للأستاذ عبد العزيز توفيق رئيس القسم
المدني بالمحكمة الابتدائية بالبيضاء
الركن الثالث
العلاقة السببية بين الخطأ والضرر
تعريــف: السببية هي اسناد فعل من الافعال آلي مصدره المباشر، وهي في معرض بحثنا : العلاقة المباشرة التي تقوم بين خطا شخص والضرر الحاصل لشخص اخر نتيجة ذلك، الخطا وهي الركن الثالث من اركان المسؤولية المدنية الذي لا تقوم آلا بتوافره، وكثيرا ما يحدث خطا من شخص وضرر لشخص اخر، آلا ان العلاقة السببية بين الخطا والضرر تنعدم، وبانعدامها تنعدم مسؤولية المخطئ رغم الخطا الذي ارتكبه. فمن يسوق سيارة وهو لا يتوفر على رخصة السياقة ويسير بسرعة معتدلة مراعيا قانون السير فيصدم شخصا ثملا يسير ذات اليمين وذات الشمال في الطريق العام ويصاب هذا الاخير بجروح، فلا شك ان سائق السيارة ارتكب خطا بسياقته السيارة بدون رخصة، ولا شك ايضا ان الشخص الثمل تضرر من جراء الجروح التي اصيب بها نتيجة اصطدامه بالسيارة، آلا انه ليس هناك علاقة سببية بين خطا السائق الذي هو السياقة بدون رخصة وبين ضرر المجروح، ذلك ان سبب وقوع الضرر للمار يرجع آلي خطئه لا آلي السياقة بدون رخصة. وكذلك من يقوم بوضع سم لشخص في الطعام فيتناول هذا الشخص الطعام المسموم آلا انه قبل ان يفعل السم فعله في الاكل، يأتي شخص ويطلق عليه عيارا ناريا فيرديه في الحال فلا شك ان اطلاق الرصاص على الشخص المسموم هو الذي ادى آلي قتله، وقد قطع السببية بين فعل واضع السم وموت الأكل وبالتالي فان واضع السم لا يعد مسؤولا مدنيا عن وفاة الضحية، ولا يمكن لورثة هذا الاخير ان يطالبوه بتعويض عن وفاته، وان كان جنائيا بعد مرتكبا لمحاولة جناية التسمم المنصوص عليه في الفصلين 114 و998 من القانون الجنائي المعاقب عليه كالجريمة التامة.
وقد يقع ضرر لشخص نتيجة فعل قام به شخص اخر وتقوم السببية بين فعل الاول وضرر الثاني الا ان مرتكب الفعل لا يعد مسؤولا عن الضرر الحاصل للمتضرر وذلك اذا كان الفعل الذي قام به الفاعل لا يعتبر خطا، كالدائن الذي يوقع الحجز على منقولات مدينة نتيجة عدم وفاء المدين بالتزامه وتباع بالمزاد العلني بأبخس الاثمان، فلا شك ان المدين تضرر من بيع منقولاته، الا ان الدائن الذي تسبب في هذا البيع لا يعد مسؤولا لانه مارس حقا له مشروعا، ولان الضرر يرجع الى خطا المدين نفسه.
ومعرفة ما اذا كانت السببية بين خطا المخطئ وضرر المتضرر قائمة ام لا ؟ وما هو الضرر الذي يستحق المتضرر عنه التعويض مسالة دقيقة وذلك راجع من جهة آلي ان الضرر كثيرا ما ينشا عن اكثر من سبب واحد، وقد يكون من بين هذه الاسباب المتضرر نفسه فيجب البحث في هذه الحالة عن مدى توافر السببية في أي فعل من هذه الافعال آو فيها جميعا، ومن جهة أخرى فان كثيرا ما تنشا عن خطا واحد اضرار متلاحقة، فأي ضرر يمكن ان يسال عنه المخطئ ام عنها جميعا وهناك حالات أخرى تنتفي فيها المسؤولية بين خطا المخطئ وضرر المتضرر، وعليه فسنبحث موضوع السببية في ثلاثة مباحث.
المبحث الاول : انعدام السببية - المبحث الثاني : تلاحق الاضرار - المبحث الثالث : انعدام السببية وهذا المبحث الاخير يحتوي على مطلبين :
المطلب الاول : خطا المضرور- المطلب الثاني : القوة القاهرة والحادث المفاجئ وخطا المضرور.
المبحث الاول
نظرية تعدد الأسباب
كثيرا ما تتعدد الاسباب التي تتدخل في احداث الضرر للغير سواء كانت قريبة ام بعيدة، مما ادى الى قيام نظرتين في الأفق القانوني وكلتاهما ألمانية، فالاولى تعرف تكافؤ الاسباب وتعادلها، والثانية تعرف بالسبب المنتج او الفعال.
