الاستفزاز كعنصر ملزم لتخفيض العقوبة

الاستفزاز كعنصر ملزم لتخفيض العقوبة
للأستاذ محمد مبخوت
محكمة الاستئناف سطات
لقد تعرض القانون الجنائي المغربي للاعذار المخففة للعقوبة، في جرائم القتل العمد فذكر منها قتل الام لوليدها(الفصل 397 من ق ج)، والقتل الذي يقع ارتكابه " نتيجة استفزاز ناشئ عن اعتداء بالضرب اوالعنف الجسيم( الفصل 416 من ق ج)"، والقتل الذي يقع ارتكابه من طرف الفاعل ويقصد به دفع تسلق او كسر سور او حائط الى اخره ( الفصل417 من ق ج)، وقتل الزوج لزوجته وحدها او قتله لشريكها او قتلهما معا، في جريمة الخيانة الزوجية، حين يجد زوجته متلبسة بها مع رجل أجنبي ( الفصل 418 من ق ج ).

وبما ان عملية القتل، في هذه الاحوال، تكون ناتجة عن استفزاز القاتل نتيجة الحالةالنفسيةالتي يكون عليها وقت ارتكابه فعل القتل، فان القانون الجنائي في الحالات والفصول المشار اليها اعلاه، قرر توفر عذر مخفف للعقاب، وهذا يعني في نظرنا ان المحكمة تكون ملزمة بتمتيع المتهم بالعذر المخفف، واذا لم تمنحه له يكون عليها ان تعلل قرارها بعدم المنح، وهذا الشيء يصعب عليها متى أثبتت الوقائع، بمالا يدع مجالا للشك، ان العذرالمخفف للعقوبة متوفر في النازلة، وهذا بشكل خاص، لان المحكمة الجنائية ملزمة دائما بالتداول في شان ظروف التخفيف في الاحوال العادية، بنظرها الى كون الفاعل في مقتبل العمر وعدم سوابقه او بنظرها الى حالته الاجتماعية.

ولست هنا بصدد دراسة خاصة عن الاستفزاز، كما قد يتبادر الى الذهن من عنوان المقال، وانما اثارة حادثة وقع فيها اتهام شخص بقتل زوجته وبعض افرادعائلته وعشيق مزعوم للزوجة، بدعوى وجودها معه في حالة تلبس، ثم الحكم عليه بالاعدام ورفض المجلس الاعلى للنقض والابرام لطلب النقض .

والنازلة التي نريد الحديث عنها تسلسلت وقائعها ، من حيث وقوع فعل القتل الى البحث التمهيدي، الى التحقيق، الى القرار الجنائي القاضي بعقوبة الاعدام، الى قرار رفض طلب النقض الصادر عن المجلس الاعلى.
ونسوق هنا موجزا للحادثة ثم نعقب على ظروفها والتناقض الحاصل في وقائعها بالنسبة لرب الاسرة المحكوم عليه بالاعدام :
في يوم الجمعة 24/9/1982، حوالي الساعة الواحدة والنصف زوالا، وقعت مذبحة بشكل وحشي بمنزل المختار الكزولي، ذهب ضحيتها زوجته زينب وبنته امينة وولداه عبد الرحيم (4 سنوات) وعبد الحق ( 10 سنوات) وخادمه عزوز.

فلما عاد رب الاسرة من سوق الجمعة سيدي رحال حوالي الساعة الخامسة بعد الزوال، فوجئ بالمذبحة التي تعرضت لها اسرته فتوجه على متن دراجة نارية الى سوق الجمعة، لاشعار السلطة بالجريمة ثم حضرت الضابطة الدركية بقلعة السراغنة التي حررت محضرها عدد 403 بتاريخ الحادثة 24/9/1984، واستمعت فيه لرب العائلة ست مرات تمسك في اربع منها بما وقعت الاشارة اليه اعلاه، لكنه في المرتين الخامسة والسادسة سجل عليه اعتراف من طرف الدرك بقيامه بالمذبحة.

