رياض فخري: طالب باحث بجامعة عين شمس
القاهرة ـ جمهورية مصر العربية.
إذا كان عقد اللزينغ هو صناعة أمريكية ظهرت في منتصف هذا القرن، إلا أن أصوله الحقيقية تعود إلى العهود القديمة مع ظهور الحضارات المنظمة وعلى الخصوص في عهد الإمبراطورية البابلية في بداية القرن 18 قبل ميلاد المسيح، ذلك أن حمو رابي كأول مشرع منظم في التاريخ كان قد نظم في قوانينه من بين ما نظم المعاملات التجارية، علاقة الملكية، عقد العمل، ووضعية الدائنين في حالة عدم يسرهم، وللتخلص من الديون المستحقة عليهم كانوا يبيعون قوت عملهم لدائنيهم ويمنحونهم تأمينا مهما: رهن زوجاتهم...أما فيمصر فإن فكرة الليزينغ كانت قد ظهرت نحو ثلاثة آلاف سنة قبل الميلاد في عهد الإداري العظيم موحد القطرين "مينا" مع الصعود الملحوظ لطبقة البيروقراطية في عصره وللهياكل الاجتماعية التي تطورت بشكل كبير مع ما يستتبع ذلك من نتائج حتمية: ميلاد العلاقات المنظمة بين الدائنين والمدينين.
هذا التأصيل التاريخي لا يمكن في الحقيقة أن يفاجئنا، فالليزينغ في صورته الأولى كإيجار بسيط بين متوسط الأجل للأصول المنقولة والعقارية، هو تعبير عن أن هذا المخلوق القانوني قد ولد مع الملكية وتطور في محيط اقتصادي انطبع بالحاجة وبتكامل الأداءات وخلق علاقات ترابط ضرورية(1).
فالثري الذي يؤجر معدته،عبده لثري آخر، المالك الذي يؤجر عقاره، أرضه لأحد المساكين الفلاحين لمدة فصل واحد أو لفترة أطول يمارس بدون أن يعلم بذلك عملية الليزينغ صحيح أن الغائية والفائدة الاقتصادية والضريبية للعملية وفلسفتها كتقنية كانت في هذه الفترة مجهولة.
فإذا كان الإيجار هو بالفعل مؤسسة قديمة نجدها في كل تاريخ الإنسانية والذي يترجم حالة الدونية والضرورة المادية لطرف ما من الجمهور النشيط في الجماعة في العائلة، في القبيلة، في المدينة أو في الدولة تجاه الآخر، فإن الليزينغ ومن يعد التأجير التمويلي المستخلص من مفاهيم تقليدية يترجم نوعا من التجريد الجديد، التمييز بين الملكية والاستمتاع. رفعة واستعلاء الثاني على الأول مع كل النتائج الفلسفية، القانونية، الاقتصادية والسياسية الناتجة عنها.
إلا أن تبلور الصورة الجديدة التي يعرف بها الآن التأجير التمويلي لم يبدأ إلا ف ي سنة 1952 في الولايات المتحدة الأمريكية أثناء الحرب الكورية منتظرا عشر سنوات ليعبر المحيط نحو أوربا وتكون أول ممارسة في إنجلترا ثم فرنسا سنة 1962 على أن تنظيمه التشريعي لم يتم إلا في سنة 1966 بقانون رقم 66-455 الصادر في 2/7/1962، ثم في بلجيكا بالمرسوم الملكي رقم 55 الصادر في 10/02/1967 وفي إسبانيا بمرسوم قانون رقم 15 لسنة 1977، ثم إيطاليا بقانون رقم 183 لسنة 1976 والبرتغال بمرسوم قانون رقم 135 لسنة 1979.
ليعبر في ما بعد حوض البحر الأبيض المتوسط ويستقر في بعض الدول الإفريقية وعلى رأسها تونس والمغرب:
ففي تونس كانت أول ممارسة في سنة 1984 مع شركة ليزينغ تونس(2) منتظرا عشر سنوات لكي ينظم تشريعا بقانون رقم 94-89 الصادر في 27/7/1994،أما في المغرب فلقد كانت أول شركة ممارسة له قد ظهرت في سنة 1965 وهي مغرب ليزينغ(3) منتظرا 31 سنة لكي يجد له مكانا في لمدونة التجارية بظهير 15 ربيع الأول 1417- 1/8/1996. ليتجه جهة الشرق ويستقر في مصر الذي يشكل فيها حالة منفردة من حيث توازي الممارسة والتشريع حيث لم تعرف مصر أي ممارسة للتأجير التمويلي إلا بعد صدور القانون المنظم له وهو القانون رقم 95 لسنة 1995، على أن هذه القوانين الثلاثة الأخيرة قد اعتمدت على القانون الفرنسي كمرجعية لها، بدون أن تأخذ بعين الاعتبار معالجة الثغرات التي بانت عنها الممارسة في تطبيق هذا القانون سواء عل المستوى القضائي الفقهي وبدون مراعاة لخصوصيات الظرفية الاقتصادية التي تمر بها هذه الدول، وهي عموما سمة لا ينفرد بها قانون التأجير التمويلي بل عادة ما انفك مشروعنا عن ممارستها منذ عهدهم بالتقنيات الحديثة.
وإذا كنا غير معنيين في هذه الدراسة بمعالجة كل الجوانب القانونية لعملية التأجير التمويلي، فإن عنوانها يفرض علينا أن نتطرق لما يمكن أن يشكل دليلا على عدم توازن الأداءات بين أطراف العملية وبالخصوص بين المؤجر التمويلي والمستأجر التمويلي، لنستخلص أنه غالبا ما يكون هذا الأخير هو الطرف الضعيف في العملية ويتحمل كل مخاطرها ليل الأزل بمنأى عن كل ضرر ينعم بثمار القوالب القانونية التي صبت فيها العملية بشكل أن تخدم أمنه على حساب المستأجر التمويلي. في محاولة لرد على المزايا التي يحاول رجال المال والاقتصاد وللأسف حتى بعض رجال القانون ـ الذين غالبا ما يكونوا مستشارين لمؤسسات تمارس هذا النشاط ـوإرجاعها لحجمها الحقيقي لتوضيح أنه بالرغم من أن عملية التأجير التمويلي قد تبدو محملة بالمزايا والفوائد بالنسبة لمن يلجأ إليها كوسيلة تمويلية لاستثماراته، إلا أنها لا تخلو من سلبيات قد تعصف أحيانا بكل تلك المزايا.
وذلك من خلال الخطة التالية:
ـ ارتفاع بدلات الإيجار بما لا يتناسب مع الاستمتاع بالأصل محل الإيجار التمويلي.
ـ تحمل المستأجر لعبء الإصلاحات الكبرى والصغرى.
ـ التزام المستأجر بمخاطر فقد الأصل.
ـ إعفاء المؤجر من الضمان.
ـ الخاصية الانفرادية للشرط الفاسخ وغياب الشرط الفاسخ بخطأ من المؤجر التمويلي.
ـ طابع المبالغة في الشرط الجزائي.
ـ الاعتبار الشخصي.
ارتفاع بدلات الإيجار بما لا يتناسب مع الاستمتاع الحقيقي بالأصل محل التأجير التمويلي
عادة ما يتم تقديم عقود التأجير التمويلي للعملاء وكأنها اتفاقات إيجارية، على أن تسمح هذه الاتفاقات في الممارسة بأن يتوصل المستأجر في نهاية الاتفاق إلى ملكية الأصل إذا رغب فيذلك، وعلى المستوى الاقتصادي يشكل التأجير التمويلي وسيلة لتمويل استثمار المستأجر حالا محل طرق تمويل الاستثمارات التقليدية. فعلى أساس القيمة الايجارية للأصل من جهة وثمن اقتناءه من جهة أخرى وفي الأخير تكلفة القرض التقليدي، تجب مقارنة بدلات التأجير التمويلي حتى يمكن استخلاص طبيعتها الباهضة.
فبالنسبة للعنصر الأول، يبدو أن تحليل بدلات الإيجار يثبت بأن القيمة الايجارية للأصل لم تؤخذ بعين الاعتبار في حساب مبلغها رغم أن بعض الكتاب يذهبون إلى أن قسط الإيجار يمثل مقابل الاستمتاع بالأصل مع اعترافهم بالطبيعة المالية الخالصة لهذه الأقساط هكذا إذن تعتبر أقساط التأجير التمويلي على المستوى النظري أقساط ايجارية رغم أن طريقة حسابها تستجيب لمعايير مختلفة تماما. وعندما يدفع بارتفاع هذه الأقساط مقارنة بتلك التي نجدها في عقود الإيجار البسيطة، يكون الرد هو أنها لا تطابق إلا جزئيا الاستمتاع بالأصل من جهة، ومن جهة أخرى إمكان المستأجر اقتناء ملكية الأصل في نهاية مدة الإيجار. وعلى أساس أن هذه الأقساط تشكل رسميا ايجارية ـ أقساط إهلاك، مردودية بالنسبة للمؤجر وإيجارات مخصوصة بالنسبة للمستأجر. فإنه في هذه الحالة يجب بالضرورة أن تتجاوز القيمة الايجارية للأصل. فإذا كانت القيمة الايجارية في السوق الايجاري تتكون من عدة عناصر: مقابل استعمال الأصل الذي يتضمن حالة الأصل، الاستعمال، مدة حياته المادية، وتأثير قوى العرض والطلب في السوق، أما بالنسبة لثمن اقتناء الأصل وقيمته السوقية، فإنه لا تشكل عناصر محددة للقيم الايجارية، من جهة لأن أقساط الإيجار هي مصدر دخل فيحين أن رأس المال يظل هو القيمة السوقية للأصل، والإيجار لا يتصور بالنتيجة إهلاك ثمن اقتناء هذا الأصل ومن جهة أخرى حتى وإن كان ثمن الاقتناء واجب الإهلاك باعتباره محل استثمار من قبل المؤجر، فليس سوى على أساس القيمة الايجارية للأصل يسمح قبض البدلات بإهلاك قيمة اقتناءه. وغالبا ما يتحقق هذا الإهلاك على مدة جد طويلة تتطلب دائما عدة عمليات إيجار، وهو ما يختلف مع الوضع في التأجير التمويلي، ذلك أن إهلاك رأس المال المستثمر من قبل المؤجر في اقتناء الأصل، هو الهدف الذي يبحث عنه الممول، بالإضافة إلى مردوديته، وهو إهلاك يجب أن يتحقق في عملية إيجار واحدة. وتتقيد مدة هذه العملية الواحدة بمدة العمر الاقتصادي للأصل مما ينتج عنه أن مبلغ أقساط الإيجار المحددة هي أكثر ارتفاعا من تلك التي نجدها في الإيجار الكلاسيكي حيث لا يتدخل أي معيار من النوع المالي لتحديد القيمة الايجارية.
فعلى أساس معايير مالية بحتة، يتحقق إهلاك ثمن اقتناء الأصل،تغطية المصاريف المالية والعامة للمؤجر وهامش ربحه وتكون بدلات الإيجار التمويلي لا تأخذ بعين الاعتبار أبدا القيمة الايجارية للأصل لأنها جد مرتفعة مقارنة بهذه الأخيرة، وبالتالي يمكن القول إن هذه البدلات تتجاوز بكل المقاييس القيمة الايجارية الحقيقية للأصل وبأنها أكثر تكلفة من تلك التي نجدها في الإيجار البسيط.وحتى وإن كانت هذه الأقساط تمثل جزئيا مقابل استعمال الشيء، فإنها سوق تكون أكثر ارتفاعا من تلك الموجودة في الإيجار البسيط، لأنه يضاف إلى هذا الجزء جزء يطابق خصوم تكلفة الائتمان الممنوح.
أما إذا قارنا بدلات الإيجار في التأجير التمويلي بثمن اقتناء الأصل،فسوف نستنتج أن المبلغ العام لتحملات التأجير التمويلي هي أكثر ارتفاعا من ثمن اقتناء الأصل، وذلك، بفعل مكونات هذه التحملات التي تتضمن بالإضافة إلى ثمن الاقتناء جزءا من المصاريف، فوائد ومقابل الخدمة التي يقدمها المؤجر التمويلي.
على أن هذه التكاليف المضافة قد تجد بالتأكيد مبررها فيكون المستأجر لا يشتري مباشرة الأصل من المورد ويدفع ثمنه. لأنه لو كان الأمر كذلك لما كانت هناك حاجة وفائدة من تدخل المؤجر التمويلي، لكن بمجرد ما يقدم هذا الأخير مساعدته يصبح له الحق في تعويض يعدل مبلغ التكاليف المضافة.
فإذا كانت عملية التأجير التمويلي هي عملية تمويلية تسمح للمستأجر في نهايتها باقتناء ملكية الأصل، التي يحتفظ بها المؤجر التمويلي عل سبيل الضمان، وبالتالي يصبح المستأجر مطالبا بدفع الثمن مضافا إليه تعويض الائتمان الممنوح من قبل المؤجر التمويلي الذي لم يعد دوره يختلف كثيرا عن دور البائع بالقرض.
إلا أن تكلفة التأجير التمويلي هي أكثر ارتفاعا من تكلفة الشراء بالقرض لأن البائع بالقرض الكلاسيكي يتبقى هامش ربحه مثمنا في ثمن بيع الأصل لتغطية الفائدة التي تتضمن المصاريف التي تثور بمناسبة منح الائتمان وتسمح بتعويض هذه الخدمة الإضافية، عكس المؤجر التمويلي الذي يدفع ثمن الاقتناء المستردع من خلال بكلات الإيدار مشافا إليه مبلغ إجمالي يغطي المصاريف العامة والمالية التي تتطلبها العملية وتسمح بتحقيق ربح نقدي. وفي الممارسة إذا تعلقت هذه العمليات بأصول متشابهة، فإن مدتها لا تكون بالضرورة متاسوية، كما أن تكلفة التأجير التمويلي هي أكثر ارتفاعا عن تكلفة البيع بالقرض، لأن تكلفة الأول لا يمكن أن تحسب إلا انطلاقا من تحيين(4) وبنفس المعدل، البدلات التي يجب دفعها مستقبلا وأخذا بعين الاعتبار الفوائد المستحقة استقلالا عن مدة الدفع.
فالمؤجر التمويلي لا يتدخل في أية عملية إلا بناء على طلب عميل معين في استثماره يعتبر بعد دراسة الملف قابلا للتنفيذ بمساعدة المؤجر الذي يجب أن يستثمر مبلغا من المال لاقتناء أصل معين، وهو مال قد يحصل عليه من مؤسسة للقرض، فعملية التأجير التمويلي هي إذن عملية مستقلة في أعين المؤجر التمويلي وبالتالي يحمل عملية بمصاريف التمويل الذي يقدمه. وباعتبارها شركة تمويلية فهي لا تنظر لرؤوس أموالها الخاصة بشكل مختلف عن رؤوس الأموال الخارجية التي يمكن أن تلجأ إليها، فما دامت مستثمرة فإنها تستحق تعويضا يضاف ليه المصاريف العامة التي تثور بمناسبة العملية وتلك المتعلقة بالنشاطات العامة لمشروعها، وهامش ربح باعتبارها مؤجرا تمويليا، وهي كلها تكاليف يتحملها المستأجر مستعمل الأصل.
