قضاء التحقيق ومستجدات قانون المسطرة الجنائية



ذ. محمد الدراري
قاضي التحقيق لدى محكمة الاستئناف بمراكش

مقدمة :
التعريف بالتحقيق الإعدادي والبحث التمهيدي :

إن الغاية من اقامة النظام القضائي بصفة عامة هي تحقيق العدل والانصاف، وإنه لتحقيق هذه الغاية، اقتضت الضرورة سن قوانين لفرض ترتيبات أطلق عليها اسم إجراءات، سواء في الميدان المدني او الجنائي .
ولعل الميدان الجنائي كان أدعى من غيره لتقرير عدد من الإجراءات الشكلية، وذلك صونا لحرية الأفراد، ودودا عن كرامة الإنسان مما يشيع الطمانينة بين الناس على النفس والمال معا.

وبعبارة اخرى، فإن الغاية المتوخاة من تلك الإجراءات هي ان تؤدي تحقيق التهمة تحقيقا عادلا لا يفلت معه جان من العقاب، كما لايقع الحكم ظلما على بريء فيراعى بها إذن احترام حقوق الاتهام وحقوق الدفاع على السواء بحيث يكون لسلطة الاتهام الحرية في إثبات التهمة، وإظهار إدانة المتهم، ويكون للمتهم في نفس الوقت الحرية في نفي التهمة عن نفسه وإبراز براءته .
والبحث التمهيدي، والتحقيق الإعدادي هما مجرد ادوات للعمل لتحقيق الغاية النبيلة التي ينشدها المشرع عند سنه للنصوص المنظمة لهذه الادوات والآليات .

وهكذا فإن المشرع يسن في الفصل 80 وما يليه إلى 82 من ق.م.ج على البحث التمهيدي الذي اوكل القيام به إلى ضباط الشرطة القضائية إما بتعليمات من وكيل الملك وإما تلقائيا، وترجع هذه العمليات إلى نظر رئيس النيابة العامة .

كما أنه خصص الجزء الثالث من الكتاب الاول من قانون المسطرة الجنائية للتحقيق الإعدادي .
والتحقيق الإعدادي هو مرحلة من مراحل القضية الجنائية تسبق عملية المحاكمة، والهدف من اللجوء إليه - في الحدود التي يسمح بها - القانون والتي تتسع او تضيق بحسب الاتجاهات القانونية المختلفة هو تمحيص الادلة المقدمة في التهمة، والتي تكون الضابطة القضائية قد مهدت سبل التوصل إليها من خلال البحث التمهيدي، وتقديرها من اجل اتخاذ قرار في ضوء ذلك، إما بإحالة القضية على المحكمة، إن كانت هذه الأدلة كافية، وإما بعدم المتابعة إن وجدت جهة التحقيق أن هذه الادلة غير كافية .

ولا تخفى أهمية هذه المرحلة الدقيقة وفائدتها، إذ هي بالنسبة للجهاز القضائي معين لا بد منه في غربلة وتصفية القضايا التي لا حاجة إلى إضاعة وقت قضاء الحكم وجهده فيها، وبذلك فلا تصل إليه منها إلا تلك التي تستأهل ذلك بما ثبت للمحقق بانه في شبه المؤكد على الإدانة، وبالنسبة للمتهم لا تخفى فائدتها أيضا إذ البريء الذي لا توجد ادلة كافية على إدانته يجنب مشقة سوقه إلى ساحة المحاكمة العلنية وما يرتبه ذلك من تشويش كبير على سمعته .

والمشرع تعرض للتحقيق الإعدادي في الجزء الثالث من الكتاب الاول من قانون المسطرة الجنائية :(من الفصل:84 حتى الفصل 250 ) وقسمه إلى بابين:

الباب الاول :
من الفصل 84 إلى 212 من ق.م.ج، والقسم الثاني من ظهير الإجراءات الانتقالية في الفصلين 6 و7 وخصه بالقضاة المكلفين بالتحقيق .

الباب الثاني : ( من الفصل 213 إلى 250 من ق.م.ج ) وخصه لغرفة الاتهام : ( الغرفة الجنحية حاليا ) .
وسوف نقسم هذا العرض إلى بابين :

الباب الاول :
خصائص التحقيق الإعدادي، ونطاقه، والإجراءات الخاصة به والأوامر القضائية الصادرة بشأنه، والمراقبة القضائية الواردة عليه، وبطلان إجراءات التحقيق الإعدادي .

الباب الثاني :
سنخصصه لمستجدات قانون المسطرة الجنائية الجديد .

الباب الاول :
خصائص التحقيق الإعدادي، ونطاقه، والإجراءات الخاصة به، والاوامر القضائية الصادرة بشأنه، والمراقبة القضائية الواردة عليه، وبطلان إجراءات التحقيق الإعدادي.

الفصل الاول : خصائص التحقيق الإعدادي

التحقيق الإعدادي هو عبارة عن جملة من التحريات التي تقوم بها الجهة القضائية التي يرجع لها حق إجرائه، وتتمثل أساسا في قاضي التحقيق عندنا حاليا والغاية منه، كما أسلفت ، هي محاولة الوصول إلى الحقيقة التي يترتب عنها إما تاكيد إسناد التهمة لشخص معين فيحال على المحكمة، وإما نفيها عنه فلا يتابع أمام قضاء الحكم ويتم كل ما سبق من خلال تقدير قيمة الحجج التي تكون النيابة العامة قد اعتمدتها عندما حركت الدعوى العمومية بالتماسها إجراء التحقيق.
يتميز التحقيق الإعدادي بخصائص عديدة نشير منها لما يأتي :

- أولا : التحقيق الإعدادي ذو طبيعة قضائية :
وفي هذا يخالف التحقيق الإعدادي البحث التمهيدي الذي تنجزه الضابطة القضائية، بسبب أن الجهة الرئيسية التي تتكلف بإنجازه هي قاضي التحقيق الذي يستقل عن النيابة العامة، وعن المحكمة، وعن الخصوم، مما يفرض عليه الحياد التام في إنجاز إجراءات البحث عن الادلة واتخاذ القرار الذي ينتهي به التحقيق إن لمصلحة المتهم وإن ضده، وبدون أي تحامل عليه، او ترضية للخصم الرئيسي في الدعوى العمومية الذي هو النيابة العامة .

والطبيعة القضائية للتحقيق الإعدادي تجعل القائم به ( قاضي التحقيق ) خاضعا من حيث مراقبته في اهم القرارات التي يصدرها بمناسبة التحقيق لجهة قضائية كلفها القانون بإعمال هذه المراقبة وهي الغرفة الجنحية بمحكمة الاستئناف ( غرفة الاتهام سابقا )، عن طريق استئناف النيابة العامة والمتهم والمطالب بالحق المدني للقرارات الصادرة عن قاضي التحقيق .
بل إن لقاضي التحقيق نفسه والغرفة الجنحية تلقائيا عندما يلاحظ بطلان إجراء من إجراءات التحقيق أن يرفعه للغرفة الجنحية من اجل تقرير بطلانه.

- ثانيا : غلبة الاسلوب التفتيشي على التحقيق الإعدادي :
تبدو مظاهر تغليب المشرع للنظام التفتيشي في إجراءات التحقيق الإعدادي في سمتين :

الأولى: سرية التحقيق الإعدادي :
ومفادها امتناع إطلاع عموم الناس من غير الخصوم على إجراءاته او على المحاضر المعدة بمناسبة إنجازه، أو نشر أي شيء من ذلك في وسائل الإعلام المختلفة ( الفصل 54 من قانون الصحافة )، وإيصالها إلى الغير، ويبقى هذا الحظر ملازما لعملية التحقيق الإعدادي إلى ان يحال ملف القضية على المحكمة التي تنظرها بصورة علنية، حيث يرتفع حينئذ مبدأ السرية، مالم تر المحكمة نفسها الابقاء عليه
اما ان انتهى قاضي التحقيق إلى أمر بعدم المتابعة فإن سرية التحقيق تستمر مع ذلك، فلا يجوز، والحالة هذه إطلاع الغير على التحقيق او نشر شيء منه في وسائل الاعلام إلا في حدود ما يقرره النص السابق .

الثانية : وجوب تدوين عمليات التحقيق الإعدادي :
إن تدوين عمليات التحقيق في محاضر موقعة من قبل من عددهم القانون يعد ضمانة كبرى لمصداقية التحقيق الابتدائي برمته بسبب انه يرفع كل لبس عن حقيقة الإجراءات التي قام بها قاضي التحقيق، ويسهل إلى حد بعيد إعمال الآثار القانونية الممكن ترتيبها عن كل خرق يأتيه من قبل المحكمة التي تنظر الدعوى العمومية او التي تراقب قاضي التحقيق في ذلك خصوصا وان المحاضر المدونة بسبب إجراءات التحقيق هي اوراق رسمية لا يمكن مناقضة ما تضمنته إلا عن طريق إدعاء الزور فيها، ولهذا حرص المشرع على أن تكون المحاضر سليمة ولا يوحي مظهرها الخارجي بالريبة، إذ منع الكتابة بين سطورها، واوجب المصادقة من قبل قاضي التحقيق والكاتب والترجمان والشاهد، والخبير إن اقتضى الحال : ( الفصل 119 من ق.م.ج ) .
ومن أبرز مظاهر سمة التدوين بالنسبة لعمليات التحقيق الإعدادي هو استعانة قاضي التحقيق دائما بكاتب الضبط ( الفصل 100 من ق.م.ج ) والفصل 117 من ق.م.ج بالنسبة للشاهد ).

المبحث الاول : تعييـن قاضـي التحقيـق، اختصاصاتــه،
والاجراءت المسطرية التي يتعين عليه القيام بها،
والضمانات التـي يوفـرها للمشبوه فيهـم .

المطلب الاول : تعيين قاضي التحقيق
نص المشرع في الفصل 6 من ظهير الإجراءات الانتقالية ( 28 شتنبر 1974 ) على انه : يعين بقرارات لوزير العدل قاضي او عدة قضاة مكلفين بالتحقيق لمدة ثلاث سنوات في كل محكمةاستئنافية من بين قضاة الحكم لهذه المحاكم .
ويمكن وضع حد لمهامهم حسب نفس المسطرة .
ونص الفصل 54 من ق .م.ج على انه إذا كانت القضايا الواجب بحثها تقتضي نظرا لعددها واهميتها وجود قاضي تحقيق آخر فإنه يجوز لوزير العدل ان يعين بموجب قرار قاضيا أصليا او قاضيا نائبا ليزاول مؤقتا مهام قاضي التحقيق إلى جانب القاضي المنتصب لهذه الوظيفة

المطلب الثاني : اختصاصات قاضي التحقيق ونطاقه .
اولا : اختصاصات قاضي التحقيق :
لقد نص المشرع في الفصل 52 من ق.م.ج على أنه يكلف قاضي التحقيق بإجراء البحث طبق الكيفيات المحددة في الباب الاول من الجزء الثالث من قانون المسطرة الجنائية .
ولا يمكنه ان يشارك في إصدار حكم في القضايا الجنائية التي سبق له أن نظر فيها بصفته قاضيا للتحقيق، وإلا فيكون ذلك الحكم باطلا
كما نص في الفصل 56 من ق. م . ج بانه "لا يمكن لقاضي التحقيق إجراء بحث إلا بعد إشعاره بطلب من وكيل الدولة أو بشكاية مصحوبة بالادعاء بالحق المدني " .

وفي حالة تلبس المجرم بالجناية او الجنحة فإن قاضي التحقيق يقوم بالسلطات المخولة له بمقتضى الفصل 77 وذلك في حالة حضوره بعين المكان .
وله ان يطالب بصفة مباشرة حين مزاولة مهامه بتسخير القوة العمومية .
كما نص في الفصل 57 من ق.م.ج على انه يرجع النظر من حيث الاختصاص إلى كل من قاضي التحقيق المرتكبة في دائرته الجريمة او إلى قاضي التحقيق الكائن بدائرته محل إقامة أحد الاشخاص المظنون مشاركتهم في هذه الجريمة، او إلى قاضي التحقيق الواقع في دائرته القبض على احد اولائك الاشخاص، ولو كان القبض قد ألقي لسبب آخر .

ثانيا : نطاق قاضي التحقيق :
نص المشرع في الفصل 84 من ق.م.ج وكذا الفصل 7 من ظهيـر الإجراءات الانتقاليـة ( 28 شتنبر 1974 ) على مايلي :
* التحقيق الإعدادي
يكون إلزاميا في الجنايات المعاقب عليها بالإعدام او السجن المؤبد .
يكون اختياريا في غيرها من الجنايات .
ويمكن إجراء تحقيق في الجنح تطبيقا لنص قانوني خاص ويمكنه طبقا للفصل 84 من ق.م.ج إجراء التحقيق في المخالفات ان التمس ذلك وكيل الدولة تطبيقا للفصل 44 من نفس القانون.