واوردت الضابطة الدركية انها، بعد استفسارها لعدد من السكان المجاورين لمكان الحادث، اتضح ان المختار تساوره شكوك حول علاقة مستخدمه عزوز بزوجته زينب، وانها بعد استيعابها لظروف الحادثة وكون بندقية الصيد المستعملة في تنفيذ الجريمة التي هي في ملك المتهم، ووجه بهذه الحقائق، صرح بالواقع وسجل عليه اعترافه بانه وجد عزوز مستغرقا في النوم بجانب زوجته وبجانبهما الابن الصغير والبنت امينة.

واستمر المحضر في سرد وقائع سنتعرض لها، من خلال النقد الذي سنوجهه للمحضر المذكور، لما شابه من تتناقض حول وقائعه.
واحيل رب الاسرة المتهم على السيد قاضي التحقيق بمحكمة الاستئناف بمراكش، حسب ملف التحقيق عدد 43/82 غ 1 الذي بعد انتهاء البحث احاله على الغرفة الجنائية ففتح له الملف عدد 171/84 م و139/84 ن ع .

وبعد مناقشة القضية والمرافعة فيها، اصدرت الغرفة الجنائية قرارها عدد 17 بتاريخ 18/1/85 القاضي :
1- حول الدفع الشكلي الرامي الى استدعاء الاطباء الذين اجروا التشريح الطبي لاستفسارهم حوله : الرفض لعدم الارتكاز على اساس ما.
2- مؤاخذة المتهم بجريمتي قتل الزوجة وشريكها عزوز اثناء مفاجأتهما متلبسين بالزنا، بعد تكييف الافعال لها وتطبيق مقتضيات الفصلين 418 و423 وجريمة القتل العمد بالنسبة لولديه عبد الرحيم وامينة مصحوبا بقتل ولده عبد الحق وينطبق عليها الفصل 392 والادانة الاشد الفصلان 120 و392 المقطع الثاني.
3- عدم تمتيع المتهم بظروف التخفيف .
4- الحكم عليه بالاعدام .
5- تحميله الصائر .
6- مصادرة المحجوزات المستعملة في الجريمة .
واشعر المتهم بحقه في الطعن في هذا الحكم، بطريقة النقض، في ظرف ثمانية ايام ابتداء من تاريخ صدوره".
ونسجل هنا احتواء المنطوق على مزيج بين الحكم وبعض علله.

وقد تضمن تعليل غرفة الجنايات لحكمها بالاعدام اعتراف المتهم للضابطة القضائية بانه نتيجة الشكوك حول خيانة زوجته له مع خادمه عزوز، رجع من السوق يوم الحادثة 24/9/82 خفية، بعدما طلب من الخادم الالتحاق به ولم يلتحق، ففاجأهما وبجانبهما بنته امينة فتسلل لغرفته الخاصة واخذ البندقية والرصاص، فاطلق رصاصة شفروتين على راس خادمه عزوز، ففزعت الزوجة والابن ثم اطلق رصاصة شفروتين الثانية فاصبتها والابن ثم اطلق الثالثة على بنته امينة، ثم لاحظ الابن عبد الحق هاربا نحو الحظيرة فاطلق عليه الرصاصة الرابعة، وبعد موت الجميع اخذ عتلة فهشم بها راس عزوز واتجه خفية الى السوق، واغتسل وصحب ابنته عزيزة ولما اتى ولم يجد احدا وضع الحمولة من فوق الدراجة واتجه على متن الدراجة النارية لاشعار السلطة غير انه تراجع بعد ذلك .

واعتبرت الغرفة الجنائية تقارير الاطباء مؤيدة لذلك، ولم ترد الاستجابة لطلب دفاع المتهم، حول استدعاء الاطباء الذين اجروا التشريحات الطبية، رافضة اياه بدعوى عدم ارتكازه على اساس، لكون الطبيب دون ملاحظاته في التقارير التي انجزها والتي وضحت المطلوب.

كما اعتمدت ما تضمنه محضر الضابطة ، من اقوال للمستمع اليهم، وما صرح به قائد الدرك ورفيقاه امام المحكمة، وعلى شهادة والدة للمتهم لما سألته : قتلت اولادك ؟ وانه اجابها : هذا ما اعطى الله .
فاعتبرت كل ذلك حجة قوية لايطالها شك في مؤاخذة المتهم والحكم عليه بالاعدام، ولم تاخذ بانكاره امامها وامام التحقيق قبلها.

