لتطورات الأخيرة للقانون الفرنسي

بقلم الأستاذ فيليب لافارج - المحامي بهيئة باريس

انكب المشروع الفرنسي عدة مرات في السنوات الاخيرة على مشكل حوادث السيارات واهتم على الخصوص بتحسين وضعية الضحايا .
ليس هدفنا هنا دراسة مجموع القانون الفرنسي في هذا الميدان، لكن ابراز ثلاثة مراحل اساسية في تطوره .

1) قانون 13 دجنبر 1957
يدخل هذا القانون استثناء على قواعد اختصاص المحاكم القضائية والمحاكم الادارية بفرنسا .
نعم فعلا انه يوجد بفرنسا نوعان من المحاكم :
المحاكم القضائية الى غاية مجلس النقض .
المحاكم الادارية الى غاية مجلس الدولة .

يخول القانون العام للمسؤولية الاختصاص الى المحاكم الادارية فيما يتعلق بالدعوى الموجهة ضد الدولة مباشرة او بسبب خطا اعوانها .

وكان الاختصاص يعود اذن الى المحاكم الادارية حين تكون السيارة المعنية ملكا للدولة، وينتج عن ذلك تخفيض في تقدير الضرر اللاحق بالضحية لان التعويضات الممنوحة من طرف المحكمة الادارية تقل عن تلك التي تمنحها المحاكم المدنية اعتبارا للطابع المقيد لمجلس الدولة خصوصا في تعويض الضرر المعنوي .
وكانت تمنح تعويضات مختلفة في حالات متشابهة .

ولمحاربة هذا الحيف صرح قانون 31 دجنبر 1957 ان المحاكم القضائية هي وحدها المختصة للبث في كل دعاوي المسؤولية الرامية الى تعويض الاضرار المختلفة التي تتسبب فيها ناقلة كيفما كانت .

ويتم البث في الدعوى حسب قواعد القانون المدني حتى لو كانت الناقلة تستعمل مثلا في خدمة مؤسسة عمومية وقت الحادثة .

ولا تخفى الاهمية القصوى لهذا النص، واخذ الاجتهاد القضائي بعبارة (ناقلة) في كل معانيها وطبقها بالسواء على الطائرات والبواخر .

وفي الاخير وسع الاجتهاد معنى عبارة الناقلة كل ما امكن ذلك حتى يرد للمحاكم المدنية كل الاختصاص لتقدير التعويض حسب مقاييسها .

2) قانون 27 دجنبر 1974
ينص هذا القانون على اعادة تقدير بعض المعاشات الممنوحة لتعويض الضرر الناتج عن ناقلة ارضية ذات محرك .

ونعلم ان تعويض الضرر الحاصل للضحية يتم مقابل مبلغ من المال اذا لم يكن بفدية .

يحدد قاضي الموضوع مبلغ ذلك التعويض وكيفية ادائه ونجد طريقتين للاداء فان القاضي يمنح للضحية اما راس مال او معاش .

والتعويض على شكل راس مال لا يثير الانتباه لان المستفيد منه يسير ماله حسب ما هو صالح له، بحيث يحصل تغيير في القيمة المالية للضرر كما وقع تحديده عند صدور الحكم .

واصبحت المشكلة حادة جدا في عصرنا هذا نظرا للانهيار النقدي خصوصا وان المعاش يمنح اساسا الى الشاب الذي يصاب بضرر خطير يستحيل معه تغيير مهنته .

واذا كان الاجتهاد القضائي يرفض وضع سلم او اعادة تقدير التعويض الممنوح الامر الذي ينتج عنه في الحقيقة تضخم الضرر .

فقد جعل حدا له في هذه الحالة بواسطة تغيير في الاجتهاد بمقتضى قرارين صادرين في تاريخ 6 نوفمبر 1974 عن مجلس النقض رفض فيهما الطعون المقدمة ضد قرارين لمحكمة الاستيناف ببواتي منحت فيهما معاشات قابلة للمراجعة لضحايا مصابين بعجز كلي مستمر .

وجاء المشروع شهرين بعد هذا التغيير بحل جزئي لمشكلة وضع سلم المعاشات في مادة حوادث السير .
وبالرغم من كون هذا النص ليس نصا عاما فانه يكتسي اهمية بالغة .