المطلب الثالث : إجراءات التحقيق الإعدادي
إن هذه الإجراءات تنقسم إلى ثلاثة انواع :
أولا : كيف يضع قاضي التحقيق يده على القضية ؟:
عملا بقاعدة وجوب الفصل بين السلطة المكلفة بالمتابعة، وتلك المكلفة بالتحقيق لأسباب متعددة لعل أظهرها ضمان حياد المحقق فإنه لايجوز لقاضي التحقيق البدء في إجراءات التحقيق تلقائيا ما لم يطلب منه ذلك ممن خوله القانون هذه الصلاحية.
وانه بالرجوع إلى الفصل 56 و85 من ق.م.ج والفقرة 4 و5 من الفصل 7 من ظهير الإجراءات الانتقالية : ( 28 شتنبر 1974 ) فإن قاضي التحقيق يضع يده على القضية بطريقتين رئيسيتين :

الاولى : بالتماس النيابة العامة من قاضي التحقيق إجراء تحقيق في قضية من القضايا إما بصورة إجبارية أو اختيارية
الثانية : بشكاية من المتضرر المطالب بالحق المدني طبقا للفقرة 4 من ظهير الاجراءات الانتقالية ( 28 شتنبر 1974 والفصل 93 ومايليه من ق .م .ج )
ثانيا : الإجراءات المتعلقة بجمع الادلة والتنقيب عليها .
ينص الفصل 86 من ق .م .ج على ان يقوم قاضي التحقيق وفقا " للقانون بجميع إجراءات البحث التي يراها صالحة للكشف عن الحقيقة

والإجراءات التي تستهدف جمع الادلة والتنقيب عنها التي تدخل تحت حكم النص باعتبارها تصلح للكشف عن الحقيقة متعددة، والنص لم يمثل لها بأي إجراء، ومن تم يمكن القول بان قاضي التحقيق حر في اللجوء إلى أي إجراء مفيد في الوصول إلى الحقيقة طالما انه يقوم بذلك محترما للمشروعية التي تفرض عليه التزام نصوص القانون أيا كان محل ورودها، سواء كان قانون المسطرة الجنائية او غيره، إذ المهم هو عدم مساس هذه الإجراءات بحقوق الافراد وحرياتهم، هذا وتجدر الإشارة إلى الاطراف الاخرى كالنيابة العامة، والمطالب بالحق المدني، والمتهم، فإن لهم الحق في تقديم طلباتهم خلال المسطرة الرامية إلى الإجراءات التي يرونها مفيدة في إظهار الحقيقة كندب الخبراء او الاستماع إلى الشهود وان قاضي التحقيق هو وحده الذي يقرر في جدوى الاستجابة لطلباتهم او رفضها بحسب مايراه محققا للفائدة المرجوة في إظهار الحقيقة من عدمه، فإن هو استجاب لهذه الطلبات فذاك، وإن هو رفضها حق لهم - صيانة لحقوقهم في الدفاع- الطعن باستئناف هذه الاوامر بالرفض أمام الغرفة الجنحية .

أ : استنطاق المتهم :
ماهية الاستنطاق وصوره :
يقصد بالاستنطاق الذي يجريه قاضي التحقيق استفسار االمتهم عن وقائع الجريمة، والظروف الملابسة لها من خلال طرح أسئلة عليه، وتلقي اجوبته، والتي قد يتمخض عنها إما رجحان إسناد التهمة إليه فيحال على المحكمة بمقتضى امر بالإحالة او إبعادها عنه ليصدر امر بعدم متابعته عنها من قبل قاضي التحقيق .
وان المشرع نظرا لاهمية وخطورة الاستنطاق في مراحل التحقيق نظم شكلياته بكيفية دقيقة في الفصول من 127 إلى 134 من ق .م .ج ضمانا للمستنطق وإلا ترتب عن الإخلال بها البطلان ( الفصلان 190 و129 من ق.م.ج)
هذا وان الشكليات التي يخضع لها الاستنطاق في مرحلة التحقيق الإعدادي تختلف بحسب ما إذا كان الامر يتعلق بالاستنطاق الابتدائي ( او الاولي ) او الاستنطاق التفصيلي .

* الاستنطاق الابتدائي :
وهي المرحلة الاولى التي يمثل فيها المتهم لاول مرة امام قاضي التحقيق بناء على المطالبة بإجراء تحقيق المقدمة من طرف السيد الوكيل العام للملك ( الفصل 56 و85 ق .م . ج )

وتتخلص شكلياته كالتالي :
اولا :
يقوم قاضي التحقيق بالتثبت بكيفية دقيقة من هوية المتهم :
إسمه الشخصي والعائلي ولقبه المعروف به ونسبه وقبيلته الاصلية وحالته العائلية، ومهنته ومحل إقامته وسوابقه القضائيـة، والاستعانة ان اقتضى الحال بمصلحـة قياس الاعضاء والخبرة الطبيـة ( الفصل 127/4 ق . م ج ) .

ثانيا :
يشعر قاضي التحقيق المتهم بانه ماثل امام قاضي التحقيق وان له الحق في اختيار محام حالا، وإلا فيعين له تلقائيا محاميا إن طلب ذلك في حالة عدم اختياره له ، وينص على ذلك في المحضر ( الفقرة 2 من الفصل 127 من ق.م.ج)

ثالثا : يحيط قاضي التحقيق بوجه صريح علم المتهم بالافعال المنسوبة إليه ويشعره بأنه حر في عدم الإدلاء بأي تصريح ، وينص على ذلك في المحضر (الفقرة 4 من الفصل 127 ق.م.ج ).
والتنصيص على ذلك في المحضر يكون تحت طائلة البطلان ( الفصل 190 من ق.م.ج ) .

رابعا :
يتعين على قاضي التحقيق إذا ما طلب منه ذلك، أو عاين بنفسه آثارا تبرر ذلك ان يخضع الشخص المذكور إلى فحص يجريه طبيب خبير (الفقرة 5 من الفصل 127 ق.م .ج ).

خامسا :
الاستنطاق الابتدائي يجريه قاضي التحقيق بنفسه او بمقتضى انابة قضائية يصدرها لقاضي تحقيق آخر، ولا يجوز فيه الإنابة لضباط الشرطة القضائية :( الفصل 167 ق.م .ج ). ويحضر جلسة الاستنطاق الابتدائي الى جانب قاضي التحقيق دائما كاتب الضبط الذي يدون محضر استنطاق المتهم، ومحامي هذا الاخير ان هو اختاره وطلب حضوره والترجمان المحلف ان كان المتهم لا يعرف اللغة العربية

سادسا :
طبقا لمقتضيات الفصل 149 من .ق.م.ج فإن المتهم يستنطق خلال الثمانية واربعين ( 48 ) ساعة من اعتقاله وإن لم يستنطق، وتكون قد مضت هاته المدة فتطبق مقتضيات الفصلين : 140 و141 من ق.م .ج المتعلقة بسوق المتهم امام قاضي التحقيق تنفيذا للامر بالاستقدام الصادر عنه، ويجب استنطاقه في الحين، وإذا تعذر استنطاقه فورا، فيساق إلى السجن حيث لا يمكن ان يبقى معتقلا فيه اكثر من اربع وعشرين ساعة، وإذا انتهت هاته الفترة دون أن يستنطق المتهم فيجب على المشرف رئيس السجن ان يقدمه تلقائيا إلى وكيل الدولة الذي يلتمس فيه من قاضي التحقيق استنطاقه او في حالة تغيبه من أي قاض آخر من قضاة المحكمة لاستنطاقه فورا ، وإلا يفرج عنه .

وكل متهم ضبط عملا بامر بالاستقدام وبقي في السجن اكثر من اربع وعشرين ساعة دون ان يستنطق يعتبر معتقلا اعتقالا استبداديا طبقا لمقتضيات الفص 141 من ق .م.ج ....

سابعا :
بعد اجراء الاستنطاق الابتدائي فإن قاضي التحقيق لابد ان ينتهي بشان المتهم إما إلى أمر يقضي باعتقاله احتياطيا وإما إلى قرار يقضي بتركه حرا، ويعلمه قاضي التحقيق بوجوب اشعاره بكل تغيير يحدث في عنوان مقره ويسوغ للمتهم ان يعين محلا للمخابرة معه في دائرة نفوذ المحكمة ( الفقرة الاخيرة من الفصل 127 ق.م.ج )

إجراء بحث اجتماعي حول هوية شخص المتهم، وظروفه الاجتماعية والاقتصادية .
ينص الفصل 88 من ق.م.ج على ما يلي :
" يجري قاضي التحقيق في القضايا الجنائية تحقيقا عن شخصية المتهمين، وكذا عن حالتهم المادية او العائلية او الاجتماعية وله ان يجري هذا التحقيق بنفسه، او يكلف به إما ضباط الشرطة القضائية طبقا للفصل 87، أو إما إلى شخص آخر يؤهله لذلك وزير العدل ويكون هذا التحقيق اختياريا في القضايا الجنحية " .

وتكمن أهمية البحث الاجتماعي في الاطلاع على العناصر التي كان لها دور في الظاهرة الاجرامية في الواقع المادي الخارجي، والتي لولا تظافرها، لم يكن الماثل أمام قاضي التحقيق متهما في جريمة، كما انه يبين الظروف العينية والشخصية التي ادت إلو وقوع الجريمة والتي لها دور كبير في تفريد العقاب : ( الفصل 141 إلى 162 من القانون الجنائي ) .

*الاستماع إلى الشهود :
خص المشرع الفرع الرابع من الباب الاول من الجزء الثالث المتعلق بالتحقيق الإعدادي من قانون المسطرة الجنائية ( من الفصل 109 إلى 126 ).
ونص في الفصل في الفصل 109 من ق.م.ج على مايلي :
" يستدعي قاضي التحقيق على يد احد اعوان القوة العمومية جميع الاشخاص الذين يظهر من المفيد الاستماع إلى شهادتهم وتسلم لهم نسخة من الاستدعاء .
ويمكن ايضا استدعاء الشهود برسالة عادية، او عن الطريق الادارية ولهم كذلك ان يحضروا عن طواعية " .
والشهادة من افيد وسائل الإثبات في المادة الجنائية ومنها تستخلص القناعة، وبكيفية مباشرة على ثبوت واقعة مادية او انتفائها لصالح شخص أو ضده، ولذلك كان المبدا العام هو ان لقاضي التحقيق كامل الصلاحية والحق في ان يستمع لكل شخص يرى فائدة في الاستماع إليه وتنوير الطريق امامه من أجل اتخاذ قراره في خصوص القضية التي يحقق فيها لجهة الامر بالمتابعة او لعدمها .
ونص المشرع في الفصل 111 وما يليه على كيفية اداء الشهادة، والقسم التي يؤديها الشاهد والأشخاص المعفيين من اداء اليمين .

وتجدر الإشارة إلى إتمام القواعد الواردة في الفصل 109 وما يليه من ق.م.ج بالملاحظات الآتية :
إن الفقرة الثانية من الفصل 110 التي تعطي الشخص المشتكى ضده والمستدعى بصفة شاهد حق رفض الاستماع إليه إلا بصفته متهما، إن تلك الفقرة تتميز بانها تحول دون ما يؤثر على ضمانات الدفاع .
وبالرغم من أن الفصول المذكورة اعلاه لم تشر إلى تطبيق القواعد المنصوص عليها في الفصل 319 وما يليه، إلا انه يقتضي تطبيقها، لان الفصل 319 ومايليه، قد ورد في الكتاب الثاني من قانون المسطرة الجنائية متعلقا بالحكم بالمخالفات .
ولكن الصيغات العامة المستعملة من طرف المشرع تدل على ان لها مفعولا عاما وانها تطبق في موضوع التحقيق الإعدادي .

ونذكر ان هذه القواعد تتضمن :
1 - تلقي شهادة الوزير الاول واعضاء الحكومة ( الفصل 320 من ق.م.ج ) .
2 - تلقي شهادة الديبلوماسيين الاجانب ( الفصل 321 ) .
عند لزوم استماع شهادة احد اصحاب السلطة المذكورة، يقتضي ان يوجه بذلك طلب بطريق التدرج إلى وزير العدل .
اما الاستماع إلى موظفي السلطة فهو خاضع إلى التعليمات الواردة في المنشور رقم 162 الصادر في 8 مايو 1962، والمنشور رقم 494 بتاريخ 16 رمضان 1397 (1 شتنبر 1977 ) كما يقتضي من جهة ثانية تطبيق القواعد المنصوص عليها في الفصل 325 من ق.م.ج المتعلقة بعدم إمكانية الاستماع إلى المدافع عن المتهم حول ما علمه بهذه الصفة وإلى رجال الدين حول ما اسر لهم به ضمن مهمتهم .
اما ما عداهم من الاشخاص المقيدين بالسر المهني ، فيمكن الاستماع إليهم في دائرة الشروط والحدود المرسومة في هذا القانون .
أما بشأن يمين المترجمين، فإن الفصل 114 من ق.م.ج قد الغي بمقتضى ظهير 30/03/1960 ولا يجوز لكاتب الضبط او قاض التحقيق ولا الشهود ان يقوموا بالترجمة .
وأخيرا فان وسيلة الإجبار بالنسبة للشاهد المنصوص عليها في الفصل 121 من ق.م.ج ليست امرا بالاستقدام، فهي لا تفضي إلى وضع الشاهد في السجن .

