بقلم الأستاذ افرانسيسي
ترجمها بتصرف : الأستاذ محمد ميكو
المسؤولية التزام ناشئ عن تصرفات وهي اما تقصيرية او عقدية، فالمسؤولية التقصيرية التزام شخص ارتكب عملا تسبب في ضرر للغير بتعويض ما نتج عن ذلك العمل من اضرار، والمسؤولية العقدية هي بالنسبة للمدين الالتزام الناشئ عن العقدة لتعويض الضرر اللاحق بالدائن بسبب عدم تنفيذ الالتزام عندما يتضح ان عدم التنفيذ تسبب فيه المدين، فقيام المسؤولية العقدية يفترض ان هناك عقدا صحيحا واجب التنفيذ لم يقم المدين بتنفيذه وعند امكان اجبار المدين على تنفيذ التزامه تنفيذا عينيا فالمسؤولية غير قائمة، اما اذا لم يكن التنفيذ العيني او امكن ولكن الدائن طلب التعويض ولم يبد المدين استعداده للتنفيذ العيني ففي هذه الحالة يحكم بالتعويض عند توفر شروط العقد جزاء عدم تنفيذ الالتزام، ومن الطبيعي ان من الواجب على القاضي ان يبحث هل المدين مسؤول حقا على عدم تنفيذ التزامه العقدي ام لا. واذا فالمسؤولية العقدية تقوم على الاخلال بالتزام عقدي يختلف باختلاف ما اشتمل عليه العقد من الالتزامات، والمسؤولية التقصيرية تقوم على الاخلال بالتزام قانوني واحد لا يتغير هو الالتزام بعدم الاضرار بالغير فالدائن والمدين في المسؤولية العقدية كانا مرتبطين بعقد قبل تحقق المسؤولية، اما في المسؤولية التقصيرية فقد كان المدين اجنبيا عن الدائن قبل توفر شروطها :
1- الصفات المشتركة بين المسؤوليتين
2- الصفات المميزة للمسؤولية العقدية
3- العلاقة بين المسؤوليتين
( الجمع - الاختيار) - ( لا).
4- تطبيق المسؤولية العقدية
أ- مسؤولية نقل المسافرين
ب- المسؤولية الطبية
ج- مظاهر اخرى من المسؤولية العقدية
1- الصفات المشتركة بين المسؤوليتين :
تنحصر الصفات المشتركة بين المسؤوليتين في النقط التالية :
1) فعل منسوب للشخص ( المسؤولية التقصيرية) او للمدين ( المسؤولية العقدية)
2) ضررا نصب على الضحية او الدائن
3) علاقة سببية بين الفعل والضرر
ووجود الخطا فيهما ضروري غير انها قاعدة غير مطردة اذ يمكن وجود مسؤولية بدون خطا او قرينة مسؤولية ( المسؤولية الموضوعية).
2- المسؤولية المميزة للمسؤولية العقدية :
أ- الاختصاص
تطبق على المسؤولية العقدية القواعد العادية للاختصاص نوعا ومكانا وشرطا يختار الاطراف بمقتضاه الجهة المختصة.
لا توجد في قضايا المسؤولية العقدية اختصاصات تتغير بتغير النوع كما هو منصوص عليه في الفصل 24 من ظهير قانون المسطرة المدنية الفقرة الرابعة عشر منه ( ظهير 27 يناير1934) " في مادة التعويض عن الضرر الناتج عن جنحة او مخالفة او شبه مخالفة او شبه جنحة امام محكمة المكان الذي وقع فيه الفعل المسبب للضرر او امام محكمة موطن المدعى عليه".
ب- الانذار
اذا كان الانذار في المسؤولية التقصيرية غير ضروري للحصول عن تعويض الاضرار الناجمة عن الفعل فيظهر انه غير لازم في المسؤولية العقدية اذ يجب ان يبلغ للمدين بداية العمل الناتج عن العقدة، وهكذا ففي عقدة الاجارة مثلا يجب على المكتري ان يخبر المكري بالاشغال الضرورية لضمان الانتفاع العادي والواقع للعين المكتراة.
ج- عبء الاثبات
التزام الغاية والتزام الوسيلة:
الالتزام الذي قصد منه غايته يسمى بالالتزام بالنتيجة والالتزام الذي قصد منه العناية بالشيء من دون ضمان للنتيجة يسمى بالالتزام بالوسيلة، فالعقود التي تتعلق بالالتزام بالغاية يفترض فيها ان المدين مسؤول ويتضح ذلك من عقدة نقل المسافرين اذ هي عقدة نموذجية تقتضي الالتزام بالنتيجة فالناقل مسؤول ما دام لم يصل المسافر سالما الى المكان المحدد في عقدة النقل واذا فالالتزام هو الوسيلة التي يرجوها الدائن اعني المسافر وعدم الحصول على النتيجة لا يعفى المدين من التزامه الا اذا اثبت ان هناك ظرفا خارجا عن ارادته نتج عن القوة القاهرة او عن خطا الضحية او تصرف الغير عند الاقتضاء.
وفي العقود التي لا تضمن الا التزاما بالوسيلة وهي عقود عددها كثير من بينها العقدة الطبية فمحل الالتزام ليس هو النتيجة الحسنة بل العمل بمعرفة ودارية وعناية وجدية كدور رب عائلة صالح اذ الموضوع في العقدة الطبية ينحصر بالخصوص في اعطاء المريض علاجا يعتقده الطبيب صالحا ومطابقا للمعطيات العلمية، فالمدين غير مسؤول اذا الا اذا اثبت الدائن ان الالتزام ينفذ على الطريقة المثلى واذن يقع عبء الاثبات على المريض واذن فالالتزام بالغاية يجعل العبء على المدين اذ مفروض فيه دائما انه مسؤول والالتزام بالوسيلة يجعل العبء على الدائن اذ المفروض ان المدين غير مسؤول الا عن ثبوت الاهمال او التقصير.
د- انقضاء الدعوى - ( التقادم)
تتقادم الدعوى في المسؤولية التقصيرية بمرور خمسة اعوام ( الفصل 106 من قانون العقود والالتزامات) اما في المسؤولية العقدية فتتقادم مبدئيا بمرور خمسة عشر عاما الا في بعض القضايا التي نص القانون على مدة اقصر:
ففي قضايا عقدة النقل الجوي ينص الفصل 220 من المرسوم المنظم للطيـــران المدنـــــي والمــــؤرخ فــــي 7 صفر 1382 موافق 10 يوليوز1962، على ان الاجل سنتان تبتدئ من اليوم الذي وصلت فيه الطائرة او الذي كان يجب ان تصل فيه الى المكان المحدد لها.
وفي النقل البحري فالدعاوي الناتجة عن عقدة كراء السفينة تنقضي بمرور سنة واحدة ( انظر الفصل 263 من القانون البحري).