ينص فعلا القانون على انه يرفع بقوة القانون المعدل السابق الوارد فيه والملزم للقضاة وللاطراف باستثناء كل سلم اخر للمعاشات الممنوحة بالصلح او قضائيا لتعويض الضرر الناتج عن ناقلة ارضية ذات محرك .

أ‌- الى الضحية المصابة بعجز مستمر يبلغ على الاقل 75 بالمائة .
ب‌- في حالة الوفاة الى الاشخاص الذين كانوا تحت نفقة الضحية .

وهكذا تصفى الحالات الخطيرة اما عندما يتعلق الامر بمنح معاشات لاشخاص لا تتوفر فيهم الشروط المقررة فان الحلول الواردة في الاجتهاد القضائي الصادر في 1974 تبقى سائدة ويحتفظ القاضي في هذه الحالة بحرية تحديد كيفية اعادة تقدير التعويض .

3) قانون 3 يناير 1977
هذا النص احدث من الاخرين ويؤدي الى تطور القانون الفرنسي في مادة حوادث السيارات نحو تعويض اجدى واحق وهو قانون 3 يناير 1977 الذي يضمن تعويض بعض ضحايا الضرر الجسماني الناتج عن مخالفة .

يحدث هذا القانون امام محاكم الاستيناف لجنا مدنية للبث في طلبات تعويض الضرر الجسماني الناتج عن فعل يكتسي صفة مخالفة وله تاثير خطير على ظروف معيشة المدعي .
وفي هذه الحالات يتعين قصد قبول الطلب ان لا يكون الضرر قابلا للتعويض بطريقة اخرى .

واذا توفر هذا الشرط فان المتضرر يستفيد من ضمانة الدولة في نطاق الحدود المقررة كل سنة بمرسوم (150.000 فرنك فرنسي لكل دعوى في 1977). وعمليا فان هذه المساعدات تطلب قبل كل شيء عندما يكون مرتكب المخالفة مجهولا او معسرا .

ويمكن بهذه الطريقة تغطية الحالات التي يكون فيها سبب الحرمان من التعويض ناتج عن ظروف مادية ( وفاة او غيبة او وجود سكنى المدنيين بالخارج) او عن ظروف قانونية ( عفو او مسوؤلية جنحية او حصانة دبلوماسية ) .

وياتي هذا القانون مفعوله في مادة حوادث السيارات بالرغم من وجود صندوق مال الضمان .
فمن المعلوم ان صندوق الضمان يختص في فرنسا بتعويض الضرر عندما يكون المسبب فيه مجهولا او معسرا لانعدام التامين .

لكن لا يوجد اي تضارب بين المؤسستين بل احسن من ذلك فانهما متكاملتين .
فمثلا لا يعوض صندوق مال الضمان الضرر الحاصل للاشخاص الاجانب الذين لا يسكنون بفرنسا .
ولا يتحمل صندوق الضمان اي التزام عندما يكون الضرر ناتجا عن فعل حيوان داجن او وحش .

وتتكامل المؤسستان لانه رغم التقاء ميدانهما فانه يمكن اللجوء عن كثب الى اللجنة كلما كان صندوق مال الضمان لم ينفذ التزامه بصفة فعلية وكاملة .

وبما ان اجل التقاضي ضد صندوق مال الضمان يمتد طويلا فان الوسيلة المخولة للضحية تمكنها من الحصول على تعويض جزئي سريع ينقذها من حالة مادية صعبة .

بحيث ان شرط استحالة التعويض بطريقة اخرى يكون متوفرا رغم وجود صندوق مال الضمان كلما اقيمت الحجة على ان القضية رفعت الى ذلك الصندوق وانه لا زال لم ينفذ التزامه .
ومن خلال هذه النصوص نرى اذن اهتمام المشروع الفرنسي في السنوات الاخيرة في ان يحقق جهد الامكان تعويضا ناجعا للضرر الناتج عن حوادث السيارات في الظروف المتعددة التي يمكن ان تقع فيها تلك الحوادث .

فيليـــب لافــــارج
محام بهيئة باريس

* عن مجلة المحاكم المغربية، العدد 21 ، ص 53 .

0 التعليقات:

Post a Comment