هكذا فإن المستفيد المستأجر في التأجير التمويلي يدفع مصاريف البائع التمويلية، جزءا من المصاريف العامة، هامش ربحه، مصاريف المؤجر التمويلي، جزءا من مصاريفه العامة وفي الأخير هامش ربحه. من هنا نصبح في غنى عن البرهنة على الطبيعة الباهضة لبدلات الإيجار في التأجير التمويلي مقارنة بثمن اقتناء الأصل والخدمة التمويلية المأخوذة بعين الاعتبار.
وتزداد الطبيعة الباهضة لبدلات الإيجار التمويلي وضوحا إذا قارناه بتكلفة القرض التقليدي. فعندما كان المؤجر التمويلي غير قادر على استرجاع الضريبة على القيمة المضافة المضمنة في ثمن الاقتناء، كان الكتاب لا يترددون فيالوقوفعلى التكلفة الباهضة للإيجار التمويلي بإثارة معدل عام الفائدة جد مرتفع، وهو ما يجعل من الإيجار التمويلي تركيبة جد باهضة مقارنة باشكال القرض التقليدي(5)، وبعد أن أصبح المؤجر التمويلي قادرا على تحويل الضريبة على القيمة المضافة لعملائه ورخص له بالاسترجاع الفوري للتكاليف المحققة بعد هذه المرحلة أثبتت أن التأجير التمويلي هو تكلفة جد باهضة مقارنة بالتمويل الكلاسيكي، ذلك أن تأثير التعديلات الضريبية لا يبدو حاسما في وقت استمرار ارتفاع التكلفة، ففي سنة 1963 كتب أحد الكتاب أن الليزينغ لا يمكن أن يتم بمعدلات أقل ارتفاعا من معدلات القروض المباشرة(6).
وكيف يمكن أن يكون غير ذلك ما دام المؤجر التمويلي نفسه يعود للتمويل البنكي حسب معدلات تحددها السوق التمويلية وفي تكلفتها تمثل مصاريف يتحملها المؤجر التمويلي، ويجب تغطيتها ببدلات الإيجار التي يدفعها المستأجر.
وإذا كان من الصحيح أن حالة من الشك تجثم على تقييم تكلفة التأجير التمويلي فإن المقارنة تختلف على حسب التحيين ومردودية المشروع المستعمل والتأثير الضريبي المباشر وغير المباشر، إلا أن ذلك لا يمنع من إثارة مع الكثير من الكتاب طابع بدلات الإيجار التمويلي الباهضة ليس فقط مقارنة بتكلفة القرض التقليدي لكن أيضا مقارنة بالقيمة الايجارية للأصل وثمن اقتناءه.
تحمل المستأجر بعبء الإصلاحات الكبرى والإصلاحات الصغرى
دائما ما تنص اتفاقات التأجير التمويلي على تحمل المستأجر بالتزام صيانة الأصل والقيام بكل الإصلاحات الضرورية للحفاظ استعماله.
فالمستأجر مطالب ليس فقط بتحمل عبء القيام بالإصلاحات التي يتحملها عادة المستأجر في عقود الإيجار عموما، بل بالإضافة إلى ذلك القيام بالإصلاحات الكبرى على حسابه الخاص والتي يتحملها مبدئيا مؤجر الشيء.
فعقود التأجير التمويلي تنص على أنه خرقا للمادة 1721 ق.م.ف. والمادة 638 و 639 من ق.ل.ع مغربي، تكون كل المصاريف الضرورية للتشغيل، الصيانة، وإصلاح الأصل، على عاتق المستأجر، خارقة بذلك المبدأ الذي وضعته القوانين المدنية والقاضي بتقسيم الإصلاحات التي يتطلبها الأصل محل الإيجار بين المؤجر والمستأجر، فالإصلاحات التي تهدف إلى الحفاظ والمحافظة على الأصل في حالته المادية التي تسمح باستمرار استغلاله كمصدر لدخل المؤجر، تشغيل الأصل والحصول على أفضل استعمال له، هي عموما أقل أهمية، ولا تهم سوى المستأجر المستعمل للأصل أكثر من مؤجره وبالتالي تعتبر إصلاحات بسيطة يتحملها المستأجر.
هكذا فإن عقود التأجير التمويلي تخرق إذن قانون التحملات في هذا التوزيع المتناسق للصيانة كنتيجة طبيعية للمصالح المتبادلة للطرفين، واضعة على كاهل المستأجر كل الإصلاحات(7)، فإن المستأجر يجد نفسه متحملا فعلا بالتزام المحافظة على الأصل في مواجهة المؤجر التمويلي.
ولا يكفي أن ندعي بأن المستأجر يخطط لاقتناء ملكية الأصل في نهاية الإيجار وبالتالي يتحمل مسبقا بالالتزامات المرتبطة بالملكية، لكن نقول بأن الالتزام المطلق هو "عادي". فمن جهة ليست للمستأجر سلطة الملكية على الشيء فحتى سلطات استعماله هي مقيدة. وما يمكن أن يكون صحيحا بالنسبة للتحملات، يجب أن يكون كذلك بالنسبة للامتيازات، كما أن المالك من جهة أخرى يستطيع إذا قرر ذلك، الاحتفاظ بالأصل على حالته المادية أو في أحسن حالة للتشغيل حسب رادته وبدون إلزام. كما أن المستأجر في التأجير التمويلي ـ على الأقل في الممارسة عندنا كما في فرنسا ـ ليس ملزما باقتناء الأصل والحصول على ملكيته في نهاية الإيجار، بل هو مجرد خيار، إن شاء استخدمه، وإن شاء أنهى العقد، ورغم ذلك، فإنه ملزم بالقيام بهذه الإصلاحات في مداها الأكثر إطلاقا، لأن المؤجر يجعله يتحمل بمصاريف الضمان الذي يفرضه عليه ويحتف به خلال كل مدة العقد، وباعتبار القواعد المدنية هي من طبيعة مكملة فإن المؤجر يستطيع ليس فقط إعفاء نفسه من القيام كمؤجر بالإصلاحات الكبرى، بل يقوم أيضا بتحميل المستأجر بها.
وتتكرس هذه الوضعية أكثر من خلال التنصيص الشائع والذي نصادفه في كل اتفاقات التأجير التمويلي، قاضيا بأنه إذا كانت أعمال الصيانة تتطلب تركيب قطع غيار وملحقات تجهيزية للأصل، فإن هذه الإضافات تصبح تلقائيا في ملك المؤجر، بدون إمكان مطالبته بأي تعويض مقابل ذلك، لتصبح هكذا أمام حالة ملموسة للالتصاق المنقول، حيث الحقوق المتبادلة للملاك هي محددة من قبلهما ما داما مرتبطين باتفاق.
على أن ما يبحث عنه المؤجر هو أصل قابل لإعادة بيعه لأنه يأخذ دائما بعين الاعتبار التحسب لتخلف عميله، أصل قادر على ضمانه ضد المخاطر"، ورغم أن المستأجر الذي يتحمل بمصاريف هذه الصيانة،إلا أن المؤجر التمويليله مصلحة حقيقية في حسن صيانة الأصل. فهو ليس عديم المصلحة حين يصر على خرق قواعد القانون المدني، خصوصا وأنه لو لم يكن مهتما، لكان يكتفي بإعفاء نفسه من الالتزام بالقيام بالإصلاحات الكبرى فقط بدون أن يحملها المستأجر،وما دام قد حملها له، فلأن مصلحته تقتضي ذلك حتى تبقى وضعيته متميزة كدائن تجاه المستأجر الذي هو في حاجة للمساعدة المالية ولكي يظل قادرا على إملاء شروطه في مقتضيات كهذه.
التزام المستأجر يتحمل مخاطر فقد الأصل
دائما ما تنص اتفاقات التأجير التمويلي على أن الطرف الذي يتحمل مخاطر فقد الشيء هو المستأجر التمويلي، هذا الأخير يظل طيلة مدة الاتفاق مسؤولا عن كل مخاطر تدمير أو فقد الأصل جزئيا أو كليا.
وتظل مسئوليته قائمة،حتى وإن كان الضرر ناتجا عم قوة قاهرة أو حادث فجائي. ووحدة الخطر الناتج عن فعل المؤجر التمويلي هو الذي يمكن أن يعفيه من المسؤولية، وهو خطر يقترب من استحالة الحدوث.
ولتقبل بأن اتفاقا ما يحمله بآثار القوة القاهرة، لابد بالتأكيد أن يكون لجوء المستأجر لإبرام مثل هذا الاتفاق يشكل له ضرورة قصوى، إن لم يكن هذا اللجوء في حد ذاته هو حالة قوة قاهرة!.
فالعقود التي تتضمن بنودا متعلقة بتأمين الأصل، تقتضي بأنه في الحالة التي لا تغطي فيها بوليصة التأمين هذه الكارثة، أو في الحالة التي لا يمكن فيها تنفيذ البوليصة لأي سبب كان، تكون الآثار بالتأكيد هي نفس آثار عدم تأمين الأصل والتي لا تخرج عن أحد الأمرين التاليين: فإما أن يستبدل المستأجر الأصل بمثله وعلى حسابه، وإما أن يدفع للمؤجر تعويضا مساويا لمبلغ بدلات الإيجار المتبقية، مضافا إليها مبلغ القيمة المتبقية للأصل في نهاية المدة الحاسمة كمقابل للاقتناء الاحتمالي لملكيته. فالمخاطر التي تحملها المستأجر هي إذن ذات وقع جد ثقيل على كاهله، لأن إرجاع الأصل لحالته الأصلية خصوصا في حالة التعيب الكامل يمكن أن يساوي في مصاريفه تكلفة الاستثمار الرئيسي الذي دفعه المؤجر في اقتناء ملكية الأصل مع بقاء بدلات الإيجار المتبقية لم تستحق واجبة الدفع في آجالها(8).
وباعتبار أن الاتفاق كان يجب أن يسير وينفذ بشكل عادي، فإن البدائل المتاحة أمام المستأجر هي ثقيلة في نتائجها: فهو سوف الثمن الذي كان سيدفعه لاقتناء ملكية الأصل في نهاية المدة الحاسمة بدون أن يستطيع استعماله ولا حتى اقتناءه لأنه، دمر عن آخره، وبتحمله كل مخاطر الفقد حتى في حالة القوة القاهرة، فإن المستأجر يشارك شخصا كان يمكن أن يقوم بأحد أعمال التصرف الطبيعية إراديا، فهو مطالب إذن تجاه المالك إما بأن يرجع الأصل لحالته أو أن يدفع له ثمنه على سبيل التعويض. على أن هذا التعويض لا يطابق التعويض الذي تدفعه شركة التأمين. فهذا التعويض يجب أن يسمح للمؤجر بإهلاكه كليا ثمن شراء الأصل واسترجاع مصاريفه والحصول على هامش ربح مخصوم من العملية التي كان يمكن أن تسير بشكل عادي.
فالمؤجر التمويلي يتصرف فعلا كممول منح قرضا وطلب ضمانا وباعتبار أنه فقد المبلغ المدفوع، يطلب من المقترض إرجاع الضمان لحالته الأولى بفرض دفع البدلات المستحقة من قبل المقترض بسبب إضعاف الضمان المقدم.
ولا أحد يهتم بالغاية الرئيسية التي يبحث عنها المستأجر التي تكمن في استعمال الشيء وربما اقتناءه في نهاية العقد.
وهي الغاية التي التزم من أجلها في عقد التأجير التمويلي بدفع أقساط الإيجار، إلا أنه في حالة الهلاك الكلي، لا يستطيع استعمال الشيء وفي حالة الهلاك الجزئي لم يعد قادرا على استعماله حسب تخصيصه الرئيسي أو على الأقل ضمن الشروط المأمولة. وإن لم يعده لحالته الأصلية فإنه يفقد استعمال الأصل ويدفع للمؤجر وبدون تقسيط ثمن الإيجار التمويلي.
إعفاء المؤجر من الضمان
تقضي القواعد العامة في المادة الايجارية بأن المؤجر يتحمل التزام ضمان تشويش الاستمتاع الذي يلحق بالمستأجر، وهو الالتزام الذي يتفرع من التزام رئيسي آخر وهو ضمان الاستمتاع الهادئ بالشيء محل الإيجار.
أما عقود التأجير التمويلي فدائما ما تقضي بإعفاء المؤجر التمويلي منكل التزام بالضمان وإن كان القضاء قد فرض شروطا لاعتبار هذا الإعفاء صحيحا ومقبولا. ويظل الإعفاء قائما حتى في حالة تدمير الأصل أو تعيب تشغيله أو سوء مردوديته لعيب فيه،وذلك خرقا للمادة 1724 ق م ف والمادة 643 وما يليها من ق ل ع، كما أن المستأجر يتخلى عن كل تعويض وحق في الفسخ للاتفاق في مواجهة المؤجر، في حالة عدم مطابقة الأصل لأي سبب كان، كما لا يستطيع المستأجر أن يعلق أو يوقف دفع أقساط الإيجار(9).
فإعفاء المؤجر التمويلي هو إذن تام وكامل في مادة ضمان العيوب الخفية، لأنه لا يسأل مهما كان الضرر اللاحق بالمستأجر ومهما كان التاريخ الذي ظهر فيه العيب المضر به، كما أن هذا الأخير يتخلى عن كل رجوع ضده، سواء كان بالتعويض أو بفسخ عقد التأجير التمويلي أو أخيرا بتخفيض أقساط الإيجار. فقط الفعل الشخصي للمؤجر هو الوحيد الذي لا يمكن أن يعفيه من كل مسؤولية رغم أن حدوث هذا الفعل الشخصي يظل صعب الحدوث في الممارسة لأن الأصل لا يمر أبدا من حيازته في أية لحظة من مدة الاتفاق، إلا أن الفرضية تظل ممكنة مثلا في حالة الإضرار بالأصل أثناء القيام بمراقبته من قبل المؤجر أو من يمثله.
