الاستاذ محمد لهمادي
اعتقد ان الحديث في موضوع السر المهني و وسائل الاتصال الحديثة يعني الحديث عن شيئين مختلفين تماما، فالسر المهني قاعدة تكرست منذ اقدم العصور وظلت ثابتة وصامدة الى ان اصبحت دعامة اساسية وضرورية للحرية بمختلف تجلياتها في المجتمعات الليبرالية، سواء على مستوى الحقوق الشخصية او على مستوى الحقوق الاقتصادية .
وبما ان السر المهني كان ولا زال من الثوابت فالملاحظ ان المشرع لم يخصص له في مختلف انحاء المعمور الا مقتضيات قانونية قليلة جدا اما في القانون الجنائي وقانون المسطرة الجنائية، واما في القوانين المنظمة لكل مهنة معنية بالسر المهني على حدة .
الا ان الملاحظ فيما يخص المحاماة هوانه ان كان الفقه والعمل القضائي، وفي سياق بلورة حقوق الدفاع والحرية الفردية، قد توصلا الى جعل الكل يسلم بالطابع المطلق للسر المهني، فان التطورات التي تعرفها بعض المجتمعات الليبرالية والتعسفات التي يمكن ان ترتكب تحت غطاء السر المهني للمحامي او بفضله ادت الى ظهور تيارات تنادي بالتقليص من مدى تطبيقه .
وهكذا ففي فرنسا مثلا، وفي اطار المد والجزر الذي تعرفه هذه المسالة تم التمييز بين عمل المحامي كمستشار قانوني وعمله كمدافع، لكي لا يعترف له بامتياز السر المهني الا في الحالة التي يكون فيها الزبون قد كلفه بالدفاع عن حقوقه، اما عندما يكون قد اكتفى باعطاء الزبون استشارة قانونية فانه لا يكون ملزما تجاهه بالسر المهني كما لا يمكنه التمسك به تجاه الاغيار .
وبالمقابل نجد ان وسائل الاتصال ظلت تتطور مع تطور الاكتشافات والتقنيات، على انه ان كان ذلك التطور بطيئا منذ استعمال اول تلغراف كهربائي سنة 1893 واستعمال اول هاتف سنة 1877 ، ثم اجراء اول اتصال هاتفي عبر قمر صناعي سنة 1962، فان ذلك التطور اصبح متسرعا ابتداء من اختراع الفاكس سنة 1970 ثم اختراع الهاتف المحمول في الثمانينات .
وان ما شجع على تطوير تقنيات الاتصال بسرعة اكبر هو تخلي وزارة الدفاع الامريكية سنة 1983 على جزء كبير من نظام ARPANET الذي انشاته خلال سنوات الحرب الباردة بهدف جمع وحماية
--------------------
* ساهم الاستاذ محمد لهمادي بهذه المداخلة في المناظرة الوطنية لجمعية هيئات المحامين بالمغرب ايام 24 و25 نونبر 2000 بفاس .
------------------
المعلومات المتعلقة بالتجسس وبالدفاع بصفة عامة، ووضعه رهن اشارة العموم لاستعماله كوسيلة للاتصال وتبادل المعلومات عن طريق الة الحاسوب، وهو ما اصبح يعرف بشبكة الانترنيت .
وبذلك اصبحت شبكة الانترنيت بابا مفتوحا على العالم تمكن كل مشترك من نشر ارائه وافكاره او التعريف بمنتوجاته عن طريق وضعها في موقعه رهن اشارة المشتركين، كما تمكن كل شخص من الاتصال بمراسل له في ابعد نقطة من العالم، والكل باقل تكلفة .
وهكذا غزا جهاز الفاكس جميع المكاتب عبر العالم وحل محل جهاز التلكس الذي لم يعد يستعمل الا في حالات نادرة، خصوصا بعدما اصبحت المؤسسات البنكية تستعمل نظام SWIFT لمعالجة العمليات المصرفية الدولية.
وبعدما كان التجار اشخاصا ذاتيين وشركات يكتفون باستعمال شبكة الانترنيت للتعريف بمنتوجاتهم فقط، اصبحت هناك تجارة جديدة قائمة الذات عبر الشبكة وهي ما يعرف بالتجارة الالكترونية .