هـ - تقدير الضرر
نقدر التعويضات طبقا للفصلين 263 و264 من قانون العقود والالتزامات " اما بسبب عدم الوفاء بالالتزام واما بسبب التاخر في الوفاء به وذلك ولو لم يكن هناك أي سوء نية من جانب المدين " والضرر هو ما لحق الدائن من خسارة حقيقية وما فاته من كسب متى كانا ناتجين مباشرة عن عدم الوفاء بالالتزام وطبيعي ان تقدير الظروف الخاصة بكل قضية موكول للسلطة التقديرية للمحكمة التي يجب عليها ان تقدر التعويض بكيفية تختلف حسب خطا المدين او تدليسه على انه يمكن في بعض الاحيان ان توجد امام تقدير شرعي وذلك كما في قضايا تاجير السفينة وفي قضايا النقل الجوي الدولي " اتفاقية فرسوفيا". وكثيرا ما يتفق الاطراف المتعاقدون على شروط خاصة تسمى بالشروط الجناية وضمنها تحدد التعويضات بكيفية دقيقة فهذه الشروط المشروعة تستمد صحتها من مبدا حرية التعاقد.
و- شروط اعفاء المسؤولية او تخفيفها :
ان شروط الاعفاء من المسؤولية او تخفيفها في المادة التقصيرية غير معتبرة ذلك ان الفصل 77 وما بعده يتعلق بالنظام العام والاتفاقيات الثنائية والشخصية تحول دون تطبيقه اما في المسؤولية العقدية فشروط انعدام المسؤولية مقبولة مبدئيا لاننا سنرى مثلا انها شروط غير شرعية في قضايا نقل المسافرين وان الاجتهاد القضائي يحتفظ دائما بحق التصريح بان شروط الاعفاء غير مشروعة في حالة ما اذا ارتكب المدين غشا او تدليسا او خطا ثقيلا.
3- العلاقة بين المسؤوليتين
استقر الاجتهاد على ان الجمع او على الاصح اختيار المسؤوليتين العقدية والتقصيرية ممنوع، فالدائن (الضحية) عند عدم تنفيذ التزام عقدي لا يجوز له الاغفال عن مبادئ وقواعد المسؤولية العقدية مثيرا ومتمسكا محلها بقواعد المسؤولية الناتجة عن الفصل 88 من قانون العقود والالتزامات اذ هذا الفصل لا يطبق مبدئيا في قضايا المسؤولية العقدية.
4- تطبيق المسؤولية العقدية
كثيرا ما تطبق المسؤولية العقدية عند عدم تنفيذ التزام ومن الضروري القاء نظرة خاطفة على بعض الامثلة حتى يتضح المشكل بصورة قوية.
أ- مسؤولية نقل المسافرين
ب- المسؤولية الطبية
ج- مظاهر اخرى من المسؤولية العقدية
1- مسؤولية نقل المسافرين:
استقر الاجتهاد القضائي قبل تغيير الفصل 106 من القانون التجاري على ان مسؤولية نقل المسافرين تقصيرية معتمدا على مقتضيات الفصل 106 قبل تغييره فقد كان قبل التغيير ينص على ما ياتي :
" ان سائق العربة غير مسؤول عن الحوادث التي تقع للمسافرين اذا لم يثبت ان الحادثة وقعت من جراء تصرفاته وهو مسؤول حتى عن الحالة الغير المنتظرة او حالة القوة القاهرة اذا سبق ذلك خطا ينسب اليه" وفـي سنة 1937 ومنذ ذلك الوقت فلم يعد هناك جدال في انها مسؤولية عقدية والنص الجديد - ( معدل بظهيـر 9 يوليوز37)
" المكري مسؤول عن الحوادث التي تقع للمسافرين اثناء النقل ولا يمكن اعفاؤه من هذه المسؤولية الا باثبات حدوث قوة قاهرة او خطا من طرف المتضرر" فالمسافر اذن له علاقة عقدية مع السائق وهذا الاخير ملتزم بالتزام الغاية اعني ان يسوقه سالما من نقطة الانطلاق الى نقطة الانتهاء واذن فقرينة المسؤولية تقع على عاتق سائق العربة ولا يعفى منها الا اذا اثبت ظرفا خارجا عن ارادته غير منتظر ويستحيل التغلب عليه - مثال ذلك " شخص صعد الى القطار من غير الباب العادي او صعد او نزل منه والقطار ما زال يطوي الطريق طيا او لم يقف بعد بصفة نهائية" وتطبيق المسؤولية العقدية يستبعد المسؤولية التقصيرية وخصوصا قرينة المسؤولية الناتجة عن فعل الاشياء ( الفصل 88 من قانون العقود والالتزامات). وتجدر الاشارة الى ان هذه القواعد لا يعمل بها الا اذا كان النقل مقابل اجرة اما النقل المجاني او الذي فيه فائدة للناقل ولم تؤد عنه اية اجرة فالمسؤولية التقصيرية هي التي يعمل بها وهكذا لا يجوز للمسافر الذي سمح له بالركوب في عربة او المسافر الذي دخل محطة القطار بدون تذكرة ان يتمسك بعقدة النقل غير ان الالتزام بالسلامة ينشأ بمجرد ما يدخل المسافر الى محطة القطار فاذا سقط في الدرج فصاحب العربة هو المسؤول وكذلك اذا تمسك بباب الحافلة قاصدا الصعود اليها ولم يمنعه المكلف من ذلك - وقد صدر قرار في هذا الشان من طرف محكمة لاسين صورته كما ياتي :
" اراد شخص ان ياخذ سيارة اجرة فقصد محطة وقوف السيارات وفتح الباب لاخذ مقعده في احدها غير ان السائق انطلق قبل ان يدخل الشخص الى السيارة فسقط الزبون وجرح" هل هي مسؤولية تقصيرية فالسائل ارتكب خطا لكونه لم يتحقق من دخول المسافر لقد طبقت المحكمة الفصل 1384 الفقرة الاولى اعني الفصل 88 من القانون المغربي - فهل كان هذا الحكم صحيحا من الناحية القانونية ذلك محل مناقشة ؟
انقضاء الدعوى بالمسؤولية
ان التقادم العادي اعني خمسة عشر عاما هو الذي يطبق على عقدة النقل فلا يطبق الفصل 106 من قانون العقود والالتزامات.
شروط الاعفاء من المسؤولية وتخفيفها
ان شروط الاعفاء من مسؤولية الناقل او تخفيفها بالنسبة الى الاضرار الجسيمة غير شرعية فسلامة المسافرين من النظام العام اما بالنسبة للامتعة فالامر يختلف عن ذلك اذ هي شروط تقبل كما هو الشان بصفة عامة في القضايا العقدية.
