الأستاذ عبد العزيز توفيق رئيس القسم المدني بالمحكمة الابتدائية
بالدار البيضاء
المطلب الثالث :
خطــــا الغيــــــر
تعريف الغير : يقصد بالغير هنا كل من سوى المضرور والمدعى عليه، والاشخاص الذين يساءل عنهم، اما الاشخاص الذين يساءل عنهم المدعى عليه بمقتضى القانون كابنائه القاصرين الساكنين معه، او مختلي العقل او بمقتضى العقد كخدامه اثناء حالة التبعية او التلاميذ في المدارس بالنسبة للمعلمين او الاطفال في اندية الشبيبة والرياضة بالنسبة لمدربيهم او مختلي العقل بالنسبة لمن كلفوا بمراقبتهم وحراستهم، او متعلمي الحرف والصناعات بالنسبة لمعلمي هذه الحرف الفصلان 85 و85 مكرر من قانون العقود والالتزامات. فهؤلاء جميعا لا يعتبرون من الغير، في حالة ما اذا ارتكب المسؤول عنهم خطا او ارتكب احدهم خطا ساعد على وقوع الضرر لاحد من الغير .
وهكذا، اذا ما ارتكب المدعى عليه خطا ادى الى احداث ضرر للمضرور، وساعد على هذا الضرر خطا ارتكبه احد الذين يسال عنهم المدعى عليه المذكورين اعلاه، فان المدعى عليه يسال عن الضرر الكامل، ولا يمكنه ان يدفع بخطا الغير، لان هذا الغير ليس اجنبيا عنه .
ولنضرب لذلك امثلة :
شخص يقود سيارة في ملكه ويحمل معه صديقا له، وفي الطريق يقع اصطدام بين سيارته وسيارة آتية من الاتجاه المعاكس، وذلك بخطا من السائقين معا لكون ان اي منهما لم يلتزم يمينه عند التقابل، واصيب الراكب بجروح نتيجة الاصطدام وتقدم بدعوى المطالبة بتعويض الضرر اللاحق به من جراء الاصطدام، وتبين ان السيارة الثانية في ملك سائق السيارة الاولي يسوقها مستخدمه في مهمة للمالك او ابنه القاصر الساكن معه فان المدعى عليه الاول الذي اقام عليه المدعي دعوى التعويض لا يمكنه ان يدفع بخطا الغير، لان الغير وان ارتكب خطا ساعد على وقوع الضرر فان هذا الغير، لا يعد اجنبيا عن المدعى عليه، ولا غيرا بالنسبة له .
او يحاول سائق السيارة تفادي دوس عابر الطريق يعبرها فجاة، وبدون احتياط من غير المكان المخصص للراجلين. فينحرف تحت المفاجاة بسرعة الى اليمن مما يجعله يصدم سيارة كانت متوقفة على جانب الطريق الايمن ويلحق بها اضرارا مادية، واذا بعابر الطريق هو ابن المدعي عليه مالك السيارة او احد خدمه في حالة التبعية واي شخص اخر من الذين يسال عنهم المدعى عليه ففي هذه الحالة كما في الحالة الاولى لا يمكن للمدعى عليه ان يدفع بخطا الغير، وانما يتحمل هو وحده، كامل مسؤولية الضرر .
وتجب التفرقة هنا بين حالة المسؤولية الشخصية، التي يكون فيها الشخص مسؤولا عن افعاله الشخصية، كما يتاتى تفصيل ذلك فيما يعد، وبين حالة المسؤولية عن الاشياء التي تحت حراسة الشخص، ففي حالة المسؤولية عن الاشياء عندما يكون سائق السيارة الثانية - كما في المثال الاول - هو ابن مالك السيارة الاولى، الا ان السيارة التي كان يسوقها الابن او التابع، ليست في ملك الاب او المتبوع وانما هي في ملك شخص اجنبي عنه فان المدعى عليه مالك السيارة الاولى، يستفيد من خطا الغير، ويعفيه عند ثبوته من جزء من المسؤولية، لان الغير المسؤول هنا - والمسؤولية عن الاشياء - هو مالك السيارة الثانية لا سائقها وهو غير بالنسبة لسائق السيارة الاولى .