واوردت الغرفة في حيثية لها ما يلي : " وحيث ان الافعال المنسوبة للمتهم لم يحدد فيها القانون وسيلة معينة للاثبات، وانما الاعتماد على الاعتقاد الصميم للمحكمة التي لها مطلق حرية في تقييم الادلة المقدمة اليها" ! الى اخر ما رتبته على هذه الحيثية، ومنها ان الاستنتاجات مؤيدة باعترافات المتهم للضابطة بتفصيل بارتكابه للجريمة.

واشارت المحكمة في حيثية لها الى انها تداولت حول ظروف التخفيف طبقا للفصل 486 من ق ج فارتات رغم توفر العذر المخفض بالنسبة لقتل زوجته وشريكها انه لخطورة الافعال وبشاعتها اذ شملت ثلاثة اولاد بعد قتل امهم ولا ذنب لهم سوى انهم سيبلغون عنه ما ارتكبه اتجاه أمهم وخادمه، واستنتجت انعدام الشفقة الابوية باستعماله اخطر الوسائل، وبعد الاجابة عن سؤال الرئيس لها : بلا ؟

ونعود الان الى الملاحظات التي ورد لنا على الوقائع المضمنة لمحضر الدرك.
ذلك ان الرسم البياني يوضح ان الابن الصغير عبد الرحيم كان على صدر امه لما اطلق عليها المتهم رصاصة، فأصابتهما معا حسب الاعتراف المسجل من طرف الضابطة.
ويلاحظ ان الدكتور اليعقوبي يذكر في تقرير تشريحه لجثة امينة وجود اربع رصاصات في بطنها الى جانب الرصاصة التي اصيبت بها حول الاذن وبذلك يصبح عدد الرصاصات خمسا وليس ثلاثا .

اما الدكتوران ويتجاس والمنصوري اللذان قاما بالتشريح المضاد فيؤكدان ان سبب الوفاة هو كسر في قمة الراس، والدرك يذكرون ان الاصابة لامينة كانت برشاش الخرطوشة الظاهر حول الجرح وانهم لم يروا شيئا في باقي الاجزاء.
وتشريح الدكتور اليعقوبي ينسب وفاة عزوز الى تهشم جمجمته، وتشريح الدكتورين ويتجاس والمنصوري ينسبها لكسر في قمة الراس بأداة مستطيلة دون ان كون جارحة.
ونفس ذلك ذكر بالنسبة لوفاة الزوجة زينب، لكن الدرك يصفون ذلك بانها اما أصيبت بطلقة نارية او باداة مثل فأس او عتلة، وبذلك فهم غير متأكدين من استعمال السلاح الناري ضدها.
والدكتور اليعقوبي يعزو وفاة عبد الحق الى تهشم جمجمته ومقدمة وجهه.
والدكتوران ويتجاس والمنصوري ينسبانها الى كسر في قمة الراس باداة صلبة دون ان تكون جارحة.
والضابطة الدركية تنسب وفاة عبد الحق بطلقة من سلاح ناري.
ويتفق الدكاترة والضابطة في سبب وفاة الطفل عبد الرحيم بطلقة نارية.
ومن خلال ما ورد في تشريحات الاطباء للجثث وما ورد في محضر الضابطة يتبين مدى التناقض حول اسباب وفاة الضحايا باستثناء الطفل عبد الرحيم .
ورجال الضابطة الدركية من المتمرسين بالسلاح وانواعه ولا يمكن ان يغيب عنهم شيء حوله .
وهذه الاستنتاجات لا تتفق مع تصريحات اب الاسرة المتهم بالقتل في كونه اطلق رصاصة على عزوز، ثم ثانية على زينب، ثم الثالثة على امينة، ثم بعد ذلك على ولده عبد الحق.
ولذلك يذكر المتهم ان تصريحاته لدى الضابطة الدركية في الاستنطاقين الخامس والسادس كانت تحت الضغط والاكراه .