*اللجوء لانتداب الخبراء :
تناول المشرع في الفرع التاسع من الباب الاول من الجزء الثالث من ق.م.ج المتعلق بالتحقيق الاعدادي اعمال اهل الخبرة : ( من الفصل 171 إلى الفصل 189 ) .
إن غاية قاضي التحقيق هي الوصول إلى الحقيقة باية طريقة مشروعة يراها كفيلة بتحقيق ذلك، ولعل من بين اهمها الخبرة الفنية التي ترجع فيها لذوي الاختصاص من خبراء تقنيين عموما واطباء، ذلك ان غموض أسرار بعض الوقائع التي يحقق فيها قد لا يستطيع بسبب تكوينه القانوني والاجتماعي وحده فك رموزها، لذلك كان لزاما ان يؤتى هذه الإمكانية ويستفيد منها .
وانه يجوز لقاضي التحقيق ان يامر إما تلقائيا، وإما بناء على طلب أحد الاطراف بإجراء خبرة ترمي إلى تنويره في المسائل الفنية وله ان يعين في ذلك السبيل خبيرا او عدة خبراء ، ومن الضروري بسبب ما تستلزمه الخبرة من نفقات وما تستهلكه من فترات زمنية، أن لا يامر القاضي بالخبرة إلا إذا كانت المسألة الموجبة لها مستعصية الحل عليه، وكان لا يغني عنها تدقيق الوثائق وإجراءات المقابلات .
وتجدر الإشارة إلى أن الفصول 172 و 173 و174 قد الغيت بالظهير المؤرخ في : 30 مارس 1960 الذي عدل في الوقت ذاته الفقرة الاولى من الفصل 178 والفقرة الثانية من الفصل 181 من ق.م.ج.
وليس القاضي ملزما بان يستجيب لطلب اجراء الخبرة، ولكن يتوجب عليه في حالة رفضه لها ان يعلل قراره القابل للاستئناف من طرف صاحب الطلب .

واما تعيين الخبراء المحلفين فيتم مبدئيا عن طريق انتقائهم من الجدول الذي تنظمه سنويا اللجنة المختصة التي يترأسها السيد وزير العدل، وإذا لم يكن الخبير مسجلا في الجدول، فإنه يتعين عليه ان يؤدي اليمين القانونية المنصوص عليها في الفقرة الثانية من الفصل 181 من ق.م.ج المعدل بظهير 30 مارس 1960 .
ويتعين على قاضي التحقيق في حالة تعيين احد الخبراء ، ان يحدد المهمة المكلف بها بدقة ، ومراقبة سير اعمال الخبرة وتطور مراحلها والتنقل لعين المكان، والتفتيش والحجز .

* التنقــل :
يجب التفريق بين تنقل قاضي التحقيق في حالة الجريمة المتلبس بها وبين تنقله الجاري أثناء التحقيق .
ففي الحالة الاولى : يتصرف القاضي بصفته ضابطا للشرطة القضائية بدون ان يكون قد تم فتح بحث في القضية .
اما في الحالة الثانية : فإنه يتصرف بصفته قاضيا للتحقيق .
إن لهذا الموضوع اهمية خاصة، ذلك انه طالما لم يتسلم حسب الاصول ملتمسا في الدعوى العمومية، فإنه وهو الموكول إليه إدارة العمليات ليس له من سلطات سوى تلك العائدة للنيابة العامة ولضباط الشرطة القضائية حسب الفصل 58 وما يليه .
فهو لا يملك مثلا ان يصدر امرا بالإيداع في السجن او إلقاء القبض، او ان يقوم بإجراء تفتيش في الليل كما خولته ذلك، بصفته قاضيا محققا، أحكام الفصل 103 ( الفقرة الثانية ) .
ومن جهة اخرى يتوجب على قاضي التحقيق في مختلف الحالات ان ينظم محضر تنقل، ولهذه الوثيقة أهمية حاسمة إذ يرد فيها تلقائيا بعض التصريحات الممضاة على الفور، والتي يمكن استعادة حقيقة مدلولها أثناء مراحل التحقيق فيما بعد ، ويقتضي ان تعطى صياغة تلك الوثيقة عناية دقيقة تجنبا من اخطاء قد تسبب البطلان ويجب أن تختم وتؤرخ من قاضي التحقيق وكاتب الضبط، وكذلك ممثل النيابة العامة إذا كان حاضرا طالما ان قاضي التحقيق يملك حق التنقل إلى ضمن الدائرة المجاورة لدائرته ( الفصل 101 ) فيبدو جليا بالرغم من سكوت النص أن ممثل النيابة العامة في دائرة القاضي يملك نفس الإمكانية .

* التفتيـش :
وتجدر الملاحظة أن لكلمتي : " التفتيش " و" التحري المنزلي " مدلولا واحدا .
وفيما يتعلق بالمعاملات الواجبة الاتباع، فإن الفصلين 103 و104 يميزان التفتيش الجاري في مسكن المتهم عن التفتيش الجاري لدى شخص آخر، مع الإشارة إلى ان التفتيش الليلي لم ينص عليه إلا بشأن مسكن المتهم .

ومن جهة اخرى فقد نصت الفقرة الثالثة من الفصل 104 على أنه في حالة إجراء التفتيش بأماكن يشغلها شخص ملتزم بسرية المهنة، يجب على قاضي التحقيق ان يتخذ سلفا جميع التدابير لضمان صيانة تلك السرية .

والافضل في هذه الحالة ان يتولى قاضي التحقيق بنفسه تلك المهمة او ان يعهد بها لاحد القضاة ، ولا بأس عن التذكير هنا بان التفتيش في مكتب المحامي لا يمكن إجراؤه إلا بحضور نقيب هيئة المحامين او احد اعضائها المنتدب من طرف النقيب .
والقصد من هذا القيد هو ضرورة تجنيب السلطة القضائية الاطلاع من خلال التفتيش على وثائق سرية مودعة من طرف المتهم لدى محاميه او هي مستقلة عن موضوع التحقيق الجاري .

اما بالنسبة للاطباء فللمسألة وجوه اخرى :
إذا كانت الإجراءات تستهدف الطبيب بالذات لجريمة منسوبة إليه ( إجهاض - او تسبيب قتل، او بيانات كاذبة، او احتيال ) فمن البداهة ان لا يستطيع الطبيب معارضة تفتيش منزله متذرعا بالحفاظ على سرية المهنة .
على ان للامر دقة خاصة إذا كان التفتيش جاريا لدى طبيب بمناسبة متابعة موجهة ضد احد زبنائه، ففي هذه الحالة لا شأن للقضاء بالمعلومات العائدة لزبناء آخرين .

إلا انه يصعب التسليم بإعفاء طائفة من الاشخاص المقيدين بسر المهنة من الالتزام بمفعول القانون، لذلك فإذا فرضنا انه صدف للقاضي او بصورة استثنائية لضابط الشرطة القضائية ان اطلع اثناء التفتيش على وثائق سرية مجردة عن أية صلة بالجريمة التي جرى التفتيش من اجلها فإن ذلك الاطلاع يبقى بدون اية عاقبة او نتيجة طالما أن القاضي نفسه ملتزم هو بدوره بسرية المهنة وفيما يتعلق بالتفتيش المزمع إجراؤه في مؤسسة عسكرية، لقد نص الفصل 41 من قانون القضاء العسكري على وجوب توجيه طلب بشأنه إلى السلطة العسكرية الملزمة بالموافقة عليه .

واخيرا، إذا اوجب الحال الحصول على وثائق محررة لدى دائرة رسمية كالخزينة العامة مثلا، فيقتضي توجيه طلب بهذا الخصوص إلى السلطة المختصة، ولا يمكن لقاضي التحقيق بكل حال إجراء تفتيش في تلك الدائرة إلا إذا تبين له ان ذلك ضروري ولا بد منه ولا مفر عنه وتجدر الإشارة إلى أن الإجراءات الشكلية القانونية ليست مراعاتها ضرورية إلا إذا اعترض الشخص محل التفتيش المنزلي وإلا فيجب في هذه الحالة تضمين محضر التفتيش .

عقوبات مخالفة للقانون .
علاوة على البطلان الذي يصيب إجراء التفتيش وكذا ما ولاه من إجراءات إذا قررت الغرفة الجنحية لمحكمة الاستئناف ذلك، فإن التفتيش خارج الساعات القانونية قابل في حالة التدليس ان يشكل انتهاكا للمسكن وسببا لدعوى مخاصمة القضاء .

* الحجــز :
الحجز هو كالتفتيش من جملة إجراءات التحقيق التي لا يمكن القيام بها، فيما عدا حالة التلبس، إلا من طرف قاضي التحقيق او بناء على امر منه .

ولقد عين الفصل 105 وما يليه القواعد الواجبة الإتباع بشأن الحجز وإعادة المحجوز، وتكاد تلك القواعد ان لا تستدعي تعليقا سوي التذكير بضرورة دقة مراعاتها .

والجدير بالملاحظة ان الفصل 105 يفرض على القاضي او على ضابط الشرطة القضائية المكلف من طرفه، أن يطلعا على الوثائق قبل إجراء الحجز إلا في حالتي المس بسلامة الدولة الداخلية او سلامتها الخارجية، وهذا يعني ان القاضي يستطيع في الحالة الاولى الإستعانة بأشخاص لتعداد الوثائق المكتشفة ذلك ان حالة المس بالسلامة الخارجية داخلة حصرا في اختصاص القضاء العسكري .
ونضيف اخيرا ان الاحتفاظ بمستندات الادلة هو موضوع المنشورين رقم 151 في 13 نونبر 1961 ورقم 386 في 17 يوليوز 1967 .

* إصدار الإنابات القضائية :
يعلق المشرع اهمية كبرى على ان يقوم قاضي التحقيق بنفسه بكافة اعمال التحقيق العائدة إليه، وعلى ذلك نص الفصل 87 على أنه لا يستطيع تكليف ضباط الشرطة القضائية إلا في ظرف يستحيل عليه فيه إجراء التحقيق هو بالذات، كما هو الحال عند ضرورة انصرافه لمهام المراقبة والتحري او عندما تحتاج بعض العمليات لوسائل مادية مفقودة لديه .
وتجدر الإشارة إلى أن للقاضي ملء الخيار فيمن ينتقيه من ضباط الشرطة القضائية الذين يعينهم، على أن يراعي في هذا الموضوع قاعدة الاختصاص المكاني .

لقد فرضت احكام الفصلين 166 و167 من ق.م.ج إجراءات الغاية منها صيانة حرية المواطنين، فيقضي التقيد بها بكل عناية نظرا للخطورة التي تكتنف انتقال السلطة للغير في الإنابة القضائية .

عندما يتلقى قاضي التحقيق إنابة قضائية من طرف احد زملائه، يجب ان لايقوم تلقائيا بإنابة ضابط شرطة قضائية عنه في تلك المهمة، بل عليه ان يتفحص وفق الفصل 87 ما إذا كان يتعذر عليه تنفيذها بالذات ام لا ؟
هناك نقطة استفهام حول ما إذا كان يستطيع وهومناب في تلك الحالة إصدار اوامر ام لا ؟
يبدو انه يستطيع ذلك فيما يتعلق باوامر الاستقدام والحضور، لانه ليس لهذه الاوامر سوى الصفة الفرعية لتنفيذ العمل الاصلي الموكول إليه، على انه يمتنع عليه ذلك بالنسبة لاوامر الإيداع بالسجن وإلقاء القبض التي تعود لسلطة القاضي المنيب بالذات .
إن الفقرة الأخيرة من الفصل 166 حددت إجراءات التحقيق التي يمكن الإنابة فيها .

وليس الطابع الإجمالي للتكليف الوارد في الإنابة ممنوعا، كان يرد فيها عبارة :
" إجراء كافة العمليات المقتضية والكشوفات والتحريات في أي مكان عند اللزوم، وإجراء الحجوزات، والقيام بأي عمل يفضي إلى إظهار الحقيقة ."
بل الممنوع هو التكليف بتحريات عن جرائم غير مبينة او هي أصلا غير مرتكبة .