ممارسة دعوى المسؤولية
ان المسافر هو المعني بالامر وهو الذي له الحق بنفسه او بواسطة ورثته في اقامة الدعوى على الناقل للحصول على التعويض غير ان اقامة الدعوى من الورثة تقتضي التمييز بين ممارسة دعوى ارثية وممارسة دعوى شخصية فممارسة الدعوى الارثية تطبق عليها قواعد المسؤولية العقدية ويقف ضرر الهالك عند موته ويتسنى للناقل ان يقاوم المدعي بنفس الامكانيات المخولة له مع الضحية المباشر - ( ترك الخصومة - الصلح - تحديد المسؤولية في النقل الجوي).
وممارسة دعوى شخصية يميز فيها بدورها بين :
اختيار المدعين التمسك بالمسؤولية العقدية التي كان يتوفر عليها الهالك والقانون يعترف لهم بهذا الحق في نطاق مبدا التعاقد لصالح الغير ( تعاقد المسافر لفائدة ورثته) وهنا يستفيدون من امتيازات الالتزام العقدي ولهم ان يتمسكوا بقرينة المسؤولية ضد المدين ليتخلصوا من تقادم المسؤولية التقصيرية الذي هو اقصر مدة.
اختيارهم المسؤولية التقصيرية تاركين التعاقد لصالح الغير وهنا اعتبرهم الاجتهاد كطرف ثالث واعترف لهم بهذا الحق وهذا الاختيار قد يكون ذا فائدة ( الفصل 88 من قانون العقود والالتزامات) لكن لا يتسنى لهم بمقتضى منع الجمع ان يتمسكوا بالمسؤوليتين في وقت واحد واختيار واحدة يمنعهم من الرجوع الى الاخرى.
2- المسؤولية الطبية :
لقد قرر الاجتهاد بصفة نهائية ان مسؤولية الاطباء في القطاع الخاص هي مسؤولية عقدية تتكون بين الطبيب والزبون والتزام الطبيب هو مبدئيا التزام وسيلة لا غاية فالطبيب لا يعد بشفاء مريض ولا بنجاح عملية فلا يفترض فيه بالتالي بتاتا انه مسؤول لان علاجه لم يفلح وعمليته لم تعط النتيجة المرجوة فهو ملزم حسب الصيغ العامة من القرارات بتحقيق علاج ملؤه العناية مطابق لمقتضيات العلم العصري واذن فلا بد من التصريح بانه مسؤول،
اذا اجرى عملية خطيرة لم تكن توجبها حالة المريض.
اذا ارتكب غلطا فاحشا في التشخيص والفحص.
اذا جهل الطريقة الجارية للعلاج او علاجا جديدا.
اذا ارتكب عملا في اجراء عملية نتيجة عدم تبصره او عدم انتباهه.
اذا لم ياخذ الاحتياطات الضرورية قبل اجراء العملية من تحليلات وفحوص بالراديو الخ … يستلزمها الحرص وعرف المهنة.
فيما يخص الطبيب الذي يشخص الامراض بالاشعة اذا اكثر العمل واطال مدته.
فيما يخص الجراح اذا نسي خرقة او مقصا او ابرة مكسرة في مكان العملية.
ان مجال تطبيق الخطا الطبي وتحديده واسع ويبتدئ من اخف مرض الى اخطر حالات الاجهاض بطريقة طبية والتعقيم وزرع الاعضاء ( زرع القلب) والتلقيح الصناعي وجراحة التجميل الخ …) ومن المعلوم ان للطبيب حرية العلاج والكيفية التي يراهما انجع لكن يجب ان يعطي للمريض معلومات عن حالته وعن الاخطار التي من شانها ان تنتج عن ذلك ويحصل على موافقته او موافقة اقاربه لاجراء كل فحص وعلاج او عملية من شانها ان تتسبب في اخطار تمس بسلامة جسمه او حياته ومن الطبيعي ان يلتجئ القاضي الى الخبرة ليقدر الخطأ الطبي ويتبنى مبدئيا ما جاء في تقارير الخبراء على ان يحتفظ بحريته الكاملة في التقدير وقد سبق ان قلنا ان الاجتهاد يمنع تطبيق قواعد المسؤولية شبه الجنحة بين المتعاقدين ولهذا فلا يمكن تطبيق الفصل 88 من قانون العقود والالتزامات على الحوادث التي تنشأ للمريض من جراء الادوات والالات التي يستعملها الطبيب او الجراح، فالطبيب الذي يشخص الامراض بالاشعة غير مسؤول قانونا عن التهاب جلدي تسبب فيه آلته الا اذا ثبت عليه خطا في وضع او استعمال تلك الالة وبعكس ذلك فان التزام الوسيلة البسيط الذي يلتزم به الطبيب يمكن ان يكتسي في بعض الصور صبغة الالتزام بالغا لان بعض الاعمال الطبية لا تضمن الا النتيجة المنتظرة وهكذا فالتحليل لفصيلة دم مريض لا يجوز ان ينطوي على خطا ولا يمكن ان تكون نتيجة بعض العمليات التي تجري الا نتيجة معينة وحدوث العكس يدل على ان هناك بدون شك تهاونا او لا مبالاة من قبل المحلل او الطبيب فالخطا يظهر عمليا في النتيجة .
هذه هي نظرية الخطا العملي التي تطبق على قضايا العقد.
وقبل ان انهي الحديث عن المسؤولية الطبية اريد ان اتحدث باختصار عن مظهرين من مظاهر تلك المسؤولية اللذين وان لم يكونا نتيجة اجراء تقني فهما يرتبطان بواجبات الطبيب الانسانية.
1) عدم اسعاف مريض في خطر
2) السر المهني للطبيب
يلزم كل طبيب باسعاف شخص في خطر مباشر ومحقق والا ترتب على ذلك متابعته جنائيا ومعاقبته طبق الفصل 431 من القانون الجنائي المغربي ( من امسك عمدا عن تقديم مساعدة لشخص في خطر رغم انه كان يستطيع ان يقدم تلك المساعدة اما بتدخله الشخصي واما بطلب الاغاثة دون تعريض نفسه او غيره لاي خطر يعاقب بالحبس من ثلاثة اشهر الى خمس سنوات وغرامة من مائة وعشرين درهما الى الف درهم او باحدى هاتين العقوبتين).
ان الخطر الذي يشير اليه القانون الجنائي ليس هو خطر الموت فقط بل كل خطر فظيع جسماني على ان يتوفر عنصر العمد ويظهر برفض الاسعاف في حالة حضور شاهد او بعدم تلبية الاستغاثة ويخول للطبيب تعليله الرفض بمانع شرعي تقدر قيمته المحكمة ( مثلا اذا اعتقد الطبيب شرعيا انه عاجز او ان تدخله لا فائدة فيه) وكما هو الشان في سائر القضايا الاخرى فتجوز ممارسة دعوى مدنية على اساس هذه المخالفة.