وقد ورد في الصفحة الخامسة من القرار الجنائي ان دفاع المتهم طلب لدى التحقيق اجراء بحث اضافي، فقامت به الشرطة القضائية بمراكش لكن لم ينتج عنه أي عنصر جديد يؤيد ما يدعيه المتهم، حيث ان جميع الاشخاص المستمع اليهم لم يكونوا على علم بظروف الحادث، وانه وقع الاستماع الى الشهود الواردة اسماؤهم في محضر الضابطة، وكذا الاشخاص الذين طلب دفاع المتهم الاستماع اليهم فكانت إفادتهم سلبية.
واذا كانت الافادة سلبية فهي لصالح المتهم لا ضده .
وجاء في الاعترافات المنسوبة الى المتهم، انه بعد اطلاقه الرصاص على ولده عبد الحق هشم جمجمة عزوز ثم قام بغسل "العتلة" ثم عاد الى السوق حتى لا تلتفت اليه الانظار.
وحالة الضحايا تثبت ان جماجمهم كلها مكسرة باستثناء الطفل عبد الرحيم، كما ورد في تشريحات الدكتورين ويتجاس والمنصوري، واذن فمن هشم جماجم الضحايا الاخرين غير جمجمة عزوز ؟
هذا يطرح عدة تساؤلات حول صحة الاعترافات المأخوذة من المتهم رب الاسرة.

وورد في الاعتراف المنسوب للمتهم ان ذلك انتقاما لشرفه بعد ان شاهد بأم عينه عزوز يتصل جنسيا مع زوجته ( الصفحة الرابعة من الحكم)، وهذا يتناقض مع ما ورد في الصفحة قبلها التي تضمنت تصريح المتهم بانه وجد عزوز مستغرقا في النوم بجانب زوجته وبجانبهما الابن الصغير عبد الرحيم والبنت امينة .

وسجل على المتهم اعترافه باستعمال العيارات النارية من نوع شيفرولين التي سبق ان اشتراها لصيد الخنزير.
وهذا يتناقض مع ما وقعت الاشارة اليه عما ورد في محضر الضابطة الدركية وتقارير تشريح الجثث .
وسجل على المتهم اعترافه بانه ذهب الى غرفته الخاصة واتى بالبندقية فملاها ثم ارتكب الجريمة .

وهذا يتناقض مع تصريحات الراعي ايت صالح ابراهيم لدى الضابطة الدركية من ان عزوز كلفه بالبحث عن حمار فلما رجع لاشعاره وجد حاملا البندقية، غير ان الزوجة زينب والبنت امينة لم تسمحا له بأخذها في غيبة رب الاسرة وانهما أخذتاها وضعتاها بالغرفة التي وقعت فيها الجريمة ( الصفحة 4 من الحكم والصفحة 8 و9 من محضر الدرك).
ويؤخذ من هذا ان البندقية لم تكن في الغرفة الخاصة بالمتهم .
وجريمة من هذا الحجم يكاد يستحيل ان يقوم بها شخص واحد دون ان يلقي مقاومة من طرف الضحايا ولو وقع الاعتراف بانهم كانوا غارقين في النوم.
وكيف تتامر زوجة على خيانة زوجها امام أعين ابنتها البالغة من العمر 17 سنة، ووالداها وأمها كانا عازمين على تزوجيها لعزوز المتهم بالمشاركة في الخيانة الزوجية.

وحيث انتدب السيد قاضي التحقيق الشرطة القضائية بمراكش فحررت محضرها عدد 580 وتاريخ 6/6/1983 وذكرت انها قاست المسافة الفاصلة بين دوار اولاد عتو ( مكان وقوع الجريمة البشعة) وبين سوق جمعة سيدي رحال فتبين لها ان المسافة تقدر بثمانية كيلومترات، ويمكن لشخص عادي قطعها ذهابا وايابا في مدة ساعتين، وهذه مدة ليست باليسيرة حتى لا يكتشف امر المتهم في ذهابه وايابه لو حضر فعلا.

وجاء في محضر الشرطة القضائية المذكور ان الشاهد المحجوب ذكر انه، في يوم الجمعة 24/9/1982 جاء الى السوق صحبة والده الضرير فتوجه به بعد صلاة الجمعة الى الحمام وسلمه للمختار الكزولي ( المتهم) الذي كان داخل الحمام عاري الجسم .
واكد الشاهد محمد الحوزي تصريحات المرتسم المحجوب ذاكرا انه التقى بالمتهم بسوق الجمعة فرافقه الى الحمام الذي دخلاه حوالي الساعة الواحدة والنصف بعد الزوال وغادراه حوالي الساعة الثانية والنصف .
فاذا وقعت مقارنة هذه التصريحين بتصريحات الراعي ايت صالح ابراهيم حول وجوده بالمنزل ما بين الساعة 11 و10 دقائق والساعة 12 و30 ورجوعه الى البيت حوالي الساعة الثانية بعد الزوال ليكتشف المأساة، يتبين ان رب الاسرة المتهم كان لا يزال بسوق الجمعة.

