إشكاليات الفقرتين الثانية والخامسة من الفصل 16 من قانون المسطرة المدنية

إشكاليات الفقرتين الثانية والخامسة من الفصل 16 من قانون المسطرة المدنية

بقلم الأستاذ عبد الرفيع جواهري

من البديهي أن الاختصاص النوعي يعتبر من النظام العام كما أن الدفع به يكتسي نفس الطوابع وتترتب عن ذلك نتائج قانونية من أهمها :
1- لا يمكن للأطراف الاتفاق على ما يخالف قواعد ذلك الاختصاص.
2- يمكن للأطراف لإثارته في جميع درجات التقاضي ولو لأول مرة
3- يمكن للمحكمة أن تثيره تلقائيا سواء كانت محكمة درجة أولى أو محكمة استئناف أو محكمة نقض.

تلك أمور بديهية في فقه المسطرة المدنية كما لأن العمل القضائي في المغرب قد استقر على نفس المبادئ في ظل قانون المسطر المدني القديم.

لكن مع صدور قانون المسطرة المدنية الذي بدأ العمل به في 1/10/1974 أثار الفصل السادس عشر (16) منه عدة تساؤلات عندما نص في فقرته الثانية على إمكانية إثارة الدفع بعدم الاختصاص النوعي إلا بالنسبة للإحكام الغيابية إلى الذي ينتج عنه ضمنيا عدم جواز إثارته في المرحلة الاستئنافي بالنسبة للأحكام الحضورية وكذلك عندما نص في فقرته الخامسة على إعطاء الصلاحية لقاضي محكمة الدرجة الأولى لإثارة عدم الاختصاص النوعي تلقائيا مانعا بذلك بصفة ضمنية قضاة محكمة الاستئناف من إثارة نفس الدفع تلقائيا.

ومن بين التساؤلات التي أثارها الفصل الذكور:
أولا : هل تخلى المشرع المغربي عن فكرة اعتبر الدفع بعدم الاختصاص النوعي من النظام العام؟
ثانيا : إذا كانت رغبة المشرع من خلال الفقرتين الثانية والخامسة من الفصل 16 ق.م.م. الجديد الحرص على عدم إطالة إجراءات التقاضي فهل تشفع له تلك الرغبة في أن يتم اختار الوقت على حساب مبدأ من النظام العام؟

قبل مناقشة تلك التساؤلات من المفيد استقراء نصوص المسطرة القديمة فيما يتعلق بالدفع بعدم الاختصاص النوعي حتى يتضح مسار التطور في الاتجاه أي تبناه المشرع في افصل16 من ق.م.م الجديد.

الدفع بعدم الاختصاص النوعي في ظل المسطرة المدنية القديمة
إن المقتضيات القانونية التي تتحدث عن الدفع بعدم الاختصاص النوعي في قانون المسطرة القديم منحصرا أساس في لفصل 124مع ملاحظة لإشارة خفية في المقطع رقم 3 من الفصل 186.

فبالرجوع إلا فصل 124 نجد أن أهم ما فيه هو النص بصيغة الوجوب على لإثارة عدم الاختصاص من طرف القاضي تلقائيا في جميع أطوار القضية .

ومن الملاحظ أن هذا الفصل يتعلق فقط بمحكمة السدد (سابقا) نظرا لكونه داخلا في نطاق قسم الثالث من قانون المسطرة القديم المخصص للمسطرة أمام محاكم السدد.

وهذا الفصل ل تقع إلا حالة عليه مطلقا في أي فصل من فصول القسم الرابع المتعلق بالمسطرة أمام المحكم الإقليمية (سابقا) ولا في الباب الرابع من القسم الخامس المتعلق بالمسطرة أما محاكم الاستئناف .

نستنتج من ذلك أن المشرع المغربي قد سكت عن تنظيم مسألة الدفع بعدم الاختصاص النوعي سواء أمام محاكم الإقليمية آنذاك أو أمام محكمة الاستئناف الشيء الذي جعل الاجتهاد القضائي يسد لك الفراغ بتعميمه للقاعدة المنصوص عليها في الفصل 124 على المحكمة الإقليمية ومحكمة الاستئناف.