وكذلك الشان بالنسبة لقطاع الخدمات والعمل بصفة عامة بحيث اصبح بامكان العامل في بعض القطاعات ان يقوم بعمله دون ان يغادر مسكنه، واصبح باستطاعة اية شركة ان تقوم بتنفيذ اشغال في الاعلاميات لفائدة شركة توجد في بلد اخر، بحيث تتلقى المعطيات عبر شبكة الانترنيت وتقوم بمعالجتها قبل ارجاعها لزبونتها بنفس الطريقة .
ولاشك ان المحامين وجدوا انفسهم مضطرين لاستعمال وسائل الاتصال الحديثة في اخر تجلياتها كالفاكس والانترنيت حتى يستفيدوا من ايجابياتها من جهة، وحتى لا يفوتهم الركب من جهة اخرى، على اعتبار ان جل المتعاملين معهم اصبحوا يستعملون تلك الوسائل .
الا انه ان كانت وسائل الاتصال الحديثة تسمح بربح وقت ثمين، فان استعمالها من طرف المحامين لا يخلو من مخاطر بالنظر الى خصوصيات المهنة والمبادئ التي تحكمها باعتبارها جزاءا من جهاز العدالة وركيزة اساسية للدفاع عن الحريات .
وبما انه يمنع على المحامين استعمال وسائل الاتصال الحديثة لجلب الزبناء او للاشهار كما هو الشان بالنسبة لعدد كبير من المستعملين، فان هذه المداخلة ستتمحور حول الاستعمال الوحيد المسموح به بالنسبة للمحامي الا وهو ربط الاتصال بزبنائه او زملائه وتبادل المراسلات معهم .
ومن هذا المنطق يحق التساؤل الى اي مدى يستطيع المحامي استعمال وسائل الاتصال الحديثة دون ان يعرض الاسرار التي هو مؤتمن عليها للافشاء، ويعرض نفسه لمتابعات من اجل المساس بالسر المهني .
كمحاولة للجواب على هذا التساؤل، وحتى تكون المقاربة باكثر ما يمكن من الوضوح ارى انه من المفيد التذكير في مرحلة اولى بقاعدة السر المهني وتحديد معالمها، ثم التطرق لاوجه استعمال المحامي لوسائل الاتصال الحديثة وما قد تشكله من تهديد لتلك القاعدة .
اعتقد ان السر المهني بمفهومه المعاصر والمتداول في المجتمعات الليبرالية لم يعرف بالمغرب الا ابتداء من ارساء نظام الحماية الذي اقترن بوضع نصوص تشريعية عصرية مستنبطة في مجملها من القوانين الفرنسية ان لم تكن القوانين الفرنسية نفسها كما حدث بالنسبة للقانون الجنائي والمسطرة الجنائية .
فقد نص الفصل 13 من ظهير 12/9/1913 المتعلق بالمسطرة الجنائية، والملحق بظهير 12 شتنبر 1913 المتعلق بالتنظيم القضائي للحماية الفرنسية بالمغرب على ان مقتضيات قانون الاجراءات الجنائية الفرنسي تطبق امام المحاكم الفرنسية بالمغرب، كما نص الفصل 14 منه على ان العقوبات المطبقة على الجنايات والجنح والمخالفات هي تلك المنصوص عليها في القانون الجنائي الفرنسي .
ومنذ ذلك الحين اصبحت جنحة افشاء الاسرار معاقبا عليها بالمغرب بمقتضى الفصل 378 من القانون الجنائي الفرنسي .
الا ان الملاحظ ان الفصل 378 المذكور لم يكن يشير الىالمحامي صراحة الى جانب الاطباء والجراحين والصيادلة والمولدات، ربما لان المشرع الفرنسي كان مقتنعا بان الحفاظ على السر المهني شيء بديهي بالنسبة للمحامي، ولانه لا تتصور مهنة المحاماة ومهام الاستشارة والدفاع دون احترام ضرورة التمسك بما تفرضه الاخلاق الحميدة من التزامات بصفة عامة .
ونهج المشرع نفس المنهاج في ظهير 18/5/1959 ثم في مرسوم 19/12/1986 بحيث لم يتطرق للسر المهني واكتفى بالاشارة في الفصل 52 من كلا القانونين الى ضرورة احترام سرية التحقيق من طرف المحامي .
ولم يتم التنصيص لاول مرة وصراحة على التزام المحامي بالسر المهني الا في ظهير 8/11/1979 حيث نص الفصل 69 منه على انه يمنع على المحامي افشاء أي شيء يمس بالسر المهني، وقد اعيد التاكيد على هذا الالتزام في الفصل 36 من ظهير 10/9/1993 .