وجاء في تصريحات راشدي المختار ( اليوتنان) رئيس السرية الدركية امام المحكمة انه عاين رجلي عزوز وزينب متشابكة وهما جثتان ( الصفحة الثامنة من الحكم الجنائي).
وهذا التصريح يتناقض مع ما أثبته هذا الضابط في الرسم البياني من وجود جثة عزوز بجانب جثة زينب مع فراغ فاصل بينهما من جهة وبين جثة عزوز وجثة امينة من جهة اخرى.
كما يتناقض مع ما أورده هذا الضابط، في الصفحة الثالثة من محضره في السطرين السادس والسابع من كون جثة عزوز توجد بين جثة زينب وجثة ابنتها امينة.

كما ان ما ورد في تصريحه امام المحكمة بخصوص الرصاص المستعمل، بان عزوز وزينب قتلا برصاصتين من نوع شيفروتين، اما الاخرون فقتلوا برصاص من نوع اخر ( الصفحة الثامنة من الحكم ) يتناقض مع ما اورده في محضره في الصفحات 3-4-5 حول كل من زينب وعزوز من كون انفجار جمجمتيهما كان ناتجا، احتمالا، بواسطة سلاح ناري او شيء مثل فاس او عتلة.

ويتناقض ايضا مع التشريحين اللذين قاما بهما الدكتور ويتجاس والمنصوري من كون الوفاة ناتجة عن كسر في قمة الجمجمتين بآلة مستطيلة دون ان تكون جارحة ولم يذكر الطبيبان أي شيء عن وجود اصابة بطلقة ناري.
وتصريح الضابط المذكور امام المحكمة بالنسبة للضحية عبد الحق ( الصفحة 8 من الحكم) وكذا ما اثبته في محضره اسفل الصفحة الرابعة من ان جمجمته انفجرت تبعا للطلقة المنبعثة من سلاح ناري، يتناقض مع ما ورد في تقرير التشريح المجري من طرف الدكتورين ويتجاس والمنصوري، من ان اسباب الوفاة كسر في قمة الراس بالة صلبة ومستطيلة.

واستنتاج هذا الضابط امام المحكمة، بان شخصا غريبا لن يعرف مكان السلاح المستعمل ومكان الرصاص وبقايا زاويا الدار يتناقض مع تصريح الراعي ايت صالح ابراهيم من كون البندقية كانت لدى عزوز لما أخذتها منه زينت وامينة وضعتاها بالغرفة التي وقعت فيها الجريمة .

ويثور الاستغراب حول استعمال الضابط للسلاح، بعد تفرق الناس، فلم يسمعوا الطلقة نظرا لكون مكان الحادث ( غارق) مع ان سكنى الناس لا تبعد كما قيل سوى ب 200 الى 300 م.
وكيف لم تسمع المسماة شامة الطلقة النارية، ومنزلها ملاصق بمنزل المتهم والذي وقعت فيه الجريمة البشعة.
ويثور استغراب اخر حول اسباب اختفاء البصمات من على البندقية مع انه من المسلم به الاحتفاظ بالاشياء التي تحمل البصمات سالمة، لما لها من اثر في توجيه البحث والوصول غالبا الى الفاعل .

ورغم هذه التناقضات، اقتنعت محكمة الجنايات الموقرة بثبوت التهم في حق المختار فاصدرت حكمها عليه بالاعدام معتمدة بالاساس على ما ورد في تقرير الضابطة الدركية وتصريحات رجالها امامها رغم ان محاضر الضابطة القضائية تعتبر مجرد بيانات في ميدان الجنايات طبقا لمقتضيات الفصل 293 من قانون المسطرة الجنائية .

كما اخذت بكون الطفل عبد الحق قتل بالرصاص، في حين ان التشريح الطبي للدكتورين ويتجاس والمنصوري يذكران ان سبب الوفاة كسر في قمة الراس باداة صلبة ومستطيلة.
كما ذكرت المحكمة الموقرة استحالة ضبط الشهود لساعات الالتقاء بالمتهم يوم السوق الاسبوعي معه لقضاء المآرب بعدم الضبط .