نظرية تكافؤ الأسباب وتعادلها :
قال بها الفقيه الألماني جون فيرى وتتلخص في ان كل سبب تدخل في احداث الضرر مهما كان اثره ضئيلا يعتبر سبيلا متكافئا مع الاسباب الاخرى التي تدخلت في احداثه، وبالتالي يسال مرتكبه بالاضافة الى مرتكب او مرتكبي الافعال الاخرى بنفس النسبة، لان حسب هذه النظرية كل من هذه الافعال يعد سببا في احداث الضرر للمضرور ومساهم فيه، ولولاه لما وقع الضرر. فلو ان شخصا ترك باب سيارته مفتوحا وجاء سارق فسرقها وساقها بسرعة فائقة فصدم شخصا كان يعبر الطريق فان مسؤولية الحادثة بمقتضى هذه النظرية يتحملها بالتساوي كل من مالك السيارة والسارق، اذ لولا خطا المالك بترك السيارة مفتوحة لما أغرى ذلك السارق وسرقتها، ولولا سرعة السارق في سيره لما وقعت الحادثة وبذلك يسال كل من المالك والسارق. ولو اضيف الى هذين الخطأين خطا الضحية نفسه الذي كان يسير وسط الطريق في انعراج لانصهر خطاه الى خطا المالكة والسارق واصبح الثلاثة مسؤولين بالتساوي عن الضرر الحاصل للمضرور بمن فيهم المضرور نفسه، ولا شك ان هذه النظرية : نظرية الضرر الحاصل للمضرور بمن فيهم المضرور نفسه، ولا شك ان هذه النظرية: نظرية تكافؤ الاسباب غير عملية اذ انها تسوي بين جميع الاسباب الي ساهمت ولو بقسط ضئيل في احداث الضرر بل وحتى ما كان منها بعيدا ما دام ساهم في احداث الخطأ. فبحسب هذه النظرية يسال المضرور الذي قطع الطريق وصدم من طرف سائق سيارة يسير بسرعة مفرطة، وذنب المار انه عبر الطريق ولو لم يعبر الطريق ولم يخرج من مسكنه لما وقعت الحادثة، وتحت تاثير النقد الشديد الذي وجه الى نظرية تكافؤ الاسباب بعدم ملاءمتها لواقع الحياة ظهرت نظرية ثانية هي نظرية السبب المنتج.
نظرية السبب المنتج او الفعال
ظهرت هي الاخرى في ألمانيا ينادي بها الفقيه الالماني فون كريس، وخلاصتها انه عند تعدد الاخطاء التي تتسبب في احداث ضرر فانه ينظر الى الخطا الذي يؤدي عادة الى هذه النتيجة دون غيره من الاخطاء الاخرى المشاركة. ففي مثالنا الاول، فان مالك السيارة الذي تركها مفتوحة لا يعد مسؤولا عن الضرر الحاصل للشخص المصدوم لان ترك السيار مفتوحة لا يؤدي عادة الى صدم احد وبالتالي يكون صاحب السيارة غير مسؤول عن الضرر الحاصل للمصدوم، بينما السارق الذي ساق السيارة بسرعة فائقة ولم يحترم قوانين ونظم المرور هو الذي تسبب في الحادثة وحده لان سياقة السيارة بسرعة فائقة مع عدم احترام قواعد السير يؤدي عادة الى الحوادث اذن فخطا سائق السيارة هو السبب المنتج للحادثة، وقد يضاف اليه خطا المتضرر اذا ما عبر الطريق دون احتياط ودون ان يتاكد من خلوها من السيارات، او قطع الطريق وهو ثمل يسير ذات اليمين وذات الشمال فان فعله هذا يعد شيئا طبيعيا وعاديا في ارتكاب الحادثة يضاف الى السبب الاول وهو سياقة السيارة بسرعة فائقة مع عدم احترام قوانين المرور، ومن هنا نرى ان نظرية السبب الناتج تاخذ بالسبب العادي والفعال في ارتكاب الفعل الضار، ولو تعددت بنفس الدرجة وتهمل الافعال الاخرى العارضة التي لا تحدث عادة حوادث وقد استقر القضاء اخيرا على الاخذ بنظرية السبب المنتج وقد احسن المشرع المغربي صنعا عندما اخذ هو الاخر بنظرية السبب المنتج اذ نص في الفصل 78 من قانون الالتزامات والعقود على ان " كل شخص مسؤول عن الضرر المعنوي او المادي الذي احدثه لا بفعله فقط، ولكن بخطاه أيضا، وذلك عندما يثبت ان هذا الخطا هو السبب المباشر في ذلك الضرر" ونص الفصل 79 من نفس القانون على ان " الدولة والبلديات مسؤولة عن الاضرار الناتجة مباشرة عن تسيير ادارتها وعن الاخطاء المصلحية لمستخدميها".
فمن هذين الفصلين يتبين ان المشرع المغربي حذا حذو المشرع الفرنسي في الاخذ بنظرية السبب المنتج.
المبحث الثاني
نظرية تسلسل الأضرار وتعاقبها
تعريف، نظرية تسلسل الاضرار عكس نظرية تعدد الاسباب التي رأيناها من قبل، ان نظرية تعدد الاسباب تعني تعدد الاخطاء التي ادت كلها الى ضرر واحد او عدة اضرار ولكن في وقت واحد، بينما نظرية، تسلسل الاضرار تعني ان سببا واحدا نشأت عنه عدة أضرار متلاحقة واقول متلاحقة لا متعددة، لان التلاحق أو التعاقب او التسلسل كلها الفاظ تفيد ان هذه الاضرار وقعت متلاحقة نتيجة خطا واحد ولم تقع في وقت واحد.
