بقلم الأستاذ محمد العربي المجبود
الرئيس الأول لمحكمة الاستئناف بمراكش
أن أحكام القانون الجنائي بخصوص الخيانة الزوجية تتطلب بعض الملاحظات ذات أهمية بمكان من شأنها أن تبرز غرابتها التي لها انعكاسات معقدة على الحقل التطبيقي والعملي.
فإذا كانت الدعوى العمومية تهدف كل شيء إلى زجر الإخلال بالنظام الاجتماعي وأنها بالتالي ترجع إلى المجتمع بواسطة النيابة العامة اللي تمثله وتسهر على مصالحه، فإن إقامتها في بعض الحالات من شأنها ان تلحق ضرا معنويا جسميا بالضحية نفسها ، لذا أراد المشرع أن يترك في هذه الحالات للمجني عليه وحده دون سواه حق المبادرة بتحريكها.
وعلى غرار معظم التشريعات العصرية فإن المشرع المغربي أراد في حالة الخيانة الزوجية لا تجري المتابعة إلا على أساس شكوى الزوج المهان اعتبارا منه أن تحريك الدعوى العمومية دون ارادة المجني عليه يؤدي حتما بعلنية المحاكمة أو حتى بسيرتها إلا فضح ما لحقه من عار وأساء بسمعة شرفه.
لكن المشع عندما وضع الفصلين 491 و 492 من القانون الجنائي لم يدرس جميع الاحتمالات التي قد تتقدم حين تطبيق هذبن الفصلين .
وبالفعل ان المقطع الأخير من الفصل 492 الذي يقتضي بأن تنازل المهان أو الزوجة المهانة لا يستفيد منه مشارك هذه الزوجة أو مشاركة هذا الزوج لا يؤدي الغاية التي توخاها من ورائه المشرع.
أجل أن هذا الأخير عندما قضى حسب الفصل 491 بأن المتابعة لا تجوز إلا بناء على شكوى الزوج المهان أو الزوجة المهانة أراد أن يبقى تحريك الدعوى العمومية بيد الزوج المهان الذي له الحق وحده في تقدير عواقب المتابعة وتبعات الفضيحة التي يكمن أن تنعكس على رفع الدعوى إلى القضاء وما ينشأ عن ذلك من أثار على توازن العائلة .
انه أراد أيضا أن يترك للزوج المهان المجال فسيحا في وضع حد المتابعة في أي طور من أطوارها وحتى لتنفيذ الحكم الذي صدر إذا صدر إذا كان غير قابل للطعن . وإرضاء لشعور الانتقام من جهة والحفاظ على العنصر الادبي للعقوبة من جهة أراد المشرع أيضا أن لا يستفيد المشارك في الجريمة من التنازل.
لكنه لم يراع إلا احتمال حالة واحدة وهي الخيانة الزوجية البسيطة أي تلك التي يكون فيها المارك غير متزوج أو إذا لم يقدم زوج المشارك شكوى أيضا بالخيانة الزوجية على نفس الفعل.
اما إذا كان من الرجل والمرأة اللذين ساهما في اقتراف الفعل الاجرامي متزوجا فإن تطبيق الفصل 491 لا يخلو من صعوبات فإذا قدمت زوجة الرجل شكاية ضد زوجها ومشاركته فإن هذه الأخيرة تصبح متورطة في المتابعة بالرغم من أن زوجها أصر على التمتع بالحق المخول له في عدم متابعة عقيلته بالامتناع عن تقديم كوى ضدها والعكس بالعكس . فيصبح الفصلان المشار إليهما فارغين من محتواها بسبب أن المشرع لم يصب الهدف المقصود.
إن هذه الصعوبة ترتبط أيضا بتطبيق الفصل 492 بخصوص الفصل 492 بخصوص التنازل، فإذا كانت الحالة البسيطة لا تعارض إلا ثلاثة أطراف بقطع النظر تن النيابة العامة أي الزوج المهان الذي قدم الشكاية وزوجته والمشارك فإن الأطراف في الحالة الثانية يكونون أربعة : الزوجان المهانان اللذان رفعا الشكوى والمشاركان زوجاهما ، أو تنازل أحد الزوجين المهانين لا يجعل حدا للمتابعة بسبب أن المشارك لا يستفيد منه.
