للاستاذ : ع. بودهرين
تعريب الاستاذة زينب ادريسية حمزي
دكتورة في الحقوق محامية بهيئة البيضاء
مقدمة :
ان المغرب، وكدول اخرى مماثلة، يمر بعدة تحولات في مجالات متعددة.وهو مجبرعلى مواجهتها لكي لا يبقى دائما وراء الدول والشعوب المتقدمة.ومن اجل ذلك، يجب عليه، وقبل اي شيء، اعادة تقويم امكانياته البشرية و ذلك بتعليم ساكنته وتكوينها تكوينا جيدا خاصة في المجال القانوني بكل مكوناته وفروعه .
فالعنصر البشري هو الاداة الفعالة التي بواسطتها تستطيع الدولة الانطلاق في ركب التقدم، فكل تقدم له يؤدي بالضرورة الى تقدم البلاد ككل. وهذا ما تعترف وتصرح به الحكومات في اكثر من مناسبة .
والقانون هو الوسيلة الانجع لتاطير وتحسين سلوكات و تصرفات الانسان وسلوك المجتمع المدني ككل منذ القدم. فالانسان انشغل دائما بتكوين مفاهيم ووضع مبادئ قانونية وتطويرها لكي تتماشى مع احتياجاته واسلوب عيشه .
ان دور الوظائف القانونية، التي تعتبر جزءا لا يتجزا من المجتمع المدني، ليس الانتقاص او التقليل من المشاركة الشعبية في المسائل العمومية في كل مجالات النشاط البشري، وانما هو الارتقاء الى المستوى الملائم والمشرف على مستوى الامم والشعوب .
لكن، اذا تفحصنا بعض المشاكل المطروحة، وراينا محاولات الحلول المقترحة لها ، فاننا سوف نشك في رغبة البعض الحقيقية في سد الفجوات ورفع التحديات الموجودة في مجال التكوين القانوني في مجتمع سائر في طريق النمو في نهاية الالفية الحالية .
وهذا ما يستنتج من التقديرات الوجيزة للوظائف القانونية (1) ومن المنازعات المدنية(2)، ومن التكوين القانوني لبلد يتفاخر بكونه " بارزا" (3) .
I- الوظائف القانونية :
1- ان مشكل الاحصائيات يطرح بالحاح في المغرب، سواء على مستوى امكانية اشتغاله في ظل الظروف الحالية، او على مستوى نشره في منشورات عامة او خاصة، وخاصة فيما يخص الوظائف القانونية والقضائية .
كذلك، اليس من الممكن تقدير، ولو على وجه التقريب، فعالية قضاة المحكمة، الوزارة العمومية وقضاة محاكم الجماعات او المقاطعات ( قضاة محليين مختارين موزعين على حوالي 800 محكمة)، وكذلك محترفي المجال القانوني وممثليه كالمستشارين القانونيين والماليين (غير منظمين ويعملون في اطار " شركات المحاسبة"، الموثقين، العدول ( موثقين في مجال القانون الاسلامي)، والوكلاء ( يعملون في الدفاع في اطار القانون الاسلامي وهم في طريق الاندثار) الخبراء " القضائيين"، ويمكن ان نضيف اليهم كذلك كتاب الضبط والمنتدبين القضائيين، بالاضافة الى ذلك، نشير ايضا الى عدد المحامين الذي يصل الى حوالي 5 الاف محامي ( نصفهم يوجد في الدار البيضاء) وهذا وسط ساكنة يصل عددها الى حوالي 27 مليون نسمة في سنة 1998 .
من هنا نجد بانه من الصعب وضع جدول يعالج تطور الارقام المتعلقة بتلك الوظائف منذ بداية القرن، والمتعلقة ايضا بالنزاعات المدنية هذه المعلومات كان من الواجب ان تتواجد في القسم الحكومي المكلف بالعدالة الرسمية، لكن من الملاحظ ان جهازها الاحصائي ليس بالجودة المطلوبة، ذلك ان استعمال الحاسوب لازال في طور التجربة ويتوقف على المعطيات التي تنقل اليه بصفة غير منتظمة من طرف مختلف الاجهزة القضائية في البلاد .
II- المنازعات
2- هنا ايضا، ولنفس الاسباب السالفة الذكر، من الصعب معرفة العدد الاجمالي للقضايا والمنازعات المدنية المعروضة على المحاكم، وحتى القرارات القضائية المهمة لا يتم نشرها بانتظام اذ يجب انتظار الاحتفال بالذكرى الاربعينية لتاسيس المجلس الاعلى 1957-1997 لكي يتم اصدار ستة اجزاء من الاجتهاد القضائي لهذه الهيئة القضائية العليا حسب المواد ( من ضمنها الجنائي والاداري ) .
وهناك اصدار اخر للاجتهادات القضائية للمجلس الاعلى والتي تصدر بصفة غير منتظمة منذ 1970، لكن تم توقيفها بعد صدور عددها 46 في سنة 1991 لتعود للظهور مرة اخرى لكنها لم تصل الا للعدد 49-50 في يوليوز 1997 .
اما بخصوص المنازعات والقضايا المدنية، سواء التي تتوقف في بدايتها او التي تتطور، فهي متعلقة اساسا بالكراء، القضايا العقارية، القضايا التجارية، وكذلك قضايا التعويضات لضحايا حوادث السير ( سواء للضحايا انفسهم او لاقاربهم) .
لكن، وفي اطار النظر في القضايا امام المحاكم، لا يمكن الاسراع الا بالقضايا المدنية المنحرفة، لان الهيئة القضائية تعرف اكتظاظا ملحوظا مع تزايد عدد المتقاضين، وذلك راجع لاعتبارات النمو الديمغرافي الذي تعرفه البلاد وكذلك لان التحكيم والوسائل اللاقضائية في حل النزاعات لا يتم اللجوء اليها الا نادرا .
فرغم ازدحام المحاكم بكل درجاتها بالقضايا والبطء الذي تعرفه المساطر فان كل ذلك لا يشجع المتقاضين على استعمال ممارسات قضائية بديلة .
III- التكوين القانوني :
3- توجد حاليا 14 جامعة مع 11 كلية للحقوق، من ضمنها 3 كليات لم يبدا العمل فيها بعد ( كلية بن مسيك سيدي عثمان بالدار البيضاء، كلية سلا، وكلية سطات)، فقد يبدا العمل بها ابتداء من سنة المقبلة (1998-1999) تلك كلها كليات عمومية يتراسها وزير التعليم العالي والابحاث العلمية وتكوين الاطر.
بالاضافة الى ذلك هناك كلية الشريعة التي توجد بفاس، وهي تابعة لجامعة القرويين، وجامعة الاخوين بافران، لكن هذه الاخيرة تتميز بنوع خاص لانها تلقن دروسها باللغة الانجليزية فقط. هذا بالاضافة الى انها لا تكون رجال قانون، بل ان التكوين القانوني فيها هو ضمن تخصصات اخرى. ان هذه جامعة تم انشاؤها بمبادرة ثنائية بين العاهل المغربي ونظيره السعودي .
عكس ذلك، فان جامعة القرويين لا تلقن دروسها الا باللغة العربية .
وفي الجامعات الاخرى التي تضم كليات العلوم القانونية والاقتصادية والاجتماعية، فان التخصص في القانون لغة فرنسية هو قليل مقارنة مع نظيره باللغة العربية، وحتى الطلبة المتجهين اليه يكون عددهم قليلا .
والى جانب تلك الكليات العمومية التي تعنى بالتكوين القانوني، هناك مدارس ومعاهد تنتمي الى وزارات اخرى، يكون التكوين فيها متخصصا. ونذكر منها على الخصوص : المدرسة الوطنية للادارة العمومية، والمعهد العالي للتجارة وادارة المقاولات، لكن فقط الاولى هي التي تعنى بتكوين رجال القانون .
وهناك مدرسة عليا لتكوين الاطر مرتبطة بوزارة الداخلية تعنى بتكوين رجال السلطة ( التكوين القانوني) مثل الوالي والعامل في الولايات والعمالات .
4- توجد كذلك مدارس خاصة للدراسات العليا وعددها وصل الى 63 في سنة 1996 - 1997. لكن هذه المؤسسات لا تؤمن الا تكوينا قانونيا تكميليا، لان مجال الدراسة فيها هو الادارة والتجارة والاعلاميات ونشاطات اخرى او مواد من هذا القبيل .
كما ان الدولة، ومنذ وقت قصير، بدات تخلق مدارس عليا للتجارة. الا انه، ورغم تصريح وزير التعليم العالي في شتنبر 1996، فان انتظار الاعتراف الرسمي بمساواة شهادات هاته المؤسسات مع الشواهد العمومية مازال قائما .
5- لم يتم تحديد العدد الفعلي لطلبة كلية الحقوق. كل ما تم التصريح به هو ان عدد هؤلاء الطلبة ( في كل التخصصات) انتقل من 250 طالب سنة 1960 الى 300 الف سنة 1998 .
كذلك، وفي مجال الدراسات، فان الفترة ما بين 1982 و1995 عرفت تزايدا سريعا في عدد طلبة كلية العلوم القانونية والاقتصادية والاجتماعية بنسبة تترواح بين 13% و14% في المتوسط .
اما بخصوص عدد الطلبة في مدارس ومعاهد تكوين الاطر ( سواء الخاصة او العمومية) فانه وصل الى 26 الف سنة 1995-1996، من بينهم 9750 طالب من مدارس القطاع الخاص او من مؤسسات لا تنتمي الى وزارة التربية الوطنية .