بينما تعدد الاضرار ينشا في وقت واحد من خطا واحد او متعدد. ولنضرب مثلا لتعدد الاضرار، شخصا يسوق سيارة تحمل بضاعة، فتصدم في الطريق من طرف شاحنة وتسفر الحادثة عن انقلاب السيارة وإحراقها، واصابة سائقها بجروح، ادت الى بتر ساقه فلا شك ان هذا الشخص - سائق السيارة - أصيب باضرار مادية في سيارته وبضاعته وملابسه وجسمانية في بدنه ومعنوية في بتر ساقه الذي يلازمه طول حياته، كل هذه أضرار متعددة الا انها نتجت عن خطا واحد في وقت واحد اما تسلسل الاضرار او تعاقبها فقد وجدت له مثالا واحدا في اكثر من عشرة كتب في الموضوع وهو المثال الذي ضربه الفقيه الفرنسي بواثييب ( البقرة الموبوءة) تاجر في المواشي باع بقرة موبوءة الى شخص اخر يشتغل بتربية الماشية والزراعة فتنقل العدوى الى مواشي المشتري وتموت عن اخرها فيعجز المشتري عن زارعة أراضيه ويقترض مبالغ مالية تمكنه من الزراعة ويرهن في ذلك أرضه فلا يستطيع أداء الدين مما يجعل الدائنين يوقعون الحجز على الارض ويبيعونها بأبخص الاثمان وفاء لدينهم فلا شك ان مشتري البقرة تضرر أضرارا متلاحقة، موت البقرة، موت المواشي ببيع الأرض، ويرى بواتيي ان الاضرار المباشرة التي يستحق عليها المشتري التعويض هي موت البقرة الموبوءة وعدوى المواشي اما العجز عن الزراعة او العجز عن عدم الوفاء بالديون فهي أضرار غير مباشرة كان في استطاعة المزارع ان يتوقاها بشيء من التدبير الحكيم، وان كان هذا المثال يطبق على المسؤولية العقدية ونحن بصدد المسؤولية التقصيرية، فانه يمكن ان يضرب مثلا اخر عن تلاحق الأضرار وتسلسلها. ساعي البريد يقوم بتوزيع البريد داخل المدينة فيصدم من طرف سائق سيارة وينقل الى المستشفى، قبل ان تبلغ الرسائل الى اصحابها وتشعر ادارة البريد بالحادث، فلم تكلف ساعيا اخر باتمام عمل الساعي المتضرر فهل يسال صاحب السيارة عن الاضرار التي لحقت بشخص ادعى انه لم يتوصل بالاستدعاء الى امتحان في الوقت المحدد، بسبب الحادثة التي تعرض لها ساعي البريد او الاضرار التي لحقت تاجرا لم يتوصل باشعار باستلام بضاعته التي وصلت بالطائرة من أمين النقل للسبب نفسه، واضطر الى اداء مبالغ مهمة اضافية عن كراء المخزن الذي وضعت فيه البضائع، فلا شك ان ساعي البريد تضرر من جراء الحادثة التي اصيب بها ولا شك ان المرشح آلي الامتحان تضرر كذلك نتيجة عدم اتمام ساعي البريد عمله، ولا شك كذلك ان التاجر تضرر بدفع مبالغ زائدة على المبلغ الذي كان سيدفعه الى امين النقل لو انه توصل بالاشعار في الوقت المحدد، آلا ان هذه الاضرار كلها ليست نتيجة طبيعية لخطا سائق السيارة، اذا كان على ادارة البريد المحلية ان تكلف ساعيا اخر بإتمام عمل الساعي المصاب ولا يسال سائق السيارة آلا عن الضرر المباشر بسبب خطئه وهو جرح ساعي البريد، آما غيره من الاضرار فلا يسال عنها لانها اضرار غير مباشرة وكذلك الشخص الذي يصاب بجروح نتيجة صدمة من طرف سائق السيارة فيهمل معالجة تلك الجروح الى ان تطورت وادت الى مضاعفات اضطر معها الى عرض نفسه أخيرا على طبيب يشير عليه باجراء عملية جراحية يستصعبها المتضرر فيتطور الآمر الى مرض لا ينفع فيه العلاج ولا العملية الجراحية ويؤدي الى وفاة المتضرر فلا شك ان المتضرر أصيب باضرار متلاحقة : جروح عادية، ثم ضرر يتطلب عملية جراحية ثم ضرر لا ينفع فيه العلاج واخيرا الوفاة، فهل يعتبر سائق السيارة المتسبب في الحادث مسؤولا عن كل هذه الاضرار بما فيها الوفاة.