خرق السر المهني
ينص الفصل 446 من القانون الجنائي المغربي على نتيجة خرق السر المهني فهو التزام مطلق يمتد الى جميع المساعدين والى جميع الادارات التي توضع لديها ملفات طبية يمس بالنظام العام لكن بما ان اساسه هو حماية المريض فلهذا الاخير طلب ايضاحات حول صحته او دلائل تكون فيها فائدة لحقوقه على الغير فطلب المريض تلقائيا من الطبيب الذي عالجه شهادة يريد ان يستعملها لاغراض شخصية حق من حقوق المريض على طبيبه وصبغة النظام العام تخضع للصالح العام حالة وباء او امراض معدية وهكذا عندما يطلب من الطبيب ان يشهد في قضية مدنية تتعلق بالمعاينة او ما اطلعه عليه زبونه فالامر موكول الى تقديره اما في القضايا الجنائية فالقانون يسمح للطبيب في بعض الاحيان بان يبلغ ما علمه كقضايا الاجهاض والامكان لا يقتضي الوجوب وعندما يستدعي قاضي التحقيق او المحكمة الجنائية الطبيب المعالج المتهم فله الحق ان يتمسك بالسر المهني كما اذا سئل عما عاينه في علاجه او فيما اطلعه عليه زبونه فالسر يبقى قائما نظرا لصبغة النظام العام التي يكتسيها ولو أذن له المتهم في غير ذلك لعدم اعتبار هذا التصريح حرا ينطوي على الاتفاق بين الزبون والطبيب.
3- مظاهر اخرى للمسؤولية العقدية
ان حالات المسؤولية العقدية كثيرة ونذكر منها على سبيل المثال مسؤولية صاحب النزل والمقهى فالتزامه التزام وسيلة - فان اصيب زبون بجرح نتيجة سقوطه في درج مؤسسته فلا يمكن القول بان صاحب النزل او المقهى ملزم بالتزام النتيجة أي يعيد لزبونه سلامته فالتزامه التزام للوسيلة لا غير يتجلى في انتباهه وعنايته وعلى الزبون ان يدلي بالدليل العكسي.
المسؤولية العقدية لصاحب المستودع
ان كل عقد ايداع مقابل اجر يعد مبدئيا التزام بالوسيلة، ففي حالة سرقة عربة من مستودع فالمسؤولية تقع بصفة صريحة على كاهل صاحبه وهو الملزم باثبات عدم ارتكابه أي خطا في الحراسة وان السرقة تكتسي صبغة القوة القاهرة، فالسرقة في حد ذاتها لا تكتسي القوة القاهرة فوقوعها يكون نتيجة عدم الانتباه واخذ الاحتياطات التي تتطلبها الظروف وحالة المكان.
المسؤولية العقدية لصاحب الحمام
ان صاحب الحمام غير ملزم بالمسؤولية العقدية لان التزامه التزام الوسيلة لا غير ففي حالة سقوط زبون داخل حمام ويجب على هذا الزبون اثبات خطا صاحب الحمام على ان الارض غير مصانة ولا منظفة كما يجب.
مسؤولية صاحب الألعاب المتنقلة
ففي هذه الحالة يجب التمييز بين ما يلي :
عندما يطلب اللاعب من الزبون مشاركته الشخصية يكون متوقع الاخطار، فصاحب الالعاب ملزم باتخاذ اجراءات السلامة الضرورية فقط والتزامه التزام للوسيلة، وبعكس ذلك فاذا كان الزبون طائعا لحركات آلة من غير ان يتدخل مباشرة في تحركات تلك الالة فصاحب الالعاب ملزم بالتزام السلامة أي التزام النتيجة ولا يمكن اعفاؤه منها الا اذا أثبت ان الضرر اللاحق بالزبون منسب الى خطا الغير المنتظر والمستحيل التغلب عليه.
مسؤولية مستغل دكان
هل مجرد دخول الزبون الى الدكان يجعل صاحبه يلتزم للزبون التزام السلامة ؟ هذه الحالة موضوع نقاش قصد معرفة ما هي نوعية عقدة هذا الالتزام، فالزبون بمجرد دخوله الدكان يكون في مرحلة مقدمة تعاقد والصعوبة التي تحصل غالبا في هذه الحالة في العقدة قد ادت بالقضاة الى استبعاد المسؤولية العقدية والعمل بالمسؤولية التقصيرية، لكن الاجتهاد السائد يتجه نحو المسؤولية العقدية والامر ينقسم في معرفة ما إذا كان الامر يتعلق بالتزام بسيط للانتباه والحراسة او بالتزام معين التزام للنتيجة او للضمانة ايضا ولقد عبر هذا الانقسام والردد قرار كان اثار فور صدوره عدة تعاليق ذلك ان طفلا كان صحبة امه في احدى الدكاكين الباريزية الكائنة بالطابق الخامس فاسقط مقعدا اصاب زبونا في الطابق السفلي بجروح بليغة فصدر حكم في هذا الشان جزء المسؤولية بين مستغل الدكان وابوي الطفل غير ان قرار محكمة النقض لم يؤكد بتاتا وجود التزام النتيجة بل صرح بان مستغل الدكان ملزم بان يراعي في تنظيم وسير دكانه قواعد الانتباه والعناية التي تتطلبها سلامة زبونه غير انه صدرت بعد هذا القرار احكام اكدت وفرضت مبدا التزام النتيجة ولقد استقر هذا المبدا في صور طالب فيها الزبناء بتعويض الاضرار اللاحقة بهم من جراء انفجار قارورات كانوا قد تسلموها من اصحاب الدكان - هذا ويظهر لنا قانونا ومنطقا وما دون ان ونعتبر ذلك التزاما بالضمانة ان صاحب الدكان ملزم بالنتيجة فهو الملزم باثبات وجود القوة القاهرة او خطأ الضحية او الخطا الغير المتوقع والمستحيل التغلب عليه.
وبعد ….
لعل من المستحسن ان نقف عند هذا الحد اذ ان مظاهر المسؤولية كثيرة ومتشعبة .
وقد ظهر لكم انه ليس هناك قواعد قارة عدا في بعض العقود. فظروف النازلة هي التي تجعل القضاة يميلون في كثير من الاحيان نحو التصريح بهذا المبدا او ذاك لصالح هذا الالتزام او ذاك من الالتزام بالوسيلة او النتيجة او الضمانة لكن هذا التصريح يمكن ان لا يفرض في ظروف مختلفة ويمكن ان يطرأ على عبء الاثبات تغيير حسب الواقعة والحادثة فالسلطة التقديرية للقضاة قد تدعونا الى الحذر والرزانة الفقهية وكثرة التروي والانتباه.
* مجلة المحاكم المغربية، عدد 4، ص 9.
