلاحي المحدث بظهير 4/12/1961 والمكتب الوطني للنقل المحدث بظهير: 12/11/1963 والمكتب الوطني للسكك الحديدية المحدث بظهير: 5/8/1963 والمكاتب الجهوية للاستثمار الفلاحي ومكتب التنمية الصناعية وصندوق الإيداع والتدبير ومكتب الأبحاث والمساهمات المعدنية ومكتب تنمية التعاون والصندوق الوطني للتقاعد والتأمين والصندوق الوطني للضمان الاجتماعي والوكالات المستقلة لتوزيع الماء والكهرباء ومؤسسة التعاون الوطني، والمكتب الوطني للماء الصالح للشرب والمكتب الوطني للكهرباء، ومؤسسات التعليم العالي، والوكالات المستقلة للنقل الحضري...

ولا شك في أن المقصود بالعاملين بالمؤسسات العمومية في النص هم العاملون بهذا النوع من المؤسسات ذات الطابع الاقتصادي والاجتماعي وذلك لكون العاملين بمرافق الدولة الإدارية تحدث عنهم النص قبل ذلك.

وبالرغم من أهمية الخدمات التي تقدمها المؤسسات العمومية وارتباطها بالحاجات الاجتماعية والاقتصادية للمواطنين، فقد بدأ التراجع مؤخرا عن فكرة المؤسسات العمومية عن طريق الخوصصة أي بيعها للخواص، قد صدر تطبيقا لهذه الفكرة القانون رقم: 39/89 يؤذن بموجبه في تحويل منشآت عامة إلى القطاع الخاص وذاك ووفق الشروط المنصوص عليها فيه.

وهذا القانون يؤكد على تراجع الدولة عن التدخل في جميع النشاطات والتشجيع على إنشاء مؤسسات خاصة كبرى ومتوسطة وصغرى كفيلة بتلبية الحاجيات الاقتصادية والاجتماعية عن طريق التنافس الحر.
وقد صدر القانون المشار إليه أعلاه على أن التوجيهات الملكية السامية في الخطاب الذي ألقاه صاحب الجلالة بمناسبة افتتاح الدورة الربيعية لمجلس النواب بتاريخ: 8/4/1988.

هذا وتجدر الإشارة إلى أن التعيين في مناصب مديري المكاتب والمؤسسات العمومية يكون بظهير شريف من طرف صاحب الجلالة حسب مقتضيات ظهير: 18/7/1972.

وحسب مقتضيات الفصل 11 من القانون 41/90 المحدثة بموجبه المحاكم الإدارية فإن النزاعات في الوضعية الفردية المتعلقة بالأشخاص المعينين بظهير أو مرسوم تختص بالنظر فيها محكمة الرباط الإدارية.

كما تجدر الإشارة إلى أن المقررات الصادرة عن مديري المؤسسات العمومية تعتبر قرارات صادرة عن سلطة إدارية وقابلة للطعن بدعوى الإلغاء، وهذا ما أكده المجلس الأعلى في قرارين الأول صدر بتاريخ: 26/1/1977 والثاني بتاريخ: 6/5/1977 إذ جاء فيهما على أن المؤسسات العمومية تعتبر من أشخاص القانون العام والمقررات المتخذة من طرف مديريها تدخل في عداد القرارات الصادرة عن السلطات الإدارية وتقبل الطعن بدعوى الإلغاء.

وبذلك فإن النزاعات في الوضعية الفردية للعاملين بالمؤسسات العمومية تختص بالنظر فيها المحاكم الإدارية حسب نص المادة الثامنة من القانون: 41/90 عكس ما كان عليه الأمر قبل صدور هذا القانون بحيث كانت المحاكم الابتدائية هي المختصة بنظر النزاعات المذكورة.

وتطبق المحكمة عند النظر في النزاعات المتعلقة بالعاملين بالمؤسسات العمومية، القواعد الخصوصية المنصوص عليها في القوانين المنشئة لتلك المؤسسات أو الاتفاقات الجماعية المتعلقة بها، كما تطبق القواعد العامة في حالة عدم وجود نص خاص.
فما هي إذن النزاعات المتعلقة بالوضعية الفردية المتعلقة بالأشخاص المذكورين والتي تختص المحاكم الإدارية بنظرها؟ وما موقع تلك النزاعات بين قضاء الإلغاء والقضاء الشامل؟.

