الأجل القضائي الاستعطافي - الاسترحامي -

علي العلوي الحسني
المحامي بهيئة الجديدة

أولا : مفهوم الأجل وخطا استعمال عبارة الأجل الاستعطافي او الاسترحامي :
الاجل كما هو معروف امر عارض يضاف الى الالتزام بعد ان يستوفي عناصره الجوهرية وهو بذلك وصف زمني للالتزام.
والاجل مزية يفترض مبدئيا انها مقررة للمدين وقد تكون مقررة لفائدة الدائن.
ولذلك نص الفصل 135 من قانون الالتزامات والعقود على ان الاجل يفترض فيه انه مشترط لصالح المدين ويجوز له ان ينفذه قبل حلول اجله اذا كان محله نقودا ولم تكن للدائن مضرة في استيفائه. الخ ….
ويمكن الاستدلال على انه مزية من صراحة الفصل 139 من القانون المذكور حينما قال :
يفقد المدين مزية الاجل اذا اشهر افلاسه.
بل ان النص بالفرنسية وقد كان هو الاصل زمن التشريع استعمل لفظ "Bénéfice" الذي يقابل الربح.
"Ce débiteur perd ce bénéfice"
ومن الاكيد ان هذا الوصف في الالتزام له قدر جليل وخطير سواء على مستوى القانون او على مستوى المعاملات المدنية والتجارية.

وتكفي الاشارة لبيان ذلك الى ان الالتزام يقف بالاجل وينفسخ به وان سوق القيم النقدية وتقلباتها من يوم لاخر وربما من ساعة لاخرى يكشف عن قيمة اجال الفوائد وكيف تصبح احيانا اضعاف قيمة الدين .
واذا كان الاجل باعتباره مصادره يصنف الى اجل قانوني واتفاقي وقضائي فان ما يهمنا هو الاخير او ما يسمى بالنظرة الى ميسرة عند المصريين وما يسمى عندنا بالاجل الاستعطافي او الاسترحامي وعند الفرنسيين Délai de grâce".
والملاحظ في شان هذه التسميات ان اضعفها ملاءمة هو الاسم الشائع لدينا وهو الاجل المنعوت بالاستعطاف او الاسترحام.
والواقع ان المشرع المغربي استعمل بالفصل 128 من قانون الالتزامات والعقود عبارة لا يسوغ لقاضي ان يمنح اجلا او ينظر الى ميسرة.
وكان مما يلزم او يجمل بالمشتغلين بتطبيق القانون لدنيا من محامين وقضاة استعمال طلب نظره الى ميسرة والامر بنظرة الى ميسرة.
فاذا لم تعجب عبارة النص القانوني ولغة المشرع كانت الاستعاضة عنها بلغة الفقه امثل وهي استعمال مصطلح الاجل القضائي .
واما استعمال مصطلح الاجل الاستعطافي والاسترحامي فهو استعمال خاطئ لغة وعقلا بما ان غير العاقل لا يستعطف ولا يسترحم .

وهو استعمال غير سائغ قانونا وفقها وتكريما لبني ادم ايضا لان ما نص عليه القانون كرخصة لا يستعطف به ولا يسترحم به بل يطلب بالراس المرفوع والادب الجم سيما وان القران الكريم جاء به : { وان كان ذو عسرة فنظرة الى ميسرة} .

ثانيا : في الاجل القضائي شرعا وفي القوانين الوضعية المقارنة.
1) في الشريعة الاسلامية :
لقد سبقت الاشارة الى الاية الكريمة فنظرة الى ميسرة .
ومن المعروف ان الني عليه السلام قال : مطل الغني ظلم.
وبين مراعاة مركز المدين المعسر وحماية الدائن فان الفقهاء ميزوا بين :
حالة المدين المعلوم الملاءة الذي يمنح الاجل اليسير ولكن مع شرط استطاعته البحث عما يؤدي به واتيانه بضامن الاداء.
وحالة ظاهر العسر وهو من ادلى ببينة تثبت عسره فينظر الى ميسرة.
وحالة مجهول الحال الذي لا يطبق في حقه الاصل وهو الفقر والتجرد وانما يطبق في حقه الغالب وهو الكسب والملاءة وياخذ حكم معلوم الملاءة.

ويتعين التذكير بان الفقه الاسلامي عرف بحقوق الدائن والمدين في تنفيذ الالتزامات وفاء بما سبق ذكره من وجوب مراعاة مركز المدين الذي اصيب بطارئ العسر ولمركز الدائن الى درجة يشعر معها المطلع ان الغرب لم يضف الى ذلك شيئا كبيرا .