وهناك ارقام حديثة لسنة 1996-1997، تدل على ان عدد الطلبة في مؤسسات التعليم العالي الخاص وصل الى 8640، مع الاشارة الى ان معدل النمو السنوي لهذه المؤسسات 80 % منها تتمركز في مدينتي الدار البيضاء والرباط) هو تقريبا مرتين اكبر من معدل نمو الطلبة .
6- في المقابل، لا نجد احصائيات متعلقة بالطلبة الذين يتابعون تكوينا اضافيا مخصصا لقضاة المحاكم. اذ نشير في هذا الاطار انهم يلجون المعهد القضائي عبر مباراة وبمجرد ما يتم قبولهم فانهم ياخذون اسم " ملحقين قضائيين" في انتظار انتهاء مدة تكوينهم والتي تستمر لمدة سنتين .
ان تكوينهم يضم بالضرورة :
سلك الدراسات والاعمال التطبيقية في المعهد الوطني للدراسات القضائية ( يوجد في الرباط وهو تابع لوزارة العدل)، وهذا السلك مدته سنة واحدة ( عوض خمسة اشهر كما كان مقررا في السابق)، وهو مخصص اساسا لتامين تكوين مهني للقضاة بواسطة دروس معمقة وخاصة .
تكوين اضافي مدته سنة ينجز في محاكم الاستئناف ومحاكم الدرجة الاولى والادارات المركزية والمصالح الخارجية وبعض المؤسسات المحلية والشركات سواء كانت عمومية او خاصة. وقد كان هذا التكوين محدودا في 4 اشهر في السابق عوض سنة وفي بعض المؤسسات فقط دون غيرها. كذلك، فان هؤلاء الملحقين القضائيين يمكنهم الحضور والمشاركة في جلسات المحاكم بكل درجات سواء المدنية، الجنائية او الادارية وفي مداولاتها. لذلك فهم مجبرين على كتمان السر المهني، وارتداء البذلة اثناء الجلسات .
كما ان تخرجهم كقضاة رسميين يتم بواسطة ظهير ملكي .
وكيفما كان الحال، فان هذا التكوين يظل غير كاف وغير متكافئ. والدليل على ذلك هو ان القضاة الذين سيعلمون في المحاكم التجارية الجديدة او المحاكم الادارية سوف يتابعون تكوينهم المتخصص في فرنسا للذين يجيدون منهم اللغة الفرنسية او في مصر، وذلك بمقتضى اتفاقيات التعاون المشترك المبرمة بين المغرب وكل من فرنسا ومصر .
كذلك، فان المدرسة الوطنية للادارة العمومية تؤمن ( ومنذ وقت ليس بكبير) تكوين قضاة المجلس الاعلى للحسابات .
اما بالنسبة للمحاميين، فاذا كان القانون الجديد الصادر في شتنبر 1993 والمتعلق بمهنتهم قضى بانشاء مراكز جهوية للتكوين، الا ان ذلك لم ير النور بعد .
كذلك. وبعد قبول المتبارين لممارسة هذه المهنة، الحاملين لاجازة في الحقوق شعبة القانون الخاص او لشهادة معادلة، فانهم يقومون بتمرين مدته 3 سنوات. وهم ملزمون بمجرد اداء القسم بما يلي :
عمل دائم في مكتب احد المحامين الذي يسهر على تكوينهم .
الحضور في الجلسات .
الحضور المنتظم في اجتماعات المحامين المتدربين، كما كان الحال عليه في ظل النظام السابق ( قانون 1968 و1979 ) .
لكن هؤلاء المحامون المتدربون لا يمكنهم الحضور او تمثيل الاطراف امام القضاء الجنائي عوض اساتذتهم، كما لا يمكنهم التقاضي امام محكمة الاستئناف طيلة السنة الاولى من تكوينهم. كذلك لا يمكنهم التقاضي باسمهم الخاص الا في اطار المساعدة القضائية .
وفي نهاية فترة التكوين، يكون عليهم اجتياز المباراة بتفوق، بعد ذلك يصبحون محامين رسميين. اما في حالة الرسوب، فان بعضهم يمكنه الاستفادة من تمرين اضافي لمدة سنة اخرى والا فلن يستطيع الانضمام الى لائحة المتمرنين في هيئة المحامين سواء تلك المسجل فيها او غيرها .
اما بخصوص شهادة ممارسة مهنة المحاماة فانها تكون منظمة على الصعيد الوطني بتعاون بين وزارة العدل وهيئة المحامين بالمغرب .
وبخلاف المحامين، فان الملحقين القضائيين الذين لم يتفوقوا في امتحان نهاية التمرين اما ان يتم فصلهم او ارجاعهم الى مقر ادارتهم اذا كانوا موظفين سابقين .
اما بخصوص رجال التوثيق، فهم منظمين بظهير 4 ماي 1925، والذي ينتظر دائما تجديده، وهم يمرون بتمرين مدته سنتين او ثلاثة سنوات في مكتب احد الموثقين، ويبدو انهم لا يقومون باجتياز امتحان نهاية التمرين او على الاقل فالنتائج لا تكون منشورة .
ونفس الشيء بالنسبة للعدول ( موثقين في القانون الاسلامي) والمنتدبين القضائيين .
اما بالنسبة للمستشارين القانونيين والماليين، فان مهنتهم ليست منظمة، اذ يكفي الحصول على تصريح اداري من اجل ممارسة المهنة ( تصريح من وزارة العدل والادارة المالية والمحلية). وتكوينهم القانوني العام يكون معززا باجازة في الحقوق او شهادة معادلة. كما ان بعض اساتذة السلك العالي، رغم ان ذلك ممنوع قانونيا، يتعاطون لهذه المهنة بحكم خبرتهم في هذا المجال. والى جانبهم نجد كذلك مسيري بعض المؤسسات القانونية الذين لا يتوفرون على اية شهادة لدراسة القانون وكل ما لديهم هو خبرتهم التي اكتسبوها بالممارسة الدائمة.
كذلك فان التخصص لدى هؤلاء ليس ضروريا كما هو الحال بالنسبة للمهن القانونية والقضائية المنظمة (القضاء والمحاماة خصوصا ) .
وعموما، فقط الدراسات القانونية العامة هي التي تلقن في الجامعات وفي المدارس والمعاهد والمؤسسات المسماة متخصصة، لانه بالنسبة لهذه الاخيرة فان القانون هو دراسة مكملة وثانوية مقارنة مع الدراسات الاخرى كالتجارة والاعلاميات مثلا .
7- من اجل الحصول على اجازة في الحقوق او اجازة في الشريعة او شهادة معادلة كتلك التي يسلمها المعهد العالي للتجارة وادارة المقاولات، فان مدة الدراسة هي اربع سنوات منقسمة الى سلكين، اما السلك الثالث فان مدة الدراسة فيه هي سنتين استعدادا لنيل دكتوراه الدولة .
8- بالنسبة لدراسات السلك العادي لنيل الاجازة في الحقوق، فيجب التمييز بين القانون الخاص والقانون العام. هذا التخصص الذي لا يتم الا في نهاية السنة الثانية من السلك الاول .
ففي السنة الاولى من السلك الاول، تدرس المواد التالية :
المدخل لدراسة القانون، العلاقات الدولية، المدخل لدراسة الشريعة، تاريخ المؤسسات والوقائع الاجتماعية، الاقتصاد السياسي، ثم المصطلحات القانونية .
اما في السنة الثانية من نفس السلك، فتدرس المواد التالية :
القانون المدني، القانون الاداري والعلوم الادارية، القانون الجنائي العام، مدونة الاحوال الشخصية، واخيرا الاقتصاد السياسي .
اذن فالتخصص، اي اعطاء دروس في القانون الخاص او القانون العام، لا يكون الا في السلك الثاني ( اي السنة الثالثة والرابعة ) .
اذن، ففي القانون العام، فان المواد التي تدرس في السنة الاولى من السلك الثاني هي كالتالي :
القانون الدولي العام، تاريخ الافكار السياسية، القانون الاداري، القانون الاجتماعي، المالية العامة، ثم المصطلحات القانونية .
اما في السنة الثانية من السلك الثاني فتدرس المواد التالية :
خدمات الاجتماعية العامة، القانون الاقتصادي الدولي، منهجية المؤسسات الدولية، المنهج السياسي للدول السائرة في طريق النمو، العلاقات الدولية المغربية، ثم القانون الدولي الخاص وعلم المنهج .
اما بخصوص القانون الخاص، فان المواد المدرسة في السنة الاولى من السلك الثاني فهي كالتالي :
القانون الاجتماعي، القانون المدني، القانون التجاري، الشريعة الاسلامية، المالية العامة، علم الاجرام، القانون الجنائي الخاص، المؤسسات العمومية والمصطلحات القانونية .
وفي السنة الثانية، تدرس المواد التالية :
القانون المدني، علم المواريث، القانون القضائي الخاص، القانون التجاري، المسطرة الجنائية، القانون البحري او قانون التامين والمصطلحات القانونية .
وفي اطار هذه المواد، فانه لا يتم تدريس القانون المقارن الا نادرا، فالمسالة تبقى اختيارية بالنسبة للاستاذ الذي يمكن ان يعطي توضيحات مقارنة اولا، وذلك حسب رغبته. وحتى اذا اختار ذلك فانه يرجع غالبا الى القانون الفرنسي، الذي له تاثير كبير على القانون المغربي، او الى القانون المصري بالنسبة لشعبة اللغة العربية .