وبالرغم مما ذكر فانه لاجدال في ان الصيغة العمومية للفصل 378 من القانون الجنائي الفرنسي، ثم الفصل 466 من القانون الجنائي المغربي، والتي تتحدث عن كل شخص يعتبر من الامناء على الاسرار بحكم مهنته او وظيفته كانت تشمل المحامي .
ويبقى التساؤل عن مضمون الالتزام بالسر المهني بالنسبة للمحامي لتحديد مداه واثاره، ولعل مقارنة بين السر المهني عند المحامي وعند الاشخاص الاخرين الملزمين به ستبين ان السر المهني عند المحامي هو الوحيد الذي احتفظ بطابعه المطلق عبر العصور والى الان .
فالاطباء مثلا لم يعد بامكانهم كتمان كل ما يعلمونه عن الحالة الصحية لمرضاهم، اذ ان المشرع تدخل في العديد من البلدان لسن قواعد تجبرهم على التبليغ عن العديد من الامراض التي قد تشكل خطرا على الصحة العمومية لكونها معدية مثلا، وذلك حفاظا على المصلحة العامة، كما تسمح بالتبليغ عن كل ما يعاينونه من اثار اعتداء على طفل مثلا .
وقد سار المشرع المغربي في نفس الاتجاه بحيث انه، وبمقتضى القانون رقم 99-11 ادخل تعديلا على الفقرة الثانية من الفصل 446 من القانون الجنائي، واصبح باستطاعة لاطباء ان يبلغوا عن عمليات الاجهاض و عن الاعتداءات على القاصرين دون سن الثامنة عشرة دون ان يعتبر ذلك افشاء للسر المهني .
اما الصيادلة فيمكن القول انهم لن يكونوا معنين بمتقضيات الفصل 446 من القانون الجنائي الا في حالات شاذة، على اعتبار ان الصيدلي لم يعد يتعامل مع المريض مباشرة ويعد له الدواء بنفسه، وانما يكتفي ببيع ادوية جاهزة على اساس وصفات طبية تحمل اسماء اشخاص مجهولين لديه، او حتى بدون وصفات .
اما الخبير المحاسب مثلا فان التزامه بالسر المهني قد تقلص كثيرا، ذلك انه قبل صدور ظهير 8/1/1993 كان الخبير المحاسب يتولى بالاساس مسك حسابات زبونه والعمل على قبولها من طرف ادارة الضرائب، اما الان فان المشرع اعطاه احتكار التصديق على صحة الموازنات والحسابات، وهذا يعني انه اصبح يعمل لفائدة الاغيار ومن بينهم ادارة الضرائب، وليس بالاساس لفائدة زبونه الذي اطلعه على جميع اسراره لتمكينه من التصديق على تلك الحسابات .
وقد الزمه المشرع كذلك وهو يمارس مهام مراقب الحسابات، والتي جعلها المشرع حكرا عليه كذلك، بان يشعر عددا من الجهات بكل ما قد يكتشفه من اخلالات في تسيير الشركة .
ويكفي ملاحظة ما جاء في الفصل 2 من ظهير 8/1/1993 المنظم لمهنة الخبراء المحاسبين من انهم ملزمون بالتقيد بتوصيات المنظمات والادارات المختصة في تنفيذ مهامهم، لمعرفة الىاي مدى تم تقليص التزامهم بالسر المهني .
اما بالنسبة للحامي، وكما سبقت الاشارة الى ذلك، فان المشرع وبالعكس عاد الى التاكيد علىانه لا يجوز للمحامي ان يفشي اي شيء يمس بالسر المهني في اي قضية، وهذا المنع ينطوي في نفس الوقت على امتياز السر المهني الذي يعفي المحامي من ان يفشي سرا اذا ما طلبت منه اية سلطة ذلك، ودون ان يتعرض لاية عقوبة .
وللتاكيد على الطابع الكامل المطلق للسر المهني لدى المحامين تجدر الاشارة الى ما نص عليه الفصل 61 و104 من قانون المسطرة الجنائية من انه اذا وقع التفتيش في اماكن يشغلها شخص يلزمه القانون بكتمان السر المهني، فعلى ضابط الشرطة وقاضي التحقيق ان يتخدا جميع التدابير اللازمة لضمان احترام ذلك السر .
وانطلاقا مما ذكر فان المحامي ملزم وعلى سبيل المثال بكتمان كل ما يصل الى عمله، وبان يمتنع عن النيابة ضد احد زبنائه السابقين في قضية سبق ان ائتمنه على معلومات بشانها، وبان يمتنع عن النيابة على متقاضيين مصالحهما متعارضة الى غير ذلك من الامثلة .