وفي المثال الثاني، اذا كان عابر الطريق ابنا او تابعا لسائق السيارة، الا ان السيارة ليست في ملك السائق، وانما هي في ملك شخص اخر سلمها له لقضاء بعض اغراضه ففي هذه الحالة كذلك، ومناط المسؤولية هنا هو المسؤولية عن الاشياء. فان الغير الذي ارتكب خطا يعد اجنبيا عن المسؤول وبالتالي يحق لهذا الاخير ان يتمسك بخطا الغير .
الا انه في حالة ما اذا كانت السيارة في المثال الاول في ملك صاحب السيارة الاولى، كان سائقها اجنبيا عن مالكها، فان مالك السيارة الاول الذي هو في نفس الوقت مالك السيارة الثانية - والمسؤولية هنا عن الاشياء - لا يمكنه ان يدفع بخطا الغير، الذي هو سائق الثانية والذي لا تربطه به اي رابطة من حيث المسؤولية (1) .
قد يرتكب الغير خطا يكون هو السبب المباشر والمنتج للضرر، فيقطع العلاقة السببية بين خطا المدعى عليه والضرر الحاصل للمدعي، فنقول ان خطا الغير، قد اعفى المدعى عليه من كل المسؤولية، وقد يرتكب الغير خطا ساعد على احداث الضرر بالاضافة الى خطا المدعى عليه فنكون في حالة تعدد المسؤولية، وقد يضاف الى هذين الخطاين خطا المضرور نفسه، وسنخصص فرعا لكل حالة من هذه الحالات الثلاث :
الفرع الاول :
خطا الغير وحده
قد يرتكب غير المدعى عليه، خطا احدث ضررا للمدعي، وفي هذه الحالة اذا ما ثبت ان خطا الغير هو السبب المنتج وحده لاحداث الضرر للمدعي فان خطا هذا الغير، يقطع العلاقة السببية بين فعل المدعى عليه، والضرر الحاصل للمدعي، ويعفى المدعى عليه من كل مسؤولية اتجاه المضرور المدعي، فالشخص الذي يركب سيارة اجرة، فتنقلب هذه الاخيرة نتيجة اجتياز سيارة اخرى لها، وقطعها الطريق عليها بانحرافها الى اليمين بمجرد الاجتياز، مما اضطر معه سائق السيارة الاولى الى الانحراف الى اليمين بسرعة لتفادي الاصطدام بالسيارة المجتازة، لتنقلب السيارة ويصاب بعض الركاب بجروح، فلا شك ان خطا سائق السيارة الثانية هو السبب المباشر في وقوع الحادثة واصابة الركاب بجروح وبالتالي يعفى المدعى عليه سائق السيارة الاولى - الناقل - من كل مسؤولية اتجاه الركاب. وسائق السيارة الذي يوقفها عند اشارة الضوء الاحمر، فياتي سائق سيارة اخرى يريد الوقوف الا انه لم يتمكن من ذلك لعطب في الحصار فيصدم السيارة الاولى التي يدورها وتحت تاثير الصدمة تصدم دراجيا كان متوقفا امامها في انتظار اشارة الضوء الاخضر ويصاب بجروح فلا شك ان مسؤولية هذه الحادثة لا يتحملها حارس السيارة الاولى التي صدمت الدراجي، وانما يتحملها حارس السيارة الثانية التي صدمت السيارة الاولى، وان خطا هذا الغير يعفي المدعى عليه مالك السيارة الاولى بل انه - اي
مالك السيارة الاولى - من حقه ان يحصل على تعويض ما لحق سيارته من خسارة نتيجة صدمها .