المبحث الثاني:
ماهية النزاعات المتعلقة بالوضعية الفردية للموظفين والعاملين بمرافق الدولة والجماعات
المحلية والمؤسسات العمومية.

إن مصطلح النزاعات المتعلقة بالوضعية الفردية (Les litiges relatifs a la situation individuelle) ثم اقتباسه عن القانون الفرنسي خاصة مرسوم قانون المؤرخ في : 30/9/1953.
وقد حدد الفقه والاجتهاد القضائي الفرنسيين النزاعات المتعلقة بالوضعية الفردية في كونها نزاعات ناتجة عن قرارات فردية. تمييزا لها عن القرارات التنظيمية الصادر عن الوزير الأول، والتي تختص بنظرها ابتدائيا وانتهائيا الغرفة الإدارية بالمجلس الأعلى في المغرب ومجلس الدولة في فرنسا التي لا يقبل الطعن إلا بدعوى الإلغاء بسبب تجاوز السلطة.

وهذه النزاعات جد متنوعة بحيث يصعب تحديدها حصرا، لا أن هذا التنوع لم يمنع الاجتهاد القضائي والامتيازات والواجبات الناتجة عن قانون الوظيفة التي ينتهي إليها المعني بالأمر ( روني شابي في كتابه قانون المنازعات الإدارية ص 226 وما بعدها).

ويستثنى من ذلك النزاعات الناتجة عن قرارات مبنية على قوانين أخرى غير القوانين المتعلقة بالوظيفة كالقرارات المتعلقة برفض الاطلاع على الوثائق الإدارية إذا كان هذا الاطلاع مبنيا على مقتضيات قانونية غير المشار إليها آنفا (قرار مجلس الدولة الفرنسي المؤرخ في : 20/11/1987 لاكرولا ص 373) ومن الأمثلة على النزاعات في الوضعية الفردية التي تختص المحاكم الإدارية بنظرها النزاعات المتعلقة بالتعيين، والحقوق والواجبات من ترقيات وتسويات وإنهاء الخدمة، وبصفة عامة جميع النزاعات التي تجد سندها بقانون الوظيفة التي ينتمي إليها الطاعن.

أما بالنسبة للنزاعات الناشئة عن تطبيق النصوص التنظيمية والتشريعية المتعلقة بالمعاشات ومنح الوفاة المستحقة للأشخاص المذكورين فإن اختصاص المحاكم الإدارية بنظرها أفرد له المشرع نصوصا خاصة فبعد أن نص عليه في الفصل 8 حددت الفصول 41و43 من القانون 41/90 نطاق هذا الاختصاص.

وقد أحسن المشرع صنعا حين فعل ذلك تلافيا لأي جدل قد يحدث بشأنها لأن مصدر هذه النزاعات لا يجد سنده بقانون الوظيفة التي ينتمي إليها الطاعن بل مصدرها نصوصا تنظيمية وتشريعية خاصة زيادة على كونها لا تنشأ إلا بعد انتهاء خدمة الموظف أو العامل.

كما تجدر الإشارة أيضا إلى أن المشرع حينما لم يحصر النزاعات التي تختص بنظرها المحاكم الإدارية في النزاعات المتعلقة بالموظفين وذلك بإضافة النزاعات المتعلقة بالعاملين بمرافق الدولة والجماعات المحلية والمؤسسات العمومية يكون قد جعل من القاضي الإداري قاضي القانون العام فيما يتعلق بالمنازعات المذكورة ولم تبق هناك أية أهمية للتفرقة بين الموظف من غيره من العاملين في مرافق الدولة والجماعات المحلية والمؤسسات العمومية، وهو المشكل الذي دفع بالمجلس الأعلى سابقا وفي العديد من قراراته المتعلقة ببعض مستخدمي المؤسسات العمومية حيث كان يقضي بعدم قبول دعوى الإلغاء بعلة أنه يمكن للطرف المدعي أن يطالب بحقه أمام القضاء العادي عن طريق دعوى التعويض ولا شك أنه يتمعن النزاعات المذكورة والتي تتعلق بحياة الموظف أو العامل منذ تعيينه إلى حين انتهاء حياته الوظيفية نجد أن أغلب تلك النزاعات ناتجة عن قرارات إدارية فما موقع هذه النزاعات بين دعوى الإلغاء ودعوى القضاء الشامل؟.