في بعض الاحيان، وعلى مستوى السلك الثالث، فانه يتم تدريس القانون المقارن في السنة الاولى من دبلوم الدراسات العليا كمادة مستقلة .
وكما نلاحظ، لا توجد اية مادة، حتى على مستوى السلك الثالث، تعنى بدارسة التحكيم، الوسائل الاختيارية لفض النزاعات الدولية، علم الاخلاق، المعلوميات القانونية او قانون المعلوميات. وحتى مؤسسات التعليم العالي الخاصة والتي تعطي دروسا في المعلوميات، فانها لا تهتم كثيرا بالجانب القانوني لهذه " التكنولوجية الجديدة" .
وبالنسبة للتحكيم، فانه من النادر اقحامه في دروس القانون القضائي الخاص. ولا توجد اية مؤسسة او مركز متخصص يؤمن تكوينا جيدا في هذه المادة. ما عدا الجمعية المغربية لغرفة التجارة الدولية وبعض هيئات المحامين ( كما في الدار البيضاء ومكناس) التي نظمت اياما دراسية في هذا الموضوع .
عموما، وكما تمت الاشارة الى ذلك سابقا، يمكننا القول بانه لا توجد دراسات متخصصة بالمعنى الصحيح في مجال القانون، باستثناء التفريق الاداري بين القانون الخاص والقانون العام ابتداء من السنة الثالثة من الدراسة الجامعية في كلية الحقوق .
خلال مدة الدراسة في السلك الثالث تخصص قانون خاص، فانه يتم تدريس القانون المدني ( او قانون الاشخاص) في السنة الاولى. اما في السنة الثانية، فيتم تدريس قانون الاعمال، مع بعض الخصوصيات المتعلقة باستاذ المادة .
9- ان اساليب التدريس تبقى تقليدية، اذا لم نقل ضاربة في القدم. واذا كانت المواظبة والانضباط سواء بالنسبة لسنوات الاجازة وبالنسبة لسنتي السلك الثالث، فان هذه الصفة لا تحترم من طرف الطلبة كما ل اتراقب من طرف الادارة .
ونظرا لوفرة وكثرة عدد الطلبة في شعبة القانون لغة عربية، كما سبق الذكر، فان الدروس تعطى في مدرجات خاصة بالنسبة للسلك الاول. كما انه يمكن ان تدرس المادة الواحدة بواسطة استاذ المادة وبمساعدة اساتذة مساعدين غالبا ما يكونون حاصلين على دبلوم الدراسات العليا .
هذا بالاضافة الى ان بعض الاساتذة يقومون بطبع محاضراتهم على شكل مطابع او مراجع، بخلاف البعض الاخر الذي يفضل املاء المحاضرات على الطلبة مع ما يخلف ذلك من سلبيات .
اما بخصوص الاعمال التوجيهية، والتي غالبا ما يقوم بتدريسها اساتذة مساعدين، فانها لا تكون الا في بعض المواد التي تعتبر اساسية ويكون الامتحان فيها كتابيا وعددها ثلاثة مواد .
لكن ومع التكوين الضعيف وغير المتخصص لهؤلاء الاساتذة المساعدين، فانه يمكننا ان نشك بان هذه الدروس يجنى من ورائها فائدة، رغم انها تنصب فقط على التعليق على القرارات القضائية وعلى المسائل التطبيقية. بالاضافة الى ذلك، فان مسالة تكليف طالب او طالبان باعداد بحث وعرضه تبقى مسالة نادرة التطبيق، وحتى اذا طبقت فانها لا تكون بالمستوى المطلوب. كما ان الطلبة غير متعودين على المشاركة الفعالة في مناقشة المحاضرات، وذلك راجع بالاساس الى سلبيتهم التي تعودوا عليها، وكذلك لكونهم لم يقوموا بتحضير الدروس قبل الدخول الى المدرجات. وهذا ما نلاحظه حتى بالنسبة لطلبة السلك الثالث، مما يطرح لهم مشاكل عديدة عندما يريدون انجاز بحثهم ( بحث الاجازة ورسالة الدكتوراه ) .\
بالاضافة الى ذلك، واذا ما استثنيا التمرينات القصيرة المدة في الاعلاميات عندما تكون مؤسسة التعليم العالي مجهزة بالتجهيزات الضرورية والكافية، فان استعمال التقنيات السمعية البصرية وتقنيات الاعلاميات يكون ضعيفا ونادرا .
وهذا هو الحال كذلك بالنسبة للاساتذة الذين يكتفون باملاء محاضراتهم وهم مجردين من كل الوسائل التقنية التي يتطلبها التكوين الضروري لهذا الغرض .
10- في اطار التعاون الثقافي بين المغرب وبعض الدول الافريقية الفرانكفونية، فان بعض الطلبة الاجانب يتم قبولهم لمتابعة دراستهم في سنوات الاجازة وكذلك السلك الثالث في كليات الحقوق وبعض المعاهد العمومية، ولكن دون اخذ بالاعتبار لخصوصيتهم. ذلك ان الدروس التي تلقن لهم هي نفسها التي تلقن الطلبة المغاربة والتي تنصب على القانون المغربي. كما نجد كذلك طلبة اجانب في مؤسسات التعليم العالي الخصوصية، سواء كانوا يتوفرون على منحة من بلادهم ام يدرسون على حسابهم الخاص .
وحسب بعض المصادر الرسمية المغربية، فان عددهم وصل الى اربعة الاف في يونيو 1995 في كل مجالات الدراسة المتعددة .
واخيرا فان بعض معاهد او مدارس التعليم العالي الخاصة تقوم بالاخبار، بواسطة اوراق اشهارية، بانها عقدت اتفاقيات مع جامعات اجنبية وذلك من اجل اعطاء دروس الى الطلبة المغاربة بنفس منهجية وظروف تلك المؤسسات الاجنبية، او بانه يمكنهم دراسات السلك الثالث في تلك الدول .
11- ان السلطات العمومية عموما، والمسؤولين على الجامعات المغربية خصوصا، لم يلبثوا يعظمون ويشيرون في كل مناسبة الى فتح مؤسساتهم على المقاولات والفاعلين الاقتصاديين توقعا لمعادلة ضعيفة وهشة وهي التكوين من اجل التشغيل .
بعيدا على ذلك، وبخلاف هيئات المحامين التي تكون مجبرة، بواسطة النصوص المنظمة لهذه المهنة، على مراقبة تكوين المحامين المتدربين وتنظيم نشاطهم مع وزارة العدل من اجل امتحان نهاية التمرين، فان المهن القانونية الاخرى ليس لها اي تاثير على الدروس الملقاة في المؤسسات الجامعية بكل انواعها، وحتى بالنسبة للمحاماة، فلا يمكننا الحديث عن مراقبة هيئاتها المهنية للدروس والمعلومات المعطاة في الجامعة .
اذن فلا يوجد اي رابط سواء تاسيسي او اتفاقي، بين الجامعة والمهن القانونية، لا بالنسبة للمحاماة ولا بالنسبة للقضاء ولا حتى بالنسبة للتوثيق او غيرها .
12- بالنسبة للتنظيم المتعلق بالاساتذة الباحثين، فان هؤلاء ملزمون بعدم شغل اي منصب اخر غير التدريس والبحث. ولا يمكن السماح لهم بممارسة نشاطات اخرى متعلقة بنشاطهم الاساسي الا استثنائيا .
كذلك فان المقتضيات التنظيمية تدخل في صراع مع القانون المنظم لمهنة المحاماة، لان هذا الاخير يسمح بالجمع بين ممارسة هذه المهنة ومهنة التدريس. لان ذلك من شانه ان يفيد الطلبة الذين هم بدورهم غالبا ما يتوجهون بعد تخرجهم الى مجال المحاماة او القضاء، خاصة بالنسبة للطلبة الحاصلين على الاجازة في القانون لغة عربية الذين يجدون صعوبة لايجاد منصب في شركات القطاع الخاص .
كما ان وضعية العاطلين اصحاب الشواهد، ومن بينها شهادات كليات الحقوق، اصبحت متزايدة ومعروفة بشكل رسمي .
فرغم وجود نص التشريعي الذي يحيل على النص التنظيمي المتعلق بالاساتذة الباحثين، فيجب انتظار بعض الاحكام الفاصلة الصادرة خاصة من محكمة النقض من اجل حل المسالة قضائيا .
وبالفعل، فان هناك الكثير من الاساتذة الباحثين الذين يتوفرون على مكاتب للاستشارات القانونية او الذين يعملون داخل شركات خاصة. واحيانا تكون تلك الشركات في ملكهم الخاص. وهناك اخرون يشغلون مناصب في ادارات عمومية لا تكون لها اية علاقة من اي نوع مع التدريس والبحث .
واذا كان اساتذة القانون يشتكون من قلة الحوافز والرواتب، فان القيمة الاخلاقية لمهنتهم لا تؤخذ بعين بالاعتبار .
13- اما تزايد ظاهرة البطالة في صفوف حاملي الشهادات، سواء في مجال القانون او الاداب او العلوم، والتي تترجم فشل السياسة الحكومية في مادة التربية الوطنية وخاصة التعليم العالي، فان عهد احداث اصلاحات جذرية في مجال التعليم بكل درجاته قد حل .