أولا يسال عن الجرح وحده، ويعتبر غيره من الأضرار الأخرى ناشئة عن خطا المتضرر الذي لم يبادر الى العلاج، اعتقد ان الامر ليس في غاية السهولة فيجب ان ينظر اولا الى هذا الضحية ومستواه الفكري والحضاري، فاذا كان من سكان البوادي الذين لا يؤمنون بجدوى الطب الحديث ويستعملون التداوي بالأعشاب او الكي او الرقي، او كانت العملية غير محققة النتائج فان مرتكب الحادثة يعد مسؤولا عن الوفاة، اما اذا كان الضحية من سكان المدن واهمل علاج نفسه حتى ساءت حالته فلا شك ان خطا هذا قطع خطا مرتكب الحادثة الذي لا يسال الا عن الجرح الذي حصل للضحية لإنه كان في استطاعته ان يتوفى هذه الاضرار ببدل جهد معقول في العلاج والتداوي، وعرض نفسه على الاطباء ليتمكن من حصر المرض في اوله والقضاء عليه، فاذا عمل ولم ينفع العلاج بذلك يسال مرتكب الحادثة عن نتائج عمله ولو أتت متلاحقة.
وكذلك الشخص الذي يصاب بحادثة سير فيضطر لملازمة الفراش مدة يهمل فيها تجارته حتى تبور فيضطر الى اقتراض مبالغ مالية لاستئناف نشاطه التجاري، ويرهن منزله ضمانا للدين، إلا ان تجارته تكسد مرة اخرى، فيضطر تحت طلب الدائنين الى بيع منزله المرهون بابخس الاثمان، فلا شك هنا ان هذا الشخص اصيب بأضرار متلاحقة جروح في جسمه، كساد تجارته الأولى، كساد تجارته الثانية توقيع الحجز على منزله وبيعه بابخس الاثمان وأخيرا إفلاسه، فهل يسال مرتكب الحادثة عن كل هذه الاضرار المتلاحقة ؟ اعتقد انه لا يسال آلا عن الجروح وما ترتب عنها من كساد التجارة الاولى بسبب ملازمته الفراش، آما كساد تجارته الثانية وبيع منزله وافلاسه فان هذه الاضرار كان في استطاعته ان يتوقاها ببذل جهد معقول ولذلك فان المعيار الذي يجب ان نقيس به الضرر المباشر، هو الضرر الذي لا يمكن للمتضرر ان يتوقاه ببذل جهد معقول فاذا امكن ان يتوقاه كان ضررا غير مباشر لا يستحق عليه تعويضا ألانه هو الذي اهمل وأخطأ في بذل الجهد، ولذلك يجب ان يتحمل نتيجة خطاه.
وقد وقع خلاف في بادئ الامر في الفقه و القضاء حول الضرر الذي يجب التعويض عنه اهو الضرر المباشر فقط ؟ أو جميع الاضرار الناشئة عن خطا ولو تلاحقت آو تسلسلت ؟ كما في الامثلة التي سقناها اعلاه، وأخيرا استقر الاجتهاد وبعده التشريع على ان الضرر الذي يجب ان يعوض هو ما كان نتيجة عادية وطبيعية ومباشرة لخطا المسؤول والى هذا الاتجاه ذهب المشرع المغربي في قانون الالتزامات والعقود.
فقد نص الفصل 98 من نفس القانون على ان " الضرر في الجرائم وأشباه الجرائم، هي الخسارة التي لحقت المدعى فعلا والمصروفات الضرورية التي اضطر الى إنفاقها او سيضطر الى إنفاقها لاصلاح نتائج الفعل الذي ارتكبه إضرارا به وكذلك ما حرم من نفع في دائرة الحدود العادية لنتائج هذا الفعل".
ونص الفصل 264 من القانون المذكور في فقرته الاولى على ان " الضرر هو ما لحق الدائن من خسارة حقيقية وما فاته من كسب متى كان ناتجين مباشرة عن عدم الوفاء بالالتزام".
من النصين السابقين تبين ان الضرر الذي أعطى فيه المشرع المغربي الحق للمتضرر في طلب التعويض، سواء كان الضرر ناشئا عن المسؤولية العقدية او التقصيرية هو ما كان نتيجة عادية ومباشرة ومألوفة للفعل الضار الذي ارتكبه المسؤول، اما الأضرار المتلاحقة غير العادية فلا يسال عنها مرتكب الخطا، وانما يسال عنها من تدخل بصفة مباشرة في إحداثها ونسوق هنا امثلة اخرى في حالة تدخل أسباب أخرى مستقلة عن خطا المخطئ الاول بالإضافة الى الأمثلة التي سقناها اعلاه، فالشخص الذي يصاب بحادثة سيارة بجروح، وينقل الى المستشفى على سيارة إسعاف ثم تتعرض هذه الأخيرة الى حادثة تؤدي الى انقلابها، مما سبب في وفاة الضحية المجروح فلا شك ان سبب الوفاة يرجع الى انقلاب سيارة الإسعاف لا الى سائق السيارة الأولى الذي يسال فقط عن الجروح التي تسبب فيها للضحية وكذلك الشخص الذي يجرح نتيجة خطا شخص اخر فنقل الى المستشفى للعلاج فيحترق المستشفى بمن فيه، او يخطئ الطبيب في وصف الدواء او وصف العملية او في العملية نفسها مما يؤدي الى وفاة المجروح او الى مضاعفات اخرى ما كانت لتحدث بسبب الجروح الاولى فهذه الأسباب أجنبية عن خطا المخطئ وبالتالي تعفيه مما قد يترتب عنها من اضرار للغير.
للبحث بقية
* مجلة المحاكم المغربية، عدد 20/19، ص 31.