هب مثلا أن زوجة ارتكبت جريمة الخيانة الزوجية بمشاركة رجل متزوج ، وأن كلا من زوج المرأة وزوجة المشارك اشتكى لدى النيابة العامة.فكل من الرجل والمرأة اللذين استهلكا الفعل الإجرامي يعد في نفس الوقت جارما رئيسيا ومشاركا. فلنفرض أن المرأة تسمى (أ) والرجل (ب). أ (أ) مرتكبة رئيسية للجريمة بالنسبة لزوجها و (ب) مشارك لها. أما بالنسبة لزوجة (ب) فإن هذا الأخير هو الجارم الرئيسي و (أ) هي المشاركة . فإذا تنازل زوج (أ) عن شكايته بقيت الدعوى جارية ضد(ب)بوصفه جارما رئيسيا ما دامت زوجته ل تتنازل عن شكواها ، كما(أ) نفسها . بالرغم من تنازل زوجها متابعة ل (ب) .
ان هذا لغريب جدا ول يكن توقعه المشرع عندما وضع أحكام القانون الجنائي المتعلقة بالخيانة الزوجية.
وأن الحالة تتشعب أكثر إذا ما تنازل كل من الزوج المهان والزوجة المهانة عن شكواه، فإن كلا من 'أ) و(ب) يستفيد من التنازل بوصفه جارما رئيسيا لكن تبقى المتابعة جارية ضده بوصفه مشاركا ، فيختفي إذن الجارمان الرئيسيان ويبقى المشاركان في نفس الشخصين (أ) و(ب).
يبدو أذن تنازل الزوج والزوجة المهانين بدون فائدة مادامت المتابعة لم تسقط لصالح زوجيهما. وهذا من الغرابة بمكان .
أن المشرع أراد أن يساوي بين الرجل والمرأة وان يزجر المشارك في الخيانة الزوجية ولو بوقوف المتابعة ضد الجارم الرئيسي بطريقة تنازل الزوج المها لكنه لم يوفق على الإطلاق .
أما بخصوص عدم استفادة المشارك بالتنازل فإنه في الحقيقة هو الذي يضع بين الناس إذ هو يؤدي إلى عقاب شخص واحد دون الأخر الذي ساهم في ارتكاب نفس الفعل الإجرامي والذي سيحمل العدلي سابقة سوف تمنعه من استعمال حقوقه الوطني بينما للآخر الحق في استعمالها كاملة ما لم تكن له سوابق من أجل أفعال أخرى.
أما القانون الفرنسي،علاوة على انهه جعل من زنا الزوج وزنا الزوجة جنحتين مختلفتين فإنه يزجر الثاني بعقوبة أشد ما الأول بسبب أن عواقبه أخطر نظرا لما يترتب عنه من فقدان الثقة في شرعية الأولاد. هذا ومن ناحية أخرى فإن التنازل عن الشكوى لا يصدر إلا من الزوج دون الزوجة ويستفيد منه المشارك . إن هذه الأحكام التشريعية تبعد كل الصعبات.
بجانب هذا فإن أحكام الفصل 491 لا تتلاءم مع الفصل 490 الناص على جنحة الفساد والمعقب عنها.
إن أحكام هذا الفصل لها طابع عام ولا يجوز تطبيقها طبعا على الرجل المتزوج والمرأة المتزوجة لأن في هذه الحالة ستكون أمام جنحة الخيانة الزوجية التي لها طابع خاص. والأحكام الخاصة لها امتياز على الأحكام العامة. فلا يطبق إذن الفصل 490إلا على الأشخاص الغير متزوجين أي العزاب والأرامل والذين انقصم زواجهم بالطلاق أو التطبيق أما المتزوجين فإن القانون خولهم حصانة متينة تجعلهم في مأمن من كل متابعة بالزنا وتترك لهم الحرية المطلقة في الميدان ما لم يقدم أزواجهم شكوى ضدهم .
فإذ كان المشرع يعتبر أن الخيانة الزوجية لا تلحق ضررا بالمجتمع بل بالزوج المهان فقط فإن العزاب أو الفساد لا يلحق إذن ضررا بأي أحد ويجب بالتالي حسب هذا المنطق عدم اعتباره جريمة وحذفه من القانون الجنائي.
المصدر
مجلة المحامى
0 التعليقات:
Post a Comment