ففي سنة 1994، وبمبادرة من صاحب الجلالة، تكونت لجنة وطنية اولى في اجل الاطلاع على شتى المجالات التي يعرفها قطاع الشغل، الذي يبتلع الثلث او على الاقل الربع من الميزانية العامة للدولة. لكن خلاصات هذه اللجنة لم تقنع جلالة الملك الذي امر في ابريل 1996 بتكوين لجنة مماثلة سميت " مجموعة التامل والتفكير"، والتي لازال انتظار نتائج عملها واقتراحاتها قائما .
وللاضافة، فان المبادرة الملكية جاءت كرد فعل للتقرير الذي قام به البنك العالمي والذي انصب في سنة 1995 على الادارة، التعليم والعدل، والذي نادى بمراجعة جذرية لهاته المجالات. ومن اجل ذلك، فقد امر العاهل المغربي بان مجانية التعليم سوف لن تقتصر الا على التعليم الاساسي وعلى الطبقات الفقيرة من الشعب المغربي .
ومن اجل التخفيف من الحمل الثقيل الذي يرهق كاهل الدولة، فان السلطات العمومية راهنت على التعليم العالي الخاص وعلى التكوين المهني .
كما ان سياسية الاصلاحات بدات بالسلك الثالث في كل مجالاته بما في ذلك مجال القانون. من اجل ذلك، فان نظام الدارسة والامتحانات من اجل الحصول على دبلوم الدراسات العليا المعمقة ودبلوم الدراسات العليا المتخصصة، وكذلك ظروف وطرق التفويض للمؤسسات الجامعية من اجل تامين تهيئ وتسليم تلك الشواهد، اصبح منظما بطريقة تنظيمية ابتداء من فبراير 1997، والنص الخاص بذلك تم نشره في نفس الشهر .
لكن بمبادرة عرفية من طرف السلطات العمومية، فان اعادة تنظيم هذا المجال سوف تكون في اكتوبر 1997
( حسب ما نشر في الجريدة الرسمية في نونبر 1997 ) .
وهذا ما يفسر تاجيل بداية الدراسة في كليات القانون الى شهر مارس 1998. مختصرا بذلك السنة الدراسية بالنسبة للطلبة المحظوظين الذين تم قبولهم لمتابعة دراستهم من اجل الحصول على دبلوم الدراسات العليا المعمقة، اما دبلوم الدراسات العليا المتخصصة، فانه لم يتم تهييؤه بعد .
14- في ظل هاته الظروف، وكما تم الاشارة الى ذلك سابقا، فان السمة التقليدية للدراسات القانونية لم يتم تغييرها بالشكل المطلوب والملائم. ذلك ان العقليات والعادات المترسخة، سواء عند الاساتذة او عند السلطات العمومية او حتى عند الطلبة، ليست على استعداد لتقبل فتح المجال لاصلاحات جذرية في هذا المجال .
ومن اجل تطبيق الاصلاحات التي مست السلك الثالث، فان مبدا العدالة والمساواة لم يتم الاهتمام به بالشكل المطلوب، بل يمكن انه الغي تماما، لانه وضع حواجز تعجيزية بالنسبة للطلبة الراغبين في اتمام دراساتهم العليا، دون وضع اي اعتبار لهزالة التكوين الذي تم تلقيه طيلة سنوات الدراسة الجامعية. فقد كان الهدف هو تكوين " نخبة" من الطلبة المتفوقين، ولكن تم تجاهل مبدا مهم وهو مبدا تكافؤ الفرص امام الطلبة .
من جهة اخرى، فان الدراسات القانونية لا تاخذ يعين الاعتبار، الا بشكل قليل جدا، النتائج السلبية عموما للعولمة المكتسحة وخصوصا لاجمالية عالم الاعمال .
فقط هناك بعض مؤسسات التعليم العالي الخاصة التي تقوم، ومن اجل جلب اكبر عدد ممكن من الطلبة، بتدريس مواد متعلقة بالادارة وما يشابهها من اجل الاستجابة لمتطلبات المقاولات الخاصة او تلك التي تم خوصصتها. وفي هذا المجال، يمكننا الاشارة الى ان المعهد العالي للتجارة وادارة المقاولات التابع لوزارة التجارة قام بانشاء سلك عالي للتجارة الخارجية والذي تم ادخال دراسات قانونية فيه، وذلك في ماي 1996 .
كما ان العاهل المغربي في احدى خطاباته، شجع الطلبة المغاربة على التخصص في مادة قانون الاعمال والقانون التجاري الدولي، خاصة اذا تابعوا دراستهم في امريكا الشمالية ( الولايات المتحدة الامريكية وكندا) او في اروبا الغربية وذلك باعتبار العلاقات الاقتصادية المغربية الدولية .
15- في الوقت الراهن، فان المهن القانونية كالمحاماة والقضاء على الخصوص تبقى متسمة بتكوين كلاسيكي متجاوز. كما ان مسالة اصلاحها تبقى غير متماشية مع التطورات الاقتصادية والمالية التي يعرفها العالم حاليا.
وحتى مع الاصلاح الحالي لنيل شهادة الدكتوراه، فان احتمال تكوين دكاترة الغد تكوينا متطورا ومتماشيا مع التقدم الحاصل في العالم باسره يبقى قليلا .
ورغم ان المحامون يحتكرون وحدهم مسالة التمثيل امام القضاء، بعدما تم دمج باقي المدافعين معهم في سنة 1968، فان تنظيم مكاتبهم لم يتم تطويره ابدا. ذلك ان الغالبية العظمى من تلك المكاتب تكون فردية، حيث ان اصحابها يقومون بتشغيل زملاء، غالبا ما يكونون محامون متمرنون، بدون ان يهتموا فعلا بتكوينهم كما ينص على ذلك القانون المنظم لمهنتهم، اذ من النادر ان نجد مكتب يضم محاميان او ثلاثة، خاصة في الدار البيضاء، العاصمة الاقتصادية، والرباط، العاصمة الادارية والسياسية .
ونفس الشيء بالنسبة للموثقين والمستشارين القانونيين والماليين اوالخبراء " القانونيين" .
اما بالنسبة للقضاة الجالسين، فانه فقط اولائك الذين حالفهم الحظ لمتابعة تمرين في الخارج من اجل ممارسة وظيفتهم في اطار المحاكم التجارية، والتي لم يبدا العمل بها بعد رغم ان عددها حدد في 6، هم الذين استطاعوا تحدي العقبات والعوائق التي اعترضتهم والمتمثلة في اللغة التي درسوا بها في المغرب وهي العربية .
خلاصة :
16- بالتحديد، فرغم الخطابات الرسمية والمحاولات المصاحبة لها لجعل رجال القانون، المكونين بطريقة تقليدية، يواكبون التحولات السريعة التي يعرفها عالم الاعمال، فان المغرب لازال متاخرا من اجل الاستفادة من تكوين متخصص وفي المستوى المطلوب لمواكبة التطورات الجارية .
وبعبارة اخرى، فان الوظائف والمهن القانونية، وخاصة المحاماة والقضاء، لازالت تتخبط في اسالبيها التقليدية القديمة رغم محاولاتها الخجولة من اجل محاولة مواكبة التطور العالمي الحاصل ومن اجل محاولة احتواء النزاعات المدنية الكثيرة والمتزايدة التي تمتلئ بها رفوف المحاكم بكل درجاتها .
فمنذ بداية العقد الحالي، فان بعض الاصلاحات الاقتصادية والمالية والبنكية رات النور، وبمواكبتها جاءت اصلاحات اخرى قانونية تبنتها السلطة المركزية ومن بينها مدونة التجارة والشركات التجارية، برصة القيم، تنظيمات القرض البنكي …
لكن كل ذلك لم يستطع احتواء التزايد الهائل في اعداد النزاعات المدنية بالشكل المطلوب .
بالاضافة الى ذلك، فانه وحتى تلك الاصلاحات. فانها لا تلبث ان تكون مجرد نقل وتقليد اعمى للنصوص والقوانين الاجنبية ( خاصة الفرنسية)، وهذا ما يؤكد هيمنة الثقافة الغربية سواء على القانون المسمى وطنيا او على الدراسات والدروس الملقنة لرجال القانون في المستقبل .
فاذا كانت هذه الهيمنة الطاغية يمكن تفسيرها بعولمة اقتصاد السوق، فان هذا لا يمنع من القول بانها كانت موجودة منذ عهد الاستعمار ولا زالت مستمرة حتى الان دون ان نستطيع الخروج من الدائرة الخانقة للتبعية والتخلف الاقتصادي .
كما ان النظام الديمقراطي الذي تتبناه الحكومة لا يعدو ان يكون واجهة خادعة، لانه لا يستفيد منه الا اصحاب الثروات الذين لا يمثلون الا الاقلية .
ان هذا الاخفاق والفشل في التقدم تفسره بالاساس مسالة عدم الاخذ بعين الاعتبار فلسفة وخصوصية الثقافة المغربية بين الثقافات العالمية، تلك الثقافة التي تلعب الشركات والمهن القانونية فيها دورا اساسيا وفعالا. كما اننا قد نصادف احيانا بعض المحترفين لميدان القانون الذين يطغى عليهم منطق وروح المادة، حيث يصبحون بذلك مثلا سيئا للجيل القادم الذي يتشبع بسياستهم ما داموا يمثلون المثل الاعلى له .
واخيرا، فانه ما ينقصنا هو ثورة على العقلية والسلوكات السائدة التي تظهر بجلاء في الظروف الحالية وفي المستقبل المتوقع، خاصة ونحن على مشارف بداية الالفية الثالثة .
* مجلة المحاكم المغربية، عدد 84، ص 117 .