2) في القوانين الوضعية :
لقد نص القانون المدني الفرنسي على الاجل القضائي وكذلك المصري واللبناني والسوري والعراقي والليبي والمغربي .
والملاحظ ان القانون الفرنسي الصادر في 20 غشت 1936 حدد الاجل المذكور في سنة واحدة وحظر منح ما يزيد عليها بالفصل 1244.
كما يلاحظ ان التقنينات المصرية والسورية والليبية والعراقية قيدت النص صراحة بان لا يكون الاجل الممنوح سببا في الحاق ضرر جسيم بالدائن وان لا يكون نص مانع في القانون.
وقد سار التقنين اللبناني جزئيا مع هذه التقنينات حينما نص على حظر منح الاجل حينما يكون هناك نص قانوني مخالف .
ولم يرد شيء من ذلك بالفصل 243 من قانون الالتزامات والعقود المغربي صراحة .

وبصرف النظر عن تقييد النص او اطلاقه بهذا القانون او بذلك فان فقه القانون حدد شروطا لا مجال لتجاوزها في منح الاجل القضائي وهي :
1- ان يكون المدين حسن النية وغير ميؤوس من قدرته على الاستدراك كان يكون له عقارات ويحتاج الى وقت لبيعها قصد الوفاء .
2- انه لا يقع ضرر جسيم للدائن من جراء منح الاجل كان يكون سببا في افلاسه او في متابعته من اجل دينه هو.
3- ان لا يكون مانع قانوني قائما في مواجهة منح الاجل كان يكون بالقانون نص يصرح بالحظر صراحة او ضمنيا .

ومن الجدير بالذكر ان منح الاجل لا يمنع من اجراء المقاصة ان ثبت للمدين دين في حق الدائن المؤجل دينه اذ لا يمكنه ان يتعلل بالاجل.
ولذلك يرجح وان كانت القضية خلافية ان الدائن من حقه ان يحجز ما للمدين المؤجل لدى الغير.
كما يجدر الذكر ان المدين يستفيد من هذا الاجل شخصيا ولا يستفيد معه المدين والمتضامن معه في اداء الدين خلافا للقواعد العامة في التضامن وذلك لعلة ظاهرة.

ثالثا : في مجال وخطا التطبيق :
ان استنطاق النص وهو الفصل 243 من القانون المدني المغربي يفرض طرح تساؤل جوهري اذا كان المقصود بالقضاة قضاة الموضوع او ان المقصود بهم ايضا قضاة الاستعجال القائمين على مشاكل التنفيذ ؟
وبعبارة اخرى هل يجوز منح الاجل قبل صدور الحكم وبعده ام ان الامر قاصر على ما قبل الصدور ؟
وللجواب على هذا التساؤل يجب بداية وضع الفصل في سياقه الذي ورد به بالقانون او التذكير بذلك الوضع بالاحرى .
وهكذا فان الناظر يجد ان الفصل 243 ورد في الباب الثاني المعنون بتنفيذ الالتزامات المقابل للعنوان في النص الفرنسي : l'exécution des obligations .

ومن الظاهر ان هذا الباب ينظم تنفيذ الالتزامات التعاقدية الناشئة بين الاطراف نتيجة المعاملات الجارية بينهم بدليل ما ورد في كل فصل من فصوله مما لا حاجة بنا الى الاسهاب فيه .
ويترتب عن ذلك ان هذا الباب لا ينظم تنفيذ الاحكام الصادرة بين الاطراف نتيجة النزاعات الجارية بينهم .
ثم يترتب عن ذلك ان الفصل 243 موضوع المناقشة لا يخرج عن هذه الحدود ولذلك فان ينصب على الالتزامات التعاقدية التي تعرض على القضاء في اطار نزاع معين بين دائن ومدين .

فكان من اللازم ان يكون القضاة بالفصل قضاة الموضوع الذين ينظرون في النزاع الموضوعي او في دعوى الموضوع المتعلقة بالتزام تعاقدي باداء الدين .
ومن جهة ثانية فان الفصل ورد به تسويغ مراعاة لمركز المدين منح الاجل وليس مراعاة لمركز المحكوم عليه.
ولم يكن مما يعز على جهابذة القانون الذين وضعوا النص استعمال العبارة الصريحة الدالة على اتجاه القصد الى شمول هذه المزية المحكوم عليه ايضا .

ويخطر لي في هذا الشان ان القانون المدني الفرنسي وهو قانون الدولة الحامية التي صدر في ظلها القانون المدني المغربي في سنة 1913 اضطر في 25 مارس من سنة 1936 الى اضافة فقرة صريحة نصت على ان قاضي المستعجلات يمكنه ان يستعمل نفس السلطة الممنوحة بمقتضى الفقرة الثانية من الفصل .
وهو ما يعني صراحة ان قضاة الموضوع هم وحدهم من قصدوا في الفقرة الثانية .
واليكم قصد البيان نص الفصل 1244 من القانون المدني الفرنسي .