والممثل الذي يمثل في افلام رعاة البقر او يمثل في دور شرطي في محاربة العصابات، او احد افراد هذه العصابات في الافلام البوليسية يستعمل مسدسا مخصصا لهذه الغاية محشوا بذخيرة ميتة خاصة بالتمثيل واذا بالشخص المكلف بملء هذه المسدسات وقد اراد قتل عدو له من الممثلين او فعل ذلك عن خطا، يعمد الى حشو المسدس برصاص قاتل، ويصوب الممثل مسدسه الى احد افراد العصابة او الى شرطي وهو يؤدي دوره وبدون علم منه بالحشو فيطلق رصاصة تصيب الممثل الاخير في مقتل وترديه قتيلا، فلا شك ان فعل المكلف بحشو المسدسات سواء كان عمدا او خطا، - هو السبب المباشر في احداث الضرر للممثل الاخر، وبالتالي يعفى الممثل الذي اطلق الرصاص، من كل مسؤولية اتجاه ذوي حقوق الضحية، او اتجاه الضحية نفسه ان اصيب بجروح لم تؤد الى وفاته .
وفي المسؤولية العقدية : خياط سلمه الزبناء الاثواب لخياطتها، فتندلع النار في دكان بجوار دكانه نتيجة ترك صاحبه فرن الغاز مثلا، وتحترق الاثواب المودعة عند الخياط، فلا شك ان الخياط لا يتحمل اية مسؤولية اتجاه زبنائه لان خطا صاحب الدكان الذي اشتعلت فيه النار هو المسؤول اتجاه اصحاب الاثواب .
مستودع لحفظ البضائع، يودع فيه الزبناء بضاعتهم لحفظها واسترجاعها متى شاءوا لقاء اجر عن ذلك فيعمد ساكن فوق المستودع الى محاولة تصريف مياه تجمعت في مطبخه او في بيت النظافة ويدخل قضيب حديد في مجرى الماء، فيثقب انبوبا يمر من المستودع فيمتلئ المستودع ماء ويفسد البضائع المودعة، فلا شك ان خطا الساكن الذي ثقب الانبوب يكون هو السبب المباشر في احداث الضرر بالبضاعة المودعة في المستودع، وبالتالي يكون خطا - خطا الساكن - قد اعفى صاحب المستودع من كل مسؤولية اتجاه زبنائه اصحاب البضائع. وقد جاء في قرار لمحكمة النقض المصرية صادر بتاريخ 13/7/66. " ان احداث وفاة المريض نتيجة خطا في عملية التخدير وثبوت عدم وقوع اي خطا في الجراحة من الطبيب الذي اجراها وعدم استطاعة هذا الاخير منع الطبيب الذي عينته ادارة المستشفى من مباشرة عملية التخدير ينتفي معه الخطا التقصيري في جانب الطبيب الجراح" (2) .
وعلى الجملة، فكلما كان خطا الغير هو السبب المباشر في احداث الضرر للغير ولم يقم المدعى عليه باي خطا فان المسؤولية كلها يتحملها الغير، ويعفى المدعى عليه من كل مسؤولية .
وفي جميع الحالات المتقدمة في خطا الغير فان المدعي عادة يقيم الدعوى ضد المتسبب في الضرر مباشرة ثم يعمد هذا الاخير، الى ادخال الغير المتسبب في الضرر في الدعوى، وفي حالة ثبوت خطئه فان المحكمة تخرج المدعى عليه الاول من الدعوى متى تبين انه لم يرتكب اي خطا وتحكم على المدخل المسؤول بكل التعويض المستحق للمدعي .
ومن غير الضروري ان يكون هذا الغير معلوما، ليكون خطاه معفيا للمدعى عليه، فقد يمكن ان يكون الغير مجهولا متى ثبت من التحقيق او اثبت المدعى عليه ان الخطا ارتكبه الغير وان هذا الغير مجهول .