المدني بالمحكمة الابتدائية بالبيضاء
الركن الثالث
العلاقة السببية بين الخطأ والضرر
تعريــف: السببية هي اسناد فعل من الافعال آلي مصدره المباشر، وهي في معرض بحثنا : العلاقة المباشرة التي تقوم بين خطا شخص والضرر الحاصل لشخص اخر نتيجة ذلك، الخطا وهي الركن الثالث من اركان المسؤولية المدنية الذي لا تقوم آلا بتوافره، وكثيرا ما يحدث خطا من شخص وضرر لشخص اخر، آلا ان العلاقة السببية بين الخطا والضرر تنعدم، وبانعدامها تنعدم مسؤولية المخطئ رغم الخطا الذي ارتكبه. فمن يسوق سيارة وهو لا يتوفر على رخصة السياقة ويسير بسرعة معتدلة مراعيا قانون السير فيصدم شخصا ثملا يسير ذات اليمين وذات الشمال في الطريق العام ويصاب هذا الاخير بجروح، فلا شك ان سائق السيارة ارتكب خطا بسياقته السيارة بدون رخصة، ولا شك ايضا ان الشخص الثمل تضرر من جراء الجروح التي اصيب بها نتيجة اصطدامه بالسيارة، آلا انه ليس هناك علاقة سببية بين خطا السائق الذي هو السياقة بدون رخصة وبين ضرر المجروح، ذلك ان سبب وقوع الضرر للمار يرجع آلي خطئه لا آلي السياقة بدون رخصة. وكذلك من يقوم بوضع سم لشخص في الطعام فيتناول هذا الشخص الطعام المسموم آلا انه قبل ان يفعل السم فعله في الاكل، يأتي شخص ويطلق عليه عيارا ناريا فيرديه في الحال فلا شك ان اطلاق الرصاص على الشخص المسموم هو الذي ادى آلي قتله، وقد قطع السببية بين فعل واضع السم وموت الأكل وبالتالي فان واضع السم لا يعد مسؤولا مدنيا عن وفاة الضحية، ولا يمكن لورثة هذا الاخير ان يطالبوه بتعويض عن وفاته، وان كان جنائيا بعد مرتكبا لمحاولة جناية التسمم المنصوص عليه في الفصلين 114 و998 من القانون الجنائي المعاقب عليه كالجريمة التامة.
وقد يقع ضرر لشخص نتيجة فعل قام به شخص اخر وتقوم السببية بين فعل الاول وضرر الثاني الا ان مرتكب الفعل لا يعد مسؤولا عن الضرر الحاصل للمتضرر وذلك اذا كان الفعل الذي قام به الفاعل لا يعتبر خطا، كالدائن الذي يوقع الحجز على منقولات مدينة نتيجة عدم وفاء المدين بالتزامه وتباع بالمزاد العلني بأبخس الاثمان، فلا شك ان المدين تضرر من بيع منقولاته، الا ان الدائن الذي تسبب في هذا البيع لا يعد مسؤولا لانه مارس حقا له مشروعا، ولان الضرر يرجع الى خطا المدين نفسه.
ومعرفة ما اذا كانت السببية بين خطا المخطئ وضرر المتضرر قائمة ام لا ؟ وما هو الضرر الذي يستحق المتضرر عنه التعويض مسالة دقيقة وذلك راجع من جهة آلي ان الضرر كثيرا ما ينشا عن اكثر من سبب واحد، وقد يكون من بين هذه الاسباب المتضرر نفسه فيجب البحث في هذه الحالة عن مدى توافر السببية في أي فعل من هذه الافعال آو فيها جميعا، ومن جهة أخرى فان كثيرا ما تنشا عن خطا واحد اضرار متلاحقة، فأي ضرر يمكن ان يسال عنه المخطئ ام عنها جميعا وهناك حالات أخرى تنتفي فيها المسؤولية بين خطا المخطئ وضرر المتضرر، وعليه فسنبحث موضوع السببية في ثلاثة مباحث.
المبحث الاول : انعدام السببية - المبحث الثاني : تلاحق الاضرار - المبحث الثالث : انعدام السببية وهذا المبحث الاخير يحتوي على مطلبين :
المطلب الاول : خطا المضرور- المطلب الثاني : القوة القاهرة والحادث المفاجئ وخطا المضرور.
المبحث الاول
نظرية تعدد الأسباب
كثيرا ما تتعدد الاسباب التي تتدخل في احداث الضرر للغير سواء كانت قريبة ام بعيدة، مما ادى الى قيام نظرتين في الأفق القانوني وكلتاهما ألمانية، فالاولى تعرف تكافؤ الاسباب وتعادلها، والثانية تعرف بالسبب المنتج او الفعال.