والعارف باحوال اسواق البادية يعرف ان اللقاء بها ممكن، لان الناس يتوجهون لرحبات الحبوب والدواجن والخضر واللحوم والبقالة والمقاهي والقيادات وغيرها، ولا سيما من ابناء دوار واحد وفخذة واحدة، وقد جاء في تصريح الشاهد بن المرتسم المحجوب ومحمد الحوزي للضابطة القضائية بمراكش، ضبط لوقت وجود المتهم في الحمام وهو الوقت الذي ارتكبت فيه الجريمة التي اودت بحياة الضحايا .

واذا كانت المحكمة الجنائية قد ذكرت، في حيثية لها، ان القانون لم يحدد وسيلة معينة للاثبات، وانما الاعتماد على الاعتقاد الصميم، فان تكوين القناعة، وان كان المجلس الاعلى لا رقابة له عليها، فان رقابته تنصب على وسائل تكوين هذه القناعة.

وفي نظرنا، انه لو تعمقت المحكمة الجنائية الموقرة في وقائع النازلة وما شابها من تناقضات، لكان لها راي اخر ربما افضى الى الحكم بالبراءة ولو لفائدة الشك لان الحكم بالاعدام في حالة تنفيذه لا يمكن ان يتدارك الخطا الذي قد يقع فيه الحكم بعد ازهاق روح المحكوم عليه، فتكون اخطاء القضاء قاتلة.

وفي راينا، ان بحث الضابطة الدركية كان ناقصا وناقصا جدا، لانه لم يتوصل للفاعل الحقيقي او الفاعلين الحقيقيين، ونعود الى بداية حديثنا عن الاعذار المخففة، فالمحكمة الجنائية بعد قناعتها بارتكاب المتهم لجريمة القتل، سجلت وجود العذر المخفف بالنسبة لقتل الزوجة وشريكها ( كذا) طبقا للفصل 416 من القانون الجنائي، لكنها حرمته من ذلك العذر. بعلة خطورة الافعال وبشاعتها اذ شملت ثلاثة اولاد بعد قتل امهم.

واستنتجت، من عندها، انه لا ذنب لهم سوى انهم سيبلغون عنه عما ارتكبه اتجاه امهم وخادمه.
كما استنتجت، ايضا من عندها، انعدام الشفقة الابوية باستعماله اخطر الوسائل .
ان هذين الاستنتاجين ما كان للمحكمة ان تثيرهما، تلقائيا، لان ذلك يعتبر توسعا في تفسير الوقائع، والحال ان المحكمة ملزمة بتفسير النصوص تفسيرا ضيقا لصالح المتهم وتفسيرا واسعا لصالحه ايضا .

ولو فرضنا ان المتهم هو المرتكب الحقيقي للجريمة، وتجاوزنا عن التناقضات التي جاءت بمحضر الضابطة الدركية، كما بسطناه اعلاه، أفلا يكون الحالة النفسية التي اصبح عليها المتهم وهو يرى زوجته تخونه مع خادمه الذي رباه وإياها، وسنه ثمان سنوات الى ان بلغ حوالي 24 سنة، مثيرة للاستفزاز، بشكل يجعله لا يبالي بمن امامه من مرتكبي الخيانة الزوجية وشريكها واولاده الذين كانوا وقت الحادثة.

ومن هنا، نرى ان محكمة الجنايات الموقرة كانت مخطئة في عدم منح المتهم ظروف التخفيف، وخالفت بذلك مقتضيات الفصل 418 من القانون الجنائي، الذي نرى ان تطبيقه يكون ملزما للمحكمة حين توفر مقتضياته في النازلة المعروضة عليها، ونعتقد ان مقتضيات الفصل 433 من ق ج التي تنص : " عندما يثبت العذر القانوني فان العقوبات تخفض الى الحبس من سنة الى خمس سنوات في الجنايات المعاقب عليها قانونا بالاعدام او السجن المؤبد" تؤيدنا فيما ذهبنا اليه.