ففي المسؤولية العقدية، ناخذ كمثال صاحب مصبنة يقوم بتصبين الملابس وتنظيفها وصبغها، وفي الليل تتعرض مصبنته - التي احكم اغلاق ابوابها كالعادة - الى كسر الاقفال، او الى ثقب الجدار من طرف لصوص ويستولون على كل ما فيها من ملابس واثواب، ولم يقع العثور على السارق فلا شك ان هذا السارق ما دام لم يقع العثور عليه يعتبر مجهولا، ومع ذلك فان فعله هذا يعد قوة قاهرة بالنسبة لصاحب المصبنة ويعفيه من كل مسؤولية وهو المفهوم المخالف لمقتضيات الفصل 807 من قانون الالتزامات والعقود الذي ينص على ان "يضمن المودع عنده الهلاك او الضرر الناتج عن اي سبب كان يمكنه التحرز منه .
اولا - عندما ياخذ اجرا عن حفظ الوديعة .
ثانيا - عندما يتسلم الودائع بحكم مهنته او وظيفته" وعلى العكس من ذلك لو ان صاحب المصبغة لم يحكم اغلاق اقفالها، او لو ترك احدى النوافذ بدون اغلاق ودخل منها اللصوص ليتحمل كامل المسؤولية اتجاه الزبائن وذلك نتيجة اهماله .
وفي المسؤولية التقصيرية : سائق السيارة تسير بسرعة معتدلة ملتزما يمينه واذا بسائق شاحنة يجتازه ثم تقطع عليه الطريق بغتة وبرجوعه الى اليمين " ذنب السمكة" فيضطر سائق السيارة الاولى الى الانحراف بغتة وبسرعة لتفادي الاصطدام بالشاحنة المذكورة فيصيب راجلا يسير بجانب الطريق وتابع سائق الشاحنة طريقه دون توقف ودون ان يتمكن احد من اخذ رقم الشاحنة ويبقى الغير المتسبب في الحادثة مجهولا .
وكذلك سائق السيارة الذي يتقابل مع سيارة اخرى وترمي حجرة على الزجاج الامامي للسيارة الاولى فينكسر ويصيب السائق بجروح يتعذر معها عليه التحكم في السيارة فيصطدم بشجرة او سيارة اخرى اتية من الاتجاه المعاكس ويصاب بعض الاشخاص بجروح بسبب الحادثة وتابع سائق السيارة الثانية طريقه دون توقف ولم يتمكن احد من التعرف عليه ويبقى مجهولا (3) مثل هذين الحالتين معا، رغم ان المتسبب في الحادثة مجهول فان خطا هذا الغير المجهول يعفي المدعى عليه من كل مسؤولية بعد ان يثبت هذا الاخير ان خطا الغير المجهول يعفي المدعى عليه من كل مسؤولية بعد ان يثبت هذا الاخير ان خطا الغير هو المسؤول عن الحادثة وانه - اي المدعى عليه - لم يرتكب اي خطا يحاسب عليه .
الفرع الثاني
تعدد المسؤولين
قد يرتكب المدعى عليه خطا ويرتكب الغير خطا دون ان يستغرق احدهما الاخر - راجع استغراق احد الخطاين الاخر، عدد 21 من هذه المجلة - " فنكون في حالة تعدد المسؤولين، بمعنى ان كل واحد منهما او منهم يعد مسؤولا عن جزء من التعويض عن الضرار اللاحق بالمدعي، حسب جسامة او بساطة الخطا الذي ارتكبه اتجاه المضرور، ولا فرق في ذلك سواء كانت المسؤولية عقدية او تقصيرية، وسواء كان الخطا واجب الاثبات او مفترضا تجاههما معا او تجاه احدهما دون الاخر .
ففي المسؤولية التقصيرية سائق السيارة يسير ليلا ، وعند تقابله مع سيارة اخرى، لم يقم سائقها بتبديل الانارة ويترك الضوء القوي مشتعلا فيعشي السائق الآتي من الاتجاه المعاكس والذي كان يسير بسرعة مرتفعة ويصدم دراجيا كان يسير امامه، فلا شك ان سائق السيارة الذي صدم الدراجي - ولنفرض ان الدراجة التي كان يركبها الضحية كانت مضاءة بكيفية قانونية - يكون قد ارتكب خطا بعدم تخفيضه السرعة لتكون متلائمة مع الزمان والمكان الذي يجتازه - الليل التقابل الانارة القوية - ولو ادى الامر الى وقوفه عند عدم رؤيته الطريق وان سائق السيارة الاتي من الاتجاه المعاكس هو الاخر قد ارتكب خطا بعدم تخفيضه الانارة عند التقابل، ولا شك ان خطا احدهما لم يستغرق خطا الاخر كما لم يكن نتيجة طبيعية له وبذلك فان كلاهما قد ارتكب خطا مستقلا عن الاخر وبالتالي يكون مسؤولا عن خطاه. وان خطا السائقين في هذا المثال متساو الشيء الذي يجعل كلا منهما يتحمل نصف المسؤولية .