وبعبارة اخرى لا يمكن ان يؤمر في الإنابة سوى بإجراءات التحقيق الراجعة مباشرة إلى زجر مرتكب الجريمة المشار إليها في المتابعات .
على انه يمكن الامر بإجراء التفتيش في أي محل كان، بدون أن يتضمن تحديد امكنة التفتيش .
وفيما يتعلق بضباط الشرطة القضائية فليس ما يمنع ان ينيب ضابط ضابطا آخر تابعا لسلطته من اجل التنفيذ .
هذا مع الاشارة إلى انه ليس للضباط الاستماع إلى إفـادة الطرف المدني إلا بطلـب منه: ( الفصل 167 الفقرة 2 ) من ق.م.ج .
وسوف تتاح لنا الفرصة في معرض بحث حقوق الدفاع، لنبين انه يتوجب على قاضي التحقيق إذا ما توفرت لديه ادلة جديدة ان يتهم - دون أن يستطيع - تحت طائلة البطلان، الاستماع للشخص المدني بصفة شاهد .

لهذا فإن ضابط الشرطة القضائية، عندما تجتمع لديه أثناء قيامه بالإنابة القضائية الدلائل القوية الغالبة على الظن ضد شخص غير متهم، فلا يجب عليه ان يستمع لإفادته كشاهد، بل ان يرجع بشأنه لرأي قاضي التحقيق .

في الحالة التي يتمنع فيها الشاهد عن الحضور او عن اداء اليمين او عن الادلاء بشهادته امام القاضي او امام ضابط الشرطة القضائية المناب، فإنه يمكن بناء على طلب النيابة إجباره على ذلك، والحكم عليه بالغرامة من طرف القاضي المنيب وفق احكام الفصل 121 من ق.م.ج المعدل بظهير 18/09/62 .

* وفيما يتعلق بالوضع تحت الحراسة :
فقد أخذ الفصل 169 بالقواعد الواردة في الفصل 82 من ق.م.ج
وتجنبا للإبطاء تضمن الفصل 169 من ق.م.ج إمكان قاضي التحقيق تحديد مدة لتنفيذ الإنابة القضائية .
وإذا اقتضى إتمام تنفيذها وقتا واسعا تبعا لسعة المهام الموكولة فيها، فمن مصلحة قضاة التحقيق ان ترسل إليهم محاضر التنفيذ اتباعا بحيث يطلعون عن كتب على كافة مراحل ونتائج الإنابة القضائية .
ولقد منح الفصل 170 من ق.م.ج قاضي التحقيق تسهيلات عملية للحالات التي تقتضي الإنابة القضائية فيها أعمالا مستعجلة أو واجبة الإجراء بوقت واحد في امكنة متعددة فباستطاعته عند الضرورة القصوى ان يوجه الإنابة برقيا او هاتفيا، ويحسن في الحالة الأخيرة أن يعقب المخابرة التلفونية بتثبيت خطي ضمن أقصر مدة .

* الإنابات القضائية الموجهة للخارج :
تطبق احكام الفصول 758 إلى 760 من ق.م.ج مجردة عن كل اتفاقية دولية ونذكر بهذه المناسبة ان المغرب قد وقع معاهدات للتعاون القضائي المتبادل مع كل من فرنسا وبلجيكا وليبيا والجزائر وتونس والسنغال ....
ففيما يتعلق بالإنابات الواردة من الخارج فإنها تنفذ ضمن ذات الشروط العائدة للإنابات المحليــة .
ويجدر التذكير إلى انه عندما يتعلق الامر بالإتهام، لا يجوز في كلتي الحالتين للقاضي المناب ان يباشر الاتهام بل له ان يبلغ الشخص المعني أنه موضع اتهام امام القاضي المنيب .
ولا بأس من التذكير بأنه في جميع الحالات لا يمكن ان يصدر الاتهام أو استجواب المتهم إلا من طرف قاضي التحقيق : ( انظر المنشورين رقم : 211 المؤرخ في 29 يناير 1965 ورقم 314 المؤرخ في 8 يوليوز 1966 ) .

* إجـراءات المقابــلات :
إن الغرض من المقابلة هو بيان ما اختلف فيه الشهود من اقوال قصد تقييم شهادتهم ووضعها في الميزان لتكوين قناعة القاضي في الاخذ بمايراه موافقا للادلة التي بين يديه، وبالتالي عرض هذه الاقوال على المتهم ليقرها او يطعن فيها بما يراه من طعون .
والفصل 132 من ق.م.ج في فقرته الاولى نص على انه لا يجوز استنطاق المتهم والاستماع إلى المطالب بالحق المدني أو مقابلتهما إلا بمحضر محاميهما او استدعائهما بوجه قانوني اللهم إلا إذا تنازلا بوجه صريح عن حضور المحامي " .

* الاستنطاق التفصيلــي :
يمثل المتهم اما قاضي التحقيق بواسطة أمر بالإحضار من السجن إذا كان معتقلا احتياطيا، وإما بمقتضى امر بالحضور يوجه إليه، ويتم استنطاقه بمحضر دفاعه الذي يكون قد اختاره او الذي عينه قاضي التحقيق تلقائيا في إطار المساعدة القضائية، وذلك في الحالة التي يطلب فيها من قاضي التحقيق ان يعين له محاميا ونظرا لكثرة الاشغال المنوطة بالمحامين والتزاماتهم، فقد جرت العادة أن يكاتب قاضي التحقيق السيد نقيب هيئة المحامين ليعين محاميا يقوم بالدفاع عن المتهم وفي بعض الاحيان فإن المتهم يتنازل عن حقه في الدفاع صراحة، وفي هذه الحالة، فإنه يجب تسجيل ذلك في محضر الاستنطاق .
وقد نص على ذلك الفصل 132 من ق.م.ج ب : " انه لا يجوز استنطاق المتهم، والاستماع إلى المطالب بالحق المدني، او مقابلتهما إلا بمحضر محاميهما او أستدعائهما بوجه قانوني، اللهم إلا إذا تنازلا بوجه صريح عن حضور المحامي "

وفي هذه المرحلة من التحقيق الإعدادي، فإن قاضي التحقيق يذكر المتهم من جديد بالتهمة المنسوبة إليه، والأفضل ألا يتدخل القاضي إلا بعد أن يتوقف المتهم عن الكلام، وغالبا ما ينكر المتهم اعترافاته التمهيدية، وأحيانا تصريحاته خلال الاستنطاق الابتدائي فيجب تذكيره بذلك وبعدها تطرح عليه مجموعة من الأسئلة، وتعرض عليه وسائل الاقتناع التي استعملها في ارتكاب الجريمة او التي ضبطت بحوزته إن اقتضى الحال ذلك ويجب على قاضي التحقيق ألا يصرخ في وجه المتهم، أو يهينه او ينتزع منه اعترافا تحت التهديد او يتصيده بأسئلة ليوقعه في فخ يعتمده كأساس للمتابعة، او يجبره على الإجابة على سؤال رفض الإجابة عنه او يجبره على توقيع محضر الاستنطاق مع الإشهاد بذلك في محضر، ولا يجوز للدفاع ان يتدخل في الحوار الجاري بين قاضي التحقيق والمتهم، وكل سؤال من طرف الدفاع يجب ان يلقى على المتهم بواسطة القاضي ولكي يكون الحوار مثمرا وسليما يجب أن يحتفظ الدفاع بأسئلته التوضيحية والاستفسارية إلى حين انتهاء القاضي من بحثه مع المتهم، ومن حق القاضي ان يرفض الاسئلة التي تتضمن إيحاءات للمتهم، وغيرها من الأسئلة التي يرى انه لا صلة لها بالقضية المعروضة عليه، فإذا تمسك الدفاع بها وطالب بتسجيل هذا الرفض بالمحضر ، وجب على القاضي ان يأمر كاتب الضبط بتسجيلها .

وقد نص الفصل 133 من ق.م.ج على مايلي " " لايجوز لمحامي المتهم، ولا لمحامي المطالب بالحق المدني ان يتناولا الكلام موجهين اسئلة اثناء استنطاق المتهم، والاستماع إلى كلام المطالب بالحق المدني ما لم يأذن لهما في ذلك قاضي التحقيق وإن رفض الإذن لهما في الكلام، فيجب تضمين الاسئلة في المحضر او إلحاق نصها به ."

إن الغاية من التحقيق هي تقصي الوقائع وكشف الحقيقة، وأن شخصية المتهم لتلعب دورا أساسيا في هذا الاكتشاف، لذا اوجب القانون على قاضي التحقيق ان يتعرف على حياة الشخص الماثل أمامه، ووضعه الاجتماعي والمادي ، وسلوكه بين أفراد المجتمع، وسوابقه العدلية، وله ان يقوم بهذا البحث بنفسه او ينيب عنه من يقوم به، كما ان القانون اعطى لقاضي التحقيق إمكانية التعرف على الحالة النفسية للمتهم بواسطة طبيب مختص، فإن طالب المتهم بذلك او محاميه استجاب قاضي التحقيق لذلك بعد استشارة النيابة العامة، وإلا أصدر امرا معللا بالرفض، وحبذا لو يقوم قاضي التحقيق بالتعرف على الوضع الاجتماعي والمادي والسوابق العدلية للضحية، فقد يكون المتسبب في الجريمة هو المجني عليه نفسه .

ثالثا : الإجراءات التي يتخذها قاضي التحقيق ضد شخص المتهم :
خول القانون لقاضي التحقيق إصدار اوامر تمس شخص المتهمين بدرجات متفاوتة، والهدف من إقرارها يختلف بحسب ما إذا كان اللجوء إليها هو الوصول إلى استنطاق المتهم أو وضعه رهن إشارة قاضي التحقيق ، لحاجيات يقتضيها البحث وذلك باعتقاله احتياطيا لفترة قد تمتد لحين صدور حكم نهائي في القضية .
والاوامر التي يتخذها قاضي التحقيق تتنوع إلى خمسة وهي :
1 - الامر بالحضور : ( الفصل 137 من ق.م.ج )
2 - الامر بالاستقدام : ( ف 139 من ق.م.ج )
3 - الامر بالإيداع في السجن : ( ف 145 ق.م.ج )
4 - الامر بإلقاء القبض : ( ف 147 ق.م.ج )
5 - الامر بالاعتقال الاحتياطي : ( ف 152 وما يليه من ق.م.ج )

اولا : الامر بالحضور :
لقد نص الفصل 137 من ق.م.ج على مايلي :
" الامر بالحضور يقصد منه إخطار المتهم على المثول أمام القاضي في التاريخ والساعة المبينين في نص الامر .
ويبلغ الأمر على يد عون من مكتب التبليغات والتنفيذات أو على يد أحد ضباط الشرطة القضائية، أو احد اعوان القوة العمومية الذي يسلم نسخة منه للمتهم وقت تبليغه إياه " .
الفصل 138 : " يجب على قاضي التحقيق ان يستنطق حالا المتهم الذي مثل بين يديه بعدما صدر الامر بحضوره " .
وتجدر الملاحظة أن المبلغ لهذا الأمر، لا يجوز له له قانونا إجبار المبلغ له على الرضوخ، بحيث إن هو استجاب لهذا الامر ( الاستدعاء من تلقاء نفسه، وحضر، استنطقه قاضي التحقيق حالا، وإن هو امتنع كان له حق اللجوء لإصدار امر باستقدامه عن طريق القوة العمومية .

ثانيا : الامر بالاستقدام او بالإجضار :
لقد نص الفصل : 139 من ق.م.ج على ان الامر بالاستقدام هو الامر الذي يعطيه القاضي للقوة العمومية لتسوق المتهم امامه في الحين
ويبلغ هذا الأمر على يد احد الضباط، او احد اعوان الشرطة القضائية او على يد عون من القوة العمومية الذي يقدم الامر للمتهم ويسلم له نسخة منه .

وإن كان الشخص معتقلا لسبب آخر فإن تبليغ الامر يكون بواسطة المشرف رئيس السجن، وهو الذي يسلم له نسخة منه .
ويجوز في حالة الاستعجال استعمال جميع الوسائل لإذاعة الامر بالاستقدام، ويجب في هاته الحالة ان توضع بدقة جميع التضمينات الاساسية المبينة في الاصل، وخصوصا هوية المتهم، ونوع التهمة، واسم القاضي الصادر عنه الامر، والصفة التي يتسم بها، ويوجه في اقرب وقت ممكن أصل الامر إلى العون المكلف بالسهر على تنفيذه " .