ونسوق هنا اجتهاد الغرفة الجنائية بمحكمة الاستئناف بمكناس، في قرار لها صادر عنها بتاريخ 24/4/1978، اذ ورد فيه تمتيع المتهمة بعذر الاستفزاز بناء على الحيثية التالية :
" حيث ان الذي ثبت للمحكمة هو ان المتهمة كانت جالسة مطمئنة ببيتها تقسم الرمان لابنائها، ففوجئت بوقوف شخص اجبني بجانبها استفزها واثار غضبها العفوي، وان المحكمة يجدر بها اعتبار غضبها المعنوي، مما يجعل قرار السيد قاضي التحقيق الذي اعتبر وجود الاستفزاز في النازلة مصادفا للصواب.

ان هذه المحكمة قد اعتبرت الغضب المعنوي كافيا لوجود الاستفزاز فكيف بالغضب المادي الصارخ في النازلة المعلق عليها.
ويمكننا ان نشير الى ان اعتبار السيد قاضي التحقيق لعنصر الاستفزاز خارجا عن اختصاصه كسلطة اتهام للان المحكمة المعروضة عليها النازلة هي التي تتحقق من وجود عنصر الاستفزاز او عدمه .

ولئن كان المجلس الاعلى قد نقض قرار غرفة الجنايات بمكناس فانه انما عمل النقض بان القرار " لم يبين في حق العارضة انها قامت بضرب وجرح الضحية عمدا" ( قرار عدد 1241 بتاريخ 19/7/1979م) ولم يتعلق قرار المجلس الاعلى لموضوع استخلاص الاستفزاز من الغضب العفوي الذي تعرضت له المتهمة نتيجة وقوف الضحية بجانبها ( يراجع القانون الجنائي الخاص للدكتور احمد الخمليشي الجزء الثاني هامش صفحة 72).

ومن جهة اخرى، فانه اذا كان الاعتراف سيد الادلة فانه يفقد هذه السيادة خصوصا اذا رافقته ظروف وتناقضات من مثل ما اشير اليه سابقا .
وفي مجال القضاء، كثيرا ما صدرت احكام بناء على الاعترافات منها ما وصل الى حد انزال عقوبة الاعدام، كما هو الشان في نازلتنا الحالية، وبعد مدة قصيرة او طويلة تظهر الحقائق التي تدحض الاعتراف المعتمد عليه، فاذا كان الحكم بالاعدام قد نفذ يكون البريء المحكوم باعدامه قد فقد حياته نتيجة خطا من اخطاء القضاء.

وليس ببعيد قضية الايرلنديين الثلاثة الذين ادينوا من طرف القضاء الانجليزي بوضع قنبلة ادت الى مقتل ستة اشخاص واحداث خسائر مادية، وذلك حوالي سنة 1975 وبناء على الاعتراف المسجل عليهم، من طرف الشرطة الانجليزية، فقد حكم عليهم بالسجن المؤبد لان عقوبة الاعدام ملغاة ببريطانيا، لكنه بعد قضائهم مدة 15 سنة من السجن من ايام شبابهم - لان اعمارهم كانت ما بين 19 و21 سنة - وفي مطلع صيف سنة 1989 اكتشف الحقيقة وظهر انهم تعرضوا لاكراه من طرف الشرطة، فافرج عنهم وقدم القاضي اعتذارا لهم.
ولو كانت عقوبة الاعدام مطبقة ونفذ حكم الاعدام فيهم، لكانوا قد ذهبوا ضحية خطا من اخطاء القضاء اعتمادا على الاعتراف كاساس لثبوت الجريمة في حق المتهمين.

وكان من الممكن ان يكون قرار المجلس الاعلى الصادر، بعد طلب النقض من طرف المتهم، ناقضا للحكم الجنائي للاسباب المذكورة اعلاه، لكن المجلس الاعلى الموقر اكتفى في تعليل قراره بحيثية واحدة مطبوعة بان محكمة الجنايات قدرت الوقائع بما لها من سلطات وان العقوبة المحكوم بها مناسبة، أي رغم كونها عقوبة اعدام .
وفي اعتقادنا ان المجلس الاعلى الموقر لو راجع وقائع النازلة، كما ذكرنا اعلاه، لكان قراره بالنقض بدلا من الرفض .

* مجلة المحاكم المغربية، عدد 63، ص 35.

0 التعليقات:

Post a Comment