وكذلك الشخص الذي يركب المقعد الخلفي من دراجة نارية، فيقع اصطدام بينها وبين دراجة اخرى اتية من الاتجاه المعاكس لعدم التزام اي من السائقين اليمين عند التقابل فلا شك ان كلا من السائقين ارتكب خطا وان خطاهما متساو وان من حق المضرور وهو راكب المقعد الخلفي ان يحصل على تعويض الضرر منهما معا كلا حسب نصيبه في المسؤولية، ولا يمكن ان يواجه الضحية بتجزئة المسؤولية بين السائقين لانه - اي الضحية- لم يرتكب اي خطا .
وفي المسؤولية العقدية : الشخص الذي يركب سيارة اجرة، وفي الطريق يقع اصطدام بينها وبين سيارة اخرى اتية عن يمين الاولى، الا ان سائقها لم يحترم علامة " قف" الموجودة عن يمينه، فيصاب بعض ركاب السيارة الاولى بجروح فلا شك ان كلا من السائقين ارتكب خطا ساهم في ارتكاب الحادثة، سائق سيارة الاجرة كان يسير بسرعة مرتفعة ولم يخفضها عند اقترابه من ملتقى الطرق تحسبا لما عسى ان يقع، وسائق السيارة الثانية لم يحترم علامة قف. ومن حق المضرور ان يحصل على تعويضه الكامل منهما معا او من ايهما يختار : سائق السيارة التي كان يركبها في نطاق المسؤولية العقدية (عقد النقل) وسائق السيارة الثانية في نطاق المسؤولية التقصيرية .
ومقاول في البناء يتعهد بناء عمارة ولما ينهي اعماله يتعاقد مالكها مع مقاول في الماء وبعد مدة وجيزة تصاب العمارة بشقوق خطيرة في بعض الجدران، ثم تبين ان الماء تسرب من بعض الانابيب الداخلية الباطنية، والذي لم يحكم مقاول الماء تلحيمها عند الالتقاء وينزل الماء على اساس العمارة الذي لم يقم مقاول البناء بوضع الاسمنت المسلح بالكيفية التي وضعها المهندس واضع التصميم، وانما هناك نقص في الحديد والاسمنت وملأ الفراغ برمل مما ساعد على وقوع انخفاض في الاساس نتج عنه نزول في الجدران فلا شك ان كلا من المقاول في البناء والمقاول في ادخال الماء قد ارتكب خطا ساهم في وقوع الضرر، ولا شك ان كلا منهما يعتبر مسؤولا تجاه مالك العمارة حسب ما يقدره الخبراء .
وغالبا ما يتقدم المضرور بدعوى التعويض ضد من يظن انه المسؤول عن الضرر، ثم يدخل المدعى عليه الطرف الاخر في الدعوى ليمكن ان يحكم عليه باداء تعويض يناسب الخطا الذي ارتكبه حسب جسامته او يسره، ويعفى منه المدعى عليه الاول .
وفي حالة ما اذا لم يمكن تحديد نصيب كل من المدعى عليهما، فان القاضي يجعل نصيب كل منهم متساويا مع الاخر اي يقسم التعويض الذي يستحقه المدعي بالتساوي على المدعى عليهم او عليهما (الفصلان 99 و100 من قانون الالتزامات والعقود) كما يجب ان يحكم عليهم متضامنين باداء المبلغ المحكوم به ولمن ادى المبلغ ان يرجع على المحكوم عليه الاخر باداء ما نابه من التعويض .