ترجمها بتصرف : الأستاذ محمد ميكو
المسؤولية التزام ناشئ عن تصرفات وهي اما تقصيرية او عقدية، فالمسؤولية التقصيرية التزام شخص ارتكب عملا تسبب في ضرر للغير بتعويض ما نتج عن ذلك العمل من اضرار، والمسؤولية العقدية هي بالنسبة للمدين الالتزام الناشئ عن العقدة لتعويض الضرر اللاحق بالدائن بسبب عدم تنفيذ الالتزام عندما يتضح ان عدم التنفيذ تسبب فيه المدين، فقيام المسؤولية العقدية يفترض ان هناك عقدا صحيحا واجب التنفيذ لم يقم المدين بتنفيذه وعند امكان اجبار المدين على تنفيذ التزامه تنفيذا عينيا فالمسؤولية غير قائمة، اما اذا لم يكن التنفيذ العيني او امكن ولكن الدائن طلب التعويض ولم يبد المدين استعداده للتنفيذ العيني ففي هذه الحالة يحكم بالتعويض عند توفر شروط العقد جزاء عدم تنفيذ الالتزام، ومن الطبيعي ان من الواجب على القاضي ان يبحث هل المدين مسؤول حقا على عدم تنفيذ التزامه العقدي ام لا. واذا فالمسؤولية العقدية تقوم على الاخلال بالتزام عقدي يختلف باختلاف ما اشتمل عليه العقد من الالتزامات، والمسؤولية التقصيرية تقوم على الاخلال بالتزام قانوني واحد لا يتغير هو الالتزام بعدم الاضرار بالغير فالدائن والمدين في المسؤولية العقدية كانا مرتبطين بعقد قبل تحقق المسؤولية، اما في المسؤولية التقصيرية فقد كان المدين اجنبيا عن الدائن قبل توفر شروطها :
1- الصفات المشتركة بين المسؤوليتين
2- الصفات المميزة للمسؤولية العقدية
3- العلاقة بين المسؤوليتين
( الجمع - الاختيار) - ( لا).
4- تطبيق المسؤولية العقدية
أ- مسؤولية نقل المسافرين
ب- المسؤولية الطبية
ج- مظاهر اخرى من المسؤولية العقدية
1- الصفات المشتركة بين المسؤوليتين :
تنحصر الصفات المشتركة بين المسؤوليتين في النقط التالية :
1) فعل منسوب للشخص ( المسؤولية التقصيرية) او للمدين ( المسؤولية العقدية)
2) ضررا نصب على الضحية او الدائن
3) علاقة سببية بين الفعل والضرر
ووجود الخطا فيهما ضروري غير انها قاعدة غير مطردة اذ يمكن وجود مسؤولية بدون خطا او قرينة مسؤولية ( المسؤولية الموضوعية).
2- المسؤولية المميزة للمسؤولية العقدية :
أ- الاختصاص
تطبق على المسؤولية العقدية القواعد العادية للاختصاص نوعا ومكانا وشرطا يختار الاطراف بمقتضاه الجهة المختصة.
لا توجد في قضايا المسؤولية العقدية اختصاصات تتغير بتغير النوع كما هو منصوص عليه في الفصل 24 من ظهير قانون المسطرة المدنية الفقرة الرابعة عشر منه ( ظهير 27 يناير1934) " في مادة التعويض عن الضرر الناتج عن جنحة او مخالفة او شبه مخالفة او شبه جنحة امام محكمة المكان الذي وقع فيه الفعل المسبب للضرر او امام محكمة موطن المدعى عليه".
ب- الانذار
اذا كان الانذار في المسؤولية التقصيرية غير ضروري للحصول عن تعويض الاضرار الناجمة عن الفعل فيظهر انه غير لازم في المسؤولية العقدية اذ يجب ان يبلغ للمدين بداية العمل الناتج عن العقدة، وهكذا ففي عقدة الاجارة مثلا يجب على المكتري ان يخبر المكري بالاشغال الضرورية لضمان الانتفاع العادي والواقع للعين المكتراة.
ج- عبء الاثبات
التزام الغاية والتزام الوسيلة:
الالتزام الذي قصد منه غايته يسمى بالالتزام بالنتيجة والالتزام الذي قصد منه العناية بالشيء من دون ضمان للنتيجة يسمى بالالتزام بالوسيلة، فالعقود التي تتعلق بالالتزام بالغاية يفترض فيها ان المدين مسؤول ويتضح ذلك من عقدة نقل المسافرين اذ هي عقدة نموذجية تقتضي الالتزام بالنتيجة فالناقل مسؤول ما دام لم يصل المسافر سالما الى المكان المحدد في عقدة النقل واذا فالالتزام هو الوسيلة التي يرجوها الدائن اعني المسافر وعدم الحصول على النتيجة لا يعفى المدين من التزامه الا اذا اثبت ان هناك ظرفا خارجا عن ارادته نتج عن القوة القاهرة او عن خطا الضحية او تصرف الغير عند الاقتضاء.
وفي العقود التي لا تضمن الا التزاما بالوسيلة وهي عقود عددها كثير من بينها العقدة الطبية فمحل الالتزام ليس هو النتيجة الحسنة بل العمل بمعرفة ودارية وعناية وجدية كدور رب عائلة صالح اذ الموضوع في العقدة الطبية ينحصر بالخصوص في اعطاء المريض علاجا يعتقده الطبيب صالحا ومطابقا للمعطيات العلمية، فالمدين غير مسؤول اذا الا اذا اثبت الدائن ان الالتزام ينفذ على الطريقة المثلى واذن يقع عبء الاثبات على المريض واذن فالالتزام بالغاية يجعل العبء على المدين اذ مفروض فيه دائما انه مسؤول والالتزام بالوسيلة يجعل العبء على الدائن اذ المفروض ان المدين غير مسؤول الا عن ثبوت الاهمال او التقصير.
د- انقضاء الدعوى - ( التقادم)
تتقادم الدعوى في المسؤولية التقصيرية بمرور خمسة اعوام ( الفصل 106 من قانون العقود والالتزامات) اما في المسؤولية العقدية فتتقادم مبدئيا بمرور خمسة عشر عاما الا في بعض القضايا التي نص القانون على مدة اقصر:
ففي قضايا عقدة النقل الجوي ينص الفصل 220 من المرسوم المنظم للطيـــران المدنـــــي والمــــؤرخ فــــي 7 صفر 1382 موافق 10 يوليوز1962، على ان الاجل سنتان تبتدئ من اليوم الذي وصلت فيه الطائرة او الذي كان يجب ان تصل فيه الى المكان المحدد لها.
وفي النقل البحري فالدعاوي الناتجة عن عقدة كراء السفينة تنقضي بمرور سنة واحدة ( انظر الفصل 263 من القانون البحري).