المبحث الثالث:
موقع المنازعات المتعلقة بالوضعية الفردية للموظفين والعاملين بمرافق الدولة
والجماعات المحلية والمؤسسات العمومية.

لاشك أن البحث في هذه النقطة له أهمية قصوى، نظرا لاختلاف الدعويين من حيث شروط إقامة كل واحدة منهما من جهة، ومن جهة ثانية لاختلاف السلطة التي يملكها القاضي الإداري واتساعها في دعوى القضاء الأشمل عنها في دعوى الإلغاء.

فمن حيث أن دعوى الإلغاء يجب رفعها ضد قرار إداري نهائي ووفق الأحوال المنصوص عليها في القانون (الفصول من 20 إلى 25) من القانون 40/90).ويقتصر فيها دور القضاء على رقابة المشروعية دون أن يحل محل جهة الإدارة المختصة في إصدار القرار الصحيح قانونا. بل يكتفي بالحكم بالإلغاء المجرد تاركا لجهة الإدارة المختصة إصدار القرار الصحيح قانونا على هدي من قضائه.

أما بالنسبة لدعوى القضاء الكامل فهي على خلاف دعوى الإلغاء تمتد فيها المواعيد إلى مدد تقادم الحق المدعى به أو بسقوطه ويجب أن يؤدى عنها الصائر القضائي، ويملك فيها القاضي الإداري إضافة إلى إلغاء قرار الإدارة تصحيح المركز القانوني للطاعن وبيان الحل الصحيح في المنازعة. إذ لا يكتفي بإلغاء الحل الذي انتهت إليه الإدارة بل يتعدى ذلك إلى إملاء الحل الصحيح على الإدارة والحكم به.

إنه بالرجوع إلى تقرير لجنة العدل والتشريع والوظيفة العمومية حول مشروع القانون رقم: 41/90 المحدثة بموجبه المحاكم الإدارية في الصفحة 95 بمناسبة جواب واضعي المشروع عن أسباب،رفض المادة 34 إضافية نجد أنهم أكدوا على أن هناك فاصلا بين قضاء الإلغاء والقضاء الشامل، فبالنسبة لقضاء الإلغاء فإنه يكون من حق القاضي فقط أن يأمر بإلغاء المقرر الإداري وأن يتجاوز ذلك.

أما في القضاء الكامل فهو يتعدى هذا النطاق ليأمر بجميع التدابير التي يراها مناسبة في الموضوع.
كما أنه بالرجوع إلى الصفحة 20 من نفس التقرير عنه الإجابة على أسئلة أحد النواب بخصوص القضاء الشامل بأنه سيرى النور بتطبيق هذا المشروع، أي أنه سيشرع في البث في الإلغاء والتعويض معا لأن قضاء التعويض كان مستقلا عن قضاء الإلغاء مضيفين أنه فيما يتعلق بالنزاعات المتعلقة بالوضعية الفردية إذا أريد التقدم بالطعن فإنه بالإمكان الرجوع في القضاء الشامل أما إذا لم يطلب الإلغاء وكان الأمر لا يتعلق بالمادة 8 فيتم الرجوع إلى المحاكم العادية.
لد أفرد المشرع في القانون 41/90 لدعوى الإلغاء قواعد خاصة بها وافراد للنزاعات المتعلقة بالوضعية الفردية نصا خاصا بها دون أن يميز في النزاعات بين الرامية منها إلى إلغاء قرار إداري من غيرها بل جاء النص المتعلق بها عاما ومطلقا والعام يجب الأخذ به على إطلاقه حتى يقيد.