وبالنسبة لبعض الكتاب لا يخص هذا الإعفاء الالتزام بضمان العيوب الخفية للأصل، وبالتالي فإن المؤجر يظل مسؤولا وضامنا لحالات التعرض مثل رفع يد المستأجر أو نزع حيازته، ليس فقط بفعل المؤجر الشخصي بل أيضا بفعل الغير(10). على أنه في هذه الحالة الأخيرة لا يسأل المؤجر إلا عن فعل الغير القانوني أي التعرض القانوني أما الأفعال المادية أو التعرض المادي فتظل خارج الضمان. ومن جهتنا نرى أن الاتفاقات لا تنص صراحة على الإعفاء من ضمان التعرض، وعلى كل حال إذا لم يعد المستأجر قادرا على الاستمتاع بالأصل، فإن المؤجر لا يمكن أن يظل معفيا من تنفيذ التزامه بجعل المستأجر يستمتع بالأصل وبالتالي يمكن فسخ عقد التأجير التمويلي لعدم تنفيذ المؤجر لالتزامه الرئيسي. على أن الحل سوف يكون مختلفا تماما إذا أخذت الطبيعة التمويلية الحقيقية لدور المؤجر بعين الاعتبار قانونيا، فباعتباره مول الحصول على الشيء من قبل المستأجر، فإنه لا يمكن أن يسأل عن التزام آخر.
على أنه يجب الرجوع لعبارات العقد المسمى إيجارا وفقا لاتفاقات التأجير التمويلي لتفسير ومعرفة ما إذا كان المؤجر يلتزم بضمان رفع يد أو نزع حيازة المستأجر أو على العكس تعفيه من هذا الالتزام الذي من المفروض مبدئيا أن يثقل كاهل المؤجر التمويلي بمقتضى مواد القانون المدني التي تنص على الضمان. إلا أن الإعفاء الصريح من الالتزام بضمان التعرض يبقى صحيحا ما دامت المواد المذكورة هي من القواعد المكملة التي يمكن استبعاد تطبيقها. أما في حالة سكوت العقد، فيمكن التساؤل عن ما إذا كانت البنود المتعلقة بالإعفاء من الالتزام بضمان العيوب الخفية يمكن أن يتم تمديدها أم لا للالتزام بضمان التعرض، وبعبارة أخرى هل هي بنود شاملة الإعفاء من كل ضمان أم أنها خاصة فقط بضمان العيوب الخفية؟
على أن تفحص شروط صحة الإعفاء من الضمان وهي استلام الأصل بدون تحرير محضر صعوبات الذي يفترض أن المستأجر قد قبله على الحالة التي هو عليها. ثم شروط تحويل ضمان المؤجر لدى المورد للمستأجر، ينتج عنه أن الأمر لا يتعلق إذن إلا بحالة الأصل الذي استلمه المستأجر، وبالتالي فإن الإعفاء لا يتعلق سوى بالالتزام بضمان العيوب الخفية دون التعرض(11).
كما أن بنود اتفاقات التأجير التمويلي غالبا ما تنص عل أنه في الحالة التي لا يستطيع فيها المستأجر استعمال الأصل بالطريقة المتفق عليها لسبب مستقل عن إرادة المؤجر، فإنه لا يستطيع الرجوع ضد هذا الأخير. وغالبا ما يأتي هذا المقتضى بصيغة عامة تدفع إلى فهم إعفاء المؤجر من كل مسؤولية مهما كان الحادث الذي شوش على الاستمتاع لمجرد أن هذا الحادث لا يجد مصدره في فعل راجع للمؤجر، فإذا كانت حقوق الغير التي تسببت فينزع حيازة المستأجر لا علاقة لها بالمؤجر ولا يتحمل بها فإنه يسأل عن ضمان تعرض هذا الغير القانوني.
وما دام القاضي ملزما بفهم العبارات التي تحمل معنيين في الاتجاه الذي يوافق مادة العقد،فإنه يصبح من السهل استنتاج عدم اهتمام المؤجر الكامل بأي ملمح تقني للأصل، لأن كل بنود العقد تفسر بعضها، وذلك بعطاء كل بند المعنى الذي ينتج عن العقد ككل.
فباعتبار أن المؤجر قد نص مسبقا على أن المستأجر يفترض أنه قبل الأصل في حالته كما هو لحظة استلامه، وبأنه لا يتحمل أية مسؤولية إذا كان المستأجر لا يستطيع استعمال الأصل بالشكل المتفق عليه مهما كان السبب، فهو إذن يعفي نفسه كل التزام بالضمان في مادة العيب كما في مادة التعرض.
فالإعفاء من مسؤولية المؤجر التمويلي عن الضمان بنوعيه هو إذن كامل وتام ويجد صحته وشرعيته في الأسباب التي عرضناها أعلاه ونضيف لها الآن حرية اختيار المستأجر للأصل ومورده من جهة ومن التزاماته كوكيل عن المؤجر في استلام الأصل وفي الأخير كون القواعد القانونية التي تنص على التزام المؤجر بالضمان هي قواعد مكملة وغير ملزمة لأطراف أي اتفاق.
الطابع الانفرادي للشرط الفاسخ
ما يهمنا في هذه النقطة هو كيف أن عملية التأجير يتم ترتيبها من قبل المؤجر التمويلي بشكل لا يسمح للمستأجر التمويلي بطلب فسخ عقد التأجير التمويلي بسبب خطأ المؤجر.
فمن الصعب تقبل وإثبات خطأ المؤجر التمويلي في إطار العمليات، ذلك لأن الالتزامات الثلاثة الرئيسية التي يتحمل بها المؤجر التمويلي بصفته مؤجرا للشيء يتم تنفيذها بشكل يجعل خطأه غير وارد وغير قابل للإثارة بما يسبب في الفسخ.
فالتسليم يتم مباشرة بين المورد والمستأجر، باعتبار هذا الأخير وكيلا للمؤجر بهذا الخصوص، وكل خطأ في التسليم لا يمكن إلا أن يتحمله المستأجر بصفته كوكيل أخطأ في تنفيذ وكالته(12). أما إذا لم يتم تنفيذ التسليم أو نفذ بشكل سيء من قبل المورد، هنا أيضا يمكن إثارة مسؤولية المستأجر كوكيل في اختيار الأصل ومورده(13) فلقد كان يمكن التمسك بخطأ المؤجر التمويلي لو كان المورد قد استعمل حقه بحبس الشيء ـ Non adempleti contractus. لكي يسلم المعدة. باعتبار أنه كمشتري لم يدفع الثمن، لكن المؤجر لا يدفع الثمن إلا بعد تسليم الشيء وبعث المحضر الموقع من قبل المستأجر والمصاحب بفاتورة نهائية لثمن الشراء.
أما فيما يخص صيانة الشيء، فإن الإصلاحات الكبرى التي تنص عليها القواعد العامة عادة ما يتحملها المؤجر، لكن في عقود التأجير التمويلي دائما ما يعفي المؤجر نفسه من كل التزام يتعلق بالصيانة ويعمل على تحميل المستأجر بها.
وفي الأخير وكما رأينا سابقا دائما ما يعفي المؤجر نفسه أيضا من كل التزام بالضمان، محولا حقوقه بهذا الشأن لدى المورد للمستأجر وبالتالي لا يمكن إثارة مسؤولية المؤجر التمويلي على هذا الأساس وبالأحرى طلب فسخ العقد من قبل المستأجر التمويلي.
وكل ما يستطيع المستأجر فعله بهذا الخصوص هو الاستناد إلى رفض المؤجر التمويلي التعاقد على البيع بعد قبوله طلب التأجير الذي تقدم به المستأجر ورفضه إبرام عقد التأجير التمويلي بالنتيجة وغالبا ما يتجسم هذا الرفض في الامتناع عن إرسال وصل الطلبية باسمه ولحسابه: إلا أن إبرام عقد البيع في حد ذاته ليس التزاما يتحمله المؤجر يتولد عن اتفاق التأجير التمويلي، بل فقط يمنع عدم إبرام البيع وتسلم الشيء من البائع الذي لا يخضع إلا إذا كان مرتبطا بعقد بيع تام ونهائي. وبالتالي يكون المؤجر بذلك قد أخل بالتزامه بالتسليم المتولد عن اتفاق التأجير التمويلي المعتبر إيجارا، وهكذا فقط تمكن إثارة مسئوليته على هذا لأساس.
هكذا فإن المؤجر ليس ملزما سوى بجعل المستأجر يستمتع بالشيء وما دام هذا الأخير يدخل في علاقة مباشرة مع المورد لتوفير هذا الاستمتاع فإن تنفيذ هذه العلاقة وإعمالها هي أمور يتحملها المستأجر، لكن المؤجر هو من يجب عليه أن يخلق جينة هذا التسليم والتي هي عقد البيع مع المورد. فهذا هو الالتزام الحقيقي الوحيد الذي يمكن أن يشكل أساسا لإثارة مسؤولية الموجز عن عدم تنفيذه له(14).
طابع الاعتبار الشخصي في اتفاقات التأجير التمويلي
إن الطبيعة الخاصة لعقد إيجار الأشياء لا يمكن أن ينتج عنها بالضرورة بعض الملامح التنظيمية للعلاقات التي تربط الأطراف المتعاقدة في عقود أخرى مثل عقد القرض.
وبافتراض مع التحفظ أن عقد الإيجار قد يشكل أساسا لتحقيق عملية قرض، يصبح تدخل الإيرادات الخاصة ضروريا للتعبير من خلال الإيجار عن بعض الملامح المتعلقة بالقرض، حتى يمكنه أن ينتج أثارا متشابهة. من أجل هذا الهدف تستخدم عقود التأجير التمويلي تقنية الاعتبار الشخصي المستندة من القانون الخاص.
ويعني الاعتبار الشخصي أنه في علاقة قانونية ما تلعب الاعتبارات المتعلقة بالمواقف الأخلاقية والسمعة وائتمان الشخص دورا حاسما في إبرام الاتفاق.
وبهذه الطريقة تبرم على أساس الاعتبار الشخصي العقود التي تفترض وجود بين المتعاقدين علاقات ضيقة للأمانة والثقة، مثل عمليات البنوك وبصفة خاصة عمليات القرض، ما دامت تتأسس على عنصر الثقة في المقترض والمقرض.
أما النتائج المتولدة عن الاعتبار الشخصي في اتفاق ما فهي متعددة، فمثلا الالتزام بعمل لا يمكن أن ينفذه غير المدين به إلا برضا الدائن عندما يكون لهذا الأخير مصلحة في أن ينفذه بنفسه.
كما أنه من المتفق عليه أن مجموع الالتزامات الناتجة عن اتفاق ما مهما كانت طبيعته لا يمكن تنفيذها مبدئيا إلا من قبل المتعاقد شخصيا.
أما بالنسبة للاتفاقات المتتالية التنفيذ، فلا يمكن الاستمرار في تنفيذها إذا أصبح المدين غير قادر لأي سبب كان على تنفيذ أداءه بنفسه: هكذا فإن موته، انعدام أهليته أو إعلان إفلاسه، يؤدي إلى إنهاء العقد بالإضافة إلى أن الخطأ في شخص المتعاقد هو عامل حاسم في العقود المبرمة على أساس الاعتبار الشخصي لطلب إبطالها.
على أن عقد إيجار الأشياء لا يعتبر منعقدا على أساس الاعتبار الشخصي: فالمؤجر المستغل لشيء ما يحصل على المقابل المالي لاستمتاع المستأجر بهذا الشيء، فهو لا ينتظر شخصا بعينه ولا أداء لا يمكن أن ينفذه إلا شخص بعينه. كما أن قواعد القانون المدني تنص على أنه من جهة يستطيع المستأجر مبدئيا أن يؤجر من الباطن الشيء وحتى التنازل عن حق إيجاره للغير، ومن جهة أخرى لا ينتهي الإيجار بسبب وفاة المستأجر أو المؤجر. فالمستأجر ليس ملزما إذن باستعمال الشيء شخصيا، لأن المؤجر قد يرى مدينه يتغير ويستمر الإيجار ساريا مع الخلف العام للمستأجر.
لكن الاعتبار الشخصي يمكن أن يستنتج من التنظيم الاتفاقي للعلاقات التعاقدية نفسها إذا كان العقد لا ينص على الاعتبار الشخصي. ففي إيجار ما، بنود المنع من التأجير من الباطن أو التنازل عن حق الإيجار هي صحيحة، كما يمكن استخلاص طابع الاعتبار الشخصي للاتفاق من وجود بند يقضي بفسخ الإيجار لوفاة أحد الأطراف أو إعلان إفلاسه وهو ما يعني أن شخصية المتعاقد تؤخذ بعين الاعتبار.
لكن لا فائدة من إثارة الاعتبار الشخصي للاتفاق لاستبعاد تطبيق القواعد المتعلقة به في الوقت الذي يوجد في العقد ما ينص على مخالفتها.
فإثارة الطبيعة الخاصة للإيجار في التأجير التمويلي والقول بأنه إيجار مالي لا يكفي: لأنه إذا كان المستأجر يهدف إلى اقتناء ملكية الأصل في نهاية المدة الحاسمة، وبالتالي يدفع الأقساط التي في مبلغها لا علاقة له لا كميا ولا كيفيا بالقيمة الإيجارية للأصل، فإن حقوقه على هذا الأصل لا يمكن افتراضها واعتبارها أضيق من حقوق مستأجر عادي في القانون المدني.
فصحيح أن اتفاقات التأجير التمويلي غالبا ما تتضمن بنودا من التأجير من الباطن للأصل أو التنازل عن حق إيجاره للغير، إلا أنه يمكن أن يكون لها استثناءات، تحت شكل بنود تشترط ترخيص أو موافقة المؤجر المستبقة. هكذا فإن البند الذي ينص على فسخ الاتفاق في حالة التسوية القضائية أو تصفية ممتلكات المستأجر،كما أن إنهاء العقد في حالة وفاته هو بند عادي وشائع في عقود التأجير التمويلي.
ذلك أن شرط الموافقة المسبقة يتماشى مع الملمح المالي لتدخل المؤجر التمويلي. على أنه إذا وجد أمام مدين جديد في قواعده المالية هي أقوى وأصلب من قواعد سلفه، يصبح من مصلحته أن يوافق ويرخص بالتنازل أو التأجير من الباطن: لأن موافقته تسمح له بالتمكن من مراقبة الشيء بشكل أكثر فعالية في حدود الامتيازات التي يحصل عليها: وفعاليتها في لعب دورها كضمان.
فالإيجار في التأجير التمويلي يسمح للمؤجر التمويلي بالتواجد في وضعية مميزة أكثر من أي دائن آخر: وإذا حصل وتوفي المستأجر، فإن العقد يصبح منفسخا فورا وبالتالي يسترجع المؤجر التمويلي الأصل محل الإيجار، فاقدا بذلك الأقساط المتبقية التي لم تستحق، لكنه لا يفقد القيمة التجارية والاقتصادية للأصل الذي في إعادة بيعه أو إعادة تأجيره يعد أحسن تعبير عن تنفيذ ضمان الدين. فالمؤجر التمويلي يستفيد من تأمين على الحياة يبرمه المستأجر بمبلغ مساو لثمن اقتناء الأصل، هكذا فإن المؤجر التمويلي يغطي مبلغ رأس المال المستثمر من قبله في العملية ليجد نفسه في الأخير حاصلا على رأس المال المستثمر، أقساط الإيجار المدفوعة حتى وفاة المستأجر والقيمة التجارية للأصل لحظة الوفاة. حتى أن موت المستأجر يصبح في بعض الأحيان الوضعية الأكثر إفادة للمؤجر التمويلي!!.