هـ - تقدير الضرر
نقدر التعويضات طبقا للفصلين 263 و264 من قانون العقود والالتزامات " اما بسبب عدم الوفاء بالالتزام واما بسبب التاخر في الوفاء به وذلك ولو لم يكن هناك أي سوء نية من جانب المدين " والضرر هو ما لحق الدائن من خسارة حقيقية وما فاته من كسب متى كانا ناتجين مباشرة عن عدم الوفاء بالالتزام وطبيعي ان تقدير الظروف الخاصة بكل قضية موكول للسلطة التقديرية للمحكمة التي يجب عليها ان تقدر التعويض بكيفية تختلف حسب خطا المدين او تدليسه على انه يمكن في بعض الاحيان ان توجد امام تقدير شرعي وذلك كما في قضايا تاجير السفينة وفي قضايا النقل الجوي الدولي " اتفاقية فرسوفيا". وكثيرا ما يتفق الاطراف المتعاقدون على شروط خاصة تسمى بالشروط الجناية وضمنها تحدد التعويضات بكيفية دقيقة فهذه الشروط المشروعة تستمد صحتها من مبدا حرية التعاقد.
و- شروط اعفاء المسؤولية او تخفيفها :
ان شروط الاعفاء من المسؤولية او تخفيفها في المادة التقصيرية غير معتبرة ذلك ان الفصل 77 وما بعده يتعلق بالنظام العام والاتفاقيات الثنائية والشخصية تحول دون تطبيقه اما في المسؤولية العقدية فشروط انعدام المسؤولية مقبولة مبدئيا لاننا سنرى مثلا انها شروط غير شرعية في قضايا نقل المسافرين وان الاجتهاد القضائي يحتفظ دائما بحق التصريح بان شروط الاعفاء غير مشروعة في حالة ما اذا ارتكب المدين غشا او تدليسا او خطا ثقيلا.
3- العلاقة بين المسؤوليتين
استقر الاجتهاد على ان الجمع او على الاصح اختيار المسؤوليتين العقدية والتقصيرية ممنوع، فالدائن (الضحية) عند عدم تنفيذ التزام عقدي لا يجوز له الاغفال عن مبادئ وقواعد المسؤولية العقدية مثيرا ومتمسكا محلها بقواعد المسؤولية الناتجة عن الفصل 88 من قانون العقود والالتزامات اذ هذا الفصل لا يطبق مبدئيا في قضايا المسؤولية العقدية.
4- تطبيق المسؤولية العقدية
كثيرا ما تطبق المسؤولية العقدية عند عدم تنفيذ التزام ومن الضروري القاء نظرة خاطفة على بعض الامثلة حتى يتضح المشكل بصورة قوية.
أ- مسؤولية نقل المسافرين
ب- المسؤولية الطبية
ج- مظاهر اخرى من المسؤولية العقدية
1- مسؤولية نقل المسافرين:
استقر الاجتهاد القضائي قبل تغيير الفصل 106 من القانون التجاري على ان مسؤولية نقل المسافرين تقصيرية معتمدا على مقتضيات الفصل 106 قبل تغييره فقد كان قبل التغيير ينص على ما ياتي :
" ان سائق العربة غير مسؤول عن الحوادث التي تقع للمسافرين اذا لم يثبت ان الحادثة وقعت من جراء تصرفاته وهو مسؤول حتى عن الحالة الغير المنتظرة او حالة القوة القاهرة اذا سبق ذلك خطا ينسب اليه" وفـي سنة 1937 ومنذ ذلك الوقت فلم يعد هناك جدال في انها مسؤولية عقدية والنص الجديد - ( معدل بظهيـر 9 يوليوز37)
" المكري مسؤول عن الحوادث التي تقع للمسافرين اثناء النقل ولا يمكن اعفاؤه من هذه المسؤولية الا باثبات حدوث قوة قاهرة او خطا من طرف المتضرر" فالمسافر اذن له علاقة عقدية مع السائق وهذا الاخير ملتزم بالتزام الغاية اعني ان يسوقه سالما من نقطة الانطلاق الى نقطة الانتهاء واذن فقرينة المسؤولية تقع على عاتق سائق العربة ولا يعفى منها الا اذا اثبت ظرفا خارجا عن ارادته غير منتظر ويستحيل التغلب عليه - مثال ذلك " شخص صعد الى القطار من غير الباب العادي او صعد او نزل منه والقطار ما زال يطوي الطريق طيا او لم يقف بعد بصفة نهائية" وتطبيق المسؤولية العقدية يستبعد المسؤولية التقصيرية وخصوصا قرينة المسؤولية الناتجة عن فعل الاشياء ( الفصل 88 من قانون العقود والالتزامات). وتجدر الاشارة الى ان هذه القواعد لا يعمل بها الا اذا كان النقل مقابل اجرة اما النقل المجاني او الذي فيه فائدة للناقل ولم تؤد عنه اية اجرة فالمسؤولية التقصيرية هي التي يعمل بها وهكذا لا يجوز للمسافر الذي سمح له بالركوب في عربة او المسافر الذي دخل محطة القطار بدون تذكرة ان يتمسك بعقدة النقل غير ان الالتزام بالسلامة ينشأ بمجرد ما يدخل المسافر الى محطة القطار فاذا سقط في الدرج فصاحب العربة هو المسؤول وكذلك اذا تمسك بباب الحافلة قاصدا الصعود اليها ولم يمنعه المكلف من ذلك - وقد صدر قرار في هذا الشان من طرف محكمة لاسين صورته كما ياتي :
" اراد شخص ان ياخذ سيارة اجرة فقصد محطة وقوف السيارات وفتح الباب لاخذ مقعده في احدها غير ان السائق انطلق قبل ان يدخل الشخص الى السيارة فسقط الزبون وجرح" هل هي مسؤولية تقصيرية فالسائل ارتكب خطا لكونه لم يتحقق من دخول المسافر لقد طبقت المحكمة الفصل 1384 الفقرة الاولى اعني الفصل 88 من القانون المغربي - فهل كان هذا الحكم صحيحا من الناحية القانونية ذلك محل مناقشة ؟
انقضاء الدعوى بالمسؤولية
ان التقادم العادي اعني خمسة عشر عاما هو الذي يطبق على عقدة النقل فلا يطبق الفصل 106 من قانون العقود والالتزامات.
شروط الاعفاء من المسؤولية وتخفيفها
ان شروط الاعفاء من مسؤولية الناقل او تخفيفها بالنسبة الى الاضرار الجسيمة غير شرعية فسلامة المسافرين من النظام العام اما بالنسبة للامتعة فالامر يختلف عن ذلك اذ هي شروط تقبل كما هو الشان بصفة عامة في القضايا العقدية.