واذا لم يدخل المدعي في الدعوى - وفي حالة تعدد المسؤولية - الا مسؤولا واحدا ظنا منه ان المسؤولية تقع عليه وحده، وبعد دراسة القضية ومرافعة الاطراف تبين للمحكمة ان المدعى عليه لا يتحمل اي جزء من المسؤولية وان الطرف الذي لم يدخل في الدعوى، يتحمل جزءا منها فانها لا تستطيع ان تحكم على من لم يدخل في الدعوى، وانما تحكم على المدعى عليه بان يؤدي للمدعي كامل التعويض الذي يستحقه، ولمن ادى التعويض الكامل ان يرجع على المتسبب الاخر في الدعوى ليحصل منه على تعويض يعادل نصيبه في المسؤولية، (5) .
الفرع الثالث
خطا الضحية يضاف الى خطا الغير
قد ترتكب الضحية خطا يضاف الى خطا الغير فيكون اطراف العلاقة ثلاثة ضحية من جهة ومسؤولين الا ان الضحية في هذه الحالة يكون هو الاخر قد ارتكب خطا ساهم في ارتكاب الحادثة مثال ذلك سائق سيارة نقل يقف في مكان غير مخصص لنزول الركاب وبعيد عن الطوار الايمن ويفتح الباب لينزل احد الركاب وعند نزول هذا الاخير دون احتياط ودون التاكد من خلو الطريق يمر راكب دراجة نارية ويصدم النازل فيصاب بجروح فلا شك ان كلا من سائق الناقلة قد ارتكب خطا بوقوفه في مكان غير مخصص للوقوف، كما لم يلتزم يمينه عند الوقوف وان الضحية هو الاخر قد ارتكب خطا بنزوله دون احتياط ودون ان يتاكد من خلو الطريق .
كما ان سائق الدارجة النارية قد ارتكب خطا بعدم انتباهه وقت اجتياز الناقلة بالاضافة الى انه اجتاز من اليمين وهي الجهة التي ينزل منها الركاب لوجود البابين بها، وبما ان الاطراف الثلاثة قد ارتكب كل منهم خطا، فانه يتحمل نصيبه من التعويض يعادل الخطا الذي ارتكبه ولنفرض ان خطا كل منهم يمثل الثلث، فانه لا حق للمضرور الا في الثلثين فقط وانه هو يتحمل الثلث الاخر مقابل خطئه .
هوامش :
(1) هذا مع العلم ان حارس السيارة يعد مسؤولا عن الاضرار التي تسبب فيها عملا بالفصل 88 من قانون الالتزامات والعقود، وقد ضربنا هذا المثال فقط لتوضيح معنى الغير .
(2) التعليق على نصوص القانون المدني 1 ص 49 للاستاذ العروسي .
(3) ان خطاء الغير لايمكن ان يعفى من المسؤولية، الا اذا كون هذا الخطا القوة القاهرة او الحادث الفجائي : حكم عدد 148 الصادر بتاريخ 7 محرم 1389 موافق 26 مارس 1969 .
(4) وقد قضى المجلس الاعلى في قرار له صدر بتاريخ 15/4/1970 تحت عدد 197 " ان المحكمة تكون قد خرقت الفصل 88 من ق ل ع عندما رفضت دعوى الضحية لعلة ان الحادث الواقع في المصعد يرجع الى حدث فجائي تسبب فيه شخص لم يتعرف على هويته، في حين ان هذا الاعتبار مجرد افتراض لم يثبت. في هذا الفصل لا نتكلم عن المسؤولية المفترضة، وانما على المسؤولية الواجبة الاتباث اي المسؤولية الشخصية وسنخصص فصولا اخرى ان شاء الله للمسؤولية عن الغير .
(5) الوسيط من 1 هامش ص 1019 للدكتور الاستاذ السنهوري .
* عن مجلة المحاكم المغربية، العدد 22 ، ص 33 .
0 التعليقات:
Post a Comment