وهكذا يتجلى ان السر المهني لدى المحامي هو الوحيد الذي ظل كاملا ومطلقا، ولا عجب في ذلك لانه لا يمكن تصور مجتمع حر بدون ضمان حرية الفرد، ولا يمكن ضمان حرية الفرد وتمكينه من ممارسة حقوقه دون تمكينه من الاستعانة بمحام عند الاقتضاء، ولايمكن للمحامي ان يعطي استشارة معللة وصائبة او يؤمن الدفاع عن الحقوق بطريقة مجدية الا اذا اطلعه الزبون على جميع جوانب قضيته ومن تم على اسرار تهم صحته او عائلته او تجارته الى غير ذلك، وهو مطمئن تماما على انه لن يتم افشاؤها .
الا ان سر المحامي بدا يتعرض خصوصا في بعض الدول المتقدمة لهجمات تهدف الى تقليص من مداه، ليس تنكرا لحقوق الدفاع والحريات وانما للحيلولة دون استعمال سر المحامي للتستر على اعمال غير مشروعة كالغش الضريبي وتبييض الاموال .
وهكذا شرعت بعض المحاكم بفرنسا في التمييز بين عمل المحامي كمدافع وبين عمله كمجرد مستشار قانوني، لتخلص الى انه لا يمكن للمحامي في هذه الحالة الاخيرة ان يواجه القضاء بالسر المهني، ومن تم امكن حجز الرسائل المتبادلة بينه وبين موكله ونصوص الاستشارات وكل ما لم يتعلق بممارسة حقوق الدفاع .
وحقيقة الامر ان قانون 31/12/90 الذي ادمج المستشارين القانونيين في سلك المحامين هو الذي اوحى للقضاء بفكرة التمييز بين المحامي الذي يعطي الاستشارة والمحامي الذي يؤمن الدفاع على حقوق موكله، ولتلافي اي انزلاق ادخل المشرع الفرنسي تعديلين متواليين ليؤكد بانه سواء تدخل المحامي لاعطاء استشارة او لتامين الدفاع، فان الاستشارات التي يوجهها لزبونه والرسائل التي يتبادلها معه وكذا الرسائل التي يتبادلها مع زملائه، وبصفة عامة جميع مستندات الملف مشمولة كلها بالسر المهني .
وان دل هذا على شيء فانما يدل على ان السر المهني لدى المحامي وحدة لا تتجرا، كما يدل على ان مجالس هيئات المحامين تتحمل مسؤولية فرض احترام مبادئ واخلاقيات المهنة للحفاظ على استقلالها .
ومع ذلك، فان كان المحامي يحرص على كثمان الاسرار التي اؤتمن عليها، فانه يحسن به كذلك ان يعمل على تلافي اية وضعية يصبح فيها هونفسه ضحية افشاء تلك الاسرار من طرف الغير، وهذا هو ما اصبح وقوعه كثير الاحتمال مع استعمال وسائل الاتصال الحديثة .
ان المقصود بوسائل الاتصال الحديثة في هذا العرض هي التي يمكن للمحامي ان يستعملها في اطار ممارسة مهنته وهي بالاساس جهاز الفاكس وشبكة الانترنيت، على اعتبار ان جهاز التلكس اصبح في طريق الانقراض بعد ظهور الفاكس، وعلى اعتبار ان عددا اخر من تقنيات الاتصال لا تتلاءم مع ممارسة مهنة المحاماة .
الا ان، وبالنظر الى الطابع المتجدد لوسائل الاتصال القديمة وهي الرسائل والهاتف، فانه يمكن اعتبارها كذلك وسائل اتصال حديثة، خصوصا وانه لا يمكن تصور استعمال الفاكس دون جهاز هاتف، ولا يمكن تصور استعمال شبكة الانترنيت دون استعمال شبكة الخصوص الهاتفية .
والسؤال المطروح هوالى اي حد يمكن للمحامي ان يستعمل وسائل الاتصال المذكورة دون ان يعرض اسرار موكليه للافشاء، وذلك بسقوط المراسلات الموجهة الى زبنائه او زملائه بين يدي اغيار، او بوصول مكالمات هاتفية الى اسماعهم .