ممارسة دعوى المسؤولية
ان المسافر هو المعني بالامر وهو الذي له الحق بنفسه او بواسطة ورثته في اقامة الدعوى على الناقل للحصول على التعويض غير ان اقامة الدعوى من الورثة تقتضي التمييز بين ممارسة دعوى ارثية وممارسة دعوى شخصية فممارسة الدعوى الارثية تطبق عليها قواعد المسؤولية العقدية ويقف ضرر الهالك عند موته ويتسنى للناقل ان يقاوم المدعي بنفس الامكانيات المخولة له مع الضحية المباشر - ( ترك الخصومة - الصلح - تحديد المسؤولية في النقل الجوي).
وممارسة دعوى شخصية يميز فيها بدورها بين :
اختيار المدعين التمسك بالمسؤولية العقدية التي كان يتوفر عليها الهالك والقانون يعترف لهم بهذا الحق في نطاق مبدا التعاقد لصالح الغير ( تعاقد المسافر لفائدة ورثته) وهنا يستفيدون من امتيازات الالتزام العقدي ولهم ان يتمسكوا بقرينة المسؤولية ضد المدين ليتخلصوا من تقادم المسؤولية التقصيرية الذي هو اقصر مدة.
اختيارهم المسؤولية التقصيرية تاركين التعاقد لصالح الغير وهنا اعتبرهم الاجتهاد كطرف ثالث واعترف لهم بهذا الحق وهذا الاختيار قد يكون ذا فائدة ( الفصل 88 من قانون العقود والالتزامات) لكن لا يتسنى لهم بمقتضى منع الجمع ان يتمسكوا بالمسؤوليتين في وقت واحد واختيار واحدة يمنعهم من الرجوع الى الاخرى.
2- المسؤولية الطبية :
لقد قرر الاجتهاد بصفة نهائية ان مسؤولية الاطباء في القطاع الخاص هي مسؤولية عقدية تتكون بين الطبيب والزبون والتزام الطبيب هو مبدئيا التزام وسيلة لا غاية فالطبيب لا يعد بشفاء مريض ولا بنجاح عملية فلا يفترض فيه بالتالي بتاتا انه مسؤول لان علاجه لم يفلح وعمليته لم تعط النتيجة المرجوة فهو ملزم حسب الصيغ العامة من القرارات بتحقيق علاج ملؤه العناية مطابق لمقتضيات العلم العصري واذن فلا بد من التصريح بانه مسؤول،
اذا اجرى عملية خطيرة لم تكن توجبها حالة المريض.
اذا ارتكب غلطا فاحشا في التشخيص والفحص.
اذا جهل الطريقة الجارية للعلاج او علاجا جديدا.
اذا ارتكب عملا في اجراء عملية نتيجة عدم تبصره او عدم انتباهه.
اذا لم ياخذ الاحتياطات الضرورية قبل اجراء العملية من تحليلات وفحوص بالراديو الخ … يستلزمها الحرص وعرف المهنة.
فيما يخص الطبيب الذي يشخص الامراض بالاشعة اذا اكثر العمل واطال مدته.
فيما يخص الجراح اذا نسي خرقة او مقصا او ابرة مكسرة في مكان العملية.
ان مجال تطبيق الخطا الطبي وتحديده واسع ويبتدئ من اخف مرض الى اخطر حالات الاجهاض بطريقة طبية والتعقيم وزرع الاعضاء ( زرع القلب) والتلقيح الصناعي وجراحة التجميل الخ …) ومن المعلوم ان للطبيب حرية العلاج والكيفية التي يراهما انجع لكن يجب ان يعطي للمريض معلومات عن حالته وعن الاخطار التي من شانها ان تنتج عن ذلك ويحصل على موافقته او موافقة اقاربه لاجراء كل فحص وعلاج او عملية من شانها ان تتسبب في اخطار تمس بسلامة جسمه او حياته ومن الطبيعي ان يلتجئ القاضي الى الخبرة ليقدر الخطأ الطبي ويتبنى مبدئيا ما جاء في تقارير الخبراء على ان يحتفظ بحريته الكاملة في التقدير وقد سبق ان قلنا ان الاجتهاد يمنع تطبيق قواعد المسؤولية شبه الجنحة بين المتعاقدين ولهذا فلا يمكن تطبيق الفصل 88 من قانون العقود والالتزامات على الحوادث التي تنشأ للمريض من جراء الادوات والالات التي يستعملها الطبيب او الجراح، فالطبيب الذي يشخص الامراض بالاشعة غير مسؤول قانونا عن التهاب جلدي تسبب فيه آلته الا اذا ثبت عليه خطا في وضع او استعمال تلك الالة وبعكس ذلك فان التزام الوسيلة البسيط الذي يلتزم به الطبيب يمكن ان يكتسي في بعض الصور صبغة الالتزام بالغا لان بعض الاعمال الطبية لا تضمن الا النتيجة المنتظرة وهكذا فالتحليل لفصيلة دم مريض لا يجوز ان ينطوي على خطا ولا يمكن ان تكون نتيجة بعض العمليات التي تجري الا نتيجة معينة وحدوث العكس يدل على ان هناك بدون شك تهاونا او لا مبالاة من قبل المحلل او الطبيب فالخطا يظهر عمليا في النتيجة .
هذه هي نظرية الخطا العملي التي تطبق على قضايا العقد.
وقبل ان انهي الحديث عن المسؤولية الطبية اريد ان اتحدث باختصار عن مظهرين من مظاهر تلك المسؤولية اللذين وان لم يكونا نتيجة اجراء تقني فهما يرتبطان بواجبات الطبيب الانسانية.
1) عدم اسعاف مريض في خطر
2) السر المهني للطبيب
يلزم كل طبيب باسعاف شخص في خطر مباشر ومحقق والا ترتب على ذلك متابعته جنائيا ومعاقبته طبق الفصل 431 من القانون الجنائي المغربي ( من امسك عمدا عن تقديم مساعدة لشخص في خطر رغم انه كان يستطيع ان يقدم تلك المساعدة اما بتدخله الشخصي واما بطلب الاغاثة دون تعريض نفسه او غيره لاي خطر يعاقب بالحبس من ثلاثة اشهر الى خمس سنوات وغرامة من مائة وعشرين درهما الى الف درهم او باحدى هاتين العقوبتين).
ان الخطر الذي يشير اليه القانون الجنائي ليس هو خطر الموت فقط بل كل خطر فظيع جسماني على ان يتوفر عنصر العمد ويظهر برفض الاسعاف في حالة حضور شاهد او بعدم تلبية الاستغاثة ويخول للطبيب تعليله الرفض بمانع شرعي تقدر قيمته المحكمة ( مثلا اذا اعتقد الطبيب شرعيا انه عاجز او ان تدخله لا فائدة فيه) وكما هو الشان في سائر القضايا الاخرى فتجوز ممارسة دعوى مدنية على اساس هذه المخالفة.