وبعد تنفيذ الامر بالاستقدام، إن طوعا وإن كرها ومثول المتهم امام قاضي التحقيق، تعين على هذا الاخير استنطاقه في الحين .
لكن قد يتعذر الاسنطاق الفوري للمتهم من قبل قاضي التحقيق المصدر للامر لأسباب شتى، وفي هذه الحالة يسمح بسوق المتهم إلى السجن، شريطة ان لايتعدى فترة اعتقاله أكثر من 24 ساعة، بحيث إذا انتهت هذه المدة دون حصول استنطاق المتهم تعين على المشرف رئيس السجن تقديمه إلى السيد الوكيل العام للملك الذي يلتمس من قاضي التحقيق مصدر الامر استنطاقه وفي حالة غيابه يلتمس من أي قاض من قضاة المحكمة مباشرة استنطاق المتهم فورا وإلا أفرج عنه حالا إذا هو تعذر انجاز الاستنطاق عملا بالمقتضيات السابقة ( الفصل 140 من ق.م.ج).
ومن خلال ماتقدم يتضح بان الامر بالاستقدام اكثر صرامة من الامر بالحضور .

ثالثا : الامر بالإيداع في السجن :
نص الفصل 145 من ق.م.ج على ان الامر بالإيداع في السجن هو الامر الذي يصدره قاضي التحقيق إلى المشرف رئيس السجن كي يتسلم المتهم ويعتقله ويسمح هذا الأمر أيضا بالبحث عن المتهم، او بنقله إذا كان قد بلغه من قبل ذلك ويبلغ قاضي التحقيق إلى المتهم هذا الامر بالإيداع في السجن ويشير إليه في محضر الاستنطاق .

كما نص الفصل 146 من ق.م.ج على انه لايمكن لقاضي التحقيق إصدار امر بإيداع المتهم في السجن إلا بعد استنطاق والتاكد من ان المخالفة لها صفة جناية او جنحة يعاقب عليها بالحرمان من الحرية .

ويقوم العون المكلف بتنفيذ الامر بالسجن بتسليم المتهم إلى المشرف رئيس السجن الذي يدفع له شهادة الاعتراف بتسليم المتهم " .
وهكذا يبدو بان هذا التدبير يصدر عمليا ضد المتهم الحاضر أمام قاضي التحقيق امتثالا للامر الموجه إليه بالحضور او الإحضار، ( ولا مانع من توقيعه، ولو كان الحضور تلقائيا )،

كما قد يصدر بقصد البحث عن المتهم لإرجاعه إلى معتقله بعد فراره منه مثلا، او لنقله من السجن الذي سبق إيداعه فيه إلى سجن آخر، حيث يبدو في الحالتين الأخيرتين بان المتهم كان خاضعا فعلا لتنفيذ امر بإيداع سابق في السجن .

رابعا : الامر بإلقـاء القبـض :
نص الفصل 147 من ق.م.ج على مايلي :
" الامر بإلقاء القبض هو الامر الصادر للقوة العمومية بالبحث عن المتهم وسوقه إلى مؤسسة السجن المبينة في الامر حيث يتسلم ويعتقل فيها .

ويصدر هذا الامر بعد استشارة وكيل الدولة إذا كان المتهم في حالة فرار، او مقيما خارج تراب المملكة، وكانت للافعال الإجرامية صفة جناية او جنحة يعاقب عليها بالحرمان من الحرية .
ويبلغ الإعلام بالأمر وينفذ طبق الكيفيات المنصوص عليها في الفقرتين الثانية والثالثة من الفصل 139 .
ويمكن في حالة الاستعجال إذاعته حسب التعليمات المضمنة في الفقرة الرابعة من نفس الفصل " .

ويظهر من التعريف الآنف الذكر أن الامر بإلقاء القبض لا يختلف من حيث المحصلة فيه عن الامر بالإيداع في السجن إذ هما يتوخيان معا حبس المتهم عن طريق وضعه رهن الاعتقال الاحتياطي ولكن وجه الخلاف بينهما يتجلى في مسألتين :

الأولى : وهي ان الامر بالإيداع في السجن يصدر على المتهم الماثل امام قاضي التحقيق في حين ان الامر بإلقاء القبض يصدر ضد المتهم الذي يكون في حالة فرار، ولكونه مقيما خارج المغرب .

والثانية : وهي ان الامر بإلقاء القبض يستوجب استنطاق المتهم من قبل قاضي التحقيق بعد إلقاء القبض عليه ليقرر بعد ذلك إيداعه في السجن وذلك بوضعه رهن الاعتقال الاحتياطي في حين ان الامر بالإيداع في السجن لا يكون إلا بعد استنطاق المتهم مما يسمح بالقول على أن تنفيذ الأمر بالإيداع في السجن هو امر باعتقال المتهم احتياطيا .

وعلى أي حال فإن الاوامر الثلاثة ما قبل الاخير إذا كان متاحا إصدارها من قبل القاضي التحقيق، وبدون أية استشارة بصددها مع الوكيل العام للملك، فإن الامر بإلقاء القبض مشروط ابتداء باستشارة الوكيل العام للملك قبل اتخاذه، وزيادة على ذلك، فالملاحظ هو ان الاوامر بإلقاء القبض لا تصدر إلا ضد المتهمين الفارين او المقيمين خارج المغرب من جهة، وان يكونوا متهمين بارتكابهم لجنايات او جنح معاقبة بعقوبات سالبة للحرية دون غيرها من العقوبات المالية بلغت ما بلغت ( الفصل 147/2 ق.م.ج ) من جهة اخرى .

خامسا : الاعتقـال الاحتياطـي :
لقد نص الفصل 152 من ق.م.ج على ما يلي :
"الاعتقال الاحتياطي هو تدبير استثنائي ، فإذا أمر بإجرائه يجب أن تراعى فيه القواعد الآتية:

الفصل 153 ( ظهير 18/09/1962 ) : إذا كانت العقوبة القصوى المقررة في القانون تقل عن سنتين حبسا فإن المتهم المستوطن بالمغرب لا يمكن في القضايا الجنحية ان يعتقل أكثر من شهر بعد استنطاق الاول امام قاضي التحقيق، هذا إذا لم يكن قد صدر الحكم عليه إما من اجل جناية وإما من اجل جنحة عادية بسجن تزيد مدته على ثلاثة أشهر مع إيقاف التنفيذ " .

الفصل 154 ( ظهير 30/12/1991 ) :
" لا يمكن أن يتعدى أمد الاعتقال الاحتياطي شهرين، وإذا ظهرت عند انصرام هذا الاجل ضرورة استرسال الاعتقال الاحتياطي، جاز لقاضي التحقيق تمديد فترة الاعتقال بمقتضى امر قضائي معلل تعليلا خاصا يصدره بناء على طلبات الوكيل العام للملك المدعمة بأسباب، ولا يمكن ان تكون التمديدات إلا في حدود خمس مرات ولنفس المدة .

إذا لم يتخذ قاضي التحقيق قرارا بإحالة المتهم إلى غرفة الجنايات أثناء هذه المدة، اطلق سراحه بقوة القانون، واستمر التحقيق ."
هذا وتجدر الإشارة إلى ان قاضي التحقيق يجوز له في جميع القضايا ان يامر تلقائيا بعد استشارة وكيل الدولة بالإفراج المؤقت، إذا كان هذا الإفراج غير مقرر بموجب القانون ويشترط ان يتعهد المتهم بحضوره في جميع إجراءات الدعوى كلما دعي لذلك، وبإخباره قاضي التحقيق بجميع تنقلاته، ومن الجائز ان يتوقف الإفراج المؤقت على وجوب الالتزام بتقديم كفالة ويسوغ لوكيل الدولة ايضا ان يلتمس في كل وقت وحين الإفراج المؤقت وعلى قاضي التحقيق ان يبت في ذلك خلال اجل خمسة أيام من تاريخ الالتماسات : ( الفصل 155 من.ق.م.ج ) كما يجوز للمتهم او لمحاميه ان يطلب الإفراج المؤقت في كل وقت وآن من قاضي التحقيق وعلى هذا الاخير توجيه الملف حالا إلى الوكيل العام للملك قصد اتخاذ قراراته ويشعر بذلك في نفس الوقت في رسالـة بريدية مضمونة الوصول المطالب بالحق المدني كي يمكنه الادلاء بملاحظاته ويجب على قاضي التحقيق ان يبت في طلب الإفراج المؤقت بموجب أمر قضائي معلل بأسباب يصدره خلال خمسة أيام على اكثر تقدير من يوم توجيه الملف إلى الوكيل العام للملك : ( الفصل 156 من ق.م.ج ) .

هذا و تجدر الإشارة إلى ان قاضي التحقيق يمكنه ان يتخذ عدة اوامر اخرى وهي الامر بإجراء تحقيق والامر بعدم إجراء تحقيق والامر بالتوسع في البحث، والامر بعدم التوسع في البحث.

الفصل الثاني : الاوامر القضائية بشأن انتهاء التحقيق والمراقبــة الــواردة عليـــه وبطـلان اجـراءات التحقيــق .

المبحث الاول : الاوامر القضائية بشان انتهاء التحقيق
إن الغاية من التحقيق الإعدادي كما سبقت الإشارة إلى ذلك، هي قيام القاضي المحقق بكل الأبحاث، واستنفاذ كل الاجراءات التي يراها مفيدة في سبيل إظهار الحقيقة ليتخذ على ضوء ذلك القرار المناسب إن لجهة الإحالة على المحكمة المختصة إذا ظهر له بان الادلة التي تجمعت لديه تسمح باتخاذ هذا القرار، او الامر بعدم المتابعة إذا ظهر له بان ما توصل إليه من خلال تحرياته وابحاثه، وعموما من تحقيقاته لايسمح بذلك .

إلا ان قاضي التحقيق عليه قبل اتخاذه لاي قرار مما سبق، إخطار النيابة العامة بانتهاء مرحلة التحقيق الإعدادي حتى تتمكن من تقديم ملتمساتها النهائية في شان التحقيق : ( المطلب الاول )، وبعدما يصدر قاضي التحقيق الاوامر التي يخولها إياه القانون ( المطلب الثاني ) وجب عليه احترام بعض الشكليات في تبليغها ( المطلب الثالث ) .

المطلب الاول : وجوب اشعار النيابة العامة بانتهاء تحقيق واطلاعها على الملف .
ينص الفصل 195 من ق م ج على مايلي :
" بمجرد مايعتبر قاضي التحقيق ان البحث قد انتهى ،يوجه الملف الى وكيل الدولة (الوكيل العام للملك حاليا ) بعدما يقوم بترقيم أوراقه كاتب الضبط، ويجب على وكيل الدولة ان يوجه إلى القاضي التماساته خلال ثمانية ايام على الاكثر " .

فهذا النص يعالج شكل العلاقة التي ينبغي ان تكون بين مؤسسة النيابة العامة وقاضي التحقيق من حيث تمكين هذا الاخير للوكيل العام للملك من إبداء وجهة نظره خلال أجل محدد قبل إصداره لقراره إما بالإحالة على المحكمة المختصة او بعدم المتابعة، وذلك بوضع الملف كاملا رهن إشارته لدراسته دراسة معمقة والتي في ضوئها يمكن للوكيل العام للملك إما ان يلجأ إلى التماسات إضافية يطلب بواسطتها من قاضي التحقيق القيام بأبحاث يرى جدواها في سبيل إظهار الحقيقة وذات أثر عموما على مسيرة البحث اما إن وجدت النيابة العامة بان التحقيق قد استوفى أغراضه، وبأن لافائدة من الاستمرار فيه، فإنها توجه الملف لقاضي التحقيق مع ملتمسها النهائي في خصوص القضية والذي يلخص وجهة نظرها بدورها في مسألة إحالة القضية على المحكمة او عدم المتابعة، والتي من الممكن أن تاتي مطابقة لما انتهى إليه قاض التحقيق في صددها او مخالفة له .

والملاحظ ان قاضي التحقيق ملزم قانونا باحترام الشكليات المنصوص عليها في الفصل : 195 من ق.م.ج بإطلاع النيابة العامة على انتهاء التحقيق قبل إصداره لامره وذلك تحت طائلة البطلان اما وجهة النظر التي تبديها النيابة العامة في خصوص الإحالة على المحكمة او عدم المتابعة، فهي لا تلزم قاضي التحقيق الذي يصدر اوامره عقب انتهاء التحقيق وفقا للقناعة التي كونها من خلال البحث الذي اجـراه، والإجراءات التي استنفـذها من دون فـرض رأي أي طرف كان - وخصوصا النيابة العامة - عليه .