ألا يستنتج من هذا وذاك أن النزاعات المتعلقة بالوضعية الفردية للموظفين تدخل ضمن دعاوي القضاء الكامل ؟ وبالتالي يجب تفسير النص المتعلق بدعوى الإلغاء على أنه يتعلق بإلغاء قرارات السلطات الإدارية في غير الحالات التي تتعلق فيها تلك القرارات بالنزاعات المتعلقة بالوضعية الفردية. وبالتالي لا يكون هناك داعي للتفرقة بين ما إذا كانت المنازعات المذكورة تشكل قرارا إداريا قابلا للطعن بالإلغاء أم دعوى استحقاق أو تسوية في المرتبات والمكافآت خاصة وأن القاضي الإداري وهو يبث في النزاعات المتعلقة بالوضعية الفردية على هدي مما ذكر أعلاه حق إلغاء القرار ويحسم في الأمر بإصدار القرار الصحيح في الموضوع إذا طلب منه ذلك.

لقد حاول القضاء المصري التمييز بين الدعويين ـ مع التذكير باختلاف صياغة النص المصري عن النص المغربي ـ على أساس النظر إلى مصدر الحق الذاتي (المركز القانوني للموظف) فإذا كان مقررا مباشرة في قاعدة تنظيمية كقانون أو قرار تنظيمي كانت الدعوى من دعاوي الاستحقاق أو التسوية، وتكون بالتالي القرارات الصارة في هذا الشأن مجرد إجراءات تنفيذية أو أعمال مادية لا تسمو إلى مرتبة القرار الإداري، أما إذا استلزم الأمر صدور قرار إداري خاص يخول هذا المركز القانوني فإن الدعوى تكون من دعاوي الإلغاء.

يشير الدكتور سامي جمال الدين في كتابه (دعاوي التسوية ص 73 وما بعدها) إلى أن موضوع التسوية ليس الطعن في مشروعية إحدى القرارات الإدارية النهائية المتصلة بشؤون الموظفين. إنما هو نزاع ذو صبغة مالية بين الموظف وبين الإدارة يطلب منها إذا كان مدعيا تعديل مرتبه أو مكافأة وتسويته طبقا للقانون وتفصل محاكم مجلس الدولة في هذه المنازعات بما لها من ولاية القضاء الكامل، مقتضى ذلك أن يتحدد عمل القاضي بصدد دعاوى التسوية في أعمال حكم القانون على وقائع الدعوى والحكم بوضع الموظف في المركز القانوني الذي يترتب على ذلك، ومن تم تحديد حقوقه التي يستمدها من القانون سواء كانت مرتبا أو مكافأة.

وقد سايرت المحكمة العليا على نفس النهج إذا استقر قضاؤها على أن دعاوى التسوية تقوم على خصومة ذاتية ترمي إلى حماية حق شخص قبل من يعتدي أو يهدد بالاعتداء على هذا الحق.
إن هذا الاجتهاد أملته المادة العاشرة من قانون مجلس الدولة بشأن الطعون المتصلة بشؤون الموظفين العموميين إذ نصها كما يلي:

المادة 10 ـ تختص محاكم الدولة دون غيرها بالفصل في المسائل التالية:
* أولا:.........
* ثانيا: المنازعات الخاصة بالمرتبات والمعاشات والمكافآت المستحقة للموظفين العموميين أو لورثتهم.
* ثالثا: الطلبات التي يقدمها ذوو الشأن بالطعن في القرارات الإدارية النهائية الصادرة بالتعيين في الوظائف العامة أو الترقية أو بمنح العلاوات.
* رابعا: الطلبات التي يقدمها الموظفون العموميون بإلغاء القرارات الإدارية الصادرة بإحالتهم على المعاش أو الاستيداع أ فصلهم بغير الطريق التأديبي.
* تاسعا: الطلبات التي يقدمها الموظفون العموميون بإلغاء القرارات النهائية للسلطات التأديبية.
إن النص المغربي سواء في المادة 8 أو المادة 11 جاء عاما إذ نص على اختصاص المحاكم الإدارية في الأولى بالنزاعات المتعلقة بالوضعية الفردية للموظفين والعاملين في مرافق الدولة والجماعات المحلية والمؤسسات العمومية. وفي الثانية باختصاص محكمة الرباط الإدارية بالنزاعات المتعلقة بالوضعية الفردية للأشخاص المعينين بظهير أو مرسوم.
إذ المنازعات قد تكون في القرارات الإدارية أنو غيرها بحيث أن النص لم يميز بينهما.