الفقرة الاولى :
لا تهم الموضوع :
الفقرة الثانية
les juges peuvent néamoins en considération de la position du débuteur et compte tunu de la situation éconoimique accorder pour ce payement des delais qui empruntèrent leur mesure aux sirconstances sans toutes fois dépasser un an et surseoir à l'exécution des poursuites, toutes choses demeuront en l'état.
وترجمتها باللسان العربي :
يمكن للقضاة مع ذلك مراعاة لمركز المدين ومع اخذ الوضعية الاقتصادية بعين الاعتبار منح اجال للوفاء تحدد حسب الظروف ولا يمكن ان تتجاوز سنة وتتوقف المتابعات وتبقى الاشياء على حالتها.

الفقرة الثانية المضافة بمقتضى تعديل 25 مارس 1936:
" En cas d'urgence la même faculté appartient en tout état de cause au juge de référés.
وترجمتها باللسان العربي : في حالة الاستعجال فان نفس الاختصاص يكون كيفما كان السبب لقاضي المستعجلات .
ولذلك يمكن القول بكل اطمئنان ان مشرع سنة 1913 لم يكن يقصد الا قضاة الموضوع لانه نقل النص المغربي عن النص الفرنسي القديم ولم يقع تعديله كما عدل.

ومن جهة ثالثة فان الفصل 243 المغربي ينص على مراعاة مركز المدين وايقاف اجراءات المطالبة حين منح الاجل .
ومن الواضح ان اجراءات المطالبة بالدين لا تكون الا امام قاضي الموضوع .

ومن جهة رابعة فان الفقه اشترط كما سبق القول ان لا يكون هناك مقتضى قانوني مخالف والمقتضى المخالف بالقانون المغربي لمنع منح الاجل بعد صدور الحكم وصيرورته قابلا للتنفيذ يتجلى في كل فصل وكل قاعدة قانونية تفرض انفاذ الحكم وعدم المس بقوة الشيء المقضي به المخولة له وبالصيغة التنفيذية الموضوعة عليه.
ومن المفيد الاشارة في هذا الشان الى ما ورد عند الفقيه العربي الدكتور عبد الرزاق السنهوري في النبذة 462 المعنونة بعنوان تحديد القاضي وقت الوفاء - نظرة الميسرة بالوسيط

- الجزء الثالث :
" اما في غير هاتين الحالتين أي في حالة ما اذا كان الدائن يباشر التنفيذ بموجب حكم قابل للتنفيذ فانه لا يجوز للمدين ان يستشكل ليطلب نظرة الميسرة اذ يكون الوقت قد فات وكان الواجب ان يطلب ذلك اثناء الدعوى وقبل صدور الحكم فاذا ما صدر الحكم دون ان يمنح المدين نظرة الميسرة فليس ثمة سيبل الى ذلك اذ الحكم يجب تنفيذه كما هو ولا يجوز لقاضي اخر ان يعدله الا عن طريق الطعن فيه بالاوجه المقررة قانونا".

وعليه فان منح رؤساء المحاكم لدينا بالمغرب بعد صدور الاحكام للاجال المنعوتة بالاستعطافية او الاسترحامية منحى خاطئ في تطبيق القانون .
ويمكن القول بدون مبالغة ان هذه المسطرة او الاستجابة اليها بالاحرى اصبح عرقلة اخرى تضاف الى مشاكل التنفيذ وهمومه.

بل انه وفي احايين كثيرة يكون الحكم صادرا بالنفقة ومشمولا بالنفاذ المعجل بقوة القانون ويمتنع المحكوم عليه من التنفيذ وترفع به شكاية باهمال الاسرة ويمنح الاجل المنصوص عليه بالفصل 481 من القانون الجنائي وهو غير منازع في الزوجية ولا في النسب وغير مثبت حين الدعوى لعدم، فتصبح النيابة العامة في حيص بيص ما بين الاجل المحدد قانونا والاجل المحدد من طرف رئيس المحكمة .

ويضاف الى هذا التجاوز لحدود تطبيق النص تجاوز الشروط التي وام لم ترد بالنص فهي قائمة في فقه القانون وفي القوانين المقارنة بالقانون المغربي كما سبق الذكر علما بان احترام الشروط المذكورة هو وحده الذي يؤمن المراعاة العادلة بين مركز الدائن والمدين.

وعليه فان الامل معقود في المستقبل اما على تدخل المشرع لتعديل النص باضافة الشروط الصريحة المقيدة له واما على توحيد التطبيق في انتظار ذلك، وذلك بالوقوف عند الحدود المعقولة للتطبيق وعدم الوقوع في التجاوز الذي سبق بيانه اعلاه .

* مجلة المحاكم المغربية، عدد 66، ص 85.

1 التعليقات:

hicham said...

أريد نسخة من المقال من فضلكم

Post a Comment