تعريب الاستاذة زينب ادريسية حمزي
دكتورة في الحقوق محامية بهيئة البيضاء
مقدمة :
ان المغرب، وكدول اخرى مماثلة، يمر بعدة تحولات في مجالات متعددة.وهو مجبرعلى مواجهتها لكي لا يبقى دائما وراء الدول والشعوب المتقدمة.ومن اجل ذلك، يجب عليه، وقبل اي شيء، اعادة تقويم امكانياته البشرية و ذلك بتعليم ساكنته وتكوينها تكوينا جيدا خاصة في المجال القانوني بكل مكوناته وفروعه .
فالعنصر البشري هو الاداة الفعالة التي بواسطتها تستطيع الدولة الانطلاق في ركب التقدم، فكل تقدم له يؤدي بالضرورة الى تقدم البلاد ككل. وهذا ما تعترف وتصرح به الحكومات في اكثر من مناسبة .
والقانون هو الوسيلة الانجع لتاطير وتحسين سلوكات و تصرفات الانسان وسلوك المجتمع المدني ككل منذ القدم. فالانسان انشغل دائما بتكوين مفاهيم ووضع مبادئ قانونية وتطويرها لكي تتماشى مع احتياجاته واسلوب عيشه .
ان دور الوظائف القانونية، التي تعتبر جزءا لا يتجزا من المجتمع المدني، ليس الانتقاص او التقليل من المشاركة الشعبية في المسائل العمومية في كل مجالات النشاط البشري، وانما هو الارتقاء الى المستوى الملائم والمشرف على مستوى الامم والشعوب .
لكن، اذا تفحصنا بعض المشاكل المطروحة، وراينا محاولات الحلول المقترحة لها ، فاننا سوف نشك في رغبة البعض الحقيقية في سد الفجوات ورفع التحديات الموجودة في مجال التكوين القانوني في مجتمع سائر في طريق النمو في نهاية الالفية الحالية .
وهذا ما يستنتج من التقديرات الوجيزة للوظائف القانونية (1) ومن المنازعات المدنية(2)، ومن التكوين القانوني لبلد يتفاخر بكونه " بارزا" (3) .
I- الوظائف القانونية :
1- ان مشكل الاحصائيات يطرح بالحاح في المغرب، سواء على مستوى امكانية اشتغاله في ظل الظروف الحالية، او على مستوى نشره في منشورات عامة او خاصة، وخاصة فيما يخص الوظائف القانونية والقضائية .
كذلك، اليس من الممكن تقدير، ولو على وجه التقريب، فعالية قضاة المحكمة، الوزارة العمومية وقضاة محاكم الجماعات او المقاطعات ( قضاة محليين مختارين موزعين على حوالي 800 محكمة)، وكذلك محترفي المجال القانوني وممثليه كالمستشارين القانونيين والماليين (غير منظمين ويعملون في اطار " شركات المحاسبة"، الموثقين، العدول ( موثقين في مجال القانون الاسلامي)، والوكلاء ( يعملون في الدفاع في اطار القانون الاسلامي وهم في طريق الاندثار) الخبراء " القضائيين"، ويمكن ان نضيف اليهم كذلك كتاب الضبط والمنتدبين القضائيين، بالاضافة الى ذلك، نشير ايضا الى عدد المحامين الذي يصل الى حوالي 5 الاف محامي ( نصفهم يوجد في الدار البيضاء) وهذا وسط ساكنة يصل عددها الى حوالي 27 مليون نسمة في سنة 1998 .
من هنا نجد بانه من الصعب وضع جدول يعالج تطور الارقام المتعلقة بتلك الوظائف منذ بداية القرن، والمتعلقة ايضا بالنزاعات المدنية هذه المعلومات كان من الواجب ان تتواجد في القسم الحكومي المكلف بالعدالة الرسمية، لكن من الملاحظ ان جهازها الاحصائي ليس بالجودة المطلوبة، ذلك ان استعمال الحاسوب لازال في طور التجربة ويتوقف على المعطيات التي تنقل اليه بصفة غير منتظمة من طرف مختلف الاجهزة القضائية في البلاد .
II- المنازعات
2- هنا ايضا، ولنفس الاسباب السالفة الذكر، من الصعب معرفة العدد الاجمالي للقضايا والمنازعات المدنية المعروضة على المحاكم، وحتى القرارات القضائية المهمة لا يتم نشرها بانتظام اذ يجب انتظار الاحتفال بالذكرى الاربعينية لتاسيس المجلس الاعلى 1957-1997 لكي يتم اصدار ستة اجزاء من الاجتهاد القضائي لهذه الهيئة القضائية العليا حسب المواد ( من ضمنها الجنائي والاداري ) .
وهناك اصدار اخر للاجتهادات القضائية للمجلس الاعلى والتي تصدر بصفة غير منتظمة منذ 1970، لكن تم توقيفها بعد صدور عددها 46 في سنة 1991 لتعود للظهور مرة اخرى لكنها لم تصل الا للعدد 49-50 في يوليوز 1997 .
اما بخصوص المنازعات والقضايا المدنية، سواء التي تتوقف في بدايتها او التي تتطور، فهي متعلقة اساسا بالكراء، القضايا العقارية، القضايا التجارية، وكذلك قضايا التعويضات لضحايا حوادث السير ( سواء للضحايا انفسهم او لاقاربهم) .
لكن، وفي اطار النظر في القضايا امام المحاكم، لا يمكن الاسراع الا بالقضايا المدنية المنحرفة، لان الهيئة القضائية تعرف اكتظاظا ملحوظا مع تزايد عدد المتقاضين، وذلك راجع لاعتبارات النمو الديمغرافي الذي تعرفه البلاد وكذلك لان التحكيم والوسائل اللاقضائية في حل النزاعات لا يتم اللجوء اليها الا نادرا .
فرغم ازدحام المحاكم بكل درجاتها بالقضايا والبطء الذي تعرفه المساطر فان كل ذلك لا يشجع المتقاضين على استعمال ممارسات قضائية بديلة .
III- التكوين القانوني :
3- توجد حاليا 14 جامعة مع 11 كلية للحقوق، من ضمنها 3 كليات لم يبدا العمل فيها بعد ( كلية بن مسيك سيدي عثمان بالدار البيضاء، كلية سلا، وكلية سطات)، فقد يبدا العمل بها ابتداء من سنة المقبلة (1998-1999) تلك كلها كليات عمومية يتراسها وزير التعليم العالي والابحاث العلمية وتكوين الاطر.
بالاضافة الى ذلك هناك كلية الشريعة التي توجد بفاس، وهي تابعة لجامعة القرويين، وجامعة الاخوين بافران، لكن هذه الاخيرة تتميز بنوع خاص لانها تلقن دروسها باللغة الانجليزية فقط. هذا بالاضافة الى انها لا تكون رجال قانون، بل ان التكوين القانوني فيها هو ضمن تخصصات اخرى. ان هذه جامعة تم انشاؤها بمبادرة ثنائية بين العاهل المغربي ونظيره السعودي .
عكس ذلك، فان جامعة القرويين لا تلقن دروسها الا باللغة العربية .
وفي الجامعات الاخرى التي تضم كليات العلوم القانونية والاقتصادية والاجتماعية، فان التخصص في القانون لغة فرنسية هو قليل مقارنة مع نظيره باللغة العربية، وحتى الطلبة المتجهين اليه يكون عددهم قليلا .
والى جانب تلك الكليات العمومية التي تعنى بالتكوين القانوني، هناك مدارس ومعاهد تنتمي الى وزارات اخرى، يكون التكوين فيها متخصصا. ونذكر منها على الخصوص : المدرسة الوطنية للادارة العمومية، والمعهد العالي للتجارة وادارة المقاولات، لكن فقط الاولى هي التي تعنى بتكوين رجال القانون .
وهناك مدرسة عليا لتكوين الاطر مرتبطة بوزارة الداخلية تعنى بتكوين رجال السلطة ( التكوين القانوني) مثل الوالي والعامل في الولايات والعمالات .
4- توجد كذلك مدارس خاصة للدراسات العليا وعددها وصل الى 63 في سنة 1996 - 1997. لكن هذه المؤسسات لا تؤمن الا تكوينا قانونيا تكميليا، لان مجال الدراسة فيها هو الادارة والتجارة والاعلاميات ونشاطات اخرى او مواد من هذا القبيل .
كما ان الدولة، ومنذ وقت قصير، بدات تخلق مدارس عليا للتجارة. الا انه، ورغم تصريح وزير التعليم العالي في شتنبر 1996، فان انتظار الاعتراف الرسمي بمساواة شهادات هاته المؤسسات مع الشواهد العمومية مازال قائما .
5- لم يتم تحديد العدد الفعلي لطلبة كلية الحقوق. كل ما تم التصريح به هو ان عدد هؤلاء الطلبة ( في كل التخصصات) انتقل من 250 طالب سنة 1960 الى 300 الف سنة 1998 .
كذلك، وفي مجال الدراسات، فان الفترة ما بين 1982 و1995 عرفت تزايدا سريعا في عدد طلبة كلية العلوم القانونية والاقتصادية والاجتماعية بنسبة تترواح بين 13% و14% في المتوسط .
اما بخصوص عدد الطلبة في مدارس ومعاهد تكوين الاطر ( سواء الخاصة او العمومية) فانه وصل الى 26 الف سنة 1995-1996، من بينهم 9750 طالب من مدارس القطاع الخاص او من مؤسسات لا تنتمي الى وزارة التربية الوطنية .