بينما نص المادة العاشرة من قانون مجلس الدولة كما هي منصوص عليها أعلاه ميزت بين المنازعات الخاصة بالمرتبات والمعاشات والمكافآت المستحقة للموظفين العموميين وورثتهم المنصوص عليها في الفقرة ثانيا والتي تدخل ضمن ولاية القضاء الكامل وبين الطعون في القرارات الإدارية المنصوص عليها في الفقرات ثالثا ورابعا وتاسعا.
فما موقف المحاكم الإدارية المغربية من هذا الإشكال؟

باستقراء الأحكام القليلة الصادرة عن المحاكم الإدارية المغربية في هذا الشأن ومنها الحكم عدد : 2 الصادر عن المحكمة الإدارية بالرباط بتاريخ: 20/6/1994 بين بوشفر عامر ووزير التربية الوطنية والذي انتهى بعدم قبول الدعوى لوقوعها خارج الأجل المنصوص عليه في الفصل 23 من القانون 41/90 والحكم عدد: 12 الصادر عن نفس المحكمة بتاريخ: 27/6/1994 بين النصري محمد والسيد: وزير العدل والقاضي بإلغاء القرار التأديبي الصادر عن وزير العدل بإحالته على التقاعد الإجباري والحكم عدد: 23 الصادر عن نفس المحكمة بتاريخ: 11/7/1994 بين الرشيدي محمد والسيد: الخازن العام للمملكة والتي انتهت بعدم القبول لعدم وجود مقرر إداري.

الحكم رقم: 7 الصادر عن المحكمة الإدارية وجدة بتاريخ 14/9/1994 بين كرزازي محمد والسيد: رئيس المجلس البلدي لمدينة فجيج والذي انتهى بقبول الطعن شكلا لتوفره على شروط دعوى الإلغاء وبرفضه موضوعا.
ثم الحكم عدد: 8 الصادر عن نفس المحكمة بتاريخ 14/9/1994 بين هلو رشيدة ورئيس المجلس البلدي لمدينة فجيج بقبول الطعن شكلا لاستيفاء الشروط المنصوص عليها في الفصل 23 من القانون 41/90 وفي الموضع بإلغاء قرار التوبيخ الصادر عن رئيس المجلس البلدي لعدم احترام الفصل : 66 من ظهير: 24/2/1958.

والحكم الصادر عن المحكمة الإدارية بمكناس تحت رقم: 14 الصادر بتاريخ: 29/12/1994 بين البغدادي إدريس والمدير العام للمكتب الوطني للبريد والمواصلات والقاضي في الشكل: بقبول الطلب لاستيفائه شروط دعوى الإلغاء وفي الموضوع: برفضه لكون الترقية تتم بالاختيار ولم يثبت أن الإدارة انحرفت في استعمال سلطتها التقديرية كأن تكون الإدارة مثلا قد خرقت مبدأ مساواة الموظفين.

والحكم رقم: 15 الصادر عن نفس المحكمة بتاريخ: 29/12/1994 بين المحمدي عبد القادر العلوي ووزير السكنى والقاضي بعدم قبول طلب المدعي الرامي إلى إرجاعه إلى عمله بعدما كيفته بطلب إلغاء قرار الفصل عن العمل وذلك لتقديمه خارج الأجل المنصوص عليه في الفصل عن العمل وذلك لتقديمه خارج الأجل المنصوص عليه في الفصل: 23 من القانون 41/90 وبسقوط حقه في المطالبة بالراتب لتقادمه.