ومن جهة نظر شخصية اعتقد أن الاجتهاد القضائي في هذا الباب تبرره إلى حد ما مقتضيات المقطع رقم 3 من الفصل 186 من قانون المسطرة المدنية القديم المطبق أمام المحكمة الإقليمية سابقا والذي يوجب من بين ما يوجب تبليغه من دعاوى إلى وكيل الدولة. الدعاوى التي تثار فيها دفوع متعلقة بالاختصاص النوعي الشيء الذي يفهم منه ضمنيا إمكانية لإثارة الدفوع المذكورة أمام المحكمة الإقليمية ولا فما معنى النص على تبليغ الدفوع إلى وكيل الدولة؟

وبما أن الفصل 237 ق.م.م القديم المتعلق بالمسطرة أمام محكمة الاستئناف يجعل أحكام الفصول المتعلقة بالإجراءات أمام المحاكم الإقليمية ومن بينها الفصل 186 هي نفسها المطبقة أمام محاكم الاستئناف فإن إمكانية الدفع بعدم الاختصاص النوعي أمام تلك المحاكم كانت متوفرة أيضا في جميع الحالات.

إن اتجاه المشرع المغرب في ظل قانون المسطرة المدنية القديم ارتكز على اعتبارا الدفع بعدم الاختصاص النوعي من النظام العام وأوجب على القاضي إثارته ما عدا في حالة استثنائية نص عليها في الفقرة الثانية 222 حيث أجل للأطراف أن يتفقوا فيما بينهم على جعل قاصي المستعجلات ا صلاحية للبث في جوهر النزاع أنه غير مختص نوعيا .

إلا أن ذلك الاتجاه كان يعتريه نقص جعل الاجتهاد القضائي يتدخل ليسده. الشيء الذي يحدونا إلى القول بأن العمل القضائي في المغرب هو الذي أرسى دعامة اعتبار الدفع المذكور من النظام العام.

مقارنات
فلننتقل الآن إلى المقتضيات الجديدة التي أوردها المشرع في قانون المسطرة المدنية الجديد فيما يتعلق بالدفع بعدم الاختصاص النوعي مقارنين بينهما وبن المقتضيات القديمة لنرى ما هو التطور الحال في هذا الباب : وسنخصص تحلينا للفقرتين 2 و 5 من الفصل 16 ق.م.م.

التطور الأول: أن من بين التطورات الملاحظة أن الشرع تراجع عن صيغة الوجوب المستعملة في لفصل 124 من القانون القديم والملزمة للقاضي بإثارة عدم الاختصاص النوعي والتصريح به تلقائيا.

ويستنتج ذلك التراجع من كون الإجبار الذكور استبد في الفقرة الخامس من الفصل 16 من القانون الجديد بمجرد إمكانية متاحة لقاضي متاحة الدرجة الأولى عندما استعمل المشرع في الفقرة المذكورة لفظة (يمكن ) وهذا يجعل قاضي محكمة الدرجة الأولى غير مجبر على الحكم بعدم الاختصاص النوعي ولو كان القاضي المذكور غير مختص نوعيا للبث في النازلة المعروضة عليه .

التطور الثاني : هو منع الدفع بعدم الاختصاص الوعي أما محكمة الدرجة الثانية ما عدا في حالة صدور الحكم لمطعون فيه بصفة غيابية في حين أن مقتضيات المسطرة المدنية القديمة كانت ساكتة في هذا الباب باستثناء الإشارة الخفية للفصل 186 التي ألمحت أليها سابقا وهذا ما جعل العمل الثنائي النقص المذكور وذلك بقبول الدفع المتعلق بعدم الاختصاص النوعي في سائر درجات التقاضي وإثارته تلقائيا من طرف القضاء اعتمادا على كونه من مبادئ النظام العام.

فهل يعتبر هذا التطور تخليا من المشرع المغربي عن فكرة اعتبار الدفع بعدم الاختصاص النوعي من النظام العام ؟

يمكن أن نسجل أن المشرع المغربي قد سار في طريق تجديد الدفع بعدم الاختصاص النوعي من صيغة النظام العام دون أن يكون هناك مبرر مقبول وخلق تناقضا بين ذلك وبين بعض مقتضيات أخرى في قمم الجديد.
فقد جرده من صبغة العام.