المطلب الثاني : انواع الاوامر التي يصدرها قاضي التحقيق بمناسبة انتهاء التحقيق

إن الفائدة المرجوة من التحقيق الإعدادي الذي يكلف به قاضي التحقيق هي تقدير مدى إمكانية إسناد تهمة من التهم إلى المتابع بها من عدمه، وذلك من خلال تمحيصه لمختلف الأدلة المقدمة ضده أو التي وقع التوصل إليها عند القيام بإجراءات التحقيق الإعدادي .
وطبيعي أن قاضي التحقيق لابد له أن يصل، بعد تقديره للأدلة المتوفرة في النازلة وتمحيصها، إما إلى ترجيح جانب إدانة المتهم ومؤاخذته حيث يصدر، والحالة هذه امرا بإحالة المتهم على المحكمة المختصة لتقول كلمتها في القضية، وإما ان يظهر لديه بان لا جدوى من إحالة المتهم على المحكمة، فيصدر امرا بعدم متابعته .

أولا - الأمر بإحالة المتهم على المحكمة المختصة :
بعد إنجاز قاضي التحقيق لمسطرة إطلاع النيابة العامة على انتهاء التحقيق، وتلقي ملتمساتها النهائية بشأنه، قد يظهر له بان هنالك دلائل يحتمل معها إدانة المتهم، فإنه يصدر امره باحالة القضية على المحكمة المختصة : ( إذا كانت الأفعال تشكل جناية او جناية مرتبطة بجنحة، فإن قاضي التحقيق يحيل القضية بأمر على غرفة الجنايات بمحكمة الاستئناف التابع لها طبقا لمقتضيات الفقرة الخامسة من الفصل 7 من ظهير الاجراءات الانتقالية وكذا الفصل 13 من نفس الظهير .

إذا كانت الافعال تشكل جنحة فإنه يامر بإحالة القضية على المحكمة الابتدائية المختصة (ف 8 من ظهير الاجراءات الانتقالية ) أو محكمة الجماعة او المقاطعة إذا كان الامر يتعلق بمخالفة تدخل في اختصاصها، وإما على الغرفة الجنحية بمحكمة الاستئناف في حدود ما تختص في نظره من جرائم طبقا لقواعد الامتياز القضائي عملا بمقتضيات الفصل 268 و269 من ق.م.ج، والفقرة 6 من الفصل 7 من ظهير الإجراءات الانتقالية ويبقى للمحكمة التي تجري التحقيق النهائي في القضية الكلمة الفصل في تأكيد التهمة وإصدار حكم بالإدانة، او اعتبار المتهم بريئا لعدم اقتناعها بالأدلة المعروضة عليها .

وليس في تقرير هذه النتيجة أي مساس بمصداقية قرار قاضي التحقيق الذي احال على المحكمة نازلة يرى الأدلة فيها كافية تغلب معها الإدانة، مادام مسلما به ان الفصل في موضوع الدعوى العمومية بالإدانة أو البراءة لايرجع إلى قاضي التحقيق ، وإنما هو من صلاحيات قضاء الحكم الذي تحكم أعماله مسطرة تتميز بالعلنية والحضورية والشفوية خلاف المسطرة السائدة في التحقيق التي يسيطر عليها التدوين والسرية وعدم الحضورية مما يستتبع بان الحقيقة قد لا تظهر عند إنجاز التحقيق الإعدادي بنفس الوضوح الذي تتبدى به عند التحقيق النهائي .

ثانيا - الأمر بعدم المتابعة :
لقد نص الفصل 196 من ق.م.ج على مايلي :
" إن رأى قاضي التحقيق ان الافعال ليست لها صفة جناية أو جنحة او مخالفة، او انه ليست هناك دلائل كافية ضد المتهم أو أن المجرم ظل مجهولا، فيصدر أمرا بعدم المتابعة، ويفرج عن المتهمين المعتقلين احتياطيا، وفي نفس الوقت يبت في شان رد الاشياء المحجوزة إلى أربابها ثم يصفي حساب المصاريف، ويحكم بها على المطالب بالحق المدني إن كان هناك مطالب، غير أن المطالب بالحق المدني عن حسن نية، يمكن إعفاؤه من المصاريف كلها او بعضها بمقتضى مقرر خصوصي معلل بأسباب ."

وهكذا فإن الامر بعدم المتابعة : ( الكلي او الجزئي ف 201 من ق.م.ج ) هو عبارة عن قرار بواسطته يقرر انعدام الفائدة من عرض النازلة على المحكمة اعتمادا على توافر احد الأسباب التي يمكن تقسيمها إلى طائفتين : الاولى منها تنعت بكونها أسباب قانونية : ( كان تكون الافعال رغم إسنادها إلى المتهم إلا انها لاتشكل لا جناية ولا جنحة ولا مخالفة ) او انعدام الركن القانوني لجريمة كاستفادة المتابع مثلا من أسباب تبرير الجريمة او من أسباب مانعة من تحريك الدعوى العمومية كتحقق واقعة التقادم عن الأفعال المتابع فيها او صدور عفو شامل بسببها، او إلغاء القانون الجنائي الذي كان يحكمها او موت المتهم بارتكابها، او عدم وجود نص صريح في القانون يعاقب عن محاولة جنحة من الجنح إلخ . . .

اما الثانية فإنها تشكل أسبابا واقعية : أي لاتؤسس على القانون مباشرة، وإنما على الواقع فقط، ويدخل في زمرتها عدم كفاية الادلة في النازلة والتي بمقتضاها ترجح إمكانية التبرئة على الإدانة كما تدخل تحت لوائها حالة بقاء فاعل الجريمة - رغم حصولها - مجهولا .
وتجدر الملاحظة إلى أن الاوامر الصادرة عن قاضي التحقيق بعدم المتابعة ، ولو أنها قابلة للاستئناف دوما أمام الغرفة الجنحية من قبل النيابة العامة، والمطالب بالحق المدني، فإن تلك المؤسسة منها على أسباب قانونية، فلا تسمح بإعادة التحقيق فيها من جديد خلافا للاوامر المبنية على أسباب واقعية التي لا تمنع من العودة إلى فتح التحقيق مرة اخرى عملا بمقتضيات الفصل 210 من ق.م.ج كلما ظهرت ادلة جديدة تسمح بذلك شريطة ان لا يكون قد ادلي بها أمام قاضي التحقيق من قبل .

المطلب الثالث : تبليغ أوامر قاضي التحقيق .
جاء في الفصل 202 من ق.م.ج ما يأتي :
" إن الاوامر التي تصدرها الهيئات القضائية تبلغ في الاربع والعشرين ساعة إلى كل من محامي المتهم و المطالب بالحق المدني بواسطة رسالة بريدية مضمونة الوصول .

ويحاط المتهم علما ضمن نفس الكيفيات والآجال بالأوامر القضائية الصادرة بانهاء البحث، كما يحاط المطالب بالحق المدني علما بالاوامر القضائية الصادرة بإحالة القضية او بإرسال الاوراق إلى النيابة العامة، وإن كان المتهم معتقلا فيخبره بذلك المشرف رئيس السجن .
( ظهير 18/09/1962 ) : أما الأوامر القضائية المنصوص عليها في الفصول 95 و154 و156 و171 و188 و206 و207 والتي يمكن للمتهم او المطالب بالحق المدني ان يستأنفها عملا بالفصلين 206 و207 فإنها تبلغ إليهما بطلب من وكيل الدولة : ( الوكيل العام للملك في ظرف الاربع والعشرين ياعة الموالية لصدورها .

ويحيط كاتب الضبط وكيل الدولة ( الوكيل العام للملك ) بكل أمر قضائي مخالف لملتمساته في يوم صدوره " .
وكما هو واضح من النص اعلاه فان التبليغ كشكلية مسطرية يهم جميع الاوامر التي يصدرها قاضي التحقيق باعتباره هيئة قضائية مكلفة بالتحقيق في كل أطوار مراحل التحقيق الإعدادي التي كلف بها ، بحيث تنسحب، والحالة هذه إلى الاوامر المنهية للتحقيق وغيرها من الاوامر التي قد تمهد لذلك، والتي على قاضي التحقيق إحاطة النيابة العامة، والمتهم، ومحاميه، والمطالب بالحق المدني، علما بصدورها من قبله في اجل معلوم ومحدد .

وبهذا الصدد يلاحظ بان المشرع في الفقرة الأخيرة من النص يحلل قاضي التحقيق من وجوب تبليغ - عن طريق كاتب الضبط - النيابة العامة بالاوامر المطابقة لملمتساتها، في حين أن المصلحة تقتضي ان يحاط علما بكل الاوامر التي يصدرها قاضي التحقيق حتى ما جاء منها موافقا لرغباتها باعتبارها طرفا ليس ككل الاطراف في الخصومة الجنائية يمكنها أن تغير رأيها في كل حين، وتلجأ إلى استئناف كل امر يصدره قاضي التحقيق، إن رأت النيابة العامة بان هذا الطريق يحقق مصلحة العدالة وهو ما لا يكون ممكنا إن هي لم تبلغ بسبب ان الامر قد ورد موافقا لطلبها والفصل 202 من ق.م.ج لا يلزم قاضي التحقيق بتبليغه إليها .

لذلك نجد قانون المسطرة الجنائية الجديد ينبد ما قررته الفقرة الأخيرة من الفصل (202 ق.م.ج ) ويقرر في الفصل 220 من قانون المسطرة الجنائية الجديد وجوب تبليغ النيابة العامة بكل امر قضائي يصدره قاضي التحقيق في نفس يوم صدوره سواء صدر موافقا لملتمساتها أم مخالفا لها .

المبحث الثاني : مراقبة التحقيق الإعدادي
التحقيق الإعدادي مرحلة قضائية - عكس البحث التمهيدي - لها اهمية قصوى على مسيرة القضية الجنائية لا تخفى، ومن الطبيعي ان يوجد المشرع من جهة، هيئة قضائية ينيط بها مهمة مراقبة عمليات التحقيق الإعدادي من بدايته لنهايته، وهذه الجهة هي الغرفة الجنحية بمحكمة الاستئناف ومن جهة أخرى ان يقرر الطرق القانونية التي يرى أنها كفيلة بتحقيق هذه المراقبة بكيفية مرضية .

اولا : الغرفة الجنحية بمحكمة الاستئناف المكلفة بمراقبة التحقيق الإعدادي .
لقد نص الفصل 10 من ظهير الاجراءات الانتقالية على ما يلي : " تحدث في مقار محاكم الاستئناف غرفة جنحية تتألف من رئيس ومستشارين .
تنظر هذه الغرفة تطبيقا للظهير المشار إليه في الفصل الاول في الاستئنافات المرفوعة ضد الاحكام الصادرة عن المحاكم الابتدائية في الجنح والمخالفات ، يعهد إليها ايضا بالاختصاصات المخولة سابقا لغرفة الاتهام بمقتضى الظهير المشار إليه مالم تكن منافية لمقتضيات هذا الظهير بمثابة قانون " .
وتجدر الإشارة إلى ان نصوص المسطرة ( الفصول 240 إلى 243 ق.م.ج ) تنيط سلطات خاصة برئيس غرفة الاتهام في مراقبة التحقيق الإعدادي لم يتعرض لها بالذكر ظهير الاجراءات الانتقالية لسنة 1974 .

ويهمنا من هذه الاختصاصات ما يدخل في نطاق التحقيق الإعدادي، ويتعلق الامر بالصلاحيات الآتية :
- مراقبة إجراءات التحقيق الاعدادي عن طريق تقرير بطلانها والتي تتخذها إما بناء على الفصل 171 من ق.م.ج او الفصل 227 من ق.م.ج .
- البت في الاستئنافات المرفوعة ضد اوامر قاضي التحقيق طبقا للفصل 7 من ظهير الإجراءات الانتقالية لسنة 1974 .
- إصدار القرارات بإعادة التحقيق بناء على ظهور أدلة جديدة شريطة ان تكون هي التي أصدرت القرار بعدم المتابعة ( الفصل 218 ق.م.ج ) .
- البت في استئناف النيابة العامة او المتهم لقرارات قاضي التحقيق العسكري في مجال السراح المؤقت ( الفصل 68 ق.ع.ع ) .
- البت في الطلبات المتعلقة بتنازع الاختصاص في كل حالة ينيطها المشرع بغرفة الاتهام عملا بالفصل 264 من ق.م.ج

ثانيا - الطرق القانونية المتاحة لمراقبة عمليات التحقيق الإعدادي :
- استئناف اوامر قاضي التحقيق :
إن استئناف اوامر قاضي التحقيق امام الغرفة الجنحية لمحكمة الاستئناف تملكه الاطراف الآتية :
- النيابة العامة .
- المتهم .
- المطالب بالحق المدني .