هكذا إذن يصبح تدخل الإيرادات الخاصة حتميا لترتيب عقود التأجير التمويلي، باستخدام البنود المخالفة للقواعد العامة للإيجار، الذي يصبح مطبوعا بالاعتبار الشخصي الذي تؤدي إليه العملية الائتمانية التي يغطيها. فتضمين الإيجار لهذه البنود يسمح للمؤجر التمويلي بالاحتفاظ بالعلاقات القانونية مع المستأجر بدون أن يجبر على رؤية المدين بتغير بدون موافقته المسبقة ووفاة المستأجر لم تعد تهدد مصالحه كما أن إعلان إفلاسه حتى وإن كان يفرض عليه قيود قانون الإفلاس لا تعرقل حقه على الشيء، ولا دينه الذي يستطيع الاستمرار في الحصول عليه من مدير التفليسة(15).
طابع المبالغة في الشرط الجزائي
غالبا ما يحدد مبلغ الشرط الجزائي كتعويض عن الفسخ على أساس بدلات الإيجار المتبقية لم تستحق: وذلك بنسبة 5/4 أقساط الإيجار المتبقية، وقد تنخفض إلى 4/3 ونادرا ما تكون النصف.
وقد يختط أحيانا تعويض الفسخ لعدم تنفيذ المستأجر لالتزامه في نتائجه بالفسخ الودي، بناء على طلب المستأجر. إلا أنه يبدو أقل وقعا في هذه النتائج ما دام في حالة الفسخ الودي أو التقابل يلتزم المستأجر في الحالة التي لا يقدم فيها مستأجر جديد أو مقتني بدفع مجموع بدلات الإيجار المتبقية التي لم تستحق، على عكس حالة الفسخ الجبري التي يلتزم فيها المستأجر بدفع فقط جزء من هذه الأقساط، وفي الحالتين يسترجع المؤجر لتمويلي الأصل. وعندما تسمح عقود قليلة للتأجير التمويلي للمستأجر بالاقتناء المبكر بناء على طلبه للأصل، فإنه يلزم بدفع كامل الأقساط المتبقية التي لم تستحق مضافا إليها القيمة المتبقية الأصل، على أنه لا مجال لدفع هذه القيمة المتبقية لا في حالة التقابل ولا في حالة الفسخ بسبب خطأ المستأجر.
وتحت تأثير محاولات الحد من آثار الشروط الجزائية المجحفة ومنذ تعديل وتلطيف مبدأ عدم مراجعة الشرط الجزائي في سنة 1975 في فرنسا وسنة 1995 في المغرب(16)، أصبحت بعض اتفاقات التأجير التمويلي تنص على أن ثمن عادة البيع أو إعادة الإيجار بعد فسخ الاتفاق، يتم خصمه من مبلغ تعويض الفسخ المستحق على المستأجر.
ويتضح من ذلك مدى الربط في نظر شركة التأجير التمويلي بين القيمة السوقية للأصل الذي تسترده والتعويض الاتفاقي عن الفسخ. لكن هذه الميزة لا تتقرر إلا إذا تم بيع الأصل أو تأجيره بالفعل، وبعبارة أخرى يتحمل المستفيد الذي أخل بالتزاماته العقدية مخاطر تسويق الأصل.
إن تحديد التعويض الاتفاقي بجميع أقساط الإيجار المتبقية التي لم تستحق لهو أكبر دليل على أن ما يهم شركة التأجير التمويلي هو بالأساس ضمان إهلاك كامل رأسمالها والحصول على ربحها. وإذا كانت العقود قد اتجهت إلى تحديد التعويض في الشرط الجزائي بنسبة محددة من تلك الأقساط فلأن ذلك قد أتى نتيجة لما أثير حول تلك العقود من محاولة الجمع بين التنفيذ العيني للالتزام المستأجر بدفع بدلات الإيجار تحت غطاء الشرط الجزائي وبين فسخ عقد التأجير التمويلي، بالإضافة إلى أن تحديد الشرط الجزائي في نسبة 5/4 أو 4/3 بدلات الإيجار المتبقية التي لم تستحق كما هو الغالب يتوقف من جهة على مدى تأكد شركة التأجير التمويلي من تسويق الأصل المسترد أي إعادة بيعه، ومن جهة أخرى يتوقف على حسابات مالية صرفة توازن فيها بين مزايا قبض الشرط الجزائي بعد الفسخ وإمكانية توظيفه في صفقات جديدة ومقدار عوائد رأس المال التي لا تحصل عليها بسبب فسخ العقد وعدم استكمال الوفاء بأقساط الأجرة(17).
وإذا كانت شركة التأجير التمويلي تحقق هلاك رأسمالها بالمضي في تنفيذ عقد التأجير التمويلي حتى انتهاء المدة الحاسمة وبالتالي لا تتأثر مصالحها المالية بتناقص قيمة الأصل مع الزمن، إلا أنها قد تواجه مخاطر السوق في الحالة التي تسترد فيها الأصل قبل أن يوفي المستأجر بكامل التزاماته المالية المتولدة عن العقد. ولتفادي ذلك ذهبت إلى ضمان إهلاك رأسمالها عن طريق إلزام المستأجر بدفع التعويض المقرر بموجب الشرط الجزائي المنصوص عليه في العقد. رغم أنها لا تكون متأكدة من ذلك دائما خصوصا إذا كان فسخ العقد قد حصل بسبب عجز المستأجر عن دفع بدلات الإيجار نتيجة إعساره.
ويستشف من ذلك أن استرداد الأصل للتصرف فيه يلعب نفس دور دفع الشرط الجزائي: ضمان إهلاك رأسمال شركة التأجير التمويلي رغم أن للأمرين محاذيرهما: مخاطر السوق فيما يخص الاسترداد ومخاطر إعسار المستأجر في ما يخص دفع الشرط الجزائي. لذلك تعمد إلى الجمع بين الأمرين للتخفيف من المخاطر التي تتعرض لها.
ورغم ذلك يمثل إهلاك رأس المال والحصول على أرباحه بشكل يسمح لشركة التأجير التمويلي بتحقيق الربح الهدف الرئيسي الذي تسعى الشركة إلى تحقيقه من خلال تنفيذ العقد حتى نهاية مدته الحاسمة.
وإذا كان هدف الشركة من الشرط الجزائي هو تحقيق هذا الهدف، يثور الاتهام حول اعتبار الشرط الجزائي سبيلا لتغطية جبار المستأجر على الوفاء بدفع بدلات الإيجار رغم فسخ العقد، وبالتالي تثور تهمة الجمع بين التنفيذ العيني للعقد وفسخه.
وعلى ذلك إذا كان العقد يتضمن شرطا فاسخا يقترن به التزام يقع على عاتق المستأجر بدفع جميع أقساط الأجرة المتبقية التي تنتجها حالة الاتفاق على سقوط الأجل في عقد يوصف بأنه عقد تمويل. وليس تغطية الأمر تحت ستار التعويض سوى محاولة لترتيب آثار سقوط الأجل في عقد غير قابل لإعمال فكرة سقوط الأجل باعتباره من العقود الزمنية التي لا يمكن معها إلزام المستأجر بدفع بدلات الإيجار مع توقف استمتاعه بالأصل محل الإيجار، على أن سقوط الأجل في هذه الحالة لا يقترن بفسخ العقد وإنما يقترن بالتنفيذ العيني للعقد وذلك بتعويض الدائن عن طريق إسقاط آجال الأقساط(18).
على أن البعض حاول تبرير ذلك بأن الشرط الجزائي يستخدم لتعويض الأضرار التي تلحق شركة التأجير التمويلي بسبب فسخ العقد الناتج عن عدم تنفيذ المستأجر لالتزاماته، وباعتبار أن تعويض الفسخ محسوب على أساس أقساط الإيجار، فإن هذه الأقساط نفسها تحسب على أساس معايير مالية صرفة، والضرر اللاحق بالمؤجر بفعل الفسخ لا يمكن تصوره سوى تحت ملمحه المالي، فالمكونات الرئيسية للأضرار هي الخسارة اللاحقة والكسب الضائع، وفي مادة التأجير التمويلي يتعلق الأمر بخسارة مالية وبفوات ربح مالي، ذلك أن الخسارة اللاحقة تتمثل في الجزء الغير المستهلك من رأس المال المستثمر في اقتناء الأصل، المصاريف المالية، مصاريف التخزين وإعادة البيع أو إعادة الإيجار. أما الربح الضائع فيتمثل في هامش الربح المتتالي المدمج في أقساط الإيجار المستحقة ولم تدفع.
والحقيقة أن تحديد ما يعد من قبيل ما يلحق من خسارة ويفوت من كسب على النحو المتقدم يمنع من إعادة النظر في تكييف الشرط الجزائي وأيضا من اعتبار التعويض مبالغا فيه إلى درجة كبيرة، ذلك أن عدم إهلاك رأس المال بالكامل وعدم استيفاء الربح أمر مؤكد دائما إذا ما تم فسخ عقد التأجير التمويلي وزال عن عاتق المستأجر بدفع أقساط الإيجار.
ومع ذلك أشار البعض إلى تجاوز الشرط الجزائي الحدود المعقولة نظرا لأن المؤجر يجمع بين استرداد الأصل بماله من قيمة سوقية وبين الحصول على مبلغ التعويض.
ويمكن التساؤل عما إذا كان يجوز تبرير هذا الجمع بالمخاطر التي تواجهها شركة التأجير التمويلي: مخاطر السوق ومخاطر إعسار المستأجر؟ إن خطر الإعسار هو من المخاطر التي يتعرض لها كل دائن في علاقته بمدينه. وتواجه الشركة هذا الخطر بالحصول على ضمانات عديدة أهمها على الإطلاق حق ملكية الأصل. وما يؤكد استعدادها لمواجهة هذه المخاطر، اتفاقها مع البائع على التعاون معها أو الاسترداد(19).
وبالمقابل يواجه المستأجر وضعية صعبة جدا، فبالإضافة إلى توقف انتفاعه بالأصل المؤجر يلتزم بدفع تعويض يمثل نسبة كبيرة من أقساط بدلات الإيجار التي لم يستطع دفعها، مما يعرضه للتنفيذ الجبري على أمواله للحصول على هذا التعويض.
هكذا يتضح من خلال ما ناقشناه أعلاه أن عقد التأجير التمويلي هو أبعد ما يكون من أن يشكل نموذج العقد الذي يحقق توازن أداءات أطرافه، بل على العكس هو نموذج صارخ لاستعلاء القوي على الضعيف حيث تستغل الأول الثاني ليفرض عليه من البنود أكثر مما هو في حاجة إليه ليحفظ مصالحه مستغلا قوالب القانون الخاص المكملة من جهة وخلو النصوص الخاصة بالتأجير التمويلي من المقتضيات التفصيلية للآليات التي تحكم هذا العقد من جهة أخرى تاركة حرية المبادرة لإرادة الأطراف التي بالضرورة سوف يخضع فيها الطرف الضعيف الذي يحتاج إلى تمويل، لإرادة القوي الذي لا تهمه سوى مصالحه. لذلك على المشروعات التي تلجأ إلى هذا النوع من التمويل أن لا تتسرع وتنخدع بالمزايا التي قد يبدو لها أنه يقدمه، بل عليها أن تدرس بتأني مقتضيات هذا التمويل وآثاره حتى تستطيع تقرير اللجوء إليه بدون مخاطر.
الهوامش
(1)- El Mokhtar Bey : de la symbiotique dans les leasing et crédit -bail-mobillier dalloz 1970.
(2)- Tunisie leasing : le manager N 16- Octobre 1997.
(3) -Maroc leasing : le contract de crédit- Bail au Maroc mémoire juin 1983 Rabat- Labdi Samit.
(4)- Actualisé.
(5)- في سنة 1964 ذكر Gaullier بأن معدل الفائدة في الليزينغ كان يتراوح بالمتوسط بين 12 و 14 % ص 755.
(6)- Charmont : leasing or not leasing :homme et technique Dec 1963-p 1304.
(7)- يرى Giovanoli أن المستأجر ملزم بضمان حقيقي تجاه المؤجر، يتعلق بفقد وتدمير الأصل: ص 239.
Mario : le crédit -bail-leasing en Europe 1980. librairies techniques.
(8) Charles Goyet : le louage et la proprité à l'épreuve de crédit-bail et du bail superficiare L.G.D.J..1983.
(9)- Micéle harichaux ramu le transfert des dans le crédit - bail mobilier ; Rev.trim. de dr.com : 31 é année n 2, Avril-juin 1978.
(10)- Gavalda et stouffet.p 652, fournier pr 22 : droit bancaire 2é ed litec- Paris. France.
(11)- les clauses limitatives ou exoneratoires de responsabilité en Europe, droit des at- de droit des obligations de l'université Paris 1. faires, actes du colloque des 13 et 14/12/1990, centre.
(12)- El Moukhtar Bey : de la symbiotique dans les leasing et le crédit- Bail mobilier p 13.
(13)- cermieux - Israel : leasing et crédit- bail mobilier p 53 ed Dalloz 1975.
(14)- دور القاضي إزاء الشرط الصريح الفاسخ: د. محمد حسين منصور 1995 منشأة المعارف بالإسكندرية.
(15)- Sophie mougenot- Mathis : le crédit- bail mobilier dans le redressement et la liquidation judiciaires des entreprises - Thèses de doctorat en droit 1994 Université de Tours.
(16)- د. فؤاد هلال: مستقبل الشرط الجزائي بعد صدور القانون 1994 رقم 25-27 بتاريخ 13/07/1995، مجلة القانون والاقتصاد العدد 14-197.
(17)- د. هاني محمد دويدار: النظام القانوني للتأجير التمويلي 1994 دار الجامعة الجديدة للنشر.
(18)- د. هاني محمد دويدار: عدم توازن الأداءات في اتفاق التأجير التمويلي رسالة دكتوراه 1995 جامعة بوردو فرنسا.
(19)- المقيد القيم طلال مختار:" البند الجزائي في القانون المدني": رسالة دكتوراه 1974 من جامعة باريس.
القاهرة ـ جمهورية مصر العربية.