ونظرا لتباين وسائل الاتصال هذه في ما بينها فانه يحسن التطرق لتطبيقات كل واحدة منها على حدة :
1- جهاز الفاكس :
يسمح جهاز الفاكس بنقل مضمون وثيقة من المراسل اليه ومباشرة في ثوان معدودة، الا انه عندما يتم تلقي الرسالة على الورق الحراري الخاص بجهاز الفاكس، وليس على ورق عادي، فان محتواها يصبح غير مقروء مع مرور الوقت .
وبغض النظر عن هذا الجانب وعن مسالة حجية المراسلات المبعوثة عبر الفاكس، فان ما يخشى بالنسبة للمحامي هو ان تستقر رسالته عند شخص غير زبونه، ذلك ان خطا في تركيب رقم المرسل اليه او اختلاطا في الخطوط الهاتفية يمكن ان ينتج عنه وصول الرسالة الى شخص اجنبي، الشيء الذي يمكن ان تنتج عنه اثار وخيمة تبعا لاهمية وحساسية محتواها .
2- شبكة انترنيت :
علاوة على كون شكبة انترنيت خزانا هائلا من المعلومات في جميع الميادين، والتي يمكن الوصول اليها مجانا او بمقابل، فانها كذلك شبكة للاتصال بين الاشخاص بفارق وحيد وهو انه تسعمل الة الحاسوب بدل جهاز الهاتف .
الا ان مشكل الحفاظ علىالسر المهني يطرح نفسه بحدة اكبر مما هو عليه بالنسبة لجهاز الفاكس، ذلك ان مجرد بقاء حاسوب المحامي مرتبطا بشبكة انترنيت يجعل جميع المعلومات المخزونة والتي هي سرية بقوة القانون لتعلقها بالزبناء، يجعلها عرضة للسرقة عن طريق النقل عن بعد ( Téléchargement) مما يتعين معه توقيفه اواطفاؤه بمجرد الانتهاء من استعماله .
فالكل سمع عن توصل عباقرة في الاعلاميات الى اختراق انظمة اعلاميات متطورة كان يعتقد انها منيعة مثل نظام ادارة الدفاع " البانتاكول" بالولايات المتحدة اوانظمة الابناك الكبرى، فما بالك عندما يتعلق الامر بحاسوب عادي لا يتوفر على اية حماية، وان اخر ما طلعت به الاخبار في هذا الصدد توصل عصابة الى تحويل اموال طائلة لفادئها عن طريق اختراق نظام الاعلاميات لاحد الابناك بايطاليا .
واذا كانت تقنيات الاعلاميات تسمح بالقيام بمثل هذه الاعمال، فيبقى من الواضح انه من السهل قرصنة كل مراسلة عبر شبكة الانترنيت والتعرف على محتواها، ثم افشاؤها او تحريفها. لمحاربة هذا النوع الجديد من الاجرام تاسست فوق شرطة خاصة في الدول التي شاع فيها استعمال شبكة انترنيت واستطاعت فعلا وضع حد لانشطة العديد من المشاغبين، كما صدرت قوانين لضبط استعمال وسائل الاتصال الحديثة بصفة عامة .
واعتبارا لما ذرك اعتقد انه كلما تعلق الامر برسالة لا ينبغي مطلقا ان يصل فحواها الى علم الغير، فانه يتعين استعمال وسيلة غير شبكة الانترنيت لتبليغها طالما انه لم يتم التوصل الى تقنيات تضمن الحفاظ بصفة مطلقة على سرية تلك المراسلة .
وتجدر الاشارة الى ان الوسيلة الوحيدة التي يمكن بها تلافي اطلاع الغير علىالمراسلة او بالاحرى فهمها هو استعمال شفرة لا يعرف سرها الا المرسل والمرسل اليه، الا ان استعمال الشفرة تمنعه جميع التشريعات في العالم اللهم اذا رخص به صراحة .
ذلك انه ولاعتبارات امنية واقتصادية يجب ان تستطيع السلطات العمومية في كل بلد وعند الاقتضاء ان تطلع وتفهم فحوى الرسائل، حتى تستطيع محاربة الاجرام المنظم الذي وجد في وسائل الاتصال الحديثة ومنها شبكة الانترنيت طريقا للقفز على الحدود .
وكمثال على ذلك نجد ان مرسوم 4/8/1972 المتعلق بتنظيم خدمات التلغراف والتلفون بالمغرب ينص على انه باستطاعة مكتب البريد الذي يتلقى ايداع برقية مكتوبة مرموزة ان يشترط على المرسل ان يودع كذلك الترجمة الكاملة الى صيغة واضحة لمجموع الكلمات المرموزة، وكذلك ايداع دليل الرموز الكامل الذي استعمل في تحرير البرقية .