النيابة العامة
- نطـاق الاوامـر المخولـة للنيابـة العامـة استئنافهـا :
بإلقاء نظرة على الفصلين : 204 و205 من ق.م.ج يلاحظ ان المشرع قد خول النيابة العامة بكيفية مطلقة حق استئناف كل امر يصدره قاضي التحقيق حتى ذلك الذي يكون صدر موافقا لملتمساتها، غير انه في الواقع العملي، فإن النيابة العامة قلما تلتجئ إلى الطعن بالاستئناف في الاوامر الموافقة لملتمساتها .
ويلاحظ ان الفصل 176 من ق.م.ج يمنع استئناف الامر الصادر من قاضي التحقيق بإجراء الخبرة ، وهذا المنع يسري على الجميع بمن فيهم النيابة العامة .

وهو موقف مقبول من المشرع على اعتبار ان اللجوء إلى الاستعانة بالخبرة لإظهار الحقيقة لا ينبغي ان تفرض بصدده أية رقابة قضائية على قاضي التحقيق وإلا شلت كل مبادرة منه ترمي إلى تكوين قناعته في القضية التي يحقق فيها .
غير ان الامر برفض طلب إجراء الخبرة من طرف قاضي التحقيق فهو قابل للطعن فيه بالاستئناف .

* المتهـم :
أجاز القانون للمتهم استئناف الاوامر الصادرة عن قاضي التحقيق الضارة بمصالحه، وهذه الاوامر وقع تحديدها حصرا في الفقرتين الاولى والثانية من الفصل : 206 من ق.م.ج ويتعلق الامر بحسب الترتيب بالاوامر التالية :
1- الامر بقبول المتضرر طرفا مدنيا رغم معارضة المتهم في ذلك ( الفصل 206 فقرة 1 الذي يحيل على الفصل 95 من ق.م.ج .
2- الاوامر القاضية بتجديد فترة الاعتقال الاحتياطي ( الفصل 206 فقرة 1 الذي يحيل على الفصل 114 من ق.م.ج )
3- الاوامر برفض طلبات الإفراج المؤقت التي تكون قد قدمت لقاضي التحقيق : (الفصل 206 ويحيل على الفصل 156 من ق.م.ج ) .
4- الاوامر التي يرفض بمقتضاتها طلبات إجراء خبرة فنية ( الفصل 206 فقرة 1 الذي يحيل على الفصل 171 من ق.م.ج ) .
5- الاوامر الرافضة لإجراء خبرة تكميلية او خبرة مضادة ( الفصل 206 فقرة 1 الذي يحيل على الفصل 188 ق.م.ج .
6 - الاوامر الصادرة عن قاضي التحقيق والمتعلقة بالاختصاص : ( الفصل 206 فقرة 2 ق.م.ج )

* المطالب بالحق المدني :
يجوز للمطالب بالحق المدني ان يطعن بالاستئناف في أوامر قاضي التحقيق الآتية :
1 - الاوامر القضائية بعدم إجراء تحقيق بعد تقديم الشكاية المباشرة المرفوقة بالإدعاء المدني إليه : ( الفصل 207/1 ق.م.ج ) .
2 - الاوامر بعدم المتابعة ( الفصل 207/1 ق.م.ج )
3 - الاوامر التي يبت فيها قاضي التحقيق في شان اختصاصه إما تلقائيا وإما بناء على دفع احد المترافعين بعدم اختصاصه الفصل 207/1 ق.م.ج ) .
4 - الاوامر القضائية الضارة بمصالح المطالب بالحق المدني .

المبحث الثالث : بطلان إجراءات التحقيق الإعدادي :
إلى جانب الحق في استئناف الاوامر التي يصدرها قاضي التحقيق الذي خوله المشرع للاطراف من اجل الدفاع عن حقوقهم، فإنه اوجد مسطرة اخرى لا تقل اهمية عن الاولىالهدف منها تعزيز مراقبة شرعية الاوامر التي يتخذها قاضي التحقيق بمناسبة إجراءات التحقيق الإعدادي وتقوم على فسح الطريق لتقرير بطلان كل إجراء وقع خلافا للضمانات العديدة التي حصن بها القانون حقوق الاطراف - خصوصا في الدفاع خلال عملية التحقيق الإعدادي والغاية من كل ذلك هي تطهير المسطرة من كل تجاوز او إهمال او خرق او تعسف ...
ولا شك ان بطلان إجراءات التحقيق الإعدادي كجزاء على عدم احترام نصوص المسطرة الجنائية - والتي هي من النظام كما اشرنا لذلك - يشكل ضمانة ذات فعالية - قصوى في فرض تطبيق نصوص القانون بكيفية سليمة، واحترام حقوق الافراد في الدفاع بكيفية جدية أثناء عملية التحقيق الإعدادي، كما لا يشك احد في مدى ما تضفيه من مصداقية على مؤسسة التحقيق الإعدادي برمتها .
وبعد هذا التمهيد يتعين التعرض لأربع نقط على التوالي كما يأتي :

1 - حالات البطلان :
من خلال إلقاء نظرة عامة على النصوص الإجرائية التي لها علاقة بالموضوع يتضح بان حالات البطلان تصنف إلى نوعين :
النوع الاول : وهو الذي يحتوي أسباب للبطلان منصوصا عليها بكيفية محددة في الفصل 190 من ق.م.ج الذي جاء فيه " يجب مراعاة المقتضيات المقررة في الفصول 127 و128 و132 ويترتب على مخالفتها بطلان الإجراء نفسه، وكذا الإجراءات التي تأتي بعدها " .
والملاحظ أن أسباب البطلان التي اتى بها النص السابق والتي تنعت ب " حالات البطلان القانوني " او " أسباب البطلان القانوني " محددة على سبيل الحصر في النص، وتعود بالأساس إلى عدم احترام الضمانات التي قررها المشرع للمتهم او المطالب بالحق المدني خلال سير عملية التحقيق الإعدادي في الفصول 127 ( كعدم إحاطة قاضي التحقيق بوجه صريح علم المتهم بالأفعال المنسوبة إليه، او عدم إشعاره بان من حقه عدم الإدلاء بأي تصريح في المقابلة الاولى، وبعدم النص على هذا الإشعار في المحضر ) و128 ( لجوء قاضي التحقيق إلى الاستنطاق الفوري للمتهم، وعدم ذكر موجبات ذلك الاستعجال في المحضر ...) و132 ( استنطاق المتهم او الاستماع إلى المطالب بالحق المدني او مقابلتهما في غير حضور محاميهما او استدعائهما لذلك، بوجه قانوني، وخلو المحضر من تنازلهما الصريح عن ذلك ...)
والخلاصة أن احترام المقتضيات الواردة في الفصول 127 و128 و132 من طرف قاضي التحقيق واجبة تحت طائلة بطلان كل إجراء - وذلك الذي يليه - يتخذ خلافا لها .

النوع الثاني : ويضم أسباب البطلان غير المحددة بكيفية حصرية من قبل المشرع، وقد تعرض لهذا النوع الفصل 192 من ق.م.ج بالقول : " يترتب البطلان أيضا عن خرق المقتضيات الجوهرية الاخرى المقررة في هذا الجزء غير المقتضيات المنصوص عليها في الفصول 127 و128 و132 إذا ترتب عن خرقها المس بما لكل فريق في القضية من حق الدفاع " .

فهذا النوع من حالات البطلان كما يبدو يضم أسبابا، وإن كان القانون هو الذي يؤطرها فعلا ( الفصل 192 من ق.م.ج ) ، إلا ان القضاء هو الذي يعطيها الحركية ( ولذلك يسميها بعض الفقه أسباب البطلان القضائي ) بسبب انه هو الذي يتعرض لتطبيقاته المختلفة - غير المحددة بالنص - فيقرر بان إجراء ما جوهري وماس بحقوق الدفاع او العكس بان إجراء ما، وإن كان جوهريا، فإنه لايمس بحقوق الدفاع، ويعطي الفقه امثلة لاسباب البطلان المؤسسة على الفصل 192 من ق.م.ج بعدم احترام قاضي التحقيق لاختصاصه المكاني او عدم استنطاقه للمتهم اصلا خلال التحقيق الإعدادي او اتصاله بالتحقيق الإعدادي بملتمس بإجرائه غيرموقع عليه من قبل الوكيل العام للملك او من يمثله، او إصداره لإنابة قضائية عامة يكلف بها غيره - من قضاة او ضباط للشرطة القضائية - بإنجاز عمليات التحقيق برمتها .

2 - من يطلب البطلان ؟
يمكن القول بأن طلب تقرير بطلان إجراء من إجراءات التحقيق يمكن ان يصدر عن قاضي التحقيق أو النيابة العامة، وهكذا فقد خول القانون ( الفصل 191 فقرة 1 من ق.م.ج لقاضي التحقيق عندما يلاحظ ان إجراء من إجراءات التحقيق باطل ان يرفع امره إلى الغرفة الجنحية بقصد إلغائه، وذلك بعد استشارته للوكيل العام للملك وإعلامه كل من المتهم والمطالب بالحق المدني بذلك، وهكذا يظهر بان قاضي التحقيق لا يملك صلاحية إلغاء أي إجراء من الإجراءات التي يكون قد اتخذها ولو تاكد له فيما بعد بطلانها، وإنما الغرفة الجنحية هي التي تملك ذلك، ولكن ومع ما سبق يجب التنبيه إلى ان قاضي التحقيق قد لايلجأ إلى مسطرة طلب إعلان البطلان من الغرفة الجنحية وسواء اكتشف سبب البطلان بنفسه ام نبهه إليه المتهم او المطالب بالحق المدني إذا تنازل عنه من هو مقرر لمصلحته، شريطة ان يكون هذا التنازل صريحا وبحضور محاميه او بعد استدعائه قانونا ( الفصل 190 فقرة 2 ق.م.ج ) حيث تتطهر المسطرة حينئذ من عيب البطلان، وكما ان الفقرة الثانية من الفصل 191 ق.م.ج خولت - خلافا لباقي اطراف الدعوى - للوكيل العام للملك إذا ظهر له ان إجراء من إجراءات التحقيق باطل ان يطلب من قاضي التحقيق ملف الدعوى ليرسله إلى الغرفة الجنحية ( التي حلت محل غرفة الاتهام ) مرفوقا بمطلب يلتمس فيه منها إعلان بطلان الإجراء الذي انجز بكيفية معيبة .

3 - من يقرر البطلان ؟
إن الجهات التي تقرر بطلان إجراء التحقيق الإعدادي هي : الغرفة الجنحية بمحكمة الاستئناف، ومحكمة الحكم .
* الغرفة الجنحية بمحكمة الاستئناف التي حلت محل غرفة الاتهام السابقة عملا بمقتضيات الفصل 10 من ظهير الإجراءات الانتقالية لسنة 1974، وعليه فهذه الغرفة هي التي تعلن بطلان إجراءات التحقيق الإعدادي إما تلقائيا عملا بالفصل 227 من ق.م.ج الذي اناط بها السهر على صحة إجراءات عمليات التحقيق الإعدادي، وخولها تلقائيا حق تقرير بطلان كل إجراء من الإجرءات التي تراه معيبا، واما بناء على الفصل 191 من ق.م.ج الذي مكن كلا من قاضي التحقيق او الوكيل العام للملك كلما ظهر لهما بان إجراء من إجراءات التحقيق الإعدادي باطل برفعه إلى الغرفة الجنحية مشفوعا بالتماس بطلب إعلان بطلانه .

* محكمة الحكم : قاضي التحقيق، كما هو معلوم، عندما ينتهي من البحث قد يصدر اوامره بإحالة القضية على محكمة الحكم التي تكون إما الغرفة الجنائية وإما المحكمة الابتدائية ( اذا انتهى إلى ان الوقائع المحقق فيها تشكل جنحة او مخالفة من اختصاص المحكمة الابتدائية ) وإما محكمة المقاطعة او الجماعة إذا كانت المخالفة من اختصاص هذه الأخيرة ).

ولكن ما الحكم فيما لو ان المحكمة المحالة عليها القضية اكتشفت بان عيبا يشوب إجراءات التحقيق هل يجوز لها إعلان بطلان الإجراء المعيب ام لا ؟
يجيبنا على هذا التساؤل جزئيا الفصل 194 من ق.م.ج الذي ينص : " إذا كان الامر يتعلق بالنظر في جنح او مخالفات جاز للمحاكم المرفوعة إليها النازلة ان تصدر بعد الاستماع الى قول النيابة العامة والمترافعين حكما بإبطال الوثائق غير الصحيحة وان تقرر ما إذا كان يجب امتداد البطلان إلى الاجراءات الموالية لها كلا أو بعضا .
وإذا اقتصرت المحكمة على إلغاء بعض الوثائق فقط، فيجب أن تحذفها فعل
ا من اوراق المرافعات .
وإذا أدى بطلان الاجراء إلى بطلان الاجراءات التي تعقبه فتامر المحكمة بإجراء تحقيق إضافي ان امكن تدارك البطلان، او تكلف النيابة العامة عند الاقتضاء ان تلتمس الاجراءات التي ترتئيها، وعلاوة على ذلك فإن المحكمة تبت عند الاقتضاء في شان إبقاء المتهم معتقلا ام لا وللمترافعين ان يتنازلوا عن احتجاجهم ببطلان الإجراءات المقررة لصالحهم وحده .
ويجب ان يكون ذلك التنازل صريحا .