وهناك ارقام حديثة لسنة 1996-1997، تدل على ان عدد الطلبة في مؤسسات التعليم العالي الخاص وصل الى 8640، مع الاشارة الى ان معدل النمو السنوي لهذه المؤسسات 80 % منها تتمركز في مدينتي الدار البيضاء والرباط) هو تقريبا مرتين اكبر من معدل نمو الطلبة .
6- في المقابل، لا نجد احصائيات متعلقة بالطلبة الذين يتابعون تكوينا اضافيا مخصصا لقضاة المحاكم. اذ نشير في هذا الاطار انهم يلجون المعهد القضائي عبر مباراة وبمجرد ما يتم قبولهم فانهم ياخذون اسم " ملحقين قضائيين" في انتظار انتهاء مدة تكوينهم والتي تستمر لمدة سنتين .
ان تكوينهم يضم بالضرورة :
سلك الدراسات والاعمال التطبيقية في المعهد الوطني للدراسات القضائية ( يوجد في الرباط وهو تابع لوزارة العدل)، وهذا السلك مدته سنة واحدة ( عوض خمسة اشهر كما كان مقررا في السابق)، وهو مخصص اساسا لتامين تكوين مهني للقضاة بواسطة دروس معمقة وخاصة .
تكوين اضافي مدته سنة ينجز في محاكم الاستئناف ومحاكم الدرجة الاولى والادارات المركزية والمصالح الخارجية وبعض المؤسسات المحلية والشركات سواء كانت عمومية او خاصة. وقد كان هذا التكوين محدودا في 4 اشهر في السابق عوض سنة وفي بعض المؤسسات فقط دون غيرها. كذلك، فان هؤلاء الملحقين القضائيين يمكنهم الحضور والمشاركة في جلسات المحاكم بكل درجات سواء المدنية، الجنائية او الادارية وفي مداولاتها. لذلك فهم مجبرين على كتمان السر المهني، وارتداء البذلة اثناء الجلسات .
كما ان تخرجهم كقضاة رسميين يتم بواسطة ظهير ملكي .
وكيفما كان الحال، فان هذا التكوين يظل غير كاف وغير متكافئ. والدليل على ذلك هو ان القضاة الذين سيعلمون في المحاكم التجارية الجديدة او المحاكم الادارية سوف يتابعون تكوينهم المتخصص في فرنسا للذين يجيدون منهم اللغة الفرنسية او في مصر، وذلك بمقتضى اتفاقيات التعاون المشترك المبرمة بين المغرب وكل من فرنسا ومصر .
كذلك، فان المدرسة الوطنية للادارة العمومية تؤمن ( ومنذ وقت ليس بكبير) تكوين قضاة المجلس الاعلى للحسابات .
اما بالنسبة للمحاميين، فاذا كان القانون الجديد الصادر في شتنبر 1993 والمتعلق بمهنتهم قضى بانشاء مراكز جهوية للتكوين، الا ان ذلك لم ير النور بعد .
كذلك. وبعد قبول المتبارين لممارسة هذه المهنة، الحاملين لاجازة في الحقوق شعبة القانون الخاص او لشهادة معادلة، فانهم يقومون بتمرين مدته 3 سنوات. وهم ملزمون بمجرد اداء القسم بما يلي :
عمل دائم في مكتب احد المحامين الذي يسهر على تكوينهم .
الحضور في الجلسات .
الحضور المنتظم في اجتماعات المحامين المتدربين، كما كان الحال عليه في ظل النظام السابق ( قانون 1968 و1979 ) .
لكن هؤلاء المحامون المتدربون لا يمكنهم الحضور او تمثيل الاطراف امام القضاء الجنائي عوض اساتذتهم، كما لا يمكنهم التقاضي امام محكمة الاستئناف طيلة السنة الاولى من تكوينهم. كذلك لا يمكنهم التقاضي باسمهم الخاص الا في اطار المساعدة القضائية .
وفي نهاية فترة التكوين، يكون عليهم اجتياز المباراة بتفوق، بعد ذلك يصبحون محامين رسميين. اما في حالة الرسوب، فان بعضهم يمكنه الاستفادة من تمرين اضافي لمدة سنة اخرى والا فلن يستطيع الانضمام الى لائحة المتمرنين في هيئة المحامين سواء تلك المسجل فيها او غيرها .
اما بخصوص شهادة ممارسة مهنة المحاماة فانها تكون منظمة على الصعيد الوطني بتعاون بين وزارة العدل وهيئة المحامين بالمغرب .
وبخلاف المحامين، فان الملحقين القضائيين الذين لم يتفوقوا في امتحان نهاية التمرين اما ان يتم فصلهم او ارجاعهم الى مقر ادارتهم اذا كانوا موظفين سابقين .
اما بخصوص رجال التوثيق، فهم منظمين بظهير 4 ماي 1925، والذي ينتظر دائما تجديده، وهم يمرون بتمرين مدته سنتين او ثلاثة سنوات في مكتب احد الموثقين، ويبدو انهم لا يقومون باجتياز امتحان نهاية التمرين او على الاقل فالنتائج لا تكون منشورة .
ونفس الشيء بالنسبة للعدول ( موثقين في القانون الاسلامي) والمنتدبين القضائيين .
اما بالنسبة للمستشارين القانونيين والماليين، فان مهنتهم ليست منظمة، اذ يكفي الحصول على تصريح اداري من اجل ممارسة المهنة ( تصريح من وزارة العدل والادارة المالية والمحلية). وتكوينهم القانوني العام يكون معززا باجازة في الحقوق او شهادة معادلة. كما ان بعض اساتذة السلك العالي، رغم ان ذلك ممنوع قانونيا، يتعاطون لهذه المهنة بحكم خبرتهم في هذا المجال. والى جانبهم نجد كذلك مسيري بعض المؤسسات القانونية الذين لا يتوفرون على اية شهادة لدراسة القانون وكل ما لديهم هو خبرتهم التي اكتسبوها بالممارسة الدائمة.
كذلك فان التخصص لدى هؤلاء ليس ضروريا كما هو الحال بالنسبة للمهن القانونية والقضائية المنظمة (القضاء والمحاماة خصوصا ) .
وعموما، فقط الدراسات القانونية العامة هي التي تلقن في الجامعات وفي المدارس والمعاهد والمؤسسات المسماة متخصصة، لانه بالنسبة لهذه الاخيرة فان القانون هو دراسة مكملة وثانوية مقارنة مع الدراسات الاخرى كالتجارة والاعلاميات مثلا .
7- من اجل الحصول على اجازة في الحقوق او اجازة في الشريعة او شهادة معادلة كتلك التي يسلمها المعهد العالي للتجارة وادارة المقاولات، فان مدة الدراسة هي اربع سنوات منقسمة الى سلكين، اما السلك الثالث فان مدة الدراسة فيه هي سنتين استعدادا لنيل دكتوراه الدولة .
8- بالنسبة لدراسات السلك العادي لنيل الاجازة في الحقوق، فيجب التمييز بين القانون الخاص والقانون العام. هذا التخصص الذي لا يتم الا في نهاية السنة الثانية من السلك الاول .
ففي السنة الاولى من السلك الاول، تدرس المواد التالية :
المدخل لدراسة القانون، العلاقات الدولية، المدخل لدراسة الشريعة، تاريخ المؤسسات والوقائع الاجتماعية، الاقتصاد السياسي، ثم المصطلحات القانونية .
اما في السنة الثانية من نفس السلك، فتدرس المواد التالية :
القانون المدني، القانون الاداري والعلوم الادارية، القانون الجنائي العام، مدونة الاحوال الشخصية، واخيرا الاقتصاد السياسي .
اذن فالتخصص، اي اعطاء دروس في القانون الخاص او القانون العام، لا يكون الا في السلك الثاني ( اي السنة الثالثة والرابعة ) .
اذن، ففي القانون العام، فان المواد التي تدرس في السنة الاولى من السلك الثاني هي كالتالي :
القانون الدولي العام، تاريخ الافكار السياسية، القانون الاداري، القانون الاجتماعي، المالية العامة، ثم المصطلحات القانونية .
اما في السنة الثانية من السلك الثاني فتدرس المواد التالية :
خدمات الاجتماعية العامة، القانون الاقتصادي الدولي، منهجية المؤسسات الدولية، المنهج السياسي للدول السائرة في طريق النمو، العلاقات الدولية المغربية، ثم القانون الدولي الخاص وعلم المنهج .
اما بخصوص القانون الخاص، فان المواد المدرسة في السنة الاولى من السلك الثاني فهي كالتالي :
القانون الاجتماعي، القانون المدني، القانون التجاري، الشريعة الاسلامية، المالية العامة، علم الاجرام، القانون الجنائي الخاص، المؤسسات العمومية والمصطلحات القانونية .
وفي السنة الثانية، تدرس المواد التالية :
القانون المدني، علم المواريث، القانون القضائي الخاص، القانون التجاري، المسطرة الجنائية، القانون البحري او قانون التامين والمصطلحات القانونية .
وفي اطار هذه المواد، فانه لا يتم تدريس القانون المقارن الا نادرا، فالمسالة تبقى اختيارية بالنسبة للاستاذ الذي يمكن ان يعطي توضيحات مقارنة اولا، وذلك حسب رغبته. وحتى اذا اختار ذلك فانه يرجع غالبا الى القانون الفرنسي، الذي له تاثير كبير على القانون المغربي، او الى القانون المصري بالنسبة لشعبة اللغة العربية .