نظرية تكافؤ الأسباب وتعادلها :
قال بها الفقيه الألماني جون فيرى وتتلخص في ان كل سبب تدخل في احداث الضرر مهما كان اثره ضئيلا يعتبر سبيلا متكافئا مع الاسباب الاخرى التي تدخلت في احداثه، وبالتالي يسال مرتكبه بالاضافة الى مرتكب او مرتكبي الافعال الاخرى بنفس النسبة، لان حسب هذه النظرية كل من هذه الافعال يعد سببا في احداث الضرر للمضرور ومساهم فيه، ولولاه لما وقع الضرر. فلو ان شخصا ترك باب سيارته مفتوحا وجاء سارق فسرقها وساقها بسرعة فائقة فصدم شخصا كان يعبر الطريق فان مسؤولية الحادثة بمقتضى هذه النظرية يتحملها بالتساوي كل من مالك السيارة والسارق، اذ لولا خطا المالك بترك السيارة مفتوحة لما أغرى ذلك السارق وسرقتها، ولولا سرعة السارق في سيره لما وقعت الحادثة وبذلك يسال كل من المالك والسارق. ولو اضيف الى هذين الخطأين خطا الضحية نفسه الذي كان يسير وسط الطريق في انعراج لانصهر خطاه الى خطا المالكة والسارق واصبح الثلاثة مسؤولين بالتساوي عن الضرر الحاصل للمضرور بمن فيهم المضرور نفسه، ولا شك ان هذه النظرية : نظرية الضرر الحاصل للمضرور بمن فيهم المضرور نفسه، ولا شك ان هذه النظرية: نظرية تكافؤ الاسباب غير عملية اذ انها تسوي بين جميع الاسباب الي ساهمت ولو بقسط ضئيل في احداث الضرر بل وحتى ما كان منها بعيدا ما دام ساهم في احداث الخطأ. فبحسب هذه النظرية يسال المضرور الذي قطع الطريق وصدم من طرف سائق سيارة يسير بسرعة مفرطة، وذنب المار انه عبر الطريق ولو لم يعبر الطريق ولم يخرج من مسكنه لما وقعت الحادثة، وتحت تاثير النقد الشديد الذي وجه الى نظرية تكافؤ الاسباب بعدم ملاءمتها لواقع الحياة ظهرت نظرية ثانية هي نظرية السبب المنتج.
نظرية السبب المنتج او الفعال
ظهرت هي الاخرى في ألمانيا ينادي بها الفقيه الالماني فون كريس، وخلاصتها انه عند تعدد الاخطاء التي تتسبب في احداث ضرر فانه ينظر الى الخطا الذي يؤدي عادة الى هذه النتيجة دون غيره من الاخطاء الاخرى المشاركة. ففي مثالنا الاول، فان مالك السيارة الذي تركها مفتوحة لا يعد مسؤولا عن الضرر الحاصل للشخص المصدوم لان ترك السيار مفتوحة لا يؤدي عادة الى صدم احد وبالتالي يكون صاحب السيارة غير مسؤول عن الضرر الحاصل للمصدوم، بينما السارق الذي ساق السيارة بسرعة فائقة ولم يحترم قوانين ونظم المرور هو الذي تسبب في الحادثة وحده لان سياقة السيارة بسرعة فائقة مع عدم احترام قواعد السير يؤدي عادة الى الحوادث اذن فخطا سائق السيارة هو السبب المنتج للحادثة، وقد يضاف اليه خطا المتضرر اذا ما عبر الطريق دون احتياط ودون ان يتاكد من خلوها من السيارات، او قطع الطريق وهو ثمل يسير ذات اليمين وذات الشمال فان فعله هذا يعد شيئا طبيعيا وعاديا في ارتكاب الحادثة يضاف الى السبب الاول وهو سياقة السيارة بسرعة فائقة مع عدم احترام قوانين المرور، ومن هنا نرى ان نظرية السبب الناتج تاخذ بالسبب العادي والفعال في ارتكاب الفعل الضار، ولو تعددت بنفس الدرجة وتهمل الافعال الاخرى العارضة التي لا تحدث عادة حوادث وقد استقر القضاء اخيرا على الاخذ بنظرية السبب المنتج وقد احسن المشرع المغربي صنعا عندما اخذ هو الاخر بنظرية السبب المنتج اذ نص في الفصل 78 من قانون الالتزامات والعقود على ان " كل شخص مسؤول عن الضرر المعنوي او المادي الذي احدثه لا بفعله فقط، ولكن بخطاه أيضا، وذلك عندما يثبت ان هذا الخطا هو السبب المباشر في ذلك الضرر" ونص الفصل 79 من نفس القانون على ان " الدولة والبلديات مسؤولة عن الاضرار الناتجة مباشرة عن تسيير ادارتها وعن الاخطاء المصلحية لمستخدميها".
فمن هذين الفصلين يتبين ان المشرع المغربي حذا حذو المشرع الفرنسي في الاخذ بنظرية السبب المنتج.
المبحث الثاني
نظرية تسلسل الأضرار وتعاقبها
تعريف، نظرية تسلسل الاضرار عكس نظرية تعدد الاسباب التي رأيناها من قبل، ان نظرية تعدد الاسباب تعني تعدد الاخطاء التي ادت كلها الى ضرر واحد او عدة اضرار ولكن في وقت واحد، بينما نظرية، تسلسل الاضرار تعني ان سببا واحدا نشأت عنه عدة أضرار متلاحقة واقول متلاحقة لا متعددة، لان التلاحق أو التعاقب او التسلسل كلها الفاظ تفيد ان هذه الاضرار وقعت متلاحقة نتيجة خطا واحد ولم تقع في وقت واحد.