1- عندما نص في الفقرة من الفصل 16 ق.م.م على منع إثارته من منع لدن الأطراف أمام محكمة الاستئناف إلا بالنسبة للأحكام أمام محكمة الاستئناف إلا بالنسبة للأحكام الغيابية . ومعنى ذلك انه عند الطعن في حكم حضوري بالاستئناف لا يمكن للأطراف الدفع بعدم الاختصاص النوعي أمام محكمة الاستئناف.

وقد يقال رد على هذا بأن المشرع قد أجاز في الفقرة الخامسة من الفصل 16ق.ق.م.م الجديد لقاصي الدرجة الأول الحكم تلقائيا بعدم الاختصاص النعي وهذا ما يجعل المسألة محسومة من أساسها حيث لن تصل إلى محكمة الاستئناف أحكام تبث خارج الاختصاص النوعي للمحكمة التي أصدرتها باعتبار أن قاضي الدرجة الأولى سيحكم لا محالة بعدم الاختصاص النوعي أن كان له محل.

لكن هذا التفسير مردودا نظرا لكون المشرع لم يلزم قاصي الدرجة الأولى وبالتصريح عدم الاختصاص الوعي تلقائيا عند ثبوته كما كان الحال في لمسطرة المدنية القديمة بل أتاح له فقط إمكانية ذلك ، وفي هذا النطاق له أن يستعملها وهنا نفترض أن قاضي محكمة الدرجة الأولى (ولسبب من الأسباب) لم يصرح بعدم الاختصاص النوعي رغم الدفع به وتوفر حالته وبت في الملف المعروض عليه حضوريا ووقع الطعن بالاستئناف في حكمه الحضوري فإنه حسب الفقر الثانية من الفصل المذكور لا يمكن أمام محكمة الاستئناف سماع الدفع بعدم الاختصاص النوعي لأن الفقرة المذكورة تشترط لجواز ذلك أن يكون الحكم غيابيا .

2- كما يتضح تجريد المشرع للدفع بعدم الاختصاص النوعي من طابع النظام العام عندما لم يتح لقضاة محكمة الاستئناف إثارته على العكس ما فعل بالنسبة لقضاة محاكم الدرجة الأولى في الفقرة الخامسة من الفصل 16 من ق.م.م
فهل أراد المشرع أن يصفي على الدفع بعدم الاختصاص النوعي طالع النظام العام بالنسبة لإثارته من طرف قاضي الدرجة الأولى فقط وسلب الطابع المذكور بالنسبة لقضاة محكمة الاستئناف ؟

ان ذلك غير مقبول لعدم إمكانية وصف قاعدة واحدة وصفين متناقصين وذلك بوصفها بصفة النظام العام تارة وبتجريدها تارة أخرى من نفس الصفة أي اعتبارها ليست من النظام العام.

النتائج المترتبة عن الفقرتين من الفصل 16 ق.م.م

تترتب عن الفقرة الثانية من الفصل 16 من قانون المسطرة المدية الجديدة نتائج خطيرة بينها :

أ- تضيف ممارسة حق الدفاع

ولتوضيح ذلك نعطي المثال التالي :
لنفرض أن شخصا رفع دعوى أمام قاضي المستعجلات وان تلك الدعوى تتعلق بنزاع في الموضوع أن قاضي المستعجلات (لسبب من الأسباب) لم يعمل بالدفع بعدم الاختصاص النوعي المثار من طرف المدعي عليه رغم تقديمه بصفة صحيحة وبث في المنازلة وتم تبليغ القرار عند النطق به في الجلسة طبقا للفقرة الأخيرة من الفصل 153 من قانون المسطرة المدنية فإن الأجل المخول للمستأنف في هذه الحالة هو 15 يوما طبقا للفقرة الرابعة من نفس الفصل رغم أن النزاع يتعلق بالموضوع في حين انه لوبن في ملفه قاضي الموضوع المختص لكان الأجل ثلاثين يوما. ولو أجاز الشرع لهذا المشرع لهذا الطرف الدفع بعدم الاختصاص النوعي رغم كون القرار ليس غيابيا لتمكن من طرح الدفع أمام حكمة الاستئناف وبالتالي من فرصة الفاء القرار الصادر ضده وإحالته على محكمة الموضوع المختصة التي سيتمتع أمامها بممارسة حقه في أن يكون له أجل 30 يوما للطعن في حكمها بعد التبليغ.