إذا كان عقد اللزينغ هو صناعة أمريكية ظهرت في منتصف هذا القرن، إلا أن أصوله الحقيقية تعود إلى العهود القديمة مع ظهور الحضارات المنظمة وعلى الخصوص في عهد الإمبراطورية البابلية في بداية القرن 18 قبل ميلاد المسيح، ذلك أن حمو رابي كأول مشرع منظم في التاريخ كان قد نظم في قوانينه من بين ما نظم المعاملات التجارية، علاقة الملكية، عقد العمل، ووضعية الدائنين في حالة عدم يسرهم، وللتخلص من الديون المستحقة عليهم كانوا يبيعون قوت عملهم لدائنيهم ويمنحونهم تأمينا مهما: رهن زوجاتهم...أما فيمصر فإن فكرة الليزينغ كانت قد ظهرت نحو ثلاثة آلاف سنة قبل الميلاد في عهد الإداري العظيم موحد القطرين "مينا" مع الصعود الملحوظ لطبقة البيروقراطية في عصره وللهياكل الاجتماعية التي تطورت بشكل كبير مع ما يستتبع ذلك من نتائج حتمية: ميلاد العلاقات المنظمة بين الدائنين والمدينين.
هذا التأصيل التاريخي لا يمكن في الحقيقة أن يفاجئنا، فالليزينغ في صورته الأولى كإيجار بسيط بين متوسط الأجل للأصول المنقولة والعقارية، هو تعبير عن أن هذا المخلوق القانوني قد ولد مع الملكية وتطور في محيط اقتصادي انطبع بالحاجة وبتكامل الأداءات وخلق علاقات ترابط ضرورية(1).
فالثري الذي يؤجر معدته،عبده لثري آخر، المالك الذي يؤجر عقاره، أرضه لأحد المساكين الفلاحين لمدة فصل واحد أو لفترة أطول يمارس بدون أن يعلم بذلك عملية الليزينغ صحيح أن الغائية والفائدة الاقتصادية والضريبية للعملية وفلسفتها كتقنية كانت في هذه الفترة مجهولة.
فإذا كان الإيجار هو بالفعل مؤسسة قديمة نجدها في كل تاريخ الإنسانية والذي يترجم حالة الدونية والضرورة المادية لطرف ما من الجمهور النشيط في الجماعة في العائلة، في القبيلة، في المدينة أو في الدولة تجاه الآخر، فإن الليزينغ ومن يعد التأجير التمويلي المستخلص من مفاهيم تقليدية يترجم نوعا من التجريد الجديد، التمييز بين الملكية والاستمتاع. رفعة واستعلاء الثاني على الأول مع كل النتائج الفلسفية، القانونية، الاقتصادية والسياسية الناتجة عنها.
إلا أن تبلور الصورة الجديدة التي يعرف بها الآن التأجير التمويلي لم يبدأ إلا ف ي سنة 1952 في الولايات المتحدة الأمريكية أثناء الحرب الكورية منتظرا عشر سنوات ليعبر المحيط نحو أوربا وتكون أول ممارسة في إنجلترا ثم فرنسا سنة 1962 على أن تنظيمه التشريعي لم يتم إلا في سنة 1966 بقانون رقم 66-455 الصادر في 2/7/1962، ثم في بلجيكا بالمرسوم الملكي رقم 55 الصادر في 10/02/1967 وفي إسبانيا بمرسوم قانون رقم 15 لسنة 1977، ثم إيطاليا بقانون رقم 183 لسنة 1976 والبرتغال بمرسوم قانون رقم 135 لسنة 1979.
ليعبر في ما بعد حوض البحر الأبيض المتوسط ويستقر في بعض الدول الإفريقية وعلى رأسها تونس والمغرب:
ففي تونس كانت أول ممارسة في سنة 1984 مع شركة ليزينغ تونس(2) منتظرا عشر سنوات لكي ينظم تشريعا بقانون رقم 94-89 الصادر في 27/7/1994،أما في المغرب فلقد كانت أول شركة ممارسة له قد ظهرت في سنة 1965 وهي مغرب ليزينغ(3) منتظرا 31 سنة لكي يجد له مكانا في لمدونة التجارية بظهير 15 ربيع الأول 1417- 1/8/1996. ليتجه جهة الشرق ويستقر في مصر الذي يشكل فيها حالة منفردة من حيث توازي الممارسة والتشريع حيث لم تعرف مصر أي ممارسة للتأجير التمويلي إلا بعد صدور القانون المنظم له وهو القانون رقم 95 لسنة 1995، على أن هذه القوانين الثلاثة الأخيرة قد اعتمدت على القانون الفرنسي كمرجعية لها، بدون أن تأخذ بعين الاعتبار معالجة الثغرات التي بانت عنها الممارسة في تطبيق هذا القانون سواء عل المستوى القضائي الفقهي وبدون مراعاة لخصوصيات الظرفية الاقتصادية التي تمر بها هذه الدول، وهي عموما سمة لا ينفرد بها قانون التأجير التمويلي بل عادة ما انفك مشروعنا عن ممارستها منذ عهدهم بالتقنيات الحديثة.
وإذا كنا غير معنيين في هذه الدراسة بمعالجة كل الجوانب القانونية لعملية التأجير التمويلي، فإن عنوانها يفرض علينا أن نتطرق لما يمكن أن يشكل دليلا على عدم توازن الأداءات بين أطراف العملية وبالخصوص بين المؤجر التمويلي والمستأجر التمويلي، لنستخلص أنه غالبا ما يكون هذا الأخير هو الطرف الضعيف في العملية ويتحمل كل مخاطرها ليل الأزل بمنأى عن كل ضرر ينعم بثمار القوالب القانونية التي صبت فيها العملية بشكل أن تخدم أمنه على حساب المستأجر التمويلي. في محاولة لرد على المزايا التي يحاول رجال المال والاقتصاد وللأسف حتى بعض رجال القانون ـ الذين غالبا ما يكونوا مستشارين لمؤسسات تمارس هذا النشاط ـوإرجاعها لحجمها الحقيقي لتوضيح أنه بالرغم من أن عملية التأجير التمويلي قد تبدو محملة بالمزايا والفوائد بالنسبة لمن يلجأ إليها كوسيلة تمويلية لاستثماراته، إلا أنها لا تخلو من سلبيات قد تعصف أحيانا بكل تلك المزايا.
وذلك من خلال الخطة التالية:
ـ ارتفاع بدلات الإيجار بما لا يتناسب مع الاستمتاع بالأصل محل الإيجار التمويلي.
ـ تحمل المستأجر لعبء الإصلاحات الكبرى والصغرى.
ـ التزام المستأجر بمخاطر فقد الأصل.
ـ إعفاء المؤجر من الضمان.
ـ الخاصية الانفرادية للشرط الفاسخ وغياب الشرط الفاسخ بخطأ من المؤجر التمويلي.
ـ طابع المبالغة في الشرط الجزائي.
ـ الاعتبار الشخصي.
ارتفاع بدلات الإيجار بما لا يتناسب مع الاستمتاع الحقيقي بالأصل محل التأجير التمويلي
عادة ما يتم تقديم عقود التأجير التمويلي للعملاء وكأنها اتفاقات إيجارية، على أن تسمح هذه الاتفاقات في الممارسة بأن يتوصل المستأجر في نهاية الاتفاق إلى ملكية الأصل إذا رغب فيذلك، وعلى المستوى الاقتصادي يشكل التأجير التمويلي وسيلة لتمويل استثمار المستأجر حالا محل طرق تمويل الاستثمارات التقليدية. فعلى أساس القيمة الايجارية للأصل من جهة وثمن اقتناءه من جهة أخرى وفي الأخير تكلفة القرض التقليدي، تجب مقارنة بدلات التأجير التمويلي حتى يمكن استخلاص طبيعتها الباهضة.
فبالنسبة للعنصر الأول، يبدو أن تحليل بدلات الإيجار يثبت بأن القيمة الايجارية للأصل لم تؤخذ بعين الاعتبار في حساب مبلغها رغم أن بعض الكتاب يذهبون إلى أن قسط الإيجار يمثل مقابل الاستمتاع بالأصل مع اعترافهم بالطبيعة المالية الخالصة لهذه الأقساط هكذا إذن تعتبر أقساط التأجير التمويلي على المستوى النظري أقساط ايجارية رغم أن طريقة حسابها تستجيب لمعايير مختلفة تماما. وعندما يدفع بارتفاع هذه الأقساط مقارنة بتلك التي نجدها في عقود الإيجار البسيطة، يكون الرد هو أنها لا تطابق إلا جزئيا الاستمتاع بالأصل من جهة، ومن جهة أخرى إمكان المستأجر اقتناء ملكية الأصل في نهاية مدة الإيجار. وعلى أساس أن هذه الأقساط تشكل رسميا ايجارية ـ أقساط إهلاك، مردودية بالنسبة للمؤجر وإيجارات مخصوصة بالنسبة للمستأجر. فإنه في هذه الحالة يجب بالضرورة أن تتجاوز القيمة الايجارية للأصل. فإذا كانت القيمة الايجارية في السوق الايجاري تتكون من عدة عناصر: مقابل استعمال الأصل الذي يتضمن حالة الأصل، الاستعمال، مدة حياته المادية، وتأثير قوى العرض والطلب في السوق، أما بالنسبة لثمن اقتناء الأصل وقيمته السوقية، فإنه لا تشكل عناصر محددة للقيم الايجارية، من جهة لأن أقساط الإيجار هي مصدر دخل فيحين أن رأس المال يظل هو القيمة السوقية للأصل، والإيجار لا يتصور بالنتيجة إهلاك ثمن اقتناء هذا الأصل ومن جهة أخرى حتى وإن كان ثمن الاقتناء واجب الإهلاك باعتباره محل استثمار من قبل المؤجر، فليس سوى على أساس القيمة الايجارية للأصل يسمح قبض البدلات بإهلاك قيمة اقتناءه. وغالبا ما يتحقق هذا الإهلاك على مدة جد طويلة تتطلب دائما عدة عمليات إيجار، وهو ما يختلف مع الوضع في التأجير التمويلي، ذلك أن إهلاك رأس المال المستثمر من قبل المؤجر في اقتناء الأصل، هو الهدف الذي يبحث عنه الممول، بالإضافة إلى مردوديته، وهو إهلاك يجب أن يتحقق في عملية إيجار واحدة. وتتقيد مدة هذه العملية الواحدة بمدة العمر الاقتصادي للأصل مما ينتج عنه أن مبلغ أقساط الإيجار المحددة هي أكثر ارتفاعا من تلك التي نجدها في الإيجار الكلاسيكي حيث لا يتدخل أي معيار من النوع المالي لتحديد القيمة الايجارية.
فعلى أساس معايير مالية بحتة، يتحقق إهلاك ثمن اقتناء الأصل،تغطية المصاريف المالية والعامة للمؤجر وهامش ربحه وتكون بدلات الإيجار التمويلي لا تأخذ بعين الاعتبار أبدا القيمة الايجارية للأصل لأنها جد مرتفعة مقارنة بهذه الأخيرة، وبالتالي يمكن القول إن هذه البدلات تتجاوز بكل المقاييس القيمة الايجارية الحقيقية للأصل وبأنها أكثر تكلفة من تلك التي نجدها في الإيجار البسيط.وحتى وإن كانت هذه الأقساط تمثل جزئيا مقابل استعمال الشيء، فإنها سوق تكون أكثر ارتفاعا من تلك الموجودة في الإيجار البسيط، لأنه يضاف إلى هذا الجزء جزء يطابق خصوم تكلفة الائتمان الممنوح.
أما إذا قارنا بدلات الإيجار في التأجير التمويلي بثمن اقتناء الأصل،فسوف نستنتج أن المبلغ العام لتحملات التأجير التمويلي هي أكثر ارتفاعا من ثمن اقتناء الأصل، وذلك، بفعل مكونات هذه التحملات التي تتضمن بالإضافة إلى ثمن الاقتناء جزءا من المصاريف، فوائد ومقابل الخدمة التي يقدمها المؤجر التمويلي.
على أن هذه التكاليف المضافة قد تجد بالتأكيد مبررها فيكون المستأجر لا يشتري مباشرة الأصل من المورد ويدفع ثمنه. لأنه لو كان الأمر كذلك لما كانت هناك حاجة وفائدة من تدخل المؤجر التمويلي، لكن بمجرد ما يقدم هذا الأخير مساعدته يصبح له الحق في تعويض يعدل مبلغ التكاليف المضافة.
فإذا كانت عملية التأجير التمويلي هي عملية تمويلية تسمح للمستأجر في نهايتها باقتناء ملكية الأصل، التي يحتفظ بها المؤجر التمويلي عل سبيل الضمان، وبالتالي يصبح المستأجر مطالبا بدفع الثمن مضافا إليه تعويض الائتمان الممنوح من قبل المؤجر التمويلي الذي لم يعد دوره يختلف كثيرا عن دور البائع بالقرض.
إلا أن تكلفة التأجير التمويلي هي أكثر ارتفاعا من تكلفة الشراء بالقرض لأن البائع بالقرض الكلاسيكي يتبقى هامش ربحه مثمنا في ثمن بيع الأصل لتغطية الفائدة التي تتضمن المصاريف التي تثور بمناسبة منح الائتمان وتسمح بتعويض هذه الخدمة الإضافية، عكس المؤجر التمويلي الذي يدفع ثمن الاقتناء المستردع من خلال بكلات الإيدار مشافا إليه مبلغ إجمالي يغطي المصاريف العامة والمالية التي تتطلبها العملية وتسمح بتحقيق ربح نقدي. وفي الممارسة إذا تعلقت هذه العمليات بأصول متشابهة، فإن مدتها لا تكون بالضرورة متاسوية، كما أن تكلفة التأجير التمويلي هي أكثر ارتفاعا عن تكلفة البيع بالقرض، لأن تكلفة الأول لا يمكن أن تحسب إلا انطلاقا من تحيين(4) وبنفس المعدل، البدلات التي يجب دفعها مستقبلا وأخذا بعين الاعتبار الفوائد المستحقة استقلالا عن مدة الدفع.
فالمؤجر التمويلي لا يتدخل في أية عملية إلا بناء على طلب عميل معين في استثماره يعتبر بعد دراسة الملف قابلا للتنفيذ بمساعدة المؤجر الذي يجب أن يستثمر مبلغا من المال لاقتناء أصل معين، وهو مال قد يحصل عليه من مؤسسة للقرض، فعملية التأجير التمويلي هي إذن عملية مستقلة في أعين المؤجر التمويلي وبالتالي يحمل عملية بمصاريف التمويل الذي يقدمه. وباعتبارها شركة تمويلية فهي لا تنظر لرؤوس أموالها الخاصة بشكل مختلف عن رؤوس الأموال الخارجية التي يمكن أن تلجأ إليها، فما دامت مستثمرة فإنها تستحق تعويضا يضاف ليه المصاريف العامة التي تثور بمناسبة العملية وتلك المتعلقة بالنشاطات العامة لمشروعها، وهامش ربح باعتبارها مؤجرا تمويليا، وهي كلها تكاليف يتحملها المستأجر مستعمل الأصل.