4 - آثار البطلان :
إن آثار البطلان في القانون المغربي تختلف بحسب فرضين :
* الفرض الاول :
وفيه يقع الإخلال بالمقتضيات المقررة في الفصول 127 و128 و132 وهي إجراءات أساسية تعرض النص لاثرها وحدده في بطلان الإجراء المعيب وكذا الإجراءات التي تليه وتأتي بعده ( الفصل 190 ق.م.ج ) .

* الفرض الثاني :
وفيه يقع الإخلال بإجراءات جوهرية من غير ما سبق والتي يترتب عن خرقها المساس بحقوق الدفاع وفي هذه الحالة خول المشرع للغرفة الجنحية ( الفصل 192 ق.م.ج )، او محكمة الحكم ( الفصل 194 م.ق.ج ) تقرير ما إذا كان البطلان يقتصر على الإجراء المقصود لذاته وحده او يشمل كل او بعض الإجراءات الموالية له .
وفي الحالتين معا تسحب من ملف التحقيق وثائق الاجراءات التي أبطلت وتودع مرتبة في كتابة الضبط لمحكمة الاستئناف، ويمنع الرجوع إلى ما فيها قصد توجيه اتهامات إلى المترافعين اثناء المرافعة وإلا فتتخذ عقوبات تاديبية في حق القضاة ويتابع المحامون أمام هيئتهم التأديبية ( الفصل 193 ق.م. ج ) .

الباب الثاني :
مستجدات قانون المسطرة الجنائية المتعلقة بالتحقيق الإعدادي

ورد في ديباجة القانون رقم 01/22 المتعلق بالمسطرة الجنائية انه اصبح الاقتناع راسخا بتغيير قانون المسطرة الجنائية الصادر بتاريخ : 10 فبراير 1959 منذ بداية السبعينات من القرن الماضي، وقد تدخل المشرع بمقتضى الظهير الشريف المتعلق بالإجراءات الانتقالية الصادر في 28 شتنبر 1974 ليدخل تعديلات مهمة على ذلك القانون وكرس في فصله الاول قناعته بتغيير قانون 1959 معتبرا ما تضمنه قانون الإجراءات الانتقالية مجرد تغييرات مرحلية يعمل بها إلى حين دخول " القانون الجديد للمسطرة الجنائية في حيز التطبيق "
وقد كشفت الممارسة اليومية عن وجود عدة ثغرات ومشاكل مرتبطة بالنصوص القانونية او بالواقع الاجتماعي ينبغي التصدي لها، و تقديم حلول واجوبة لما تطرحه من إشكاليات .

كما ان مصادقة المملكة المغربية على جملة من المواثيق والاتفاقيات الدولية، اصبحت تفرض تدخل المشرع من اجل ملاءمة قانونه مع التوجه العالمي، ويضاف إلى ذلك الطفرة الكبرى التي عرفها مجال حقوق الإنسان ببلادنا، والحرص على صيانة هذه الحقوق، وحماية الحريات الفردية والجماعية، وبناء دولة الحق والقانون .

وقد وجدت أسباب اخرى دعت إلى تعديل قانون المسطرة الجنائية والتعجيل بإخراجه على حيز التطبيق من بينها :
ان نظام العدالة الجنائية لم يعد مبعث ارتياح لدى مختلف الفعاليات المهتمة على كافة الاصعدة ، واصبح محل انتقاد من المهتمين والمتتبعين نتيجة بطء الاجراءات وعدم فعاليتها بسبب عدم جدوى الاساليب الإجرائية المقررة او عدم كفايتها، او لكون الأجال المسطرية طويلة او غير محددة بالمرة .
تصاعـد ظاهرة الجريمة، وظهور انواع جديدة من الجرائم مرتبط بالتقدم العلمي والتكنولوجي وبالظروف الاجتماعية والاقتصادية أبان عن قصور المسطرة الجنائية الحالية في مكافحتها .

تضخم عدد القضايا المعروضة على العدالة الجنائية بشكل بات معه البت في قدر هائل منها بواسطة تشكيلات القضاء الجماعي يؤدي إلى زيادة تراكمها رغم بساطة بعضها ، وعلى العموم فقد كان هاجس توفير ظروف المحاكمة العادلة وفقا للنمط المتعارف عليه عالميا واحترام حقوق الافراد وصون حرياتهم من جهة، والحفاظ على المصلحة العامة والنظام العام من جهة اخرى، عناصر اساسية شكلت نقطة مركزية أثناء إعادة النظر في قانون المسطرة الجنائية الصادر سنة 1959 والظهير الشريف المتعلق بالإجراءات الانتقالية الصادر سنة 1974 لجعلهما يواكبان ترسيخ بناء دولة الحق والقانون مع تلافي السلبيات التي افرزتها تجربة الاربعين سنة الأخيرة من الممارسة باستحضار تعاليم الدين الإسلامي الحنيف وقيم المجتمع المغربي مع الحفاظ على الأسس المستقرة في الثرات القضائي ودعم المكتسبات التي حققها التشريع الوطني في مجال حقوق الإنسان بمقتضى التعديلات التي ادخلت على قانون المسطرة الجنائية خلال التسعينات سواء فيما يتعلق بمدة الحراسة النظرية او توفير حق الدفاع للمتهمين أو إشعار عائلات المعتقلين بوضعهم تحت الحراسة النظرية، او حقهم في ان يعرضوا على طبيب لمعاينتهم بطلب منهم او إذا عاين القاضي ما يبرر ذلك ودعم المكتسبات على نحو يتماشى مع المفهوم الكوني لحقوق الإنسان في الوقت الراهن .
بالإضافة على ذلك، فقد كان من الضروري تبني المعايير الدولية للمحاكمة العادلة تشريعا"

وما يهمنا في هذا العرض، هو المستجدات القانونية التي اتى بها قانون المسطرة الجنائية الجديد في قضاء التحقيق حيث جاء هذا القانون بمقتضيات تخول للنيابة العامة وقاضي التحقيق وسائل جديدة للبحث عن ادلة لإثبات الجرائم وضبط مرتكبيها من اجل محاكمتهم من بينها :
أ - سحب جواز السفر وإغلاق الحدود :
بمقتضى المادة 182 من ق.م.ج الجديد فإنه إذا ظل المتهم في حالة سراح او إذا أفرج عنه إفراجا مؤقتا أو غبر مقرون بالوضع تحت المراقبة القضائية، فإن هيئة التحقيق او الحكم التي اتخذت القرار تبقى وحدها مختصة في تقرير إغلاق الحدود في حقه وسحب جواز السفر كما يجوز لهيئة التحقيق وهيئة الحكم إذا رأت ذلك ضروريا ان تعين له محل إقامة يحظر عليه الابتعاد عنه دون رخصة قبل اتخاذ امر بعدم المتابعة او صدور قرار اكتسب قوة الشيء المقضي به "

ب - التقاط المكالمات والاتصالات المنجزة بواسطة الاتصال عن بعد وتسجيلها وحجزها: ( المادة 108 من ق.م.ج الجديد ) .
ان هذه الإمكانية مخولة لقاضي التحقيق كلما اقتضتها ضرورة التحقيق ويمكن كذلك للوكيل العام إذا اقتضت ذلك ضرورة البحث ان يلتمس من الرئيس الاول لمحكمة الاستئناف الإذن له كتابة بالتقاط المكالمات وكافة الاتصال المرسلة بواسطة وسائل الاتصال المختلفة وتسجيلها ويتم ذلك تحت سلطته ومراقبته .

ونظرا لخطورة الإجراء فإن القانون اعتبره إجراءا اسثتنائيا ووضعه أساسا بيد قاضي التحقيق متى كانت القضية معروضة عليه واستثناء وإذا اقتضت ذلك ضرورة البحث في قضية غير معروضة على التحقيق يمكن للوكيل العام للملك ان يحصل على إذن من الرئيس الاول للقيام بهذا الإجراء في بعض الجرائم شديدة الخطورة على امن المواطن وسلامة الوطن وفي حالة الاستعجال القصوى يمكن للوكيل العام للملك بكيفية استثنائية إذا كانت ضرورة البحث تقتضي التعجيل خوفا من اندثار وسائل الإثبات، ان يبادر إلى القيام بذلك الإجراء وإشعار الرئيس الاول على الفور، والذي عليه ان يقرر بشان قرار الوكيل العام للملك خلال الاربع وعشرين ساعة،
وقد حدد القانون مدة وشكليات هذا الإجراء بكل دقة، واحاطه بقيود صارمة تكفل حماية حرمة الاشخاص وعدم استغلال هذه الإمكانية خلافا للقانون، وفرض عقوبات على مخالفتها : المواد من 108 إلى 116 ق.م.ج الجديد )

ج - ثنائية التحقيق : ( المواد من 52 إلى 55 و83 و87 و88 من ق.م.ج الجديد )
بالنظر إلى ان ظهير الاجراءات الانتقالية كان قد حول البت في الجنايات إلى محاكم الاستئناف ونقل قضاة التحقيق إلى هذه المحاكم ، فإن التحقيق في الجنح اصبح رهينا بوجود نص قانوني صريح يجيزه ، وهو ما جعل مجموعة من الجنح التي تكتسي اهمية بالغة كالجرائم الاقتصادية وتزوير الوثائق ، غير مشمولة بمسطرة التحقيق ، وهو ما قد لا يساعد على الكشف عن الحقيقة علما بان تقليص مدة الحراسة النظرية لدى الشرطة القضائية قد اثر بدوره على نتائج الابحاث في الحالات التي لم يكن ممكنا فيها الإفراج عن المشتبه فيهم .
وبالنظر إلى خطورة بعض الجنح والتي تصل عقوبتها القصوى إلى خمس سنوات او اكثر .

وبالنظر كذلك إلى ان مشروع القانون الجنائي المرتقب قد يتبنى عقوبات تتجاوز خمس سنوات لبعض الجنح ذات الخطورة .
فقد اتى القانون بمسطرة التحقيق الاختياري بالنسبة للجنح التي يجيز او يوجب نص خاص التحقيق فيها .
ولتحقيق هذه الغاية فقد تم إحداث مؤسسة قاضي التحقيق لدى المحكمة الابتدائية بالإضافة لاستمرار المؤسسة الموجودة لدى محاكم الاستئناف .

ونص المشرع على ذلك في المواد 52 إلى 55 و83 و87 و88 من قانون المسطرة الجنائية .

د - بدائل الاعتقال الاحتياطي : ( الوضع تحت المراقبة القضائية المواد 159 إلى 174 من ق.م.ج الجديد )
لا يتضمن قانون المسطرة الجنائية لسنة 1959 أي تدبير بديل للاعتقال الاحتياطي ذي بعد إنساني، ولا يوفر ذلك القانون لقاضي التحقيق إمكانيات بديلة مهمة وفعالة من شانها ضمان حضور المتهم لإجراءات التحقيق الجنائي في إطار المحاكمة العادلة وضمان حقوق الدفاع، ولذلك تم إحداث نظام الوضع تحت المراقبة القضائية ويتوخى القانون الجديد من إقرار هذه التدابير إيجاد آليات تكفل سير تطبيق الإجراءات القضائية دون اللجوء إلى تدبير الاعتقال الاحتياطي الذي أصبح منتقدا لعدة اعتبارات إنسانية واجتماعية ( المواد 159 إلى 174 من ق.م.ج ) .
وقد حدد المشرع شكليات الوضع تحت المراقبة القضائية وشروطه في تلك المواد .

* المراجع القانونية :
- ندوة قضاء التحقيق الإعدادي ( ندوة تدريبية بوزارة العدل ) .
- شرح قانون المسطرة الجنائية للاستاذ عبد الواحد العملي ( الجزء الثاني ) .
- قضاء التحقيق للاستاذ طارق السباعي (الجزء الاول) سنة 1982 و(الجزء الثاني) 1983.
- مجلة نشرة محكمة الاستئناف بمراكش العدد الاول يوليوز 2001 المتضمنة لندوة التحقيق الإعدادي .
- قانون المسطرة الجنائية الجديد .

5 التعليقات:

Anonymous said...

merci beaucoup très important

Anonymous said...

bon style et c'est très intéressant à lire...
Je vous remercie monsieur le juge.

Anonymous said...

Que votre âme repose en paix

Anonymous said...

hi think you very much but whay we can not print this article

Anonymous said...

Merci bien pour l'article

Post a Comment