ب- إفراغ نظام التقاضي
إن المشرع المغربي أقر نظام التقاضي على درجتين ، ومن الواضح أن روح ذلك النظام تتجلى في تمكين المتقاضين من إثارة الدفوع التي يرونها صالحة في نطاق ممارسة حق الدفاع أما محكمة الدرجة الثانية .
لكن ما فائدة هذا النظام إذا حرمنا أحد أطراف الدعوى من إثارة الدفع بعدم الاختصاص النوعي أما محكمة الدرجة الثانية إذا لم يكن الحكم المطعون فيه غيابيا.

ج- تضييق نطاق بدا الأثر الناشر للاستئناف
بعدم إمكانية نشر الدفع بعدم الاختصاص النوعي من جديد أمام محكمة الاستئناف.
إذا كانت تلك هي بعض النتائج القانونية المترتبة عن الفقرة الثانية من الفصل 16 فما هي النتائج المترتبة عن الفقرة الخامسة من الفصل المذكور؟

النتائج المترتبة عن الفقرة 5 من الفصل 16 ق.م.م


تترتب عن الفقرة الخامسة من الفصل 16 نتائج قانونية أخرى من بينهما:

1- إعطاء حق الدفع بعدم الاختصاص النوعي تلقائيا لقاضي الدرجة ال أولى وحدة (وهو حسب النظام الممول به في المغرب قاضي فرد) يضعنا أمام نتيجة غير مستساغة وهي إعطائه صلاحية أوسع في هذا المجال من صلاحية محكمة لدرجة الثانية رغم أنها تتكون من ثلاثة قضاة الشيء الذي يترتب عنه تضييق مجال سلطة القضاء الجماعي لفائدة الفردي.

2- عدم تمكين محتكم الاستئناف من مراقبة ضمان حسن سير العدالة أمام محاكم الدرجة الأولى فيما يتعلق بالاختصاص النوعي.

3- تناقض مقتضيات الفقرة الثالثة من الفصل 16 مع الفصل الثالث
من قانون المسطرة المدنية: أن الفصل الثالث يلزم القاضي بالبث دائما طبقا للقوانين المطبقة على النازلة ولو لم يطلب الأطراف ذلك بصفة صريحة.
وبما أن الفصل المذكور جاء ضمن الباب الأول من القسم من قانون المسطرة المدنية الجديد في إطار المقتضيات التمهيدية التي تشكل قواعد عامة بالنسبة لجميع المحاكم فإن هذا الفصل واجب التطبيق أمام محاكم الاستئناف.

فلنفرض أن قاضي المستعجلات (لسبب من الأسباب) بت خارج نطاقا اختصاصه النوعي في قضية ما واستأنف قراره الطرف الذي يعينه الأمر وأن هذا الطرف ليس من حقه حسب الفقرة الثانية من الفصل 16 الدفع بعدم الاختصاص النوعي فإن محكمة الاستئناف سيكون عليها حسب الفصل (3) الثالث ق.م.م ان تطبق القانون على النازلة المعروضة عليها ، وتطبيق القانون بالنسبة لقضية استعجالي معناه تطبيق مقتضيات الفصل 149 و 152 ق.م.م.يستفاد منهما أن اختصاص قاضي المستعجلات مربوط بتوفر حالة الاستعجال وعدم المس بما يمكن أن يقضي به في الجوهر.

ويترتب عن تطبيق الفصلين المذكورين أعلاه ضرورة إثارة محكمة الاستئناف اعدم الاختصاص النوعي لكن ذلك حسب الفقرة الخامسة من الفصل 16 ق.م.متاح فقط لقاضي محكمة الدرجة الأولى ولم يتجه المشرع لقضاة محكمة الاستئناف .

وهكذا ينشأ تناقض بين مقتضيات الفقرة الخامسة من الفصل 16 والفصل 3 من قانون المسطرة المدنية.