بينما تعدد الاضرار ينشا في وقت واحد من خطا واحد او متعدد. ولنضرب مثلا لتعدد الاضرار، شخصا يسوق سيارة تحمل بضاعة، فتصدم في الطريق من طرف شاحنة وتسفر الحادثة عن انقلاب السيارة وإحراقها، واصابة سائقها بجروح، ادت الى بتر ساقه فلا شك ان هذا الشخص - سائق السيارة - أصيب باضرار مادية في سيارته وبضاعته وملابسه وجسمانية في بدنه ومعنوية في بتر ساقه الذي يلازمه طول حياته، كل هذه أضرار متعددة الا انها نتجت عن خطا واحد في وقت واحد اما تسلسل الاضرار او تعاقبها فقد وجدت له مثالا واحدا في اكثر من عشرة كتب في الموضوع وهو المثال الذي ضربه الفقيه الفرنسي بواثييب ( البقرة الموبوءة) تاجر في المواشي باع بقرة موبوءة الى شخص اخر يشتغل بتربية الماشية والزراعة فتنقل العدوى الى مواشي المشتري وتموت عن اخرها فيعجز المشتري عن زارعة أراضيه ويقترض مبالغ مالية تمكنه من الزراعة ويرهن في ذلك أرضه فلا يستطيع أداء الدين مما يجعل الدائنين يوقعون الحجز على الارض ويبيعونها بأبخص الاثمان وفاء لدينهم فلا شك ان مشتري البقرة تضرر أضرارا متلاحقة، موت البقرة، موت المواشي ببيع الأرض، ويرى بواتيي ان الاضرار المباشرة التي يستحق عليها المشتري التعويض هي موت البقرة الموبوءة وعدوى المواشي اما العجز عن الزراعة او العجز عن عدم الوفاء بالديون فهي أضرار غير مباشرة كان في استطاعة المزارع ان يتوقاها بشيء من التدبير الحكيم، وان كان هذا المثال يطبق على المسؤولية العقدية ونحن بصدد المسؤولية التقصيرية، فانه يمكن ان يضرب مثلا اخر عن تلاحق الأضرار وتسلسلها. ساعي البريد يقوم بتوزيع البريد داخل المدينة فيصدم من طرف سائق سيارة وينقل الى المستشفى، قبل ان تبلغ الرسائل الى اصحابها وتشعر ادارة البريد بالحادث، فلم تكلف ساعيا اخر باتمام عمل الساعي المتضرر فهل يسال صاحب السيارة عن الاضرار التي لحقت بشخص ادعى انه لم يتوصل بالاستدعاء الى امتحان في الوقت المحدد، بسبب الحادثة التي تعرض لها ساعي البريد او الاضرار التي لحقت تاجرا لم يتوصل باشعار باستلام بضاعته التي وصلت بالطائرة من أمين النقل للسبب نفسه، واضطر الى اداء مبالغ مهمة اضافية عن كراء المخزن الذي وضعت فيه البضائع، فلا شك ان ساعي البريد تضرر من جراء الحادثة التي اصيب بها ولا شك ان المرشح آلي الامتحان تضرر كذلك نتيجة عدم اتمام ساعي البريد عمله، ولا شك كذلك ان التاجر تضرر بدفع مبالغ زائدة على المبلغ الذي كان سيدفعه الى امين النقل لو انه توصل بالاشعار في الوقت المحدد، آلا ان هذه الاضرار كلها ليست نتيجة طبيعية لخطا سائق السيارة، اذا كان على ادارة البريد المحلية ان تكلف ساعيا اخر بإتمام عمل الساعي المصاب ولا يسال سائق السيارة آلا عن الضرر المباشر بسبب خطئه وهو جرح ساعي البريد، آما غيره من الاضرار فلا يسال عنها لانها اضرار غير مباشرة وكذلك الشخص الذي يصاب بجروح نتيجة صدمة من طرف سائق السيارة فيهمل معالجة تلك الجروح الى ان تطورت وادت الى مضاعفات اضطر معها الى عرض نفسه أخيرا على طبيب يشير عليه باجراء عملية جراحية يستصعبها المتضرر فيتطور الآمر الى مرض لا ينفع فيه العلاج ولا العملية الجراحية ويؤدي الى وفاة المتضرر فلا شك ان المتضرر أصيب باضرار متلاحقة : جروح عادية، ثم ضرر يتطلب عملية جراحية ثم ضرر لا ينفع فيه العلاج واخيرا الوفاة، فهل يعتبر سائق السيارة المتسبب في الحادث مسؤولا عن كل هذه الاضرار بما فيها الوفاة.