هكذا فإن المستفيد المستأجر في التأجير التمويلي يدفع مصاريف البائع التمويلية، جزءا من المصاريف العامة، هامش ربحه، مصاريف المؤجر التمويلي، جزءا من مصاريفه العامة وفي الأخير هامش ربحه. من هنا نصبح في غنى عن البرهنة على الطبيعة الباهضة لبدلات الإيجار في التأجير التمويلي مقارنة بثمن اقتناء الأصل والخدمة التمويلية المأخوذة بعين الاعتبار.
وتزداد الطبيعة الباهضة لبدلات الإيجار التمويلي وضوحا إذا قارناه بتكلفة القرض التقليدي. فعندما كان المؤجر التمويلي غير قادر على استرجاع الضريبة على القيمة المضافة المضمنة في ثمن الاقتناء، كان الكتاب لا يترددون فيالوقوفعلى التكلفة الباهضة للإيجار التمويلي بإثارة معدل عام الفائدة جد مرتفع، وهو ما يجعل من الإيجار التمويلي تركيبة جد باهضة مقارنة باشكال القرض التقليدي(5)، وبعد أن أصبح المؤجر التمويلي قادرا على تحويل الضريبة على القيمة المضافة لعملائه ورخص له بالاسترجاع الفوري للتكاليف المحققة بعد هذه المرحلة أثبتت أن التأجير التمويلي هو تكلفة جد باهضة مقارنة بالتمويل الكلاسيكي، ذلك أن تأثير التعديلات الضريبية لا يبدو حاسما في وقت استمرار ارتفاع التكلفة، ففي سنة 1963 كتب أحد الكتاب أن الليزينغ لا يمكن أن يتم بمعدلات أقل ارتفاعا من معدلات القروض المباشرة(6).
وكيف يمكن أن يكون غير ذلك ما دام المؤجر التمويلي نفسه يعود للتمويل البنكي حسب معدلات تحددها السوق التمويلية وفي تكلفتها تمثل مصاريف يتحملها المؤجر التمويلي، ويجب تغطيتها ببدلات الإيجار التي يدفعها المستأجر.
وإذا كان من الصحيح أن حالة من الشك تجثم على تقييم تكلفة التأجير التمويلي فإن المقارنة تختلف على حسب التحيين ومردودية المشروع المستعمل والتأثير الضريبي المباشر وغير المباشر، إلا أن ذلك لا يمنع من إثارة مع الكثير من الكتاب طابع بدلات الإيجار التمويلي الباهضة ليس فقط مقارنة بتكلفة القرض التقليدي لكن أيضا مقارنة بالقيمة الايجارية للأصل وثمن اقتناءه.
تحمل المستأجر بعبء الإصلاحات الكبرى والإصلاحات الصغرى
دائما ما تنص اتفاقات التأجير التمويلي على تحمل المستأجر بالتزام صيانة الأصل والقيام بكل الإصلاحات الضرورية للحفاظ استعماله.
فالمستأجر مطالب ليس فقط بتحمل عبء القيام بالإصلاحات التي يتحملها عادة المستأجر في عقود الإيجار عموما، بل بالإضافة إلى ذلك القيام بالإصلاحات الكبرى على حسابه الخاص والتي يتحملها مبدئيا مؤجر الشيء.
فعقود التأجير التمويلي تنص على أنه خرقا للمادة 1721 ق.م.ف. والمادة 638 و 639 من ق.ل.ع مغربي، تكون كل المصاريف الضرورية للتشغيل، الصيانة، وإصلاح الأصل، على عاتق المستأجر، خارقة بذلك المبدأ الذي وضعته القوانين المدنية والقاضي بتقسيم الإصلاحات التي يتطلبها الأصل محل الإيجار بين المؤجر والمستأجر، فالإصلاحات التي تهدف إلى الحفاظ والمحافظة على الأصل في حالته المادية التي تسمح باستمرار استغلاله كمصدر لدخل المؤجر، تشغيل الأصل والحصول على أفضل استعمال له، هي عموما أقل أهمية، ولا تهم سوى المستأجر المستعمل للأصل أكثر من مؤجره وبالتالي تعتبر إصلاحات بسيطة يتحملها المستأجر.
هكذا فإن عقود التأجير التمويلي تخرق إذن قانون التحملات في هذا التوزيع المتناسق للصيانة كنتيجة طبيعية للمصالح المتبادلة للطرفين، واضعة على كاهل المستأجر كل الإصلاحات(7)، فإن المستأجر يجد نفسه متحملا فعلا بالتزام المحافظة على الأصل في مواجهة المؤجر التمويلي.
ولا يكفي أن ندعي بأن المستأجر يخطط لاقتناء ملكية الأصل في نهاية الإيجار وبالتالي يتحمل مسبقا بالالتزامات المرتبطة بالملكية، لكن نقول بأن الالتزام المطلق هو "عادي". فمن جهة ليست للمستأجر سلطة الملكية على الشيء فحتى سلطات استعماله هي مقيدة. وما يمكن أن يكون صحيحا بالنسبة للتحملات، يجب أن يكون كذلك بالنسبة للامتيازات، كما أن المالك من جهة أخرى يستطيع إذا قرر ذلك، الاحتفاظ بالأصل على حالته المادية أو في أحسن حالة للتشغيل حسب رادته وبدون إلزام. كما أن المستأجر في التأجير التمويلي ـ على الأقل في الممارسة عندنا كما في فرنسا ـ ليس ملزما باقتناء الأصل والحصول على ملكيته في نهاية الإيجار، بل هو مجرد خيار، إن شاء استخدمه، وإن شاء أنهى العقد، ورغم ذلك، فإنه ملزم بالقيام بهذه الإصلاحات في مداها الأكثر إطلاقا، لأن المؤجر يجعله يتحمل بمصاريف الضمان الذي يفرضه عليه ويحتف به خلال كل مدة العقد، وباعتبار القواعد المدنية هي من طبيعة مكملة فإن المؤجر يستطيع ليس فقط إعفاء نفسه من القيام كمؤجر بالإصلاحات الكبرى، بل يقوم أيضا بتحميل المستأجر بها.
وتتكرس هذه الوضعية أكثر من خلال التنصيص الشائع والذي نصادفه في كل اتفاقات التأجير التمويلي، قاضيا بأنه إذا كانت أعمال الصيانة تتطلب تركيب قطع غيار وملحقات تجهيزية للأصل، فإن هذه الإضافات تصبح تلقائيا في ملك المؤجر، بدون إمكان مطالبته بأي تعويض مقابل ذلك، لتصبح هكذا أمام حالة ملموسة للالتصاق المنقول، حيث الحقوق المتبادلة للملاك هي محددة من قبلهما ما داما مرتبطين باتفاق.
على أن ما يبحث عنه المؤجر هو أصل قابل لإعادة بيعه لأنه يأخذ دائما بعين الاعتبار التحسب لتخلف عميله، أصل قادر على ضمانه ضد المخاطر"، ورغم أن المستأجر الذي يتحمل بمصاريف هذه الصيانة،إلا أن المؤجر التمويليله مصلحة حقيقية في حسن صيانة الأصل. فهو ليس عديم المصلحة حين يصر على خرق قواعد القانون المدني، خصوصا وأنه لو لم يكن مهتما، لكان يكتفي بإعفاء نفسه من الالتزام بالقيام بالإصلاحات الكبرى فقط بدون أن يحملها المستأجر،وما دام قد حملها له، فلأن مصلحته تقتضي ذلك حتى تبقى وضعيته متميزة كدائن تجاه المستأجر الذي هو في حاجة للمساعدة المالية ولكي يظل قادرا على إملاء شروطه في مقتضيات كهذه.
التزام المستأجر يتحمل مخاطر فقد الأصل
دائما ما تنص اتفاقات التأجير التمويلي على أن الطرف الذي يتحمل مخاطر فقد الشيء هو المستأجر التمويلي، هذا الأخير يظل طيلة مدة الاتفاق مسؤولا عن كل مخاطر تدمير أو فقد الأصل جزئيا أو كليا.
وتظل مسئوليته قائمة،حتى وإن كان الضرر ناتجا عم قوة قاهرة أو حادث فجائي. ووحدة الخطر الناتج عن فعل المؤجر التمويلي هو الذي يمكن أن يعفيه من المسؤولية، وهو خطر يقترب من استحالة الحدوث.
ولتقبل بأن اتفاقا ما يحمله بآثار القوة القاهرة، لابد بالتأكيد أن يكون لجوء المستأجر لإبرام مثل هذا الاتفاق يشكل له ضرورة قصوى، إن لم يكن هذا اللجوء في حد ذاته هو حالة قوة قاهرة!.
فالعقود التي تتضمن بنودا متعلقة بتأمين الأصل، تقتضي بأنه في الحالة التي لا تغطي فيها بوليصة التأمين هذه الكارثة، أو في الحالة التي لا يمكن فيها تنفيذ البوليصة لأي سبب كان، تكون الآثار بالتأكيد هي نفس آثار عدم تأمين الأصل والتي لا تخرج عن أحد الأمرين التاليين: فإما أن يستبدل المستأجر الأصل بمثله وعلى حسابه، وإما أن يدفع للمؤجر تعويضا مساويا لمبلغ بدلات الإيجار المتبقية، مضافا إليها مبلغ القيمة المتبقية للأصل في نهاية المدة الحاسمة كمقابل للاقتناء الاحتمالي لملكيته. فالمخاطر التي تحملها المستأجر هي إذن ذات وقع جد ثقيل على كاهله، لأن إرجاع الأصل لحالته الأصلية خصوصا في حالة التعيب الكامل يمكن أن يساوي في مصاريفه تكلفة الاستثمار الرئيسي الذي دفعه المؤجر في اقتناء ملكية الأصل مع بقاء بدلات الإيجار المتبقية لم تستحق واجبة الدفع في آجالها(8).
وباعتبار أن الاتفاق كان يجب أن يسير وينفذ بشكل عادي، فإن البدائل المتاحة أمام المستأجر هي ثقيلة في نتائجها: فهو سوف الثمن الذي كان سيدفعه لاقتناء ملكية الأصل في نهاية المدة الحاسمة بدون أن يستطيع استعماله ولا حتى اقتناءه لأنه، دمر عن آخره، وبتحمله كل مخاطر الفقد حتى في حالة القوة القاهرة، فإن المستأجر يشارك شخصا كان يمكن أن يقوم بأحد أعمال التصرف الطبيعية إراديا، فهو مطالب إذن تجاه المالك إما بأن يرجع الأصل لحالته أو أن يدفع له ثمنه على سبيل التعويض. على أن هذا التعويض لا يطابق التعويض الذي تدفعه شركة التأمين. فهذا التعويض يجب أن يسمح للمؤجر بإهلاكه كليا ثمن شراء الأصل واسترجاع مصاريفه والحصول على هامش ربح مخصوم من العملية التي كان يمكن أن تسير بشكل عادي.
فالمؤجر التمويلي يتصرف فعلا كممول منح قرضا وطلب ضمانا وباعتبار أنه فقد المبلغ المدفوع، يطلب من المقترض إرجاع الضمان لحالته الأولى بفرض دفع البدلات المستحقة من قبل المقترض بسبب إضعاف الضمان المقدم.
ولا أحد يهتم بالغاية الرئيسية التي يبحث عنها المستأجر التي تكمن في استعمال الشيء وربما اقتناءه في نهاية العقد.
وهي الغاية التي التزم من أجلها في عقد التأجير التمويلي بدفع أقساط الإيجار، إلا أنه في حالة الهلاك الكلي، لا يستطيع استعمال الشيء وفي حالة الهلاك الجزئي لم يعد قادرا على استعماله حسب تخصيصه الرئيسي أو على الأقل ضمن الشروط المأمولة. وإن لم يعده لحالته الأصلية فإنه يفقد استعمال الأصل ويدفع للمؤجر وبدون تقسيط ثمن الإيجار التمويلي.
إعفاء المؤجر من الضمان
تقضي القواعد العامة في المادة الايجارية بأن المؤجر يتحمل التزام ضمان تشويش الاستمتاع الذي يلحق بالمستأجر، وهو الالتزام الذي يتفرع من التزام رئيسي آخر وهو ضمان الاستمتاع الهادئ بالشيء محل الإيجار.
أما عقود التأجير التمويلي فدائما ما تقضي بإعفاء المؤجر التمويلي منكل التزام بالضمان وإن كان القضاء قد فرض شروطا لاعتبار هذا الإعفاء صحيحا ومقبولا. ويظل الإعفاء قائما حتى في حالة تدمير الأصل أو تعيب تشغيله أو سوء مردوديته لعيب فيه،وذلك خرقا للمادة 1724 ق م ف والمادة 643 وما يليها من ق ل ع، كما أن المستأجر يتخلى عن كل تعويض وحق في الفسخ للاتفاق في مواجهة المؤجر، في حالة عدم مطابقة الأصل لأي سبب كان، كما لا يستطيع المستأجر أن يعلق أو يوقف دفع أقساط الإيجار(9).
فإعفاء المؤجر التمويلي هو إذن تام وكامل في مادة ضمان العيوب الخفية، لأنه لا يسأل مهما كان الضرر اللاحق بالمستأجر ومهما كان التاريخ الذي ظهر فيه العيب المضر به، كما أن هذا الأخير يتخلى عن كل رجوع ضده، سواء كان بالتعويض أو بفسخ عقد التأجير التمويلي أو أخيرا بتخفيض أقساط الإيجار. فقط الفعل الشخصي للمؤجر هو الوحيد الذي لا يمكن أن يعفيه من كل مسؤولية رغم أن حدوث هذا الفعل الشخصي يظل صعب الحدوث في الممارسة لأن الأصل لا يمر أبدا من حيازته في أية لحظة من مدة الاتفاق، إلا أن الفرضية تظل ممكنة مثلا في حالة الإضرار بالأصل أثناء القيام بمراقبته من قبل المؤجر أو من يمثله.