في بعض الاحيان، وعلى مستوى السلك الثالث، فانه يتم تدريس القانون المقارن في السنة الاولى من دبلوم الدراسات العليا كمادة مستقلة .
وكما نلاحظ، لا توجد اية مادة، حتى على مستوى السلك الثالث، تعنى بدارسة التحكيم، الوسائل الاختيارية لفض النزاعات الدولية، علم الاخلاق، المعلوميات القانونية او قانون المعلوميات. وحتى مؤسسات التعليم العالي الخاصة والتي تعطي دروسا في المعلوميات، فانها لا تهتم كثيرا بالجانب القانوني لهذه " التكنولوجية الجديدة" .
وبالنسبة للتحكيم، فانه من النادر اقحامه في دروس القانون القضائي الخاص. ولا توجد اية مؤسسة او مركز متخصص يؤمن تكوينا جيدا في هذه المادة. ما عدا الجمعية المغربية لغرفة التجارة الدولية وبعض هيئات المحامين ( كما في الدار البيضاء ومكناس) التي نظمت اياما دراسية في هذا الموضوع .
عموما، وكما تمت الاشارة الى ذلك سابقا، يمكننا القول بانه لا توجد دراسات متخصصة بالمعنى الصحيح في مجال القانون، باستثناء التفريق الاداري بين القانون الخاص والقانون العام ابتداء من السنة الثالثة من الدراسة الجامعية في كلية الحقوق .
خلال مدة الدراسة في السلك الثالث تخصص قانون خاص، فانه يتم تدريس القانون المدني ( او قانون الاشخاص) في السنة الاولى. اما في السنة الثانية، فيتم تدريس قانون الاعمال، مع بعض الخصوصيات المتعلقة باستاذ المادة .
9- ان اساليب التدريس تبقى تقليدية، اذا لم نقل ضاربة في القدم. واذا كانت المواظبة والانضباط سواء بالنسبة لسنوات الاجازة وبالنسبة لسنتي السلك الثالث، فان هذه الصفة لا تحترم من طرف الطلبة كما ل اتراقب من طرف الادارة .
ونظرا لوفرة وكثرة عدد الطلبة في شعبة القانون لغة عربية، كما سبق الذكر، فان الدروس تعطى في مدرجات خاصة بالنسبة للسلك الاول. كما انه يمكن ان تدرس المادة الواحدة بواسطة استاذ المادة وبمساعدة اساتذة مساعدين غالبا ما يكونون حاصلين على دبلوم الدراسات العليا .
هذا بالاضافة الى ان بعض الاساتذة يقومون بطبع محاضراتهم على شكل مطابع او مراجع، بخلاف البعض الاخر الذي يفضل املاء المحاضرات على الطلبة مع ما يخلف ذلك من سلبيات .
اما بخصوص الاعمال التوجيهية، والتي غالبا ما يقوم بتدريسها اساتذة مساعدين، فانها لا تكون الا في بعض المواد التي تعتبر اساسية ويكون الامتحان فيها كتابيا وعددها ثلاثة مواد .
لكن ومع التكوين الضعيف وغير المتخصص لهؤلاء الاساتذة المساعدين، فانه يمكننا ان نشك بان هذه الدروس يجنى من ورائها فائدة، رغم انها تنصب فقط على التعليق على القرارات القضائية وعلى المسائل التطبيقية. بالاضافة الى ذلك، فان مسالة تكليف طالب او طالبان باعداد بحث وعرضه تبقى مسالة نادرة التطبيق، وحتى اذا طبقت فانها لا تكون بالمستوى المطلوب. كما ان الطلبة غير متعودين على المشاركة الفعالة في مناقشة المحاضرات، وذلك راجع بالاساس الى سلبيتهم التي تعودوا عليها، وكذلك لكونهم لم يقوموا بتحضير الدروس قبل الدخول الى المدرجات. وهذا ما نلاحظه حتى بالنسبة لطلبة السلك الثالث، مما يطرح لهم مشاكل عديدة عندما يريدون انجاز بحثهم ( بحث الاجازة ورسالة الدكتوراه ) .\
بالاضافة الى ذلك، واذا ما استثنيا التمرينات القصيرة المدة في الاعلاميات عندما تكون مؤسسة التعليم العالي مجهزة بالتجهيزات الضرورية والكافية، فان استعمال التقنيات السمعية البصرية وتقنيات الاعلاميات يكون ضعيفا ونادرا .
وهذا هو الحال كذلك بالنسبة للاساتذة الذين يكتفون باملاء محاضراتهم وهم مجردين من كل الوسائل التقنية التي يتطلبها التكوين الضروري لهذا الغرض .
10- في اطار التعاون الثقافي بين المغرب وبعض الدول الافريقية الفرانكفونية، فان بعض الطلبة الاجانب يتم قبولهم لمتابعة دراستهم في سنوات الاجازة وكذلك السلك الثالث في كليات الحقوق وبعض المعاهد العمومية، ولكن دون اخذ بالاعتبار لخصوصيتهم. ذلك ان الدروس التي تلقن لهم هي نفسها التي تلقن الطلبة المغاربة والتي تنصب على القانون المغربي. كما نجد كذلك طلبة اجانب في مؤسسات التعليم العالي الخصوصية، سواء كانوا يتوفرون على منحة من بلادهم ام يدرسون على حسابهم الخاص .
وحسب بعض المصادر الرسمية المغربية، فان عددهم وصل الى اربعة الاف في يونيو 1995 في كل مجالات الدراسة المتعددة .
واخيرا فان بعض معاهد او مدارس التعليم العالي الخاصة تقوم بالاخبار، بواسطة اوراق اشهارية، بانها عقدت اتفاقيات مع جامعات اجنبية وذلك من اجل اعطاء دروس الى الطلبة المغاربة بنفس منهجية وظروف تلك المؤسسات الاجنبية، او بانه يمكنهم دراسات السلك الثالث في تلك الدول .
11- ان السلطات العمومية عموما، والمسؤولين على الجامعات المغربية خصوصا، لم يلبثوا يعظمون ويشيرون في كل مناسبة الى فتح مؤسساتهم على المقاولات والفاعلين الاقتصاديين توقعا لمعادلة ضعيفة وهشة وهي التكوين من اجل التشغيل .
بعيدا على ذلك، وبخلاف هيئات المحامين التي تكون مجبرة، بواسطة النصوص المنظمة لهذه المهنة، على مراقبة تكوين المحامين المتدربين وتنظيم نشاطهم مع وزارة العدل من اجل امتحان نهاية التمرين، فان المهن القانونية الاخرى ليس لها اي تاثير على الدروس الملقاة في المؤسسات الجامعية بكل انواعها، وحتى بالنسبة للمحاماة، فلا يمكننا الحديث عن مراقبة هيئاتها المهنية للدروس والمعلومات المعطاة في الجامعة .
اذن فلا يوجد اي رابط سواء تاسيسي او اتفاقي، بين الجامعة والمهن القانونية، لا بالنسبة للمحاماة ولا بالنسبة للقضاء ولا حتى بالنسبة للتوثيق او غيرها .
12- بالنسبة للتنظيم المتعلق بالاساتذة الباحثين، فان هؤلاء ملزمون بعدم شغل اي منصب اخر غير التدريس والبحث. ولا يمكن السماح لهم بممارسة نشاطات اخرى متعلقة بنشاطهم الاساسي الا استثنائيا .
كذلك فان المقتضيات التنظيمية تدخل في صراع مع القانون المنظم لمهنة المحاماة، لان هذا الاخير يسمح بالجمع بين ممارسة هذه المهنة ومهنة التدريس. لان ذلك من شانه ان يفيد الطلبة الذين هم بدورهم غالبا ما يتوجهون بعد تخرجهم الى مجال المحاماة او القضاء، خاصة بالنسبة للطلبة الحاصلين على الاجازة في القانون لغة عربية الذين يجدون صعوبة لايجاد منصب في شركات القطاع الخاص .
كما ان وضعية العاطلين اصحاب الشواهد، ومن بينها شهادات كليات الحقوق، اصبحت متزايدة ومعروفة بشكل رسمي .
فرغم وجود نص التشريعي الذي يحيل على النص التنظيمي المتعلق بالاساتذة الباحثين، فيجب انتظار بعض الاحكام الفاصلة الصادرة خاصة من محكمة النقض من اجل حل المسالة قضائيا .
وبالفعل، فان هناك الكثير من الاساتذة الباحثين الذين يتوفرون على مكاتب للاستشارات القانونية او الذين يعملون داخل شركات خاصة. واحيانا تكون تلك الشركات في ملكهم الخاص. وهناك اخرون يشغلون مناصب في ادارات عمومية لا تكون لها اية علاقة من اي نوع مع التدريس والبحث .
واذا كان اساتذة القانون يشتكون من قلة الحوافز والرواتب، فان القيمة الاخلاقية لمهنتهم لا تؤخذ بعين بالاعتبار .
13- اما تزايد ظاهرة البطالة في صفوف حاملي الشهادات، سواء في مجال القانون او الاداب او العلوم، والتي تترجم فشل السياسة الحكومية في مادة التربية الوطنية وخاصة التعليم العالي، فان عهد احداث اصلاحات جذرية في مجال التعليم بكل درجاته قد حل .