ما هي غاية المشرع من الاتجاه الذي رسمه في الفقرتين 2 و 5 من الفصل 16 ق.م.م

إن كل ما يتقدم يقودنا إلى طرح التساؤل التالي:
ما هي غاية المشرع من اختياره للاتجاه الذي رسمه في الفقرتين الثانية والخامسة من الفصل 16 ؟

1- هل هي اختصار إجراءات التقاضي؟
2- هل يصح ذلك لتبريرهم قاعدة من قواعد النظام العلم؟ يمكننا الافتراض أن غاية المشرع هي اختصار إجراءات التقاضي وذلك بحسم مسألة عدم الاختصاص النوعي أساس في المرحلة الابتدائية حتى إذا انتقل الملف إلى محكمة الاستئناف لن يكون هناك مجال للدفع بعدم الاختصاص النوعي إثارته كن طرف القضاة وبالتالي لي يكون هناك مجال للحكم به وإعادة النزاع من جديد أمام المحكمة المختصة
إذا كانت تلك هي غاية المشرع فإن اختصار إجراءات التقاضي من الأمور المحمودة لكن ذلك لا يجوز، أن يتم على حساب مبدأ أساس كالدفع بعدم الاختصاص النوعي نظرا لارتباطه بحقوق الدفاع. إذ لا يعقل تجريد المتقاضين من أهم حقوقهم في الدفاع بحجة الإسراع بالإجراءات .

هذا مع العلم انه لو أجاز المشرع الدفع بعدم الاختصاص النوعي أمام محاكم الاستئناف نظرا لكون الفقرة الرابعة (4) من الفصل السادس عشر (16) تنص على أنه إذا قبل الدفع رفع الملف إلى المحكمة المختصة التي تكون الإحالة عليها بقوة القانون وبدون صائر. وعلى هذا الأساس يفقد مبرره الاتجاه الذي سار فيه المشرع المغربي من خلال الفقرتين الثانية والخامسة من الفصل السادس - (16) من قانون المسطرة المدنية الجديد.

الدفع بعدم الاختصاص النوعي أمام المجلس الأعلى
إذا كانت هي وضعية الدفع بعدم الاختصاص النوعي أمام محاكم الاستئناف فما هي وضعيته أمام المجلس الأعلى
لقد نص الفصل 359 من ق.م. الجدد على وجوب تركيز طلبات لنقض على خمسة أسباب من بينها عدم الاختصاص
إن إشارة الفصل 359 أو عدم الاختصاص يطرح هذا التساؤل :

ما هي الحالة التي يسمح فيها بإثارة الدفع بعدم الاختصاص النوعي أمام المجلس الأعلى؟

هل الدفع خاضع للمقتضيات المنصوص عليها فقي الفقرتين الثانية الخامسة من الفصل 16 من قانون المسطرة المدنية أو انه بالإمكان لإثارته أمام المجلس الأعلى لأول مرة سواء من جانب الأطراف أو تلقائيا من طرف المجلس الأعلى.

يطرح الجواب على هذا السؤال افتراضين اثنين :

الافتراض الأول : قد يقال أن مقتضيات الفل 16 ف.م.ج جاءت صمن الباب الأول الذي يحمل عنوان "مقتضيات عامة " وما دام المشرع قد أصبح المسطرة أمام المجلس الأعلى نص القانون الجديد للمسطرة المدنية وله يفرد له نصا خاصا منفصلا عنها فإن تلك المقتضيات العامة التي تشمل مختلف المحاكم تنطبق كذلك على المجلس الأعلى وبناء عليه فإنه طبقا للفقرة الأخيرة من الفصل 16 تبقى إمكانية إثارة الدفع بعدم الاختصاص النوعي مقتصرة على قاضي الدرجة الأولى الشيء الذي يسلب تلك الإمكانية من قضاة المجلس الأعلى . كما أنه لا يمكن من وجهة الافتراض المذكور الدفع لأول مرة بعدم الاختصاص النوعي أمام المجلس الأعلى. وإن إشارة الفصل 359 إلى جعل أحد أسباب النقض عدم الاختصاص تعني الحالة المنصوص عليها في الفقرة الثانية من الفصل 16 قمم أي مراقبة المجلس الأعلى لحسن تطبيق مقتضيات تلك الفقرة التي لا تجيز إثارة الدفع بعدم الاختصاص النوعي في طور الاستئناف إلا بالنسبة للأحكام الغيابية.