وبالنسبة لبعض الكتاب لا يخص هذا الإعفاء الالتزام بضمان العيوب الخفية للأصل، وبالتالي فإن المؤجر يظل مسؤولا وضامنا لحالات التعرض مثل رفع يد المستأجر أو نزع حيازته، ليس فقط بفعل المؤجر الشخصي بل أيضا بفعل الغير(10). على أنه في هذه الحالة الأخيرة لا يسأل المؤجر إلا عن فعل الغير القانوني أي التعرض القانوني أما الأفعال المادية أو التعرض المادي فتظل خارج الضمان. ومن جهتنا نرى أن الاتفاقات لا تنص صراحة على الإعفاء من ضمان التعرض، وعلى كل حال إذا لم يعد المستأجر قادرا على الاستمتاع بالأصل، فإن المؤجر لا يمكن أن يظل معفيا من تنفيذ التزامه بجعل المستأجر يستمتع بالأصل وبالتالي يمكن فسخ عقد التأجير التمويلي لعدم تنفيذ المؤجر لالتزامه الرئيسي. على أن الحل سوف يكون مختلفا تماما إذا أخذت الطبيعة التمويلية الحقيقية لدور المؤجر بعين الاعتبار قانونيا، فباعتباره مول الحصول على الشيء من قبل المستأجر، فإنه لا يمكن أن يسأل عن التزام آخر.
على أنه يجب الرجوع لعبارات العقد المسمى إيجارا وفقا لاتفاقات التأجير التمويلي لتفسير ومعرفة ما إذا كان المؤجر يلتزم بضمان رفع يد أو نزع حيازة المستأجر أو على العكس تعفيه من هذا الالتزام الذي من المفروض مبدئيا أن يثقل كاهل المؤجر التمويلي بمقتضى مواد القانون المدني التي تنص على الضمان. إلا أن الإعفاء الصريح من الالتزام بضمان التعرض يبقى صحيحا ما دامت المواد المذكورة هي من القواعد المكملة التي يمكن استبعاد تطبيقها. أما في حالة سكوت العقد، فيمكن التساؤل عن ما إذا كانت البنود المتعلقة بالإعفاء من الالتزام بضمان العيوب الخفية يمكن أن يتم تمديدها أم لا للالتزام بضمان التعرض، وبعبارة أخرى هل هي بنود شاملة الإعفاء من كل ضمان أم أنها خاصة فقط بضمان العيوب الخفية؟
على أن تفحص شروط صحة الإعفاء من الضمان وهي استلام الأصل بدون تحرير محضر صعوبات الذي يفترض أن المستأجر قد قبله على الحالة التي هو عليها. ثم شروط تحويل ضمان المؤجر لدى المورد للمستأجر، ينتج عنه أن الأمر لا يتعلق إذن إلا بحالة الأصل الذي استلمه المستأجر، وبالتالي فإن الإعفاء لا يتعلق سوى بالالتزام بضمان العيوب الخفية دون التعرض(11).
كما أن بنود اتفاقات التأجير التمويلي غالبا ما تنص عل أنه في الحالة التي لا يستطيع فيها المستأجر استعمال الأصل بالطريقة المتفق عليها لسبب مستقل عن إرادة المؤجر، فإنه لا يستطيع الرجوع ضد هذا الأخير. وغالبا ما يأتي هذا المقتضى بصيغة عامة تدفع إلى فهم إعفاء المؤجر من كل مسؤولية مهما كان الحادث الذي شوش على الاستمتاع لمجرد أن هذا الحادث لا يجد مصدره في فعل راجع للمؤجر، فإذا كانت حقوق الغير التي تسببت فينزع حيازة المستأجر لا علاقة لها بالمؤجر ولا يتحمل بها فإنه يسأل عن ضمان تعرض هذا الغير القانوني.
وما دام القاضي ملزما بفهم العبارات التي تحمل معنيين في الاتجاه الذي يوافق مادة العقد،فإنه يصبح من السهل استنتاج عدم اهتمام المؤجر الكامل بأي ملمح تقني للأصل، لأن كل بنود العقد تفسر بعضها، وذلك بعطاء كل بند المعنى الذي ينتج عن العقد ككل.
فباعتبار أن المؤجر قد نص مسبقا على أن المستأجر يفترض أنه قبل الأصل في حالته كما هو لحظة استلامه، وبأنه لا يتحمل أية مسؤولية إذا كان المستأجر لا يستطيع استعمال الأصل بالشكل المتفق عليه مهما كان السبب، فهو إذن يعفي نفسه كل التزام بالضمان في مادة العيب كما في مادة التعرض.
فالإعفاء من مسؤولية المؤجر التمويلي عن الضمان بنوعيه هو إذن كامل وتام ويجد صحته وشرعيته في الأسباب التي عرضناها أعلاه ونضيف لها الآن حرية اختيار المستأجر للأصل ومورده من جهة ومن التزاماته كوكيل عن المؤجر في استلام الأصل وفي الأخير كون القواعد القانونية التي تنص على التزام المؤجر بالضمان هي قواعد مكملة وغير ملزمة لأطراف أي اتفاق.
الطابع الانفرادي للشرط الفاسخ
ما يهمنا في هذه النقطة هو كيف أن عملية التأجير يتم ترتيبها من قبل المؤجر التمويلي بشكل لا يسمح للمستأجر التمويلي بطلب فسخ عقد التأجير التمويلي بسبب خطأ المؤجر.
فمن الصعب تقبل وإثبات خطأ المؤجر التمويلي في إطار العمليات، ذلك لأن الالتزامات الثلاثة الرئيسية التي يتحمل بها المؤجر التمويلي بصفته مؤجرا للشيء يتم تنفيذها بشكل يجعل خطأه غير وارد وغير قابل للإثارة بما يسبب في الفسخ.
فالتسليم يتم مباشرة بين المورد والمستأجر، باعتبار هذا الأخير وكيلا للمؤجر بهذا الخصوص، وكل خطأ في التسليم لا يمكن إلا أن يتحمله المستأجر بصفته كوكيل أخطأ في تنفيذ وكالته(12). أما إذا لم يتم تنفيذ التسليم أو نفذ بشكل سيء من قبل المورد، هنا أيضا يمكن إثارة مسؤولية المستأجر كوكيل في اختيار الأصل ومورده(13) فلقد كان يمكن التمسك بخطأ المؤجر التمويلي لو كان المورد قد استعمل حقه بحبس الشيء ـ Non adempleti contractus. لكي يسلم المعدة. باعتبار أنه كمشتري لم يدفع الثمن، لكن المؤجر لا يدفع الثمن إلا بعد تسليم الشيء وبعث المحضر الموقع من قبل المستأجر والمصاحب بفاتورة نهائية لثمن الشراء.
أما فيما يخص صيانة الشيء، فإن الإصلاحات الكبرى التي تنص عليها القواعد العامة عادة ما يتحملها المؤجر، لكن في عقود التأجير التمويلي دائما ما يعفي المؤجر نفسه من كل التزام يتعلق بالصيانة ويعمل على تحميل المستأجر بها.
وفي الأخير وكما رأينا سابقا دائما ما يعفي المؤجر نفسه أيضا من كل التزام بالضمان، محولا حقوقه بهذا الشأن لدى المورد للمستأجر وبالتالي لا يمكن إثارة مسؤولية المؤجر التمويلي على هذا الأساس وبالأحرى طلب فسخ العقد من قبل المستأجر التمويلي.
وكل ما يستطيع المستأجر فعله بهذا الخصوص هو الاستناد إلى رفض المؤجر التمويلي التعاقد على البيع بعد قبوله طلب التأجير الذي تقدم به المستأجر ورفضه إبرام عقد التأجير التمويلي بالنتيجة وغالبا ما يتجسم هذا الرفض في الامتناع عن إرسال وصل الطلبية باسمه ولحسابه: إلا أن إبرام عقد البيع في حد ذاته ليس التزاما يتحمله المؤجر يتولد عن اتفاق التأجير التمويلي، بل فقط يمنع عدم إبرام البيع وتسلم الشيء من البائع الذي لا يخضع إلا إذا كان مرتبطا بعقد بيع تام ونهائي. وبالتالي يكون المؤجر بذلك قد أخل بالتزامه بالتسليم المتولد عن اتفاق التأجير التمويلي المعتبر إيجارا، وهكذا فقط تمكن إثارة مسئوليته على هذا لأساس.
هكذا فإن المؤجر ليس ملزما سوى بجعل المستأجر يستمتع بالشيء وما دام هذا الأخير يدخل في علاقة مباشرة مع المورد لتوفير هذا الاستمتاع فإن تنفيذ هذه العلاقة وإعمالها هي أمور يتحملها المستأجر، لكن المؤجر هو من يجب عليه أن يخلق جينة هذا التسليم والتي هي عقد البيع مع المورد. فهذا هو الالتزام الحقيقي الوحيد الذي يمكن أن يشكل أساسا لإثارة مسؤولية الموجز عن عدم تنفيذه له(14).
طابع الاعتبار الشخصي في اتفاقات التأجير التمويلي
إن الطبيعة الخاصة لعقد إيجار الأشياء لا يمكن أن ينتج عنها بالضرورة بعض الملامح التنظيمية للعلاقات التي تربط الأطراف المتعاقدة في عقود أخرى مثل عقد القرض.
وبافتراض مع التحفظ أن عقد الإيجار قد يشكل أساسا لتحقيق عملية قرض، يصبح تدخل الإيرادات الخاصة ضروريا للتعبير من خلال الإيجار عن بعض الملامح المتعلقة بالقرض، حتى يمكنه أن ينتج أثارا متشابهة. من أجل هذا الهدف تستخدم عقود التأجير التمويلي تقنية الاعتبار الشخصي المستندة من القانون الخاص.
ويعني الاعتبار الشخصي أنه في علاقة قانونية ما تلعب الاعتبارات المتعلقة بالمواقف الأخلاقية والسمعة وائتمان الشخص دورا حاسما في إبرام الاتفاق.
وبهذه الطريقة تبرم على أساس الاعتبار الشخصي العقود التي تفترض وجود بين المتعاقدين علاقات ضيقة للأمانة والثقة، مثل عمليات البنوك وبصفة خاصة عمليات القرض، ما دامت تتأسس على عنصر الثقة في المقترض والمقرض.
أما النتائج المتولدة عن الاعتبار الشخصي في اتفاق ما فهي متعددة، فمثلا الالتزام بعمل لا يمكن أن ينفذه غير المدين به إلا برضا الدائن عندما يكون لهذا الأخير مصلحة في أن ينفذه بنفسه.
كما أنه من المتفق عليه أن مجموع الالتزامات الناتجة عن اتفاق ما مهما كانت طبيعته لا يمكن تنفيذها مبدئيا إلا من قبل المتعاقد شخصيا.
أما بالنسبة للاتفاقات المتتالية التنفيذ، فلا يمكن الاستمرار في تنفيذها إذا أصبح المدين غير قادر لأي سبب كان على تنفيذ أداءه بنفسه: هكذا فإن موته، انعدام أهليته أو إعلان إفلاسه، يؤدي إلى إنهاء العقد بالإضافة إلى أن الخطأ في شخص المتعاقد هو عامل حاسم في العقود المبرمة على أساس الاعتبار الشخصي لطلب إبطالها.
على أن عقد إيجار الأشياء لا يعتبر منعقدا على أساس الاعتبار الشخصي: فالمؤجر المستغل لشيء ما يحصل على المقابل المالي لاستمتاع المستأجر بهذا الشيء، فهو لا ينتظر شخصا بعينه ولا أداء لا يمكن أن ينفذه إلا شخص بعينه. كما أن قواعد القانون المدني تنص على أنه من جهة يستطيع المستأجر مبدئيا أن يؤجر من الباطن الشيء وحتى التنازل عن حق إيجاره للغير، ومن جهة أخرى لا ينتهي الإيجار بسبب وفاة المستأجر أو المؤجر. فالمستأجر ليس ملزما إذن باستعمال الشيء شخصيا، لأن المؤجر قد يرى مدينه يتغير ويستمر الإيجار ساريا مع الخلف العام للمستأجر.
لكن الاعتبار الشخصي يمكن أن يستنتج من التنظيم الاتفاقي للعلاقات التعاقدية نفسها إذا كان العقد لا ينص على الاعتبار الشخصي. ففي إيجار ما، بنود المنع من التأجير من الباطن أو التنازل عن حق الإيجار هي صحيحة، كما يمكن استخلاص طابع الاعتبار الشخصي للاتفاق من وجود بند يقضي بفسخ الإيجار لوفاة أحد الأطراف أو إعلان إفلاسه وهو ما يعني أن شخصية المتعاقد تؤخذ بعين الاعتبار.
لكن لا فائدة من إثارة الاعتبار الشخصي للاتفاق لاستبعاد تطبيق القواعد المتعلقة به في الوقت الذي يوجد في العقد ما ينص على مخالفتها.
فإثارة الطبيعة الخاصة للإيجار في التأجير التمويلي والقول بأنه إيجار مالي لا يكفي: لأنه إذا كان المستأجر يهدف إلى اقتناء ملكية الأصل في نهاية المدة الحاسمة، وبالتالي يدفع الأقساط التي في مبلغها لا علاقة له لا كميا ولا كيفيا بالقيمة الإيجارية للأصل، فإن حقوقه على هذا الأصل لا يمكن افتراضها واعتبارها أضيق من حقوق مستأجر عادي في القانون المدني.
فصحيح أن اتفاقات التأجير التمويلي غالبا ما تتضمن بنودا من التأجير من الباطن للأصل أو التنازل عن حق إيجاره للغير، إلا أنه يمكن أن يكون لها استثناءات، تحت شكل بنود تشترط ترخيص أو موافقة المؤجر المستبقة. هكذا فإن البند الذي ينص على فسخ الاتفاق في حالة التسوية القضائية أو تصفية ممتلكات المستأجر،كما أن إنهاء العقد في حالة وفاته هو بند عادي وشائع في عقود التأجير التمويلي.
ذلك أن شرط الموافقة المسبقة يتماشى مع الملمح المالي لتدخل المؤجر التمويلي. على أنه إذا وجد أمام مدين جديد في قواعده المالية هي أقوى وأصلب من قواعد سلفه، يصبح من مصلحته أن يوافق ويرخص بالتنازل أو التأجير من الباطن: لأن موافقته تسمح له بالتمكن من مراقبة الشيء بشكل أكثر فعالية في حدود الامتيازات التي يحصل عليها: وفعاليتها في لعب دورها كضمان.
فالإيجار في التأجير التمويلي يسمح للمؤجر التمويلي بالتواجد في وضعية مميزة أكثر من أي دائن آخر: وإذا حصل وتوفي المستأجر، فإن العقد يصبح منفسخا فورا وبالتالي يسترجع المؤجر التمويلي الأصل محل الإيجار، فاقدا بذلك الأقساط المتبقية التي لم تستحق، لكنه لا يفقد القيمة التجارية والاقتصادية للأصل الذي في إعادة بيعه أو إعادة تأجيره يعد أحسن تعبير عن تنفيذ ضمان الدين. فالمؤجر التمويلي يستفيد من تأمين على الحياة يبرمه المستأجر بمبلغ مساو لثمن اقتناء الأصل، هكذا فإن المؤجر التمويلي يغطي مبلغ رأس المال المستثمر من قبله في العملية ليجد نفسه في الأخير حاصلا على رأس المال المستثمر، أقساط الإيجار المدفوعة حتى وفاة المستأجر والقيمة التجارية للأصل لحظة الوفاة. حتى أن موت المستأجر يصبح في بعض الأحيان الوضعية الأكثر إفادة للمؤجر التمويلي!!.