أولا يسال عن الجرح وحده، ويعتبر غيره من الأضرار الأخرى ناشئة عن خطا المتضرر الذي لم يبادر الى العلاج، اعتقد ان الامر ليس في غاية السهولة فيجب ان ينظر اولا الى هذا الضحية ومستواه الفكري والحضاري، فاذا كان من سكان البوادي الذين لا يؤمنون بجدوى الطب الحديث ويستعملون التداوي بالأعشاب او الكي او الرقي، او كانت العملية غير محققة النتائج فان مرتكب الحادثة يعد مسؤولا عن الوفاة، اما اذا كان الضحية من سكان المدن واهمل علاج نفسه حتى ساءت حالته فلا شك ان خطا هذا قطع خطا مرتكب الحادثة الذي لا يسال الا عن الجرح الذي حصل للضحية لإنه كان في استطاعته ان يتوفى هذه الاضرار ببدل جهد معقول في العلاج والتداوي، وعرض نفسه على الاطباء ليتمكن من حصر المرض في اوله والقضاء عليه، فاذا عمل ولم ينفع العلاج بذلك يسال مرتكب الحادثة عن نتائج عمله ولو أتت متلاحقة.
وكذلك الشخص الذي يصاب بحادثة سير فيضطر لملازمة الفراش مدة يهمل فيها تجارته حتى تبور فيضطر الى اقتراض مبالغ مالية لاستئناف نشاطه التجاري، ويرهن منزله ضمانا للدين، إلا ان تجارته تكسد مرة اخرى، فيضطر تحت طلب الدائنين الى بيع منزله المرهون بابخس الاثمان، فلا شك هنا ان هذا الشخص اصيب بأضرار متلاحقة جروح في جسمه، كساد تجارته الأولى، كساد تجارته الثانية توقيع الحجز على منزله وبيعه بابخس الاثمان وأخيرا إفلاسه، فهل يسال مرتكب الحادثة عن كل هذه الاضرار المتلاحقة ؟ اعتقد انه لا يسال آلا عن الجروح وما ترتب عنها من كساد التجارة الاولى بسبب ملازمته الفراش، آما كساد تجارته الثانية وبيع منزله وافلاسه فان هذه الاضرار كان في استطاعته ان يتوقاها ببذل جهد معقول ولذلك فان المعيار الذي يجب ان نقيس به الضرر المباشر، هو الضرر الذي لا يمكن للمتضرر ان يتوقاه ببذل جهد معقول فاذا امكن ان يتوقاه كان ضررا غير مباشر لا يستحق عليه تعويضا ألانه هو الذي اهمل وأخطأ في بذل الجهد، ولذلك يجب ان يتحمل نتيجة خطاه.
وقد وقع خلاف في بادئ الامر في الفقه و القضاء حول الضرر الذي يجب التعويض عنه اهو الضرر المباشر فقط ؟ أو جميع الاضرار الناشئة عن خطا ولو تلاحقت آو تسلسلت ؟ كما في الامثلة التي سقناها اعلاه، وأخيرا استقر الاجتهاد وبعده التشريع على ان الضرر الذي يجب ان يعوض هو ما كان نتيجة عادية وطبيعية ومباشرة لخطا المسؤول والى هذا الاتجاه ذهب المشرع المغربي في قانون الالتزامات والعقود.
فقد نص الفصل 98 من نفس القانون على ان " الضرر في الجرائم وأشباه الجرائم، هي الخسارة التي لحقت المدعى فعلا والمصروفات الضرورية التي اضطر الى إنفاقها او سيضطر الى إنفاقها لاصلاح نتائج الفعل الذي ارتكبه إضرارا به وكذلك ما حرم من نفع في دائرة الحدود العادية لنتائج هذا الفعل".
ونص الفصل 264 من القانون المذكور في فقرته الاولى على ان " الضرر هو ما لحق الدائن من خسارة حقيقية وما فاته من كسب متى كان ناتجين مباشرة عن عدم الوفاء بالالتزام".
من النصين السابقين تبين ان الضرر الذي أعطى فيه المشرع المغربي الحق للمتضرر في طلب التعويض، سواء كان الضرر ناشئا عن المسؤولية العقدية او التقصيرية هو ما كان نتيجة عادية ومباشرة ومألوفة للفعل الضار الذي ارتكبه المسؤول، اما الأضرار المتلاحقة غير العادية فلا يسال عنها مرتكب الخطا، وانما يسال عنها من تدخل بصفة مباشرة في إحداثها ونسوق هنا امثلة اخرى في حالة تدخل أسباب أخرى مستقلة عن خطا المخطئ الاول بالإضافة الى الأمثلة التي سقناها اعلاه، فالشخص الذي يصاب بحادثة سيارة بجروح، وينقل الى المستشفى على سيارة إسعاف ثم تتعرض هذه الأخيرة الى حادثة تؤدي الى انقلابها، مما سبب في وفاة الضحية المجروح فلا شك ان سبب الوفاة يرجع الى انقلاب سيارة الإسعاف لا الى سائق السيارة الأولى الذي يسال فقط عن الجروح التي تسبب فيها للضحية وكذلك الشخص الذي يجرح نتيجة خطا شخص اخر فنقل الى المستشفى للعلاج فيحترق المستشفى بمن فيه، او يخطئ الطبيب في وصف الدواء او وصف العملية او في العملية نفسها مما يؤدي الى وفاة المجروح او الى مضاعفات اخرى ما كانت لتحدث بسبب الجروح الاولى فهذه الأسباب أجنبية عن خطا المخطئ وبالتالي تعفيه مما قد يترتب عنها من اضرار للغير.
للبحث بقية
* مجلة المحاكم المغربية، عدد 20/19، ص 31.
0 التعليقات:
Post a Comment