وهكذا إذا كان الحكم غيابيا وطعن أحد الأطراف فيه بالاستئناف دافعا بعدم الاختصاص النوعي لقاضي الدرجة الأولى. ولم تقبل محكمة الاستئناف دفعه فغن بإمكانه في هذه الحالة فقط حسب الافتراض الأول أن يؤسس طلب النقض على الدفع بعدم الاختصاص النوعي أما في غير هذه الحالة فلا يقبل أن يدفع لأول مرة أمام المجلس الأعلى بعدم لاختصاص النوعي.

الافتراض الثاني : ويبرر في مواجهة الافتراض السابق افتراض معاكس يطرح إمكانية الدفع لأول مرة أمام المجلي الأعلى بعدم الاختصاص النوعي أو لإثارته تلقائيا من طرف اعتمادا على أن مقتضيات الفصل 16 ق.م.م وإن كانت داخلة تحت عنوان مقتضيات عامة فإنها متعلقة بمحاكم الدرجة الأولى والثانية وهذا واضح من خلال اقتصار الفقرة الثانية منه على منع إثارة الدفع المذكور أمام محكمة الاستئناف إلا إذا كان لحكم المستأنف غيابيا ولو كانت إرادة المشرع تتجه إلى المجلس الأعلى لوقع النص على ذلك بوضوح في ذلك الفصل.

بالإضافة إلى هذا فإن الفقرة الأخيرة من الفصل 16 ق.م.م تتحدث عن لإثارة الدفع تلقائيا بالنسبة لقاضي الدرجة الأولى.
كل ذلك يعطينا انطباعا من شأنه جعل مقتضيات الفقرتين المذكورتين متعلقين فقط بمحاكم الدرجة الأولى والثانية دون إدخال المجلس الأعلى تحت تلك المقتضيات .

إن الصياغة الحالية للفقرتين الثانية والخامسة من الفصل 16 ق.م.. تطرح الافتراضين معا محل التساؤل .
غير انه من الملاحظ أن الافتراض الأول ينسجم أكثر مع بنية الفقرتين الذكورتين .

أما الافتراض الثاني فإن مسايرة ينتج عنها تناقض أساسي يبرز يلي:
إذا كان المشع في الفقرة الثانية من الفصل 16 ق.م. فد منع الدفع أمام محكمة الاستئناف بعدم الاختصاص النوعي إلا إذا كان الحكم غيابيا كما انه أعطى في الفقرة الخامسة من نفس إمكانية لإثارة الدفع المذكور تلقائيا لقاضي الدرجة الأولى فإن معنى ذلك هو وضع محكمة الاستئناف في حالات معينة مكتوفي الأيدي أمام استعمال سلطتهم في التصريح النوعي تلقائيا رغم ثبوته .وفي مثل هذه الحالة كيف يعقل ان نسمح بإثارة نفس الدفع أمام المجلس الأعلى أي : نسمح المجلس الأعلى بما لم نسمح به لقضاة محاكم الاستئناف ؟

وبتعبير أوضح كيف يعقل أن ينقض المجلي الأعلى حكما صادرا عن محكمة الاستئناف بحجة عدم الاختصاص النوعي (أما بناء على الدفع به لأول مرة من أحد الأطراف أو لإثارته تلقائيا من طرف المجلس الأعلى في حين أننا سلبنا من الأطراف حق الدفع به أمام محاكم الاستئناف ( إلا إذا كان الحكم غيابيا) وسلبنا قضاة محاكم الاستئناف من إمكانية إثارته تلقائيا؟

أن كل ما تقدم يفسر أن هناك على كل حال إشكالية خلقتها البنية القانونية في حالتها الراهنة لمقتضيات الفقرتين الثانية والخامسة من الفصل 16 ق.م.م.

وكل ذلك يطرح بإلحاح ضرورة تعديل الفقرتين المذكورتين وصياغتهما بشكل لا لبس فيه بالنص صراحة على إمكانية الدفع بعدم الاختصاص النوعي في جميع التقاضي ولو لأول مرة وكذلك إمكانية لإثارته من طرف محتكم الدرجة الأولى ومحاكم الدرجة الثانية والمجلس الأعلى.

مراكش في 9/1/1979

0 التعليقات:

Post a Comment