3- الهاتف :
من المعلوم ان المكالمات الهاتفية تدخل في الحياة الخاصة للفرد، من تم فانه يمنع الاعتدءد عليها بعمليات التصنت، الا في حالات استئنافه وتحت رقابة القضاء .
الا ان الملاحظ هو ان التشريع المغربي وخصوصا قانون المسطرة الجنائية لا يتضمن اية مقتضيات تنظم عمليات التقاط المكالمات الهاتفية والتصنت عليها، في حين نجد ان قانون المسطرة الجنائية الفرنسي مثلا نص في فصله 100 على الاجراءات التي يجب على قاضي التحقيق او من ينيب عنه احترامها لاجراء عملية التقاط مكالمة وتسجيلها .
وبخصوص المحامي نص في الفصل 100 في فقرته السابعة على انه لا يمكن التقاط اية مكالمة هاتفية تمر عبر خط خاص بمكتب محام او بمسكنه دون اشعار النقيب بذلك مسبقا من طرف قاضي التحقيق، ولاشك ان في هذا الاجراء ضمانة اضافية .
وهكذا نجد انه ان كان المشرع الفرنسي من جهة قد كرس حق السلطة القضائية في التصنت على الاتصالات الهاتفية لمحام عندما تقتضي الضرورة ذلك، فانه بالمقابل احاط هذه الامكانية بعدد من الضمانات التي من شانها ان تحفظ التزامه بالسر المهني .
هكذا نكون قد لا مسنا بعض المخاطر التي قد تحيط بالسر المهني للمحامي من جراء استعماله لوسائل الاتصال الحديثة، الا ان هذا لا يعني وجوب نبذ تلك الوسائل وانما وجوب التعامل معها بما تفرضه خصوصيات مهنة المحاماة .
واعتبارا لما ذكر اعتقد انه يحسن بالمحامي ان لا يستعمل الهاتف والفاكس وشبكة الانترنيت الا عندما يتعلق الامر ببعث رسالة علم الغير بمحتواها لا ينفعه ولا يضره .
اما عندما ما تعلق الامر بمعلومات حساسة، واذا لم يكن بالامكان التذاكر بشانها مباشرة، فمن الافضل ان يتم بعثها بواسطة رسالة على اعتبار ان الرسائل هي التي تستفيد من اقوى حماية وتعطي اكبر ضمانة للحفاظ على السر المهني .
فالدستور ينص في الفصل 11 على ان المراسلات سرية، اما الفصلان 232 و448 من القانون الجنائي فينصان على العقوبات التي يمكن ايقاعها بكل من سولت له نفسه الاعتداء على سرية المراسلات .
والى جانب هذا فالكل يعلم التطور الذي اصبحت عليه خدمات البريد، بحيث ان ما يعرف بالبريد السريع يمكن من تسليم الرسائل داخل 24 ساعة. من ايداعها، ثم ان الشركات الدولية مثل D H L و FEDEX تؤمن من تسليم الرسائل بين اوروبا والمغرب مثلا في اجل لا يتعدى 24 الى 48 ساعة .
ان وسائل الاتصال الحديثة من اكبر دعائم ما اصطلح عليه بالعولمة، وبذلك فان اشكالية السر المهني ووسائل الاتصال الحديثة ما هي الا واحدة من العديد من الاشكاليات والتحديات التي ستواجه مهنة المحاماة في المستقبل، مما يحق معه التساؤل الى اي حد ستصمد وستحافظ على خصوصياتها باعتبارها مهنة عريقة .
فالعولمة تعني بالنسبة لقطاع المحاماة هيمنة شركةالمحامين الكبرى التي تعمل اولا وقبل كل شيء تحت شعار المردودية وتحقيق الربح، وهذا جو يصعب فيه ربط علاقات انسانية بين المحامين وزبونه .
وان استعمال وسائل الاتصال الحديثة دون اعتبار للسر المهني وللطابع الانساني للعلاقة بين المحامي وموكله سيجعلنا لا محالة ناسف على الوقت الذي كان فيه المحامي، ونظرا لانعدام تقنيات العزل الصوتي في البناءات القديمة، يعمد الى تغليف جدران مكتبه بصفائح من الخشب وتغليف بابه بالجلد، حتى لا يتسرب ما يروج بينه وبين موكله الى الاغيار .
مجلة المحاكم المغربية، عدد 86، ص 120 .
0 التعليقات:
Post a Comment