خرق السر المهني
ينص الفصل 446 من القانون الجنائي المغربي على نتيجة خرق السر المهني فهو التزام مطلق يمتد الى جميع المساعدين والى جميع الادارات التي توضع لديها ملفات طبية يمس بالنظام العام لكن بما ان اساسه هو حماية المريض فلهذا الاخير طلب ايضاحات حول صحته او دلائل تكون فيها فائدة لحقوقه على الغير فطلب المريض تلقائيا من الطبيب الذي عالجه شهادة يريد ان يستعملها لاغراض شخصية حق من حقوق المريض على طبيبه وصبغة النظام العام تخضع للصالح العام حالة وباء او امراض معدية وهكذا عندما يطلب من الطبيب ان يشهد في قضية مدنية تتعلق بالمعاينة او ما اطلعه عليه زبونه فالامر موكول الى تقديره اما في القضايا الجنائية فالقانون يسمح للطبيب في بعض الاحيان بان يبلغ ما علمه كقضايا الاجهاض والامكان لا يقتضي الوجوب وعندما يستدعي قاضي التحقيق او المحكمة الجنائية الطبيب المعالج المتهم فله الحق ان يتمسك بالسر المهني كما اذا سئل عما عاينه في علاجه او فيما اطلعه عليه زبونه فالسر يبقى قائما نظرا لصبغة النظام العام التي يكتسيها ولو أذن له المتهم في غير ذلك لعدم اعتبار هذا التصريح حرا ينطوي على الاتفاق بين الزبون والطبيب.
3- مظاهر اخرى للمسؤولية العقدية
ان حالات المسؤولية العقدية كثيرة ونذكر منها على سبيل المثال مسؤولية صاحب النزل والمقهى فالتزامه التزام وسيلة - فان اصيب زبون بجرح نتيجة سقوطه في درج مؤسسته فلا يمكن القول بان صاحب النزل او المقهى ملزم بالتزام النتيجة أي يعيد لزبونه سلامته فالتزامه التزام للوسيلة لا غير يتجلى في انتباهه وعنايته وعلى الزبون ان يدلي بالدليل العكسي.
المسؤولية العقدية لصاحب المستودع
ان كل عقد ايداع مقابل اجر يعد مبدئيا التزام بالوسيلة، ففي حالة سرقة عربة من مستودع فالمسؤولية تقع بصفة صريحة على كاهل صاحبه وهو الملزم باثبات عدم ارتكابه أي خطا في الحراسة وان السرقة تكتسي صبغة القوة القاهرة، فالسرقة في حد ذاتها لا تكتسي القوة القاهرة فوقوعها يكون نتيجة عدم الانتباه واخذ الاحتياطات التي تتطلبها الظروف وحالة المكان.
المسؤولية العقدية لصاحب الحمام
ان صاحب الحمام غير ملزم بالمسؤولية العقدية لان التزامه التزام الوسيلة لا غير ففي حالة سقوط زبون داخل حمام ويجب على هذا الزبون اثبات خطا صاحب الحمام على ان الارض غير مصانة ولا منظفة كما يجب.
مسؤولية صاحب الألعاب المتنقلة
ففي هذه الحالة يجب التمييز بين ما يلي :
عندما يطلب اللاعب من الزبون مشاركته الشخصية يكون متوقع الاخطار، فصاحب الالعاب ملزم باتخاذ اجراءات السلامة الضرورية فقط والتزامه التزام للوسيلة، وبعكس ذلك فاذا كان الزبون طائعا لحركات آلة من غير ان يتدخل مباشرة في تحركات تلك الالة فصاحب الالعاب ملزم بالتزام السلامة أي التزام النتيجة ولا يمكن اعفاؤه منها الا اذا أثبت ان الضرر اللاحق بالزبون منسب الى خطا الغير المنتظر والمستحيل التغلب عليه.
مسؤولية مستغل دكان
هل مجرد دخول الزبون الى الدكان يجعل صاحبه يلتزم للزبون التزام السلامة ؟ هذه الحالة موضوع نقاش قصد معرفة ما هي نوعية عقدة هذا الالتزام، فالزبون بمجرد دخوله الدكان يكون في مرحلة مقدمة تعاقد والصعوبة التي تحصل غالبا في هذه الحالة في العقدة قد ادت بالقضاة الى استبعاد المسؤولية العقدية والعمل بالمسؤولية التقصيرية، لكن الاجتهاد السائد يتجه نحو المسؤولية العقدية والامر ينقسم في معرفة ما إذا كان الامر يتعلق بالتزام بسيط للانتباه والحراسة او بالتزام معين التزام للنتيجة او للضمانة ايضا ولقد عبر هذا الانقسام والردد قرار كان اثار فور صدوره عدة تعاليق ذلك ان طفلا كان صحبة امه في احدى الدكاكين الباريزية الكائنة بالطابق الخامس فاسقط مقعدا اصاب زبونا في الطابق السفلي بجروح بليغة فصدر حكم في هذا الشان جزء المسؤولية بين مستغل الدكان وابوي الطفل غير ان قرار محكمة النقض لم يؤكد بتاتا وجود التزام النتيجة بل صرح بان مستغل الدكان ملزم بان يراعي في تنظيم وسير دكانه قواعد الانتباه والعناية التي تتطلبها سلامة زبونه غير انه صدرت بعد هذا القرار احكام اكدت وفرضت مبدا التزام النتيجة ولقد استقر هذا المبدا في صور طالب فيها الزبناء بتعويض الاضرار اللاحقة بهم من جراء انفجار قارورات كانوا قد تسلموها من اصحاب الدكان - هذا ويظهر لنا قانونا ومنطقا وما دون ان ونعتبر ذلك التزاما بالضمانة ان صاحب الدكان ملزم بالنتيجة فهو الملزم باثبات وجود القوة القاهرة او خطأ الضحية او الخطا الغير المتوقع والمستحيل التغلب عليه.
وبعد ….
لعل من المستحسن ان نقف عند هذا الحد اذ ان مظاهر المسؤولية كثيرة ومتشعبة .
وقد ظهر لكم انه ليس هناك قواعد قارة عدا في بعض العقود. فظروف النازلة هي التي تجعل القضاة يميلون في كثير من الاحيان نحو التصريح بهذا المبدا او ذاك لصالح هذا الالتزام او ذاك من الالتزام بالوسيلة او النتيجة او الضمانة لكن هذا التصريح يمكن ان لا يفرض في ظروف مختلفة ويمكن ان يطرأ على عبء الاثبات تغيير حسب الواقعة والحادثة فالسلطة التقديرية للقضاة قد تدعونا الى الحذر والرزانة الفقهية وكثرة التروي والانتباه.
* مجلة المحاكم المغربية، عدد 4، ص 9.
0 التعليقات:
Post a Comment