هكذا إذن يصبح تدخل الإيرادات الخاصة حتميا لترتيب عقود التأجير التمويلي، باستخدام البنود المخالفة للقواعد العامة للإيجار، الذي يصبح مطبوعا بالاعتبار الشخصي الذي تؤدي إليه العملية الائتمانية التي يغطيها. فتضمين الإيجار لهذه البنود يسمح للمؤجر التمويلي بالاحتفاظ بالعلاقات القانونية مع المستأجر بدون أن يجبر على رؤية المدين بتغير بدون موافقته المسبقة ووفاة المستأجر لم تعد تهدد مصالحه كما أن إعلان إفلاسه حتى وإن كان يفرض عليه قيود قانون الإفلاس لا تعرقل حقه على الشيء، ولا دينه الذي يستطيع الاستمرار في الحصول عليه من مدير التفليسة(15).
طابع المبالغة في الشرط الجزائي
غالبا ما يحدد مبلغ الشرط الجزائي كتعويض عن الفسخ على أساس بدلات الإيجار المتبقية لم تستحق: وذلك بنسبة 5/4 أقساط الإيجار المتبقية، وقد تنخفض إلى 4/3 ونادرا ما تكون النصف.
وقد يختط أحيانا تعويض الفسخ لعدم تنفيذ المستأجر لالتزامه في نتائجه بالفسخ الودي، بناء على طلب المستأجر. إلا أنه يبدو أقل وقعا في هذه النتائج ما دام في حالة الفسخ الودي أو التقابل يلتزم المستأجر في الحالة التي لا يقدم فيها مستأجر جديد أو مقتني بدفع مجموع بدلات الإيجار المتبقية التي لم تستحق، على عكس حالة الفسخ الجبري التي يلتزم فيها المستأجر بدفع فقط جزء من هذه الأقساط، وفي الحالتين يسترجع المؤجر لتمويلي الأصل. وعندما تسمح عقود قليلة للتأجير التمويلي للمستأجر بالاقتناء المبكر بناء على طلبه للأصل، فإنه يلزم بدفع كامل الأقساط المتبقية التي لم تستحق مضافا إليها القيمة المتبقية الأصل، على أنه لا مجال لدفع هذه القيمة المتبقية لا في حالة التقابل ولا في حالة الفسخ بسبب خطأ المستأجر.
وتحت تأثير محاولات الحد من آثار الشروط الجزائية المجحفة ومنذ تعديل وتلطيف مبدأ عدم مراجعة الشرط الجزائي في سنة 1975 في فرنسا وسنة 1995 في المغرب(16)، أصبحت بعض اتفاقات التأجير التمويلي تنص على أن ثمن عادة البيع أو إعادة الإيجار بعد فسخ الاتفاق، يتم خصمه من مبلغ تعويض الفسخ المستحق على المستأجر.
ويتضح من ذلك مدى الربط في نظر شركة التأجير التمويلي بين القيمة السوقية للأصل الذي تسترده والتعويض الاتفاقي عن الفسخ. لكن هذه الميزة لا تتقرر إلا إذا تم بيع الأصل أو تأجيره بالفعل، وبعبارة أخرى يتحمل المستفيد الذي أخل بالتزاماته العقدية مخاطر تسويق الأصل.
إن تحديد التعويض الاتفاقي بجميع أقساط الإيجار المتبقية التي لم تستحق لهو أكبر دليل على أن ما يهم شركة التأجير التمويلي هو بالأساس ضمان إهلاك كامل رأسمالها والحصول على ربحها. وإذا كانت العقود قد اتجهت إلى تحديد التعويض في الشرط الجزائي بنسبة محددة من تلك الأقساط فلأن ذلك قد أتى نتيجة لما أثير حول تلك العقود من محاولة الجمع بين التنفيذ العيني للالتزام المستأجر بدفع بدلات الإيجار تحت غطاء الشرط الجزائي وبين فسخ عقد التأجير التمويلي، بالإضافة إلى أن تحديد الشرط الجزائي في نسبة 5/4 أو 4/3 بدلات الإيجار المتبقية التي لم تستحق كما هو الغالب يتوقف من جهة على مدى تأكد شركة التأجير التمويلي من تسويق الأصل المسترد أي إعادة بيعه، ومن جهة أخرى يتوقف على حسابات مالية صرفة توازن فيها بين مزايا قبض الشرط الجزائي بعد الفسخ وإمكانية توظيفه في صفقات جديدة ومقدار عوائد رأس المال التي لا تحصل عليها بسبب فسخ العقد وعدم استكمال الوفاء بأقساط الأجرة(17).
وإذا كانت شركة التأجير التمويلي تحقق هلاك رأسمالها بالمضي في تنفيذ عقد التأجير التمويلي حتى انتهاء المدة الحاسمة وبالتالي لا تتأثر مصالحها المالية بتناقص قيمة الأصل مع الزمن، إلا أنها قد تواجه مخاطر السوق في الحالة التي تسترد فيها الأصل قبل أن يوفي المستأجر بكامل التزاماته المالية المتولدة عن العقد. ولتفادي ذلك ذهبت إلى ضمان إهلاك رأسمالها عن طريق إلزام المستأجر بدفع التعويض المقرر بموجب الشرط الجزائي المنصوص عليه في العقد. رغم أنها لا تكون متأكدة من ذلك دائما خصوصا إذا كان فسخ العقد قد حصل بسبب عجز المستأجر عن دفع بدلات الإيجار نتيجة إعساره.
ويستشف من ذلك أن استرداد الأصل للتصرف فيه يلعب نفس دور دفع الشرط الجزائي: ضمان إهلاك رأسمال شركة التأجير التمويلي رغم أن للأمرين محاذيرهما: مخاطر السوق فيما يخص الاسترداد ومخاطر إعسار المستأجر في ما يخص دفع الشرط الجزائي. لذلك تعمد إلى الجمع بين الأمرين للتخفيف من المخاطر التي تتعرض لها.
ورغم ذلك يمثل إهلاك رأس المال والحصول على أرباحه بشكل يسمح لشركة التأجير التمويلي بتحقيق الربح الهدف الرئيسي الذي تسعى الشركة إلى تحقيقه من خلال تنفيذ العقد حتى نهاية مدته الحاسمة.
وإذا كان هدف الشركة من الشرط الجزائي هو تحقيق هذا الهدف، يثور الاتهام حول اعتبار الشرط الجزائي سبيلا لتغطية جبار المستأجر على الوفاء بدفع بدلات الإيجار رغم فسخ العقد، وبالتالي تثور تهمة الجمع بين التنفيذ العيني للعقد وفسخه.
وعلى ذلك إذا كان العقد يتضمن شرطا فاسخا يقترن به التزام يقع على عاتق المستأجر بدفع جميع أقساط الأجرة المتبقية التي تنتجها حالة الاتفاق على سقوط الأجل في عقد يوصف بأنه عقد تمويل. وليس تغطية الأمر تحت ستار التعويض سوى محاولة لترتيب آثار سقوط الأجل في عقد غير قابل لإعمال فكرة سقوط الأجل باعتباره من العقود الزمنية التي لا يمكن معها إلزام المستأجر بدفع بدلات الإيجار مع توقف استمتاعه بالأصل محل الإيجار، على أن سقوط الأجل في هذه الحالة لا يقترن بفسخ العقد وإنما يقترن بالتنفيذ العيني للعقد وذلك بتعويض الدائن عن طريق إسقاط آجال الأقساط(18).
على أن البعض حاول تبرير ذلك بأن الشرط الجزائي يستخدم لتعويض الأضرار التي تلحق شركة التأجير التمويلي بسبب فسخ العقد الناتج عن عدم تنفيذ المستأجر لالتزاماته، وباعتبار أن تعويض الفسخ محسوب على أساس أقساط الإيجار، فإن هذه الأقساط نفسها تحسب على أساس معايير مالية صرفة، والضرر اللاحق بالمؤجر بفعل الفسخ لا يمكن تصوره سوى تحت ملمحه المالي، فالمكونات الرئيسية للأضرار هي الخسارة اللاحقة والكسب الضائع، وفي مادة التأجير التمويلي يتعلق الأمر بخسارة مالية وبفوات ربح مالي، ذلك أن الخسارة اللاحقة تتمثل في الجزء الغير المستهلك من رأس المال المستثمر في اقتناء الأصل، المصاريف المالية، مصاريف التخزين وإعادة البيع أو إعادة الإيجار. أما الربح الضائع فيتمثل في هامش الربح المتتالي المدمج في أقساط الإيجار المستحقة ولم تدفع.
والحقيقة أن تحديد ما يعد من قبيل ما يلحق من خسارة ويفوت من كسب على النحو المتقدم يمنع من إعادة النظر في تكييف الشرط الجزائي وأيضا من اعتبار التعويض مبالغا فيه إلى درجة كبيرة، ذلك أن عدم إهلاك رأس المال بالكامل وعدم استيفاء الربح أمر مؤكد دائما إذا ما تم فسخ عقد التأجير التمويلي وزال عن عاتق المستأجر بدفع أقساط الإيجار.
ومع ذلك أشار البعض إلى تجاوز الشرط الجزائي الحدود المعقولة نظرا لأن المؤجر يجمع بين استرداد الأصل بماله من قيمة سوقية وبين الحصول على مبلغ التعويض.
ويمكن التساؤل عما إذا كان يجوز تبرير هذا الجمع بالمخاطر التي تواجهها شركة التأجير التمويلي: مخاطر السوق ومخاطر إعسار المستأجر؟ إن خطر الإعسار هو من المخاطر التي يتعرض لها كل دائن في علاقته بمدينه. وتواجه الشركة هذا الخطر بالحصول على ضمانات عديدة أهمها على الإطلاق حق ملكية الأصل. وما يؤكد استعدادها لمواجهة هذه المخاطر، اتفاقها مع البائع على التعاون معها أو الاسترداد(19).
وبالمقابل يواجه المستأجر وضعية صعبة جدا، فبالإضافة إلى توقف انتفاعه بالأصل المؤجر يلتزم بدفع تعويض يمثل نسبة كبيرة من أقساط بدلات الإيجار التي لم يستطع دفعها، مما يعرضه للتنفيذ الجبري على أمواله للحصول على هذا التعويض.
هكذا يتضح من خلال ما ناقشناه أعلاه أن عقد التأجير التمويلي هو أبعد ما يكون من أن يشكل نموذج العقد الذي يحقق توازن أداءات أطرافه، بل على العكس هو نموذج صارخ لاستعلاء القوي على الضعيف حيث تستغل الأول الثاني ليفرض عليه من البنود أكثر مما هو في حاجة إليه ليحفظ مصالحه مستغلا قوالب القانون الخاص المكملة من جهة وخلو النصوص الخاصة بالتأجير التمويلي من المقتضيات التفصيلية للآليات التي تحكم هذا العقد من جهة أخرى تاركة حرية المبادرة لإرادة الأطراف التي بالضرورة سوف يخضع فيها الطرف الضعيف الذي يحتاج إلى تمويل، لإرادة القوي الذي لا تهمه سوى مصالحه. لذلك على المشروعات التي تلجأ إلى هذا النوع من التمويل أن لا تتسرع وتنخدع بالمزايا التي قد يبدو لها أنه يقدمه، بل عليها أن تدرس بتأني مقتضيات هذا التمويل وآثاره حتى تستطيع تقرير اللجوء إليه بدون مخاطر.
الهوامش
(1)- El Mokhtar Bey : de la symbiotique dans les leasing et crédit -bail-mobillier dalloz 1970.
(2)- Tunisie leasing : le manager N 16- Octobre 1997.
(3) -Maroc leasing : le contract de crédit- Bail au Maroc mémoire juin 1983 Rabat- Labdi Samit.
(4)- Actualisé.
(5)- في سنة 1964 ذكر Gaullier بأن معدل الفائدة في الليزينغ كان يتراوح بالمتوسط بين 12 و 14 % ص 755.
(6)- Charmont : leasing or not leasing :homme et technique Dec 1963-p 1304.
(7)- يرى Giovanoli أن المستأجر ملزم بضمان حقيقي تجاه المؤجر، يتعلق بفقد وتدمير الأصل: ص 239.
Mario : le crédit -bail-leasing en Europe 1980. librairies techniques.
(8) Charles Goyet : le louage et la proprité à l'épreuve de crédit-bail et du bail superficiare L.G.D.J..1983.
(9)- Micéle harichaux ramu le transfert des dans le crédit - bail mobilier ; Rev.trim. de dr.com : 31 é année n 2, Avril-juin 1978.
(10)- Gavalda et stouffet.p 652, fournier pr 22 : droit bancaire 2é ed litec- Paris. France.
(11)- les clauses limitatives ou exoneratoires de responsabilité en Europe, droit des at- de droit des obligations de l'université Paris 1. faires, actes du colloque des 13 et 14/12/1990, centre.
(12)- El Moukhtar Bey : de la symbiotique dans les leasing et le crédit- Bail mobilier p 13.
(13)- cermieux - Israel : leasing et crédit- bail mobilier p 53 ed Dalloz 1975.
(14)- دور القاضي إزاء الشرط الصريح الفاسخ: د. محمد حسين منصور 1995 منشأة المعارف بالإسكندرية.
(15)- Sophie mougenot- Mathis : le crédit- bail mobilier dans le redressement et la liquidation judiciaires des entreprises - Thèses de doctorat en droit 1994 Université de Tours.
(16)- د. فؤاد هلال: مستقبل الشرط الجزائي بعد صدور القانون 1994 رقم 25-27 بتاريخ 13/07/1995، مجلة القانون والاقتصاد العدد 14-197.
(17)- د. هاني محمد دويدار: النظام القانوني للتأجير التمويلي 1994 دار الجامعة الجديدة للنشر.
(18)- د. هاني محمد دويدار: عدم توازن الأداءات في اتفاق التأجير التمويلي رسالة دكتوراه 1995 جامعة بوردو فرنسا.
(19)- المقيد القيم طلال مختار:" البند الجزائي في القانون المدني": رسالة دكتوراه 1974 من جامعة باريس.
1 التعليقات:
كشف تسربات المياه بالدمام
مكافحة حشرات بالرياض
عزل اسطح بالرياض
كشف تسربات المياه بالرياض
شركة شحن بالرياض
شركة مكافحة حشرات بجازان
شركة كشف تسربات المياه بالطائف
شركة نقل عفش بالطائف
Post a Comment