يتبين من هذه الأحكام كلها أن المحاكم الإدارية المغربية سارت في نفس الاتجاه الذي سلكه القضاء المصري بالتمييز بين النزاعات التي تنصب على إلغاء قرار إداري حيث تشترط لقبول هذه الدعاوى توافر شروط الإلغاء بينما في دعاوى الاستحقاق المتعلقة بالرواتب والمكافآت لا تتطلب تلك الشروط.

إن اعتناق المحاكم لهذه النظرية سيطرح عدة تساؤلات حول الأسباب التي يمكن اعتمادها من طرف الطاعن لإلغاء قرار متعلق بالوضعية فحسب هذا الاتجاه يجب أن يكون القرار قد صدر من جهة مختصة أو لعيب في شكله أو لانحراف في السلطة أو لانعدام التعليل أو لمخالفة القانون حتى حق للمتضرر الطعن فيه أمام الجهة القضائية المختصة.

وما موقف هذه المحاكم عندما يطلب منها عند الطعن بإلغاء إحدى قرارات مجالس التأديب استنادا إلى نظرية الخطأ الفادح في تقدير الوقائع (حسب النظرية المعتمدة من قبل مجلس الدولة الفرنسي) أو نظرية الغلو في تقدير الجزاء التأديبي بالنظر لأهمية الذئب المرتكب وتوقيع جزاء أخف.

إن الطعن في هذه الحالة لا يرمي إلى إلغاء المقرر استنادا إلى عيب من العيوب المنصوص عليها في الفصل: 23 من القانون 41/90 ولا يجادل الطاعن في ارتكاب المخالفة التأديبية إنما يجادل في الجزاء الموقع عليه ويعتبره غير متناسب مع المخالفة المرتكبة ويطلب إلغاء القرار فيما يتعلق بالجزاء وتوقيع جزاء أخف يتلاءم مع خطورة الذنب المقترف. أتتصدى المحكمة بعد إلغاء المقرر إلى تحديد الجزاء المستحق أم تكتفي بإلغاء القرار لتعود الإدارة إلى تقدير الوقائع من جديد وإصدار الجزاء الملائم الذي يمكن للمعنى بالأمر الطعن فيه من جديد لتستمر المساطر القضائية بالنسبة لنفس الوقائع إلى ما لا نهاية؟ أم ستثير في معرض حكمها إلى الجزاء الذي يتلاءم ثم مع الذنب المرتكب ؟

إن القضاء المصري وبالرغم من النص الصريح في الفقرة تاسعا من المادة 10 من قانون مجلس الدولة على أن الطعون التي يقدمها الموظفون العموميون بإلغاء القرارات النهائية للسلطات التأديبية تدهل ضمن دعوى الإلغاء، فقد ذهبت المحكمة العليا من خلال نظرية الغلو إلى أبعد الحدود، إذ لم تقتصر على مجرد إلغاء الجزاء التأديبي المطعون فيه كما تقضي بذلك قواعد الرقابة على المشروعية في تحديد نطاق هذه الرقابة وإنما قامت بتعديل هذا الجزاء على النحو الذي يجعله ملائما للذنب الذي صدر على أساسه، وتطبيقا لذلك ذهبت إلى القول " ولما كانت المخالفة التي ارتكبها الطاعن لم تبلغ من الجسامة أو الخطر الحد الذي يقتضي معاقبته بجزاء الفصل من الخدمة، لذلك يكون القرار المطعون فيه قد خالف القانون لتجاوزه حد المشروعية في تقدير الجزاء الذي قضى به، ومن تم يتعين إلغاؤه والحكم بمجازات الطاعن بخصم عشرة من مرتبه وهو الجزاء الذي قدرت هذه المحكمة ملاءمته بخطورة الذنب الإداري الذي ارتكبه". (حكم المحكمة الإدارية العليا في: 8/9/1973 قرار 18 سنة: 16 مجموعة السنة التاسعة عشر صفحة 42 مشار إليه في الصفحة 323 من كتاب الرقابة القضائية على ملائمة القرارات الإدارية لمؤلفه الدكتور: ثروت عبد العال أحمد.



0 التعليقات:

Post a Comment