ففي سنة 1994، وبمبادرة من صاحب الجلالة، تكونت لجنة وطنية اولى في اجل الاطلاع على شتى المجالات التي يعرفها قطاع الشغل، الذي يبتلع الثلث او على الاقل الربع من الميزانية العامة للدولة. لكن خلاصات هذه اللجنة لم تقنع جلالة الملك الذي امر في ابريل 1996 بتكوين لجنة مماثلة سميت " مجموعة التامل والتفكير"، والتي لازال انتظار نتائج عملها واقتراحاتها قائما .
وللاضافة، فان المبادرة الملكية جاءت كرد فعل للتقرير الذي قام به البنك العالمي والذي انصب في سنة 1995 على الادارة، التعليم والعدل، والذي نادى بمراجعة جذرية لهاته المجالات. ومن اجل ذلك، فقد امر العاهل المغربي بان مجانية التعليم سوف لن تقتصر الا على التعليم الاساسي وعلى الطبقات الفقيرة من الشعب المغربي .
ومن اجل التخفيف من الحمل الثقيل الذي يرهق كاهل الدولة، فان السلطات العمومية راهنت على التعليم العالي الخاص وعلى التكوين المهني .
كما ان سياسية الاصلاحات بدات بالسلك الثالث في كل مجالاته بما في ذلك مجال القانون. من اجل ذلك، فان نظام الدارسة والامتحانات من اجل الحصول على دبلوم الدراسات العليا المعمقة ودبلوم الدراسات العليا المتخصصة، وكذلك ظروف وطرق التفويض للمؤسسات الجامعية من اجل تامين تهيئ وتسليم تلك الشواهد، اصبح منظما بطريقة تنظيمية ابتداء من فبراير 1997، والنص الخاص بذلك تم نشره في نفس الشهر .
لكن بمبادرة عرفية من طرف السلطات العمومية، فان اعادة تنظيم هذا المجال سوف تكون في اكتوبر 1997
( حسب ما نشر في الجريدة الرسمية في نونبر 1997 ) .
وهذا ما يفسر تاجيل بداية الدراسة في كليات القانون الى شهر مارس 1998. مختصرا بذلك السنة الدراسية بالنسبة للطلبة المحظوظين الذين تم قبولهم لمتابعة دراستهم من اجل الحصول على دبلوم الدراسات العليا المعمقة، اما دبلوم الدراسات العليا المتخصصة، فانه لم يتم تهييؤه بعد .
14- في ظل هاته الظروف، وكما تم الاشارة الى ذلك سابقا، فان السمة التقليدية للدراسات القانونية لم يتم تغييرها بالشكل المطلوب والملائم. ذلك ان العقليات والعادات المترسخة، سواء عند الاساتذة او عند السلطات العمومية او حتى عند الطلبة، ليست على استعداد لتقبل فتح المجال لاصلاحات جذرية في هذا المجال .
ومن اجل تطبيق الاصلاحات التي مست السلك الثالث، فان مبدا العدالة والمساواة لم يتم الاهتمام به بالشكل المطلوب، بل يمكن انه الغي تماما، لانه وضع حواجز تعجيزية بالنسبة للطلبة الراغبين في اتمام دراساتهم العليا، دون وضع اي اعتبار لهزالة التكوين الذي تم تلقيه طيلة سنوات الدراسة الجامعية. فقد كان الهدف هو تكوين " نخبة" من الطلبة المتفوقين، ولكن تم تجاهل مبدا مهم وهو مبدا تكافؤ الفرص امام الطلبة .
من جهة اخرى، فان الدراسات القانونية لا تاخذ يعين الاعتبار، الا بشكل قليل جدا، النتائج السلبية عموما للعولمة المكتسحة وخصوصا لاجمالية عالم الاعمال .
فقط هناك بعض مؤسسات التعليم العالي الخاصة التي تقوم، ومن اجل جلب اكبر عدد ممكن من الطلبة، بتدريس مواد متعلقة بالادارة وما يشابهها من اجل الاستجابة لمتطلبات المقاولات الخاصة او تلك التي تم خوصصتها. وفي هذا المجال، يمكننا الاشارة الى ان المعهد العالي للتجارة وادارة المقاولات التابع لوزارة التجارة قام بانشاء سلك عالي للتجارة الخارجية والذي تم ادخال دراسات قانونية فيه، وذلك في ماي 1996 .
كما ان العاهل المغربي في احدى خطاباته، شجع الطلبة المغاربة على التخصص في مادة قانون الاعمال والقانون التجاري الدولي، خاصة اذا تابعوا دراستهم في امريكا الشمالية ( الولايات المتحدة الامريكية وكندا) او في اروبا الغربية وذلك باعتبار العلاقات الاقتصادية المغربية الدولية .
15- في الوقت الراهن، فان المهن القانونية كالمحاماة والقضاء على الخصوص تبقى متسمة بتكوين كلاسيكي متجاوز. كما ان مسالة اصلاحها تبقى غير متماشية مع التطورات الاقتصادية والمالية التي يعرفها العالم حاليا.
وحتى مع الاصلاح الحالي لنيل شهادة الدكتوراه، فان احتمال تكوين دكاترة الغد تكوينا متطورا ومتماشيا مع التقدم الحاصل في العالم باسره يبقى قليلا .
ورغم ان المحامون يحتكرون وحدهم مسالة التمثيل امام القضاء، بعدما تم دمج باقي المدافعين معهم في سنة 1968، فان تنظيم مكاتبهم لم يتم تطويره ابدا. ذلك ان الغالبية العظمى من تلك المكاتب تكون فردية، حيث ان اصحابها يقومون بتشغيل زملاء، غالبا ما يكونون محامون متمرنون، بدون ان يهتموا فعلا بتكوينهم كما ينص على ذلك القانون المنظم لمهنتهم، اذ من النادر ان نجد مكتب يضم محاميان او ثلاثة، خاصة في الدار البيضاء، العاصمة الاقتصادية، والرباط، العاصمة الادارية والسياسية .
ونفس الشيء بالنسبة للموثقين والمستشارين القانونيين والماليين اوالخبراء " القانونيين" .
اما بالنسبة للقضاة الجالسين، فانه فقط اولائك الذين حالفهم الحظ لمتابعة تمرين في الخارج من اجل ممارسة وظيفتهم في اطار المحاكم التجارية، والتي لم يبدا العمل بها بعد رغم ان عددها حدد في 6، هم الذين استطاعوا تحدي العقبات والعوائق التي اعترضتهم والمتمثلة في اللغة التي درسوا بها في المغرب وهي العربية .
خلاصة :
16- بالتحديد، فرغم الخطابات الرسمية والمحاولات المصاحبة لها لجعل رجال القانون، المكونين بطريقة تقليدية، يواكبون التحولات السريعة التي يعرفها عالم الاعمال، فان المغرب لازال متاخرا من اجل الاستفادة من تكوين متخصص وفي المستوى المطلوب لمواكبة التطورات الجارية .
وبعبارة اخرى، فان الوظائف والمهن القانونية، وخاصة المحاماة والقضاء، لازالت تتخبط في اسالبيها التقليدية القديمة رغم محاولاتها الخجولة من اجل محاولة مواكبة التطور العالمي الحاصل ومن اجل محاولة احتواء النزاعات المدنية الكثيرة والمتزايدة التي تمتلئ بها رفوف المحاكم بكل درجاتها .
فمنذ بداية العقد الحالي، فان بعض الاصلاحات الاقتصادية والمالية والبنكية رات النور، وبمواكبتها جاءت اصلاحات اخرى قانونية تبنتها السلطة المركزية ومن بينها مدونة التجارة والشركات التجارية، برصة القيم، تنظيمات القرض البنكي …
لكن كل ذلك لم يستطع احتواء التزايد الهائل في اعداد النزاعات المدنية بالشكل المطلوب .
بالاضافة الى ذلك، فانه وحتى تلك الاصلاحات. فانها لا تلبث ان تكون مجرد نقل وتقليد اعمى للنصوص والقوانين الاجنبية ( خاصة الفرنسية)، وهذا ما يؤكد هيمنة الثقافة الغربية سواء على القانون المسمى وطنيا او على الدراسات والدروس الملقنة لرجال القانون في المستقبل .
فاذا كانت هذه الهيمنة الطاغية يمكن تفسيرها بعولمة اقتصاد السوق، فان هذا لا يمنع من القول بانها كانت موجودة منذ عهد الاستعمار ولا زالت مستمرة حتى الان دون ان نستطيع الخروج من الدائرة الخانقة للتبعية والتخلف الاقتصادي .
كما ان النظام الديمقراطي الذي تتبناه الحكومة لا يعدو ان يكون واجهة خادعة، لانه لا يستفيد منه الا اصحاب الثروات الذين لا يمثلون الا الاقلية .
ان هذا الاخفاق والفشل في التقدم تفسره بالاساس مسالة عدم الاخذ بعين الاعتبار فلسفة وخصوصية الثقافة المغربية بين الثقافات العالمية، تلك الثقافة التي تلعب الشركات والمهن القانونية فيها دورا اساسيا وفعالا. كما اننا قد نصادف احيانا بعض المحترفين لميدان القانون الذين يطغى عليهم منطق وروح المادة، حيث يصبحون بذلك مثلا سيئا للجيل القادم الذي يتشبع بسياستهم ما داموا يمثلون المثل الاعلى له .
واخيرا، فانه ما ينقصنا هو ثورة على العقلية والسلوكات السائدة التي تظهر بجلاء في الظروف الحالية وفي المستقبل المتوقع، خاصة ونحن على مشارف بداية الالفية الثالثة .
* مجلة المحاكم المغربية، عدد 84، ص 117 .
0 التعليقات:
Post a Comment